منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 11 أغسطس - 16:37

الآية : 34 {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
فيه عشر مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا} أي واذكر. وأما قول أبي عبيدة : إن "إذ" زائدة فليس بجائز ، لأن إذ ظرف. وقال : "قلنا" ولم يقل قلت لأن الجبار العظيم يخبر عن نفسه بفعل الجماعة تفخيما وإشادة بذكره. والملائكة جمع ملك ، وروي عن ابن جعفر بن القعقاع أنه ضم تاء التأنيث من الملائكة إتباعا لضم الجيم في "اسجدوا". ونظيره "الحمد لله".
الثانية- قوله تعالى : {اسْجُدُوا} السجود معناه في كلام العرب التذلل والخضوع ، قال الشاعر :
يجمع تضل البلق في حجراته ... ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
الأكم : الجبال الصغار. جعلها سجدا للحوافر لقهر الحوافر إياها وأنها لا تمتنع عليها. وعين ساجدة ، أي فاترة عن النظر ، وغايته وضع الوجه بالأرض. قال ابن فارس : سجد إذا تطامن ، وكل ما سجد فقد ذل. والإسجاد : إدامة النظر. قال أبو عمرو : وأسجد إذا طأطأ رأسه ، قال :
فضول أزمتها أسجدت ... سجود النصارى لأحبارها
قال أبو عبيدة : وأنشدني أعرابي من بني أسد :
وقلن له أسجد لليلى فأسجدا
يعني البعير إذا طأطأ رأسه. ودراهم الإسجاد : دراهم كانت عليها صور كانوا يسجدون لها ، قال :
وافى بها كدراهم الإسجاد
(1/291)





الثالثة- استدل من فضل آدم وبنيه بقوله تعالى للملائكة : {اسْجُدُوا لآدَمَ} . قالوا : وذلك يدل على أنه كان أفضل منهم. والجواب أن معنى {اسْجُدُوا لآدَمَ} اسجدوا لي مستقبلين وجه آدم. وهو كقوله تعالى : {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء : 78] أي عند دلوك الشمس وكقوله : {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص : 72] أي فقعوا لي عند إتمام خلقه ومواجهتكم إياه ساجدين. وقد بينا أن المسجود له لا يكون أفضل من الساجد بدليل القبلة.
فإن قيل : فإذا لم يكن أفضل منهم فما الحكمة في الأمر بالسجود له ؟ قيل له : إن الملائكة لما استعظموا بتسبيحهم وتقديسهم أمرهم بالسجود لغيره ليريهم استغناءه عنهم وعن عبادتهم. وقال بعضهم : عيروا آدم واستصغروه ولم يعرفوا خصائص الصنع به فأمروا بالسجود له تكريما. ويحتمل أن يكون الله تعالى أمرهم بالسجود له معاقبة لهم على قولهم : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} لما قال لهم : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة : 30] وكان علم منهم أنه إن خاطبهم أنهم قائلون هذا ، فقال لهم : {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} [ص : 71] وجاعله خليفة ، فإذا نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. والمعنى : ليكون ذلك عقوبة لكم في ذلك الوقت على ما أنتم قائلون لي الآن. فإن قيل : فقد استدل ابن عباس على فضل البشر بأن الله تعالى أقسم بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر : 72]. وأمنه من العذاب بقوله : {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح : 2]. وقال للملائكة : {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الأنبياء : 29]. قيل له : إنما لم يقسم بحياة الملائكة كما لم يقسم بحياة نفسه سبحانه ، فلم يقل : لعمري. وأقسم بالسماء والأرض ، ولم يدل على أنهما أرفع قدرا من العرش والجنان السبع. وأقسم بالتين والزيتون. وأما قول سبحانه : {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ} [الأنبياء : 29] فهو نظير قوله لنبيه عليه السلام : {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر : 65] فليس فيه إذا دلالة ، والله أعلم.
(1/292)





الرابعة- واختلف الناس في كيفية سجود الملائكة لآدم بعد اتفاقهم على أنه لم يكن سجود عبادة ، فقال الجمهور : كان هذا أمرا للملائكة بوضع الجباه على الأرض ، كالسجود المعتاد في الصلاة ، لأنه الظاهر من السجود في العرف والشرع ، وعلى هذا قيل : كان ذلك السجود تكريما لآدم وإظهارا لفضله ، وطاعة لله تعالى ، وكان آدم كالقبلة لنا. ومعنى "لآدم" : إلى آدم ، كما يقال صلى للقبلة ، أي إلى القبلة. وقال قوم : لم يكن هذا السجود المعتاد اليوم الذي هو وضع الجبهة على الأرض ولكنه مبقى على أصل اللغة ، فهو من التذلل والانقياد ، أي اخضعوا لآدم وأقروا له بالفضل. {فَسَجَدُوا} أي امتثلوا ما أمروا به.
واختلف أيضا هل كان ذلك السجود خاصا بآدم عليه السلام فلا يجوز السجود لغيره من جميع العالم إلا لله تعالى ، أم كان جائزا بعده إلى زمان يعقوب عليه السلام ، لقوله تعالى : {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً} [يوسف : 100] فكان آخر ما أبيح من السجود للمخلوقين ؟ والذي عليه الأكثر أنه كان مباحا إلى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن أصحابه قالوا له حين سجدت له الشجرة والجمل : نحن أولى بالسجود لك من الشجرة والجمل الشارد ، فقال لهم : "لا ينبغي أن يسجد لأحد إلا لله رب العالمين" . روى ابن ماجة في سننه والبستي في صحيحه عن أبي واقد قال : لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما هذا" فقال : يا رسول الله ، قدمت الشام فرأيتهم يسجدون لبطارقتهم وأساقفتهم ، فأردت أن أفعل ذلك بك ، قال : "فلا تفعل فإني لو أمرت شيئا أن يسجد لشيء لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه" . لفظ البستي. ومعنى القتب أن العرب يعز عندهم وجود كرسي للولادة فيحملون نساءهم على القتب عند الولادة. وفي بعض طرق معاذ : ونهى عن السجود للبشر وأمر بالمصافحة.
(1/293)





قلت : وهذا السجود المنهي عنه قد اتخذه جهال المتصوفة عادة في سماعهم وعند دخولهم على مشايخهم واستغفارهم ، فيرى الواحد منهم إذا أخذه الحال بزعمه يسجد للأقدام لجهله سواء أكان للقبلة أم غيرها جهالة منه ، ضل سعيهم وخاب عملهم.
الخامسة- قوله : {إِلاَّ إِبْلِيسَ} نصب على الاستثناء المتصل ، لأنه كان من الملائكة على قول الجمهور : ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وابن المسيب وقتادة وغيرهم ، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن ، ورجحه الطبري ، وهو ظاهر الآية. قال ابن عباس : وكان اسمه عزازيل وكان من أشراف الملائكة وكان من الأجنحة الأربعة ثم أبلس بعد. روى سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان إبليس من الملائكة فلما عصى الله غضب عليه فلعنه فصار شيطانا. وحكى الماوردي عن قتادة : أنه كان من أفضل صنف من الملائكة يقال لهم الجنة. وقال سعيد بن جبير : إن الجن سبط من الملائكة خلقوا من نار وإبليس منهم ، وخلق سائر الملائكة من نور. وقال ابن زيد والحسن وقتادة أيضا : إبليس أبو الجن كما أن آدم أبو البشر ولم يكن ملكا ، وروى نحوه عن ابن عباس وقال : اسمه الحارث. وقال شهر بن حوشب وبعض الأصوليين : كان من الجن الذين كانوا في الأرض وقاتلتهم الملائكة فسبوه صغيرا وتعبد مع الملائكة وخوطب ، وحكاه الطبري عن ابن مسعود. والاستثناء على هذا منقطع ، مثل قوله تعالى : {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء : 175] وقوله : {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة : 3] في أحد القولين ، وقال الشاعر :
ليس عليك عطش ولا جوع ... إلا الرقاد والرقاد ممنوع
واحتج بعض أصحاب هذا القول بأن الله جل وعز وصف الملائكة فقال : {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم : 6] ، وقوله تعالى : {إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف : 50] والجن غير الملائكة. أجاب أهل المقالة الأولى بأنه لا يمتنع أن يخرج إبليس من جملة الملائكة لما سبق في علم الله بشقائه عدلا منه ، لا يسأل عما يفعل ، وليس في خلقه من نار ولا في تركيب الشهوة حين غضب عليه ما يدفع أنه من الملائكة. وقول من قال : إنه كان من جن الأرض فسبي ،
(1/294)





فقد روي في مقابلته أن إبليس هو الذي قاتل الجن في الأرض مع جند من الملائكة ، حكاه المهدوي وغيره. وحكى الثعلبي عن ابن عباس : أن إبليس كان من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن خلقوا من نار السموم ، وخلقت الملائكة من نور ، وكان اسمه بالسريانية عزازيل ، وبالعربية الحارث ، وكان من خزان الجنة وكان رئيس ملائكة السماء الدنيا وكان له سلطانها وسلطان الأرض ، وكان من أشد الملائكة اجتهادا وأكثرهم علما ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض ، فرأى لنفسه بذلك شرفا وعظمة ، فذلك الذي دعاه إلى الكفر فعصى الله فمسخه شيطانا رجيما. فإذا كانت خطيئة الرجل في كبر فلا ترجه ، وإن كانت خطيئته في معصية فارجه ، وكانت خطيئة آدم عليه السلام معصية ، وخطيئة إبليس كبرا. والملائكة قد تسمى جنا لاستتارها ، وفي التنزيل : {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات : 158] ، وقال الشاعر في ذكر سليمان عليه السلام :
وسخر من جن الملائك تسعة ... قياما لديه يعملون بلا أجر
وأيضا لما كان من خزان الجنة نسب إليها فاشتق اسمه من اسمها ، والله أعلم. وإبليس وزنه إفعيل ، مشتق من الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله تعالى. ولم ينصرف ، لأنه معرفة ولا نظير له في الأسماء فشبه بالأعجمية ، قال أبو عبيدة وغيره. وقيل : هو أعجمي لا اشتقاق له فلم ينصرف للعجمة والتعريف ، قاله الزجاج وغيره.
السادسة- قوله تعالى : {أَبَى} معناه امتنع من فعل ما أمر به ، ومنه الحديث الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله - وفي راوية : يا ويلي - أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار" . خرجه مسلم. يقال : أبي يأبى إباء ، وهو حرف نادر جاء على فعل يفعل ليس فيه حرف من حروف الحلق ، وقد قيل : إن الألف مضارعة لحروف الحلق. قال الزجاج : سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول : القول
(1/295)





عندي أن الألف مضارعة لحروف الحلق. قال النحاس : ولا أعلم أن أبا إسحاق روى إسماعيل نحوا غير هذا الحرف.
السابعة- قوله تعالى : {وَاسْتَكْبَرَ} الاستكبار : الاستعظام ، فكأنه كره السجود في حقه واستعظمه في حق آدم ، فكان ترك السجود لآدم تسفيها لأمر الله وحكمته. وعن هذا الكبر عبر عليه السلام بقوله : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر" . في رواية فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة. قال : "إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس" . أخرجه مسلم. ومعنى بطر الحق : تسفيهه وإبطاله. وغمط الناس : الاحتقار لهم والازدراء بهم. ويروى : "وغمص" بالصاد المهملة ، والمعنى واحد ، يقال : غمصه يغمصه غمصا واغتمصه ، أي استصغره ولم يره شيئا. وغمص فلان النعمة إذا لم يشكرها. وغمصت عليه قولا قاله ، أي عبته عليه. وقد صرح اللعين بهذا المعنى فقال : { أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين} [ص : 76]. {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء : 61]. {قَالَ لَمْ أَكُنْ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر : 26] فكفره الله بذلك. فكل من سفه شيئا من أوامر الله تعالى أو أمر رسوله عليه السلام كان حكمه حكمه ، وهذا ما لا خلاف فيه. وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال بلغني أن أول معصية كانت الحسد والكبر ، حسد إبليس آدم ، وشح آدم في أكله من الشجرة. وقال قتادة : حسد إبليس آدم ، على ما أعطاه الله من الكرامة فقال : أنا ناري وهذا طيني. وكان بدء الذنوب الكبر ، ثم الحرص حتى أكل آدم من الشجرة ، ثم الحسد إذ حسد ابن آدم أخاه.
الثامنة- قوله تعالى : {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} قيل : كان هنا بمعنى صار ، ومنه قوله تعالى : {فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} . وقال الشاعر :
بتيهاء قفر والمطي كأنها ...
قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها
(1/296)





أي صارت. وقال ابن فورك. "كان" هنا بمعنى صار خطأ ترده الأصول. وقال جمهور المتأولين : المعنى أي كان في علم الله تعالى أنه سيكفر ، لأن الكافر حقيقة والمؤمن حقيقة هو الذي قد علم الله منه الموافاة.
قلت : وهذا صحيح ، لقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري : "وإنما الأعمال بالخواتيم" . وقيل : إن إبليس عبد الله تعالى ثمانين ألف سنة ، وأعطي الرياسة والخزانة في الجنة على الاستدراج ، كما أعطي المنافقون شهادة أن لا إله إلا الله على أطراف ألسنتهم ، وكما أعطي بلعام الاسم الأعظم على طرف لسانه ، فكان في رياسته والكبر في نفسه متمكن. قال ابن عباس : كان يرى لنفسه أن له فضيلة على الملائكة بما عنده ، فلذلك قال : أنا خير منه ، ولذلك قال الله عز وجل : {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ} [ص : 75] أي استكبرت ولا كبر لك ، ولم أتكبر أنا حين خلقته بيدي والكبر لي فلذلك قال : {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [ص : 74]. وكان أصل خلقته من نار العزة ، ولذلك حلف بالعزة فقال : {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص : 82] فالعزة أورثته الكبر حتى رأى الفضل له على آدم عليه السلام. وعن أبي صالح قال : خلقت الملائكة من نور العزة وخلق إبليس من نار العزة.
التاسعة- قال علماؤنا - رحمة الله عليهم - : ومن أظهر الله تعالى على يديه ممن ليس بنبي كرامات وخوارق للعادات فليس ذلك دالا على ولايته ، خلافا لبعض الصوفية والرافضة حيث قالوا : إن ذلك يدل على أنه ولي ، إذ لو لم يكن وليا ما أظهر الله على يديه ما أظهر. ودليلنا أن العلم بأن الواحد منا ولي لله تعالى لا يصح إلا بعد العلم بأنه يموت مؤمنا ، وإذا لم يعلم أنه يموت مؤمنا لم يمكنا أن نقطع على أنه ولي لله تعالى ، لأن الولي لله تعالى من علم الله تعالى أنه لا يوافي إلا بالإيمان. ولما اتفقنا على أننا لا يمكننا أن نقطع على أن ذلك الرجل يوافي بالإيمان ، ولا الرجل نفسه يقطع على أنه يوافي بالإيمان ، علم أن ذلك ليس
(1/297)





يدل على ولايته لله. قالوا : ولا نمنع أن يطلع بعض أوليائه على حسن عاقبته وخاتمة عمله وغيره معه ، قال الشيخ أبو الحسن الأشعري وغيره. وذهب الطبري إلى أن الله تعالى أراد بقصة إبليس تقريع أشباهه من بني آدم ، وهم اليهود الذين كفروا بمحمد عليه السلام مع علمهم بنبوته ، ومع قدم نعم الله عليهم وعلى أسلافهم.
والعاشرة- واختلف هل كان قبل إبليس كافر أو لا ؟ فقيل : لا ، وإن إبليس أول من كفر. وقيل : كان قبله قوم كفار وهم الجن وهم الذين كانوا في الأرض. واختلف أيضا هل كفر إبليس جهلا أو عنادا على قولين بين أهل السنة ، ولا خلاف أنه كان عالما بالله تعالى قبل كفره. فمن قال إنه كفر جهلا قال : إنه سلب العلم عند كفره. ومن قال كفر عنادا قال : كفر ومعه علمه. قال ابن عطية : والكفر عنادا مع بقاء العلم مستبعد ، إلا أنه عندي جائز لا يستحيل مع خذل الله لمن يشاء.
الآية : 35 {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}
فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى- قوله تعالى : {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ} لا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة ، وبعد إخراجه قال لآدم : اسكن ، أي لازم الإقامة واتخذها مسكنا ، وهو محل السكون. وسكن إليه يسكن سكونا. والسكن : النار ، قال الشاعر :
قد قومت بسكن وأدهان
والسكن : كل ما سكن إليه. والسكين معروف سمي به لأنه يسكن حركة المذبوح ، ومنه المسكين لقلة تصرفه وحركته. وسكان السفينة عربي ، لأنه يسكنها عن الاضطراب.
(1/298)





الثانية_ في قوله تعالى : {اسْكُنْ} تنبيه على الخروج ، لأن السكنى لا تكون ملكا ، ولهذا قال بعض العارفين : السكنى تكون إلى مدة ثم تنقطع ، فدخولهما في الجنة كان دخول سكنى لا دخول إقامة.
قلت : وإذا كان هذا فيكون فيه دلالة على ما يقول الجمهور من العلماء : إن من أسكن رجلا مسكنا له أنه لا يملكه بالسكنى ، وأن له أن يخرجه إذا انقضت مدة الإسكان. وكان الشعبي يقول : إذا قال الرجل داري لك سكنى حتى تموت فهي له حياته وموته ، وإذا قال : داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها إذا مات. ونحو من السكنى العمرى ، إلا أن الخلاف في العمرى أقوى منه في السكنى. وسيأتي الكلام في العمرى في "هود" إن شاء الله تعالى. قال الحربي : سمعت ابن الإعرابي يقول : لم يختلف العرب في أن هذه الأشياء على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له العمرى والرقبى والإفقار والإخبال والمنحة والعرية والسكنى والإطراق. وهذا حجة مالك وأصحابه في أنه لا يملك شيء من العطايا إلا المنافع دون الرقاب ، وهو قول الليث بن سعد والقاسم بن محمد ، ويزيد بن قسيط.
والعمرى : هو إسكانك الرجل في دار لك مدة عمرك أو عمره. ومثله الرقبى : وهو أن يقول : إن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك ، وهي من المراقبة. والمراقبة : أن يرقب كل واحد منهما موت صاحبه ، ولذلك اختلفوا في إجازتها ومنعها ، فأجازها أبو يوسف والشافعي ، وكأنها وصية عندهم. ومنعها مالك والكوفيون ، لأن كل واحد منهم يقصد إلى عوض لا يدري هل يحصل له ، ويتمنى كل واحد منهما موت صاحبه. وفي الباب حديثان أيضا بالإجازة والمنع ذكرهما ابن ماجة في سننه ، الأول رواه جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها" ففي هذا الحديث التسوية بين العمرى والرقبى في الحكم. الثاني رواه ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا رقبى فمن أرقب شيئا فهو له حياته ومماته" . قال : والرقبى أن
(1/299)





يقول هو للآخر : مني ومنك موتا. فقوله : "لا رقبى" نهي يدل على المنع ، وقوله : "من أرقب شيئا فهو له" يدل على الجواز ، وأخرجهما أيضا النسائي. وذكر عن ابن عباس قال : العمرى والرقبى سواء. وقال ابن المنذر : ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "العمرى جائزة لمن أعمرها والرقبى جائزة لمن أرقبها" . فقد صحح الحديث ابن المنذر ، وهو حجة لمن قال بأن العمرى والرقبى سواء. وروي عن علي وبه قال الثوري وأحمد ، وأنها لا ترجع إلى الأول أبدا ، وبه قال إسحاق. وقال طاوس : من أرقب شيئا فهو سبيل الميراث. والإفقار مأخوذ من فقار الظهر. أفقرتك ناقتي : أعرتك فقارها لتركبها. وأفقرك الصيد إذا أمكنك من فقاره حتى ترميه. ومثله الإخبال ، يقال : أخبلت فلانا إذا أعرته ناقة يركبها أو فرسا يغزو عليه ، قال زهير :
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا وإن ... يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
والمنحة : العطية. والمنحة : منحة اللبن. والمنيحة : الناقه أو الشاة يعطيها الرجل آخر يحتلبها ثم يردها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم" . رواه أبو أمامة ، أخرجه الترمذي والدارقطني وغيرهما ، وهو صحيح
والإطراق : إعارة الفحل ، استطرق فلان فلانا فحله : إذا طلبه ليضرب في إبله ، فأطرقه إياه ، ويقال : أطرقني فحلك أي أعرني فحلك ليضرب في إبلي. وطرق الفحل الناقة يطرق طروقا أي قعا عليها. وطروقة الفحل : أنثاه ، يقال : ناقة طروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل.
الثالثة- قوله تعالى : {أَنْتَ وَزَوْجُكَ} "أنت" تأكيد للمضمر الذي في الفعل ، ومثله { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} . ولا يجوز اسكن وزوجك ، ولا اذهب وربك ، إلا في ضرورة الشعر ، كما قال :
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ...
كنعاج الملا تعسفن رملا
(1/300)





ف "زهر" معطوف على المضمر في "أقبلت" ولم يؤكد ذلك المضمر. ويجوز في غير القرآن على بعد : قم وزيد.
الرابعة- قوله تعالى : {وَزَوْجُكَ} لغة القرآن "زوج" بغير هاء ، وقد جاء في صحيح مسلم : "زوجة" حدثنا عبدالله بن مسلمة بن قعنب قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه فجاء فقال : "يا فلان هذه زوجتي فلانة" : فقال يا رسول الله ، من كنت أظن به فلم أكن أظن بك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم" . وزوج آدم عليه السلام هي حواء عليها السلام ، وهو أول من سماها بذلك حين خلقت من ضلعه من غير أن يحس آدم عليه السلام بذلك ، ولو ألم بذلك لم يعطف رجل على امرأته ، فلما انتبه قيل له : من هذه ؟ قال : امرأة قيل : وما اسمها ؟ قال : حواء ، قيل : ولم سميت امرأة ؟ قال : لأنها من المرء أخذت ، قيل : ولم سميت حواء ؟ قال : لأنها خلقت من حي. روي أن الملائكة سألته عن ذلك لتجرب علمه ، وأنهم قالوا له : أتحبها يا آدم ؟ قال : نعم ، قالوا لحواء : أتحبينه يا حواء ؟ قالت : لا ، وفي قلبها أضعاف ما في قلبه من حبه. قالوا : فلو صدقت امرأة في حبها لزوجها لصدقت حواء. وقال ابن مسعود وابن عباس : لما أسكن آدم الجنة مشى فيها مستوحشا ، فلما نام خلقت حواء من ضلعه القصرى من شقه الأيسر ليسكن إليها ويأنس بها ، فلما انتبه رآها فقال : من أنت ؟ قالت : امرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي ، وهو معنى قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الزمر : 6]. قال العلماء : ولهذا كانت المرأة عوجاء ، لأنها خلقت من أعوج وهو الضلع. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن المرأة خلقت من ضلع - في رواية : وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه - لن تستقيم
(1/301)





لك على طريقة واحدة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها". وقال الشاعر :
هي الضلع العوجاء ليست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفا واقتدارا على الفتى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها
ومن هذا الباب استدل العلماء على ميراث الخنثى المشكل إذا تساوت فيه علامات النساء والرجال في اللحية والثدي والمبال بنقص الأعضاء. فإن نقصت أضلاعه عن أضلاع المرأة أعطي نصيب رجل - روي ذلك عن علي رضي الله عنه - لخلق حواء من أحد أضلاعه ، وسيأتي في المواريث بيان هذا إن شاء الله تعالى.
الخامسة- قوله تعالى : {الجنة} الجنة : البستان ، وقد تقدم القول فيها. ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخلد وإنما كان في جنة بأرض عدن. واستدلوا على بدعتهم بأنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليه إبليس ، فإن الله يقول : {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [الطور : 23] وقال {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً} [النبأ : 35] وقال : {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً. إِلاَّ قِيلاً سَلاماً} [الواقعة : 25]. وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله : {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر : 48]. وأيضا فإن جنة الخلد هي دار القدس ، قدست عن الخطايا والمعاصي تطهيرا لها. وقد لغا فيها إبليس وكذب ، وأخرج منها آدم وحواء بمعصيتهما
قالوا : وكيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد والملك الذي لا يبلى ؟ فالجواب : أن الله تعالى عرف الجنة بالألف واللام ، ومن قال : أسأل الله الجنة ، لم يفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد. ولا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم ، وقد لقي موسى آدم عليهما السلام فقال له موسى : أنت أشقيت ذريتك وأخرجتهم من الجنة ، فأدخل الألف واللام ليدل على أنها جنة الخلد
(1/302)





