فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن السبت 19 مايو - 20:43 | |
| المجلد الرابع عشر
تفسير سورة الأحزاب
مدنية في قول جميعهم نزلت في المنافقين وإيذائهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وطعنهم فيه وفي مناكحته وغيرها وهي ثلاث وسبعون آية وكانت هذه السورة تعدل سورة البقرة وكانت فيها آية الرجم : ) الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ( ذكره أبو بكر الأنباري عن أبي بن كعب وهذا يحمله أهل العلم على أن الله تعالى رفع من الأحزاب إليه ما يزيد على ما في أيدينا وأن آية الرجم رفع لفظها وقد حدثنا أحمد بن الهيثم بن خالد قال حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثنا بن أبي مريم عن بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت : كانت سورة الأحزاب تعدل على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) مائتي آية فلما كتب المصحف لم يقدر منها إلا على ما هي الآن قال أبو بكر : فمعنى هذا من قول أم المؤمنين عائشة : أن الله تعالى رفع إليه من سورة الأحزاب ما يزيد على ما عندنا قلت : هذا وجه من وجوه النسخ وقد تقدم في البقرة القول فيه مستوفي والحمد لله وروي زر قال قال لي أبي بن كعب : كم تعدون سورة الأحزاب قلت : ثلاثا وسبعين آية قال : فوالذي يحلف به أبي بن كعب أن كانت لتعدل سورة البقرة أو أطول ولقد قرأنا منها آية الرجم : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم أراد أبي أن ذلك من جملة ما نسخ من القرآن وأما ما يحكى من أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن فمن تأليف الملاحدة والروافض بسم الله الرحمن الرحيم الأحزاب : ) 1 ( يا أيها النبي . . . . .)
(14/112)
قوله تعالى : ) يأيها النبي اتق الله ( ضمت أي لأنه نداء مفرد والتنبيه لازم لها والنبي نعت لأي عند النحويين إلا الأخفش فإنه يقول : إنه صلة لأي مكي : ولا يعرف في كلام العرب اسم مفرد صلة لشيء النحاس : وهو خطأ عند أكثر النحويين لأن الصلة لا تكون إلا جملة والاحتيال له فيما قال أنه لما كان نعتا لازما سمي صلة وهكذا الكوفيون يسمون نعت النكرة صلة لها ولا يجوز نصبه على الموضع عند أكثر النحويين وأجازه المازني جعله كقولك : يا زيد الظريف بنصب الظريف على موضع زيد مكي : وهذا نعت يستغني عنه ونعت أي لا يستغنى عنه فلا يحسن نصبه على الموضع وأيضا فإن نعت أي هو المنادى في المعنى فلا يحسن نصبه وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لما هاجر إلى المدينة وكان يحب إسلام اليهود : قريظة والنضير وبني قينقاع وقد تابعه ناس منهم على النفاق فكان يلين لهم جانبه ويكرم صغيرهم وكبيرهم وإذا أتى منهم قبيح تجاوز عنه وكان يسمع منهم فنزلت وقيل إنها نزلت فيما ذكر الواحدي والقشيري والثعلبي والماوردي وغيرهم في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور عمرو بن سفيان نزلوا المدينة على عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين بعد أحد وقد أعطاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأمان على أن يكلموه فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق فقالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة وقل إن لها شفاعة ومنعة لمن عبدها وندعك وربك فشق على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ما قالوا فقال عمر : يا رسول الله ائذن لي في قتلهم فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إني قد أعطيتهم الأمان ) فقال عمر : اخرجوا في لعنة الله وغضبه فأمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يخرجوا من المدينة فنزلت الآية ) يأيها النبي اتق الله ( أي خف الله ) ولا تطع الكافرين ( من أهل مكة يعني أبا سفيان وأبا الأعور وعكرمة ) والمنافقين ( من أهل المدينة يعني عبد الله بن أبي وطعمة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح فيما نهيت عنه (14/113)
ولا تمل إليهم ) إن الله كان عليما ( بكفرهم ) حكيما ( فيما يفعل بهم الزمخشري : وروي أن أبا سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في الموادعة التي كانت بينه وبينهم وقام معهم عبد الله بن أبي ومعتب بن قشير والجد بن قيس فقالوا لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ارفض ذكر آلهتنا وذكر الخبر بمعنى ما تقدم وأن الآية نزلت في نقض العهد ونبذ الموادعة ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا إليك وروي أن أهل مكة دعوا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أن يرجع عن دينه ويعطوه شطر أموالهم ويزوجه شيبة بن ربيعة بنته وخوفه منافقو المدينة أنهم يقتلونه إن لم يرجع فنزلت النحاس : ودل بقوله إن الله كان عليما حكيما على أنه كان يميل إليهم استدعاء لهم إلى الإسلام أي لو علم الله عز وجل أن ميلك إليهم فيه منفعة لما نهاك عنه لأنه حكيم ثم قيل : الخطاب له ولأمته الأحزاب : ) 2 ( واتبع ما يوحى . . . . .) الاحزاب 2 : 3 ( قوله تعالى : ) واتبع ما يوحى إليك من ربك ( يعني القرآن وفيه زجر عن اتباع مراسم الجاهلية وأمر بجهادهم ومنابذتهم وفيه دليل على ترك اتباع الآراء مع وجود النص والخطاب له ولأمته ) إن الله كان بما تعملون خبيرا ( قراءة العامة بتاء على الخطاب وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وقرأ السلمي وأبو عمرو وبن أبي إسحاق : يعملون بالياء على الخبر وكذلك في قوله : بما تعملون بصيرا ) وتوكل على الله ( أي اعتمد عليه في كل أحوالك فهو الذي يمنعك ولا يضرك من خذلك ) وكفى بالله وكيلا ( حافظا وقال شيخ من أهل الشام : قدم على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفد من ثقيف فطلبوا منه أن يمتعهم باللات سنة وهي الطاغية التي كانت ثقيف تعبدها وقالوا : لتعلم قريش منزلتنا عندك فهم (14/114)
النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فنزلت وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا أي كافيا لك ما تخافه منهم وبالله في موضع رفع لأنه الفاعل ووكيلا نصب على البيان أو الحال الأحزاب : ) 4 ( ما جعل الله . . . . .) الاحزاب 4 ( فيه خمس مسائل : الأولى قال مجاهد : نزلت في رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين من دهائه وكان يقول : إن لي في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد قال : وكان من فهر الواحدي والقشيري وغيرهما : نزلت في جميل بن معمر الفهري وكان رجلا حافظا لما يسمع فقالت قريش : ما يحفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان وكان يقول : لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد فلما هزم المشركون يوم بدر ومعهم جميل بن معمر رآه أبو سفيان في العير وهو معلق إحدى نعليه في يده والأخرى في رجله فقال أبو سفيان : ما حال الناس قال انهزموا قال : فما بال إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك قال : ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسى نعله في يده وقال السهيلي : كان جميل بن معمر الجمحي وهو بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح واسم جمح : تيم وكان يدعى ذا القلبين فنزلت فيه الآية وفيه يقول الشاعر : وكيف ثوائي بالمدينة بعد ما قضى وطرا منها جميل بن معمر قلت : كذا قالوا جميل بن معمر وقال الزمخشري : جميل بن أسد الفهري وقال بن عباس : سببها أن بعض المنافقين قال : إن محمدا له قلبان لأنه ربما كان في شيء فنزع (14/115)
في غيره نزعة ثم عاد إلى شأنه الأول فقالوا ذلك عنه فأكذبهم الله عز وجل وقيل : نزلت في عبد الله بن خطل وقال الزهري وبن حبان : نزل ذلك تمثيلا في زيد بن حارثة لما تبناه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فالمعنى : كما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا يكون ولد واحد لرجلين قال النحاس : وهذا قول ضعيف لا يصح في اللغة وهو من منقطعات الزهري رواه معمر عنه وقيل : هو مثل ضرب للمظاهر أي كما لا يكون للرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى تكون له أمان وقيل : كان الواحد من المنافقين يقول : لي قلب يأمرني بكذا وقلب يأمرني بكذا فالمنافق ذو قلبين فالمقصود رد النفاق وقيل : لا يجتمع الكفر والإيمان بالله تعالى في قلب كما لا يجتمع قلبان في جوف فالمعنى : لا يجتمع اعتقادان متغايران في قلب ويظهر من الآية بجملتها نفي أشياء كانت العرب تعتقدها في ذلك الوقت وإعلام بحقيقة الأمر والله أعلم الثانية القلب بضعة صغيرة على هيئة الصنوبرة خلقها الله تعالى في الآدمي وجعلها محلا للعلم فيحصي به العبد من العلوم ما لا يسع في أسفار يكتبه الله تعالى فيه بالخط الإلهي ويضبطه فيه بالحفظ الرباني حتى يحصيه ولا ينسى منه شيئا وهو بين لمتين : لمة من الملك ولمة من الشيطان كما قال ( صلى الله عليه وسلم ) خرجه الترمذي وقد مضى في البقرة وهو محل الخطرات والوساوس ومكان الكفر والإيمان وموضع الإصرار والإنابة ومجرى الانزعاج والطمأنينة والمعنى في الآية : أنه لا يجتمع في القلب الكفر والإيمان والهدى والضلال والإنابة والإصرار وهذا نفي لكل ما توهمه أحد في ذلك من حقيقة أو مجاز والله أعلم الثالثة أعلم الله عز وجل في هذه الآية أنه لا أحد بقلبين ويكون في هذا طعن على المنافقين الذين تقدم ذكرهم أي إنما هو قلب واحد فإما فيه إيمان وإما فيه كفر لأن (14/116)
درجة النفاق كأنها متوسطة فنفاها الله تعالى وبين أنه قلب واحد وعلى هذا النحو يستشهد الإنسان بهذه الآية متى نسى شيئا أو وهم يقول على جهة الإعتذار : ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه الرابعة قوله تعالى : ) وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم ( يعني قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي وذلك مذكور في سورة المجادلة على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى ( أجمع أهل التفسير على أن هذا نزل في زيد بن حارثة وروى الأئمة أن بن عمر قال : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد حتى نزلت : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله وكان زيد فيما روي عن أنس بن مالك وغيره مسبيا من الشام سبته خيل من تهامة فابتاعه حكيم بن حزام بن خويلد فوهبه لعمته خديجة فوهبته خديجة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأعتقه وتبناه فأقام عنده مدة ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه فقال لهما النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وذلك قبل البعث : ) خيراه فإن اختاركما فهو لكما دون فداء ) فاختار الرق مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) على حريته وقومه فقال محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عند ذلك : ) يامعشر قريش اشهدوا أنه ابني يرثني وأرثه ) وكان يطوف على حلق قريش يشهدهم على ذلك فرضي ذلك عمه وأبوه وانصرفا وكان أبوه لما سبى يدور الشام ويقول : بكيت على زيد ولم أدر ما أفعل أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل فوالله لا أدري وإني لسائل أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل فياليت شعري هل لك الدهر أوبة فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل تذكرنيه الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا غربها أفل وإن هبت الأرياح هيجن ذكره فياطول ما حزني عليه وما وجل سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل حياتي أو تأتي علي منيتي فكل امرئ فان وإن غره الأمل (14/117)
فأخبر أنه بمكة فجاء إليه فهلك عنده وروي أنه جاء إليه فخيره النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كما ذكرنا وانصرف وسيأتي من ذكره وفضله وشرفه شفاء عند قوله : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها إن شاء الله تعالى وقتل زيد بمؤتة من أرض الشام سنة ثمان من الهجرة وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أمره في تلك الغزاة وقال : ) إن قتل زيد فجعفر فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة ) فقتل الثلاثة في تلك الغزاة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ولما أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نعى زيد وجعفر بكى وقال : ) أخواي ومؤنساي ومحدثاي الأحزاب : ) 5 ( ادعوهم لآبائهم هو . . . . .) بن أبي ربيعة فسمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ببعثهما فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيه ست مسائل : الأولى قوله تعالى : ) ادعوهم لآبائهم ( نزلت في زيد بن حارثة على ما تقدم بيانه وفي قول بن عمر : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد دليل على أن التبني كان معمولا به في الجاهلية والإسلام يتوارث به ويتناصر إلى أن نسخ الله ذلك بقوله : ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله أي أعدل فرفع الله حكم التبني ومنع من إطلاق لفظه وأرشد بقوله إلى أن الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا فيقال : كان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه من الرجل جلده وظرفه ضمه إلى نفسه وجعل له نصيب الذكر من أولاده من ميراثه وكان ينسب إليه فيقال فلان بن فلان وقال النحاس : هذه الآية ناسخة لما كانوا عليه من التبني وهو من نسخ السنة بالقرآن فأمر أن يدعوا من دعوا إلى أبيه المعروف فإن لم يكن له أب معروف نسبوه إلى ولائه فإن لم يكن له ولاء معروف قال له يا أخي يعني في الدين قال الله تعالى : إنما المؤمنون إخوة (14/118)
الثانية لو نسبه إنسان إلى أبيه من التبني فإن كان على جهة الخطأ وهو أن يسبق لسانه إلى ذلك من غير قصد فلا إثم ولا مؤاخذة لقوله تعالى : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكذلك لو دعوت رجلا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فليس عليك بأس قاله قتادة ولا يجري هذا المجرى ما غلب عليه اسم التبني كالحال في المقداد بن عمرو فإنه كان غلب عليه نسب التبني فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية وعرف به فلما نزلت الآية قال المقداد : أنا بن عمرو ومع ذلك فبقى الإطلاق عليه ولم يسمع فيمن مضى من عصى مطلق ذلك عليه وإن كان متعمدا وكذلك سالم مولى أبي حذيفة كان يدعى لأبي حذيفة وغير هؤلاء ممن تبنى وانتسب لغير أبيه وشهر بذلك وغلب عليه وذلك بخلاف الحال في زيد بن حارثة فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد فإن قاله أحد متعمدا عصى لقوله تعالى : ولكن ما تعمدت قلوبكم أي فعليكم الجناح والله أعلم ولذلك قال بعده : ) وكان الله غفورا رحيما ( أي غفورا للعمد ورحيما برفع إثم الخطأ الثالثة وقد قيل : إن قول الله تبارك وتعالى : وليس عليكم جناح فيما أخطأتم مجمل أي وليس عليكم جناح في شيء أخطأتم وكانت فتيا عطاء وكثير من العلماء على هذا إذا حلف رجل ألا يفارق غريمه حتى يستوفي منه حقه فأخذ منه ما يرى أنه جيد من دنانير فوجدها زيوفا أنه لا شيء عليه وكذلك عنده إذا حلف ألا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يعرفه أنه لا يحنث لأنه لم يتعمد ذلك وما في موضع خفض ردا على ما التي مع أخطأتم ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ والتقدير : ولكن الذي تؤاخذون به ما تعمدت قلوبكم قال قتادة وغيره : من نسب رجلا إلى غير أبيه وهو يرى أنه أبوه خطأ فذلك من الذي رفع الله فيه الجناح وقيل هو أن يقول له في المخاطبة : يا بني على غير تبن الرابعة قوله تعالى : ) ذلكم قولكم بأفواهكم ( بأفواهكم تأكيد لبطلان القول أي أنه قول لا حقيقة له في الوجود إنما هو قول لساني فقط وهذا كما تقول : أنا أمشي (14/119)
إليك على قدم فإنما تريد بذلك المبرة وهذا كثير وقد تقدم هذا المعنى في غير موضع ) والله يقول الحق ( الحق نعت لمصدر محذوف أي يقول القول الحق و ) يهدي ( معناه يبين فهو يتعدى بغير حرف جر الخامسة الأدعياء جمع الدعى وهو الذي يدعي أبنا لغير أبيه أو يدعي غير أبيه والمصدر الدعوة بالكسر فأمر تعالى بدعاء الأدعياء إلى آبائهم للصلب فمن جهل ذلك فيه ولم تشتهر أنسابهم كان مولى وأخا في الدين وذكر الطبري أن أبا بكرة قرأ هذه الآية وقال : أنا ممن لا يعرف أبوه فأنا أخوكم في الدين ومولاكم قال الراوي عنه : ولو علم والله أن أباه حمار لانتمى إليه ورجال الحديث يقولون في أبي بكرة : نفيع بن الحارث السادسة روى الصحيح عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة كلاهما قال : سمعته أذناي ووعاه قلبي محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) وفي حديث أبي ذر أنه سمع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ) الأحزاب : ) 6 ( النبي أولى بالمؤمنين . . . . .) فيه تسع مسائل : الأولى قوله تعالى : ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( هذه الآية أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام منها : أنه ( صلى الله عليه وسلم ) كان لا يصلي على ميت (14/120)
" صفحة رقم 122 " عليه دين فلما فتح الله عليه الفتوح قال : ) أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته ) أخرجه الصحيحان وفيهما أيضا ) فأيكم ترك دينا أو ضياعا فأنا مولاه ) قال بن العربي : فانقلبت الآن الحال بالذنوب فإن تركوا مالا ضويق العصبة فيه وإن تركوا ضياعا أسلموا إليه فهذا تفسير الولاية المذكورة في هذه الآية بتفسير النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتنبيهه ) ولا عطر بعد عروس ( قال بن عطية : وقال بعض العلماء العارفين هو أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة قال بن عطية : ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام : ) أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش ) قلت : هذا قول حسن في معنى الآية وتفسيرها والحديث الذي ذكر أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه وأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقحمون فيه ) وعن جابر مثله وقال : ) وأنتم تفلتون من يدي ) قال العلماء : الحجزة للسراويل والمعقد للإزار فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه وهذا مثل لاجتهاد نبينا عليه الصلاة والسلام في نجاتنا وحرصه على تخلصنا من الهلكات التي بين أيدينا فهو أولى بنا من أنفسنا ولجهلنا بقدر ذلك وغلبة شهواتنا علينا وظفر عدونا اللعين بناصرنا أحقر من الفراش وأذل من الفراش ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وقيل : أولى بهم أي أنه إذا أمر بشيء ودعت النفس إلى غيره كان أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أولى وقيل : أولى بهم أي هو أولى بأن يحكم على المؤمنين فينفذ حكمه في أنفسهم أي فيما يحكمون به لأنفسهم مما يخالف حكمه الثانية قال بعض أهل العلم : يجب على الإمام أن يقضي من بيت المال دين الفقراء اقتداء بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) فإنه قد صرح بوجوب ذلك عليه حيث قال : ) فعلي قضاؤه ) والضياع ) بفتح الضاد ( مصدر ضاع ثم جعل اسما لكل ما هو بصدد أن يضيع (14/121)
من عيال وبنين لا كافل لهم ومال لا قيم له وسميت الأرض ضيعة لأنها معرضة للضياع وتجمع ضياعا بكسر الضاد الثالثة قوله تعالى : ) وأزواجه أمهاتهم ( شرف الله تعالى أزواج نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) بأن جعلهن أمهات المؤمنين أي في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال وحرمة النكاح على الرجال وحجبهن رضي الله تعالى عنهن بخلاف الأمهات وقيل : لما كانت شفقتهن عليهم كشفقة الأمهات أنزلن منزلة الأمهات ثم هذه الأمومة لا توجب ميراثا كأمومة التبني وجاز تزويج بناتهن ولا يجعلن أخوات للناس وسيأتي عدد أزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في آية التخيير إن شاء الله تعالى واختلف الناس هل هن أمهات الرجال والنساء أم أمهات الرجال خاصة على قولين : فروى الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة قالت لها : يا أمة فقالت لها : لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم قال بن العربي : وهو الصحيح قلت : لا فائدة في اختصاص الحصر في الإباحة للرجال دون النساء والذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء تعظيما لحقهن على الرجال والنساء يدل عليه صدر الآية : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهذا يشمل الرجال والنساء ضرورة ويدل على ذلك حديث أبي هريرة وجابر فيكون قوله : وأزواجه أمهاتهم عائدا إلى الجميع ثم إن في مصحف أبي بن كعب وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم وقرأ بن عباس : من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم وهذا كله يوهن مارواه مسروق إن صح من جهة الترجيح وإن لم يصح فيسقط الإستدلال به في التخصيص وبقينا على الأصل الذي هو العموم الذي يسبق إلى الفهوم والله أعلم الرابعة قوله تعالى : ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ( قيل : إنه أراد بالمؤمنين الأنصار وبالمهاجرين قريشا وفيه قولان (14/122)
أحدهما أنه ناسخ للتوارث بالهجرة حكى سعيد عن قتادة قال : كان نزل في سورة الأنفال والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا فتوارث المسلمون بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئا حتى يهاجر ثم نسخ ذلك في هذه السورة بقوله : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض الثاني أن ذلك ناسخ للتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين روى هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا فوجدنا الأنصار نعم الإخوان فآخيناهم فأورثونا وأورثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخيت أنا كعب بن مالك فجئت فوجدت السلاح قد أثقله فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه غيري حتى أنزل الله تعالى هذه الآية فرجعنا إلى موارثنا وثبت عن عروة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) آخى بين الزبير وبين كعب بن مالك فارتث كعب يوم أحد فجاء الزبير يقوده بزمام راحلته فلو مات يومئذ كعب عن الضح والريح لورثه الزبير فأنزل الله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فبين الله تعالى أن القرابة أولى من الحلف فتركت الوراثة بالحلف وورثوا بالقرابة وقد مضى في الأنفال الكلام في توريث ذوي الأرحام وقوله : في كتاب الله يحتمل أن يريد القرآن ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ الذي قضى فيه أحوال خلقه ومن المؤمنين متعلق ب أولى لا بقوله : وأولو الأرحام بالإجماع لأن ذلك كان يوجب تخصيصا ببعض المؤمنين ولا خلاف في عمومها وهذا حل إشكالها قاله بن العربي النحاس : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين يجوز أن يتعلق من المؤمنين ب أولو فيكون التقدير : وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين ويجوز أن يكون المعنى أولى من المؤمنين وقال المهدوي : وقيل إن معناه : وأولو الأرحام بعضهم أولى (14/123)
ببعض في كتاب الله إلا مايجوز لأزواج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن يدعين أمهات المؤمنين والله تعالى أعلم الخامسة واختلف في كونهن كالأمهات في المحرم وإباحة النظر على وجهين : أحدهما هن محرم لايحرم النظر إليهن الثاني أن النظر إليهم محرم لأن التحريم نكاحهن إنما كان حفظا لحق رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فيهن وكان من حفظ حقه تحيم النظر إليهن ولأن عائشة رضي الله عنها كانت إذا أرادت دخول رجل عليها أمرت أختها أسماء أن ترضعه ليصير ابنا لأختها من الرضاعة فيصير محرما يستبيح النظر وأما اللاتي طلقهن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في حياته فقد اختلف في ثبوت هذه الحرمة لهن على ثلاثة أوجه : أحدها ثبتت لهن الحرمة تغليبا لحرمة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الثاني لايثبت لهن ذلك بل هن كسائر النساء لأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد أثبت عصمتهن وقال : ) أزواجي في الدنيا هن أزواجي في الآخرة ) الثالث من دخل بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهن ثبتت حرمتها وحرم نكاحها وإن طلقها حفظا لحرمته وحراسة لخلوته ومن لم يدخل بها لم تثبت لها هذه الحرمة وقد هم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه برجم امرأة فارقها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فتزوجت فقالت : لم هذا وما ضرب علي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حجابا ولا سميت أم المؤمنين فكف عنها عمر رضي الله عنه السادسة قال قوم : لا يجوز أن يسمى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أبا لقوله تعالى : ما كان محمدا أبا أحد من رجالكم ولكن يقال : مثل الأب للمؤمنين كما قال : ) إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ) الحديث خرجه أبو داود والصحيح أنه يجوز أن يقال : إنه أب للمؤمنين أي في الحرمة وقوله تعالى : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم أي في النسب وسيأتي وقرأ بن عباس : من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه وسمع عمر هذه القراءة فأنكرها وقال : حكمها يا غلام فقال : إنها في مصحف أبي فذهب إليه (14/124)
فسأله فقال له أبي : إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق وأغلظ لعمر وقد قيل في قول لوط عليه السلام هؤلاء بناتي : إنما أراد المؤمنات أي تزوجوهن وقد تقدم السابعة قال قوم : لايقال بناته أخوات المؤمنين ولا أخوالهن أخوال المؤمنين وخالاتهم قال الشافعي رضي الله عنه : تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي أخت عائشة ولم يقل هي خالة المؤمنين وأطلق قوم هذا وقالوا : معاوية خال المؤمنين يعني في الحرمة لا في النسب الثامنة قوله تعالى : ) إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ( يريد الإحسان في الحياة والوصية عند الموت أي إن ذلك جائز قاله قتادة والحسن وعطاء وقال محمد بن الحنفية نزلت في إجازة الوصية لليهودي والنصراني أي يفعل هذا مع الولي والقريب وإن كان كافرا فالمشرك ولي في النسب لا في الدين فيوصى له بوصية واختلف العلماء هل يجعل الكافر وصيا فجوز بعض ومنع بعض ورد النظر إلى السلطان في ذلك بعض منهم مالك رحمه الله تعالى وذهب مجاهد وبن زيد والرماني إلى أن المعنى : إلى أوليائكم من المؤمنين ولفظ الآية يعضد هذا المذهب وتعميم الولي أيضا حسن وولاية النسب لا تدفع الكافر وإنما تدفع أن يلقى إليه بالمودة كولي الإسلام التاسعة قوله تعالى : ) كان ذلك في الكتاب مسطورا ( الكتاب يحتمل الوجهين المذكورين المتقدمين في كتاب الله ومسطورا من قولك سطرت الكتاب إذا أثبته أسطارا وقال قتادة : أي مكتوبا عند الله عز وجل ألا يرث كافر مسلما قال قتادة : وفي بعض القراءة كان ذلك عند الله مكتوبا وقال القرظي : كان ذلك في التوراة الأحزاب : ) 7 ( وإذ أخذنا من . . . . .) (14/125)
قوله تعالى : ) وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ( أي عهدهم على الوفاء بما حملوا وأن يبشر بعضهم ببعض ويصدق بعضهم بعضا أي كان مسطورا حين كتب الله ما هو كائن وحين أخذ الله تعالى المواثيق من الأنبياء ) ومنك ( يامحمد ) ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ( وإنما خص هؤلاء الخمسة وأن دخلوا في زمرة النبيين تفضيلا لهم وقيل : لأنهم أصحاب الشرائع والكتب وأولو العزم من الرسل وأئمة الأمم ويحتمل أن يكون هذا تعظيما في قطع الولاية بين المسلمين والكافرين أي هذا مما لم تختلف فيه الشرائع أي شرائع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أي كان في ابتداء الإسلام توارث بالهجرة والهجرة سبب متأكد في الديانة ثم توارثوا بالقرابة مع الإيمان وهو سبب وكيد فأما التوارث بين مؤمن وكافر فلم يكن في دين أحد من الأنبياء الذين أخذ عليهم المواثيق فلا تداهنوا في الدين ولا تمالئوا الكفار ونظيره : شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا إلى قوله ولا تتفرقوا فيه ومن ترك التفرق في الدين ترك موالاة الكفار وقيل : أي النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم كان ذلك في الكتاب مسطورا ومأخوذا به المواثيق من الأنبياء ) وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ( أي عهدا وثيقا عظيما على الوفاء بما التزموا من تبليغ الرسالة وأن يصدق بعضهم بعضا والميثاق هو اليمين بالله تعالى فالميثاق الثاني تأكيد للميثاق الأول باليمين وقيل : الأول هو الإقرار بالله تعالى والثاني في أمر النبوة ونظير هذا قوله تعالى : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري الآية أي أخذ عليهم أن يعلنوا أن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ويعلن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) أن لا نبي بعده وقدم محمدا في الذكر لما روي قتادة عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) سئل عن قوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح قال : ) كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث ) وقال مجاهد : هذا في ظهر آدم عليه الصلاة والسلام (14/126)
الأحزاب : ) 8 ( ليسأل الصادقين عن . . . . .) قوله تعالى : ) ليسأل الصادقين عن صدقهم ( فيه أربعة أوجه : أحدها ليسأل الأنبياء عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم حكاه النقاش وفي هذا تنبيه أي إذا كان الأنبياء يسألون فكيف من سواهم الثاني ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم حكاه علي بن عيسى الثالث ليسأل الأنبياء عليهم السلام عن الوفاء بالميثاق الذي أخذه عليهم حكاه بن شجرة الرابع ليسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة وفي التنزيل : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين وقد تقدم وقيل : فائدة سؤالهم توبيخ الكفار كما قال تعالى : أأنت قلت للناس ) وأعد للكافرين عذابا أليما وهو عذاب جهنم الأحزاب : ) 9 ( يا أيها الذين . . . . .) يعني غزوة الخندق والأحزاب وبني قريظة وكانت حالا شديدة معقبة بنعمة ورخاء وغبطة وتضمنت أحكاما كثيرة وآيات باهرات عزيزة ونحن نذكر من ذلك بعون الله تعالى ما يكفي في عشر مسائل : الأولى اختلف في أي سنة كانت فقال بن إسحاق : كانت في شوال من السنة الخامسة وقال بن وهب وبن القاسم عن مالك رحمه الله : كانت وقعة الخندق سنة أربع (14/127)
وهي وبنو قريظة في يوم واحد وبين قرظة والنظير أربع سنين قال بن وهب وسمعت مالكا يقول : أمر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالقتال من المدينة وذلك قوله تعالى : إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر قال : ذلك يوم الخندق جاءت قريش من ها هنا واليهود من ها هنا والنجدية من ها هنا يريد مالك : إن الذين جاؤوا من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان وكان سببها : أن نفرا من اليهود منهم كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسلام بن أبي الحقيق وسلام بن مشكم وحي بن أخطب النضريون وهوذة بن قيس وأبو عمار من بني وائل وهم كلهم يهود هم الذين حزبوا الأحزاب وألبوا وجمعوا خرجوا في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل فأتوا مكة فدعوا إلى حرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وواعدوهم من أنفسهم بعون من انتدب إلى ذلك فأجابهم أهل مكة إلى ذلك ثم خرج اليهود المذكورون إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ذلك فأجابوهم فخرجت قريش يقودهم أبو سفيان بن حرب وخرجت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري على فزارة والحارث بن عوف المري على بني مرة ومسعود بن رخيلة على أشجع فلما سمع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) باجتماعهم وخروجهم شاور أصحابه فأشار عليه سلمان بحفر الخندق فرضى رأيه وقال المهاجرون يومئذ : سلمان منا وقال الأنصار : سلمان منا فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) سلمان منا أهل البيت ) وكان الخندق أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يومئذ حر فقال : يا رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا فعمل المسلمون في الخندق مجتهدين ونكص المنافقون وجعلوا يتسللون لواذا فنزلت فيهم آيات من القرآن ذكرها بن إسحاق وغيره وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره حتى كمل الخندق وكانت فيه آيات بينات وعلامات للنبوات قلت : ففي هذا الذي ذكرناه من هذا الخبر من الفقه وهي (14/128) | |
|