منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 5 مايو - 16:59






الحادية والعشرون- ويمسح المسافر عند مالك على الخفين بغير توقيت ، وهو قول الليث بن سعد ؛ قال ابن وهب سمعت مالكا يقول : ليس عند أهل بلدنا في ذلك وقت. وروي أبو داود من حديث أبي بن عمارة أنه قال : يا رسول الله أمسح على الخفين ؟ قال : "نعم" قال : يوما ؟ قال : "يوما" قال : ويومين ؟ قال : "ويومين" قال : وثلاثة أيام ؟ قال : "نعم وما شئت" وفي رواية "نعم وما بدا لك" . قال أبو داود : وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي. وقال الشافعي وأحمد بن حنبل والنعمان والطبري : يمسح المقيم يوما وليلة ، والمسافر ثلاثة أيام على حديث شريح وما كان مثله ؛ وروي عن مالك في رسالته إلى هرون أو بعض الخلفاء ، وأنكرها أصحابه.
الثانية والعشرون- والمسح عند جميعهم لمن لبس خفيه على وضوء ؛ لحديث المغيرة بن شعبة أنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في مسير - الحديث - وفيه ؛ فأهويت لأنزع خفيه فقال : "دعهما فإني أدخلتهم طاهرتين" ومسح عليهما. ورأى أصبغ أن هذه طهارة التيمم ، وهذا بناء منه على أن التيمم يرفع الحدث. وشذ داود فقال : المراد بالطهارة ههنا هي الطهارة من النجس فقط ؛ فإذا كانت رجلاه طاهرتين من النجاسة جاز المسح على الخفين. وسبب الخلاف الاشتراك في اسم الطهارة
الثالثة والعشرون- ويجوز عند مالك المسح على الخف وإن كان فيه خرق يسير : قال ابن خويز منداد : معناه أن يكون الخرق لا يمنع من الانتفاع به ومن لبسه ، ويكون مثله يمشى فيه. وبمثل قول مالك هذا قال الليث والثوري والشافعي والطبري ؛ وقد روي عن الثوري والطبري إجازة المسح على الخف المخرق جملة. وقال الأوزاعي : يمسح على الخف وعلى ما ظهر من القدم ؛ وهو قول الطبري. وقال أبو حنيفة : إذا كان ما ظهر من الرجل أقل من ثلاث أصابع مسح ، ولا يمسح ذا ظهر ثلاث ؛ وهذا تحديد يحتاج إلى توقيف. ومعلوم أن أخفاف الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم من التابعين كانت
(6/101)





لا تسلم من الخرق اليسير ، وذلك متجاوز عند الجمهور منهم. وروي عن الشافعي إذا كان الخرق في مقدم الرجل أنه لا يجوز المسح عليه. وقال الحسن بن حي : يمسح على الخف إذا كان ما ظهر منه يغطيه الجورب ، فإن ظهر شيء من القدم لم يمسح ، قال أبو عمر : هذا على مذهبه في المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين ؛ وهو قول الثوري وأبي يوسف ومحمد هي :
الرابعة والعشرون- ولا يجوز المسح على الجوربين عند أبي حنيفة والشافعي إلا أن يكونا مجلدين ، وهو أحد قولي مالك. وله قول آخر أنه لا يجوز المسح على الجوربين وإن كانا مجلدين. وفي كتاب أبي داود عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين ؛ قال أبو داود : وكان عبدالرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث ؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ؛ وروي هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس بالقوي ولا بالمتصل. قال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وأبو مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث ؛ وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس ؛ رضي الله عنهم أجمعين.
قلت : وأما المسح على النعلين فروى أبو محمد الدرامي في مسنده حدثنا أبو نعيم أخبرنا يونس عن أبي إسحاق عن عبد خير قال : رأيت عليا توضأ ومسح على النعلين فوسع ثم قال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما ؛ قال أبو محمد الدارمي رحمه الله : هذا الحديث منسوخ بقوله تعالى : { فامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } .
قلت : وقول علي - رضي الله عنه - لرأيت أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما مثله قال في المسح على الخفين ، أخرجه أبو داود عنه قال : لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه. قال
(6/102)





مالك والشافعي فيمن مسح ظهور خفيه دون بطونهما : إن ذلك يجزئه ؛ إلا أن مالكا قال : من فعل ذلك أعاد في الوقت ؛ ومن مسح على باطن الخفين دون ظاهرهما يجزه ؛ وكان عليه الإعادة في الوقت وبعده ؛ وكذلك قال جميع أصحاب مالك إلا شيء روي عن أشهب أنه قال : باطن الخفين وظاهرهما سواء ، ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يعد إلا في الوقت. وروي عن الشافعي أنه قال يجزئه مسح بطونهما دون ظهورهما ؛ والمشهور من مذهبه أنه مسح بطونهما واقتصر عليهما لم يجزه وليس بماسح. وقال أبو حنيفة والثوري : يمسح ظاهري الخفين دون باطنهما ؛ وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وجماعة ، والمختار عند مالك والشافعي وأصحابهما مسح الأعلى والأسفل ، وهو قول ابن عمر وابن شهاب ؛ لما رواه أبو داود والدارقطني عن المغيرة بن شعبة قال : وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخف وأسفله ؛ قال أبو داود : روي أن ثورا لم يسمع هذا الحديث من رجاء بن حيوة.
الخامسة والعشرون- واختلفوا فيمن نزع خفيه وقد مسح عليهما على أقوال ثلاثة : الأول : يغسل رجليه مكانه وإن أخر استأنف الوضوء ؛ قاله مالك والليث ، وكذلك قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم ؛ وروي عن الأوزاعي والنخعي ولم يذكروا مكانه. الثاني : يستأنف الوضوء ؛ قاله الحسن بن حي الأوزاعي والنخعي ولم يذكروا مكانه. الثاني : يستأنف الوضوء ؛ قاله ابن أبي ليلى والحسن البصري ، وهي رواية عن إبراهيم النخعي رضي الله عنهم.
السادسة والعشرون- قوله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا } وقد مضى في { النِّسَاءَ } معنى الجنب. و { اطَّهَّرُوا } أمر بالاغتسال بالماء ؛ ولذلك رأى عمر وابن مسعود - رضي الله عنهما - أن الجنب لا تيمم البتة بل يدع الصلاة حتى يجد الماء. وقال الجمهور من الناس : بل هذه العبارة هي لواجد الماء ، وقد ذكر الجنب بعد في أحكام عادم الماء بقوله : { أَوْ لامَسْتُمُ
(6/103)





النِّسَاءَ } والملامسة هنا الجماع ؛ وقد صح عن عمر وابن مسعود أنهما رجعا إلى ما عليه الناس وأن الجنب يتيمم. وحديث عمران بن حصين نص في ذلك ، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال : "يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم" فقال : يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء. قال : "عليك بالصعيد فإنه يكفيك" أخرجه البخاري.
السابعة والعشرون- قوله تعالى : { وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ } تقدم في { النِّسَاءَ } مستوفى ، ونزيد هنا مسألة أصولية أغفلناها هناك ، وهي تخصيص العموم بالعادة الغالبة ، فإن الغائط كناية عن الأحداث الخارجة من المخرجين كما بيناه في { النِّسَاءَ } فهو عام ، غير أن جل علمائنا خصصوا ذلك بالأحداث المعتادة الخارجة على الوجه المعتاد ، فلو خرج غير المعتاد كالحصى والدود ، أو خرج المعتاد على وجه السل والمرض لم يكن شيء من ذلك ناقضا. وإنما صاروا إلى اللفظ ؛ لأن اللفظ مهما تقرر لمدلوله عرف غالب في الاستعمال ، سبق ذلك الغالب لفهم السامع حالة الإطلاق ، وصار غيره مما وضع له اللفظ بعيدا عن الذهن ، فصار غير مدلول له ، وصار الحال فيه كالحال في الدابة ؛ فإنها إذا أطلقت سبق منها الذهن إلى ذوات الأربع ، ولم تخطر النملة ببال السامع فصارت غير مرادة ولا مدلولة لذلك اللفظ ظاهرا. والمخالف يقول : لا يلزم من أسبقية الغالب أن يكون النادر غير مراد ؛ فإن تناول اللفظ لهما واحد وضعا ، وذلك يدل على شعور المتكلم بهما قصدا ؛ والأول أصح ، وتتمته في كتب الأصول.
الثامنة والعشرون- قوله تعالى : { أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ } روي عبيدة عن عبدالله بن مسعود أنه قال : القبلة من اللمس ، وكل ما دون الجماع لمس ؛ وكذلك قال ابن عمر واختاره محمد بن يزيد قال : لأن قد ذكر في أول الآية ما يجب على من جامع في قوله : { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا } . وقال عبدالله بن عباس : اللمس والمس والغشيان الجماع ، ولكنه عز وجل يكني. وقال
(6/104)





مجاهد في قوله عز وجل : { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } قال : إذا ذكروا النكاح كنوا عنه ؛ وقد مضى في { النساء } القول في هذا الباب مستوفى والحمد لله.
التاسعة والعشرون- قوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } قد تقدم في { النساء } أن عدمه يترتب للصحيح الحاضر أن يسجن أو يربط ، وهو الذي يقال فيه : إنه إن لم يجد ماء ولا ترابا وخشي خروج الوقت ؛ اختلف الفقهاء في حكمه على أربعة أقوال : الأول : قال ابن خويز منداد : الصحيح على مذهب مالك بأنه لا يصلي ولا شيء عليه ؛ قال : ورواه المدنيون عن مالك ؛ قال : وهو الصحيح من المذهب. وقال ابن القاسم : يصلي ويعيد ؛ وهو قول الشافعي. وقال أشهب : يصلي ولا يعيد. وقال أصبغ : لا يصلي ولا يقضي ؛ وبه قال أبو حنيفة. قال أبو عمر بن عبدالبر : ما أعرف كيف أقدم بن خويز منداد على أن جعل الصحيح من المذهب ما ذكر ، وعلى خلافه جمهور السلف وعامة الفقهاء وجماعة المالكيين. وأظنه ذهب إلى ظاهر حديث مالك في قوله : وليسوا على ماء - الحديث - ولم يذكر أنهم صلوا ؛ وهذا لا حجة فيه. وقده ذكر هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في هذا الحديث أنهم صلوا بغير وضوء ولم يذكر إعادة ؛ وقد ذهب إلى هذا طائفة من الفقهاء. قال أبو ثور : وهو القياس.
قلت : وقد احتج المزني فيما ذكره الكيا الطبري بما ذكر في قصة القلادة عن عائشة رضي الله عنها حين ضلت ، وأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم لطلب القلادة صلوا بغير تيمم ولا وضوء وأخبروه بذلك ، ثم نزلت آية التيمم ولم ينكر عليهم فعلها بلا وضوء ولا تيمم ، والتيمم متى لم مشروعا فقد صلوا بلا طهارة أصلا. ومنه قال المزني : ولا إعادة ، وهو نص في جواز الصلاة مع عدم الطهارة مطلقا عند تعذر الوصول إليها ؛ قال أبو عمر : ولا ينبغي حمله على المغمي عليه لأن المغمى عليه مغلوب على عقله وهذا معه عقله. وقال ابن القاسم وسائر العلماء : الصلاة عليه واجبة إذا كان معه عقله ، فإذا زال المانع له توضأ
(6/105)





أو تيمم وصلى. وعن الشافعي روايتان ؛ المشهور عنه يصلي كما هو ويعيد ؛ قال المزني : إذا كان محبوسا لا يقدر على تراب نظيف صلى وأعاد ؛ وهو قول أبي يوسف ومحمد والثوري والطبري. وقال زفر بن الهذيل : المحبوس في الحضر لا يصلي وإن وجد ترابا نظيفا. وهذا على أصله فإنه لا يتيمم عنده في الحضر كما تقدم. وقال أبو عمر : من قال يصلي كما هو ويعيد إذا قدر على الطهارة فإنهم احتاطوا للصلاة بغير طهور ؛ قالوا : وقوله عليه السلام : "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" لمن قدر على طهور ؛ فأما من لم يقدر فليس كذلك ؛ لأن الوقت فرض وهو قادر عليه فيصلي كما قدر في الوقت ثم يعيد ، فيكون قد أخذ بالاحتياط في الوقت والطهارة جميعا. وذهب الذين قالوا لا يصلي لظاهر هذا الحديث ؛ وهو قول مالك وابن نافع وأصبغ قالوا : من عدم الماء والصعيد لم يصل ولم يقض إن خرج وقت الصلاة ؛ لأن عدم قبولها لعدم شروطها يدل على أنه غير مخاطب بها حالة عدم شروطها فلا يترتب شيء في الذمة فلا يقضي ؛ قاله غير أبي عمر ، وعلى هذا تكون الطهارة من شروط الوجوب.
الموفية ثلاثين- قوله تعالى : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً } قد مضى في { النساء } اختلافهم في الصعيد ، وحديث عمران بن حصين نص على ما يقول مالك ، إذ لو كان الصعيد التراب لقال عليه السلام للرجل عليك بالتراب فإنه يكفيك ، فلما قال : "عليك بالصعيد" أحال على وجه الأرض. والله أعلم. { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } تقدم في { النساء } الكلام فيه فتأمله هناك.
الحادية والثلاثون- وإذا انتهى القول بنا في الآي إلى هنا فاعلم أن العلماء تكلموا في فضل الوضوء والطهارة وهي خاتمة الباب : قال صلى الله عليه وسلم : "الطهور شطر الإيمان" أخرجه مسلم من حديث أبي مالك الأشعري ، وقد تقدم في {البقرة} الكلام فيه ؛ قال ابن العربي : والوضوء أصل في الدين ، وطهارة المسلمين ، وخصوصا لهذه الأمة في العالمين. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وقال : "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي
(6/106)





ووضوء أبي إبراهيم" وذلك لا يصح ؛ قال غيره : ليس هذا بمعارض لقوله عليه السلام : "لكم سيما ليست لغيركم" فإنهم كانوا يتوضؤون ، وإنما الذي خص به هذه الأمة الغرة والتحجيل لا بالوضوء ، وهما تفضل من الله تعالى اختص بهما هذه الأمة شرفا لها ولنبيها صلى الله عليه وسلم كسائر فضائلها على سائر الأمم ، كما فضل نبيها صلى الله عليه وسلم بالمقام المحمود وغيره على سائر الأنبياء ؛ والله أعلم. قال أبو عمر : وقد يجوز أن يكون الأنبياء يتوضؤون فيكتسبون بذلك الغرة والتحجيل ولا يتوضأ أتباعهم ، كما جاء عن موسى عليه السلام قال : "يا رب أجد أمة كلهم كالأنبياء فاجعلها أمتي" فقال له : "تلك أمة محمد" في حديث فيه طول. وقد روى سالم بن عبدالله بن عمر عن كعب الأحبار أنه سمع رجلا يحدث أنه رأى رؤيا في المنام أن الناس قد جمعوا للحساب ؛ ثم دعي الأنبياء مع كل نبي أمته ، وأنه رأى لكل نبي نورين يمشي بينهما ، ولم اتبعه من أمته نورا واحدا يمشي به ، حتى دعي بمحمد صلى الله عليه وسلم فإذا شعر رأسه ووجهه نور كله يراه كل من نظر إليه ، وإذا لمن اتبعه من أمته نوران كنور الأنبياء ؛ فقال له كعب وهو لا يشعر أنها رؤيا : من حدثك بهذا الحديث وما علمك به ؟ فأخبره أنها رؤيا ؛ فأنشده كعب ، الله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت ما تقول في منامك ؟ فقال : نعم والله لقد رأيت ذلك ؛ فقال كعب : والذي نفسي بيده - أو قال والذي بعث محمدا بالحق - إن هذه لصفة أحمد وأمته ، وصفة الأنبياء في كتاب الله ، لكأن ما تقوله من التوراة. أسنده في كتاب "التمهيد" قال أبو عمر : وقد قيل إن سائر الأمم كانوا يتوضؤون والله أعلم ؛ وهذا لا أعرفه من وجه صحيح. وخرج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا ضل رجليه خرجت كل خطيئة كان مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر السماء حتى يخرج نقيا من الذنوب" . وحديث مالك عن عبدالله الصنابحي
(6/107)





أكمل ، والصواب أبو عبدالله لا عبدالله ، وهو مما وهم فيه مالك ، واسمه عبدالرحمن بن عسيلة تابعي شامي كبير لإدراكه أول خلافة أبي بكر ؛ قال أبو عبدالله الصنابحي : قدمت مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن فلما وصلنا الجحفة إذا براكب قلنا له ما الخبر ؟ قال : دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ ثلاثة أيام. وهذه الأحاديث وما كان في معناها من حديث عمرو بن عبسة وغيره تفيدك أن المراد بها كون الوضوء مشروعا عبادة لدحض الآثام ؛ وذلك يقتضي افتقاره إلى نية شرعية ؛ لأنه شرع لمحو الإثم ورفع الدرجات عند الله تعالى.
الثانية والثلاثون- قوله تعالى : { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } أي من ضيق في الدين ؛ دليله قوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } و {من} صلة أي ليجعل عليكم حرجا. { وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } أي من الذنوب كما ذكرنا من حديث أبي هريرة والصنابحي. وقيل : من الحدث والجنابة. وقيل : لتستحقوا الوصف بالطهارة التي يوصف بها أهل الطاعة. وقرأ سعيد بن المسيب { لِيُطْهِرَكُمْ } والمعنى واحد ، كما يقال : نجاه وأنجاه. { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } أي بالترخيص في التيمم عند المرض والسفر. وقيل : بتبيان الشرائع. وقيل : بغفران الذنوب ؛ وفي الخبر "تمام النعمة دخول الجنة والنجاة من النار" { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي لتشكروا نعمته فتقبلوا على طاعته.
7- { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
قوله تعالى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ } قيل : هو الميثاق الذي في قوله عز وجل : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ } ؛ قال مجاهد وغيره. ونحن وإن لم نذكره فقد أخبرنا الصادق به ، فيجوز أن نؤمر بالوفاء به. وقيل : هو خطاب لليهود بحفظ ما أخذ عليهم في التوراة ؛ والذي عليه الجمهور من المفسرين كابن عباس والسدي
(6/108)





هو العهد والميثاق الذي جرى لهم مع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره إذ قالوا : سمعنا وأطعنا ، كما جرى ليلة العقبة وتحت الشجرة ، وأضافه تعالى إلى نفسه كما قال : { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ونساءهم وأبناءهم ، وأن يرحل إليهم هو وأصحابه ، وكان أول من بايعه البراء بن معرور ، وكان له في تلك الليلة المقام المحمود في التوثق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والشد لعقد أمره ، وهو القائل : والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا ، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة ورثناها كابرا عن كابر. الخبر المشهور في سيرة ابن إسحاق. ويأتي ذكر بيعة الرضوان في موضعها. وقد اتصل هذا بقوله تعالى : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } فوفوا بما قالوا ؛ جزاهم الله تعالى عنهم وعن الإسلام خيرا ، ورضي الله عنهم وأرضاهم. { وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي في مخالفته أنه عالم بكل شيء.
8- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
9- { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }
10- {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}
قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ } الآية تقدم معناها في { النِّسَاءَ }. والمعنى : أتمم عليك نعمتي فكونوا قوامين لله ، أي لأجل ثواب الله ؛ فقوموا بحقه ، وأشهدوا بالحق من غير ميل إلى أقاربكم ، وحيف على أعدائكم. { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } على ترك العدل وإيثار العدوان على الحق. وفي هذا دليل على نفوذ حكم العدو على عدوه في الله تعالى
(6/109)





ونفوذ شهادته عليه ؛ لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه ، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لأمره بالعدل فيه وجه. ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه ، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق ، وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ؛ فليس لنا أن نقتلهم بمثله قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم ؛ وإليه أشار عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة : هذا معنى الآية. وتقدم في صدر هذه السورة معنى قوله : { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } . وقرئ { وَلا يُجْرِمَنَّكُمْ } قال الكسائي : هما لغتان. وقال الزجاج : معنى { لا يُجْرِمَنَّكُمْ } لا يدخلنكم في الجرم ؛ كما تقول : آثمني أي أدخلني في الإثم. ومعنى { هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } أي لأن تتقوا الله. وقيل : لأن تتقوا النار. ومعنى { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } أي قال الله في حق المؤمنين : { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } أي لا تعرف كنهه أفهام الخلق ؛ كما قال : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ }. وإذا قال الله تعالى : { أَجْرٌ عَظِيمٌ } و { أَجْرٌ كَرِيمٌ } و { أَجْرٌ كَبِيرٌ } فمن ذا الذي يقدر قدره ؟ . ولما كان الوعد من قبيل القول حسن إدخال اللام في قوله : { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } وهو في موضع نصب ؛ لأنه وقع موقع الموعود به ، على معنى وعدهم أن لهم مغفرة أو وعدهم مغفرة إلا أن الجملة وقعت موقع المفرد ؛ كما قال الشاعر :
وجدنا الصالحين لهم جزاء ... وجنات وعينا سلسبيلا
وموضع الجملة نصب ؛ ولذلك عطف عليها بالنصب. وقيل : هو في موضع رفع على أن يكون الموعود به محذوفا ؛ على تقدير لهم مغفرة وأجر عظيم فيما وعدهم به. وهذا المعنى عن الحسن. { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } نزلت في بني النضير. وقيل في جميع الكفار.
11- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
(6/110)





قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } قال جماعة : نزلت بسبب فعل الأعرابي في غزوة ذات الرقاع حين اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وقال : من يعصمك مني يا محمد ؟ كما تقدم في { النِّسَاءَ }. وفي البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فاجتمعوا وهو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبه. وذكر الواقدي وابن أبي حاتم أنه أسلم. وذكر قوم أنه ضرب برأسه في ساق شجرة حتى مات. وفي البخاري في غزوة ذات الرقاع أن اسم الرجل غورث بن الحارث "بالغين منقوطة مفتوحة وسكون الواو بعدها راء وثاء مثلثة" وقد ضم بعضهم الغين ، والأول أصح. وذكر أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ، وأبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي أن اسمه دعثور بن الحارث ، وذكر أنه أسلم كما تقدم. وذكر محمد بن إسحاق أن اسمه عمرو بن جحاش وهو أخو بني النضير. وذكر بعضهم أن قصة عمرو بن جحاش في غير هذه القصة. والله أعلم. وقال قتادة ومجاهد وغيرهما : نزلت في قوم من اليهود جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية فهموا بقتله صلى الله عليه وسلم الله منهم. قال القشيري : وقد تنزل الآية في قصة ثم ينزل ذكرها مرة أخرى لادكار ما سبق. { أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ } أي بالسوء. { فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ } أي منعهم.
12- {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}
(6/111)





قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً }
ثلاث مسائل :
الأولى- قال ابن عطية : هذه الآيات المتضمنة الخبر عن نقضهم مواثيق الله تعالى تقوي أن الآية المتقدمة في كف الأيدي إنما كانت في بني النضير ، واختلف أهل التأويل في كيفية بعث هؤلاء النقباء بعد الإجماع على أن النقيب كبير القوم ، القائم بأمورهم الذي ينقب عنها وعن مصالحهم فيها. والنقاب : الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة ؛ ومنه قيل في عمر رضي الله عنه : إنه كان لنقابا. فالنقباء الضمان ، واحدهم نقيب ، وهو شاهد القوم وضمينهم ؛ يقال : نقب عليهم ، وهو حسن النقيبة أي حسن الخليقة. والنقب والنقب الطريق في الجبل. وإنما قيل : نقيب لأنه يعلم دخيلة أمر القوم ، ويعرف مناقبهم وهو الطريق إلى معرفة أمورهم. وقال قوم : النقباء الأمناء على قومهم ؛ وهذا كله قريب بعضه من بعض. والنقيب أكبر مكانة من العريف. قال عطاء بن يسار : حملة القرآن عرفاء أهل الجنة ؛ ذكره الدرامي في مسنده. قال قتادة - رحمه الله وغيره : هؤلاء النقباء قوم كبار من كل سبط ، تكفل كل واحد بسبطه بأن يؤمنوا ويتقوا الله ؛ ونحو هذا كان النقباء ليلة العقبة ؛ بايع فيها سبعون رجلا وامرأتان. فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبعين اثني عشر رجلا ، وسماهم النقباء اقتداء بموسى صلى الله عليه وسلم. وقال الربيع والسدي وغيرهما : إنما بعث النقباء من بني إسرائيل أمناء على الاطلاع على الجبارين والسبر لقوتهم ومنعتهم ؛ فساروا ليختبروا حال من بها ، ويعلموه بما اطلعوه عليه فيها حتى ينظر في الغزو إليهم ؛ فأطلعوا من الجبارين على قوة عظيمة - على ما يأتي - وظنوا أنهم لا قبل لهم بها ؛ فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل ، وأن يعلموا به موسى عليه السلام ، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرفوا قراباتهم ، ومن وثقوه على سرهم ؛ ففشا الخبر حتى أعوج أمر بني إسرائيل فقالوا : { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }
الثانية- ففي الآية دليل على قبول خبر الواحد فيما يفتقر إليه المرء ، ويحتاج إلى اطلاعه من حاجاته الدينية والدنيوية ؛ فتركب عليه الأحكام ، ويرتبط به الحلال والحرام ؛ وقد جاء
(6/112)





أيضا مثله في الإسلام ؛ قال صلى الله عليه وسلم لهوازن : "ارجعوا حتى يرفع إينا عرفاؤكم أمركم" أخرجه البخاري.
الثالثة- وفيها أيضا دليل على اتخاذ الجاسوس. والتجسس : التبحث. وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبسة عينا ؛ أخرجه مسلم. وسيأتي حكم الجاسوس في {الممتحنة} إن شاء الله تعالى. وأما أسماء نقباء بني إسرائيل فقد ذكر أسماءهم محمد بن حبيب في "المحبر" فقال : من سبط روبيل شموع بن ركوب ، ومن سبط شمعون شوقوط بن حوري ، ومن سبط يهوذا كالب بن يوقنا ، ومن سبط الساحر يوغول بن يوسف ، ومن سبط أفراثيم بن يوسف يوشع بن النون ، ومن سبط بنيامين يلظى بن روقو ، ومن سبط ربالون كرابيل بن سودا ومن سبط منشا بن يوسف كدي بن سوشا ، ومن سبط دان عمائيل بن كسل ، ومن سبط شير ستور بن ميخائيل ، ومن سبط نفتال يوحنا بن وقوشا ، ومن سبط كاذ كوال بن موخى ؛ فالمؤمنان منهم يوشع وكالب ، ودعا موسى عليه السلام على الآخرين فهلكوا مسخوطا عليهم ؛ قاله الماوردي. وأما نقباء ليلة العقبة فمذكورون في سيرة ابن إسحاق فلينظروا هناك.
قوله تعالى : { وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ } الآية. قال الربيع بن أنس : قال ذلك للنقباء. وقال غيره : قال ذلك لجميع يني إسرائيل. وكسرت "إِنَّ" لأنها مبتدأة. "مَعَكُمْ" لأنه ظرف ، أي بالنصر والعون. ثم ابتدأ فقال : { لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ } إلى أن قال { لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } أي إن فعلتم ذلك { وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ } واللام في { لَئِنْ } لام توكيد ومعناها القسم ؛ وكذا { لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ } ، { وَلأُدْخِلَنَّكُمْ } . وقيل : المعنى
(6/113)





لئن أقمتم الصلاة لأكفرن عنكم سيئاتكم ، وتضمن شرطا آخر لقوله : { لأُكَفِّرَنَّ } أي إن فعلتم ذلك كفر. وقيل : قوله { لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ } جزاء لقوله : { إِنِّي مَعَكُمْ } وشرط لقوله : { لأُكَفِّرَنَّ } والتعزير : التعظيم والتوقير ؛ وأنشد أبو عبيدة :
وكم من ماجد لهم كريم ... ومن ليث يعزر في الندي
أي يعظم ويوقر. والتعزير : الضرب دون الحد ، والرد ؛ تقول : عزرت فلانا إذا أدبته ورددت عن القبيح. فقوله : {عَزَّرْتُمُوهُمْ} أي رددتم عنهم أعداءهم. { وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } يعني الصدقات ؛ ولم يقل إقراضا ، وهذا مما جاء من المصدر بخلاف المصدر كقوله : { وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً } { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ } وقد تقدم. ثم قيل : { حَسَناً } أي طيبة بها نفوسكم. وقيل : يبتغون بها وجه الله. وقيل : حلالا. وقيل : { قَرْضاً } اسم لا مصدر. { فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ } أي بعد الميثاق. { فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ } أي أخطأ قصد الطريق. والله أعلم.
13- { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }
قوله تعالى : { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ } أي فبنقضهم ميثاقهم ، {ما} زائدة للتوكيد ، عن قتادة وسائر أهل العلم ؛ وذلك أنها تؤكد الكلام بمعنى تمكنه في النفس من جهة حسن النظم ، ومن جهة تكثيره للتوكيد ؛ كما قال :
لشيء ما يسود من يسود
(6/114)





فالتأكيد بعلامة موضوعة كالتأكيد بالتكرير. { لَعَنَّاهُمْ } قال ابن عباس : عذبناهم بالجزية. وقال الحسن ومقاتل : بالمسخ. عطاء : أبعدناهم ؛ واللعن الإبعاد والطرد من الرحمة. { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } أي صلبة لا تعي خيرا ولا تفعله ؛ والقاسية والعاتية بمعنى واحد. وقرأ الكسائي وحمزة : { قَسِيَّة } بتشديد الياء من غير ألف ؛ وهي قراءة ابن مسعود والنخعي ويحيى بن وثاب. والعام القسي الشديد الذي لا مطر فيه. وقيل : هو من الدراهم القسيات أي الفاسدة الرديئة ؛ فمعنى { قَسِيَّة } على هذا ليست بخالصة الإيمان ، أي فيها نفاق. قال النحاس : وهذا قول حسن ؛ لأنه يقال : درهم قسي إذا كان مغشوشا بنحاس أو غيره. يقال : درهم قسي "مخفف السين مشدد الياء" مثال شقي أي زائف ؛ ذكر ذلك أبو عبيد وأنشد :
لها صواهل في صم السلام كما ... صاح القسيات في أيدي الصياريف
يصف وقع المساحي في الحجارة. وقال الأصمعي وأبو عبيد : درهم قسي كأنه معرب قاشي. قال القشيري : وهذا بعيد ؛ لأنه ليس في القرآن ما ليس من لغة العرب ، بل الدرهم القسي من القسوة والشدة أيضا ؛ لأن ما قلت نقرته يقسوا ويصلب. وقرأ الأعمش : { قَسِيَة } بتخفيف الياء على وزن فعلة نحو عمية وشجية ؛ من قسي يقسى لا من قسا يقسو. وقرأ الباقون على وزن فاعلة ؛ وهو اختيار أبي عبيد ؛ وهما لغتان مثل العلية والعالية ، والزكية والزاكية. قال أبو جعفر النحاس : أولى ما فيه أن تكون قسية بمعنى قاسية ، إلا أن فعيلة أبلغ من فاعلة. فالمعنى : جعلنا قلوبهم غليظة نابية عن الإيمان والتوفيق لطاعتي ؛ لأن القوم لم يوصفوا بشيء من الإيمان فتكون قلوبهم موصوفة بأن إيمانها خالطه كفر ، كالدراهم القسية التي خالطها غش. قال الراجز :
قد قسوت وقست لداتي
قوله تعالى : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } أي يتأولونه على غير تأويله ، ويلقون ذلك إلى العوام. وقيل : معناه يبدلون حروفه { يُحَرِّفُونَ } في موضع نصب ، أي جعلنا قلوبهم قاسية محرفين.
(6/115)





وقرأ السلمي والنخعي {الكلام} بالألف وذلك أنهم غيروا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم. { وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } أي نسوا عهد الله الذي أخذه الأنبياء عليهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. ، وبيان نعته. { وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ } أي وأنت يا محمد لا تزال الآن تقف { عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ } والخائنة الخيانة ؛ قال قتادة. وهذا جائز في اللغة ، ويكون مثل قولهم : قائلة بمعنى قيلولة. وقيل : هو نعت لمحذوف والتقدير فرقة خائنة. وقد تقع { خَائِنَةٍ } للواحد كما يقال : رجل نسابة وعلامة ؛ فخائنة على هذا للمبالغة ؛ يقال : رجل خائنة إذا بالغت في وصفه بالخيانة. قال الشاعر :
حدثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغل الإصبع
قال ابن عباس : { عَلَى خَائِنَةٍ } أي معصية. وقيل : كذب وفجور. وكانت خيانتهم نقضهم العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومظاهرتهم المشركين على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كيوم الأحزاب وغير ذلك من همهم بقتله وسبه. { إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ } لم يخونوا فهو استثناء من الهاء والميم اللتين في { خَائِنَةٍ مِنْهُمْ } . { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ } في معناه قولان : فاعف عنهم واصفح ما دام بينك وبينهم عهد وهم أهل الذمة. والقول الآخر إنه منسوخ بآية السيف. وقيل : بقوله عز وجل { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً }
14- { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }
15- { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ }
(6/116)





16- { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
قوله تعالى : { وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ } أي في التوحيد والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هو مكتوب في الإنجيل. { فَنَسُوا حَظّاً } وهو الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام ؛ أي لم يعملوا بما أمروا به ، وجعلوا ذلك الهوى والتحريف سببا للكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. ومعنى { أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ } هو كقولك : أخذت من زيد ثوبه ودرهمه ؛ قاله الأخفش. ورتبة { الَّذِينَ } أن تكون بعد { أَخَذْنَا } وقيل الميثاق ؛ فيكون التقدير : أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم ؛ لأنه في موضع المفعول الثاني لأخذنا. وتقديره عند الكوفيين ومن الذين قالوا إنا نصارى من أخذنا ميثاقه ؛ فالهاء والميم تعودان على {مِنَ} المحذوفة ، وعلى القول الأول تعودان على { الَّذِينَ } . ولا يجيز النحويون أخذنا ميثاقهم من الذين قالوا إنا نصارى ، ولا ألينها لبست من الثياب ؛ لئلا يتقدم مضمر على ظاهر. وفي قولهم : { إِنَّا نَصَارَى } ولم يقل من النصارى دليل على أنهم ابتدعوا النصرانية وتسموا بها ؛ روي معناه عن الحسن.
قوله تعالى : { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ } أي هيجنا. وقيل : ألصقنا بهم ؛ مأخوذ من الغراء وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه. يقال : غري بالشيء يغرى غرا "بفتح الغين" مقصورا وغراء "بكسر الغين" ممدودا إذا أولع به كأنه التصق به. وحكى الرماني : الإغراء تسليط بعضهم على بعض. وقيل : الإغراء التحريش ، وأصله اللصوق ؛ يقال : غريت بالرجل غرا - مقصور وممدود مفتوح الأول - إذ لصقت به. وقال كثير.
إذا قيل مهلا قالت العين بالبكا ... غراء ومدتها حوافل نهل
(6/117)





وأغريت زيدا بكذا حتى غري به ؛ ومنه الغراء الذي يغري به للصوقه ؛ فالإغراء بالشيء الإلصاق به من جهة التسليط عليه. وأغريت الكلب أي أولعته بالصيد. { بَيْنَهُمْ } ظرف للعداوة. { وَالْبَغْضَاءَ } البغض. أشار بهذا إلى اليهود والنصارى لتقدم ذكرهما. عن السدي وقتادة : بعضهم لبعض عدو. وقيل : أشار إلى افتراق النصارى خاصة ؛ قاله الربيع بن أنس ، لأنهم أقرب مذكور ؛ وذلك أنهم افترقوا إلى اليعاقبة والنسطورية والملكانية ؛ أي كفر بعضهم بعضا. قال النحاس : ومن أحسن ما قيل في معنى { أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ } أن الله عز وجل أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم ، فكل فرقة مأمُورة بعداوة صاحبتها وإبغاضها لأنهم كفار. وقوله : { وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ } تهديد لهم ؛ أي سيلقون جزاء نقض الميثاق.
قوله تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ } الكتاب اسم جنس بمعنى الكتب ؛ فجميعهم مخاطبون. { قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا } محمد صلى الله عليه وسلم. { يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ } أي من كتبكم ؛ من الإيمان به ، ومن آية الرجم ، ومن قصة أصحاب السبت الذين مسخوا قردة ؛ فإنهم كانوا يخفونها. { وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } أي يتركه ولا يبينه ، وإنما يبين ما فيه حجة على نبوته ، ودلالة على صدقه وشهادة برسالته ، ويترك ما لم يكن به حاجة إلى تبيينه. وقيل : { وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } يعني يتجاوز عن كثير فلا يخبركم به. وذكر أن رجلا من أحبارهم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : يا هذا عفوت عنا ؟ فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين ؛ وإنما أراد اليهودي أن يظهر مناقضة كلامه ، فلما لم يبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من عنده فذهب وقال لأصحابه : أرى أنه صادق فيما يقول : لأنه كان وجد في كتابه أنه لا يبين له ما سأله عنه. { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ } أي ضياء ؛ قيل : الإسلام. وقيل : محمد عليه السلام ؛ عن الزجاج. { وَكِتَابٌ مُبِينٌ } أي القرآن ؛ فإنه يبين الأحكام ، وقد تقدم. { يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ } أي ما رضيه الله. { سُبُلَ السَّلامِ } طرق السلامة الموصلة إلى دار السلام المنزهة عن كل آفة ، والمؤمنة من كل مخافة ؛ وهي الجنة. وقال الحسن والسدي : { السَّلامِ } الله عز وجل ؛ فالمعنى دين الله - وهو الإسلام - كما قال : { إِنَّ الدِّينَ
(6/118)





عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ } { وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } أي من ظلمات الكفر والجهالات إلى نور الإسلام والهدايات. { بِإِذْنِهِ } أي بتوفيق وإرادته.
17- { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
قوله تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } تقدم في آخر { النِّسَاءَ } بيانه والقول فيه. وكفر النصارى في دلالة هذا الكلام إنما كان بقولهم : إن الله هو المسيح ابن مريم على جهة الدينونة به ؛ لأنهم لو قالوه على جهة الحكاية منكرين له لم يكفروا. { قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } أي من أمر الله. و { يَمْلِكُ } بمعنى يقدر ؛ من قولهم ملكت على فلان أمره أي اقتدرت عليه. أي فمن يقدر أن يمنع من ذلك شيئا ؟ فأعلم الله تعالى أن المسيح لو كان إلها لقدر على دفع ما ينزل به أو بغيره ، وقد أمات أمه ولم يتمكن من دفع الموت عنها ؛ فلو أهلكه هو أيضا فمن يدفعه عن ذلك أو يرده. { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } والمسيح وأمه بينهما مخلوقان محدودان محصوران ، وما أحاط به الحد والنهاية لا يصلح للإلهية. وقال { وَمَا بَيْنَهُمَا } ولم يقل وما بينهن ؛ لأنه أراد النوعين والصنفين كما قال الراعي :
طرقا فتلك هماهمي أقربهما ... قلصا لواقح كالقصي وحولا
فقال : "طرقا" ثم قال : "فتلك هماهمي" { يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } عيسى من أم بلا أب آية لعباده.
(6/119)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: