فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن الخميس 21 أبريل - 1:45 | |
| فيه تسع مسائل : الأولى : قوله تعالى : {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ} أي لأصرفنهم عن طريق الهدى. {وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} أي لأسولن لهم ، من التمني ، وهذا لا ينحصر إلى واحد من الأمنية ، لأن كل واحد في نفسه إنما يمنيه بقدر رغبته وقرائن حاله. وقيل : لأمنينهم طول الحياة الخير والتوبة والمعرفة مع الإصرار. {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ} البتك القطع ، ومنه سيف باتك. أي أحملهم على قطع آذان البحيرة والسائبة ونحوه. يقال : بتكه وبتكه ، "مخففا ومشددا " وفي يده قطعة ، والجمع بتك ، قال زهير : طارت وفي كفه من ريشها بتك الثانية : قوله تعالى : {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} اللامات كلها للقسم. واختلف العلماء في هذا التغيير إلى ماذا يرجع ، فقالت طائفة : هو الخصاء وفقء الأعين وقطع الآذان ، قال معناه ابن عباس وأنس وعكرمة وأبو صالح. وذلك كله تعذيب ، للحيوان ، وتحريم وتحليل بالطغيان ، وقول بغير حجة ولا برهان. والآذان في الأنعام جمال ومنفعة ، وكذلك غيرها من الأعضاء ، فلذلك رأى الشيطان أن يغير بها خلق الله تعالى. وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي : "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وأن الشياطين أتتهم فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وأمرتهم أن يغيروا خلقي " . الحديث ، أخرجه القاضي إسماعيل ومسلم أيضا. وروى إسماعيل قال : حدثنا أبو الوليد وسليمان بن حرب قالا حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن أبيه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قشف الهيئة ، قال : "هل لك من مال " ؟ قال قلت : نعم. قال "من أي المال " ؟ قلت : من كل المال ، من الخيل والإبل والرقيق - قال أبو الوليد : والغنم - قال : "فإذا أتاك الله مالا فلير عليك أثره " ثم قال : "هل تنتج إبل قومك صحاحا (5/389) آذانها فتعمد إلى موسى فتشق آذانها وتقول هذه بمر وتشق جلودها وتقول هذه صرم لتحرمها عليك وعلى أهلك " ؟ قال : قلت أجل. قال : "وكل ما آتاك الله حل وموسى الله أحد من موسك ، وساعد الله أشد من ساعدك". قال قلت : يا رسول الله ، أرأيت رجلا نزلت به فلم يقرني ثم نزل بي أفأقريه أم أكافئه ؟ فقال : "بل أقره ". الثالثة : ولما كان هذا من فعل الشيطان وأثره أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء " أخرجه أبو داود عن علي قال : أمرنا ؛ فذكره. المقابلة : المقطوعة طرف الأذن. والمدابرة المقطوعة مؤخر الأذن. والشرقاء : مشقوقة الأذن. والخرقاء التي تخرق أذنها السمة. والعيب في الأذن مراعى عند جماعة العلماء. قال مالك والليث : المقطوعة الأذن أو جل الأذن لا تجزئ ، والشق للميسم يجزئ ، وهو قول الشافعي وجماعة الفقهاء. فإن كانت سكاء ، وهى التي خلقت بلا أذن فقال مالك والشافعي : لا تجوز. وإن كانت صغيرة الأذن أجزأت ، وروي عن أبي حنيفة مثل ذلك. الرابعة : وأما خصاء البهائم فرخص فيه جماعة من أهل العلم إذا قصدت فيه المنفعة إما لسمن أو غيره. والجمهور من العلماء وجماعتهم على أنه لا بأس أن يضحي بالخصي ، واستحسنه بعضهم إذا كان أسمن من غيره. ورخص في خصاء الخيل عمر بن عبدالعزيز. وخصى عروة بن الزبير بغلا له. ورخص مالك في خصاء ذكور الغنم ، وإنما جاز ذلك لأنه لا يقصد به تعليق الحيوان بالدين لصنم يعبد ، ولا لرب يوحد. وإنما يقصد به تطييب اللحم فيما يؤكل ، وتقوية الذكر إذا انقطع أمله عن الأنثى. ومنهم من كره ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون " . واختاره ابن المنذر وقال : لأن ذلك (5/390) ثابت عن ابن عمر ، وكان يقول : هو نماء خلق الله ؛ وكره ذلك عبدالملك بن مروان. وقال الأوزاعي : كانوا يكرهون خصاء كل شيء له نسل. وقال ابن المنذر : وفيه حديثان : أحدهما عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خصاء الغنم والبقر والإبل والخيل . والآخر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صبر الروح وخصاء البهائم . والذي في الموطأ من هذا الباب ما ذكره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره الإخصاء ويقول : فيه تمام الخلق. قال أبو عمر : يعني في ترك الإخصاء تمام الخلق ، وروي نماء الخلق. قلت : أسنده أبو محمد عبدالغني من حديث عمر بن إسماعيل عن نافع عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تخصوا ما ينمي خلق الله " . رواه عن الدارقطني شيخه ، قال : حدثنا أبو عبدالله المعدل حدثنا عباس بن محمد حدثنا أبو مالك النخعي عن عمر بن إسماعيل ، فذكره. قال الدارقطني : ورواه عبدالصمد بن النعمان عن أبي مالك. الخامسة : وأما الخصاء في الآدمي فمصيبة ، فإنه إذا خصي بطل قلبه وقوته ، عكس الحيوان ، وانقطع نسله المأمور به في قوله عليه السلام : "تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم " ثم إن فيه ألما عظيما ربما يفضي بصاحبه إلى الهلاك ، فيكون فيه تضييع مال وإذهاب نفس ، وكل ذلك منهي عنه. ثم هذه مثلة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة ، وهو صحيح. وقد كره جماعة من فقهاء الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم وقالوا : لو لم يشتروا منهم لم يخصوا. ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز ؛ لأنه مثلة وتغيير لخلق الله تعالى ، وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود ، قاله أبو عمر. السادسة : وإذا تقرر هذا فاعلم أن الوسم والإشعار مستثنى من نهيه عليه السلام عن شريطة الشيطان ، وهي ما قدمناه من نهيه عن تعذيب الحيوان بالنار ، والوسم : الكي بالنار وأصله العلامة ، يقال : وسم الشيء يسمه إذا علمه بعلامة يعرف بها ، ومنه قوله تعالى : {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} . فالسيما العلامة والميسم المكواة. وثبت في صحيح مسلم عن أنس (5/391) قال : رأيت في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الميسم وهو يسم إبل الصدقة والفيء وغير ذلك حتى يعرف كل مال فيؤدى في حقه ، ولا يتجاوز به إلى غيره. السابعة : والوسم جائز في كل الأعضاء غير الوجه ، لما رواه جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه ، أخرجه مسلم. وإنما كان ذلك لشرفه على الأعضاء ، إذ هو مقر الحسن والجمال ، ولأن به قوام الحيوان ، وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يضرب عبده فقال : "اتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته " . أي على صورة المضروب ؛ أي وجه هذا المضروب يشبه وجه آدم ، فينبغي أن يحترم لشبهه. وهذا أحسن ما قيل في تأويله والله أعلم. وقالت طائفة : الإشارة بالتغيير إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن ؛ قال ابن مسعود والحسن. ومن ذلك الحديث الصحيح عن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله " الحديث أخرجه مسلم ، وسيأتي بكماله في الحشر إن شاء الله تعالى. والوشم يكون في اليدين ، وهو أن يغرز ظهر كف المرأة ومعصمها بإبرة ثم يحشى بالكحل أو بالنئور فيخضر. وقد وشمت تشم وشما فهي واشمة. والمستوشمة التي يفعل ذلك بها ؛ قال الهروي. وقال ابن العربي : ورجال صقلية وإفريقية يفعلونه ؛ ليدل كل واحد منهم على رجلته في حداثته. قال القاضي عياض : ووقع في رواية الهروي - أحد رواة مسلم - مكان "الواشمة والمستوشمة ""الواشية والمستوشية ""بالياء مكان الميم " وهو من الوشي وهو التزين ؛ وأصل الوشي نسج الثوب على لونين ، وثور موشى في وجهه وقوائمه سواد ؛ أي تشي المرأة نفسها بما تفعله فيها من التنميص والتفليج والأشر. والمتنمصات جمع متنمصة وهي التي تقلع الشعر من وجهها بالمنماص ، وهو الذي يقول الشعر ؛ ويقال لها النامصة. ابن العربي : وأهل مصر ينتفون شعر العانة وهو منه ؛ فإن السنة حلق العانة ونتف الإبط ، فأما نتف الفرج فإنه يرخيه ويؤذيه ، ويبطل كثيرا من المنفعة (5/392) فيه. والمتفلجات جمع متفلجة ، وهي التي تفعل الفلج في أسنانها ؛ أي تعانيه حتى ترجع المصمتة الأسنان خلقة فلجاء صنعة. وفي غير كتاب مسلم : "الواشرات" ، وهي جمع واشرة ، وهي التي تشر أسنانها ؛ أي تصنع فيها أشرا ، وهي التحزيزات التي تكون في أسنان الشبان ؛ تفعل ذلك المرأة الكبيرة تشبها بالشابة. وهذه الأمور كلها قد شهدت الأحاديث بلعن فاعلها وأنها من الكبائر. واختلف في المعنى الذي نهي لأجلها ؛ فقيل : لأنها من باب التدليس. وقيل : من باب تغيير خلق الله تعالى ؛ كما قال ابن مسعود ، وهو أصح ، وهو يتضمن المعنى الأول. ثم قيل : هذا المنهي عنه إنما هو فيما يكون باقيا ؛ لأنه من باب تغيير خلق الله تعالى ، فأما ما لا يكون باقيا كالكحل والتزين به للنساء فقد أجاز العلماء ذلك مالك وغيره. وكرهه مالك للرجال. وأجاز مالك أيضا أن تشي المرأة يديها بالحناء. وروي عن عمر إنكار ذلك وقال : إما أن تخضب يديها كلها وإما أن تدع ، وأنكر مالك هذه الرواية عن عمر ، ولا تدع الخضاب بالحناء ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة لا تختضب قال : "لا تدع إحداكن يدها كأنها يد رجل" فما زالت تختضب وقد جاوزت التسعين حتى ماتت. قال القاضي عياض : وجاء حديث بالنهي عن تسويد الحناء ، ذكره صاحب المصابيح ولا تتعطل ، ويكون في عنقها قلادة من سير في خرز ، فإنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها : "إنه لا ينبغي أن تكوني بغير قلادة إما بخيط وإما بسير" . وقال أنس : يستحب للمرأة أن تعلق في عنقها في الصلاة ولو سيرا. قال أبو جعفر الطبري : في حديث ابن مسعود دليل على أنه لا يجوز تغيير شيء من خلقها الذي خلقها الله عليه بزيادة أو نقصان ، التماس الحسن لزوج أو غيره ، سواء فلجت أسنانها أو وشرتها ، أو كان لها سن زائدة فأزالتها أو أسنان طوال فقطعت أطرافها. وكذا لا يجوز لها حلق لحية أو شارب أو عنفقة إن نبتت لها ؛ لأن كل ذلك تغيير خلق الله. قال عياض : ويأتي على ما ذكره أن من خلق بأصبع زائدة أو عضو زائد لا يجوز له قطعه ولا نزعه ؛ لأنه من تغيير خلق الله تعالى : إلا أن تكون هذه الزوائد تؤلمه فلا بأس بنزعها عند أبي جعفر وغيره. (5/393) الثامنة : قلت : ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم : "لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة " أخرجه مسلم. فنهى صلى الله عليه وسلم عن وصل المرأة شعرها ؛ وهو أن يضاف إليه شعر آخر يكثر به ، والواصلة هي التي تفعل ذلك ، والمستوصلة هي التي تستدعي من يفعل ذلك بها. مسلم عن جابر قال : زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة بشعرها شيئا. وخرج عن أسماء بنت أبي بكر قالت : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن لي ابنة عريسا أصابتها حصبة فتمرق شعرها أفأصله ؟ فقال : "لعن الله الواصلة والمستوصلة " . وهذا كله نص في تحريم وصل الشعر ، وبه قال مالك وجماعه العلماء. ومنعوا الوصل بكل شيء من الصوف والخرق وغير ذلك ؛ لأنه في معنى وصله بالشعر. وشذ الليث بن سعد فأجاز وصله بالصوف والخرق وما ليس بشعر ؛ وهذا أشبه بمذهب أهل الظاهر. وأباح آخرون وضع الشعر على الرأس وقالوا : إنما جاء النهي عن الوصل خاصة ، وهذه ظاهرية محضة وإعراض عن المعنى. وشذ قوم فأجازوا الوصل مطلقا ، وهو قول باطل قطعا ترده الأحاديث. وقد روي عن عائشة رضي الله عنها ولم يصح. وروي عن ابن سيرين أنه سأل رجل فقال : إن أمي كانت تمشط النساء ، أتراني آكل من مالها ؟ فقال : إن كانت تصل فلا. ولا يدخل في النهي ما ربط منه بخيوط الحرير الملونة على وجه الزينة والتجميل ، والله أعلم. التاسعة : وقالت طائفة : المراد بالتغيير لخلق الله هو أن الله تعالى خلق الشمس والقمر والأحجار والنار وغيرها من المخلوقات ؛ ليعتبر بها وينتفع بها ، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة. قال الزجاج : إن الله تعالى خلق الأنعام لتركب وتؤكل فحرموها على أنفسهم ، وجعل الشمس والقمر والحجارة مسخرة للناس فجعلوها آلهة يعبدونها ، فقد غيروا ما خلق الله. وقاله جماعة من أهل التفسير : مجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة. وروي عن ابن عباس {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} دين الله ؛ وقال النخعي ، واختاره الطبري قال : وإذا كان ذلك معناه (5/394) دخل فيه فعل كل ما نهى الله عنه من خصاء ووشم وغير ذلك من المعاصي ؛ لأن الشيطان يدعو إلى جميع المعاصي ؛ أي فليغيرن ما خلق الله في دينه. وقال مجاهد أيضا : {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} فطرة الله التي فطر الناس عليها ؛ يعني أنهم ولدوا على الإسلام فأمرهم الشيطان بتغييره ، وهو معنى قوله عليه السلام : "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " . فيرجع معنى الخلق إلى ما أوجده فيهم يوم الذر من الإيمان به في قوله تعالى : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} . قال ابن العربي : روي عن طاوس أنه كان لا يحضر نكاح سوداء بأبيض ولا بيضاء بأسود ويقول : هذا من قول الله {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} . قال القاضي : وهذا وإن كان يحتمله اللفظ فهو مخصوص بما أنفذه النبي صلى الله عليه وسلم من نكاح مولاه زيد وكان أبيض ؛ بظئره بركة الحبشية أم أسامة وكان أسود من أبيض ، وهذا مما خفي على طاوس مع علمه. قلت : ثم أنكح أسامة فاطمة بنت قيس وكانت بيضاء قرشية. وقد كانت تحت بلال أخت عبدالرحمن بن عوف زهرية. وهذا أيضا يخص وقد خفي عليهما. قوله تعالى : {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي يطيعه ويدع أمر الله. {فَقَدْ خَسِرَ} أي نقص نفسه وغبنها بأن أعطى الشيطان حق الله تعالى فيه وتركه من أجله. 120- {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} 121- {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً} 122- {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} قوله تعالى : {يَعِدُهُمْ} المعنى يعدهم أباطيله وترهاته من المال والجاه والرياسة ، وأن لا بعث ولا عقاب ، ويوهمهم الفقر حتى لا ينفقوا في الخير {وَيُمَنِّيهِمْ} كذلك {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} أي خديعة. قال ابن عرفة : الغرور ما رأيت له ظاهرا تحبه وفيه (5/395) باطن مكروه أو مجهول. والشيطان غرور ؛ لأنه يحمل على محاب النفس ، ووراء ذلك ما يسوء. {أُولَئِكَ} ابتداء {مَأْوَاهُمْ} ابتداء ثان {جَهَنَّمُ} خبر الثاني والجملة خبر الأول. و {مَحِيصاً} ملجأ ، والفعل منه حاص يحيص. {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} ابتداء وخبر."قيلاً" على البيان ؛ قال قيلا وقولا وقالا ، بمعنى أي لا أحد أصدق من الله. وقد مضى الكلام على ما تضمنته هذه الآي من المعاني والحمد لله. 123- {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} قوله تعالى : {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} وقرأ أبو جعفر المدني {لَيْسَ بِأَمَانِيِكُمْ وَلا أَمَانِيِ أَهْلِ الْكِتَابِ} بتخفيف الياء فيها جميعا. ومن أحسن ما روي في نزولها ما رواه الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال : قالت اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان منا. وقالت قريش : ليس نبعث ، فأنزل الله {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} . وقال قتادة والسدي : تفاخر المؤمنون وأهل الكتاب فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم ونحن أحق بالله منكم. وقال المؤمنون : نبينا خاتم النبيين وكتابنا يقضي على سائر الكتب ، فنزلت الآية. قوله تعالى : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} السوء ههنا الشرك ، قال الحسن : هذه الآية في الكافر ، وقرأ {وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورَ} . وعنه أيضا {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} قال : ذلك لمن أراد الله هوانه ، فأما من أراد كرامته فلا ، قد ذكر الله قوما فقال : {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} . وقال الضحاك : يعني اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب. وقال الجمهور : لفظ الآية عام ، والكافر والمؤمن مجازى بعمله السوء ، فأما مجازاة الكافر فالنار ؛ لأن كفره أوبقه ، وأما المؤمن فبنكبات الدنيا ، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة (5/396) قال : لما نزلت {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} بلغت من المسلمين مبلغا شديدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قاربوا وسددوا ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها والشوكة يشاكها " . وخرج الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول ، في الفصل الخامس والتسعين " حدثنا إبراهيم بن المستمر الهذلي قال حدثنا عبدالرحمن بن سليم بن حيان أبو زيد قال : سمعت أبي يذكر عن أبيه قال صحبت ابن عمر من مكة إلى المدينة فقال لنافع : لا تمر بي على المصلوب ؛ يعني ابن الزبير ، قال : فما فجئه في جوف الليل أن صك محمله جذعه ؛ فجلس فمسح عينيه ثم قال : يرحمك الله أبا خبيب أن كنت وأن كنت ! ولقد سمعت أباك الزبير يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يعمل سوءا يجز به في الدنيا أو في الآخرة " فإن يك هذا بذاك فهيه. قال الترمذي أبو عبدالله : فأما في التنزيل فقد أجمله فقال : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} فدخل فيه البر والفاجر والعدو والولي والمؤمن والكافر ؛ ثم ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين الموطنين فقال : "يجز به في الدنيا أو في الآخرة " وليس يجمع عليه الجزاء في الموطنين ؛ ألا ترى أن ابن عمر قال : فإن يك هذا بذاك فهيه ؛ معناه أنه قاتل في حرم الله وأحدث فيه حدثا عظيما حتى أحرق البيت ورمي الحجر الأسود بالمنجنيق فانصدع حتى ضبب بالفضة فهو إلى يومنا هذا كذلك ، وسمع للبيت أنينا : آه آه ! فلما رأى ابن عمر فعله ثم رآه مقتولا مصلوبا ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من يعمل سوءا يجز به " . ثم قال : إن يك هذا القتل بذاك الذي فعله فهيه ؛ أي كأنه جوزي بذلك السوء هذا القتل والصلب. رحمه الله ! ثم ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بين الفريقين ؛ حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا محمد بن مسلم عن يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد الليثي قال : لما نزلت {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : ما هذه بمبقية منا ؛ قال : "يا أبا بكر إنما يجزى المؤمن بها في الدنيا ويجزى بها الكافر يوم القيامة " . حدثنا الجارود قال حدثنا وكيع وأبو معاوية وعبدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بكر (5/397) بن أبي زهير الثقفي قال : لما نزلت {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} قال أبو بكر : كيف الصلاح يا رسول الله مع هذا ؟ كل شيء عملناه جزينا به ، فقال : "غفر الله لك يا أبا بكر ألست تنصب ، ألست تحزن ، الست تصيبك اللأواء ؟ . قال : بلى. قال "فذلك مما تجزون به " ففسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أجمله التنزيل من قوله : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} . وروى الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنها لما نزلت قال له النبي صلى الله عليه وسلم : "أما أنت يا أبا بكر والمؤمنون فتجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله وليس لكم ذنوب وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة " . قال : حديث غريب : وفي إسناده مقال : وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل. ومولى بن سباع مجهول ، وقد روي هذا من غير وجه عن أبي بكر وليس له إسناد صحيح أيضا ؛ وفي الباب عن عائشة. قلت : خرجه إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أمه أنها سألت عائشة عن هذه الآية {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ} وعن هذه الآية {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} فقالت عائشة : ما سألني أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ؛ فقال : "يا عائشة ، هذه مبايعة الله بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفزع فيجدها في عيبته ، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر من الكير ". واسم "ليس "مضمر فيها في جميع هذه الأقوال ؛ والتقدير : ليس الكائن من أموركم ما تتمنونه ، بل من يعمل سوءا يجز به. وقيل : المعنى ليس ثواب الله بأمانيكم إذ قد تقدم {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات} . قوله تعالى : {وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} يعني المشركين ؛ لقوله تعالى : {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} . وقيل : {مَنْ يَعْمَلْ (5/398) سُوءاً يُجْزَ بِهِ} إلا أن يتوب. وقراءة الجماعة {وَلا يَجِدْ لَهُ} بالجزم عطفا على {يُجْزَ بِهِ} . وروى ابن بكار عن ابن عامر {وَلا يَجِدُ لَهُ} بالرفع استئنافا. فإن حملت الآية على الكافر فليس له غدا ولي ولا نصير. وإن حملت على المؤمن فليس له ولي ولا نصير دون الله. 124- {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} شرط الإيمان لأن المشركين أدلوا بخدمة الكعبة وإطعام الحجيج وقرى الأضياف ، وأهل الكتاب بسبقهم ، وقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه ؛ فبين تعالى أن الأعمال الحسنة لا تقبل من غير إيمان. وقرأ "يدخلون الجنة "الشيخان أبو عمرو وابن كثير "بضم الياء وفتح الخاء " على ما لم يسم فاعله. الباقون بفتح الياء وضم الخاء ؛ يعني يدخلون الجنة بأعمالهم. وقد مضى ذكر النقير وهي النكتة في ظهر النواة. 125- {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } قوله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} فضل دين الإسلام على سائر الأديان و {أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} معناه أخلص دينه لله وخضع له وتوجه إليه بالعبادة. قال ابن عباس : أراد أبا بكر الصديق رضي الله عنه. وانتصب {دِيناً} على البيان. {وَهُوَ مُحْسِنٌ} ابتداء وخبر في موضع الحال ، أي موحد فلا يدخل فيه أهل الكتاب ؛ لأنهم تركوا الإيمان بمحمد عليه السلام. والملة الدين ، والحنيف المسلم وقد تقدم. (5/399) قوله تعالى : {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} قال ثعلب : إنما سمي الخليل خليلا لأن محبته تتخلل القلب فلا تدع فيه خللا إلا ملأته ؛ وأنشد قول بشار : قد تخللت مسلك الروح مني ... وبه سمي الخليل خليلا وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم وقيل : هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب ، وإبراهيم كان محبا لله وكان محبوبا لله. وقيل : الخليل من الاختصاص فالله عز وجل أعلم اختص إبراهيم في وقته للرسالة. واختار هذا النحاس قال : والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم "وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا " يعني نفسه. وقال صلى الله عليه وسلم : "لو كنت متخذا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا " أي لو كنت مختصا أحدا بشيء لاختصصت أبا بكر. رضي الله عنه. وفي هذا رد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم اختص بعض أصحابه بشيء من الدين. وقيل : الخليل المحتاج ؛ فإبراهيم خليل الله معنى أنه فقير محتاج إلى الله تعالى ؛ كأنه الذي به الاختلال. وقال زهير يمدح هرم بن سنان : وإن أتاه خليل يوم مسغبة ... يقول لا غالب مالي ولا حرم أي لا ممنوع. قال الزجاج : ومعنى الخليل : الذي ليس في محبته خلل ؛ فجائز أن يكون سمي خليلا لله بأنه الذي أحبه واصطفاه محبة تامة. وجائز أن يسمى خليل الله أي فقيرا إلى الله تعالى ؛ لأنه لم يجعل فقره ولا فاقته إلا إلى الله تعالى مخلصا في ذلك. والاختلال الفقر ؛ فروي أنه لما رمي بالمنجنيق وصار في الهواء أتاه جبريل عليه السلام فقال : ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا. فخلق الله تعالى لإبراهيم نصرته إياه. وقيل : سمي بذلك بسبب أنه مضى إلى خليل له بمصر ، وقيل : بالموصل ليمتار من عنده طعاما فلم يجد صاحبه ، فملأ غرائره رملا وراح به إلى أهله فحطه ونام ؛ ففتحه أهله فوجدوه دقيقا فصنعوا له منه ، فلما قدموه إليه قال : من أين لكم هذا ؟ قالوا : من الذي جئت به من عند خليلك المصري ؛ فقال : هو من عند خليلي ؛ يعني الله تعالى ؛ فسمي خليل الله بذلك. وقيل : إنه أضاف رؤساء الكفار وأهدى لهم هدايا وأحسن إليهم فقالوا له : ما حاجتك ؟ قال : حاجتي أن تسجدوا (5/400) سجدة ؛ فسجدوا فدعا الله تعالى وقال : اللهم إني قد فعلت ما أمكنني فافعل اللهم ما أنت أهل لذلك ؛ فوفقهم الله تعالى للإسلام فاتخذه الله خليلا لذلك. ويقال : لما دخلت عليه الملائكة بشبه الآدميين وجاء بعجل سمين فلم يأكلوا منه وقالوا : إنا لا نأكل شيئا بغير ثمن فقال لهم : أعطوا ثمنه وكلوا ، قالوا : وما ثمنه ؟ قال : أن تقولوا في أوله باسم الله وفي آخره الحمد لله ، فقالوا فيما بينهم : حق على الله أن يتخذه خليلا ؛ فاتخذه الله خليلا. وروى جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اتخذ الله إبراهيم خليلا لإطعامه الطعام وإفشائه السلام وصلاته بالليل والناس نيام " . وروى عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا " ؟ قال : لإطعامه الطعام يا محمد . وقيل : معنى الخليل الذي يوالي في الله ويعادي في الله. والخلة بين الآدميين الصداقة ؛ مشتقة من تخلل الأسراء بين المتخالين. وقيل : هي من الخلة فكل واحد من الخليلين يسد خلة صاحبه. وفي مصنف أبي داود عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " . ولقد أحسن من قال : من لم تكن في الله خلته ... فخليله منه على خطر آخر : إذا ما كنت متخذا خليلا ... فلا تثقن بكل أخي إخاء فإن خيرت بينهم فألصق ... بأهل العقل منهم والحياء فإن العقل ليس له إذا ما ... تفاضلت الفضائل من كفاء وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه : أخلاء الرجال هم كثير ... ولكن في البلاء هم قليل فلا تغررك خلة من تؤاخي ... فمالك عند نائبة خليل وكل أخ يقول أنا وفي ... ولكن ليس يفعل ما يقول سوى خل له حسب ودين ... فذاك لما يقول هو الفعول (5/401) 126- {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} قوله تعالى : {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي ملكا واختراعا. والمعنى إنه اتخذ إبراهيم خليلا بحسن طاعته لا لحاجته إلى مخالته ولا للتكثير به والاعتضاد ؛ وكيف وله ما في السموات وما في الأرض ؟ وإنما أكرمه لامتثاله لأمره. قوله تعالى : {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} أي أحاط علمه بكل الأشياء. 127- {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً} نزلت بسبب سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء وأحكامهن في الميراث وغير ذلك ؛ فأمر الله نبيه عليه السلام أن يقول لهم : الله يفتيكم فيهن ؛ أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه. وهذه الآية رجوع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء ، وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها فسألوا فقيل لهم : إن الله يفتيكم فيهن. روى أشهب عن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل فلا يجيب حتى ينزل عليه الوحي ، وذلك في كتاب الله {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} . {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} . و {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} . {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} . قوله تعالى : {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} "ما" في موضع رفع ، عطف على اسم الله تعالى. والمعنى : والقرآن يفتيكم فيهن ، وهو قوله : {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وقد تقدم. وقوله تعالى : {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} أي وترغبون عن أن تنكحوهن ، ثم حذفت "عن". (5/402)
| |
|