المعروفة ، فلم ينكر ذلك آدم ، ولو كانت غيرها لرد على موسى ، فلما سكت آدم على ما قرره موسى صح أن الدار التي أخرجهم الله عز وجل منها بخلاف الدار التي أخرجوا إليها. وأما ما احتجوا به من الآي فذلك إنما جعله الله فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة ، ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها وقد يخرج منها من قضي عليه بالفناء. وقد أجمع أهل التأويل على أن الملائكة يدخلون الجنة على أهل الجنة ويخرجون منها ، وقد كان مفاتيحها بيد إبليس ثم انتزعت منه بعد المعصية ، وقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ثم خرج منها وأخبر بما فيها وأنها هي جنة الخلد حقا. وأما قولهم : إن الجنة دار القدس وقد طهرها الله تعالى من الخطايا فجهل منهم ، وذلك أن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة وهي الشام ، وأجمع أهل الشرائع على أن الله تعالى قدسها وقد شوهد فيها المعاصي والكفر والكذب ولم يكن تقديسها مما يمنع فيها المعاصي ، وكذلك دار القدس. قال أبو الحسن بن بطال : وقد حكى بعض المشايخ أن أهل السنة مجمعون على أن جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم عليه السلام ، فلا معنى لقول من خالفهم. وقولهم : كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد ، فيعكس عليهم ويقال : كيف يجوز على آدم وهو في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد في دار الفناء هذا ما لا يجوز على من له أدنى مسكة من عقل ، فكيف بآدم الذي هو أرجح الخلق عقلا ، على ما قال أبو أمامة على ما يأتي.
السادسة- قوله تعالى : {وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا} قراءة الجمهور "رغدا" بفتح الغين. وقرأ النخعي وابن وثاب بسكونها. والرغد : العيش الدار الهني الذي لا عناء فيه ، قال :
بينما المرء تراه ناعما ... يأمن الأحداث في عيش رغد
ويقال : رغد عيشهم ورغد "بضم الغين وكسرها". وأرغد القوم : أخصبوا وصاروا في رغد من العيش. وهو منصوب على الصفة لمصدر محذوف ، وحيثُ وحيثَ وحيثِ ، وحوثَ وحوثِ وحاث ، كلها لغات ، ذكرها النحاس وغيره.
(1/303)





السابعة- قوله تعالى : {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} أي لا تقرباها بأكل ، لأن الإباحة فيه وقعت. قال ابن العربي : سمعت الشاشي في مجلس النضر [بن شميل] يقول : إذا قيل لا تقرب "بفتح الراء" كان معناه لا تلبس بالفعل ، وإذا كان "بضم الراء" فإن معناه لا تدن منه. وفي الصحاح : قرب الشيء يقرب قربا أي دنا. وقربته "بالكسر" أقربه قربانا أي دنوت منه. وقربت أقرب قرابة - مثل كتبت أكتب كتابة - إذا سرت إلى الماء وبينك وبينه ليلة ، والاسم القرب. قال الأصمعي : قلت لأعرابي : ما القرب ؟ فقال : سير الليل لورد الغد. وقال ابن عطية : قال بعض الحذاق : إن الله تعالى لما أراد النهي عن أكل الشجرة نهى عنه بلفظ يقتضي الأكل وما يدعو إليه العرب وهو القرب. قال ابن عطية : وهذا مثال بين في سد الذرائع. وقال بعض أرباب المعاني قوله : "ولا تقربا" إشعار بالوقوع في الخطيئة والخروج من الجنة ، وأن سكناه فيها لا يدوم ، لأن المخلد لا يحظر عليه شيء ولا يؤمر ولا ينهى. والدليل على هذا قوله تعالى {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة : 30] فدل على خروجه منها.
الثامنة- قوله تعالى : {هَذِهِ الشَّجَرَةَ} الاسم المبهم ينعت بما فيه الألف واللام لا غير ، كقولك : مررت بهذا الرجل وبهذه المرأة وهذه الشجرة. وقرأ ابن محيصن : "هذي الشجرة" بالياء وهو الأصل ، لأن الهاء في هذه بدل من ياء ولذلك انكسر ما قبلها ، وليس في الكلام هاء تأنيث قبلها كسرة سواها ، وذلك لأن أصلها الياء.
(1/304)





والشجرة والشجرة والشيرة ، ثلاث لغات وقرئ "الشجرة" بكسر الشين. والشَجرة والشِجرة : ما كان على ساق من نبات الأرض. وأرض شجيرة وشجراء أي كثيرة الأشجار ، وواد شجير ، ولا يقال : واد أشجر. وواحد الشجراء شجرة ، ولم يأت من الجمع على هذا المثال إلا أحرف يسيرة : شجرة وشجراء ، وقصبة وقصباء ، وطرفة وطرفاء ، وحلفة وحلفاء. وكان الأصمعي يقول في واحد الحلفاء : حلفة ، بكسر اللام مخالفة لأخواتها. وقال سيبويه : الشجراء واحد وجمع ، وكذلك القصباء والطرفاء والحلفاء. والمشجرة : موضع الأشجار. وأرض مشجرة ، وهذه الأرض أشجر من هذه أي أكثر شجرا ، قال الجوهري.
التاسعة : واختلف أهل التأويل في تعيين هذه الشجرة التي نهي عنها فأكل منها ، فقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير وجعدة بن هبيرة : هي الكرم ، ولذلك حرمت علينا الخمر. وقال ابن عباس أيضا وأبو مالك وقتادة : هي السنبلة ، والحبة منها ككلى البقر ، أحلى من العسل وألين من الزبد ، قاله وهب بن منبه. ولما تاب الله على آدم جعلها غذاء لبنيه. وقال ابن جريج عن بعض الصحابة : هي شجرة التين ، وكذا روى سعيد عن قتادة ، ولذلك تعبر في الرؤيا بالندامة لآكلها من أجل ندم آدم عليه السلام على أكلها ، ذكره السهيلي. قال ابن عطية : وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر ، وإنما الصواب أن يعتقد أن الله تعالى نهى آدم عن شجرة فخالف هو إليها وعصى في الأكل منها. وقال القشيري أبو نصر : وكان الإمام والدي رحمه الله يقول : يعلم على الجملة أنها كانت شجرة المحنة.
العاشرة- واختلفوا كيف أكل منها مع الوعيد المقترن بالقرب وهو قوله تعالى : {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} ، فقال قوم أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها ، كأن إبليس غره بالأخذ بالظاهر قال ابن العربي : وهي أول معصية عصي الله بها على هذا القول. قال : "وفيه دليل على أن من حلف ألا يأكل من هذا الخبز فأكل من جنسه حنث. وتحقيق المذاهب فيه أن أكثر العلماء قالوا : لا حنث فيه. وقال
(1/305)





مالك وأصحابه : إن اقتضى بساط اليمين تعيين المشار إليه لم يحنث بأكل جنسه ، وإن اقتضى بساط اليمين أو سببها أو نيتها الجنس حمل عليه وحنث بأكل غيره ، وعليه حملت قصة آدم عليه السلام فإنه نهي عن شجرة عينت له وأريد بها جنسها ، فحمل القول على اللفظ دون المعنى.
وقد اختلف علماؤنا في فرع من هذا ، وهو أنه إذا حلف ألا يأكل هذه الحنطة فأكل خبزا منها على قولين ، قال في الكتاب : يحنث ، لأنها هكذا تؤكل. وقال ابن المواز : لا شيء عليه ، لأنه لم يأكل حنطة وإنما أكل خبزا فراعى الاسم والصفة. ولو قال في يمينه : لا آكل من هذه الحنطة لحنث بأكل الخبز المعمول منها وفيما اشترى بثمنها من طعام وفيما أنبتت خلاف. قال آخرون : تأولا النهي على الندب. قال ابن العربي : وهذا وإن كان مسألة من أصول الفقه فقد سقط ذلك ههنا ، لقوله : {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة : 35] فقرن النهي بالوعيد ، وكذلك قوله سبحانه : {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه : 117]. وقال ابن المسيب : إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فسكر وكان في غير عقله. وكذلك قال يزيد بن قسيط ، وكانا يحلفان بالله أنه ما أكل من هذه الشجرة وهو يعقل. قال ابن العربي : وهذا فاسد نقلا وعقلا ، أما النقل فلم يصح بحال ، وقد وصف الله عز وجل خمر الجنة فقال : {لا فِيهَا غَوْلٌ} وأما العقل فلأن الأنبياء بعد النبوة معصومون عما يؤدي إلى الإخلال بالفرائض واقتحام الجرائم.
قلت : قد استنبط بعض العلماء نبوة آدم عليه السلام قبل إسكانه الجنة من قوله تعالى : {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة : 33] فأمره الله تعالى أن ينبئ الملائكة بما ليس عندهم من علم الله جل وعز. وقيل : أكلها ناسيا ، ومن الممكن أنهما نسيا الوعيد.
قلت : وهو الصحيح لإخبار الله تعالى في كتابه بذلك حتما وجزما فقال : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه : 115]. ولكن لما كان الأنبياء عليهم السلام يلزمهم من التحفظ والتيقظ لكثرة معارفهم وعلو منازلهم ما لا يلزم غيرهم كان تشاغله عن تذكر النهي تضييعا صار به عاصيا ، أي مخالفا. قال أبو أمامة : لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق إلى يوم القيامة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم ، وقد قال الله تعالى : {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} .
(1/306)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: