منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 6 سبتمبر - 16:22

[right]________________________________________
قوله تعالى : {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {فَوَلِّ} أمر {وَجْهَكَ شَطْرَ} أي ناحية {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يعني الكعبة ، ولا خلاف في هذا. قيل : حيال البيت كله ، عن ابن عباس. وقال ابن عمر : حيال الميزاب من الكعبة ، قال ابن عطية. والميزاب : هو قبلة المدينة وأهل الشام ، وهناك قبلة أهل الأندلس.
قلت : قد روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي" .
الثانية : قوله تعالى : {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الشطر له محامل : يكون الناحية والجهة ، كما في هذه الآية ، وهو ظرف مكان ، كما تقول : تلقاءه وجهته. وانتصب الظرف لأنه فضلة بمنزلة المفعول [به] ، وأيضا فإن الفعل واقع فيه. وقال داود بن أبي هند : إن في حرف ابن مسعود "فول وجهك تلقاء المسجد الحرام". وقال الشاعر :
أقول لأم زنباع أقيمي ... صدور العيس شطر بني تميم
وقال آخر :
وقد أظلكم من شطر ثغركم ... هول له ظلم يغشاكم قطعا
وقال آخر :
ألا من مبلغ عمرا رسولا ... وما تغني الرسالة شطر عمرو
وشطر الشيء : نصفه ، ومنه الحديث : "الطهور شطر الإيمان" . ويكون من الأضداد ، يقال : شطر إلى كذا إذا أقبل نحوه ، وشطر عن كذا إذا أبعد منه وأعرض عنه. فأما الشاطر من الرجال فلأنه قد أخذ في نحو غير الاستواء ، وهو الذي أعيا أهله خبثا ، وقد شطر وشطر "بالضم" شطارة فيهما وسئل بعضهم عن الشاطر ، فقال : هو من أخذ في البعد عما نهى الله عنه.
(2/159)
________________________________________
الثالثة : لا خلاف بين العلماء أن الكعبة قبلة في كل أفق ، وأجمعوا على أن من شاهدها وعاينها فرض عليه استقبالها ، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها وعالم بجهتها فلا صلاة له ، وعليه إعادة كل ما صلى ذكره أبو عمر. وأجمعوا على أن كل من غاب عنها أن يستقبل ناحيتها وشطرها وتلقاءها ، فإن خفيت عليه فعليه أن يستدل على ذلك بكل ما يكنه من النجوم والرياح والجبال وغير ذلك مما يمكن أن يستدل به على ناحيتها. ومن جلس في المسجد الحرام فليكن وجهه إلى الكعبة وينظر إليها إيمانا واحتسابا ، فإنه يروى أن النظر إلى الكعبة عبادة ، قاله عطاء ومجاهد.
الرابعة : واختلفوا هل فرض الغائب استقبال العين أو الجهة ، فمنهم من قال بالأول. قال ابن العربي : وهو ضعيف ، لأنه تكليف لما لا يصل إليه. ومنهم من قال بالجهة ، وهو الصحيح لثلاثة أوجه : الأول : أنه الممكن الذي يرتبط به التكليف. الثاني : أنه المأمور به في القرآن ، لقوله تعالى : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} يعني من الأرض من شرق أو غرب {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} الثالث : أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض البيت.
الخامسة : في هذه الآية حجة واضحة لما ذهب إليه مالك ومن وافقه في أن المصلي حكمه أن ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده. وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي والحسن بن حي. يستحب أن يكون نظره إلى موضع سجوده. وقال شريك القاضي : ينظر في القيام إلى موضع السجود ، وفي الركوع إلى موضع قدميه ، وفي السجود إلى موضع أنفه ، وفي القعود إلى حجره. قال ابن العربي : إنما ينظر أمامه إن حنى رأسه ذهب بعض القيام المفترض عليه في الرأس وهو أشرف الأعضاء ، وإن أقام رأسه وتكلف النظر ببصره إلى الأرض فتلك مشقة عظيمة وحرج. وما جعل علينا في الدين من حرج ، أما إن ذلك أفضل لمن قدر عليه.
(2/160)
________________________________________
قوله تعالى : {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} يريد اليهود والنصارى {لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} يعني تحويل القبلة من بيت المقدس. فإن قيل : كيف يعلمون ذلك وليس من دينهم ولا في كتابهم ؟ قيل عنه جوابان : أحدهما : أنهم لما علموا من كتابهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي علموا أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا به. الثاني : أنهم علموا من دينهم جواز النسخ وإن جحده بعضهم ، فصاروا عالمين بجواز القبلة.
قوله تعالى : {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} تقدم معناه. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي "تعملون" بالتاء على مخاطبة أهل الكتاب أو أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى الوجهين فهو إعلام بأن الله تعالى لا يهمل أعمال العباد ولا يغفل عنها ، وضمنه الوعيد. وقرأ الباقون بالياء من تحت.
الآية : 145 {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ}.
قوله تعالى : {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} لأنهم كفروا وقد تبين لهم الحق ، وليس تنفعهم الآيات ، أي العلامات. وجمع قبلة في التكسير : قبل. وفي التسليم : قبلات. ويجوز أن تبدل من الكسرة فتحة ، فتقول قبلات. ويجوز أن تحذف الكسرة وتسكن الباء فتقول قبلات. وأجيبت "لئن" بجواب "لو" وهي ضدها في أن "لو" تطلب في جوابها المضي والوقوع ، و"لئن" تطلب الاستقبال ، فقال الفراء والأخفش : أجيبت بجواب "لو" لأن المعنى : ولو أتيت. وكذلك تجاب "لو" بجواب "لئن" ، تقول : لو أحسنت أحسن إليك ، ومثله قوله تعالى : {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَظَلُّوا} [الروم : 51] أي ولو أرسلنا ريحا. وخالفهما سيبويه فقال : إن معنى "لئن" مخالف
(2/161)
________________________________________
لمعنى "لو" فلا يدخل واحد منهما على الآخر ، فالمعنى : ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية لا يتبعون قبلتك. قال سيبويه : ومعنى {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَظَلُّوا} ليظلن.
قوله تعالى : {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} لفظ خبر ويتضمن الأمر ، أي فلا تركن إلى شيء من ذلك ثم أخبر تعالى أن اليهود ليست متبعة قبلة النصارى ولا النصارى متبعة قبلة اليهود ، عن السدي وابن زيد. فهذا إعلام باختلافهم وتدابرهم وضلالهم. وقال قوم : المعنى وما من اتبعك ممن أسلم منهم بمتبع قبلة من لم يسلم ، ولا من لم يسلم قبلة من أسلم. والأول أظهر ، والله تعالى اعلم.
قوله تعالى : {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد أمته ممن يجوز أن يتبع هواه فيصير باتباعه ظالما ، وليس يجوز أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون به ظالما ، فهو محمول على إرادة أمته لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم وقطعنا أن ذلك لا يكون منه ، وخوطب النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما للأمر ولأنه المنزل عليه. والأهواء : جمع هوى ، وقد تقدم ، وكذا {مِنَ الْعِلْمِ} [البقرة : 120] تقدم أيضا ، فلا معنى للإعادة.
الآية : 146 {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
قوله تعالى : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} "الذين" في موضع رفع بالابتداء والخبر "يعرفونه". ويصح أن يكون في موضع خفض على الصفة "للظالمين" ، و"يعرفون" في موضع الحال ، أي يعرفون نبوته وصدق رسالته ، والضمير عائد على محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما. وقيل : "يعرفون" تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة أنه حق ، قال ابن عباس وابن جريج والربيع وقتادة أيضا.
(2/162)
________________________________________
وخص الأبناء في المعرفة بالذكر دون الأنفس وإن كانت ألصق لأن الإنسان يمر عليه من زمنه برهة لا يعرف فيها نفسه ، ولا يمر عليه وقت لا يعرف فيه ابنه. وروي أن عمر قال لعبدالله بن سلام : أتعرف محمدا صلى الله عليه وسلم كما تعرف ابنك ؟ فقال : نعم وأكثر ، بعث الله أمينه في سمائه إلى أمينه في أرضه بنعته فعرفته ، وابني لا أدري ما كان من أمه.
قوله تعالى : {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد وقتادة وخصيف. وقيل : استقبال الكعبة ، على ما ذكرنا آنفا.
{وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ظاهر في صحة الكفر عنادا ، ومثله : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل : 14] وقوله { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة : 89].
الآية : 147 {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}
قوله تعالى : {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} يعني استقبال الكعبة ، لا ما أخبرك به اليهود من قبلتهم. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ "الحق" منصوبا بـ "يعلمون" أي يعلمون الحق. ويصح نصبه على تقدير الزم الحق. والرفع على الابتداء أو على إضمار مبتدأ والتقدير هو الحق ، أو على إضمار فعل ، أي جاءك الحق. قال النحاس : فأما الذي في "الأنبياء" {الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء : 24] فلا نعلم أحدا قرأه إلا منصوبا ، والفرق بينهما أن الذي في سورة "البقرة" مبتدأ آية ، والذي في الأنبياء ليس كذلك.
قوله تعالى : {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي من الشاكين. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته. يقال : امترى فلان [في] كذا إذا اعترضه اليقين مرة والشك أخرى فدافع إحداهما بالأخرى ، ومنه المراء لأن كل واحد منهما يشك في قول صاحبه. والامتراء في الشيء الشك فيه ، وكذا التماري. وأنشد الطبري شاهدا على أن الممترين الشاكون قول الأعشى :
تدر على أسؤق الممتريـ ... ـن ركضا إذا ما السراب أرجحن
(2/163)
________________________________________
قال ابن عطية : ووهم في هذا ، لأن أبا عبيدة وغيره قال : الممترون في البيت هم الذين يمرون الخيل بأرجلهم همزا لتجري كأنهم يحتلبون الجري منها ، وليس في البيت معنى الشك كما قال الطبري.
قلت : معنى الشك فيه موجود ، لأنه يحتمل أن يختبر الفرس صاحبه هل هو على ما عهد من الجري أم لا ، لئلا يكون أصابه شيء ، أو يكون هذا عند أول شرائه فيجريه ليعلم مقدار جربه. قال الجوهري : ومريت الفرس إذا استخرجت ما عنده من الجري بسوط أو غيره. والاسم المرية "بالكسر" وقد تضم. ومريت الناقة مريا : إذا مسحت ضرعها لتدر. وأمرت هي إذا در لبنها ، والاسم المرية "بالكسر" ، والضم غلط. والمرية : الشك ، وقد تضم ، وقرئ بهما.
الآية : 148 {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} الوجهة وزنها فعلة من المواجهة. والوجهة والجهة والوجه بمعنى واحد ، والمراد القبلة ، أي إنهم لا يتبعون قبلتك وأنت لا تتبع قبلتهم ، ولكل وجهة إما بحق وإما بهوى.
الثانية : قوله تعالى : {هُوَ مُوَلِّيهَا} "هو" عائد على لفظ كل لا على معناه ، لأنه لو كان على المعنى لقال : هم مولوها وجوههم ، فالهاء والألف مفعول أول والمفعول الثاني محذوف ، أي هو موليها وجهه ونفسه. والمعنى : ولكل صاحب ملة قبلة ، صاحب القبلة موليها وجهه ، على لفظ كل وهو قول الربيع وعطاء وابن عباس. وقال علي بن سليمان : "موليها" أي متوليها. وقرأ ابن عباس وابن عامر "مولاها" على ما لم يسم فاعله. والضمير على هذه القراءة لواحد ، أي ولكل واحد من الناس قبلة ، الواحد مولاها أي مصروف إليها ، قاله الزجاج. ويحتمل أن يكون على قراءة الجماعة "هو" ضمير اسم الله عز وجل وإن لم يجر له ذكر ، إذ
(2/164)
________________________________________
معلوم أن الله عز وجل فاعل ذلك والمعنى : لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه. وحكى الطبري : أن قوما قرؤوا "ولكل وجهة" بإضافة كل إلى وجهة. قال ابن عطية : وخطأها الطبري ، وهي متجهة ، أي فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاكموها ، ولا تعترضوا فيما أمركم بين هذه وهذه ، أي إنما عليكم الطاعة في الجميع. وقدم قول "ولكل وجهة" على الأمر في قوله : "فاستبقوا الخيرات" للاهتمام بالوجهة كما يقدم المفعول ، وذكر أبو عمرو الداني هذه القراءة عن ابن عباس رضي الله عنهما. وسلمت الواو في "وجهة" للفرق بين عدة وزنة ، لأن جهة ظرف ، وتلك مصادر. وقال أبو علي : ذهب قوم إلى أنه مصدر شذ عن القياس فسلم. وذهب قوم إلى أنه اسم وليس بمصدر. وقال غير أبي علي : وإذا أردت المصدر قلت جهة ، وقد يقال الجهة في الظرف.
الثالثة : قوله تعالى : {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} أي إلى الخيرات ، فحذف الحرف ، أي بادروا ما أمركم الله عز وجل من استقبال البيت الحرام ، وإن كان يتضمن الحث على المبادرة والاستعجال إلى جميع الطاعات بالعموم ، فالمراد ما ذكر من الاستقبال لسياق الآي. والمعنى المراد المبادرة بالصلاة أول وقتها ، والله تعالى اعلم. روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنما مثل المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي البدنة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البقرة ثم الذي على أثره كالذي يهدي الكبش ثم الذي على أثره كالذي يهدي الدجاجة ثم الذي على أثره كالذي يهدي البيضة" . وروى الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم ليصلي الصلاة لوقتها وقد ترك من الوقت الأول ما هو خير له من أهله وماله" . وأخرجه مالك عن يحيى بن سعيد قوله. وروى الدارقطني أيضا عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير الأعمال الصلاة في أول وقتها". وفي حديث ابن مسعود "أول وقتها" بإسقاط "في". وروي أيضا عن إبراهيم بن عبدالملك عن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أول الوقت رضوان الله ووسط الوقت رحمة الله
(2/165)
________________________________________
وآخر الوقت عفو الله" . زاد ابن العربي : فقال أبو بكر : رضوان الله أحب إلينا من عفوه ، فإن رضوانه عن المحسنين وعفوه عن المقصرين ، وهذا اختيار الشافعي. وقال أبو حنيفة : آخر الوقت أفضل ، لأنه وقت الوجوب. وأما مالك ففصل القول ، فأما الصبح والمغرب فأول الوقت فيهما أفضل ، أما الصبح فلحديث عائشة رضي الله عنها قالت : "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس" - في رواية - "متلففات". وأما المغرب فلحديث سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ، أخرجهما مسلم. وأما العشاء فتأخيرها أفضل لمن قدر عليه. روى ابن عمر قال : مكثنا [ذات] ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك ، فقال حين خرج : "إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة" . وفي البخاري عن أنس قال : أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى... ، وذكر الحديث. وقال أبو برزة : كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب تأخيرها. وأما الظهر فإنها تأتي الناس [على] غفلة فيستحب تأخيرها قليلا حتى يتأهبوا ويجتمعوا. قال أبو الفرج قال مالك : أول الوقت أفضل في كل صلاة إلا للظهر في شدة الحر. وقال ابن أبي أويس : وكان مالك يكره أن يصلي الظهر عند الزوال ولكن بعد ذلك ، ويقول : تلك صلاة الخوارج. وفي صحيح البخاري وصحيح الترمذي عن أبي ذر الغفاري قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أبرد" ثم أراد أن يؤذن فقال له : "أبرد" حتى رأينا فيء التلول ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة" . وفي صحيح مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر إذا زالت الشمس. والذي يجمع ببن الحديثين ما رواه أنس أنه إذا كان الحر أبرد بالصلاة ، وإذا كان البرد عجل.
(2/166)
________________________________________
قال أبو عيسى الترمذي : "وقد اختار قوم [من أهل العلم] تأخير صلاة الظهر في شدة الحر ، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق. قال الشافعي : إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان [مسجدا] ينتاب أهله من البعد ، فأما المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه فالذي أحب له ألا يؤخر الصلاة في شدة الحر. قال أبو عيسى : ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع ، وأما ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله أن الرخصة لمن ينتاب من البعد وللمشقة على الناس ، فإن في حديث أبي ذر رضي الله عنه ما يدل على خلاف ما قال الشافعي. قال أبو ذر : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأذن بلال بصلاة الظهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "[يا بلال] أبرد ثم أبرد" . فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى ، لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون أن ينتابوا من البعد". وأما العصر فتقديمها أفضل. ولا خلاف في مذهبنا أن تأخير الصلاة رجاء الجماعة أفضل من تقديمها ، فإن فضل الجماعة معلوم ، وفضل أول الوقت مجهول وتحصيل المعلوم أولى قاله ابن العربي.
الرابعة : قوله تعالى : {أَيْنَ مَا تَكُونُوا} شرط ، وجوابه : {يأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً} يعني يوم القيامة ثم وصف نفسه تعالى بالقدرة على كل شيء لتناسب الصفة مع ما ذكر من الإعادة بعد الموت والبلى.
الآية : 149- {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
الآية : 150- {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}
(2/167)
________________________________________
قوله تعالى : {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قيل : هذا تأكيد للأمر باستقبال الكعبة واهتمام بها ، لأن موقع التحويل كان صعبا في نفوسهم جدا ، فأكد الأمر ليرى الناس الاهتمام به فيخف عليهم وتسكن نفوسهم إليه. وقيل : أراد بالأول : ول وجهك شطر الكعبة ، أي عاينها إذا صليت تلقاءها. ثم قال : {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} معاشر المسلمين في سائر المساجد بالمدينة وغيرها {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ثم قال "ومن حيث خرجت" يعني وجوب الاستقبال في الأسفار ، فكان هذا أمرا بالتوجه إلى الكعبة في جميع المواضع من نواحي الأرض.
قلت : هذا القول أحسن من الأول ، لأن فيه حمل كل آية على فائدة. وقد روى الدارقطني عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فأراد أن يصلي على راحلته استقبل القبلة وكبر ثم صلى حيث توجهت به. أخرجه أبو داود أيضا ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور. وذهب مالك إلى أنه لا يلزمه الاستقبال ، لحديث ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته.. قال : وفيه نزل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة : 115] وقد تقدم
قلت : ولا تعارض بين الحديثين ، لأن هذا من باب المطلق والمقيد ، فقول الشافعي أولى ، وحديث أنس في ذلك حديث صحيح. ويروى أن جعفر بن محمد سئل ما معنى تكرير القصص في القرآن ؟ فقال : علم الله أن كل الناس لا يحفظ القرآن ، فلو لم تكن القصة مكررة لجاز أن تكون عند بعض الناس ولا تكون عند بعض ، فكررت لتكون عند من حفظ البعض
قوله تعالى : {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} قال مجاهد : هم مشركو العرب. وحجتهم قولهم : راجعت قبلتنا ، وقد أجيبوا عن هذا بقوله : {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة : 142]. وقيل : معنى {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} لئلا يقولوا لكم : قد أمرتم باستقبال الكعبة ولستم ترونها ، فلما قال عز وجل : {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا
(2/168)
________________________________________
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} زال هذا. وقال أبو عبيدة : إن "إلا" ههنا بمعنى الواو ، أي والذين ظلموا ، فهو استثناء بمعنى الواو ، ومنه قول الشاعر :
ما بالمدينة دار غير واحدة ... دار الخليفة إلا دار مروانا
كأنه قال : إلا دار الخليفة ودار مروان ، وكذا قيل في قوله تعالى : {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين : 6] أي الذين آمنوا. وأبطل الزجاج هذا القول وقال : هذا خطأ عند الحذاق من النحويين ، وفيه بطلان المعاني ، وتكون "إلا" وما بعدها مستغنى عن ذكرهما. والقول عندهم أن هذا استثناء ليس من الأول ، أي لكن الذين ظلموا منهم فإنهم يحتجون. قال أبو إسحاق الزجاج : أي عرفكم الله أمر الاحتجاج في القبلة في قوله : {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له ، كما تقول : مالك علي حجة إلا الظلم أو إلا أن تظلمني ، أي مالك حجة البتة ولكنك تظلمني ، فسمى ظلمه حجة لأن المحتج به سماه حجة وإن كانت داحضة. وقال قطرب : يجوز أن يكون المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا ، فالذين بدل من الكاف والميم في "عليكم". وقالت فرقة : "إلا الذين" استثناء متصل ، روي معناه عن ابن عباس وغيره ، واختاره الطبري وقال : نفى الله أن يكون لأحد حجة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في استقبالهم الكعبة. والمعنى : لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة. حيث قالوا : ما ولاهم ، وتحير محمد في دينه ، وما توجه إلى قبلتنا إلا أنا كنا أهدى منه ، وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو يهودي أو منافق. والحجة بمعنى المحاجة التي هي المخاصمة والمجادلة. وسماها الله حجة وحكم بفسادها حيث كانت من ظلمة. وقال ابن عطية : وقيل إن الاستثناء منقطع ، وهذا على أن يكون المراد بالناس اليهود ، ثم استثنى كفار العرب ، كأنه قال : لكن الذين ظلموا يحاجونكم ، وقوله "منهم" يرد هذا التأويل. والمعنى لكن الذين ظلموا ، يعني كفار قريش في قولهم : رجع محمد إلى قبلتنا
(2/169)
________________________________________
وسيرجع إلى ديننا كله. ويدخل في ذلك كل من تكلم في النازلة من غير اليهود. وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وابن زيد "ألا الذين ظلموا" بفتح الهمزة وتخفيف اللام على معنى استفتاح الكلام ، فيكون "الذين ظلموا" ابتداء ، أو على معنى الإغراء ، فيكون "الذين" منصوبا بفعل مقدر
قوله تعالى : {فَلا تَخْشَوْهُمْ} يريد الناس {وَاخْشَوْنِي} الخشية أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التوقي. والخوف : فزع القلب تخف له الأعضاء ، ولخفة الأعضاء به سمي خوفا. ومعنى الآية التحقير لكل من سوى الله تعالى ، والأمر بإطراح أمرهم ومراعاة أمر الله تعالى.
قوله تعالى : {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} معطوف على "لئلا يكون" أي ولأن أتم ، قاله الأخفش. وقيل : مقطوع في موضع رفع بالابتداء والخبر مضمر ، التقدير : ولأتم نعمتي عليكم عرفتكم قبلتي ، قاله الزجاج. وإتمام النعمة الهداية إلى القبلة ، وقيل : دخول الجنة. قال سعيد بن جبير : ولم تتم نعمة الله على عبد حتى يدخله الجنة. {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} تقدم.
الآية : 151 {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}
قوله تعالى : {كَمَا أَرْسَلْنَا} الكاف في موضع نصب على النعت لمصدر محذوف ، المعنى : ولأتم نعمتي عليكم إتماما مثل ما أرسلنا ، قاله الفراء. قال ابن عطية : وهذا أحسن الأقوال ، أي ولأتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عليه السلام مثل ما أرسلنا. وقيل : المعنى ولعلكم تهتدون اهتداء مثل ما أرسلنا. وقيل : هي في موضع نصب على الحال ، والمعنى : ولأتم نعمتي عليكم في هذه الحال. والتشبيه واقع على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة ، وأن الذكر المأمور به في عظمه كعظم النعمة. وقيل : معنى الكلام على التقديم والتأخير ، أي فاذكروني
(2/170)
________________________________________
كما أرسلنا روي عن علي رضي الله عنه واختاره الزجاج. أي كما أرسلنا فيكم رسولا تعرفونه بالصدق فاذكروني بالتوحيد والتصديق به. والوقف على "تهتدون" على هذا القول جائز.
قلت : وهذا اختيار الترمذي الحكيم في كتابه ، أي كما فعلت بكم هذا من المنن التي عددتها عليكم فاذكروني بالشكر أذكركم بالمزيد ، لأن في ذكركم ذلك شكرا لي ، وقد وعدتكم بالمزيد على الشكر ، وهو قوله : {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم : 7] ، فالكاف في قوله "كما" هنا ، وفي الأنفال {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ} [الأنفال : 5] وفي آخر الحجر {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ} [الحجر : 90] متعلقة بما بعده ، على ما يأتي بيانه.
الآية : 152 {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ}
الآية : 153 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
قوله تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} أمر وجوابه ، وفيه معنى المجازاة فلذلك جزم. وأصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له. وسمي الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبي ، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم.
ومعنى الآية : اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة ، قاله سعيد بن جبير. وقال أيضا : الذكر طاعة الله ، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "من أطاع الله فقد ذكر الله وإن أقل صلاته وصومه وصنيعه للخير ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثر صلاته وصومه وصنيعه للخير" ، ذكره أبو عبدالله محمد بن خويز منداد في "أحكام القرآن" له. وقال أبو عثمان النهدي : إني لأعلم الساعة التي يذكرنا الله فيها ، قيل له : ومن أين تعلمها ؟ قال يقول الله عز وجل : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} وقال السدي : ليس من عبد يذكر الله إلا ذكره الله عز وجل ، لا يذكره مؤمن إلا ذكره الله برحمته ، ولا يذكره كافر إلا ذكره الله بعذاب. وسئل أبو عثمان فقيل له : نذكر الله ولا نجد في قلوبنا حلاوة ؟ فقال : احمدوا الله تعالى على أن زين جارحة من جواركم بطاعته. وقال ذو النون المصري رحمه الله : من ذكر الله تعالى ذكرا على الحقيقة نسي في جنب ذكره
(2/171)
________________________________________
كل شيء ، وحفظ الله عليه كل شيء ، وكان له عوضا من كل شيء. وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. والأحاديث في فضل الذكر وثوابه كثيرة خرجها الأئمة. روى ابن ماجة عن عبدالله بن بسر أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأنبئني منها بشيء أتشبث به ، قال : "لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل" . وخرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله عز وجل يقول أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه" . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان عند قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب : 41] وأن المراد ذكر القلب الذي يجب استدامته في عموم الحالات.
قوله تعالى : {وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} قال الفراء يقال : شكرتك وشكرت لك ، ونصحتك ونصحت لك ، والفصيح الأول. والشكر معرفة الإحسان والتحدث به ، وأصله في اللغة الظهور ، وقد تقدم. فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه ، وشكر الحق سبحانه للعبد ثناؤه عليه بطاعته له ، إلا أن شكر العبد نطق باللسان وإقرار بالقلب بإنعام الرب مع الطاعات
قوله تعالى : {وَلا تَكْفُرُونِ} نهي ، ولذلك حذفت منه نون الجماعة ، وهذه نون المتكلم. وحذفت الياء لأنها رأس آية ، وإثباتها أحسن في غير القرآن ، أي لا تكفروا نعمتي وأيادي. فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب. وقد مضى القول في الكفر لغة.
الآية : 154 {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}
(2/172)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: