منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 23 فبراير - 22:00



الآية : 137 {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}
هذا تسلية من الله تعالى للمؤمنين ، والسنن جمع سنة وهي الطريق المستقيم. وفلان على السنة أي على طريق الاستواء لا يميل إلى شيء من الأهواء ، قال الهذلي :
فلا تجزعن من سنة أنت سرتها ... فأول راض سنة من يسيرها
والسنة : الإمام المتبع المؤتم به ، يقال : سن فلان سنة حسنة وسيئة إذا عمل عملا اقتدي به فيه من خير أو شر ، قال لبيد :
من معشر سنت لهم آباؤهم ... ولكل قوم سنة وإمامها
والسنة الأمة ، والسنن الأمم ؛ عن المفضل. وأنشد :
ما عاين الناس من فضل كفضلهم ... ولا رأوا مثلهم في سالف السنن
وقال الزجاج : والمعنى أهل سنن ، فحذف المضاف. وقال أبو زيد : أمثال. عطاء : شرائع. مجاهد : المعنى {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} يعني بالهلاك فيمن كذب قبلكم كعاد وثمود. والعاقبة : آخر الأمر ، وهذا في يوم أحد. يقول فأنا أمهلهم وأملي لهم وأستدرجهم حتى يبلغ الكتاب أجله ، يعني بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وهلاك أعدائهم الكافرين.
الآية : 138 {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}
يعني القرآن ، عن الحسن وغيره. وقيل : هذا إشارة إلى قوله : {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} . والموعظة الوعظ. وقد تقدم.
الآية : 139 {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
عزاهم وسلاهم بما نالهم يوم أحد من القتل والجراح ، وحثهم على قتال عدوهم ونهاهم عن العجز والفشل فقال {وَلا تَهِنُوا} أي لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب محمد عن جهاد أعدائكم لما
(4/216)
________________________________________
أصابكم. {وَلا تَحْزَنُوا} على ظهورهم ، ولا على ما أصابكم من الهزيمة والمصيبة. { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} أي لكم تكون العاقبة بالنصر والظفر {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي بصدق وَعْدِي. وقيل : "إن" بمعنى "إذ". قال ابن عباس : انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فبينا هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل من المشركين ، يريد أن يعلو عليهم الجبل ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم لا يعلُنّ علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر" . فأنزل الله هذه الآيات. وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم ؛ فذلك قوله تعالى : {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} يعني الغالبين على الأعداء بعد أحد. فلم يخرجوا بعد ذلك عسكرا إلا ظفروا في كل عسكر كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي كل عسكر كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيه واحد من الصحابة كان الظفر لهم ، وهذه البلدان كلها إنما افتتحت على عهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم بعد انقراضهم ما افتتحت بلدة على الوجه كما كانوا يفتتحون في ذلك الوقت. وفي هذه الآية بيان فضل هذه الأمة ؛ لأنه خاطبهم بما خاطب به أنبياءه ؛ لأنه قال لموسى : {إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى} [طه : 68] وقال لهذه الأمة : { وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} . وهذه اللفظة مشتقة من اسمه الأعلى فهو سبحانه العلي ، وقال للمؤمنين : {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} .
الآية : 140 {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}
قوله تعالى : {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} القرح الجرح. والضم والفتح فيه لغتان عن الكسائي والأخفش ؛ مثل عَقْر وعُقْر. الفراء : هو بالفتح الجُرح ، وبالضم ألَمُه. والمعنى : إن يمسسكم يوم أحد قرح فقد مس القوم يوم بدر قرح مثله. وقرأ محمد بن السميقع "قرح" بفتح
(4/217)
________________________________________
القاف والراء على المصدر. {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} قيل : هذا في الحرب ، تكون مرة للمؤمنين لينصر الله عز وجل دينه ، ومرة للكافرين إذا عصى المؤمنون ليبتليهم ويمحص ذنوبهم ؛ فأما إذا لم يعصوا فإن حزب الله هم الغالبون. وقيل : {نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} من فرح وغم وصحة وسقم وغنى وفقر. والدُّولَة الكرة ؛ قال الشاعر :
فيوم لنا ويوم علينا ... ويوم نساء ويوم نسر
قوله تعالى : {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} معناه ، وإنما كانت هذه المداولة ليُرى المؤمن من المنافق فيميز بعضهم من بعض ؛ كما قال : {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ. وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} " [آل عمران : 166 - 167]. وقيل : ليعلم صبر المؤمنين ، العلم الذي يقع عليه الجزاء كما علمه غيبا قبل أن كلفهم. وقد تقدم في "البقرة" هذا المعنى.
الأولى : -قوله تعالى : {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} أي يكرمكم بالشهادة ؛ أي ليُقتل قوم فيكونوا شهداء على الناس بأعمالهم. وقيل : لهذا قيل شهيد : وقيل : سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة وقيل : سمي شهيدا لأن أرواحهم احتضرت دار السلام ، لأنهم أحياء عند ربهم ، وأرواح غيرهم لا تصل إلى الجنة ؛ فالشهيد بمعنى الشاهد أي الحاضر للجنة ، وهذا هو الصحيح على ما يأتي والشهادة فضلها عظيم ، ويكفيك في فضلها قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة : 111] الآية. وقوله : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} إلى قوله : {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف : 10 - 11 - 12] وفي صحيح البستي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما يجد الشهيد من القتل إلا كما يجد أحدكم من القرحة" . وروى النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة" . وفي البخاري : "من قتل من المسلمين
(4/218)
________________________________________
يوم أحد" منهم حمزة واليمان والنضر بن أنس ومصعب بن عمير ، حدثني عمرو بن علي أن معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة قال : ما نعلم حيا من أحياء العرب أكثر شهيدا أعز يوم القيامة من الأنصار. قال قتادة : وحدثنا أنس بن مالك أنه قتل منهم يوم أحد سبعون ، ويوم بئر معونة سبعون ، ويوم اليمامة سبعون. قال : وكان بئر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويوم اليمامة على عهد أبي بكر يوم مسيلمة الكذاب. وقال أنس : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب وبه نيف وستون جراحة من طعنة وضربة ورمية ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن.
الثانية : -في قوله تعالى : {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} دليل على أن الإرادة غير الأمر كما يقول أهل السنة ؛ فإن الله تعالى نهى الكفار عن قتل المؤمنين : حمزة وأصحابه وأراد قتلهم ، ونهى آدم عن أكل الشجرة وأراده فواقعه آدم ، وعكسه أنه أمر إبليس بالسجود ولم يرده فامتنع منه ؛ وعنه وقعت الإشارة بقوله الحق : {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة : 46]. وإن كان قد أمر جميعهم بالجهاد ، ولكنه خلق الكسل والأسباب القاطعة عن المسير فقعدوا.
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر فقال له : "خَيِّر أصحابك في الأسارى إن شاؤوا القتل وإن شاؤوا الفداء على أن يقتل منهم عام المقبل مثلهم فقالوا الفداء ويقتل منا" أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن. فأنجز الله وعده بشهادة أوليائه بعد أن خيرهم فاختاروا القتل. "والله لا يحب الظالمين" أي المشركين ، أي وإن أنال الكفار من المؤمنين فهو لا يحبهم ، وإن أحل ألما بالمؤمنين فإنه يحب المؤمنين.
الآية : 141 {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}
(4/219)
________________________________________
فيه ثلاثة أقوال : يمحص : يختبر. الثاني : يطهر ؛ أي من ذنوبهم فهو على حذف مضاف. المعنى : وليمحص الله ذنوب الذين آمنوا ؛ قاله الفراء. الثالث : يمحص يخلص ؛ فهذا أغربها. قال الخليل : يقال مَحِصَ الحبل يمحص محصا إذا انقطع وبره ؛ ومنه "اللهم محص عنا ذنوبنا" أي خلصنا من عقوبتها. وقال أبو إسحاق الزجاج : قرأت على محمد بن يزيد عن الخليل : التمحيص التخليص. يقال : محَّصَه يمحصه مَحْصا إذا خلصه ؛ فالمعنى عليه ليبتلي المؤمنين ليثيبهم ويخلصهم من ذنوبهم. "ويمحق الكافرين" أي يستأصلهم بالهلاك.
الآية : 142 {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}
قوله : "أم" بمعنى بل. وقيل : الميم زائدة ، والمعنى أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنة كما دخل الذين قتلوا وصبروا على ألم الجراح والقتل من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم لا ؛ حتى {يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} أي علم شهادة حتى يقع عليه الجزاء. والمعنى : ولم تجاهدوا فيعلم ذلك منكم ؛ فلما بمعنى لم. وفرق سيبويه بين "لم" و"لما" فزعم أن "لم يفعل" نفي فَعَل ، وأن : "لماّ يفعل". نفى قد فعل. {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} منصوب بإضمار أن ؛ عن الخليل. وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر {وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} بالجزم على النسق. وقرئ بالرفع على القطع ، أي وهو يعلم. وروى هذه القراءة عبدالوارث عن أبي عمرو. وقال الزجاج. الواو هنا بمعنى حتى ، أي ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم حتى يعلم صبرهم كما تقدم آنفا.
الآية : 143 {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}
قوله تعالى : {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} أي الشهادة من قبل أن تلقوه. وقرأ الأعمش {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ} أي من قبل القتل. وقيل : من قبل أن تلقوا أسباب الموت وذلك أن كثيرا ممن لم يحضروا بدرا كانوا يتمنون يوما يكون فيه قتال ،
(4/220)
________________________________________
فلما كان يوم أحد انهزموا ، وكان منهم من تجلد حتى قتل ، ومنهم أنس بن النضر عم أنس بن مالك ، فإنه قال لما انكشف المسلمون : اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ، وباشر القتال وقال : إيها إنها ريح الجنة! إني لأجدها ، ومضى حتى استشهد. قال أنس : فما عرفناه إلا ببنانه ووجدنا فيه بضعا وثمانين جراحة. وفيه وفي أمثاله نزل {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب : 23]. فالآية عتاب في حق من انهزم ، لا سيما وكان منهم حَمْل للنبي صلى الله عليه وسلم على الخروج من المدينة ، وسيأتي. وتمني الموت يرجع من المسلمين إلى تمني الشهادة المبنية على الثبات والصبر على الجهاد ، لا إلى قتل الكفار لهم ؛ لأنه معصية وكفر ولا يجوز إرادة المعصية ، وعلى هذا يحمل سؤال المسلمين من الله أن يرزقهم الشهادة ، فيسألون الصبر على الجهاد وإن أدى إلى القتل.
قوله تعالى : {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} قال الأخفش : هو تكرير بمعنى التأكد لقوله : {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} مثل {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام : 38]. وقيل : معناه وأنتم بصراء ليس في أعينكم علل ؛ كما تقول : قد رأيت كذا وكذا وليس في عينيك علة ، أي فقد رأيته رؤية حقيقية ؛ وهذا راجع إلى معنى التوكيد. وقال بعضهم : {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} إلى محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الآية إضمار ، أي فقد رأيتموه وأنتم تنظرون فلم انهزمتم ؟ .
الآية : 144 {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}
فيه خمس مسائل :
الأولى : - روى أنها نزلت بسبب انهزام المسلمين يوم أحد حين صاح الشيطان : قد قتل محمد. قال عطية العوفي : فقال بعض الناس : قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم فإنما هم إخوانكم. وقال بعضهم : إن كان محمد قد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى
(4/221)
________________________________________
تلحقوا به ؛ فأنزل الله تعالى في ذلك {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إلى قوله : {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا} [آل عمران : 148]. وما نافية ، وما بعدها ابتداء وخبر ، وبطل عمل "ما". وقرأ ابن عباس "قد خلت من قبله رسل" بغير ألف ولام. فأعلم الله تعالى في هذه الآية أن الرسل ليست بباقية في قومها أبدا ، وأنه يجب التمسك بما أتت به الرسل وإن فقد الرسول بموت أو قتل. وأكرم نبيه صلى الله عليه وسلم وصفيه باسمين مشتقين من اسمه : محمد وأحمد ، تقول العرب : رجل محمود ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة ، قال الشاعر :
إلى الماجد القَرْمِ الجواد المحمد
وقد مضى هذا في الفاتحة. وقال عباس بن مرداس :
يا خاتم النُّبآء إنك مرسل ... بالخير كل هدى السبيل هداكا
إن الإله بنى عليك محبة ... خلقه ومحمدا سماكا
فهذه الآية من تتمة العتاب مع المنهزمين ، أي لم يكن لهم الانهزام وإن قتل محمد ، والنبوة لا تدرأ الموت ، والأديان لا تزول بموت الأنبياء. والله أعلم.
الثانية : هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته ، فإن الشجاعة والجرأة حدهما ثبوت القلب عند حلول المصائب ، ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم بيانه في "البقرة" فظهرت عنده شجاعته وعلمه. قال الناس : لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم عمر ، وخرس عثمان ، واستخفى علي ، واضطرب الأمر فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسُّنْه ، الحديث ؛ كذا في البخاري. وفي سنن ابن ماجه عن عائشة قالت : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عند امرأته ابنة خارجة بالعوالي ، فجعلوا يقولون : لم يمت النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بعض ما كان يأخذه عند
(4/222)
________________________________________
الوحي. فجاء أبو بكر فكشف عن وجهه وقبل بين عينيه وقال : أنت أكرم على الله من أن يميتك! مرتين. قد والله مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر في ناحية المسجد يقول : والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يموت حتى يقطع أيدي أناس من المنافقين كثير وأرجلهم. فقام أبو بكر فصعد المنبر فقال : من كان يعبد الله فإن الله حي لم يمت ، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} . قال عمر : "فلكأني لم أقرأها إلا يومئذ". ورجع عن مقالته التي قالها فيما ذكر الوائلي أبو نصر عبيدالله في كتابه الإبانة : عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب حين بويع أبو بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم واستوى على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد قبل أبي بكر فقال : أما بعد فإني قلت لكم أمس مقالة وإنها لم تكن كما قلت ، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله ولا في عهد عهده إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا - يريد أن يقول حتى يكون آخرنا موتا - فاختار الله عز وجل لرسوله الذي عنده على الذي عندكم ، وهذا الكتاب الذي هدى الله به رسوله فخذوا به تهتدوا لما هدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الوائلي أبو نصر : المقالة التي قالها ثم رجع عنها هي "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم" وكان قال ذلك لعظيم ما ورد عليه ، وخشي الفتنة وظهور المنافقين ، فلما شاهد قوة يقين الصديق الأكبر أبي بكر ، وتفوهه بقول الله عز وجل : {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران : 185] وقوله : {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر : 30] وما قاله ذلك اليوم - تنبه وتثبت وقال : كأني لم أسمع بالآية إلا من أبي بكر. وخرج الناس يتلونها في سكك المدينة ، كأنها لم تنزل قط إلا ذلك اليوم. ومات صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين بلا اختلاف ، في وقت دخوله المدينة في هجرته حين اشتد الضحاء ، ودفن يوم الثلاثاء ، وقيل ليلة الأربعاء. وقالت صفية بنت عبدالمطلب ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(4/223)
________________________________________
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنا برا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا ومعلما ... ليَبْك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكي النبي لفقده ... ولكن لما أخشى من الهرْج آتيا
كأن على قلبي لذكر محمد ... وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى الله رب محمد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمي وخالتي ... وعمي وآبائي ونفسي وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليب العود أبلج صافيا
فلو أن رب الناس أبقى نبينا ... سعدنا ، ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته ... يبكِّي ويدعو جده اليوم ناعيا
فإن قيل وهي : -
الثالثة : -فلِم أُخِّر دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال لأهل بيت أخروا دفن ميتهم : " عجلوا دفن جيفتكم ولا تؤخروها" . فالجواب من ثلاثة أوجه : الأول : ما ذكرناه من عدم اتفاقهم على موته. الثاني : لأنهم لا يعلمون حيث يدفنونه. قال قوم في البقيع ، وقال آخرون في المسجد ، وقال قوم : يحبس حتى يحمل إلى أبيه إبراهيم. حتى قال العالم الأكبر : سمعته يقول : "ما دفن نبي إلا حيث يموت" ذكره ابن ماجه والموطأ وغيرهما. الثالث : إنهم اشتغلوا بالخلاف الذي وقع بين المهاجرين والأنصار في البيعة ، فنظروا فيها حتى استتب الأمر وانتظم الشمل واستوثقت الحال ، واستقرت الخلافة في نصابها فبايعوا أبا بكر ، ثم بايعوه من الغد بيعة أخرى عن ملأ منهم ورضا ؛ فكشف الله به الكربة من أهل الردة ، وقام به الدّين ، والحمد لله رب العالمين. ثم رجعوا بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظروا في دفنه وغسلوه وكفنوه. والله أعلم.
(4/224)
________________________________________
الرابعة : -واختلف هل صلي عليه أم لا ، فمنهم من قال : لم يصل عليه أحد ، وإنما وقف كل واحد يدعو ، لأنه كان أشرف من أن يصلى عليه. وقال ابن العربي : وهذا كلام ضعيف ؛ لأن السنة تقام بالصلاة عليه في الجنازة ، كما تقام بالصلاة عليه في الدعاء ، فيقول : اللهم صل على محمد إلى يوم القيامة ، وذلك منفعة لنا. وقيل : لم يصل عليه ؛ لأنه لم يكن هناك إمام. وهذا ضعيف لأن الذي كان يقيم بهم الصلاة الفريضة هو الذي كان يؤم بهم في الصلاة. وقيل : صلى عليه الناس أفذاذا ؛ لأنه كان آخر العهد به ، فأرادوا أن يأخذ كل أحد بركته مخصوصا دون أن يكون فيها تابعا لغيره. والله أعلم بصحة ذلك.
قلت : قد خرج ابن ماجه بإسناد حسن بل صحيح من حديث ابن عباس وفيه : فلما. فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء وضع على سريره في بيته ، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا يصلون عليه ، حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء ، حتى إذا فرغن أدخلوا الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد. خرجه عن نصر بن علي الجهضمي أنبأنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق. قال حدثني حسين بن عبدالله عن عكرمة عن ابن عباس ، الحديث بطوله.
الخامسة : -في تغيير الحال بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، عن أنس قال : لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء ، وما نفضنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا. أخرجه ابن ماجه ، وقال : حدثنا محمد بن بشار أخبرنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال : كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن ينزل فينا القرآن ، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمنا. وأسند عن أم سلمة بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام المصلي يصلي لم يعد بصر
(4/225)
________________________________________
أحدهم موضع قدميه ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع جبينه ، فتوفى أبو بكر وكان عمر ، فكان الناس إذا قام أحدهم يصلي لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة ، فكان عثمان بن عفان فكانت الفتنة فتلفت الناس في الصلاة يمينا وشمالا.
قوله تعالى : {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} "أفإن مات" شرط "أو قتل" عطف عليه ، والجواب {انْقَلَبْتُمْ} . ودخل حرف الاستفهام على حرف الجزاء لأن الشرط قد انعقد به وصار جملة واحدة وخبرا واحدا. والمعنى : أفتنقلبون على أعقابكم إن مات أو قتل ؟ وكذلك كل استفهام دخل على حرف الجزاء ؛ فإنه في غير موضعه ، وموضعه أن يكون قبل جواب الشرط. وقوله {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} تمثيل ، ومعناه ارتددتم كفارا بعد إيمانكم ، قاله قتادة وغيره. ويقال لمن عاد إلى ما كان عليه : انقلب على عقبيه. ومنه {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} . وقيل : المراد بالانقلاب هنا الانهزام ، فهو حقيقة لا مجاز. وقيل : المعنى فعلتم فعل المرتدين وإن لم تكن ردة.
قوله تعالى : {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً} بل يضر نفسه ويعرضها للعقاب بسبب المخالفة ، والله تعالى لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية لغناه. {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} ، أي الذين صبروا وجاهدوا واستشهدوا. وجاء {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} بعد قوله : {فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً} فهو اتصال وعد بوعيد.
الآية : 145 {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}
قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} هذا حض على الجهاد ، وإعلام أن الموت لا بد منه وأن كل إنسان مقتول أو غير مقتول ميت إذا بلغ أجله المكتوب له ؛ لأن معنى "مؤجلا" إلى أجل. ومعنى "بإذن الله" بقضاء الله وقدره. و"كتابا" نصب على المصدر ، أي كتب الله كتابا مؤجلا. وأجل الموت هو الوقت الذي
(4/226)
________________________________________
في معلومه سبحانه ، أن روح الحي تفارق جسده ، ومتى قتل العبد علمنا أن ذلك أجله. ولا يصح أن يقال : لو لم يقتل لعاش. والدليل على قوله : {كِتاباً مؤجّلا} {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف : 34] {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ} [العنكبوت : 5] {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد : 38]. والمعتزلي يقول : يتقدم الأجل ويتأخر ، وإن من قتل فإنما يهلك قبل أجله ، وكذلك كل ما ذبح من الحيوان كان هلاكه قبل أجله ؛ لأنه يجب على القاتل الضمان والدية. وقد بين الله تعالى في هذه الآية أنه لا تهلك نفس قبل أجلها. وسيأتي لهذا مزيد بيان في "الأعراف" إن شاء الله تعالى. وفيه دليل على كتب العلم وتدوينه. وسيأتي بيانه في "طه" عند قوله. {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ} [طه : 52] إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} يعني الغنيمة. نزلت في الذين تركوا المركز طلبا للغنيمة. وقيل : هي عامة في كل من أراد الدنيا دون الآخرة ؛ والمعنى نؤته منها ما قسم له. وفي التنزيل : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء : 18]. {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} أي نؤته جزاء عمله ، على ما وصف الله تعالى من تضعيف الحسنات لمن يشاء. وقيل : لمراد منها عبدالله بن جبير ومن لزم المركز معه حتى قتلوا. {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} أي نؤتيهم الثواب الأبدي جزاء لهم على ترك الانهزام ، فهو تأكيد لما تقدم من إيتاء مزيد الآخرة. وقيل : {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} من الرزق في الدنيا لئلا يتوهم أن الشاكر يحرم ما قسم له مما يناله الكافر.
الآيتان : 146 {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}
147 {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}
(4/227)
________________________________________
قوله تعالى : {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} " قال الزهري : صاح الشيطان يوم أحد : قتل محمد ؛ فانهزم جماعة من المسلمين. قال كعب بن مالك : فكنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأيت عينيه من تحت المغفر تزهران ، فناديت بأعلى صوتي : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأومأ إلي أن أسكت ، فأنزل الله عز وجل : {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا} الآية. و"كأين" بمعنى كم. قال الخليل وسيبويه : هي أي دخلت عليها كاف التشبيه وبنيت معها فصار في الكلام معنى وكم وصورت في المصحف نونا ؛ لأنها كلمة نقلت عن أصلها فغير لفظها لتغير معناها ، ثم كثر استعمالها فتلعبت بها العرب وتصرفت فيها بالقلب والحذف ، فحصل فيها لغات أربع قرئ بها. وقرأ ابن كثير "وكائن" مثل وكاعن ، على وزن فاعل ، وأصله كيء فقلبت الياء ألفا ، كما قلبت في ييأس فقيل ياءَسُ ؛ قال الشاعر :
وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت هو المصابا
وقال آخر :
وكائن رددنا عنكم من مدجج ... يجيء أمام الركب يردي مقنعا
وقال آخر :
وكائن في المعاشر من أناس ... أخوهم فوقهم وهم كرام
وقرأ ابن محيصن "وكَئِنْ" مهموزا مقصورا مثل وكَعِن ، وهو من كائن حذفت ألفه. وعنه أيضا "وكأْيِن" مثل وكَعْيِن وهو مقلوب كيء المخفف. وقرأ الباقون "كأَيِّنْ" بالتشديد مثل كعين وهو الأصل ، قال الشاعر :
كأين من أناس لم يزالوا ...
أخوهم فوقهم وهم كرام
(4/228)
________________________________________
وقال آخر :
كأين ابدنا من عدو بعزنا ... وكائِنْ أجَرْنا من ضعيف وخائف
فجمع بين لغتين : كأَيِّنْ وكائِنْ ، ولغة خامسة كَيْئِن مثل كيعن ، وكأنه مخفف من كيِّىء مقلوب كأيِّن. ولم يذكر الجوهري غير لغتين : كائن مثل كاعن ، وكأَيِّن مثل كعين ؛ تقول كأين رجلا لقيت ؛ بنصب ما بعد كأين على التمييز. وتقول أيضا : كأين من رجل لقيت ؛ وإدخال من بعد كأين أكثر من النصب بها وأجود. وبكأين تبيع هذا الثوب ؟ أي بكم تبيع ؛ قال ذو الرمة :
وكائن ذعرنا من مهاة ورامح ... بلاد العدا ليست له ببلاد
قال النحاس : ووقف أبو عمرو "وكأي" بغير نون ؛ لأنه تنوين. وروى ذلك سَوْرَة بن المبارك عن الكسائي. ووقف الباقون بالنون اتباعا لخط المصحف. ومعنى الآية تشجيع المؤمنين ، والأمر بالاقتداء بمن تقدم من خيار أتباع الأنبياء ؛ أي كثير من الأنبياء قتل معه ربيون كثير ، أو كثير من الأنبياء قتلوا فما ارتد أممهم ؛ قولان : الأول للحسن وسعيد بن جبير. قال الحسن : ما قتل نبي في حرب قط. وقال ابن جبير : ما سمعنا أن نبيا قتل في القتال. والثاني عن قتادة وعكرمة. والوقف - على هذا القول - على "قتل" جائز ، وهي قراءة نافع وابن جبير وأبي عمرو ويعقوب. وهي قراءة ابن عباس واختارها أبو حاتم. وفيه وجهان : أحدهما أن يكون "قتل" واقعا على النبي وحده ، وحينئذ يكون تمام الكلام عند قوله "قتل" ويكون في الكلام إضمار ، أي ومعه ربيون كثير ؛ كما يقال : قتل الأمير معه جيش عظيم ، أي ومعه جيش. وخرجت معي تجارة ؛ أي ومعي. الوجه الثاني أن يكون القتل نال النبي ومن معه من الربيين ، ويكون وجه الكلام قتل بعض من كان معه ؛ تقول العرب : قتلنا بني تميم وبني سليم ، وإنما قتلنا بعضهم. ويكون قوله {فَمَا وَهَنُوا} راجعا إلى من بقي منهم. قلت : وهذا القول أشبه بنزول الآية وأنسب ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل ، وقتل معه جماعة من أصحابه. وقرأ الكوفيون وابن عامر "قاتل" وهي قراءة
(4/229)
________________________________________
ابن مسعود ؛ واختارها أبو عبيد وقال. إن الله إذا حمد من قاتل كان من قُتِل داخلا فيه ، وإذا حمد من قُتِل لم يدخل فيه غيرهم ؛ فقاتل أعم وأمدح. و"الربيون" بكسر الراء قراءة الجمهور. وقراءة علي رضي الله عنه بضمها. وابن عباس بفتحها ؛ ثلاث لغات. والربيون الجماعات الكثيرة ؛ عن مجاهد وقتادة والضحاك وعكرمة ، واحدهم رُبِّيَ بضم الراء وكسرها ؛ منسوب إلى الربة بكسر الراء أيضا وضمها ، وهي الجماعة. وقال عبدالله بن مسعود : الربيون الألوف الكثيرة. وقال ابن زيد : الربيون الأتباع. والأول أعرف في اللغة ؛ ومنه يقال للخرقة التي تجمع فيها القداح : رِبّة ورُبّة. والرِّباب قبائل تجمعت. وقال أبان بن ثعلب : الرِّبي عشرة آلاف. وقال الحسن : هم العلماء الصُّبُر. ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والسدي : الجمع الكثير ؛ قال حسان :
وإذا معشر تجافوا عن الحـ ... ـق حملنا عليهم ربيا
وقال الزجاج : ها هنا قراءتان "رُبِّيُّون" بضم الراء "ورِبِّيُّون" بكسر الراء ؛ أما الربيون "بالضم" : الجماعات الكثيرة. ويقال : عشرة آلاف.
قلت : وقد روي عن ابن عباس "رَبِّيُّون" بفتح الراء منسوب إلى الرب. قال الخليل : الرِّبِّي الواحد من العباد الذين صبروا مع الأنبياء. وهم الربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة ومعرفة الربوبية لله تعالى. والله أعلم.
قوله تعالى : {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} "وهنوا" أي ضعفوا ، وقد تقدم. والوهن : انكسار الجد بالخوف. وقرأ الحسن وأبو السمال "وهنوا" بكسر الهاء وضمها ، لغتان عن أبي زيد. وهن الشيء يهن وهنا. وأوهنته أنا ووهنته ضعفته. والواهنة : أسفل الأضلاع وقصارها. والوَهَن من الإبل : الكثيف. والوَهْن : ساعة تمضي من الليل ، وكذلك الموهن. وأوهنا صرنا في تلك الساعة ؛ أي ما وهنوا لقتل نبيهم ، أو لقتل من قُتِل منهم ، أي ما وهن باقيهم ؛ فحذف المضاف. {وَمَا ضَعُفُوا} أي عن عدوهم. {وَمَا اسْتَكَانُوا} أي لما أصابهم في الجهاد. والاستكانة : الذلة والخضوع ؛ وأصلها "اسْتَكَنوا" على افتعلوا ؛ فأشبعت فتحة الكاف فتولدت منها ألف. ومن جعلها من الكون فهي استفعلوا ؛ والأول
(4/230)
________________________________________
أشبه بمعنى الآية. وقرئ "فما وهنوا وما ضَعْفوا" بإسكان الهاء والعين. وحكى الكسائي "ضعفوا" بفتح العين. ثم أخبر تعالى عنهم بعد أن قُتل منهم أو قتل نبيهم بأنهم صبروا ولم يفروا ووطنوا أنفسهم على الموت ، واستغفروا ليكون موتهم على التوبة من الذنوب إن رزقوا الشهادة ، ودعوا في الثبات حتى لا ينهزموا ، وبالنصر على أعدائهم. وخصوا الأقدام بالثبات دون غيرها من الجوارح لأن الاعتماد عليها. يقول : فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد ؟ فأجاب دعاءهم وأعطاهم النصر والظفر والغنيمة في الدنيا والمغفرة في الآخرة إذا صاروا إليها. وهكذا يفعل الله مع عباده المخلصين التائبين الصادقين الناصرين لدينه ، الثابتين عند لقاء عدوه بوعده الحق ، وقوله الصدق. {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} يعني الصابرين على الجهاد. وقرأ بعضهم {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ} بالرفع ؛ جعل القول اسما لكان ؛ فيكون معناه وما كان قولُهم إلا قولَهم : {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} ومن قرأ بالنصب جعل القول خبر كان. واسمها {إِلاَّ أَنْ قَالُوا} . {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} يعني الصغائر {وَإِسْرَافَنَا} يعني الكبائر. والإسراف : الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد. وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني" وذكر الحديث. فعلى الإنسان أن يستعمل ما في كتاب الله وصحيح السنة من الدعاء ويدع ما سواه ، ولا يقول أختار كذا ؛ فإن الله تعالى قد اختار لنبيه وأوليائه وعلمهم كيف يدعون.
الآية : 148 {فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
قوله تعالى : {فَآتَاهُمُ اللَّهُ} أي أعطاهم {ثَوَابَ الدُّنْيَا} ، يعني النصر والظفر على عدوهم. {وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ} يعني الجنة. وقرأ الجحدري "فأثابهم الله" من الثواب. {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} تقدم.
(4/231)
________________________________________
الآية 149 : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}
150 : {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}
لما أمر الله تعالى بالاقتداء بمن تقدم من أنصار الأنبياء حذر طاعة الكافرين ؛ يعني مشركي العرب : أبا سفيان وأصحابه. وقيل : اليهود والنصارى. وقال علي رضي الله عنه : يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة : ارجعوا إلى دين آبائكم. {يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}
أي إلى الكفر. {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} أي فترجعوا مغبونين. ثم قال : {بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ} أي متولي نصركم وحفظكم إن أطعتموه. وقرئ "بل الله" بالنصب ، على تقدير بل وأطيعوا الله مولاكم.
الآية : 151 {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ}
نظيره : {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} . وقرأ ابن عامر والكسائي "الرعب" بضم العين ؛ وهما لغتان. والرعب : الخوف ؛ يقال : رَعَبْته رُعْبا ورُعُبا ، فهو مرعوب. ويجوز أن يكون الرعْب مصدرا ، والرُّعُب الاسم. وأصله من الملء ؛ يقال سيل راعب يملأ الوادي. ورعبت الحوض ملأته. والمعنى : سنملأ قلوب المشركين خوفا وفزعا. وقرأ السختياني "سَيُلْقي" بالياء ، والباقون بنون العظمة. قال السدي وغيره : لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق ندموا وقالوا : بئس ما صنعنا ! قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم ؛ فلما عزموا على ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به. والإلقاء يستعمل حقيقة في الأجسام ؛ قال الله تعالى : {وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ} [الأعراف : 150] {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ} [الشعراء : 44] {فَأَلْقَى عَصَاهُ} [الأعراف : 107]. قال الشاعر :
فألقت عصاها واستقر بها النوى
(4/232)
________________________________________

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: