منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالثلاثاء 10 أغسطس - 14:29

وفي حديث عوف بن مالك : "لا ما أقاموا فيكم الصلاة" الحديث. أخرجهما مسلم. وعن أم سلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع - قالوا : يا رسول الله ألا نقاتلهم ؟ قال : - لا ما صلوا ". أي من كره بقلبه وأنكر بقلبه. أخرجه أيضا مسلم.
الرابعة عشرة- ويجب عليه أن يخلع نفسه إذا وجد في نفسه نقصا يؤثر في الإمامة. فأما إذا لم يجد نقصا فهل له أن يعزل نفسه ويعقد لغيره ؟ اختلف الناس فيه ، فمنهم من قال : ليس له أن يفعل ذلك وإن فعل لم تنخلع إمامته. ومنهم من قال : له أن يفعل ذلك. والدليل على أن الإمام إذا عزل نفسه انعزل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه : أقيلوني أقيلوني. وقول الصحابة : لا نقيلك ولا نستقيلك ، قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فمن ذا يؤخرك! رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فلا نرضاك! فلو لم يكن له أن يفعل ذلك لأنكرت الصحابة ذلك عليه ولقالت له : ليس لك أن تقول هذا ، وليس لك أن تفعله. فلما أقرته الصحابة على ذلك علم أن للإمام أن يفعل ذلك ، ولأن الإمام ناظر للغيب فيجب أن يكون حكمه حكم الحاكم ، والوكيل إذا عزل نفسه. فإن الإمام هو وكيل الأمة ونائب عنها ، ولما اتفق على أن الوكيل والحاكم وجميع من ناب عن غيره في شيء له أن يعزل نفسه ، وكذلك الإمام بجب أن يكون مثله. والله أعلم.
الخامسة عشرة - إذا انعقدت الإمامة باتفاق أهل الحل والعقد أو بواحد على ما تقدم وجب على الناس كافة مبايعته على السمع والطاعة ، وإقامة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن تأبى عن البيعة لعذر عذر ، ومن تأبى لغير عذر جبر وقهر ، لئلا تفترق كلمة المسلمين. وإذا بويع لخليفتين فالخليفة الأول وقتل الآخر ، واختلف في قتله هل هو محسوس أو معنى فيكون عزله قتله وموته. والأول أظهر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما" . رواه أبو سعيد الخدري أخرجه مسلم.
(1/272)





وفي حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول : "ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه أن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوه عنق الآخر" . رواه مسلم أيضا ، ومن حديث عرفجة : "فاضربوه بالسيف كائنا من كان" . وهذا أدل دليل على منع إقامة إمامين ، ولأن ذلك يؤدي إلى النفاق والمخالفة والشقاق وحدوث الفتن وزوال النعم ، لكن إن تباعدت الأقطار وتباينت كالأندلس وخراسان جاز ذلك ، على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
السادسة عشرة- لو خرج خارجي على إمام معروف العدالة وجب على الناس جهاده ، فإن كان الإمام فاسقا والخارجي مظهر للعدل لم ينبغ للناس أن يسرعوا إلى نصرة الخارجي حتى يتبين أمره فيما يظهر من العدل ، أو تتفق كلمة الجماعة على خلع الأول ، وذلك أن كل من طلب مثل هذا الأمر أظهر من نفسه الصلاح حتى إذا تمكن رجع إلى عادته من خلاف من ما أظهر.
السابعة عشرة- فأما إقامة إمامين أو ثلاثة في عصر واحد وبلد واحد فلا يجوز إجماعا لما ذكرنا. قال الإمام أبو المعالي : ذهب أصحابنا إلى منع عقد الإمامة لشخصين في طرفي العالم ، ثم قالوا : لو اتفق عقد الإمامة لشخصين نزل ذلك منزلة تزويج وليين امرأة واحدة من زوجين من غير أن يشعر أحدهما بعقد الآخر. قال : والذي عندي فيه أن عقد الإمامة لشخصين في صقع واحد متضايق الخطط والمخاليف غير جائز وقد حصل الإجماع عليه. فأما إذا بعد المدى وتخلل بين الإمامين شسوع النوى فللاحتمال في ذلك مجال وهو خارج عن القواطع. وكان الأستاذ أبو إسحاق يجوز ذلك في إقليمين متباعدين غاية التباعد لئلا تتعطل حقوق الناس وأحكامهم. وذهبت الكرامية إلى جواز نصب إمامين من غير تفصيل ، ويلزمهم إجازة ذلك في بلد واحد ، وصاروا إلى أن عليا ومعاوية كانا إمامين. قالوا : وإذا كانا اثنين في بلدين أو ناحيتين كان كل واحد منهما أقوم بما في يديه وأضبط لما يليه ، ولأنه
(1/273)





لما جاز بعثة نبيين في عصر واحد ولم يؤد ذلك إلى إبطال النبوة كانت الإمامة أولى ، ولا تؤدي ذلك إلى إبطال الإمامة. والجواب أن ذلك جائز لولا منع الشرع منه ، لقوله : "فاقتلوا الآخر منهما" ولأن الأمة عليه. وأما معاوية فلم يدع الإمامة لنفسه وإنما ادعى ولاية الشام بتولية من قبله من الأئمة. ومما يدل على هذا إجماع الأمة في عصرهما على أن الإمام أحدهما ، ولا قال أحدهما إني إمام ومخالفي إمام. فإن قالوا : العقل لا يحيل ذلك وليس في السمع ما يمنع منه. وقلنا : أقوى السمع الإجماع ، وقد وجد على المنع.
قوله تعالى : {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} قد علمنا قطعا أن الملائكة لا تعلم إلا ما أعلمت ولا تسبق بالقول ، وذلك عام في جميع الملائكة ، لأن قوله : {لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} خرج على جهة المدح لهم ، فكيف قالوا : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} ؟ فقيل : المعنى أنهم لما سمعوا لفظ خليفة فهموا أن في بني آدم من يفسد ، إذ الخليفة المقصود منه الإصلاح وترك الفساد ، لكن عمموا الحكم على الجميع بالمعصية ، فبين الرب تعالى أن فيهم من يفسد ومن لا يفسد فقال تطييبا لقلوبهم : {إِنِّي أَعْلَمُ} وحقق ذلك بأن علم آدم الأسماء ، وكشف لهم عن مكنون علمه. وقيل : إن الملائكة قد رأت وعلمت ما كان من إفساد الجن وسفكهم الدماء. وذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم فأفسدوا وسفكوا الدماء ، فبعث الله إليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورؤوس الجبال ، فمن حينئذ دخلته العزة. فجاء قولهم : {أَتَجْعَلُ فِيهَا} على جهة الاستفهام المحض : هل هذا الخليفة على طريقة من تقدم من الجن أم لا ؟ قاله أحمد بن يحيى ثعلب. وقال ابن زيد وغيره. إن الله تعالى أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قوم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء ، فقالوا لذلك هذه المقالة ، إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه أو من عصيان الله من يستخلفه في أرضه وينعم عليه بذلك ، وإما على طريق الاستعظام والإكبار للفصلين جميعا : الاستخلاف والعصيان. وقال قتادة : كان الله أعلمهم أنه إذا جعل في الأرض خلقا أفسدوا وسفكوا الدماء ، فسألوا حين قال تعالى : {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} أهو الذي أعلمهم أم غيره.
(1/274)





وهذا قول حسن ، رواه عبدالرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله "أتجعل فيها من يفسد فيها" قال : كان الله أعلمهم أنه إذا كان في الأرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء ، فلذلك قالوا : {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا . وفي الكلام حذف على مذهبه ، والمعنى إني جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا ويفعل كذا ، فقالوا : أتجعل فيها الذي أعلمتناه أم غيره ؟ والقول الأول أيضا حسن جدا ، لأن فيه استخراج العلم واستنباطه من مقتضى الألفاظ وذلك لا يكون إلا من العلماء ، وما بين القولين حسن ، فتأمله. وقد قيل : إن سؤاله تعالى للملائكة بقوله : "كيف تركتم عبادي" - على ما ثبت في صحيح مسلم وغيره - إنما هو على جهة التوبيخ لمن قال : أتجعل فيها ، وإظهار لما سبق في معلومه إذ قال لهم : {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} .
قوله : {مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} "من" في موضع نصب على المفعول بتجعل والمفعول الثاني يقوم مقامه "فيها". "يفسد" على اللفظ ، ويجوز في غير القرآن يفسدون على المعنى. وفي التنزيل : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الأنعام : 25] على اللفظ ، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ} على المعنى. "ويسفك" عطف عليه ، ويجوز فيه الوجهان. وروى أسيد عن الأعرج أنه قرأ : "ويسفك الدماء" بالنصب ، يجعله جواب الاستفهام بالواو كما قال :
ألم أك جاركم وتكون بيني ... وبينكم المودة والإخاء
والسفك : الصب. سفكت الدم أسفكه سفكا : صببته ، وكذلك الدمع ، حكاه ابن فارس والجوهري. والسفاك : السفاح ، وهو القادر على الكلام. قال المهدوي : ولا يستعمل السفك إلا في الدم ، وقد يستعمل في نثر الكلام يقال سفك الكلام إذا نثره. وواحد الدماء دم ، محذوف اللام. وقيل : أصله دمي. وقيل : دمي ، ولا يكون اسم على حرفين إلا وقد حذف منه ، والمحذوف منه ياء وقد نطق به على الأصل ، قال الشاعر :
فلو أنا على حجر ذبحنا ...
جرى الدميان بالخبر اليقين
(1/275)





قوله تعالى : {ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} أي ننزهك عما لا يليق بصفاتك. والتسبيح في كلامهم التنزيه من السوء على وجه التعظيم ، ومنه قول أعشى بني ثعلبة :
أقول لما جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر
أي براءة من علقمة. وروى طلحة بن عبيدالله قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير سبحان الله فقال : "هو تنزيه الله عز وجل عن كل سوء" . وهو مشتق من السبح وهو الجري والذهاب ، قال الله تعالى : {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً} [المزمل : 7] فالمسبح جار في تنزيه الله تعالى وتبرئته من السوء. وقد تقدم الكلام في "نحن" ، ولا يجوز إدغام النون في النون لئلا يلتقي ساكنان.
مسألة : واختلف أهل التأويل في تسبيح الملائكة ، فقال ابن مسعود وابن عباس : تسبيحهم صلاتهم ، ومنه قول الله تعالى : {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات : 143] أي المصلين. وقيل : تسبيحهم رفع الصوت بالذكر ، قاله المفضل ، واستشهد بقول جرير :
قبح الإله وجوه تغلب كلما ... سبح الحجيج وكبروا إهلالا
وقال قتادة : تسبيحهم : سبحان الله ، على عرفه في اللغة ، وهو الصحيح لما رواه أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الكلام أفضل ؟ قال : "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده" . أخرجه مسلم. وعن عبدالرحمن بن قرط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحا في السموات العلا : سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ، ذكره البيهقي.
(1/276)





قوله تعالى : {بِحَمْدِكَ} أي وبحمدك نخلط التسبيح بالحمد ونصله به. والحمد : الثناء ، وقد تقدم. ويحتمل أن يكون قولهم : "بحمدك" اعتراضا بين الكلامين ، كأنهم قالوا : ونحن نسبح ونقدس ، ثم اعترضوا على جهة التسليم ، أي وأنت المحمود في الهداية إلى ذلك. والله أعلم.
قوله تعالى : {وَنُقَدِّسُ لَكَ} أي نعظمك ونمجدك ونطهر ذكرك عما لا يليق بك مما نسبك إليه الملحدون ، قاله مجاهد وأبو صالح وغيرهما. وقال الضحاك وغيره : المعنى نطهر أنفسنا لك ابتغاء مرضاتك. وقال قوم منهم قتادة : "نقدس لك" معناه نصلي. والتقديس : الصلاة. قال ابن عطية : وهذا ضعيف.
قلت : بل معناه صحيح ، فإن الصلاة تشتمل على التعظيم والتقديس والتسبيح ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده : "سبوح قدوس رب الملائكة والروح". روته عائشة أخرجه مسلم. وبناء "قدس" كيفما تصرف فإن معناه التطهير ، ومنه قوله تعالى : {ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} [المائدة : 21] أي المطهرة. وقال : {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر : 23] يعني الطاهر ، ومثله : {بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً} [طه : 12] وبيت المقدس سمي به لأنه المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب أي يتطهر ، ومنه قيل للسطل : قَدَس ، لأنه يتوضأ فيه ويتطهر ، ومنه القادوس. وفي الحديث : "لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها" . يريد لا طهرها الله ، أخرجه ابن ماجة في سننه. فالقدس : الطهر من غير خلاف ، وقال الشاعر :
فأدركنه يأخذن بالساق والنسا ... كما شبرق الولدان ثوب المقدس
أي المطهر. فالصلاة طهرة للعبد من الذنوب ، والمصلي يدخلها على أكمل الأحوال لكونها أفضل الأعمال ، والله أعلم.
(1/277)





قوله تعالى : {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} "أعلم" فيه تأويلان ، قيل : إنه فعل مستقبل. وقيل : إنه اسم بمعنى فاعل ، كما يقال : الله أكبر ، بمعنى كبير ، وكما قال :
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول
فعلى أنه فعل تكون "ما" في موضع نصب بأعلم ، ويجوز إدغام الميم في الميم. وإن جعلته اسما بمعنى عالم تكون "ما" في موضع خفض بالإضافة. قال ابن عطية : ولا يصح فيه الصرف بإجماع من النحاة ، وإنما الخلاف في "أفعل" إذا سمي به وكان نكرة ، فسيبويه والخليل لا يصرفانه ، والأخفش يصرفه. قال المهدوي : يجوز أن تقدر التنوين في "أعلم" إذا قدرته بمعنى عالم ، وتنصب "ما" به ، فيكون مثل حواج بيت الله. قال الجوهري : ونسوة حواج بيت الله ، بالإضافة إذا كن قد حججن ، وإن لم يكن حججن قلت : حواج بيت الله ، فتنصب البيت ، لأنك تريد التنوين في حواج.
قوله تعالى {مَا لا تَعْلَمُونَ} اختلف علماء التأويل في المراد بقوله تعالى : {مَا لا تَعْلَمُونَ} . فقال ابن عباس : كان إبليس - لعنه الله - قد أعجب ودخله الكبر لما جعله خازن السماء وشرفه ، فاعتقد أن ذلك لمزية له ، فاستخف الكفر والمعصية في جانب آدم عليه السلام. وقالت الملائكة : {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة : 30] وهي لا تعلم أن في نفس إبليس خلاف ذلك ، فقال الله تعالى لهم : {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 30]. وقال قتادة : لما قالت الملائكة {أَتَجْعَلُ فِيهَا} [البقرة : 30] وقد علم الله أن فيمن يستخلف في الأرض أنبياء وفضلاء وأهل طاعة قال لهم {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} .
قلت : ويحتمل أن يكون المعنى إني أعلم ما لا تعلمون مما كان ومما يكون ومما هو كائن ، فهو عام.
(1/278)





الآية : 31 {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
فيه سبع مسائل :
الأولى - قوله تعالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} "علّم" عرّف. وتعليمه هنا إلهام علمه ضرورة. ويحتمل أن يكون بواسطة ملك وهو جبريل عليه السلام ، على ما يأتي. وقرئ : "وعُلِّم" غير مسمى الفاعل. والأول أظهر ، على ما يأتي. قال علماء الصوفية : علمها بتعليم الحق إياه وحفظها بحفظه عليه ونسي ما عهد إليه ، لأن وكله فيه إلى نفسه فقال : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} [طه : 115]. وقال ابن عطاء : لو لم يكشف لآدم علم تلك الأسماء لكان أعجز من الملائكة في الإخبار عنها. وهذا واضح.
وآدم عليه السلام يكنى أبا البشر. وقيل : أبا محمد ، كني بمحمد خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم ، قاله السهيلي. وقيل : كنيته في الجنة أبو محمد ، وفي الأرض أبو البشر. وأصله بهمزتين ، لأنه أفعل إلا أنهم لينوا الثانية ، فإذا احتجت إلى تحريكها جعلتها واوا فقلت : أوادم في الجمع ، لأنه ليس لها أصل في الياء معروف ، فجعلت الغالب عليها الواو ، عن الأخفش.
واختلف في اشتقاقه ، فقيل : هو مشتق من أدمة الأرض وأديمها وهو وجهها ، فسمي بما خلق منه ، قال ابن عباس. وقيل : إنه مشتق من الأدمة وهي السمرة. واختلفوا في الأدمة ، فزعم الضحاك أنها السمرة ، وزعم النضر أنها البياض ، وأن آدم عليه السلام كان أبيض ، مأخوذ من قولهم : ناقة أدماء ، إذا كانت بيضاء. وعلى هذا الاشتقاق جمعه أدم وأوادم ، كحمر وأحامر ، ولا ينصرف بوجه. وعلى أنه مشتق من الأدمة جمعه آدمون ، ويلزم قائلو هذه المقالة صرفه.
قلت : الصحيح أنه مشتق من أديم الأرض. قال سعيد بن جبير : إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض ، وإنما سمي إنسانا لأنه نسي ، ذكره ابن سعد في الطبقات. وروى
(1/279)





السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود في قصة خلق آدم عليه السلام قال : فبعث الله جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني ، فرجع ولم يأخذ وقال : يا رب إنها عاذت بك فأعذتها. فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل ، فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره. فأخذ من وجه الأرض وخلط ، ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين - ولذلك سمي آدم لأنه أخذ من أديم الأرض - فصعد به ، فقال الله تعالى له : "أما رحمت الأرض حين تضرعت إليك" فقال : رأيت أمرك أوجب من قولها. فقال : "أنت تصلح لقبض أرواح ولده" فبل التراب حتى عاد طينا لازبا ، اللازب : هو الذي يلتصق بعضه ببعض ، ثم ترك حتى أنتن ، فذلك حيث يقول : {من حَمَأٍ مَسْنُونٍ} [الحجر : 26] قال : منتن. ثم قال للملائكة : {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص : 71]. فخلقه الله بيده لكيلا يتكبر إبليس عنه. يقول : أتتكبر عما خلقت بيدي ولم أتكبر أنا عنه! فخلقه بشرا فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار تكون له صلصلة ، فذلك حين يقول : {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن : 14]. ويقول لأمر ما خلقت!. ودخل من فمه وخرج من دبره ، فقال إبليس للملائكة : لا ترهبوا من هذا فإنه أجوف ولئن سلطت عليه لأهلكنه. ويقال : إنه كان إذا مر عليه مع الملائكة يقول : أرأيتم هذا الذي لم تروا من الخلائق يشبهه إن فضل عليكم وأمرتم بطاعته ما أنتم فاعلون! قالوا : نطيع أمر ربنا ، فأسر إبليس في نفسه لئن فضل علي فلا أطيعه ، ولئن فضلت عليه لأهلكنه ، فلما بلغ الحين الذي أريد أن ينفخ فيه الروح
(1/280)





قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس ، فقالت له الملائكة : قل الحمد لله ، فقال : الحمد لله ، فقال الله له : رحمك ربك ، فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول : {خُلِقَ الْأِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء : 37] {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف : 11] وذكر القصة. وروى الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب" . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح. أديم : جمع أدم ، قال الشاعر :
الناس أخياف وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم وجه الأدم
فآدم مشتق من الأديم والأدم لا من الأدمة ، والله أعلم. ويحتمل أن يكون منهما جميعا. وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في خلق آدم في "الأنعام" وغيرها إن شاء الله تعالى.
و"آدم" لا ينصرف. قال أبو جعفر النحاس : "آدم لا ينصرف في المعرفة بإجماع النحويين ، لأنه على أفعل وهو معرفة ، ولا يمتنع شي من الصرف عند البصريين إلا لعلتين. فإن نكرته ولم يكن نعتا لم يصرفه الخليل وسيبويه ، وصرفه الأخفش سعيد ، لأنه كان نعتا وهو على وزن الفعل ، فإذا لم يكن نعتا صرفه. قال أبو إسحاق الزجاج : القول قول سيبويه ، ولا يفرق بين النعت وغيره لأنه هو ذاك بعينه".
الثانية- قوله تعالى : {الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} "الأسماء" هنا بمعنى العبارات ، فإن الاسم قد يطلق ويراد به المسمى ، كقولك : زيد قائم ، والأسد شجاع. وقد يراد به التسمية ذاتها ، كقولك : أسد ثلاثة أحرف ، ففي الأول يقال : الاسم هو المسمى بمعنى يراد به المسمى ، وفي الثاني لا يراد المسمى ، وقد يجرى اسم في اللغة مجرى ذات العبارة وهو الأكثر من
(1/281)





استعمالها ، ومنه قوله تعالى : {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة : 31] على أشهر التأويلات ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن لله تسعة وتسعين اسما" . ويجري مجرى الذات ، يقال : ذات ونفس وعين واسم بمعنى ، وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى : {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى : 1] {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرحمن : 78] {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} [النجم : 23].
الثالثة - واختلف أهل التأويل في معنى الأسماء التي علمها لآدم عليه السلام ، فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير : علمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها. وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن علي قال : كنت جالسا عند ابن عباس فذكروا اسم الآنية واسم السوط ، قال ابن عباس : "وعلم آدم الأسماء كلها".
قلت : وقد روي هذا المعنى مرفوعا على ما يأتي ، وهو الذي يقتضيه لفظ "كلها" إذ هو اسم موضوع للإحاطة والعموم ، وفي البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ويجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء" الحديث. قال ابن خويز منداد : في هذه الآية دليل على أن اللغة مأخوذة توقيفا ، وأن الله تعالى علمها آدم عليه السلام جملة وتفصيلا. وكذلك قال ابن عباس : علمه أسماء كل شيء حتى الجفنة والمحلب. وروى شيبان عن قتادة قال : علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لم يعلم الملائكة ، وسمي كل شيء باسمه وأنحى منفعة كل شيء إلى جنسه. قال النحاس : وهذا أحسن ما روي في هذا. والمعنى علمه أسماء الأجناس وعرفه منافعها ، هذا كذا ، وهو يصلح لكذا. وقال الطبري : علمه أسماء الملائكة وذريته ، واختار هذا ورجحه بقوله : {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} قال ابن زيد : علمه أسماء ذريته ، كلهم. الربيع ابن خثيم : أسماء الملائكة خاصة. القتبي : أسماء ما خلق في الأرض. وقيل : أسماء الأجناس والأنواع.
قلت : القول الأول أصح ، لما ذكرناه آنفا ولما نبينه إن شاء الله تعالى.
(1/282)





الرابعة- واختلف المتأولون أيضا هل عرض على الملائكة أسماء الأشخاص أو الأسماء دون الأشخاص ، فقال ابن مسعود وغيره : عرض الأشخاص لقوله تعالى : {عَرَضَهُمْ} وقوله : {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ} وتقول العرب : عرضت الشيء فأعرض ، أي أظهرته فظهر. ومنه : عرضت الشيء للبيع. وفي الحديث "إنه عرضهم أمثال الذر" . وقال ابن عباس وغيره : عرض الأسماء وفي حرف ابن مسعود : "عرضهن" ، فأعاد على الأسماء دون الأشخاص ، لأن الهاء والنون أخص بالمؤنث. وفي حرف أبي : "عرضها". مجاهد : أصحاب الأسماء. فمن قال في الأسماء إنها التسميات فاستقام على قراءة أبي "عرضها". وتقول في قراءة من قرأ "عرضهم" : إن لفظ الأسماء يدل على أشخاص ، فلذلك ساغ أن يقال للأسماء : "عرضهم". وقال في "هؤلاء" المراد بالإشارة : إلى أشخاص الأسماء ، لكن وإن كانت غائبة فقد حضر ما هو منها بسبب وذلك أسماؤها. قال ابن عطية : والذي يظهر أن الله تعالى علم آدم الأسماء وعرضهن عليه مع تلك الأجناس بأشخاصها ، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلمها ، ثم إن آدم قال لهم : هذا اسمه كذا ، وهذا اسمه كذا. وقال الماوردي : وكان الأصح توجه العرض إلى المسمين. ثم في زمن عرضهم قولان : أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم. الثاني - أنه صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم.
الخامسة- واختلف في أول من تكلم باللسان العربي ، فروي عن كعب الأحبار : أن أول من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها بالألسنة كلها آدم عليه السلام. وقاله غير كعب الأحبار.
فإن قيل : قد روي عن كعب الأحبار من وجه حسن قال : أول من تكلم بالعربية جبريل عليه السلام وهو الذي ألقاها على لسان نوح عليه السلام وألقاها نوح على لسان ابنه سام ، ورواه ثور ابن زيد عن خالد بن معدان عن كعب. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين" . وقد روي أيضا : أن أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان ، وقد روي غير ذلك. قلنا : الصحيح أن
(1/283)





أول من تكلم باللغات كلها من البشر آدم عليه السلام ، والقرآن يشهد له ، قال الله تعالى : { وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة : 31] واللغات كلها أسماء فهي داخلة تحته وبهذا جاءت السنة ، قال صلى الله عليه وسلم : "وعلم آدم الأسماء كلها حتى القصعة والقصيعة" وما ذكروه يحتمل أن يكون المراد به أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل عليه السلام. وكذلك إن صح ما سواه فإنه يكون محمولا على أن المذكور أول من تكلم من قبيلته بالعربية بدليل ما ذكرنا ، والله أعلم. وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علمها الله آدم أو جبريل ، على ما تقدم ، والله أعلم.
قوله تعالى : {هَؤُلاءِ} لفظ مبني على الكسر. ولغة تميم وبعض قيس وأسد فيه القصر ، قال الأعشى :
هؤلا ثم هؤلا كلا أعطيـ ... ـت نعالا محذوة بمثال
ومن العرب من يقول : هولاء ، فيحذف الألف والهمزة.
قوله تعالى : {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} شرط ، والجواب محذوف تقديره : إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبئوني ، قاله المبرد. ومعنى "صادقين" عالمين ، ولذلك لم يسغ للملائكة الاجتهاد وقالوا : "سبحانك"! حكاه النقاش قال : ولو لم يشترط عليهم إلا الصدق في الإنباء لجاز لهم الاجتهاد كما جاز للذي أماته الله مائة عام حين قال له : {كَمْ لَبِثْتَ} فلم يشترط عليه الإصابة ، فقال ولم يصب ولم يعنف ، وهذا بين لا خفاء فيه. وحكى الطبري وأبو عبيد : أن بعض المفسرين قال إن معنى "إن كنتم" : إذ كنتم ، وقالا : هذا خطأ. و {أَنْبِئُونِي} معناه أخبروني. والنبأ : الخبر ، ومنه النبيء بالهمزة ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
السابعة- قال بعض العلماء : يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليف ما لا يطاق لأنه علم أنهم لا يعلمون. وقال المحققون من أهل التأويل : ليس هذا على جهة التكليف وإنما
(1/284)





هو على جهة التقرير والتوقيف. وسيأتي القول في تكليف ما لا يطاق - هل وقع التكليف به أم لا - في آخر السورة ، إن شاء الله تعالى.
الآية : 32 {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
قوله تعالى : {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى أي تنزيها لك عن أن يعلم الغيب أحد سواك. وهذا جوابهم عن قوله : {أَنْبِئُونِي} فأجابوا أنهم لا يعلمون إلا ما أعلمهم به ولم يتعاطوا ما لا علم لهم به كما يفعله الجهال منا. و"ما" في "ما علمتنا" بمعنى الذي ، أي إلا الذي علمتنا ، ويجوز أن تكون مصدرية بمعنى إلا تعليمك إيانا.
الثانية- الواجب على من سئل عن علم أن يقول إن لم يعلم : الله أعلم ولا أدري ، اقتداء بالملائكة والأنبياء والفضلاء من العلماء ، لكن قد أخبر الصادق أن بموت العلماء يقبض العلم ، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون. وأما ما ورد من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين بعدهم في معنى الآية فروى البستي في المسند الصحيح له عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي البقاع شر ؟ قال : "لا أدري حتى أسأل جبريل" فسأل جبريل ، فقال : لا أدري حتى أسأل ميكائيل ، فجاء فقال : "خير البقاع المساجد ، وشرها الأسواق" . وقال الصديق للجدة : ارجعي حتى أسأل الناس. وكان علي يقول : وأبردها على الكبد ، ثلاث مرات. قالوا وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال : أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول : الله أعلم. وسأل ابن عمر رجل عن مسألة فقال : لا علم لي بها ، فلما أدبر الرجل. قال ابن عمر : نعم ما قال ابن عمر ، سئل عما لا يعلم فقال لا علم لي به! ذكره الدارمي في مسنده. وفي صحيح مسلم عن أبي عقيل
(1/285)





يحيى بن المتوكل صاحب بهية قال : كنت جالسا عند القاسم بن عبيدالله ويحيى بن سعيد ، فقال يحيى للقاسم : يا أبا محمد إنه قبيح على مثلك عظيم أن يسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج ، أو علم ولا مخرج ؟ فقال له القاسم : وعم ذاك ؟ قال : لأنك ابن إمامي هدى : ابن أبي بكر وعمر. قال يقول له القاسم : أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ عن غير ثقة. فسكت فما أجابه. وقال مالك بن أنس : سمعت ابن هرمز يقول : ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده لا أدري حتى يكون أصلا في أيديهم ، فإذا سئل أحدهم عما لا يدري قال : لا أدري. وذكر الهيثم بن جميل قال : شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها : لا أدري.
قلت : ومثله كثير عن الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين. وإنما يحمل على ترك ذلك الرياسة وعدم الإنصاف في العلم. قال ابن عبدالبر : من بركة العلم وآدابه الإنصاف فيه ، ومن لم ينصف لم يفهم ولم يتفهم. روى يونس بن عبدالأعلى قال : سمعت ابن وهب يقول : سمعت مالك بن أنس يقول : ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف.
قلت : هذا في زمن مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عم فينا الفساد وكثر فيه الطغام! وطلب فيه العلم للرياسة لا للدراية ، بل للظهور في الدنيا وغلبة الأقران بالمراء والجدال الذي يقسي القلب ويورث الضغن ، وذلك مما يحمل على عدم التقوى وترك الخوف من الله تعالى. أين هذا مما روي عن عمر رضي الله عنه وقد قال : لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية ولو كانت بنت ذي العصبة - يعني يزيد بن الحصين الحارثي - فمن زاد ألقيت زيادته في بيت المال ، فقامت امرأة من صوب النساء طويلة فيها فطس فقالت : ما ذلك لك!
(1/286)





قال : ولم ؟ قالت لأن الله عز وجل يقول : {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} [النساء : 20] فقال عمر : امرأة أصابت ورجل أخطأ! وروى وكيع عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي قال : سأل رجل عليا رضي الله عنه عن مسألة فقال فيها ، فقال الرجل : ليس كذلك يا أمير المؤمنين ، ولكن كذا وكذا ، فقال علي : أصبت وأخطأت ، وفوق كل ذي علم عليم. وذكر أبو محمد قاسم بن أصبغ قال : لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان فأخذت على بكر بن حماد حديث مسدد ، ثم رحلت إلى بغداد ولقيت الناس ، فلما انصرفت عدت إليه لتمام حديث مسدد ، فقرأت عليه فيه يوما حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "أنه قدم عليه قوم من مضر من مجتابي النمار" فقال : إنما هو مجتابي الثمار ، فقلت إنما هو مجتابي النمار ، هكذا قرأته على كل من قرأته عليه بالأندلس والعراق ، فقال لي : بدخولك العراق تعارضنا وتفخر علينا! أو نحو هذا. ثم قال لي : قم بنا إلى ذلك الشيخ - لشيخ كان في المسجد - فإن له بمثل هذا علما ، فقمنا إليه فسألناه عن ذلك فقال : إنما هو مجتابي النمار ، كما قلت. وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة ، جيوبهم أمامهم. والنمار جمع نمرة. فقال بكر بن حماد وأخذ بأنفه : رغم أنفي للحق ، رغم أنفي للحق. وانصرف. وقال يزيد بن الوليد بن عبدالملك فأحسن :
إذا ما تحدثت في مجلس ... تناهى حديثي إلى ما علمت
ولم أعد علمي إلى غيره ... وكان إذا ما تناهى سكت
الثانية : .قوله تعالى : {سُبْحَانَكَ} "سبحان" منصوب على المصدر عند الخليل وسيبويه ، يؤدي عن معنى نسبحك تسبيحا. وقال الكسائي : هو منصوب على أنه نداء مضاف. و {الْعَلِيمُ} فعيل للمبالغة والتكبير في المعلومات في خلق الله تعالى. و {الْحَكِيمُ} معناه الحاكم ، وبينهما مزيد المبالغة. وقيل معناه المحكم ويجيء الحكيم على هذا من صفات الفعل ، صرف عن مفعل إلى فعيل ، كما صرف عن مسمع إلى سميع ومؤلم إلى أليم ، قاله ابن
(1/287)





الأنباري. وقال قوم : الحكيم المانع من الفساد ، ومنه سميت حكمة اللجام ، لأنها تمنع الفرس من الجري والذهاب في غير قصد. قال جرير :
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا
أي امنعوهم من الفساد. وقال زهير :
القائد الخيل منكوبا دوابرها ... قد أحكمت حكمات القد والأبقا
القد : الجلد. والأبق : القنب. والعرب تقول : أحكم اليتيم عن كذا وكذا ، يريدون منعه. والسورة المحكمة : الممنوعة من التغيير وكل التبديل ، وأن يلحق بها ما يخرج عنها ، ويزاد عليها ما ليس منها ، والحكمة من هذا ، لأنها تمنع صاحبها من الجهل. ويقال : أحكم الشيء إذا أتقنه ومنعه من الخروج عما يريد. فهو محكم وحكيم على التكثير.
الآية : 33 {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}
قووله تعالى : {قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} فيه خمس مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} أمره الله أن يعلمهم بأسمائهم بعد أن عرضهم على الملائكة ليعلموا أنه أعلم بما سألهم عنه تنبيها على فضله وعلو شأنه ، فكان أفضل منهم بأن قدمه عليهم وأسجدهم له وجعلهم تلامذته وأمرهم بأن يتعلموا منه. فحصلت له رتبة الجلال والعظمة بأن جعله مسجودا له ، مختصا بالعلم.
الثانية- في هذه الآية دليل على فضل العلم وأهله ، وفي الحديث : "وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم" أي تخضع وتتواضع وإنما تفعل ذلك لأهل العلم خاصة
(1/288)





من بين سائر عيال الله ، لأن الله تعالى ألزمها ذلك في آدم عليه السلام فتأدبت بذلك الأدب. فكلما ظهر لها علم في بشر خضعت له وتواضعت وتذللت إعظاما للعلم وأهله ، ورضا منهم بالطلب له والشغل به. هذا في الطلاب منهم فكيف بالأحبار فيهم والربانيين منهم جعلنا الله منهم وفيهم ، إنه ذو فضل عظيم.
الثالثة- اختلف العلماء من هذا الباب ، أيما أفضل الملائكة أو بنو آدم على قولين : فذهب قوم إلى أن الرسل من البشر أفضل من الرسل من الملائكة ، والأولياء من البشر أفضل من الأولياء من الملائكة. وذهب آخرون إلى أن الملأ الأعلى أفضل. احتج من فضل الملائكة بأنهم {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء : 27] {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم : 6]. وقوله : {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء : 172] وقوله : {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} [الأنعام : 50]. وفي البخاري : "يقول الله عز وجل : "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم". وهذا نص. احتج من فضل بني آدم بقوله تعالى : {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [الأنعام : 50] بالهمز ، من برأ الله الخلق. وقوله عليه السلام : "وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضي لطالب العلم" الحديث. أخرجه أبو داود ، وبما جاء في أحاديث من أن الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة ، ولا يباهي إلا بالأفضل ، والله أعلم. وقال بعض العلماء : ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة ، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم ، لأن طريق ذلك خبر الله تعالى وخبر رسوله أو إجماع الأمة ، وليس ههنا شيء من ذلك خلافا للقدرية والقاضي أبي بكر رحمه الله حيث قالوا : الملائكة أفضل. قال : وأما من قال من أصحابنا والشيعة : إن الأنبياء أفضل لأن الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ، فيقال لهم : المسجود له لا يكون أفضل من الساجد ، ألا ترى أن الكعبة مسجود لها والأنبياء والخلق يسجدون نحوها ، ثم إن الأنبياء خير من الكعبة باتفاق الأمة. ولا خلاف أن السجود
(1/289)





لا يكون إلا لله تعالى ، لأن السجود عبادة ، والعبادة لا تكون إلا لله ، فإذا كان كذلك فكون السجود إلى جهة لا يدل على أن الجهة خير من الساجد العابد ، وهذا واضح. وسيأتي له مزيد بيان في الآية بعد هذا.
الرابعة- قوله تعالى : {أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} دليل على أن أحدا لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله كالأنبياء أو من أعلمه من أعلمه الله تعالى فالمنجمون والكهان وغيرهم كذبة. وسيأتي بيان هذا في "الأنعام" إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}.
الخامسة- قوله تعالى : {وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} أي من قولهم : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} حكاه مكي والماوردي. وقال الزهراوي : ما أبدوه هو بدارهم بالسجود لآدم. {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} قال ابن عباس وابن مسعود وسعيد بن جبير : المراد ما كتمه إبليس في نفسه من الكبر والمعصية. قال ابن عطية : وجاء "تكتمون" للجماعة ، والكاتم واحد في هذا القول على تجوز العرب واتساعها ، كما يقال لقوم قد جنى سفيه منهم : أنتم فعلتم كذا. أي منكم فاعله ، وهذا مع قصد تعنيف ، ومنه قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات : 4] وإنما ناداه منهم عيينة ، وقيل الأقرع. وقالت طائفة : الإبداء والمكتوم ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم أجمع. وقال مهدي بن ميمون : كنا عند الحسن فسأله الحسن بن دينار ما الذي كتمت الملائكة ؟ قال : إن الله عز وجل لما خلق آدم رأت الملائكة خلقا عجبا ، وكأنهم دخلهم من ذلك شيء ، قال : ثم أقبل بعضهم على بعض وأسروا ذلك بينهم ، فقالوا : وما يهمكم من هذا المخلوق إن الله لم يخلق خلقا إلا كنا أكرم عليه منه. و"ما" في قوله : "ما تبدون" يجوز أن ينتصب بـ "أعلم" على أنه فعل ، ويجوز أن يكون بمعنى عالم وتنصب به "ما" فيكون مثل حواج بيت الله ، وقد تقدم.
(1/290)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: