النمل : ) 82 ( وإذا وقع القول . . . . .) النمل 82 : 86 (
قوله تعالى : ) وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم ( اختلف في معنى وقع القول وفي الدابة فقيل : معنى وقع القول عليهم وجب الغضب عليهم قاله قتادة وقال مجاهد : أي حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون وقال بن عمر وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهما : إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وجب السخط عليهم وقال عبد الله بن مسعود : وقع القول يكون بموت العلماء وذهاب العلم ورفع القرآن قال عبد الله : أكثروا تلاوة القرآن قبل أن يرفع قالوا هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الرجال قال : يسرى عليه ليلا فيصبحون منه قفرا وينسون لا إله إلا الله ويقعون في قول الجاهلية وأشعارهم وذلك حين يقع القول عليهم قلت : أسنده أبو بكر البزار قال حدثنا عبد الله بن يوسف الثقفي قال حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن موسى بن عبيدة عن صفوان بن سليم عن بن لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن أبيه أنه قال : أكثروا من زيارة هذا البيت من قبل أن يرفع وينسى الناس مكانه وأكثروا تلاوة القرآن من قبل أن يرفع قالوا : يا أبا عبد الرحمن هذه المصاحف ترفع فكيف بما في صدور الرجال قال : فيصبحون فيقولون كنا نتكلم بكلام ونقول قولا فيرجعون إلى شعر الجاهلية وأحاديث الجاهلية وذلك حين يقع القول عليهم وقيل : القول هو قوله تعالى : ولكن حق القول مني لأملأن جهنم فوقوع القول وجوب العقاب على هؤلاء فإذا صاروا إلى حد لا تقبل توبتهم ولا يولد لهم ولد مؤمن فحينئذ تقوم القيامة ذكره القشيري وقول سادس : قالت حفصة بنت سيرين سألت أبا العالية عن قول الله تعالى : وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم فقال : أوحى الله إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن وكأنما كان على وجهي غطاء فكشف قال النحاس : وهذا من حسن الجواب لأن الناس ممتحنون ومؤخرون لأن فيهم مؤمنين وصالحين ومن قد علم الله عز وجل أنه سيؤمن ويتوب فلهذا أمهلوا وأمرنا بأخذ الجزية فإذا زال هذا وجب القول عليهم فصاروا كقوم نوح حين قال الله تعالى : إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن
(13/234)
" صفحة رقم 235 "
قلت : وجميع الأقوال عند التأمل ترجع إلى معنى واحد والدليل عليه آخر الآية إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون وقرئ : أن : بفتح الهمزة وسيأتي وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض ) وقد مضى واختلف في تعيين هذه الدابة وصفتها ومن أين تخرج اختلافا كثيرا قد ذكرناه في كتاب التذكرة ونذكره هنا إن شاء الله تعالى مستوفى فأول الأقوال أنه فصيل ناقة صالح وهو أصحها والله أعلم لما ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده عن حذيفة قال : ذكر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الدابة فقال : ) لها ثلاث خرجات من الدهر فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم تكمن زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية ويدخل ذكرها القرية ) يعني مكة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة خيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام تنفض عن رأسها التراب فارفض الناس منها شتى ومعا وتثبت عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله فبدأت بهم فجلت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري وولت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب حتى إن الرجل ليتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول يا فلان الآن تصلي فتقبل عليه فتسمه في وجهه ثم تنطلق ويشترك الناس في الأموال ويصطلحون في الأمصار يعرف المؤمن من الكافر حتى إن المؤمن يقول يا كافر اقض حقي ) وموضع الدليل من هذا الحديث أنه الفصيل قوله : ) وهي ترغو ) والرغاء إنما هو للإبل وذلك أن الفصيل لما قتلت الناقة هرب فانفتح له حجر فدخل في جوفه ثم انطبق عليه فهو فيه حتى يخرج بإذن الله عز وجل وروي أنها دابة مزغبة شعراء ذات قوائم طولها ستون ذراعا ويقال إنها الجساسة وهو قول عبد الله بن عمر وروي عن بن عمر أنها على خلقة الآدميين وهي في السحاب وقوائمها في الأرض وروي أنها جمعت من خلق
(13/235)
" صفحة رقم 236 "
كل حيوان وذكر الماوردي والثعلبي رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن أيل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعا الزمخشري : بذراع آدم عليه السلام ويخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان فتنكت في وجه المسلم بعصا موسى نكتة بيضاء فيبيض وجهه وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان عليه السلام فيسود وجهه قاله بن الزبير رضي الله عنهما وفي كتاب النقاش عن بن عباس رضي الله عنهما : إن الدابة الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة وحكى الماوردي عن محمد بن كعب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن الدابة فقال : أما والله ما لها ذنب وإن لها للحية قال الماوردي : وفي هذا القول منه إشارة إلى أنها من الإنس وإن لم يصرح به قلت : ولهذا والله أعلم قال بعض المتأخرين من المفسرين : إن الأقرب أن تكون هذه الدابة إنسانا متكلما يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا فيهلك من هلك عن بينة : ويحيا من حي عن بينة قال شيخنا الإمام أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي في كتاب المفهم له : وإنما كان عند هذا القائل الأقرب لقوله تعالى : تكلمهم وعلى هذا فلا يكون في هذه الدابة آية خاصة خارقة للعادة ولا يكون من العشر الآيات المذكورة في الحديث لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير فلا آية خاصة بها فلا ينبغي أن تذكر مع العشر وترتفع خصوصية وجودها إذا وقع القول ثم فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم الذي على أهل الأرض أن يسموه باسم الإنسان أو بالعالم أو بالإمام إلى أن يسمى بدابة وهذا خروج عن عادة الفصحاء وعن تعظيم العلماء وليس ذلك دأب العقلاء فالأولى ما قاله أهل التفسير والله أعلم بحقائق الأمور قلت قد رفع الإشكال في هذه الدابة ما ذكرناه من حديث حذيفة فليعتمد عليه واختلف من أي موضع تخرج فقال عبد الله بن عمر : تخرج من جبل الصفا بمكة يتصدع فتخرج منه قال عبد الله بن عمرو نحوه وقال : لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها
(13/236)
" صفحة رقم 237 "
لفعلت وروي في خبر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إن الأرض تنشق عن الدابة وعيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون من ناحية المسعى وأنها تخرج من الصفا فتسم بين عيني المؤمن هو مؤمن سمة كأنها كوكب دري وتسم بين عيني الكافر نكتة سوداء كافر ) وذكر في الخبر أنها ذات وبر وريش ذكره المهدوي وعن بن عباس أنها تخرج من شعب فتمس رأسها السحاب ورجلاها في الأرض لم تخرجا وتخرج ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام وعن حذيفة : تخرج ثلاث خرجات خرجة في بعض البوادي ثم تكمن وخرجة في القرى يتقاتل فيها الأمراء حتى تكثر الدماء وخرجة من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها وأفضلها الزمخشري : تخرج من بين الركن حذاء دار بني مخزوم عن يمين الخارج من المسجد فقوم يهربون وقوم يقفون نظارة وروي عن قتادة أنها تخرج في تهامة وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنور نوح عليه السلام وقيل : من أرض الطائف قال أبو قبيل : ضرب عبد الله بن عمرو أرض الطائف برجله وقال : من هنا تخرج الدابة التي تكلم الناس وقيل : من بعض أودية تهامة قاله بن عباس وقيل : من صخرة من شعب أجياد قاله عبد الله بن عمرو وقيل : من بحر سدوم قاله وهب بن منبه ذكر هذه الأقوال الثلاثة الأخيرة الماوردي في كتابه وذكر البغوي أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا علي بن الجعد عن فضيل بن مرزوق الرقاشي الأغر وسئل عنه يحيى بن معين فقال ثقة عن عطية العوفي عن بن عمر قال تخرج الدابة من صدع في الكعبة كجري الفرس ثلاثة أيام لا يخرج ثلثها قلت : فهذه أقوال الصحابة والتابعين في خروج الدابة وصفتها وهي ترد قول من قال من المفسرين : إن الدابة إنما هي إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر وقد روى أبو أمامة أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ) ذكره الماوردي تكلمهم بضم التاء وشد اللام المكسورة من الكلام قراءة العامة يدل عليه قراءة أبي تنبئهم وقال السدي : تكلمهم ببطلان الأديان سوى
(13/237)
" صفحة رقم 238 "
دين الإسلام وقيل : تكلمهم بما يسوءهم وقيل : تكلمهم بلسان ذلق فتقول بصوت يسمعه من قرب وبعد ) إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ( أي بخروجي لأن خروجها من الآيات وتقول : ألا لعنة الله على الظالمين وقرأ أبو زرعة وبن عباس والحسن وأبو رجاء : تكلمهم بفتح التاء من الكلم وهو الجرح قال عكرمة : أي تسمهم وقال أبو الجوزاء : سألت بن عباس عن هذه الآية تكلمهم أو تكلمهم فقال : هي والله تكلمهم وتكلمهم تكلم المؤمن وتكلم الكافر والفاجر أي تجرحه وقال أبو حاتم تكلمهم كما تقول تجرحهم يذهب إلى أنه تكثير من تكلمهم ) إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ( وقرأ الكوفيون وبن أبي إسحاق ويحيى : أن بالفتح وقرأ أهل الحرمين وأهل الشام وأهل البصرة : إن بكسر الهمزة قال النحاس : في المفتوحة قولان وكذا المكسورة قال الأخفش : المعنى بأن وكذا قرأ بن مسعود بأن وقال أبو عبيدة : موضعها نصب بوقوع الفعل عليها أي تخبرهم أن الناس وقرأ الكسائي والفراء : ) إن الناس ( بالكسر على الاستئناف وقال الأخفش : هي بمعنى تقول إن الناس يعني الكفار بآياتنا لا يوقنون يعني بالقرآن وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك حين لا يقبل الله من كافر إيمانا ولم يبق إلا مؤمنون وكافرون في علم الله قبل خروجها والله أعلم قوله تعالى : ) ويوم نحشر من كل أمة فوجا ( أي زمرة وجماعة ) ممن يكذب بآياتنا ( يعني بالقرآن وبأعلامنا الدالة على الحق ) فهم يوزعون ( أي يدفعون ويساقون إلى موضع الحساب قال الشماخ : وكم وزعنا من خميس جحفل وكم حبونا من رئيس مسحل وقال قتادة : يوزعون أي يرد أولهم على آخرهم ) حتى إذا جاؤوا قال ( أي قال الله ) أكذبتم بآياتي ( التي أنزلتها على رسلي وبالآيات التي أقمتها دلالة على توحيدي ) ولم تحيطوا بها علما ( أي ببطلانها حتى تعرضوا عنها بل كذبتم جاهلين غير مستدلين ) أماذا كنتم تعملون ( تقريع وتوبيخ أي ماذا كنتم تعملون حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا
(13/238)
" صفحة رقم 239 "
ما فيها ) ووقع القول عليهم بما ظلموا ( أي وجب العذاب عليهم بظلمهم أي بشركهم ) فهم لا ينطقون ( أي ليس لهم عذر ولا حجة وقيل : يختم على أفواههم فلا ينطقون قاله أكثر المفسرين قوله تعالى : ) ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه ( أي يستقرون فينامون ) والنهار مبصرا ( أي يبصر فيه لسعي الرزق ) إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( بالله ذكر الدلالة على إلهيته وقدرته أي ألم يعلموا كمال قدرتنا فيؤمنوا
النمل : ) 87 ( ويوم ينفخ في . . . . .) النمل 87 : 90 (
قوله تعالى : ) يوم ينفخ في الصور ( أي واذكر يوم أو ذكرهم يوم ينفخ في الصور ومذهب الفراء أن المعنى : وذلكم يوم ينفخ في الصور وأجاز فيه الحذف والصحيح في الصور أنه قرن من نور ينفخ فيه إسرافيل قال مجاهد : كهيئة البوق وقيل : هو البوق بلغة أهل اليمن وقد مضى في الأنعام بيانه وما للعلماء في ذلك ) ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ( قال أبو هريرة قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إن الله لما فرغ من خلق السماوات خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر بالنفخة ) قلت : يا رسول الله ما الصور قال
(13/239)
" صفحة رقم 240 "
) قرن والله عظيم والذي بعثني بالحق إن عظم دارة فيه كعرض السماء والأرض فينفخ فيه ثلاث نفخات النفخة الأولى نفخة الفزع والثانية نفحة الصعق والثالثة نفخة البعث والقيام لرب العالمين ) وذكر الحديث ذكره علي بن معبد والطبري والثعلبي وغيرهم وصححه بن العربي وقد ذكرته في كتاب التذكرة وتكلمنا عليه هنالك وأن الصحيح في النفخ في الصور أنهما نفختان لا ثلاث وأن نفخة الفزع إنما تكون راجعة إلى نفخة الصعق لأن الأمرين لازمان لهما أي فزعوا فزعا ماتوا منه أو إلى نفخة البعث وهو اختيار القشيري وغيره فإنه قال في كلامه على هذه الآية : والمراد النفخة الثانية أي يحيون فزعين يقولون : من بعثنا من مرقدنا ويعاينون من الأمر ما يهولهم ويفزعهم وهذا النفخ كصوت البوق لتجتمع الخلق في أرض الجزاء قاله قتادة وقال الماوردي : ويوم ينفخ في الصور هو يوم النشور من القبور قال وفي هذا الفزع قولان : أحدهما أنه الإسراع والإجابة إلى النداء من قولهم : فزعت إليك في كذا إذا أسرعت إلى ندائك في معونتك والقول الثاني : إن الفزع هنا هو الفزع المعهود من الخوف والحزن لأنهم أزعجوا من قبورهم ففزعوا وخافوا وهذا أشبه القولين قلت : والسنة الثابتة من حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن عمرو يدل على أنهما نفختان لا ثلاث خرجهما مسلم وقد ذكرناهما في كتاب التذكرة وهو الصحيح إن شاء الله تعالى أنهما نفختان قال الله تعالى ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فاستثنى هنا كما استثنى في نفخة الفزع فدل على أنهما 2 واحدة وقد روى بن المبارك عن الحسن قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) 2 ) بين النفختين أربعون سنة الأولى يميت الله بها كل حي والأخرى يحيى الله بها كل ميت ) فإن قيل : فإن قوله تعالى : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة إلى أن قال : 2 فإنما هي زجرة واحدة وهذا يقتضى بظاهره أنها ثلاث قيل له : ليس كذلك وإنما المراد بالزجرة النفخة الثانية التي يكون عنها خروج الخلق من قبورهم كذلك قال بن عباس ومجاهد
(13/240)
" صفحة رقم 241 "
وعطاء وبن زيد وغيرهم قال مجاهد : هما صيحتان أما الأولى فتميت كل شيء بإذن الله وأما الأخرى فتحيي كل شيء بإذن الله وقال عطاء الراجفة القيامة والرادفة البعث وقال بن زيد : الراجفة الموت والرادفة الساعة والله أعلم إلا من شاء الله ثم اختلف في هذا المستثنى من هم ففي حديث أبي هريرة أنهم الشهداء عند ربهم يرزقون إنما يصل الفزع إلى الأحياء وهو قول سعيد بن جبير أنهم الشهداء متقلدو السيوف حول العرش وقال القشيري : الأنبياء داخلون في جملتهم لأن لهم الشهادة مع النبوة وقيل : الملائكة قال الحسن : استثنى طوائف من الملائكة يموتون بين النفختين قال مقاتل : يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وقيل : الحور العين وقيل : هم المؤمنون لأن الله تعالى قال عقيت هذا : من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون وقال بعض علمائنا : والصحيح أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح والكل محتمل قلت : خفي عليه حديث أبي هريرة وقد صححه القاضي أبو بكر بن العربي فليعول عليه لأنه نص في التعيين وغيره اجتهاد والله أعلم وقيل : غير هذا على ما يأتي في الزمر وقوله : ففزع من في السماوات ماض وينفخ مستقبل فيقال : كيف عطف ماض على مستقبل فزعم الفراء أن هذا محمول على المعنى لأن المعنى : إذا نفخ في الصور ففزع إلا من شاء الله نصب على الاستثناء ) وكل أتوه داخرين ( قرأ أبو عمرو وعاصم والكسائي ونافع وبن عامر وبن كثير : آتوه جعلوه فعلا مستقبلا وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة وحفص عن عاصم : وكل أتوه مقصورا على الفعل الماضي وكذلك قرأه بن مسعود وعن قتادة وكل أتاه داخرين قال النحاس : وفي كتابي عن أبي إسحاق في القراءات من قرأ : وكل أتوه وحده على لفظ كل ومن قرأ : آتوه جمع على معناها وهذا القول غلط قبيح لأنه إذا قال : وكل أتوه فلم يوحد وإنما جمع
(13/241)
" صفحة رقم 242 "
ولو وحد لقال : أتاه ولكن من قال : أتوه جمع على المعنى وجاء به ماضيا لأنه رده إلى ففزع ومن قرأ : وكل آتوه حمله على المعنى أيضا وقال : آتوه لأنها جملة منقطعة من الأول قال بن نصر : قد حكى عن أبي إسحاق رحمه الله ما لم يقله ونص أبي إسحاق : وكل أتوه داخرين ويقرأ : آتوه فمن وحد فللفظ كل ومن جمع فلمعناها يريد ما أتى في القرآن أو غيره من توحيد خبر كل فعلى اللفظ أو جمع فعلى المعنى فلم يأخذ أبو جعفر هذا المعنى قال المهدوي : ومن قرأ وكل أتوه داخرين فهو فعل من الإتيان وحمل على معنى كل دون لفظها ومن قرأ : وكل آتوه داخرين فهو اسم الفاعل من أتى يدلك على ذلك قوله تعالى : ) وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ومن قرأ : وكل أتاه حمله على لفظ كل دون معناها وحمل داخرين على المعنى ومعناه صاغرين عن بن عباس وقتادة وقد مضى في النحل قوله تعالى : ) وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ( قال بن عباس : أي قائمة وهي تسير سيرا حثيثا قال القتبي : وذلك أن الجبال تجمع وتسير فهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير وكذلك كل شيء عظيم وجمع كثير يقصر عنه النظر لكثرته وبعد ما بين أطرافه وهو في حسبان الناظر كالواقف وهو يسير قال النابغة في وصف جيش : بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج قال القشيري وهذا يوم القيامة أي هي لكثرتها كأنها جامدة أي واقفة في مرأى العين وإن كانت في أنفسها تسير سير السحاب والسحاب المتراكم يظن أنها واقفة وهي تسير أي تمر مر السحاب حتى لا يبقى منها شيء فقال الله تعالى : وسيرت الجبال فكانت سرابا ويقال : إن الله تعالى وصف الجبال بصفات مختلفة ترجع كلها إلى تفريغ الأرض منها وإبراز ما كانت تواريه فأول الصفات الإندكاك وذلك قبل الزلزلة ثم تصير كالعهن المنفوش وذلك إذا صارت السماء كالمهل وقد جمع الله بينهما فقال : يوم تكون السماء كالمهل
(13/242)
" صفحة رقم 243 "
وتكون الجبال كالعهن والحالة الثالثة أن تصير كالهباء وذلك أن تتقطع بعد أن كانت كالعهن والحالة الرابعة أن تنسف لأنها مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها والأرض تحتها غير بارزة فتنسف عنها لتبرز فإذا نسفت فبإرسال الرياح عليها والحالة الخامسة أن الرياح ترفعها على وجه الأرض فتظهرها شعاعا في الهواء كأنها غبار فمن نظر إليها من بعد حسبها لتكاثفها أجسادا جامدة وهي بالحقيقة مارة إلا أن مرورها من وراء الرياح كأنها مندكة متفتتة والحالة السادسة أن تكون سرابا فمن نظر إلى مواضعها لم يجد فيها شيئا منها كالسراب قال مقاتل : تقع على الأرض فتسوى بها ثم قيل هذا مثل قال الماوردي : وفيهما ضرب له ثلاثة أقوال : أحدها أنه مثل ضربه الله تعالى للدنيا يظن الناظر إليها أنها واقفة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب قاله سهل بن عبد الله الثاني : أنه مثل ضربه الله للإيمان تحسبه ثابتا في القلب وعمله صاعد إلى السماء الثالث : أنه مثل ضربه الله للنفس عند خروج الروح والروح تسير إلى العرش ) صنع الله الذي أتقن كل شيء ( أي هذا من فعل الله وما هو فعل منه فهو متقن وترى من رؤية العين ولو كانت من رؤية القلب لتعدت إلى مفعولين والأصل ترأى فألقيت حركة الهمزة على الراء فتحركت الراء وحذفت الهمزة وهذا سبيل تخفيف الهمزة إذا كان قبلها ساكن إلا أن التخفيف لازم لترى وأهل الكوفة يقرؤون : تحسبها بفتح السين وهو القياس لأنه من حسب يحسب إلا أنه قد روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) خلافها أنه قرأ بالكسر في المستقبل فتكون على فعل يفعل مثل نعم ينعم وبئس يبئس وحكى يئس ييئس من السالم لا يعرف في كلام العرب غير هذه الأحرف وهي تمر مر السحاب تقديره مرا مثل مر السحاب فأقيمت الصفة مقام الموصوف والمضاف مقام المضاف إليه فالجبال تزال من أماكنها من على وجه الأرض وتجمع وتسير كما تسير السحاب ثم تكسر فتعود إلى الأرض كما قال : وبست الجبال بسا صنع الله عند الخليل وسيبويه منصوب على أنه مصدر لأنه لما قال عز وجل : وهي تمر مر السحاب دل على أنه قد صنع ذلك صنعا ويجوز النصب على الإغراء أي انظروا صنع الله فيوقف
(13/243)
" صفحة رقم 244 "
على هذا على السحاب ولا يوقف عليه على التقدير الأول ويجوز رفعه على تقدير ذلك صنع الله الذي أتقن كل شيء أي أحكمه ومنه قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) رحم الله من عمل عملا فأتقنه ) وقال قتادة : معناه أحسن كل شيء والإتقان الإحكام يقال : رجل تقن أي حاذق بالأشياء وقال الزهري : أصله من بن تقن وهو رجل من عاد لم يكن يسقط له سهم فضرب به المثل يقال : أرمى من بن تقن ثم يقال لكل حاذق بالأشياء تقن ) إنه خبير بما تغعلون ( الباقون تفعلون بالتاء على الخطاب قراءة الجمهور وقرأ بن كثير وأبو عمرو وهشام بالياء قوله تعالى : ) من جاء بالحسنة فله خير منها ( قال بن مسعود وبن عباس رضي الله عنهما : الحسنة لا إله إلا الله وقال أبو معشر : كان إبراهيم يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ولا يستثني أن الحسنة لا إله إلا الله محمد رسول الله وقال علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم : غزا رجل فكان إذا خلا بمكان قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له فبينما هو في أرض الروم في أرض جلفاء وبردى رفع صوته فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له فخرج عليه رجل على فرس عليه ثياب بيض فقال له : والذي نفسي بيده إنها الكلمة التي قال الله تعالى : من جاء بالحسنة فله خير منها وروى أبو ذر قال : قلت يا رسول الله أوصني قال : ) اتق الله وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها ) قال قلت : يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله قال : ) من أفضل الحسنات ) وفي رواية قال : ) نعم هي أحسن الحسنات ) ذكره البيهقي وقال قتادة : من جاء بالحسنة بالإخلاص والتوحيد وقيل : أداء الفرائض كلها قلت : إذا أتى بلا إله إلا الله على حقيقتها وما يجب لها على ما تقدم بيانه في سورة إبراهيم فقد أتى بالتوحيد والإخلاص والفرائض فله خير منها قال بن عباس : أي وصل إليه الخير منها وقاله مجاهد وقيل : فله الجزاء الجميل وهو الجنة وليس خير للتفضيل قال عكرمة وبن جريج : أما أن يكون له خير منها يعني من الإيمان فلا فإنه ليس شيء خيرا ممن قال لا إله إلا الله ولكن له منها خير وقيل : فله خير منها للتفضيل أي ثواب الله خير من عمل العبد وقوله وذكره وكذلك رضوان الله خير للعبد من فعل العبد
(13/244)
" صفحة رقم 245 "
قاله بن عباس وقيل : يرجع هذا إلى الإضعاف فإن الله تعالى يعطيه بالواحدة عشرا وبالإيمان في مدة يسيرة الثواب الأبدي قاله محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد ) وهم من فزع يومئذ آمنون ( قرأ عاصم وحمزة والكسائي فزع يومئذ بالإضافة قال أبو عبيد : وهذا أعجب إلي لأنه أعم التأويلين أن يكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم وإذا قال : من فزع يومئذ صار كأنه فزع دون فزع دون فزع قال القشيري : وقرئ : من فزع بالتنوين ثم قيل يعني به فزعا واحدا كما قال : لا يحزنهم الفزع الأكبر وقيل : عني الكثرة لأنه مصدر والمصدر صالح للكثرة قلت : فعلى هذا تكون القراءتان بمعنى قال المهدوي : ومن قرأ : من فزع يومئذ بالتنوين انتصب يومئذ بالمصدر الذي هو فزع ويجوز أن يكون صفة لفزع ويكون متعلقا بمحذوف لأن المصادر يخبر عنها بأسماء الزمان وتوصف بها ويجوز أن يتعلق باسم الفاعل الذي هو آمنون والإضافة على الاتساع في الظروف ومن حذف التنوين وفتح الميم بناه لأنه ظرف زمان وليس الإعراب في ظرف الزمان متمكنا فلما أضيف إلى غير متمكن ولا معرب بني وأنشد سيبويه : على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب قوله تعالى : ) ومن جاء بالسيئة ( أي بالشرك قاله بن عباس والنخعي وأبو هريرة ومجاهد وقيس بن سعد والحسن وهو إجماع من أهل التأويل في أن الحسنة لا إله إلا الله وأن السيئة الشرك في هذه الآية ) فكبت وجوههم في النار ( قال بن عباس : ألقيت وقال الضحاك : طرحت يقال كببت الإناء أي قلبته على وجهه واللازم من أكب وقلما يأتي هذا في كلام العرب ) هل تجزون ( أي يقال لهم هل تجزون ثم يجوز أن يكون من قول الله ويجوز أن يكون من قول الكلائكة ) إلا ما كنتم تعملون ( أي إلا جزاء أعمالكم
(13/245)
" صفحة رقم 246 "
النمل : ) 91 ( إنما أمرت أن . . . . .) النمل 91 : 93 (
قوله تعالى : ) إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ( يعني مكة التي عظم الله حرمتها أي جعلها حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد فيها صيد ولا يعضد فيها شجر على ما تقدم بيانه في غير موضع وقرأ بن عباس : التي حرمها نعتا للبلدة وقراءة الجماعة الذي وهو في موضع نصب نعت ل رب ولو كان بالألف واللام لقلت المحرمها فإن كانت نعتا للبلدة قلت المحرمها هو لا بد من إظهار المضمر مع الألف واللام لأن الفعل جرى على غير من هو له فإن قلت الذي حرمها لم تحتج أن تقول هو ) وله كل شيء ( خلقا وملكا ) وأمرت أن أكون من المسلمين ( أي من المنقادين لأمره الموحدين له ) وأن أتلو القرآن ( أي وأمرت أن أتلو القرآن أي أقرأه ) فمن اهتدى ( فله ثواب هدايته ) ومن ضل ( فليس علي إلا البلاغ نسختها آية القتال قال النحاس وأن أتلو نصب بأن قال الفراء : وفي إحدى القراءتين وأن اتل وزعم أنه في موضع جزم بالأمر فلذلك حذف منه الواو قال النحاس : ولا نعرف أحدا قرأ هذه القراءة وهي مخالفة لجميع المصاحف قوله تعالى : ) وقل الحمد لله ( أي على نعمه وعلى ما هدانا ) سيريكم آياته ( لإي في أنفسكم وفي غيركم كما قال : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) فتعرفونها ( أي دلائل قدرته ووحدانيته في أنفسكم وفي السماوات وفي الأرض نظيره قوله تعالى : وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) وما ربك بغافل عما تعملون) قرأ أهل المدينة وأهل الشام وحفص عن عاصم بالتاء على الخطاب لقوله : سيريكم آياته فتعرفونها فيكون الكلام على نسق واحد الباقون بالياء على أن يرد إلى ما قبله فمن اهتدى فأخبر عن تلك الآية كملت السورة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(13/246)
سورة القصص
مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وقال بن عباس وقتادة إلا آية نزلت بين مكة والمدينة وقال بن سلام : بالجحفة في وقت هجرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى المدينة وهي قوله عز وجل : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وقال مقاتل : فيها من المدني الذين آتيناهم الكتاب إلى قوله : لا نبتغي الجاهلين وهي ثمان وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة القصص
القصص : ) 1 ( طسم) القصص 1 : 6
(قوله تعالى : ) طسم ( تقدم الكلام فيه ) تلك آيات الكتاب المبين ( تلك في موضع رفع بمعنى هذه تلك وآيات بدل منها ويجوز أن يكون في موضع نصب ب نتلو وآيات بدل منها أيضا وتنصبها كما تقول : زيدا ضربت والمبين
(13/247)
أي المبين بركته وخيره ، والمبين الحق من الباطل ، والحلال من الحرام ، وقصص الأنبياء ، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ يقال : بان الشيء وأبان اتضح. {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ذكر قصة موسى عليه السلام وفرعون وقارون ، واحتج على مشركي قريش ، وبين أن قرابة قارون من موسى لم تنفعه مع كفره ، وكذلك قرابة قريش لمحمد ، وبين أن فرعون علا في الأرض وتجبر ، فكان ذلك من كفره ، فليجتنب العلو في الأرض ، وكذلك التعزز بكثرة المال ، وهما من سيرة فرعون وقارون {نَتْلُو عَلَيْكَ} أي يقرأ عليك جبريل بأمرنا {مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ} أي من خبرهما و {مِنْ} للتبعيض و {مِنْ نَبَأِ} مفعول {نَتْلُو} أي نتلو عليك بعض خبرهما ؛ كقوله تعالى : {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون : 20] ومعنى : {بِالْحَقِّ} أي بالصدق الذي لا ريب فيه ولا كذب {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي يصدقون بالقرآن ويعلمون أنه من عند الله ؛ فأما من لم يؤمن فلا يعتقد أنه حق
قوله تعالى : {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} أي استكبر وتجبر ؛ قاله ابن عباس والسدي وقال قتادة : علا في نقسه عن عبادة ربه بكفره وادعى الربوبية وقيل : بملكه وسلطانه فصار عاليا على من تحت يده {فِي الأَرْضِ} أي أرض مصر {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} أي فرقا وأصنافا في الخدمة قال الأعشى :
وبلدة يرهب الجواب دجلتها ... حتى تراه عليها يبتغى الشيعا
{يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} أي من بني إسرائيل {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} تقدم القول في هذا في {البقرة} عند قوله : {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة : 49] الآية ؛ وذلك لأن الكهنة قالوا له : إن مولودا يولد في بني إسرائيل يذهب ملكك على يديه ، أو قال المنجمون له ذلك ، أو رأى رؤيا فعبرت كذلك قال
(13/248)
الزجاج : العجب من حمقه لم يدر أن الكاهن إن صدق فالقتل لا ينفع ، وإن كذب فلا معنى للقتل وقيل : جعلهم شيعا فاستسخر كل قوم من بني إسرائيل في شغل مفرد {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي في الأرض بالعمل والمعاصي والتجبر.
قوله تعالى : {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ} أي نتفضل عليهم وننعموهذه حكاية مضت {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} قال ابن عباس : قادة في الخير مجاهد : دعاة إلى الخير. قتادة : ولاة وملوكا ؛ دليله قوله تعالى : {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً} [المائدة : 20]
قلت : وهذا أعم فإن الملك إمام يؤتم به ومقتدى به .{وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} لملك فرعون ؛ يرثون ملكه ، ويسكنون مساكن القبط وهذا معنى قوله تعالى : {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف : 137]
قوله تعالى : {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} أي نجعلهم مقتدرين على الأرض وأهلها حتى يُستولى عليها ؛ يعني أرض الشام ومصر {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} أي ونريد أن نري فرعون وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة والكسائي وخلف : {وَيَرِيَ} بالياء على أنه فعل ثلاثي من رأى {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} رفعا لأنه الفاعل الباقون {نُرِيَ} بضم النون وكسر الراء على أنه فعل وباعي من أري يري ، وهي علي نسق الكلام ؛ لأن قبله {ونريد} وبعده {وَنُمَكِّنَ} {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} نصبا بوقوع الفعل وأجاز الفراء {وَيُرِيَ فرعَوْنُ} بضم الياء وكسر الراء وفتح الياء ويري الله فرعون {مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل فكانوا على وجل {مِنْهُمْ} فأراهم الله {مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} قال قتاد : كان حازيا لفرعون ـ والحازي المنجم ـ قال إنه سيولد في هذه السنة مولود يذهب بملكك ؛ فأمر فرعون بقتل الولدان في تلك السنة وقد تقدم
(13/249)