منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 3 أكتوبر - 22:09




سورة النحل



الآية : 106 {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
فيه أحدى عشرة مسالة : -
الأولى : - قوله تعالى : {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ} هذا متصل بقوله تعالى : {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل : 91] فكان مبالغة في الوصف بالكذب ؛ لأن معناه لا ترتدوا عن بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم. أي من كفر من بعد إيمانه وارتد فعليه غضب الله. قال الكلبي : نزلت في عبدالله بن أبي سرح ومقيس بن ضبابة وعبدالله بن خطل ، وقيس بن الوليد بن المغيرة ، كفروا بعد إيمانهم .{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} وقال الزجاج : {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} بدل ممن يفتري الكذب ؛ أي إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه ؛ لأنه رأى الكلام إلى آخر الاستثناء غير تام فعلقه بما قبله. وقال الأخفش : "من" ابتداء وخبره محذوف ، اكتفي منه بخبر"من" الثانية ؛ كقولك : من يأتنا من يحسن نكرمه.
الثانية : - قوله تعالى : {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر ، في قول أهل التفسير ؛ لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه. قال ابن عباس : أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمه سمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما فعذبوهم ، وربطت سمية بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة ، وقيل لها إنك أسلمت من أجل الرجال ؛ فقتلت وقتل زوجها ياسر ، وهما أول قتيلين في الإسلام. وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كيف تجد قلبك" ؟ قال : مطمئن بالإيمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإن عادوا فعد" . وروى منصور بن المعتمر عن مجاهد قال : أول شهيدة في الإسلام أم عمار ، قتلها أبو جهل ، وأول
(10/180)



شهيد من الرجال مهجع مولى عمر. وروى منصور أيضا عن مجاهد قال : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، وبلال ، وخباب ، وصهيب ، وعمار ، وسمية أم عمار. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه أبو طالب ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأخذوا الآخرين فألبسوهم أدرع الحديد ، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ منهم الجهد كل مبلغ من حر الحديد والشمس ، فلما كان من العشي أتاهم أبو جهل ومعه حربة ، فجعل يسبهم ويوبخهم ، وأتى سمية فجعل يسبها ويرفث ، ثم طعن فرجها حتى خرجت الحربة من فمها فقتلها ؛ رضي الله عنها. قال : وقال الآخرون ما سئلوا إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله ، فجعلوا يعذبونه ويقولون له : ارجع عن دينك ، وهو يقول أحد أحد ؛ حتى ملوه ، ثم كتفوه وجعلوا في عنقه حبلا من ليف ، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أخشبي مكة حتى ملوه وتركوه ، قال فقال عمار : كلنا تكلم بالذي قالوا - لولا أن الله تداركنا - غير بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله ، فهان على قومه حتى ملوه وتركوه. والصحيح أن أبا بكر اشترى بلالا فأعتقه. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن ناسا من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة : أن هاجروا إلينا ، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا ، فخرجوا يريدون المدينة حتى أدركتهم قريش بالطريق ، ففتنوهم فكفروا مكرهين ، ففيهم نزلت هذه الآية. ذكر الروايتين عن مجاهد إسماعيل بن إسحاق. وروى الترمذي عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما" هذا حديث حسن غريب. وروي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان بن ربيعة". قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح.
الثالثة : - لما سمح الله عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الإكراه ولم يؤاخذ به ، حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلها ، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب
(10/181)



عليه حكم ؛ وبه جاء الأثر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" الحديث. والخبر وإن لم يصح سنده فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء ؛ قاله القاضي أبو بكر بن العربي. وذكر أبو محمد عبدالحق أن إسناده صحيح قال : وقد ذكره أبو بكر الأصيلي في الفوائد وابن المنذر في كتاب الإقناع.
الرابعة : - أجمع أهل العلم على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل ، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ولا تبين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر ؛ هذا قول مالك والكوفيين والشافعي ؛ غير محمد بن الحسن فإنه قال : إذا أظهر الشرك كان مرتدا في الظاهر ، وفيما بينه وبين الله تعالى على الإسلام ، وتبين منه امرأته ولا يصلى عليه إن مات ، ولا يرث أباه إن مات مسلما. وهذا قول يرده الكتاب والسنة ، قال الله تعالى : {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} الآية. وقال : {إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران : 28] وقال : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} [النساء : 97] الآية. وقال : {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء : 98] الآية. فعذر الله المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر الله به ، والمكره لا يكون إلا مستضعفا غير ممتنع من فعل ما أمر به ؛ قاله البخاري.
الخامسة : - ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرخصة إنما جاءت في القول ، وأما في الفعل فلا رخصة فيه ، مثل أن يكرهوا على السجود لغير الله أو الصلاة لغير القبلة ، أو قتل مسلم أو ضربه أو أكل ماله ، أو الزنى وشرب الخمر وأكل الربا ؛ يروى هذا عن الحسن البصري ، رضي الله عنه. وهو قول الأوزاعي وسحنون من علمائنا. وقال محمد بن الحسن : إذا قيل للأسير : اسجد لهذا الصنم وإلا قتلتك. فقال : إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ويكون نيته لله تعالى ، وإن كان لغير القبلة فلا يسجد وإن قتلوه. والصحيح أنه يسجد وإن كان لغير القبلة ، وما أحراه بالسجود حينئذ ؛ ففي الصحيح عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان
(10/182)



وجهه ، قال : وفيه نزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة : 115] في رواية : ويوتر عليها ، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. فإذا كان هذا مباحا في السفر في حالة الأمن لتعب النزول عن الدابة للتنفل فكيف بهذا. واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن مسعود : ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلما به. فقصر الرخصة على القول ولم يذكر الفعل ، وهذا لا حجة فيه ؛ لأنه يحتمل أن يجعل للكلام مثالا وهو يريد أن الفعل في حكمه. وقالت طائفة : الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسر الإيمان. روي ذلك عن عمر بن الخطاب ومكحول ، وهو قول مالك وطائفة من أهل العراق. روى ابن القاسم عن مالك أن من أكره على شرب الخمر وترك الصلاة أو الإفطار في رمضان ، أن الإثم عنه مرفوع.
السادسة : - أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره ، ويصبر على البلاء الذي نزل به ، ولا يحل له أن يفدي نفسه بغيره ، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
واختلف في الزنى ، فقال مطرف وأصبغ وابن عبدالحكم وابن الماجشون : لا يفعل أحد ذلك ، وإن قتل لم يفعله ، فإن فعله فهو آثم ويلزمه الحد ؛ وبه قال أبو ثور والحسن. قال ابن العربي : الصحيح أنه يجوز الإقدام على الزنى ولا حد عليه ، خلافا لمن ألزمه ذلك ؛ لأنه رأى أنها شهوة خلقية لا يتصور الإكراه عليها ، وغفل عن السبب في باعث الشهوة وهو الإلجاء إلى ذلك ، وهو الذي أسقط حكمه ، وإنما يجب الحد على شهوة بعث عليها سبب اختياري ، فقاس الشيء على ضده ، فلم يحل بصواب من عنده. وقال ابن خويز منداد في أحكامه : اختلف أصحابنا متى أكره الرجل على الزنى ؛ فقال بعضهم : عليه الحد ؛ لأنه إنما يفعل ذلك باختياره. وقال بعضهم : لا حد عليه. قال ابن خويز منداد : وهو الصحيح. وقال أبو حنيفة : إن أكرهه غير السلطان حد ، وإن أكرهه السلطان فالقياس أن يحد ، ولكن استحسن ألا يحد. وخالفه صاحباه فقالا : لا حد عليه في الوجهين ، ولم يراعوا الانتشار ،
(10/183)



وقالوا : متى علم أنه يتخلص من القتل بفعل الزنى جاز أن ينتشر. قال ابن المنذر : لا حد عليه ، ولا فرق بين السلطان في ذلك وغير السلطان.
السابعة : - اختلف العلماء في طلاق المكره وعتاقه ؛ فقال الشافعي وأصحابه : لا يلزمه شيء. وذكر ابن وهب عن عمر وعلي وابن عباس أنهم كانوا لا يرون طلاقه شيئا. وذكره ابن المنذر عن ابن الزبير وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحسن وشريح والقاسم وسالم ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. وأجازت طائفة طلاقه ؛ روي ذلك عن الشعبي والنخعي وأبي قلابة والزهري وقتادة ، وهو قول الكوفيين. قال أبو حنيفة : طلاق المكره يلزم ؛ لأنه لم يعدم فيه أكثر من الرضا ، وليس وجوده بشرط في الطلاق كالهازل. وهذا قياس باطل ؛ فإن الهازل قاصد إلى إيقاع الطلاق راض به ، والمكره غير راض ولا نية له في الطلاق ، وقد قال عليه السلام : "إنما الأعمال بالنيات " . وفي البخاري : وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق : ليس بشيء ؛ وبه قال ابن عمر وابن الزبير والشعبي والحسن. وقال الشعبي : إن أكرهه اللصوص فليس بطلاق ، وإن أكرهه السلطان فهو طلاق. وفسره ابن عيينة فقال : إن اللص يقدم على قتله والسلطان لا يقتله.
الثامنة : -وأما بيع المكره والمضغوط فله حالتان. الأولى : أن يبيع ماله في حق وجب عليه ؛ فذلك ماض سائغ لا رجوع فيه عند الفقهاء ؛ لأنه يلزمه أداء الحق إلى ربه من غير المبيع ، فلما لم يفعل ذلك كان بيعه اختيارا منه فلزمه. وأما بيع المكره ظلما أو قهرا فذلك بيع لا يجوز عليه. وهو أولى بمتاعه يأخذه بلا ثمن ، ويتبع المشتري بالثمن ذلك الظالم ؛ فإن فات المتاع رجع بثمنه أو بقيمته بالأكثر من ذلك على الظالم إذا كان المشتري غير عالم بظلمه. قال مطرف : ومن كان من المشترين يعلم حال المكره فإنه ضامن لما ابتاع من رقيقه وعروضه كالغاصب ، وكلما أحدث المبتاع في ذلك من عتق أو تدبير أو تحبيس فلا يلزم المكره ، وله أخذ متاعه. قال سحنون : أجمع أصحابنا وأهل العراق على أن بيع المكره على الظلم والجور لا يجوز. وقال الأبهري : إنه إجماع.
(10/184)



التاسعة : -وأما نكاح المكره ؛ فقال سحنون : أجمع أصحابنا على إبطال نكاح المكره والمكرهة ، وقالوا : لا يجوز المقام عليه ، لأنه لم ينعقد. قال محمد بن سحنون : وأجاز أهل العراق نكاح المكره ، وقالوا : لو أكره على أن ينكح امرأة بعشرة آلاف درهم ، وصداق مثلها ألف درهم ، أن النكاح جائز وتلزمه الألف ويبطل الفضل. قال محمد : فكما أبطلوا الزائد على الألف فكذلك يلزمهم إبطال النكاح بالإكراه. وقولهم خلاف السنة الثابتة في حديث خنساء بنت خذام الأنصارية ، ولأمره صلى الله عليه وسلم بالاستئمار في أبضاعهن ، وقد تقدم ، فلا معنى لقولهم.
العاشرة : - فان وطئها المكره على النكاح غير مكره على الوطء والرضا بالنكاح لزمه النكاح عندنا على المسمى من الصداق ودرئ عنه الحد. وإن قال : وطئتها على غير رضا مني بالنكاح فعليه الحد والصداق المسمى ؛ لأنه مدع لإبطال الصداق المسمى ، وتحد المرأة إن أقدمت وهي عالمة أنه مكره على النكاح. وأما المكرهة على النكاح وعلى الوطء فلا حد عليها ولها الصداق ، ويحد الواطئ ؛ فأعلمه. قاله سحنون.
الحادية عشرة : - إذا استكرهت المرأة على الزنى فلا حد عليها ؛ لقوله {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} وقوله عليه السلام : "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" . ولقول الله تعالى : {فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور : 33] يريد الفتيات. وبهذا المعنى حكم عمر في الوليدة التي استكرهها العبد فلم يحدها. والعلماء متفقون على أنه لا حد على امرأة مستكرهة. وقال مالك : إذا وجدت المرأة حاملا وليس لها زوج فقالت استكرهت فلا يقبل ذلك منها وعليها الحد ، إلا أن تكون لها بينة أو جاءت تدمي على أنها أوتيت ، أو ما أشبه ذلك. واحتج بحديث عمر بن الخطاب أنه قال : الرجم في كتاب الله حق على من زنى من الرجال والنساء إذا أحصن إذا قامت البينة ، أو كان الحبل أو الاعتراف. قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول.
(10/185)



الثانية عشرة : - واختلفوا في وجوب الصداق للمستكرهة ؛ فقال عطاء والزهري : لها صداق مثلها ؛ وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور. وقال الثوري : إذا أقيم الحد على الذي زنى بها بطل الصداق. وروي ذلك عن الشعبي ، وبه قال أصحاب مالك وأصحاب الرأي. قال ابن المنذر : القول الأول صحيح.
الثالثة عشرة : - إذا أكره الإنسان على إسلام أهله لما لم يحل أسلمها ، ولم يقتل نفسه دونها ولا احتمل أذية في تخليصها. والأصل في ذلك ما خرجه البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة ودخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فأرسل إليه أن أرسل بها إلي فأرسل بها فقام إليها فقامت تتوضأ وتصلي فقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك فلا تسلط علي هذا الكافر فغط حتى ركض برجله" . ودل هذا الحديث أيضا على أن سارة لما لم يكن عليها ملامة ، فكذلك لا يكون على المستكرهة ملامة ، ولا حد فيما هو أكبر من الخلوة. والله أعلم.
الرابعة عشرة : - وأما يمين المكره فغير لازمة عند مالك والشافعي وأبي ثور وأكثر العلماء. قال ابن الماجشون : وسواء حلف فيما هو طاعة لله أو فيما هو معصية إذ أكره على اليمين ؛ وقاله أصبغ. وقال مطرف : إن أكره على اليمين فيما هو لله معصية أو ليس في فعله طاعة ولا معصية فاليمين فيه ساقطة ، وإن أكره على اليمين فيما هو طاعة مثل أن يأخذ الوالي رجلا فاسقا فيكرهه أن يحلف بالطلاق لا يشرب خمرا ، أولا يفسق ولا يغش في عمله ، أو الولد يحلف ولده تأديبا له فإن اليمين تلزم ؛ وإن كان المكره قد أخطأ فيما يكلف من ذلك. وقال به ابن حبيب. وقال أبو حنيفة ومن اتبعه من الكوفيين : إنه إن حلف ألا يفعل ففعل حنث ، قالوا : لأن المكره له أن يوري في يمينه كلها ، فلما لم يور ولا ذهبت نيته إلى خلاف ما أكره عليه فقد قصد إلى اليمين. احتج الأولون بأن قالوا : إذا أكره عليها فنيته مخالفة لقوله ؛ لأنه كاره لما حلف عليه.
(10/186)



الخامسة عشرة : - قال ابن العربي : ومن غريب الأمر أن علماءنا اختلفوا في الإكراه على الحنث هل يقع به أم لا ؛ وهذه مسألة عراقية سرت لنا منهم ، لا كانت هذه المسألة ولا كانوا! وأي فرق يا معشر أصحابنا بين الإكراه على اليمين في أنها لا تلزم وبين الحنث في أنه لا يقع! فاتقوا الله وراجعوا بصائركم ، ولا تغتروا بهذه الروية فإنها وصمة في الدراية.
السادسة عشرة : - إذا أكره الرجل على أن يحلف وإلا أخذ له مال كأصحاب المكس وظلمة السعاة وأهل الاعتداء ؛ فقال مالك : لا تقية له في ذلك ، وإنما يدرأ المرء بيمينه عن بدنه لا ماله. وقال ابن الماجشون : لا يحنث وإن درأ عن ماله ولم يخف على بدنه. وقال ابن القاسم بقول مطرف ، ورواه عن مالك ، وقاله ابن عبدالحكم وأصبغ.
قلت : قول ابن الماجشون صحيح ؛ لأن المدافعة عن المال كالمدافعة عن النفس ؛ وهو قول الحسن وقتادة وسيأتي. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وقال : "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" . وروى أبو هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن جاء رجلا يريد أخذ مالي ؟ قال : "فلا تعطه مالك". قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : "قاتله" قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : "فأنت شهيد" قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : "هو في النار" خرجه مسلم. وقد مضى الكلام فيه. وقال مطرف وابن الماجشون : وإن بدر الحالف بيمينه للوالي الظالم قبل أن يسألها ليذب بها عما خاف عليه من ماله وبدنه فحلف له فإنها تلزمه. وقاله ابن عبدالحكم وأصبغ. وقال أيضا ابن الماجشون فيمن أخذه ظالم فحلف له بالطلاق البتة من غير أن يحلفه وتركه وهو كاذب ، وإنما حلف خوفا من ضربه وقتله وأخذ ماله : فإن كان إنما تبرع باليمين غلبة خوف ورجاء النجاة من ظلمه فقد دخل في الإكراه ولا شيء عليه ، وإن لم يحلف على رجاء النجاة فهو حانث.
السابعة عشرة : - قال المحققون من العلماء : إذا تلفظ المكره بالكفر فلا يجوز له أن يجريه على لسانه إلا مجرى المعاريض ؛ فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. ومتى لم يكن
(10/187)



كذلك كان كافرا ؛ لأن المعاريض لا سلطان للإكراه عليها. مثاله - أن يقال له : اكفر بالله فيقول باللاهي ؛ فيزيد الياء. وكذلك إذا قيل له : أكفر بالنبي فيقول هو كافر بالنبي ، مشددا وهو المكان المرتفع من الأرض. ويطلق على ما يعمل من الخوص شبه المائدة فيقصد أحدهما بقلبه ويبرأ من الكفر ويبرأ من إثمه. فإن قيل له : أكفر بالنبيء "مهموزا" فيقول هو كافر بالنبيء يريد بالمخبر ، أي مخبر كان كطليحة ومسلمة الكذاب. أو يريد به النبيء الذي قال فيه الشاعر :
فأصبح رتما دقاق الحصى ... مكان النبيء من الكاثب
أجمع العلماء على أن من أكره على الكفر فاختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة. واختلفوا فيمن أكره على غير القتل من فعل ما لا يحل له ؛ فقال أصحاب مالك : الأخذ بالشدة في ذلك واختيار القتل والضرب أفضل عند الله من الأخذ بالرخصة ، ذكره ابن حبيب وسحنون. وذكر ابن سحنون عن أهل العراق أنه إذا تهدد بقتل أو قطع أو ضرب يخاف منه التلف فله أن يفعل ما أكره عليه من شرب خمر أو أكل خنزير ؛ فان لم يفعل حتى قتل خفنا أن يكون آثما لأنه كالمضطر. وروى خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلت : ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ؟ فقال : "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" . فوصفه صلى الله عليه وسلم هذا عن الأمم السالفة على جهة المدح لهم والصبر على المكروه في ذات الله ، وأنهم لم يكفروا في الظاهر وتبطنوا الإيمان ليدفعوا العذاب عن أنفسهم. وهذه حجة من آثر الضرب
(10/188)



والقتل والهوان على الرخصة والمقام بدار الجنان. وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة [الأخدود] [البروج] إن شاء الله تعالى. وذكر أبو بكر محمد بن محمد بن الفرج البغدادي قال : حدثنا شريح بن يونس عن إسماعيل بن إبراهيم عن يونس بن عبيد عن الحسن أن عيونا لمسيلمة أخذوا رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فذهبوا بهما إلى مسيلمة ، فقال لأحدهما : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال نعم. قال. : أتشهد أني رسول الله ؟ قال نعم. فخلى عنه. وقال للآخر : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال نعم. قال : وتشهد أني رسول الله ؟ قال : أنا أصم لا أسمع ؛ فقدمه وضرب عنقه. فجاء هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هلكت ، قال : "وما أهلكك" ؟ فذكر الحديث ، قال : " أما صاحبك فأخذ بالثقة وأما أنت فأخذت بالرخصة على ما أنت عليه الساعة" قال : أشهد أنك رسول الله. قال "أنت على ما أنت عليه" . الرخصة فيمن حلفه سلطان ظالم على نفسه أو على أن يدله على رجل أو مال رجل ؛ فقال الحسن : إذا خاف عليه وعلى ماله فليحلف ولا يكفر يمينه ؛ وهو قول قتادة إذا حلف على نفسه أو مال نفسه. وقد تقدم ما للعلماء في هذا. وذكر موسى بن معاوية أن أبا سعيد بن أشرس صاحب مالك استحلفه السلطان بتونس على رجل أراد السلطان قتله أنه ما آواه ، ولا يعلم له موضعا ؛ قال : فحلف له ابن أشرس ؛ وابن أشرس يومئذ قد علم موضعه وآواه ، فحلفه بالطلاق ثلاثا ، فحلف له ابن أشرس ، ثم قال لامرأته : اعتزلي فاعتزلته ؛ ثم ركب ابن أشرس حتى قدم على البهلول بن راشد القيروان ، فأخبره بالخبر ؛ فقال له البهلول : قال مالك إنك حانث. فقال ابن أشرس : وأنا سمعت مالكا يقول ذلك ، وإنما أردت الرخصة أو كلام هذا معناه ؛ فقال له البهلول ابن راشد : قال الحسن البصري إنه لا حنث عليك. قال : فرجع ابن أشرس إلى زوجته وأخذ بقول الحسن. وذكر عبدالملك بن حبيب قال : حدثني معبد عن المسيب بن شريك عن أبي شيبة قال : سألت أنس بن مالك عن الرجل يؤخذ بالرجل ، هل ترى أن يحلف ليقيه بيمينه ؟ فقال نعم ؛ ولأن أحلف سبعين يمينا
(10/189)



وأحنث أحب إلي أن أدل على مسلم. وقال إدريس بن يحيى كان الوليد بن عبدالملك يأمر جواسيس يتجسسون الخلق يأتونه بالأخبار ، قال : فجلس رجل منهم في حلقة رجاء بن حيوة فسمع بعضهم يقع في الوليد ، فرفع ذلك إليه فقال : يا رجاء! اذكر بالسوء في مجلسك ولم تغير! فقال : ما كان ذلك يا أمير المؤمنين ؛ فقال له الوليد : قل آلله الذي لا إله إلا هو ، قال : آلله الذي لا إله إلا هو ، فأمر الوليد بالجاسوس فضربه سبعين سوطا ، فكان يلقى رجاء فيقول : يا رجاء ، بك يستقى المطر ، وسبعون سوطا في ظهري! فيقول رجاء : سبعون سوطا في ظهرك خير لك من أن يقتل رجل مسلم.
التاسعة عشرة : - واختلف العلماء في حد الإكراه ؛ فروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ليس الرجل آمن على نفسه إذا أخفته أو أوثقته أو ضربته. وقال ابن مسعود : ما كلام يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلما به. وقال الحسن : التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة ، إلا أن الله تبارك وتعالى ليس يجعل في القتل تقية. وقال النخعي : القيد إكراه ، والسجن إكراه. وهذا قول مالك ، إلا أنه قال : والوعيد المخوف إكراه وإن لم يقع إذا تحقق ظلم ذلك المعتدي وإنفاذه لما يتوعد به ، وليس عند مالك وأصحابه في الضرب والسجن توقيت ، إنما هو ما كان يؤلم من الضرب ، وما كان من سجن يدخل منه الضيق على المكره. وإكراه السلطان وغيره عند مالك إكراه. وتناقض الكوفيون فلم يجعلوا السجن والقيد إكراه ما يدل على أن الإكراه يكون من غير تلف نفس. وذهب مالك إلى أن من أكره على يمين بوعيد أو سجن أو ضرب أنه يحلف ، ولا حنث عليه ؛ وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور وأكثر العلماء.
الموفية عشرين : - ومن هذا الباب ما ثبت إن من المعاريض لمندوحة عن الكذب. وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه قال : لا بأس إذا بلغ الرجل عنك شيء أن تقول :
(10/190)



والله ، إن الله يعلم ما قلت فيك من ذلك من شيء. قال عبدالملك بن حبيب : معناه أن الله يعلم أن الذي قلت ، وهو في ظاهره انتفاء من القول ، ولا حنث علن من قال ذلك في يمينه ولا كذب عليه في كلامه. وقال النخعي : كان لهم كلام من ألغاز الأيمان يدرؤون به عن أنفسهم ، لا يرون ذلك من الكذب ولا يخشون فيه الحنث. قال عبدالملك : وكانوا يسمون ذلك المعاريض من الكلام ، إذا كان ذلك في غير مكر ولا خديعة في حق. وقال الأعمش : كان إبراهيم النخعي إذا أتاه أحد يكره الخروج إليه جلس في مسجد بيته وقال لجاريته : قولي له هو والله في المسجد. وروى مغيرة عن إبراهيم أنه كان يجيز للرجل من البعث إذا عرضوا على أميرهم أن يقول : والله ما أهتدي إلا ما سدد لي غيري ، ولا أركب إلا ما حملني غيري ؛ ونحو هذا من الكلام. قال عبدالملك : يعني بقوله "غيري" الله تعالى ، هو مسدده وهو يحمله ؛ فلم يكونوا يرون على الرجل في هذا حنثا في يمينه ، ولا كذبا في كلامه ، وكانوا يكرهون أن يقال هذا في خديعة وظلم وجحدان حق فمن اجترأ وفعل أثم في خديعته ولم تجب عليه كفارة في يمينه.
الحادية والعشرون : - قوله تعالى : {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} أي وسعه لقبول الكفر ، ولا يقدر أحد على ذلك إلا الله ؛ فهو يرد على القدرية. و"صدرا" نصب على المفعول. {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو عذاب جهنم.
الآية : 107 {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
الآية : 108 {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}
الآية : 109 {لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}
(10/191)



قوله تعالى : {ذَلِكَ} أي ذلك الغضب. {بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي اختاروها على الآخرة. {وَأَنَّ اللَّهَ} "أن" في موضع خفض عطفا على "بأنهم "{لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} فقال : {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي عن فهم المواعظ. {وَسَمْعِهِمْ} عن كلام الله تعالى. {وَأَبْصَارِهِمْ} عن النظر في الآيات. {وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} عما يراد بهم. {لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} تقدم.
الآية : 110 {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
قوله تعالى : {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا} هذا كله في عمار. والمعنى وصبروا على الجهاد ؛ ذكره النحاس. وقال قتادة : نزلت في قوم خرجوا مهاجرين إلى المدينة بعد أن فتنهم المشركون وعذبوهم ، وقد تقدم ذكرهم في هذه السورة. وقيل : نزلت في ابن أبي سرح ، وكان قد ارتد ولحق بالمشركين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة ، فاستجار بعثمان فأجاره النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ذكره النسائي عن عكرمة عن ابن عباس قال : في سورة النحل {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} - إلى قوله – {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فنسخ ، واستثنى من ذلك فقال : {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} وهو عبدالله بن سعد بن أبي سرح الذي كان على مصر ، كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر به أن يقتل يوم الفتح ؛ فاستجار له عثمان بن عفان فأجاره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الآية : 111 {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}
(10/192)



قوله تعالى : {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} أي إن الله غفور رحيم في ذلك.أو ذكرهم {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} أي تخاصم وتحاج عن نفسها ؛ جاء في الخبر أن كل أحد يقول يوم القيامة : نفسي نفسي! من شدة هول يوم القيمة سوى محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل في أمته. وفي حديث عمر أنه قال لكعب الأحبار : يا كعب ، خوّفنا هيّجنا حدّثنا نبّهنا. فقال له كعب : يا أمير المؤمنين ، والذي نفسي بيده لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبيا لأتت عليك تارات لا يهمك إلا نفسك ، وإن لجهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي منتخب إلا وقع جاثيا على ركبتيه ، حتى إن إبراهيم الخليل ليدلي بالخلة فيقول : يا رب ، أنا خليلك إبراهيم ، لا أسألك اليوم إلا نفسي! قال : يا كعب ، أين تجد ذلك في كتاب الله ؟ قال : قوله تعالى : {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} . وقال ابن عباس في هذه الآية : ما تزال الخصومة بالناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد ؛ فتقول الروح : رب ، الروح منك أنت خلقته ، لم تكن لي يد أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها ، ولا أذن أسمع بها ولا عقل أعقل به ، حتى جئت فدخلت في هذا الجسد ، فضعف عليه أنواع العذاب ونجني ؛ فيقول الجسد : رب ، أنت خلقتني بيدك فكنت كالخشبة ، ليس لي يد أبطش بها ، ولا قدم أسعى به ، ولا بصر أبصر به ، ولا سمع أسمع به ، فجاء هذا كشعاع النور ، فبه نطق لساني ، وبه أبصرت عيني ، وبه مشت رجلي ، وبه سمعت أذني ، فضعف عليه أنواع العذاب ونجني منه. قال : فيضرب الله لهما مثلا أعمى ومقعدا دخلا بستانا فيه ثمار ، فالأعمى لا يبصر الثمرة والمقعد لا ينالها ، فنادى المقعد الأعمى ايتني فاحملني آكل وأطعمك ، فدنا منه فحمله ، فأصابوا من الثمرة ؛ فعلى من يكون العذاب ؟ قال : عليكما جميعا العذاب ؛ ذكره الثعلبي.
الآية : 112 {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}
(10/193)



قوله تعالى : {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً} هذا متصل بذكر المشركين. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على مشركي قريش وقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ". فابتلوا بالقحط حتى أكلوا العظام ، ووجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما ففرق فيهم. {كَانَتْ آمِنَةً} لا يهاج أهلها. {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} من البر والبحر ؛ نظيره {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص : 57] الآية. {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} الأنعم : جمع النعمة ؛ كالأشد جمع الشدة. وقيل : جمع نعمى ؛ مثل بؤسى وأبؤس. وهذا الكفران تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم. {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ} أي أذاق أهلها. {لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} سماه لباسا لأنه يظهر عليهم من الهزال وشحوبة اللون وسوء الحال ما هو كاللباس. {بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} أي من الكفر والمعاصي. وقرأه حفص بن غياث ونصر بن عاصم وابن أبي إسحاق والحسن وأبو عمرو فيما روى عنه عبدالوارث وعبيد وعباس "والخوف" نصبا بإيقاع أذاقها عليه ، عطفا على "لباس الجوع" وأذاقها الخوف. وهو بعث النبي صلى الله عليه وسلم سراياه التي كانت تطيف بهم. وأصل الذوق بالفم ثم يستعار فيوضع موضع الابتلاء. وضرب مكة مثلا لغيرها من البلاد ؛ أي أنها مع جوار بيت الله وعمارة مسجده لما كفر أهلها أصابهم القحط فكيف بغيرها من القرى. وقد قيل : إنها المدينة ، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم كفرت بأنعم الله لقتل عثمان بن عفان ، وما حدث بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتن. وهذا قول عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل : إنه مثل مضروب بأي قرية كانت على هذه الصفة من سائر القرى.
الآية : 113 {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}
(10/194)



قوله تعالى : {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ} هذا يدل على أنها مكة. وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة. {فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} وهو الجوع الذي وقع بمكة. وقيل : الشدائد والجوع منها.
الآية : 114 {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}
قوله تعالى : {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} أي كلوا يا معشر المسلمين من الغنائم. وقيل : الخطاب للمشركين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم بطعام رقة عليهم ، وذلك أنهم لما ابتلوا بالجوع سبع سنين ، وقطع العرب عنهم الميرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أكلوا العظام المحرقة والجيفة والكلاب الميتة والجلود والعلهز ، وهو الوبر يعالج بالدم. ثم إن رؤساء مكة كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهدوا وقالوا : هذا عذاب الرجال فما بال النساء والصبيان. وقال له أبو سفيان : يا محمد ، إنك جئت تأمر بصلة الرحم والعفو ، وإن قومك قد هلكوا ؛ فادع الله لهم. فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأذن للناس بحمل الطعام إليهم وهم بعد مشركون.
الآية : 115 {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
تقدم في "البقرة" القول فيها مستوفى.
الآية : 116 {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}
الآية : 117 {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
(10/195)



فيه مسألتان : -
الأولى : - قوله تعالى : {لِمَا تَصِفُ} ما هنا مصدرية ، أي لوصف. وقيل : اللام لام سبب وأجل ، أي لا تقول لأجل وصفكم "الكذب" بنزع الخافض ، ، أي لما تصف ألسنتكم من الكذب. وقرئ {الْكُذُبُ} بضم الكاف والذال والباء ، نعتا للألسنة. وقرأ الحسن هنا خاصة "الكذب" بفتح الكاف وخفض الذال والباء ، نعتا "لما" ؛ التقدير : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب. وقيل على البدل من ما ؛ أي ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم {هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} الآية خطاب للكفار الذين حرموا البحائر والسوائب وأحلوا ما في بطون الأنعام وإن كان ميتة. فقوله تعالى : {هَذَا حَلالٌ} إشارة إلى ميتة بطون الأنعام ، وكل ما أحلوه. {وَهَذَا حَرَامٌ} إشارة إلى البحائر والسوائب وكل ما حرموه. {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ} أي ما هم فيه من نعيم الدنيا يزول عن قريب. وقال الزجاج : أي متاعهم متاع قليل. وقيل : لهم متاع قليل ثم يردون إلى عذاب أليم.
الثانية : - أسند الدارمي أبو محمد في مسنده أخبرنا هارون عن حفص عن الأعمش قال : ما سمعت إبراهيم قط يقول حلال ولا حرام ، ولكن كان يقول : كانوا يكرهون وكانوا يستحبون. وقال ابن وهب قال مالك : لم يكن من فتيا الناس أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام ، ولكن يقولوا إياكم كذا وكذا ، ولم أكن لأصنع هذا. ومعنى هذا : أن التحليل والتحريم إنما هو لله عز وجل ، وليس لأحد أن يقول أو يصرح بهذا في عين من الأعيان ، إلا أن يكون البارئ تعالى يخبر بذلك عنه. وما يؤدي إليه الاجتهاد في أنه حرام يقول : إني أكره كذا. وكذلك كان مالك يفعل اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى. فإن قيل : فقد قال فيمن قال لزوجته أنت علي حرام إنها حرام ويكون ثلاثا. فالجواب أن مالكا لما سمع علي بن أبي طالب يقول إنها حرام اقتدى به. وقد يقوى الدليل على التحريم
(10/196)



عند المجتهد فلا بأس عند ذلك أن يقول ذلك ، كما يقول إن الربا حرام في غير الأعيان الستة ، وكثيرا ما يطلق مالك رحمه الله ؛ فذلك حرام لا يصلح في الأموال الربوية وفيما خالف المصالح وخرج عن طريق المقاصد لقوة الأدلة في ذلك.
الآية : 118 {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
قوله تعالى : {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} بين أن الأنعام والحرث حلال لهذه الأمة ، فأما اليهود فحرمت عليهم منها أشياء. {حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} أي في سورة الأنعام. {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} أي بتحريم ما حرمنا عليهم ، ولكن ظلموا أنفسهم فحرمنا عليهم تلك الأشياء عقوبة لهم ؛ كما تقدم في النساء.
الآية : 119 {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
قوله تعالى : {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ} أي الشرك ؛ قاله ابن عباس. وقد تقدم في "النساء".
الآية : 120 {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
قوله تعالى : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} دعا عليه السلام مشركي العرب إلى ملة إبراهيم ؛ إذ كان أباهم وباني البيت الذي به عزهم ؛ والأمة : الرجل الجامع للخير ، وقد تقدم محامله. وقال ابن وهب وابن القاسم عن مالك قال : بلغني أن عبدالله بن مسعود قال : يرحم الله معاذا! كان أمة قانتا. فقيل له : يا أبا عبدالرحمن ، إنما ذكر الله عز وجل بهذا إبراهيم عليه السلام. فقال ابن مسعود : إن الأمة الذي يعلم الناس الخير ، وإن القانت هو المطيع. وقد تقدم القنوت في "البقرة" و"حنيفا" في "الأنعام".
(10/197)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمية قطبى سالم محمد
دويمابي برتبة ملازم
دويمابي برتبة ملازم
سمية قطبى سالم محمد


عدد الرسائل : 262

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالثلاثاء 4 أكتوبر - 16:59

شكرا استاذ فوزى .....................................لك التحايا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: