منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالسبت 4 سبتمبر - 17:16


________________________________________
قوله تعالى : {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} المعنى : ويقولان "ربنا" ، فحذف. وكذلك هي في قراءة أبي وعبدالله بن مسعود : {وإذ يرفع وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا وإسماعيل ويقولان ربنا تقبل منا}
وتفسير إسماعيل : اسمع يا الله ، لأن "إيل" بالسريانية هو الله ، وقد تقدم. فقيل : إن إبراهيم لما دعا ربه قال : اسمع يا إيل ، فلما أجابه ربه ورزقه الولد سماه بما دعاه. ذكره الماوردي.
قوله تعالى : {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} اسمان من أسماء الله تعالى قد أتينا عليهما في الكتاب "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى".
الآية : 128 {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}
قوله تعالى : {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} أي صيرنا ، و"مسلمين" مفعول ثان ، سألا التثبيت والدوام. والإسلام في هذا الموضع : الإيمان والأعمال جميعا ، ومنه قوله تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ} [آل عمران : 19] ففي هذا دليل لمن قال : إن الإيمان والإسلام شيء واحد ، وعضدوا هذا بقوله تعالى في الآية الأخرى : {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات : 35 - 36]. وقرأ ابن عباس وعوف الأعرابي "مسلمين" على الجمع.
قوله تعالى : {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} أي ومن ذريتنا فاجعل ، فيقال : إنه لم يدع نبي إلا لنفسه ولأمته إلا إبراهيم فإنه دعا مع دعائه لنفسه ولأمته ولهذه الأمة. و"من" في قوله : "ومن ذريتنا" للتبعيض ، لأن الله تعالى قد كان أعلمه أن منهم ظالمين. وحكى الطبري : أنه أراد بقوله "ومن ذريتنا" العرب خاصة. قال السهيلي : وذريتهما
(2/126)
________________________________________
العرب ، لأنهم بنو نبت بن إسماعيل ، أو بنو تيمن بن إسماعيل ، ويقال : قيدر بن نبت بن إسماعيل. أما العدنانية فمن نبت ، وأما القحطانية فمن قيدر بن نبت بن إسماعيل ، أو تيمن على أحد القولين. قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، لأن دعوته ظهرت في العرب وفيمن آمن من غيرهم. والأمة : الجماعة هنا ، وتكون واحدا إذا كان يقتدى به في الخير ، ومنه قوله تعالى : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ} [النحل : 120] ، وقال صلى الله عليه وسلم في زيد بن عمرو بن نفيل : "يبعث أمة وحده" لأنه لم يشرك في دينه غيره ، والله اعلم وقد يطلق لفظ الأمة على غير هذا المعنى ، ومنه قوله تعالى : {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف : 22] أي على دين وملة ، ومنه قوله تعالى : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء : 92]. وقد تكون بمعنى الحين والزمان ، ومنه قوله تعالى {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف : 45] أي بعد حين وزمان. ويقال : هذه أمة زيد ، أي أم زيد. والأمة أيضا : القامة ، يقال : فلان حسن الأمة ، أي حسن القامة ، قال :
وإن معاوية الأكرميـ ... ـن حسان الوجوه طوال الأمم
وقيل : الأمة الشجة التي تبلغ أم الدماغ ، يقال : رجل مأموم وأميم.
قوله تعالى : {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} "أرنا" من رؤية البصر ، فتتعدى إلى مفعولين ، وقيل : من رؤية القلب ، ويلزم قائله أن يتعدى الفعل منه إلى ثلاثة مفاعيل. قال ابن عطية : وينفصل بأنه يوجد معدى بالهمزة من رؤية القلب إلى مفعولين [كغير المعدى] ؛ قال حطائط بن يعفر أخو الأسود بن يعفر :
أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
وقرأ عمر بن عبدالعزيز وقتادة وابن كثير وابن محيصن والسدي وروح عن يعقوب ورويس والسوسي "أرنا" بسكون الراء في القرآن ، واختاره أبو حاتم. وقرأ أبو عمرو باختلاس كسرة
(2/127)
________________________________________
الراء ، والباقون بكسرها ، واختاره أبو عبيد. وأصله أرئنا بالهمز ، فمن قرأ بالسكون قال : ذهبت الهمزة وذهبت حركتها وبقيت الراء ساكنة على حالها ، واستدل بقول الشاعر :
أرنا إداوة عبدالله نملؤها ... من ماء زمزم إن القوم قد ظمئوا
ومن كسر فإنه نقل حركة الهمزة المحذوفة إلى الراء ، وأبو عمر وطلب الخفة. وعن شجاع بن أبي نصر وكان أمينا صادقا أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فذاكره أشياء من حروف أبي عمرو فلم يرد عليه إلا حرفين : هذا ، والآخر "ما ننسخ من آية أو ننسأها" [البقرة : 106] مهموزا.
قوله تعالى : {مَنَاسِكَنَا} يقال : إن أصل النسك في اللغة الغسل ، يقال منه : نسك ثوبه إذا غسله. وهو في الشرع اسم للعبادة ، يقال : رجل ناسك إذا كان عابدا.
واختلف العلماء في المراد بالمناسك هنا ، فقيل : مناسك الحج ومعالمه ، قاله قتادة والسدي. وقال مجاهد وعطاء وابن جريج : المناسك المذابح ، أي مواضع الذبح. وقيل : جميع المتعبدات. وكل ما يتعبد به إلى الله تعالى يقال له منْسَك ومنسِك. والناسك : العابد. قال النحاس : يقال نسك ينسك ، فكان يجب أن يقال على هذا : منسك ، إلا أنه ليس في كلام العرب مفعل. وعن زهير بن محمد قال : لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت الحرام قال : أي رب ، قد فرغت فأرنا مناسكنا ، فبعث الله تعالى إليه جبريل فحج به ، حتى إذا رجع من عرفة وجاء يوم النحر عرض له إبليس ، فقال له : احصبه ، فحصبه بسبع حصيات ، ثم الغد ثم اليوم الثالث ، ثم علا ثبيرا فقال : يا عباد الله ، أجيبوا ، فسمع دعوته من بين الأبحر ممن في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، فقال : لبيك ، اللهم لبيك ، قال : ولم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعدا ، لولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها. وأول من أجابه أهل اليمن. وعن أبي مجلز قال : لما فرغ إبراهيم من البيت جاءه جبريل عليه السلام فأراه الطواف
(2/128)
________________________________________
بالبيت - قال : وأحسبه قال : "والصفا والمروة - ثم انطلقا إلى العقبة فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، فرمى وكبر ، وقال لإبراهيم : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان. ثم انطلقا إلى الجمرة الوسطى ، فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، وقال : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان. ثم أتيا الجمرة القصوى فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات وأعطى إبراهيم سبع حصيات وقال : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى أفل الشيطان. ثم أتى به جمعا فقال : ههنا يجمع الناس الصلوات. ثم أتى به عرفات فقال : عرفت ؟ فقال نعم ، فمن ثم سمي عرفات. وروي أنه قال له : عرَفْت ، عرفتَ ، عرفت ؟ أي منى والجمع وهذا ، فقال نعم ، فسمي ذلك المكان عرفات. وعن خصيف بن عبدالرحمن أن مجاهدا حدثه قال : لما قال إبراهيم عليه السلام : {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} أي الصفا والمروة ، وهما من شعائر الله بنص القرآن ، ثم خرج به جبريل ، فلما مر بجمرة العقبة إذا إبليس عليها ، فقال له جبريل : كبر وارمه ، فارتفع إبليس إلى الوسطى ، فقال جبريل : كبر وارمه ، ثم في الجمرة القصوى كذلك. ثم انطلق به إلى المشعر الحرام ، ثم أتى به عرفة فقال له : هل عرفت ما أريتك ؟ قال نعم ، فسميت عرفات لذلك فيما قيل ، قال : فأذن في الناس بالحج ، قال : كيف أقول ؟ قال قل : يا أيها الناس ، أجيبوا ربكم ، ثلاث مرار ، ففعل ، فقالوا : لبيك ، اللهم لبيك. قال : فمن أجاب يومئذ فهو حاج. وفي رواية أخرى : أنه حين نادى استدار فدعا في كل وجه ، فلبى الناس من كل مشرق ومغرب ، وتطأطأت الجبال حتى بعد صوته. وقال محمد بن إسحاق : لما فرغ إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه من بناء البيت الحرام جاءه جبريل عليه السلام فقال له : طف به سبعا ، فطاف به سبعا هو وإسماعيل عليهما السلام ، يستلمان الأركان كلها في كل طواف ، فلما أكملا سبعا صليا خلف المقام ركعتين. قال : فقام جبريل فأراه المناسك كلها : الصفا والمروة ومنى والمزدلفة. قال :
(2/129)
________________________________________
فلما دخل منى وهبط من العقبة تمثل له إبليس.... ، فذكر نحو ما تقدم. قال ابن إسحاق : وبلغني أن آدم عليه السلام كان يستلم الأركان كلها قبل إبراهيم عليه السلام. وقال : حج إسحاق وسارة من الشام ، وكان إبراهيم عليه السلام يحجه كل سنة على البراق ، وحجته بعد ذلك الأنبياء والأمم. وروى محمد بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كان النبي من الأنبياء إذا هلكت أمته لحق مكة فتعبد بها هو ومن آمن معه حتى يموتوا فمات بها نوح وهود وصالح وقبورهم بين زمزم والحجر" . وذكر ابن وهب أن شعيبا مات بمكة هو ومن معه من المؤمنين ، فقبورهم في غربي مكة بين دار الندوة وبين بني سهم. وقال ابن عباس : في المسجد الحرام قبران ليس فيه غيرهما ، قبر إسماعيل وقبر شعيب عليهما السلام ، فقبر إسماعيل في الحجر ، وقبر شعيب مقابل الحجر الأسود. وقال عبدالله بن ضمرة السلولي : ما بين الركن والمقام إلى زمزم قبور تسعة وتسعين نبيا جاؤوا حجاجا فقبروا هنالك ، صلوات الله عليهم أجمعين.
قوله تعالى : {عَلَيْنَا إِنَّكَ} اختلف في معنى قول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام : "وتب علينا" وهم أنبياء معصومون ، فقالت طائفة : طلبا التثبيت والدوام ، لا أنهما كان لهما ذنب.
قلت : وهذا حسن ، وأحسن منه أنهما لما عرفا المناسك وبنيا البيت أرادا أن يبينا للناس ويعرفاهم أن ذلك الموقف وتلك المواضع مكان التنصل من الذنوب وطلب التوبة. وقيل : المعنى وتب على الظلمة منا. وقد مضى الكلام في عصمة الأنبياء عليهم السلام في قصة آدم عليه السلام. وتقدم القول في معنى قوله : {إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة : 128] فأغنى عن إعادته.
الآية : 129 {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
(2/130)
________________________________________
قوله تعالى : {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. وفي قراءة أبي "وابعث في آخرهم رسولا منهم". وقد روى خالد بن معدان : أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك ، قال : "نعم أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى" . و"رسولا" أي مرسلا ، وهو فعول من الرسالة. قال ابن الأنباري : يشبه أن يكون أصله من قولهم : ناقة مرسال ورسلة ، إذا كانت سهلة السير ماضية أمام النوق. ويقال للجماعة المهملة المرسلة : رسل ، وجمعه أرسال. يقال : جاء القوم أرسالا ، أي بعضهم في أثر بعض ، ومنه يقال للبن رسل ، لأنه يرسل من الضرع
قوله تعالى : {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} "الكتاب" القرآن و"الحكمة" المعرفة بالدين ، والفقه في التأويل ، والفهم الذي هو سجية ونور من الله تعالى ، قاله مالك ، ورواه عنه ابن وهب ، وقال ابن زيد. وقال قتادة : "الحكمة" السنة وبيان الشرائع. وقيل : الحكم والقضاء خاصة ، والمعنى متقارب. ونسب التعليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حيث هو يعطي الأمور التي ينظر فيها ، ويعلم طريق النظر بما يلقيه الله إليه من وحيه. {وَيُزَكِّيهِمْ} أي يطهرهم من وضر الشرك ، عن ابن جريج وغيره. والزكاة : التطهير ، وقد تقدم. وقيل : إن الآيات تلاوة ظاهر الألفاظ. والكتاب معاني الألفاظ. والحكمة الحكم ، وهو مراد الله بالخطاب من مطلق ومقيد ، ومفسر ومجمل ، وعموم وخصوص ، وهو معنى ما تقدم ، والله تعالى اعلم. {والْعَزِيزُ} معناه المنيع الذي لا ينال ولا يغالب. وقال ابن كيسان : معناه الذي لا يعجزه شيء ، دليله : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [فاطر : 44]. الكسائي : "العزيز" الغالب ، ومنه قوله تعالى : {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص : 23] وفي المثل : "من عز بز" أي من غلب سلب. وقيل : "العزيز" الذي لا مثل له ، بيانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى : 11]. وقد زدنا هذا المعنى بيانا في اسمه العزيز في كتاب "الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" وقد تقدم معنى "الحكيم" والحمد الله.
(2/131)
________________________________________
الآية : 130 {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}
قوله تعالى : {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} "من" استفهام في موضع رفع بالابتداء ، و"يرغب" صلة "من". "إلا من سفه نفسه" في موضع الخبر. وهو تقريع وتوبيخ وقع فيه معنى النفي ، أي وما يرغب ، قاله النحاس. والمعنى : يزهد فيها وينأى بنفسه عنها ، أي عن الملة وهي الدين والشرع. {إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} قال قتادة : هم اليهود والنصارى ، رغبوا عن ملة إبراهيم واتخذوا اليهودية والنصرانية بدعة ليست من الله تعالى. قال الزجاج : "سفه" بمعنى جهل ، أي جهل أمر نفسه فلم يفكر فيها. وقال أبو عبيدة : المعنى أهلك نفسه. وحكى ثعلب والمبرد أن "سفه" بكسر الفاء يتعدى كسفه بفتح الفاء وشدها. وحكي عن أبي الخطاب ويونس أنها لغة. وقال الأخفش : "سفه نفسه" أي فعل بها من السفه ما صار به سفيها. وعنه أيضا هي لغة بمعنى سفه ، حكاه المهدوي ، والأول ذكره الماوردي. فأما سفه بضم الفاء فلا يتعدى ، قاله المبرد وثعلب. وحكى الكسائي عن الأخفش أن المعنى جهل في نفسه ، فحذفت "في" فانتصب. قال الأخفش : ومثله {عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة : 235] ، أي على عقدة النكاح. وهذا يجري على مذهب سيبويه فيما حكاه من قولهم : ضرب فلان الظهر والبطن ، أي في الظهر والبطن. الفراء : هو تمييز. قال ابن بحر : معناه جهل نفسه وما فيها من الدلالات والآيات الدالة على أن لها صانعا ليس كمثله شيء ، فيعلم به توحيد الله وقدرته.
قلت : وهذا هو معنى قول الزجاج ، فيفكر في نفسه من يدين يبطش بهما ، ورجلين يمشي عليهما ، وعين يبصر بها ، وأذن يسمع بها ، ولسان ينطق به ، وأضراس تنبت له عند غناه عن الرضاع وحاجته إلى الغذاء ليطحن بها الطعام ، ومعدة أعدت لطبخ الغذاء ، وكبد يصعد إليها صفوه ، وعروق ومعابر ينفذ فيها إلى الأطراف ، وأمعاء يرسب إليها ثفل الغذاء ويبرز من أسفل البدن ، فيستدل بهذا على أن له خالقا قادرا عليما حكيما ، وهذا معنى قوله تعالى :
(2/132)
________________________________________
{وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات : 21]. أشار إلى هذا الخطابي رحمه الله تعالى. وسيأتي له مزيد بيان في سورة "والذاريات" إن شاء الله تعالى.
وقد استدل بهذه الآية من قال : إن شريعة إبراهيم شريعة لنا إلا ما نسخ منها ، وهذا كقوله : {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج : 78] ، {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل : 123]. وسيأتي بيانه.
قوله تعالى : {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا} أي اخترناه للرسالة فجعلناه صافيا من الأدناس والأصل في "اصطفيناه" اصتفيناه ، أبدلت التاء طاء لتناسبها مع الصاد في الإطباق. واللفظ مشتق من الصفوة ، ومعناه تخير الأصفى.
قوله تعالى : {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} الصالح في الآخرة هو الفائز. ثم قيل : كيف جاز تقديم "في الآخرة" وهو داخل في الصلة ، قال النحاس : فالجواب أنه ليس التقدير إنه لمن الصالحين في الآخرة ، فتكون الصلة قد تقدمت ، ولأهل العربية فيه ثلاثة أقوال : منها أن يكون المعنى وإنه صالح في الآخرة ، ثم حذف. وقيل : "في الآخرة" متعلق بمصدر محذوف ، أي صلاحه في الآخرة. والقول الثالث : أن "الصالحين" ليس بمعنى الذين صلحوا ، ولكنه اسم قائم بنفسه ، كما يقال الرجل والغلام.
قلت : وقول رابع أن المعنى وإنه في عمل الآخرة لمن الصالحين ، فالكلام على حذف مضاف. وقال الحسين بن الفضل : في الكلام تقديم وتأخير ، مجازه ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين. وروى حجاج بن حجاج - وهو حجاج الأسود ، وهو أيضا حجاج الأحول المعروف بزق العسل - قال : سمعت معاوية بن قرة يقول : اللهم إن الصالحين أنت أصلحتهم ورزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم ، اللهم كما أصلحتهم فأصلحنا ، وكما رزقتهم أن عملوا بطاعتك فرضيت عنهم فارزقنا أن نعمل بطاعتك ، وارض عنا.
(2/133)
________________________________________
الآية : 131 {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
العامل في "إذ" قوله : "اصطفيناه" أي اصطفيناه إذ قال له ربه أسلم. وكان هذا القول من الله تعالى حين ابتلاه بالكوكب والقمر والشمس. قال ابن كيسان والكلبي : أي أخلص دينك لله بالتوحيد. وقيل : اخضع واخشع. وقال ابن عباس : إنما قال له ذلك حين خرج من السرب ، على ما يأتي ذكره في "الأنعام". والإسلام هنا على أتم وجوهه. والإسلام في كلام العرب : الخضوع والانقياد للمستسلم. وليس كل إسلام إيمانا ، وكل إيمان إسلام ، لأن من آمن بالله فقد استسلم وانقاد لله. وليس كل من أسلم آمن بالله ، لأنه قد يتكلم فزعا من السيف ، ولا يكون ذلك إيمانا ، خلافا للقدرية والخوارج حيث قالوا : إن الإسلام هو الإيمان ، فكل مؤمن مسلم ، وكل مسلم مؤمن ، لقوله : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ} [آل عمران : 19] فدل على أن الإسلام هو الدين ، وأن من ليس بمسلم فليس بمؤمن. ودليلنا قوله تعالى : {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات : 14] الآية. فأخبر الله تعالى أنه ليس كل من أسلم مؤمنا ، فدل على أنه ليس كل مسلم مؤمنا ، وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص لما قال له : اعط فلانا فإنه مؤمن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أو مسلم" الحديث ، خرجه مسلم ، فدل على أن الإيمان ليس الإسلام ، فإن الإيمان باطن ، والإسلام ظاهر ، وهذا بين. وقد يطلق الإيمان بمعنى الإسلام ، والإسلام ويراد به الإيمان ، للزوم أحدهما الآخر وصدوره عنه ، كالإسلام الذي هو ثمرة الإيمان ودلالة على صحته ، فاعلمه. وبالله التوفيق.
الآية : 132 {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
(2/134)
________________________________________
قوله تعالى : {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ} أي بالملة ، وقيل : بالكلمة التي هي قوله : {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وهو أصوب ، لأنه أقرب مذكور ، أي قولوا أسلمنا. ووصى وأوصى لغتان لقريش وغيرهم بمعنى ، مثل كرمنا وأكرمنا ، وقرئ بهما. وفي مصحف عبدالله "ووصى" ، وفي مصحف عثمان "وأوصى" وهي قراءة أهل المدينة والشام. الباقون "ووصى" وفيه معنى التكثير. "وإبراهيم" رفع بفعله ، "ويعقوب" عطف عليه ، وقيل : هو مقطوع مستأنف ، والمعنى : وأوصى يعقوب وقال يا بني إن الله اصطفى لكم الدين ، فيكون إبراهيم قد وصى بنيه ، ثم وصى بعده يعقوب بنيه.
وبنو إبراهيم : إسماعيل ، وأمه هاجر القبطية ، وهو أكبر ولده ، نقله إبراهيم إلى مكة وهو رضيع. وقيل : كان له سنتان ، وقيل : كان له أربع عشرة سنة ، والأول أصح ، على ما يأتي في سورة "إبراهيم" بيانه إن شاء الله تعالى : وولد قبل أخيه إسحاق بأربع عشرة سنة ، ومات وله مائة وسبع وثلاثون سنة. وقيل : مائة وثلاثون. وكان سنه لما مات أبوه إبراهيم عليهما السلام تسعا وثمانين سنة ، وهو الذبيح في قول. وإسحاق أمه سارة ، وهو الذبيح في قول آخر ، وهو الأصح ، على ما يأتي بيانه في سورة "والصافات" إن شاء الله. ومن ولده الروم واليونان والأرمن ومن يجري مجراهم وبنو إسرائيل. وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة ، ومات بالأرض المقدسة ودفن عند أبيه إبراهيم الخليل عليهما السلام. ثم لما توفيت سارة تزوج إبراهيم عليه السلام قنطورا بنت يقطن الكنعانية ، فولدت له مدين ومداين ونهشان وزمران ونشيق وشيوخ ، ثم توفي عليه السلام. وكان بين وفاته وبين مولد النبي صلى الله عليه وسلم نحو من ألفي سنة وستمائة سنة ، واليهود ينقصون من ذلك نحوا من أربعمائة سنة. وسيأتي ذكر أولاد يعقوب في سورة "يوسف" إن شاء الله تعالى. وقرأ عمرو بن فائد الأسواري وإسماعيل بن عبدالله المكي : "ويعقوب" بالنصب عطفا على "بنيه" ، فيكون يعقوب داخلا فيمن أوصى. قال القشيري : وقرئ "يعقوب" بالنصب عطفا على
(2/135)
________________________________________
"بنيه" وهو بعيد ، لأن يعقوب لم يكن فيما بين أولاد إبراهيم لما وصاهم ، ولم ينقل أن يعقوب أدرك جده إبراهيم ، وإنما ولد بعد موت إبراهيم ، وأن يعقوب أوصى بنيه أيضا كما فعل إبراهيم. وسيأتي تسمية أولاد يعقوب إن شاء الله تعالى.
قال الكلبي : لما دخل يعقوب إلى مصر رآهم يعبدون الأوثان والنيران والبقر ، فجمع ولده وخاف عليهم وقال : ما تعبدون من بعدي ؟
ويقال : إنما سمي يعقوب لأنه كان هو والعيص توأمين ، فخرج من بطن أمه آخذا بعقب أخيه العيص. وفي ذلك نظر ، لأن هذا اشتقاق عربي ، ويعقوب اسم أعجمي ، وإن كان قد وافق العربية في التسمية به كذكر الخجل. عاش عليه السلام مائة وسبعا وأربعين سنة ومات بمصر ، وأوصى أن يحمل إلى الأرض المقدسة ، ويدفن عند أبيه إسحاق ، فحمله يوسف ودفنه عنده.
قوله تعالى : {يَا بَنِي} معناه أن يا بني ، وكذلك هو في قراءة أبي وابن مسعود والضحاك. قال الفراء : ألغيت أن لأن التوصية كالقول ، وكل كلام يرجع إلى القول جاز فيه دخول أن وجاز فيه إلغاؤها. قال : وقول النحويين إنما أراد "أن" فألغيت ليس بشيء. النحاس : "يا بني" نداء مضاف ، وهذه ياء النفس لا يجوز هنا إلا فتحها ، لأنها لو سكنت لالتقى ساكنان ، ومثله {بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم : 22]. {إِنَّ اللَّهَ} كسرت "إن" لأن أوصى وقال واحد. وقيل : على إضمار القول. {اصْطَفَى} اختار. قال الراجز :
يا ابن ملوك ورثوا الأملاكا
...
خلافة الله التي أعطاكا
لك اصطفاها ولها اصطفاكا
{لَكُمُ الدِّينَ} أي الإسلام ، والألف واللام في "الدين" للعهد ، لأنهم قد كانوا عرفوه. {فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} إيجاز بليغ. والمعنى : الزموا الإسلام ودوموا عليه ولا تفارقوه
(2/136)
________________________________________
حتى تموتوا. فأتى بلفظ موجز يتضمن المقصود ، ويتضمن وعظا وتذكيرا بالموت ، وذلك أن المرء يتحقق أنه يموت ولا يدري متى ، فإذا أمر بأمر لا يأتيه الموت إلا وهو عليه ، فقد توجه الخطاب من وقت الأمر دائبا لازما. "لا" نهي "تموتن" في موضع جزم بالنهي ، أكد بالنون الثقيلة ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين. {إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ابتداء وخبر في موضع الحال ، أي محسنون بربكم الظن ، وقيل مخلصون ، وقيل مفوضون ، وقيل مؤمنون.
الآية : 133 {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
قوله تعالى : {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ} خبر كان ، ولم يصرف لأن فيه ألف التأنيث ، ودخلت لتأنيث الجماعة كما تدخل الهاء. والخطاب لليهود والنصارى الذين ينسبون إلى إبراهيم ما لم يوص به بنيه ، وأنهم على اليهودية والنصرانية ، فرد الله عليهم قولهم وكذبهم ، وقال لهم على جهة التوبيخ : أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدعون عن علم ، أي لم تشهدوا ، بل أنتم تفترون. و"أم" بمعنى بل ، أي بل أشهد أسلافكم يعقوب. والعامل في "إذ" الأولى معنى الشهادة ، و"إذ" الثانية بدل من الأولى. و"شهداء" جمع شاهد أي حاضر. ومعنى {ذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} أي مقدماته وأسبابه ، وإلا فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا. وعبر عن المعبود "بما" ولم يقل من ، لأنه أراد أن يختبرهم ، ولو قال "من" لكان مقصوده أن ينظر من لهم الاهتداء منهم ، وإنما أراد تجربتهم فقال "ما". وأيضا فالمعبودات المتعارفة من دون الله جمادات كالأوثان والنار والشمس والحجارة ، فاستفهم عما يعبدون من هذه. ومعنى {مِنْ بَعْدِي} أي من بعد موتي. وحكي أن يعقوب حين خير كما تخير الأنبياء اختار الموت وقال : أمهلوني حتى أوصي بني وأهلي ، فجمعهم وقال لهم هذا ، فاهتدوا وقالوا : {نَعْبُدُ إِلَهَكَ} الآية. فأروه ثبوتهم على الدين ومعرفتهم بالله تعالى.
(2/137)
________________________________________
قوله تعالى : {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} "إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" في موضع خفض على البدل ، ولم تنصرف لأنها أعجمية. قال الكسائي : وإن شئت صرفت "إسحاق" وجعلته من السحق ، وصرفت "يعقوب" وجعلته من الطير. وسمى الله كل واحد من العم والجد أبا ، وبدأ بذكر الجد ثم إسماعيل العم لأنه أكبر من إسحاق. و"إلها" بدل من "إلهك" بدل النكرة من المعرفة ، وكرره لفائدة الصفة بالوحدانية. وقيل : "إلها" حال. قال ابن عطية : وهو قول حسن ، لأن الغرض إثبات حال الوحدانية. وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر والجحدري وأبو رجاء العطاردي "وإله أبيك" وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون أفرد وأراد إبراهيم وحده ، وكره أن يجعل إسماعيل أبا لأنه عم. قال النحاس : وهذا لا يجب ، لأن العرب تسمي العم أبا.
الثاني : على مذهب سيبويه أن يكون "أبيك" جمع سلامة ، حكى سيبويه أب وأبون وأبين ، كما قال الشاعر :
فقلنا أسلموا إن أخوكم
وقال آخر :
فلما تبين أصواتنا ... بكين وفديننا بالأبينا
قوله تعالى : {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ابتداء وخبر ، ويحتمل أن يكون في موضع الحال والعامل "نعبد".
الآية : 134 {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
(2/138)
________________________________________
قوله تعالى : {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} "تلك" مبتدأ ، و"أمة" خبر ، "قد خلت" نعت لأمة ، وإن شئت كانت خبر المبتدأ ، وتكون "أمة" بدلا من "تلك". {لَهَا مَا كَسَبَتْ} "ما" في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة على قول الكوفيين. "ولكم ما كسبتم" مثله ، يريد من خير وشر. وفي هذا دليل على أن العبد يضاف إليه أعمال وأكساب ، وإن كان الله تعالى أقدره على ذلك ، إن كان خيرا فبفضله وإن كان شرا فبعدله ، وهذا مذهب أهل السنة ، والآي في القرآن بهذا المعنى كثيرة. فالعبد مكتسب لأفعاله ، على معنى أنه خلقت له قدرة مقارنة للفعل ، يدرك بها الفرق بين حركة الاختيار وحركة الرعشة مثلا ، وذلك التمكن هو مناط التكليف. وقالت الجبرية بنفي اكتساب العبد ، وإنه كالنبات الذي تصرفه الرياح. وقالت القدرية والمعتزلة خلاف هذين القولين ، وإن العبد يخلق أفعاله.
قوله تعالى : {وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي لا يؤاخذ أحد بذنب أحد ، مثل قوله تعالى : {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام : 164] أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى ، وسيأتي.
الآية : 135 {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
قوله تعالى : {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} دعت كل فرقة إلى ما هي عليه ، فرد الله تعالى ذلك عليهم فقال : {بَلْ مِلَّةَ} أي قل يا محمد : بل نتبع ملة ، فلهذا نصب الملة. وقيل : المعنى بل نهتدي بملة إبراهيم ، فلما حذف حرف الجر صار منصوبا. وقرأ الأعرج وابن أبي عبلة : "بل ملة" بالرفع ، والتقدير بل الهدى ملة ، أو ملتنا دين إبراهيم. و"حنيفا" مائلا عن الأديان المكروهة إلى الحق دين إبراهيم ، وهو في موضع نصب على الحال ، قاله الزجاج. أي بل نتبع ملة إبراهيم في هذه الحالة. وقال علي بن سليمان : هو منصوب على أعني ، والحال خطأ ، لا يجوز جاءني غلام هند مسرعة. وسمي إبراهيم حنيفا لأنه
(2/139)
________________________________________
حنف إلى دين الله وهو الإسلام. والحنف : الميل ، ومنه رجل حنفاء ، ورجل أحنف ، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما إلى أختها بأصابعها. قالت أم الأحنف :
والله لولا حنف برجله ... ما كان في فتيانكم من مثله
وقال الشاعر :
إذا حول الظل العشي رأيته ... حنيفا وفي قرن الضحى ينتصر
أي الحرباء تستقبل القبلة بالعشي ، والمشرق بالغداة ، وهو قبلة النصارى. وقال قوم : الحنف الاستقامة ، فسمي دين إبراهيم حنيفا لاستقامته. وسمي المعوج الرجلين أحنف تفاؤلا بالاستقامة ، كما قيل للديغ سليم ، وللمهلكة مفازة ، في قول أكثرهم.
الآية : 136 {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
قوله تعالى : {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} خرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل" الآية. وقال محمد بن سيرين : إذا قيل لك أنت مؤمن ؟ فقل : {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} الآية. وكره أكثر السلف أن يقول الرجل : أنا مؤمن حقا ، وسيأتي بيانه في "الأنفال" إن شاء الله تعالى. وسئل بعض المتقدمين عن رجل قيل له : أتؤمن بفلان النبي ، فسماه باسم لم يعرفه ، فلو قال نعم ، فلعله لم يكن نبيا ، فقد شهد بالنبوة لغير نبي ، ولو قال لا ، فلعله نبي ، فقد جحد نبيا من الأنبياء ، فكيف يصنع ؟ فقال : ينبغي أن يقول : إن كان نبيا فقد آمنت به. والخطاب في هذه الآية لهذه الأمة ، علمهم الإيمان. قال ابن عباس : جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم
(2/140)
________________________________________
فسألوه عمن يؤمن به من الأنبياء ، فنزلت الآية. فلما جاء ذكر عيسى قالوا : لا نؤمن بعيسى ولا من آمن به
قوله تعالى : {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ} جمع إبراهيم براهيم ، وإسماعيل سماعيل ، قاله الخليل وسيبويه ، وقال الكوفيون ، وحكوا براهمة وسماعلة ، وحكوا براهم وسماعل. قال محمد بن يزيد : هذا غلط ، لأن الهمزة ليس هذا موضع زيادتها ، ولكن أقول : أباره وأسامع ، ويجوز أباريه وأساميع. وأجاز أحمد بن يحيى براه ، كما يقال في التصغير بريه. وجمع إسحاق أساحيق ، وحكى الكوفيون أساحقة وأساحق ، وكذا يعقوب ويعاقيب ، ويعاقبة ويعاقب. قال النحاس : فأما إسرائيل فلا نعلم أحدا يجيز حذف الهمزة من أوله ، وإنما يقال أساريل ، وحكى الكوفيون أسارلة وأسارل. والباب في هذا كله أن يجمع مسلما فيقال : إبراهيمون وإسحاقون ويعقوبون ، والمسلم لا عمل فيه
والأسباط : ولد يعقوب عليه السلام ، وهم اثنا عشر ولدا ، ولد لكل واحد منهم أمة من الناس ، واحدهم سبط. والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل. وسموا الأسباط من السبط وهو التتابع ، فهم جماعة متتابعون. وقيل : أصله من السبط "بالتحريك" وهو الشجر ، أي هم في الكثرة بمنزلة الشجر ، الواحدة سبطة. قال أبو إسحاق الزجاج : ويبين لك هذا ما حدثنا به محمد بن جعفر الأنباري قال حدثنا أبو نجيد الدقاق قال حدثنا الأسود بن عامر قال حدثنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوحا وشعيبا وهودا وصالحا ولوطا وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمدا صلى الله عليه وسلم ولم يكن أحد له اسمان إلا عيسى ويعقوب. والسبط : الجماعة والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد وشعر سبط وسبط : غير جعد. {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} قال الفراء : أي لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعلت اليهود والنصارى.
(2/141)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: