تفسير سورة طه عليه السلام
الآية : 19 - 23 {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى ، فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ، قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ، وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى ، لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى}
قوله تعالى : {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى} لما أراد الله تعالى أن يدربه في تلقي النبوة وتكاليفها أمره بإلقاء العصا {فَأَلْقَاهَا} موسى فقلب الله أوصافها وأعراضها. وكانت عصا ذات شعبتين فصارت الشعبتان لها فما وصارت حية تسعى أي تنتقل ، وتمشي وتلتقم الحجارة فلما رآها موسى عليه السلام رأى عبرة فـ {وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل : 10]. فقال الله له : {خُذْهَا وَلا تَخَفْ} وذلك أنه {أ َوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً} [طه : 67] أي لحقه ما يلحق البشر. وروي أن موسى تناولها بكمي جبته فنهي عن ذلك ، فأخذها بيده فصارت عصا كما كانت أول مرة وهى سيرتها الأولى ، وإنما أظهر له هذه الآية لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون. ويقال : إن العصا بعد ذلك كانت تماشيه وتحادثه ويعلق عليها أحماله ، وتضيء له الشعبتان بالليل كالشمع ؛ وإذا أراد الاستقاء انقلبت الشعبتان كالدلو وإذا اشتهى ثمرة ركزها في الأرض فأثمرت تلك الثمرة. وقيل : إنها كانت من آس الجنة. وقيل : أتاه جبريل بها. وقيل : ملك. وقيل قال له شعيب : خذ عصا من ذلك البيت فوقعت بيده تلك العصا ، وكانت عصا آدم عليه السلام هبط بها من الجنة. والله أعلم.
قوله تعالى : {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} النحاس : ويجوز {حَيَّةً} يقال : خرجت فإذا زيد جالس وجالسا. والوقف “حيه” بالهاء. والسعي المشي بسرعة وخفة. وعن ابن عباس : انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع الصخر والشجر ، فلما رآه يبتلع كل شيء خافه ونفر منه. وعن بعضهم : إنما خاف منه لأنه عرف ما لقي آدم منها. وقيل لما قال له ربه {لا تَخَفْ} بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها. {سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} سمعت علي بن سليمان يقول : التقدير إلى سيرتها ، مثل {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف : 155] قال : ويجوز أن يكون مصدرا لأن معنى سنعيدها سنسيرها.
(11/190)
قوله تعالى : {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} يجوز في غير القرآن ضم بفتح الميم وكسرها لالتقاء الساكنين ، والفتح أجود لخفته ، والكسر على الأصل ويجوز الضم على الإتباع ويد أصلها يدي على فعل ؛ يدل على ذلك أيد وتصغيرها يدية. والجناح العضد ؛ قاله مجاهد. وقال : {إِلَى} بمعنى تحت. قطرب : {إِلَى جَنَاحِكَ} إلى جيبك ؛ ومنه قول الراجز :
أضمه للصدر والجناح
وقيل : إلى جنبك فعبر عن الجنب بالجناح لأنه مائل في محل الجناح. وقيل إلى عندك. وقال مقاتل {إِلَى} بمعنى مع أي مع جناحك. {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من غير برص نورا ساطعا ، يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر وأشد ضوءا. عن ابن عباس وغيره : فخرجت نورا مخالفة للونه. و {بَيْضَاءَ} نصب على الحال ، ولا ينصرف لأن فيها ألفي التأنيث لا يزايلانها فكأن لزومهما علة ثانية ، فلم ينصرف في النكرة ، وخالفتا الهاء لأن الهاء تفارق الاسم. و {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} {مِنْ} صلة {بَيْضَاءَ} كما تقول : ابيضت من غير سوء. {آيَةً أُخْرَى} سوى العصا. فأخرج يده من مدرعة له مصرية لها شعاع مثل شعاع الشمس يعشي البصر. و {آيَةً} منصوبة على البدل من بيضاء ؛ قاله الأخفش. النحاس : وهو قول حسن. وقال الزجاج : المعنى آتيناك آية أخرى أو نؤتيك ؛ لأنه لما قال : {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} دل على أنه قد آتاه آية أخرى. {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} يريد العظمى. وكان حقه أن يقول الكبيرة وإنما قال {الْكُبْرَى} لوفاق رؤوس الآي. وقيل : فيه إضمار ؛ معناه لنريك من آياتنا الآية الكبرى دليله قول ابن عباس يد موسى أكبر آياته.
الآيات : 24 - 35 {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ، يَفْقَهُوا قَوْلِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ، وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ، إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً}
(11/191)
قوله تعالى : {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} لما آنسه بالعصا واليد ، وأراه ما يدل على أنه رسول ، أمره بالذهاب إلى فرعون ، وأن يدعوه. و {طَغَى} معناه عصى وتكبر وكفر وتجبر وجاوز الحد. {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ، يَفْقَهُوا قَوْلِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي} طلب الإعانة لتبليغ الرسالة. ويقال إن الله أعلمه بأنه ربط على قلب فرعون وأنه لا يؤمن ؛ فقال موسى : يا رب فكيف تأمرني أن آتيه وقد ربطت على قلبه ؛ فأتاه ملك من خزان الريح فقال يا موسى انطلق إلى ما أمرك الله به. فقال موسى عند ذلك : {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} أي وسعه ونوره بالإيمان والنبوة. {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} أي سهل علي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون. {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} يعني العجمة التي كانت فيه من جمرة النار التي أطفأها في فيه وهو طفل. قال ابن عباس : كانت في لسانه رتة. وذلك أنه كان في حجر فرعون ذات يوم وهو طفل فلطمه لطمة ، وأخذ بلحيته فنتفها فقال فرعون لآسية : هذا عدوي فهات الذباحين. فقالت آسية : على رسلك فإنه صبي لا يفرق بين الأشياء. ثم أتت بطستين فجعلت في أحدهما جمرا وفي الآخر جوهرا فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار حتى رفع جمرة ووضعها في فيه على لسانه ، فكانت الرتة وروي أن يده احترقت وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم تبرأ. ولما دعاه قال إي رب تدعوني ؟ قال : إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها. وعن بعضهم : إنما لم تبرأ يده لئلا يدخلها مع فرعون في قصعة واحدة فتنعقد بينهما حرمة المؤاكلة. ثم اختلف هل زالت تلك الرتة ؛ فقيل : زالت بدليل قوله : {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى } [طه : 36] وقيل : لم تزل كلها ؛ بدليل قوله حكاية عن فرعون : {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف : 52]. ولأنه لم يقل : احلل كل لساني ، فدل على أنه بقي في لسانه شيء من الاستمساك. وقيل : زالت بالكلية بدليل قوله {أُوتِيتَ سُؤْلَكَ} [طه : 36] وإنما قال فرعون : {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف : 52] لأنه عرف منه تلك العقدة في التربية ، وما ثبت عنده أن الآفة زالت.
(11/192)
قلت : وهذا فيه نظر ؛ لأنه لو كان ذلك لما قال فرعون : {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} حين كلمه موسى بلسان ذلق فصيح. والله أعلم. وقيل : إن تلك العقدة حدثت بلسانه عند مناجاة ربه ، حتى لا يكلم غيره إلا بإذنه. {يَفْقَهُوا قَوْلِي} أي يعملون ما أقوله لهم ويفهموه. والفقه في كلام العرب الفهم. قال أعرابي لعيسى بن عمر : شهدت عليك بالفقه. تقول منه : فقه الرجل بالكسر. وفلان لا يفقه ولا ينقه. وأفقهتك الشيء ثم خص به الشريعة ، والعالم به فقيه. وقد فقه بالضم فقاهة وفقهه الله وتفقه إذا تعاطى ذلك. وفاقهته إذا باحثته في العلم ؛ قاله الجوهري. والوزير المؤازر كالأكيل للمؤاكل ؛ لأنه يحمل عن السلطان وزره أي ثقله. في كتاب النسائي عن القاسم بن محمد : سمعت عمتي تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه" . ومن هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام : "ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصمه الله" رواه البخاري. فسأل موسى الله تعالى أن يجعل له وزيرا ، إلا أنه لم يرد أن يكون مقصورا على الوزارة حتى لا يكون شريكا له في النبوة ، ولولا ذلك لجاز أن يستوزره من غير مسألة. وعين فقال “هارون” وانتصب على البدل من قوله {وَزِيراً}. ويكون منصوبا بـ {اجْعَلْ} على التقديم والتأخير ، والتقدير : واجعل لي هارون أخي وزيرا. وكان هارون أكبر من موسى بسنة ، وقيل : بثلاث. {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} أي ظهري والأزر الظهر من موضع الحقوين ، ومعناه تقوى به نفسي ؛ والأزر القوة وأزره قواه. ومنه قوله تعالى {فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ} [الفتح : 29] وقال أبو طالب :
أليس أبونا هاشم شد أزره ... وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
وقيل : الأزر العون ، أي يكون عونا يستقيم به أمري. قال الشاعر :
شددت به أزري وأيقنت أنه ... أخو الفقر من ضاقت عليه مذاهب
(11/193)
وكان هارون أكثر لحما من موسى ، وأتم طولا ، وأبيض جسما ، وأفصح لسانا. ومات قبل موسى بثلاث سنين وكان في جبهة هارون شامة ، وعلى أرنبة أنف موسى شامة ، وعلى طرف لسانه شامة ، ولم تكن على أحد قبله ولا تكون على أحد بعده ، وقيل : إنها كانت سبب العقدة التي في لسانه. والله أعلم. {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} أي في النبوة وتبليغ الرسالة. قال المفسرون كان هارون يومئذ بمصر ، فأمر الله موسى أن يأتي هو هارون ، وأوحى إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى ، فتلقاه إلى مرحلة وأخبره بما أوحى إليه ؛ فقال له موسى : إن الله أمرني أن آتي فرعون فسألت ربي أن يجعلك معي رسولا. وقرأ العامة {أَخِي اشْدُدْ} بوصل الألف {وَأَشْرِكْهُ} بفتح الهمزة على الدعاء ، أي أشدد يا رب أزري وأشركه معي في أمري. وقرأ ابن عامر ويحيى بن الحرث وأبو حيوة والحسن وعبد الله بن أبي إسحاق {أشْدُدْ} بقطع الألف {وَأُشْركْهُ} أي أنا يا رب {فِي أَمْرِي}. قال النحاس : جعلوا الفعلين في موضع جزم جوابا لقوله : {اجْعَلْ لِي وَزِيراً} وهذه القراءة شاذة بعيدة ؛ لأن جواب مثل هذا إنما يتخرج بمعنى الشرط والمجازاة ؛ فيكون المعنى : إن تجعل لي وزيرا من أهلي أشدد به أزري ، وأشركه في أمري. وأمره النبوة والرسالة ، وليس هذا إليه صلى الله عليه وسلم فيخبر به ، إنما سأل الله عز وجل أن يشركه معه في النبوة. وفتح الياء من {أَخِي} ابن كثير وأبو عمر. {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً} قيل : معنى {نُسَبِّحَكَ} نصلي لك. ويحتمل أن يكون التسبيح باللسان. أي ننزهك عما لا يليق بجلالك. و {كَثِيراً} نعت لمصدر محذوف. ويجوز أن يكون نعتا لوقت. والإدغام حسن. وكذا {وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً}. {إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً} قال الخطابي : البصير المبصر ، والبصير العالم بخفيات الأمور ، فالمعنى ؛ أي عالما بنا ، ومدركا لنا في صغرنا فأحسنت إلينا ، فأحسن إلينا كذلك يا رب.
الآيات : 36 - 39 {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ، وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى ، إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى ،
(11/194)
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}
الآية : 40 {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى}
الآية : 41 {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}
الآية : 42 {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي}
قوله تعالى : {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} لما سأله شرح الصدر ، وتيسير الأمر إلى ما ذكر ، أجاب سؤله ، وأتاه طلبته ومرغوبه. والسؤل الطلبة ؛ فعل بمعنى مفعول ، كقولك خبز بمعنى مخبوز وأكل بمعنى مأكول. وقوله تعالى : {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} أي قبل هذه ، وهي حفظه سبحانه له من شر الأعداء في الابتداء ؛ وذلك حين الذبح. والله أعلم. والمن الإحسان والإفضال. وقوله : {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى} قيل : {أ َوْحَيْنَا} ألهمنا وقيل : أوحى إليها في النوم. وقال ابن عباس : أوحى إليها كما أوحى إلى النبيين. {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} قال مقاتل : مؤمن آل فرعون هو الذي صنع التابوت ونجره وكان اسمه حزقيل. وكان التابوت من جميز. {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} أي اطرحيه في البحر : نهر النيل. {فَاقْذِفِيهِ} قال الفراء : {فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} أمر وفيه معنى المجازاة. أي اقذفيه يلقه اليم. وكذا قوله : {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت : 12]. {يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} يعني فرعون ؛ فاتخذت تابوتا ، وجعلت فيه نطعا ووضعت فيه موسى ، وقيرت رأسه وخصاصه يعني شقوقه ثم ألقته في النيل ، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون ، فساقه الله في ذلك النهر إلى دار فرعون. وروي أنها جعلت في التابوت قطنا محلوجا ، فوضعته فيه وقيرته وجصصته ، ثم ألقته في اليم. وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير ، فبينا هو جالس على رأس بركة مع آسية ، إذا بالتابوت ، فأمر به فأخرج ، ففتح فإذا صبي أصبح
(11/195)
الناس ، فأحبه عدو الله حبا شديدا لا يتمالك أن يصبر عنه. وظاهر القرآن يدل على أن البحر ألقاه بساحله وهو شاطئه ، فرأى فرعون التابوت بالساحل فأمر بأخذه. ويحتمل أن يكون إلقاء اليم بموضع من الساحل ، فيه فوهة نهر فرعون ، ثم أداه النهر إلى حيث البركة. والله أعلم. وقيل : وجدته ابنة فرعون وكان بها برص ، فلما فتحت التابوت شفيت. وروي أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه ، وعالجوا كسره فأعياهم ، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا فعالجته ففتحته ، فإذا صبي نوره بين عينيه ، وهو يمص إبهامه لبنا فأحبوه. وكانت لفرعون بنت برصاء ، وقال له الأطباء : لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه إنسان دواؤها ريقه ؛ فلطخت البرصاء برصها بريقه فبرئت. وقيل : لما نظرت إلى وجهه برئت. والله أعلم. وقيل : وجدته جوار لامرأة فرعون ، فلما نظر إليه فرعون فرأى صبيا من أصبح الناس وجها ، فأحبه فرعون. فذلك قوله تعالى : {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} قال ابن عباس : أحبه الله وحببه إلى خلقه. وقال ابن عطية : جعل عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه. وقال قتادة : كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه وعشقه. وقال عكرمة : المعنى جعلت في حسنا وملاحة فلا يراك أحد إلا أحبك. وقال الطبري : المعنى ألقيت عليك رحمتي. وقال ابن زيد : جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون فسلمت من شره ، وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك. {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} قال ابن عباس : يريد أن ذلك بعيني حيث جعلت في التابوت ، وحيث ألقي التابوت في البحر ، وحيث التقطك جواري امرأة فرعون ؛ فأردن أن يفتحن التابوت لينظرن ما فيه ، فقالت منهن واحدة : لا تفتحنه حتى تأتين به سيدتكن فهو أحظى لكن عندها ، وأجدر بألا تتهمكن بأنكن وجدتن فيه شيئا فأخذتموه لأنفسكن. وكانت امرأة فرعون لا تشرب من الماء إلا ما استقينه أولئك الجواري فذهبن بالتابوت إليها مغلقا ، فلما فتحته رأت صبيا لم ير مثله قط ؛ وألقي عليها محبته فأخذته فدخلت به على فرعون ، فقالت له : [القصص : 9] {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} قال لها فرعون : أما لك فنعم ، وأما لي فلا. فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لو أن فرعون قال
(11/196)
نعم هو قرة عين لي ولك لآمن وصدق" فقالت : هبه لي ولا تقتله ؛ فوهبه لها. وقيل : {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} أي تربى وتغذى على مرأى مني ؛ قاله قتادة. قال النحاس : وذلك معروف في اللغة ؛ يقال : صنعت الفرس وأصنعت إذا أحسنت القيام عليه. والمعنى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} فعلت ذلك. وقيل : اللام متعلقة بما بعدها من قوله : {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ} على التقديم والتأخير فـ {إِذْ} ظرف {لِتُصْنَعَ}. وقيل : الواو في {وَلِتُصْنَعَ} زائدة. وقرأ ابن القعقاع {وَلِتُصْنَعَ} بإسكان اللام على الأمر ، وظاهره للمخاطب والمأمور غائب. وقرأ أبو نهيك {وَلِتُصْنَعَ} بفتح التاء. والمعنى ولتكون حركتك وتصرفك بمشيئي وعلى عين مني. ذكره المهدوي. قوله تعالى : {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ} العامل في {إِذْ تَمْشِي} {لْقَيْتُ} أو {تُصْنَعَ}. ويجوز أن يكون بدلا من {إِذْ أَوْحَيْنَا} وأخته اسمها مريم {فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} وذلك أنها خرجت متعرفة خبره ، وكان موسى لما وهبه فرعون من امرأته طلبت له المراضع ، كان لا يأخذ من أحد حتى أقبلت أخته ، فأخذته ووضعته في حجرها وناولته ثديها فمصه وفرح به. فقالوا لها : تقيمين عندنا ؛ فقالت : إنه لا لبن لي ولكن أدلكم على من يكفله وهم له ناصحون. قالوا : ومن هي ؟ . قالت : أمي. فقالوا : لها لبن ؟ قالت : لبن أخي هارون. وكان هارون أكبر من موسى بسنة. وقيل بثلاث. وقيل بأربع. وذلك أن فرعون رحم بني إسرائيل فرفع عنهم القتل أربع سنين ، فولد هارون فيها ؛ قال ابن عباس : فجاءت الأم فقبل ثديها. فذلك قوله تعالى : {فرجعناك إلى أمك} وفي مصحف أبي {فَردَدْنَاكَ} {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} وروى عبد الحميد عن ابن عامر {كَيْ تَقِر عَيْنُهَا} بكسر القاف. قال الجوهري : وقررت به عينا وقررت به قرة وقرورا فيهما. رجل قرير العين ؛ وقد قرت عينه تقر وتقر نقيض سخنت. وأقر الله عينه أي أعطاه حتى تقر فلا تطمح إلى من هو فوقه ، ويقال : حتى تبرد ولا تسخن. وللسرور دمعة باردة ، وللحزن دمعة حارة. وقد تقدم هذا المعنى في “مريم”. {وَلا تَحْزَنَ} أي على فقدك. {وَقَتَلْتَ نَفْساً} قال ابن عباس : قتل قبطيا كافرا. قال كعب : وكان إذ ذاك ابن اثنتي
(11/197)
عشرة سنة. في صحيح مسلم : وكان قتله خطأ ؛ على ما يأتي. {فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ} أي آمناك من الخوف والقتل والحبس. {وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} أي اختبرناك اختبارا حتى صلحت للرسالة ، وقال قتادة : بلوناك بلاء. مجاهد : أخلصنا إخلاصا. وقال ابن عباس : اختبرناك بأشياء قبل الرسالة ، أولها حملته أمه في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ، ثم إلقاؤه في اليم ، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه ، ثم جره بلحية فرعون ، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة ، فدرأ ذلك عنه قتل فرعون ، ثم قتله القبطي وخروجه خائفا يترقب ، ثم رعايته الغنم ليتدرب بها على رعاية الخلق. فيقال : إنه ند له من الغنم جدي فاتبعه أكثر النهار ، وأتعبه ، ثم أخذه فقبله وضمه إلى صدره ، وقال له أتعبتني وأتعبت نفسك ؛ ولم يغضب عليه. قال وهب بن منبه : ولهذا اتخذه الله كليما. وقد مضى في “النساء”.
قوله تعالى : {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} يريد عشر سنين أتم الأجلين. وقال وهب : لبث عند شعيب ثماني وعشرين سنة ، منها عشرة مهر امرأته صفورا ابنة شعيب ، وثماني عشرة أقامها عنده حتى ولد له عنده. وقوله : {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} قال ابن عباس وقتادة وعبد الرحمن بن كيسان : يريد موافقا للنبوة والرسالة ؛ لأن الأنبياء لا يبعثون إلا أبناء أربعين سنة. وقال مجاهد ومقاتل : {عَلَى قَدَرٍ} على وعد. وقال محمد بن كعب : ثم جئت على القدر الذي قدرت لك أنك تجيء فيه. والمعنى واحد. أي جئت الوقت الذي أردنا إرسالك فيه. وقال الشاعر :
نال الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر
قوله تعالى : {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} قال ابن عباس : أي اصطفيتك لوحي ورسالتي. وقيل : {اصْطَنَعْتُكَ} خلقتك ؛ مأخوذ من الصنعة. وقيل قويتك وعلمتك لتبلغ عبادي أمري ونهي.
الآيات : 42 - 44 {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ، اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}
قوله تعالى : {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي} قال ابن عباس يريد التسع الآيات التي أنزلت عليه. {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} قال ابن عباس : تضعفا أي في أمر الرسالة ؛ وقاله قتادة. وقيل : تفترا. قال الشاعر :
فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر
(11/198)
والونى الضعف والفتور ، والكلال والإعياء. وقال امرؤ القيس :
مسح إذا ما السابحات على الونى ... أثرن غبارا بالكديد المركل
ويقال : ونيت في الأمر أني ونى ونيا أي ضعفت فأنا وان وناقة وانية وأونيتها أنا أضعفتها وأتعبتها : وفلان لا يني كذا ، أي لا يزال ، وبه فسر أبان معنى الآية واستشهد بقول طرفة :
كأن القدور الراسيات أمامهم ... قباب بنوها لا تني أبدا تغلي
وعن ابن عباس أيضا : لا تبطئا. وفي قراءة ابن مسعود {وَلاَ تَهِنا فِي ذِكْرِي} وتحميدي وتمجيدي وتبليغ رسالتي.
]43[ {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}
]44[ {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {اذْهَبَا} قال في أول الآية : {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي} وقال هناك {اذْهَبَا} فقيل أمر الله تعالى موسى وهارون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة فرعون ، وخاطب أولا موسى وحده تشريفا له ؛ ثم كرر للتأكيد. وقيل بين بهذا أنه لا يكفي ذهاب أحدهما. وقيل : الأول أمر بالذهاب إلى كل الناس ، والثاني بالذهاب إلى فرعون.
الثانية : قوله تعالى : {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة ، وضمنت له العصمة ، ألا تراه قال : {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} وقال : {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه : 46] فكيف بنا فنحن أولى بذلك. وحينئذ يحصل الآمر والناهي على مرغوبه ، ويظفر بمطلوبه ؛ وهذا واضح.
(11/199)
الثالثة : واختلف الناس في معنى قوله {لَيِّناً} فقالت فرقة منهم الكلبي وعكرمة : معناه كنياه ؛ وقاله ابن عباس ومجاهد والسدي. ثم قيل : وكنيته أبو العباس. وقيل : أبو الوليد. وقيل : أبو مرة ؛ فعلى هذا القول تكنية الكافر جائزة إذا كان وجيها ذا شرف وطمع بإسلامه. وقد يجوز ذلك وإن لم يطمع بإسلامه ، لأن الطمع ليس بحقيقة توجب عملا. وقد قال صلى الله عليه وسلم : "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" ولم يقل وإن طمعتم في إسلامه ، ومن الإكرام دعاؤه بالكنية. وقد قال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية : "أنزل أبا وهب" فكناه. وقال لسعد : "ألم تسمع ما يقول أبو حباب" يعني عبد الله بن أبي. وروي في الإسرائيليات أن موسى عليه السلام قام على باب فرعون سنة ، لا يجد رسولا يبلغ كلاما حتى خرج. فجرى له ما قضى الله من ذلك ، وكان ذلك تسلية لمن جاء بعده من المؤمنين في سيرتهم مع الظالمين ، وربك أعلم بالمهتدين. وقيل قال له موسى تؤمن بما جئت به ، وتعبد رب العالمين ؛ على أن لك شبابا لا يهرم إلى الموت ، وملكا لا ينزع منك إلى الموت ، وينسأ في أجلك أربعمائة سنة ، فإذا مت دخلت الجنة. فهذا القول اللين. وقال ابن مسعود : القول اللين قوله تعالى {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات : 18 - 19]. وقد قيل أن القول اللين قول موسى : يا فرعون إنا رسولا ربك رب العالمين. فسماه بهذا الاسم لأنه أحب إليه مما سواه مما قيل له ، كما يسمى عندنا الملك ونحوه.
قلت : القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه ؛ يقال : لان الشيء يلين لينا ؛ وشيء لين ولين مخفف منه ؛ والجمع أليناء. فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا ، فمن دونه أحرى بأن يقتدى بذلك في خطابه ، وأمره بالمعروف في كلامه. وقد قال تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة : 83]. على ما تقدم في "البقرة" بيانه والحمد لله.
قوله تعالى : {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} معناه : على رجائكما وطمعكما ؛ فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر ؛ قال كبراء النحويين : سيبويه وغيره. وقد تقدم. قال الزجاج : "لعل" لفظة طمع وترج فخاطبهم بما يعقلون. وقيل "لعل" ها هنا بمعنى
(11/200)
الاستفهام ، والمعنى فانظر هل يتذكر. وقيل : هل يتذكر. وقيل : هو إخبار من الله تعالى عن قول هارون لموسى لعله يتذكر أو يخشى ؛ قاله الحسن. وقيل : إن لعل وعسى في جميع القرآن لما قد وقع. وقد تذكر فرعون حين أدركه الغرق وخشي فقال : {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس : 90] ولكن لم ينفعه ذلك ؛ قاله أبو بكر الوراق وغيره وقال يحيي بن معاذ في هذه الآية : هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله ؟ !. وقد قيل : إن فرعون ركن إلى قول موسى لما دعاه ، وشاور امرأته فآمنت وأشارت عليه بالإيمان ، فشاور هامان فقال : لا تفعل ؛ بعد أن كنت مالكا تصير مملوكا ، وبعد أن كنت ربا تصير مربوبا. وقال له : أنا أردك شابا فخضب لحيته بالسواد فهو أول من خضب.
الآية : 45 {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى}
قوله تعالى : {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} قال الضحاك : {يَفْرُطَ} يعجل. قال : و {يَطْغَى} يعتدي. النحاس : التقدير نخاف أن يفرط علينا منه أمر ، قال الفراء : فرط منه أمر أي بدر ؛ قال : وأفرط أسرف. قال : وفرط وقراءة الجمهور {يَفْرُطُ} بفتح الياء وضم الراء ، ومعناه يعجل ويبادر بعقوبتنا. يقال : فرط أمر أي بدر ؛ ومنه الفارط في الماء الذي يتقدم القوم إلى الماء. أي يعذبنا عذاب الفارط في الذنب وهو المتقدم فيه ؛ قاله المبرد. وقرأت فرقة منهم ابن محيصن {يَفْرَطُ} بفتح الياء والراء ؛ قال المهدوي : ولعلها لغة. وعنه أيضا بضم الياء وفتح الراء ومعناها أن يحمله حامل التسرع إلينا. وقرأت طائفة {يُفْرِط} بضم الياء وكسر الراء ؛ وبها قرأ ابن عباس ومجاهد عكرمة وابن محيصن أيضا. ومعناه يشطط في أذيننا ؛ قال الراجز :
قد أفرط العلج علينا وعجل
الآية : 46 {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}
(11/201)
فيه مسألتان : -
الأولى : قال العلماء : لما لحقهما ما يلحق البشر من الخوف على أنفسهما عرفهما الله سبحانه أن فرعون لا يصل إليهما ولا قومه. وهذه الآية ترد على من قال : إنه لا يخاف ؛ والخوف من الأعداء سنة الله في أنبيائه وأوليائه مع معرفتهم به وثقتهم. ولقد أحسن البصري رحمه الله حين قال للمخبر عن عامر بن عبد الله - أنه نزل مع أصحابه في طريق الشام على ماء ، فحال الأسد بينهم وبين الماء ، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته ، فقيل له : فقد خاطرت بنفسك. فقال : لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلي من أن يعلم الله أني أخاف شيئا سواه - قد خاف من كان خيرا من عامر ؛ موسى صلى الله عليه وسلم حين قال له : {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص : 20 - 21] وقال : {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص : 18] وقال حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم : {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى. قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى } [طه : 67 - 68].
قلت ومنه حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم ، مع كونه من التوكل والثقة بربه بمحل لم يبلغه أحدا ؛ ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم ، مرة إلى الحبشة ، ومرة إلى المدينة ؛ تخوفا على أنفسهم من مشركي مكة ؛ وهربا بدينهم أن يفتنوهم عنه بتعذيبهم. وقد قالت أسماء بنت عميس لعمر لما قال لها سبقناكم بالهجرة ، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم كذبت يا عمر ، كلا والله كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم ، وكنا في دار - أو أرض - البعداء البغضاء في الحبشة ؛ وذلك في الله ورسوله ؛ وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن كنا نؤذي ونخاف. الحديث بطوله خرجه مسلم. قال العلماء : فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله نفوس بني آدم
(11/202)
[عليه] كاذب ؛ وقد طبعهم على الهرب مما يضرها ويؤلمها أو يتلفها. قالوا : ولا ضار أضر من سبع عاد في فلاة من الأرض على من لا آلة معه يدفعه بها عن نفسه ، من سيف أو رمح أو نبل أو قوس وما أشبه ذلك.
الثانية : قوله تعالى : {إِنَّنِي مَعَكُمَا} يريد بالنصر والمعونة والقدرة على فرعون. وهذا كما تقول : الأمير مع فلان إذا أردت أنه يحميه. وقول : {أَسْمَعُ وَأَرَى} عبارة عن الإدراك الذي لا تخفى معه خافية ، تبارك الله رب العالمين.
الآيتان : 47 - 48 {فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ، إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}
الآيتان : 49 - 50 {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ، قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}
قوله تعالى : {فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ} في الكلام حذف ، والمعنى : فأتياه فقالا له ذلك. {فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ} أي خل عنهم. {وَلا تُعَذِّبْهُمْ} أي بالسخرة والتعب في العمل ، وكانت بنو إسرائيل عند فرعون في عذاب شديد ؛ يذبح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، ويكلفهم من العمل في الطين واللبن وبناء المدائن مالا يطيقونه. {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ} قال ابن عباس : يريد العصا واليد. وقيل : إن فرعون قال له : وما هي ؟ فأدخل يده في جيب قميصه ، ثم أخرجها بيضاء لها شعاع مثل شعاع الشمس ، غلب نورها على نور الشمس فعجب منها ولم يره العصا إلا يوم الزينة. {وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} قال الزجاج : أي من اتبع الهدى سلم من سخط الله عز وجل وعذابه. قال : وليس بتحية ، والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب.
(11/203)
الفراء : السلام على من اتبع الهدى ولمن اتبع الهدى سواء. {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ} يعني الهلاك والدمار في الدنيا والخلود في جهنم في الآخرة. {عَلَى مَنْ كَذَّبَ} أنبياء الله {وَتَوَلَّى} أعرض عن الإيمان. وقال ابن عباس : هذه أرجى آية للموحدين لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا.
قوله تعالى : {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} ذكر فرعون موسى دون هارون لرؤوس الآي. وقيل : خصصه بالذكر لأنه صاحب الرسالة والكلام والآية. وقيل إنهما جميعا بلغا الرسالة وإن كان ساكتا ؛ لأنه في وقت الكلام إنما يتكلم واحد ، فإذا انقطع وازره الآخر وأيده. فصار لنا في هذا البناء فائدة علم ؛ أن الاثنين إذا قلدا أمرا فقام به أحدهما ، والآخر شخصه هناك موجود مستغنى عنه في وقت دون وقت أنهما أديا الأمر الذي قلدا وقاما به واستوجبا الثواب ؛ لأن الله تعالى قال : {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} وقال : {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ} وقال : {فَقُولا لَهُ} فأمرهما جميعا بالذهاب وبالقول ، ثم أعلمنا في وقت الخطاب بقوله : {فَمَنْ رَبُّكُمَا} أنه كان حاضرا مع موسى. {قَالَ} موسى : {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} أي أنه يعرف بصفاته ، وليس له اسم علم حتى يقال فلان بل هو خالق العالم ، والذي خص كل مخلوق بهيئة وصورة ، ولو كان الخطاب معهما لقالا : قالا ربنا “وخلقه” أول مفعولي أعطى ، أي أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به ، أو ثانيهما أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به ؛ على قول الضحاك على ما يأتي. {ثُمَّ هَدَى} قال ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي : أعطى كل شيء زوجه من جنسه ، ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ، وعن ابن عباس ثم هداه إلى الألفة والاجتماع والمناكحة. وقال الحسن وقتادة : أعطى كل شيء صلاحه ، وهداه لما يصلحه. وقال مجاهد : أعطى كل شيء صورة ؛ ويجعل خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ، ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا. وقال الشاعر :
وله في كل شيء خلقه ... وكذاك الله ما شاء فعل
(11/204)
يعني بالخلقة الصورة ؛ وهو قول عطية ومقتل. وقال الضحاك أعطى كل شيء خلقه من المنفعة النوطة به المطابقة له. يعني اليد للبطش ، والرجل للمشي ، واللسان للنطق ، والعين للنظر ، والأذن للسمع. وقيل : أعطى كل شيء ما ألهمه من علم أو صناعة. وقال الفراء : خلق الرجل للمرأة ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث ثم هدى الذكر للأنثى. فالتقدير على هذا أعطى كل شيء مثل خلقه.
قلت وهذا معنى قول ابن عباس. الآية بعمومها تتناول جميع الأقوال. وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} بفتح اللام ؛ وهي قراءة ابن إسحاق. ورواها نصير عن الكسائي وغيره ؛ أي أعطى بني آدم كل شيء خلقه مما يحتاجون إليه. فالقراءتان متفقتان في المعنى.
الآيتان : 51 - 52 {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ، قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}
الأولى : قوله تعالى : {قَالَ فَمَا بَالُ} البال الحال ؛ أي وما حالها وما شأنها ، فأعلمه أن علمها عند الله تعالى ، أي إن هذا من علم الغيب الذي سألت عنه ، وهو مما استأثر الله تعالى به لا يعلمه إلا هو ، وما أنا إلا عبد مثلك لا أعلم إلا ما أخبرني به علام الغيوب ، وعلم أحوال القرون مكتوبة عند الله في اللوح المحفوظ. وقيل : المعنى فما بال القرون الأولى لم يقروا بذلك. أي فما بالهم ذهبوا وقد عبد وا غير ربك. وقيل : إنما سأل عن أعمال القرون الأولى فأعلمه أنها محصاة عند الله تعالى ، ومحفوظة عنده في كتاب. أي هي مكتوبة فسيجازيهم غدا بها وعليها. وعنى بالكتاب اللوح المحفوظ. وقيل : هو كتاب مع بعض الملائكة.
الثانية : هذه الآية ونظائرها مما تقدم ويأتي تدل على تدوين العلوم وكتبها لئلا تنسى. فإن الحفظ قد تعتريه الآفات من الغلط والنسيان. وقد لا يحفظ الإنسان ما يسمع فيقيده لئلا يذهب عنه. وروينا بالإسناد المتصل عن قتادة أنه قيل له : أنكتب ما نسمع
(11/205)
منك ؟ قال : وما يمنعك أن تكتب وقد أخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب ؛ فقال : {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى}. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي". وأسند الخطيب أبو بكر عن أبي هريرة قال : "كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستمع منه الحديث ويعجبه ولا يحفظه ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أسمع منك الحديث يعجبني ولا أحفظه ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "استعن بيمينك" وأومأ إلى الخط وهذا نص. وعلى جواز كتب العلم وتدوينه جمهور الصحابة والتابعين ؛ وقد أمر صلى الله عليه وسلم بكتب الخطبة التي خطب بها في الحج لأبي شاه - رجل من اليمن - لما سأله كتبها. أخرجه مسلم. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "قيدوا العلم بالكتابة". وقال معاوية بن قرة : من لم يكتب العلم لم يعد علمه علما. وقد ذهب قوم إلى المنع من الكتب ؛ فروى أبو نصرة قال قيل لأبي سعيد : أنكتب حديثكم هذا ؟ قال : لم تجعلونه قرآنا ؟ ولكن احفظوا كما حفظنا. وممن كان لا يكتب الشعبي ويونس بن عبيد وخالد الحذاء - قال خالد ما كتبت شيئا قط إلا حديثا واحدا ، فلما حفظته محوته - وابن عون والزهري. وقد كان بعضهم يكتب فإذا حفظ محاه ؛ منهم محمد بن سيرين وعاصم بن ضمرة. وقال هشام بن حسان : ما كتبت حديثا قط إلا حديث الأعماق فلما حفظته محوته.
قلت : وقد ذكرنا عن خالد الحذاء مثل هذا. وحديث الأعماق خرجه مسلم في آخر الكتاب : "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق - أو – بدابق" الحديث ذكره في كتاب الفتن. وكان بعضهم يحفظ ثم يكتب ما يحفظ منهم الأعمش وعبد الله بن أدريس وهشيم وغيرهم. وهذا احتياط على الحفظ. والكتب أولى على الجملة ، وبه وردت الآي والأحاديث ؛ وهو مروي عن عمر وعلي وجابر وأنس رضي الله عنهم ، ومن يليهم من كبراء التابعين كالحسن
(11/206)
وعطاء وطاوس وعروة بن الزبير ، ومن بعدهم من أهل العلم ؛ قال الله تعالى {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف : 145]. وقال تعالى : {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء : 105]. وقال تعالى : {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً} [الأعراف : 156] الآية. وقال تعالى : {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر : 52 - 53]. {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} إلى غير هذا من الآي. وأيضا فإن العلم لا يضبط إلا بالكتاب ، ثم بالمقابلة والمدارسة والتعهد والتحفظ والمذاكرة والسؤال والفحص عن الناقلين والثقة بما نقلوا ، وإنما كره الكتب من كره من الصدر الأول لقرب العهد ، وتقارب الإسناد لئلا يعتمده الكاتب فيهمله ، أو يرغب عن حفظه والعمل به ؛ فأما والوقت متباعد ، والإسناد غير متقارب ، والطرق مختلفة ، والنقلة متشابهون ، وآفة النسيان معترضة ، والوهم غير مأمون ؛ فإن تقييد العلم بالكتاب أولى وأشفى ، والدليل على وجوبه أقوى ؛ فإن احتج محتج بحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا تكتبوا عني ومن كتب غير القرآن فليمحه" خرجه مسلم ؛ فالجواب أن ذلك كان متقدما ؛ فهو منسوخ بأمره بالكتاب ، وإباحتها لأبي شاه وغيره. وأيضا كان ذلك لئلا يخلط بالقرآن ما ليس منه. وكذا ما روي عن أبي سعيد أيضا - حرصنا أن يأذن لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة فأبى - إن كان محفوظا فهو قبل الهجرة ، وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن.
الثالثة : قال أبو بكر الخطيب : ينبغي أن يكتب الحديث بالسواد ؛ ثم الحبر خاصة دون المداد لأن السواد أصبغ الألوان ، والحبر أبقاها على مر الدهور. وهو آلة ذوي العلم ، وعدة أهل المعرفة. ذكر عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال : رآني الشافعي وأنا في مجلسه وعلى قميصي حبر وأنا أخفيه ؛ فقال لم تخفيه وتستره ؟ إن الحبر على الثوب من المروءة لأن صورته في الأبصار سواد ، وفي البصائر بياض. وقال خالد بن زيد : الحبر في ثوب صاحب الحديث مثل الخلوق في ثوب العروس. وأخذ هذا أبو عبد الله البلوى فقال :
مداد المحابر طيب الرجال ... وطيب النساء من الزعفران
فهذا يليق بأثواب ذا ... وهذا يليق بثوب الحصان
(11/207)
وذكر الماوردي أن عبد الله بن سليمان حكى ؛ رأى على بعض ثيابه أثر صفرة ؛ فأخذ من مداد الدواة وطلاه به ، ثم قال : المداد بنا أحسن من الزعفران ؛ وأنشد :
إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدوي عطر الرجال
الرابعة : قوله تعالى : {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} اختلف في معناه على أقوال خمسة : الأول : إنه ابتداء كلام ، تنزيه لله تعالى عن هاتين الصفتين وقد كان الكلام تم في قوله : {فِي كِتَابٍ}. وكذا قال الزجاج ، وأن معنى {لا يَضِلُّ} لا يهلك من قوله : {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} [السجدة