منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالسبت 14 أغسطس - 17:36

الثانية- واختلف أهل التأويل في الكلمات ، فقال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والضحاك ومجاهد هي قوله {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف : 23] وعن مجاهد أيضا : سبحانك اللهم لا إله إلا أنت ربي ظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم : وقالت طائفة رأى مكتوبا على ساق العرش "محمد رسول الله" فتشفع بذلك ، فهي الكلمات. وقالت طائفة : المراد بالكلمات البكاء والحياء والدعاء وقيل : الندم والاستغفار والحزن. قال ابن عطية : وهذا يقتضي أن آدم عليه السلام لم يقل شيئا إلا الاستغفار المعهود. وسئل بعض السلف عما ينبغي أن يقول المذنب فقال يقول ما قاله أبواه {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} الآية وقال موسى {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص : 16] وقال يونس {لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء : 87] وعن ابن عباس ووهب بن منبه : أن الكلمات "سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي اغفر لي إنك خير الغافرين سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم" وقال محمد بن كعب هي قوله : "لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أرحم الراحمين" وقيل : الكلمات قوله حين عطس "الحمد لله" والكلمات : جمع كلمة والكلمة تقع على القليل والكثير وقد تقدم :
الثالثة- قوله تعالى : {فَتَابَ عَلَيْهِ} أي قبل توبته ، أو وفقه للتوبة. وكان ذلك في يوم عاشوراء في يوم جمعة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وتاب العبد : رجع إلى طاعة ربه وعبد تواب : كثير الرجوع إلى الطاعة وأصل التوبة الرجوع يقال : تاب وثاب وأب وأناب : رجع.
(1/324)





الرابعة- إن قيل : لم قال "عليه" لم يقل عليهما وحواء مشاركة له في الذنب بإجماع وقد قال {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [البقرة : 35] و {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف : 23] فالجواب : أن آدم عليه السلام لما خاطب في أول القصة بقوله "اسكن" خصه بالذكر في التلقي فلذلك كملت القصة بذكره وحده وأيضا فلأن المرأة حرمة ومستورة فأراد الله الستر لها ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه : 121] وأيضا لما كانت المرأة تابعة للرجل في غالب الأمر لم تذكر كما لم يذكر فتى موسى مع موسى في قوله {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} [الكهف : 75] وقيل : إنه دل بذكر التوبة عليه أنه تاب عليها إذ أمرهما سواء ، قاله الحسن. وقيل : إنه مثل قوله تعالى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} [الجمعة : 11] أي التجارة لأنها كانت مقصود القوم فأعاد الضمير عليها ولم يقل إليهما والمعنى متقارب. وقال الشاعر :
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ومن فوق الطوي رماني
وفي التنزيل {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة : 62] فحذف إيجازا واختصارا
الخامسة- قوله تعالى : {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه التواب وتكرر في القرآن معرفا ومنكرا واسما وفعلا ، وقد يطلق على العبد أيضا تواب قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة : 222]. قال ابن العربي : ولعلمائنا في وصف الرب بأنه تواب ثلاثة أقوال أحدها : أنه يجوز في حق الرب سبحانه وتعالى فيدعى به كما في الكتاب والسنة ولا يتأول وقال آخرون : هو وصف حقيقي لله سبحانه وتعالى وتوبة الله على العبد رجوعه من حال المعصية إلى حال الطاعة وقال آخرون : توبة الله على العبد قبوله توبته ، وذلك يحتمل أن يرجع إلى قوله سبحانه وتعالى قبلت توبتك وأن يرجع إلى خلقه الإنابة والرجوع في قلب المسيء وإجراء الطاعات على جوارحه الظاهرة.
(1/325)





لا يجوز أن يقال في حق الله تعالى : تائب اسم فاعل من تاب يتوب لنا أن نطلق عليه من الأسماء والصفات إلا ما أطلقه هو على نفسه أو نبيه عليه السلام أو جماعة المسلمين ، وإن كان في اللغة محتملا جائزا. هذا هو الصحيح في هذا الباب على ما بيناه في "الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" قال الله تعالى {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} [التوبة : 117] وقال : {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [التوبة : 104] وإنما قيل لله عز وجل تواب ، لمبالغة الفعل وكثرة قبوله توبة عباده لكثرة من يتوب إليه.
السابعة- اعلم أنه ليس لأحد قدرة على خلق التوبة ، لأن الله سبحانه وتعالى هو المنفرد بخلق الأعمال ، خلافا للمعتزلة ومن قال بقولهم. وكذلك ليس لأحد أن يقبل توبة من أسرف على نفسه ولا أن يعفو عنه قال علماؤنا : وقد كفرت اليهود والنصارى بهذا الأصل العظيم في الدين {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة : 31] جل وعز ، وجعلوا لمن أذنب أن يأتي الحبر أو الراهب فيعطيه شيئا ويحط عنه ذنوبه {افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام : 140]
الثامنة- قرأ ابن كثير {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} والباقون برفع "آدم" ونصب "كلمات" والقراءتان ترجعان إلى معنى ، لأن آدم إذا تلقي الكلمات فقد تلقته. وقيل لما كانت الكلمات هي المنقذة لآدم بتوفيق الله تعالى له لقبوله إياها ودعائه بها كانت الكلمات فاعله وكأن الأصل على هذه القراءة "فتلقت آدم من ربه كلمات" ولكن لما بعد ما بين المؤنث وفعله حسن حذف علامة التأنيث. وهذا أصل يجري في كل القرآن والكلام إذ ا جاء فعل المؤنث بغير علامة ومنه قولهم : حضر القاضي اليوم امرأة. وقيل : إن الكلمات لما لم يكن تأنيثه حقيقيا حمل على معنى الكلم فذكر. وقرأ الأعمش "آدم من ربه" مدغما. وقرأ أبو نوفل بن أبي عقرب "أنه" بفتح الهمزة على معنى لأنه وكسر الباقون على الاستئناف. وأدغم الهاء في الهاء عمرو وعيسى وطلحة فيما حكى أبو حاتم عنهم وقيل لا يجوز ؛
(1/326)





لأن بينهما واوا في اللفظ لا في الخط. قال النحاس أجاز سيبويه أن تحذف هذه الواو وأنشد :
له زجل كأنه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير
فعلى هذا يجوز الإدغام وهو رفع بالابتداء "التواب" خبره والجملة خبر "إن" ويجوز أن يكون "هو" توكيدا للهاء ويجوز أن تكون فاصلة ، على ما تقدم.
وقال سعيد بن جبير لما أهبط آدم إلى الأرض لم يكن فيها شيء غير النسر في البر والحوت في البحر فكان النسر يأوي إلى الحوت فيبيت عنده فلما رأى النسر آدم قال : يا حوت لقد أهبط اليوم إلى الأرض شيء يمشى على رجليه ويبطش بيديه فقال الحوت : لئن كنت صادقا لي منه في البحر منجى ولا لك في البر منه مخلص.
الآية : 38 {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}
قوله تعالى : {قُلْنَا اهْبِطُوا} كرر الأمر على جهة التغليظ وتأكيده ، كما تقول لرجل : قم قم. وقيل : كرر الأمر لما علق بكل أمر منهما حكما غير حكم الآخر فعلق بالأول العداوة وبالثاني إتيان الهدى. وقيل : الهبوط الأول من الجنة إلى السماء والثاني من السماء إلى الأرض وعلى هذا يكون فيه دليل على أن الجنة في السماء السابعة كما دل عليه حديث الإسراء على ما يأتي
{جَمِيعاً} نصب على الحال وقال وهب بن منبه : لما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض قال إبليس للسباع إن هذا عدو لكم فأهلكوه فاجتمعوا وولوا أمرهم إلى الكلب
(1/327)





وقالوا أنت أشجعنا وجعلوه رئيسا فلما رأى ذلك آدم عليه السلام تحير في ذلك فجاءه جبريل عليه السلام وقال له امسح يدك على رأس الكلب ففعل فلما رأت السباع أن الكلب ألف آدم تفرقوا واستأمنه الكلب فأمنه آدم فبقى معه ومع أولاده وقال الترمذي الحكيم نحو هذا وأن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض جاء إبليس إلى السباع فأشلاهم على آدم ليؤذوه وكان أشدهم عليه الكلب فأميت فؤاده فروي في الخبر أن جبريل عليه السلام أمره أن يضع يده على رأسه فوضعها فاطمأن إليه وألفه فصار ممن يحرسه ويحرس ولده ويألفهم وبموت فؤاده يفزع من الآدميين فلو رمي بمدر ولى هاربا ثم يعود آلفا لهم ففيه شعبة من إبليس وفيه شعبة من مسحة آدم عليه السلام فهو بشعبة إبليس ينبح ويهر ويعدو على الآدمي وبمسحة آدم مات فؤاده حتى ذل وانقاد وألف به وبولده يحرسهم ولهثه على كل أحواله من موت فؤاده ولذلك شبه الله سبحانه وتعالى العلماء السوء بالكلب على ما يأتي بيانه في "الأعراف" إن شاء الله تعالى ونزلت عليه تلك العصا التي جعلها الله آية لموسى فكان يطرد بها السباع عن نفسه
قوله تعالى : {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً} اختلف في معنى قوله "هدى" فقيل : كتاب الله قاله السدي وقيل التوفيق للهداية ، وقالت فرقة : الهدى الرسل ، وهي إلى آدم من الملائكة وإلى بنيه من البشر كما جاء في حديث أبي ذر وخرجه الآجري وفي قوله "مني" إشارة إلى أن أفعال العباد خلق لله تعالى خلافا للقدرية وغيرهم كما تقدم. وقرأ الجحدري "هديّ" وهو لغة هذيل يقولون : هدي وعصي ومحيي وأنشد النحويون لأبي ذؤيب يرثي بنيه
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهم ...
فتخرموا ولكل جنب مصرع
(1/328)





قال النحاس : وعلة هذه اللغة عند الخليل وسيبويه أن سبيل ياء الإضافة أن يكسر ما قبلها فلما لم يجز أن تتحرك الألف أبدلت ياء وأدغمت و"ما" في قوله إِمَّا {إما} زائدة على "إن" التي للشرط وجواب الشرط الفاء مع الشرط الثاني في قوله {فَمَنْ تَبِعَ} و"من" في موضع رفع بالابتداء و"تبع" في موضع جزم بالشرط "فلا خوف" جوابه قال سيبويه الشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول وقال الكسائي {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} جواب الشرطين جميعا
قوله تعالى : {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} الخوف هو الذعر ولا يكون إلا في المستقبل وخاوفني فلان فخفته أي كنت أشد خوفا منه والتخوف التنقص ومنه قوله تعالى {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل : 47] وقرأ الزهري والحسن وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق ويعقوب "فلا خوف" بفتح الفاء على التبرئة والاختيار عند النحويين الرفع والتنوين على الابتداء لأن الثاني معرفة لا يكون فيه إلا الرفع لأن "لا" لا تعمل في معرفة فاختاروا في الأول الرفع أيضا ليكون الكلام من وجه واحد ويجوز أن تكون "لا" في قولك فلا خوف بمعنى ليس.
والحُزن والحَزَن ضد السرور ولا يكون إلا على ماض ، وحزن الرجل "بالكسر" فهو حزن وحزين وأحزنه غيره وحزنه أيضا مثل أسلكه وسلكه ومحزون بني عليه. قال اليزيدي حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما. واحتزن وتحزن بمعنىً ، والمعنى في الآية فلا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا. وقيل : ليس فيه دليل على نفي أهوال يوم القيامة وخوفها على المطيعين لما وصفه الله تعالى ورسوله من شدائد القيامة إلا أنه يخففه عن المطيعين وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا والله أعلم.
3 الآية : 39 {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
(1/329)





قوله تعالى : {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} أي أشركوا ، لقوله : {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} الصحبة : الاقتران بالشيء في حالة ما في زمان ما فإن كانت الملازمة والخلطة فهي كمال الصحبة وهكذا هي صحبة أهل النار لها. وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة على ما نبينه في "براءة" إن شاء الله. وباقي ألفاظ الآية تقدم معناها والحمد لله.
الآية : 40 {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}
قوله تعالى : {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} نداء مضاف علامة النصب فيه الياء وحذفت منه النون للإضافة. الواحد ابن والأصل فيه بني وقيل بنو فمن قال المحذوف منه واو احتج بقولهم البنوة وهذا لا حجة فيه لأنهم قد قالوا الفتوة وأصله الياء. وقال الزجاج : المحذوف منه عندي ياء كأنه من بنيت. الأخفش اختار أن يكون المحذوف منه الواو لأن حذفها أكثر لثقلها ويقال ابن بين البنوة والتصغير بني. قال الفراء يقال يا بنيِّ ويا بنيَّ لغتان ، مثل يا أبت ويا أبت وقرئ بهما وهو مشتق من البناء وهو وضع الشيء على الشيء والابن فرع للأب وهو موضوع عليه.
وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام قال أبو الفرج الجوزي وليس في الأنبياء من له اسمان غيره إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن له أسماء كثيرة ذكره في كتاب "فهوم الآثار" له
قلت : وقد قيل في المسيح أنه اسم علم لعيسى عليه السلام غير مشتق وقد سماه الله روحا وكلمة ، وكانوا يسمونه أبيل الأبيلين ، ذكره الجوهري في الصحاح. وذكر البيهقي في دلائل النبوة عن الخليل بن أحمد : خمسة من الأنبياء ذوو اسمين محمد وأحمد نبينا صلى الله عليه وسلم وعيسى والمسيح وإسرائيل ويعقوب ويونس وذو النون وإلياس وذو الكفل صلى الله عليهم وسلم.
(1/330)





قلت : ذكرنا أن لعيسى أربعة أسماء وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فله أسماء كثيرة بيانها في مواضعها. وإسرائيل : اسم أعجمي ولذلك لم ينصرف وهو في موضع خفض بالإضافة وفيه سبع لغات إسرائيل وهي لغة القرآن وإسرائيل بمدة مهموزة مختلسة حكاها شنبوذ عن ورش وإسراييل بمدة بعد الياء من غير همز وهي قراءة الأعمش وعيسى بن عمر ، وقرأ الحسن والزهري بغير همز ولا مد وإسرائِل بغير ياء بهمزة مكسورة ، وإسراءَل بهمزة مفتوحة ، وتميم يقولون إسرائين بالنون. ومعنى إسرائيل عبدالله قال ابن عباس : إسرا بالعبرانية هو عبد وإيل هو الله ، وقيل إسرا هو صفوة الله وإيل هو الله وقيل إسرا من الشد فكأن إسرائيل الذي شده الله وأتقن خلقه ، ذكره المهدوي. وقال السهيلي : سمي إسرائيل لأنه أسرى ذات ليلة حين هاجر إلى الله تعالى فسمي إسرائيل أي أسرى إلى الله ، ونحو هذا فيكون بعض الاسم عبرانيا وبعضه موافقا للعرب والله أعلم.
قوله تعالى : {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} الذكر اسم مشترك ، فالذكر بالقلب ضد النسيان والذكر باللسان ضد الإنصات وذكرت الشيء بلساني وقلبي ذكرا واجعله منك على ذكر "بضم الذال" أي لا تنسه. قال الكسائي : ما كان بالضمير فهو مضموم الذال وما كان باللسان فهو مكسور الذال. وقال غيره هما لغتان يقال ذِكر وذُكر ، ومعناهما واحد والذكر "بفتح الذال" خلاف الأنثى ، والذكر أيضا الشرف ومنه قوله {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف 44] قال ابن الأنباري والمعنى في الآية : اذكروا شكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة. وقيل إنه أراد الذكر بالقلب وهو المطلوب أي لا تغفلوا عن نعمتي التي أنعمت عليكم ولا تناسوها وهو حسن. والنعمة هنا اسم جنس فهي مفردة بمعنى الجمع قال الله تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم : 34] أي نعمه ومن نعمه عليهم أن أنجاهم من آل فرعون وجعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتب والمن والسلوى وفجر لهم
(1/331)





في الحجر الماء إلى ما استودعهم من التوراة التي فيها صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ورسالته والنعم على الآباء نعم على الأبناء لأنهم يشرفون بشرف آبائهم.
تنبيه : قال أرباب المعاني ربط سبحانه وتعالى بني إسرائيل بذكر النعمة وأسقطه عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى ذكره فقال {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة : 152] ليكون نظر الأمم من النعمة إلى المنعم ونظر أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المنعم إلى النعمة.
قوله تعالى : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أمر وجوابه. وقرأ الزهري "أوَفِّ" "بفتح الواو وشد الفاء" للتكثير. واختلف في هذا العهد ما هو فقال الحسن : عهده قوله : {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة : 63] وقوله {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} [المائدة : 12] وقيل هو قوله{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران : 187] وقال الزجاج "أوفوا بعهدي" الذي عهدت إليكم في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم "أوف بعهدكم" بما ضمنت لكم على ذلك إن أوفيتم به فلكم الجنة وقيل "أوفوا بعهدي" في أداء الفرائض على السنة والإخلاص "أوف" بقبولها منكم ومجازاتكم [في النسخة : مجاراتكم] عليها. وقال بعضهم "أوفوا بعهدي" في العبادات "أوف بعهدكم" أي أوصلكم إلى منازل الرعايات. وقيل "أوفوا بعهدي" في حفظ آداب الظواهر "أوف بعهدكم" بتزيين سرائركم وقيل هو عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه وسلم الذي في التوراة وغيره. هذا قول الجمهور من العلماء وهو الصحيح. وعهده سبحانه وتعالى هو أن يدخلهم الجنة.
قلت : وما طلب من هؤلاء من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا قال الله تعالى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة : 1] {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ} [النحل : 91] ، وهو كثير ووفاؤهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم لا علة له بل ذلك تفضل منه عليهم
قوله تعالى : {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} أي خافون والرهب والرهب والرهبة الخوف ويتضمن الأمر به معنى التهديد وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس آية. وقرأ ابن
(1/332)





أبي إسحاق "فارهبوني" بالياء وكذا "فاتقوني" على الأصل "وإياي" منصوب بإضمار فعل وكذا الاختيار في الأمر والنهي والاستفهام ، التقدير : وإياي ارهبوا فارهبون. ويجوز في الكلام وأنا فارهبون على الابتداء والخبر وكون "فارهبون" الخبر على تقدير الحذف ، المعنى وأنا ربكم فارهبون.
3 الآية : 41 {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}
قوله تعالى : {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ} أي صدقوا ، يعني بالقرآن. {مُصَدِّقاً} حال من الضمير في "أنزلت" ، التقدير بما أنزلته مصدقا ، والعامل فيه أنزلت. ويجوز أن يكون حالا من ما والعامل فيه آمنوا التقدير آمنوا بالقران مصدقا. ويجوز أن تكون مصدرية التقدير آمنوا بإنزال. {لِمَا مَعَكُمْ} يعني من التوراة.
قوله تعالى : {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} الضمير في "به" قيل هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله أبو العالية. وقال ابن جريج : هو عائد على القرآن ، إذ تضمنه قوله {بِمَا أَنْزَلْتُ} . وقيل : على التوراة ، إذ تضمنها قوله : {لِمَا مَعَكُمْ} فإن قيل كيف قال "كافر" ولم يقل كافرين قيل التقدير ولا تكونوا أول فريق كافر به وزعم الأخفش والفراء أنه محمول على معنى الفعل لأن المعنى أول من كفر به. وحكى سيبويه هو أظرف الفتيان وأجمله وكان ظاهر الكلام هو أظرف فتى وأجمله وقال "أول كافر به" وقد كان قد كفر قبلهم كفار قريش فإنما معناه من أهل الكتاب إذ هم منظور إليهم في مثل هذا لأنهم حجة مظنون بهم علم. و"أول" عند سيبويه نصب على خبر كان وهو مما لم ينطق منه بفعل وهو على أفعل عينه وفاؤه واو وإنما لم ينطق منه بفعل لئلا يعتل من جهتين العين والفاء ، وهذا مذهب البصريين. وقال الكوفيون : هو من وأل إذا نجا فأصله أوأل ثم خففت الهمزة وأبدلت واوا وأدغمت
(1/333)





فقيل أول كما تخفف همزة خطيئة ، قال الجوهري : والجمع الأوائل والأوالي أيضا على القلب وقال قوم أصله وولِّ على فوعل فقلبت الواو الأولى همزة وإنما لم يجمع على أواول لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع وقيل هو أفعل من آل يؤول فأصله أأول قلب فجاء أعفل مقلوبا من أفعل فسهل وأبدل وأدغم.
مسألة : لا حجة في هذه الآية لمن يمنع القول بدليل الخطاب ، وهم الكوفيون ومن وافقهم ، لأن المقصود من الكلام النهي عن الكفر أولا وآخرا ، وخص الأول بالذكر لأن التقدم فيه أغلظ ، فكان حكم المذكور والمسكوت عنه واحدا ، وهذا واضح.
قوله تعالى : {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} فيه أربع مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {وَلا تَشْتَرُوا} معطوف على قوله {وَلا تَكُونُوا} نهاهم عن أن يكونوا أول من كفر وألا يأخذوا على آيات الله ثمنا أي على تغيير صفة محمد صلى الله عليه وسلم رشى. وكان الأحبار يفعلون ذلك فنهوا عنه قال قوم من أهل التأويل منهم الحسن وغيره. وقيل كانت لهم مأكل يأكلونها على العلم كالراتب فنهوا عن ذلك وقيل إن الأحبار كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك وفي كتبهم يا ابن آدم علم مجانا كما علمت مجانا أي باطلا بغير أجرة ، قاله أبو العالية وقيل المعنى ولا تشتروا بأوامري ونواهي وآياتي ثمنا قليلا يعني الدنيا ومدتها والثمن الذي هو نزر لا خطر له ، فسمي ما اعتاضوه عن ذلك ثمنا لأنهم جعلوه عوضا فانطلق عليه اسم الثمن وإن لم يكن ثمنا وقد تقدم هذا المعنى وقال الشاعر :
إن كنت حاولت ذنبا أو ظفرت به ... فما أصبت بترك الحج من ثمن
قلت : وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول من فعل فعلهم فمن أخذ رشوة على تغيير حق أو إبطاله أو امتنع من تعليم ما وجب عليه أو أداء ما علمه
(1/334)





وقد تعين عليه حتى يأخذ عليه أجرا فقد دخل في مقتضى الآية والله أعلم وقد روى أبو داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها
الثانية- وقد اختلف العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم - لهذه الآية وما كان في معناها فمنع ذلك الزهري وأصحاب الرأي وقالوا لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن لأن تعليمه واجب من الواجبات التي يحتاج فيها إلى نية التقرب والإخلاص فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة والصيام وقد قال تعالى {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "معلمو صبيانكم شراركم أقلهم رحمة باليتيم وأغلظهم على المسكين" . روى أبو هريرة قال قلت يا رسول الله ما تقول في المعلمين قال "درهمهم حرام وثوبهم سحت وكلامهم رياء" وروى عبادة بن الصامت قال : علمت ناسا من أهل الصفة القرآن والكتابة ، فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله فسألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "إن سرك أن تطوق بها طوقا من نار فاقبلها" . وأجاز أخذ الأجرة على تعليم القرآن مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وأكثر العلماء لقوله عليه السلام حديث ابن عباس حديث الرقية " إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" أخرجه البخاري وهو نص يرفع الخلاف فينبغي أن يعول عليه.
وأما ما احتج به المخالف من القياس على الصلاة والصيام فاسد لأنه في مقابلة النص ثم إن بينهما فرقانا وهو أن الصلاة والصوم عبادات مختصة بالفاعل وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلم فتجوز الأجرة على محاولته النقل كتعليم كتابة القرآن قال ابن المنذر وأبو حنيفة يكره تعليم القرآن بأجرة ويجوز أن يستأجر الرجل يكتب له لوحا أو شعرا أو غناء معلوما بأجر معلوم ، فيجوز الإجارة فيما هو معصية ويبطلها فيما هو طاعة.
(1/335)





وأما الجواب عن الآية - فالمراد بها بنو إسرائيل ، وشرع من قبلنا هل هو شرع لنا ، فيه خلاف ، وهو لا يقول به.
جواب ثان : وهو أن تكون الآية فيمن تعين عليه التعليم فأبى حتى يأخذ عليه أجرا فأما إذا لم يتعين فيجوز له أخذ الأجرة بدليل السنة في ذلك وقد يتعين عليه إلا أنه ليس عنده ما ينفقه على نفسه ولا على عياله فلا يجب عليه التعليم وله أن يقبل على صنعته وحرفته. ويجب على الإمام أن يعين لإقامة الدين إعانته وإلا فعلى المسلمين لأن الصديق رضي الله عنه لما ولي الخلافة وعين لها لم يكن عنده ما يقيم به أهله فأخذ ثيابا وخرج إلى السوق فقيل له في ذلك فقال ومن أين أنفق على عيالي فردوه وفرضوا له كفايته. وأما الأحاديث فليس شيء منها يقوم على ساق ولا يصح منها شيء عند أهل العلم بالنقل أما حديث ابن عباس فرواه سعيد بن طريف عن عكرمة عنه وسعيد متروك. وأما حديث أبي هريرة فرواه علي بن عاصم عن حماد بن سلمة عن أبي جرهم عنه وأبو جرهم مجهول لا يعرف ولم يرو حماد بن سلمة عن أحد يقال له أبو جرهم وإنما رواه عن أبي المهزم وهو متروك الحديث أيضا وهو حديث لا أصل له. وأما حديث عبادة بن الصامت فرواه أبو داود من حديث المغيرة بن زياد الموصلي عن عبادة بن نسي عن الأسود بن ثعلبة عنه ، والمغيرة معروف عند أهل العلم ولكنه له مناكير هذا منها ، قاله أبو عمر. ثم قال وأما حديث القوس فمعروف عند أهل العلم لأنه روي عن عبادة من وجهين ، وروي عن أبي بن كعب من حديث موسى بن علي عن أبيه عن أبي ، وهو منقطع. وليس في الباب حديث يجب العمل به من جهة النقل ، وحديث عبادة وأبي يحتمل التأويل لأنه جائز أن يكون علمه لله ثم أخذ عليه أجرا. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "خير الناس وخير من يمشي على جديد الأرض المعلمون كلما خلق الدين جددوه ، أعطوهم ولا تستأجروهم فتحرجوهم فإن المعلم إذا قال للصبي قل بسم الله الرحمن الرحيم فقال الصبي بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله براءة للصبي وبراءة للمعلم وبراءة لأبويه من النار" .
(1/336)





الثالثة- واختلف العلماء في حكم المصلي بأجرة ، فروى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة خلف من استؤجر في رمضان يقوم للناس ، فقال : أرجو ألا يكون به بأس ، وهو أشد كراهة له في الفريضة. وقال الشافعي وأصحابه وأبو ثور : لا بأس بذلك ولا بالصلاة خلفه. وقال الأوزاعي لا صلاة له. وكرهه أبو حنيفة وأصحابه على ما تقدم : قال ابن عبدالبر وهذه المسألة معلقة من التي قبلها وأصلهما واحد.
قلت : ويأتي لهذا أصل آخر من الكتاب في "براءة" إن شاء الله تعالى. وكره ابن القاسم أخذ الأجرة على تعليم الشعر والنحو. وقال ابن حبيب لا بأس بالإجارة على تعليم ا لشعر والرسائل وأيام العرب ويكره من الشعر ما فيه الخمر والخنا والهجاء ، قال أبو الحسن اللخمي ويلزم على قوله أن يجيز الإجارة على كتبه. وأما الغناء والنوح فممنوع على كل حال.
الرابعة- روى الدارمي أبو محمد في مسنده أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن عمر بن الكميت قال حدثنا علي بن وهب الهمداني قال أخبرنا الضحاك بن موسى قال مر سليمان بن عبدالملك بالمدينة وهو يريد مكة فأقام بها أياما فقال هل بالمدينة أحد أدرك أحدا من أصحاب النبي قالوا له أبو حازم فأرسل إليه فلما دخل عليه قال له : يا أبا حازم ما هذا الجفاء قال أبو حازم يا أمير المؤمنين وأي جفاء رأيت مني ، قال أتاني وجوه أهل المدينة ولم تأتني قال يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن ما عرفتني قبل هذا اليوم ولا أنا رأيتك. قال فالتفت إلى محمد بن شهاب الزهري فقال أصاب الشيخ وأخطأت ، قال سليمان يا أبا حازم ما لنا نكره الموت قال لأنكم أخربتم الآخرة وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب ، قال أصبت يا أبا حازم فكيف القدوم غدا على الله تعالى ، قال أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه فبكى سليمان وقال ليت شعري ما لنا عند الله قال اعرض عملك على كتاب الله قال وأي مكان أجده قال :
(1/337)





{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الإنفطار : 13 - 14] قال سليمان فأين رحمة الله يا أبا حازم ؟ قال أبو حازم رحمة الله قريب من المحسنين قال له سليمان يا أبا حازم فأي عباد الله أكرم ؟ قال أولو المروءة والنهى قال له سليمان فأي الأعمال أفضل قال أبو حازم أداء الفرائض مع اجتناب المحارم قال سليمان : فأي الدعاء أسمع قال دعاء المحسن إليه للمحسن ، فقال أي الصدقة أفضل قال للسائل البائس وجهد المقل ليس فيها منٌ ولا أذى قال : فأي القول أعدل قال : قول الحق عند من تخافه أو ترجوه قال فأي المؤمنين أكيس قال رجل عمل بطاعة الله ودل الناس عليها ، قال : فأي المؤمنين أحمق قال رجل انحط في هوى أخيه وهو ظالم فباع آخرته بدنيا غيره قال له سليمان أصبت فما قولك فيما نحن فيه قال يا أمير المؤمنين أوتعفيني قال له سليمان لا ولكن نصيحة تلقيها إلي ، قال يا أمير المؤمنين إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة على غير مشورة من المسلمين ولا رضاهم حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة فقد ارتحلوا عنها فلو شعرت ما قالوه وما قيل لهم فقال له رجل من جلسائه بئس ما قلت يا أبا حازم ، قال أبو حازم كذبت إن الله أخذ ميثاق العلماء ليبينه للناس ولا يكتمونه قال له سليمان فكيف لنا أن نصلح قال : تدعون الصلف وتتمسكون بالمروءة وتقسمون بالسوية قال له سليمان فكيف لنا بالمأخذ به قال أبو حازم تأخذه من حله وتضعه في أهله قال له سليمان هل لك يا أبا حازم أن تصحبنا فتصيب منا ونصيب منك. قال أعوذ بالله قال له سليمان ولم ذاك قال أخشى أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات. قال له سليمان ارفع إلينا حوائجك قال تنجيني من النار وتدخلني الجنة قال له سليمان ليس ذاك إلي قال أبو حازم فما لي إليك حاجة غيرها قال فادع لي قال أبو حازم اللهم إن كان سليمان وليك فيسره لخير الدنيا والآخرة وإن كان عدوك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى. قال له سليمان قط قال أبو حازم قد أوجزت وأكثرت
(1/338)





إن كنت من أهله وإن لم تكن من أهله فما ينبغي أن أرمي عن قوس ليس لها وتر. قال له سليمان أوصني قال سأوصيك وأوجز : عظم ربك ونزهه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك فلما خرج من عنده بعث إليه بمائة دينار وكتب إليه أن أنفقها ولك عندي مثلها كثير ، قال : فردها عليه وكتب إليه يا أمير المؤمنين أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزلا أو ردي عليك بذلا وما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي ، إن موسى بن عمران لما ورد ماء مدين وجد عليه رعاء يسقون ووجد من دونهم جاريتين تذودان فسألهما فقالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل ، فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير وذلك أنه كان جائعا خائفا لا يأمن فسأل ربه ولم يسأل الناس فلم يفطن الرعاء وفطنت الجاريتان فلما رجعتا إلى أبيهما أخبرتاه بالقصة وبقوله فقال أبوهما وهو شعيب عليه السلام هذا رجل جائع فقالت إحداهما اذهبي فادعيه فلما أتته عظمته وغطت وجهها وقالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فشق على موسى حين ذكرت "أجر ما سقيت لنا" ولم يجد بدا من أن يتبعها لأنه كان بين الجبال جائعا مستوحشا فلما تبعها هبت الريح فجعلت تصفق ثيابها على ظهرها فتصف له عجيزتها وكانت ذات عجز وجعل موسى يعرض مرة ويغض أخرى فلما عيل صبره ناداها يا أمة الله كوني خلفي وأريني السمت بقولك فلما دخل على شعيب إذ هو بالعشاء مهيأ فقال له شعيب اجلس يا شاب فتعشى فقال له موسى عليه السلام : أعوذ بالله فقال له شعيب لم ؟ أما أنت جائع ؟ قال : بلى ولكن أخاف أن يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وأنا من أهل بيت لا نبيع شيئا من ديننا بملء الأرض ذهبا فقال له شعيب لا يا شاب ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فجلس موسى فأكل فإن كانت هذه المائة دينار عوضا لما حدثت فالميتة والدم ولحم الخنزير في حال الاضطرار أحل من هذه ، وإن كان لحق في بيت المال فلي فيها نظراء ؛ فإن ساويت بيننا وإلا فليس لي فيها حاجة.
(1/339)





قلت : هكذا يكون الاقتداء بالكتاب والأنبياء. انظروا إلى هذا الإمام الفاضل والحبر العالم كيف لم يأخذ على عمله عوضا ولا على وصيته بدلا ولا على نصيحته قصدا بل بين الحق وصدع ولم يلحقه في ذلك خوف ولا فزع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يمنعن أحدكم هيبة أحد أن يقول بالحق حيث كان" وفي التنزيل {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة 54]
قوله تعالى : {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} قد تقدم معنى التقوى. وقرئ "فاتقوني" بالياء وقد تقدم وقال سهل بن عبدالله قوله {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} قال موضع علمي السابق فيكم. {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} قال موضع المكر والاستدراج لقول الله تعالى {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف : 182] {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف : 99] فما استثنى نبيا ولا صديقاً
الآية 42 {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}
قوله تعالى : {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} اللبس : الخلط ، لبست عليه الأمر ألبسه ، إذا مزجت بينه بمشكله وحقه بباطله قال الله تعالى {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام : 9] وفي الأمر لبسة أي ليس بواضح ومن هذا المعنى قول علي رضي الله عنه للحارث بن حوط يا حارث "إنه ملبوس عليك ، إن الحق لا يعرف بالرجال ، اعرف الحق تعرف أهله" وقالت الخنساء :
ترى الجليس يقول الحق تحسبه ... رشدا وهيهات فانظر ما به التبسا
صدق مقالته واحذر عداوته ...
والبس عليه أمورا مثل ما لبسا
(1/340)





وقال العجاج :
لما لبسن الحق بالتجني ... غنين واستبدلن زيدا مني
روى سعيد عن قتادة في قوله : {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [البقرة : 42] ، يقول : لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام وقد علمتم أن دين الله - الذي لا يقبل غيره ولا يجزئ إلا به - الإسلام ، وأن اليهودية والنصرانية بدعة وليست من الله. والظاهر من قول عنترة :
وكتيبة لبستها بكتيبة
أنه من هذا المعنى ، ويحتمل أن يكون من اللباس. وقد قيل هذا في معنى الآية ، أي لا تغطوا. ومنه لبس الثوب يقال لبست الثوب ألبسه ولباس الرجل زوجته وزوجها لباسها. قال الجعدي
إذا ما الضجيع ثنى جيدها ... تثنت عليه فكانت لباسا
وقال الأخطل :
وقد لبست لهذا الأمر أعصره ... حتى تجلل رأسي الشيب فاشتعلا
واللبوس : كل ما يلبس من ثياب ودرع ، قال الله تعالى {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء : 80] ولابست فلانا حتى عرفت باطنه. وفي فلان ملبس أي مستمتع قال :
ألا إن بعد العدم للمرء قنوة ... وبعد المشيب طول عمر وملبسا
ولبس الكعبة والهودج ما عليهما من لباس "بكسر اللام".
قوله تعالى {بِالْبَاطِلِ} الباطل في كلام العرب خلاف الحق ، ومعناه الزائل قال لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وبطل الشيء يبطل بطلا وبطولا وبطلانا ذهب ضياعا وخسرا وأبطله غيره ويقال ذهب دمه بطلا أي هدرا والباطل الشيطان والبطل الشجاع سمي بذلك لأنه يبطل شجاعة صاحبه ، قال النابغة :
لهم لواء بأيدي ماجد بطل ...
لا يقطع الخرق إلا طرفه سامي
(1/341)





والمرأة بطلة. وقد بطل الرجل "أي بالضم" يبطل بطولة وبطالة أي صار شجاعا وبطل الأجير "بالفتح" بطالة أي تعطل فهو بطال. واختلف أهل التأويل في المراد بقوله : {الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} فروي عن ابن عباس وغيره لا تخلطوا ما عندكم من الحق في الكتاب بالباطل وهو التغيير والتبديل. وقال أبو العالية قالت اليهود محمد مبعوث ولكن إلى غيرنا. فإقرارهم ببعثه حق وجحدهم أنه بعث إليهم باطل. وقال ابن زيد : المراد بالحق التوراة ، والباطل ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام وغيره. وقال مجاهد : لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام. وقاله قتادة وقد تقدم.
قلت : وقول ابن عباس أصوب ، لأنه عام فيدخل فيه جميع الأقوال والله المستعان.
قوله تعالى : {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} يجوز أن يكون معطوفا على "تلبسوا" فيكون مجزوما ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن ، التقدير لا يكن منكم لبس الحق وكتمانه أي وأن تكتموه قال ابن عباس : "يعني كتمانهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعرفونه" وقال محمد بن سيرين :
نزل عصابة من ولد هارون يثرب لما أصاب بني إسرائيل ما أصابهم من ظهور العدو عليهم والذلة ، وتلك العصابة هم حملة التوراة يومئذ فأقاموا بيثرب يرجون أن يخرج محمد صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم ، وهم مؤمنون مصدقون بنبوته فمضى أولئك الآباء وهم مؤمنون وخلف الأبناء وأبناء الأبناء فأدركوا محمدا صلى الله عليه وسلم فكفروا به وهم يعرفونه ، وهو معنى قوله تعالى {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة : 89]
قوله تعالى : {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} جملة في موضع الحال أي أن محمدا عليه السلام حق ، فكفرهم كان كفر عناد ولم يشهد تعالى لهم بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا. ودل هذا على تغليظ الذنب على من واقعه على علم وأنه أعصى من الجاهل. وسيأتي بيان هذا عند قوله تعالى : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة : 44] الآية.
الآية : 43 {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}
فيه أربع وثلاثين مسألة
(1/342)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: