منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 30 أبريل - 19:03

تفسير سورة النمل





الآية : [7] {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
الآية : [8] {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}
الآية : [9] {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}
قوله تعالى : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} قد تقدم معنى الوحي ومحامله واختلف في هذا الوحي إلى أم موسى ؛ فقالت فرقة : كان قولا في منامها وقال قتادة : كان إلهاما وقالت فرقة : كان بملك يمثل لها ، قال مقاتل ـ أتاها جبريل بذلك فعلي هذا هو وحي إعلام لا إلهام وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية ، وإنما إرسال الملك إليها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى في الحديث المشهور ؛ خرجه البخاري ومسلم ، وقد ذكرناه في سورة {براءة} وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوة ، وقد سلمت على عمران بن حصين فلم يكن بذلك نبيا واسمها أيارخا وقيل أيارخت فيما ذكر السهيلي وقال الثعلبي : واسم أم موسي لوحا بنت هاند بن لاوى بن يعقوب {أَنْ أَرْضِعِيهِ} وقرأ عمر بن عبدالعزير : {أَنِ أَرْضِعِيهِ} بكسر النون وألف وصل ؛ حذف همزة أرضع تخفيفا ثم كسر النون لالتقاء الساكنين قال مجاهد : وكان الوحي بالرضاع قبل الولادة. وقال غيره بعدها. قال السدي : لما ولدت أم موسى أمرت أن ترضعه عقيب الولادة وتصنع به بما في الآية ؛ لأن الخوف كان عقيب الولادة وقال ابن جريج : أمرت بإرضاعه أربعة أشهر في بستان ، فإذا خافت أن يصيح ـ لأن لبنها لا يكفيه ـ صنعت به هذا والأول أظهر إلا أن الآخر يعضده قوله : {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} و {إِذا} لما يستقبل من الزمان ؛ فيروي أنها
(13/250)





أتخذت له تابوتا من بردي وقيرته بالقار من داخله ، ووضعت فيه موسى وألقته في نيل مصر وقد مضى خبره في {طه} قال ابن عباس : إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس ، وعملوا بالمعاصي ، فسلط الله عليهم القبط ، وساموهم سوء العذاب ، إلى أن نجاهم الله على يد موسى قال وهب : بلغني أن فرعون ذبح في طلب موسى سبعين ألف وليد ويقال : تسعون ألفا ويروي أنها حين اقتربت وضربها الطلق ، وكانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني إسرائيل مصافية لها ، فقالت : لينفعني حبك اليوم ، فعالجتها فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه ، وأرتعش كل مفصل منها ، ودخل حبه قلبها ، ثم قالت : ما جئتك إلا لأقتل مولودك وأخبر فرعون ، ولكني وجدت لابنك حبا ما وجدت مثله قط ، فاحفظيه ؛ فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة ووضعته في تنور مسجور نارا لم تعلم ما تصنع لما طاش عقلها ، فطلبوا فلم يلفوا شيئا ، فخرجوا وهي لا تدري مكانه ، فسمعت بكاءه من التنور ، وقد جعل الله عليه النار بردا وسلاما.
قوله تعالى : {وَلا تَخَافِي} فيه وجهان : أحدهما : لا تخافي عليه الغرق ؛ قاله ابن زيد الثاني : لا تخافي عليه الضيعة ؛ قاله يحيى بن سلام {وَلا تَحْزَنِي} فيه أيضا وجهان : أحدهما : لا تحزني لفراقه ؛ قاله ابن زيد الثاني : لا تحزني أن يقتل ؛ قاله يحيى بن سلام فقيل : إنها جعلته في تابوت طوله خمسة أشبار وعرضه خمسة أشبار ، وجعلت المفتاح مع التابوت وطرحته في اليم بعد أن أرضعته أربعة أشهر وقال آخرون : ثلاثة أشهر وقال آخرون ثمانية أشهر ؛ في حكاية الكلبيوحكي أنه لما فرغ النجار من صنعة التابوت نم إلى فرعون بخبره ، فبعث معه من يأخذه ، فطمس الله عينيه وقلبه فلم يعرف الطريق ، فأيقن أنه المولود الذي يخاف منه فرعون ، فآمن من ذلك الوقت ؛ وهو مؤمن آل فرعون ؛ ذكره الماوردي. وقال ابن عباس : فلما توارى عنها ندمها الشيطان وقالت في نفسها : لو ذبح عندي فكفنته وواريته لكان أحب إلي من إلقائه في البحر
(13/251)





فقال الله تعالى : { إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أي إلى أهل مصر. حكى الأصمعي قال : سمعت جارية أعرابية تنشد وتقول :
أستغفر الله لذنبي كله ... قبلت إنسانا بغير حله
مثل الغزال ناعما في دله ... فأنتصف الليل ولم أصله
فقلت : قاتلك الله ما أفصحك ! فقالت : أو يعد هذا فصاحة مع قوله تعالى : {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الآية فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
قوله تعالى : {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} لما كان التقاطهم إياه يؤدي إلى كونه لهم عدوا وحزنا ؛ فاللام في {لِيَكُونَ} لام العاقبة ولام الصيرورة ؛ لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين ، فكان عاقبة ذلك أن كان لهم عدوا وحزنا ، فذكر الحال بالمآل ؛ كما قال الشاعر :
وللمنايا تربي كل مرضعة ... ودورنا لخراب الدهر نبنيها
وقال آخر :
فللموت تغذو الوالدات سخالها ... كما لخراب الدهر تبنى المساكن
أي فعاقبة البناء الخراب وإن كان في الحال مفروحا به والالتقاط وجود الشيء من غير طلب ولا إرادة ، والعرب تقول لما وجدته من غير طلب ولا إرادة : التقطه التقاطا ولقيت فلانا التقاطا قال الراجز :
ومنهل وردته التقاطا
ومن اللقطة وقد مضى بيان ذلك من الأحكام في سورة {يُوسُفُ} بما فيه كفاية وقرأ الأعمش ويحيى والمفضل وحمزة والكسائي وخلف : {وَحَزَناً} بضم الحاء وسكون الزاي والباقون بفتحهما واختاره أبو عبيد وأبو حاتم قال التفخيم فيه
(13/252)





وهما لغتان مثل العدم والعدم ، والسقم والسقم ، والرشد والرشد {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وكان وزيره من القبط {وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} أي عاصين مشركين آثمين.
قوله تعالى : {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ} يروى أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في البحر ، فأمرت بسوقه إليها وفتحه فرأت فيه صبيا صغيرا فرحمته وأحبته ؛ فقالت لفرعون : {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} أي هو قرة عين لي ولك فـ {قُرَّةُ} خبر ابتداء مضمر ؛ قاله الكسائي وقال النحاس : وفيه وجه آخر بعيد ذكره أبو إسحاق ؛ قال : يكون رفعا بالابتداء والخبر {لا تَقْتُلُوهُ} وإنما بعد لأنه يصير المعنى أنه معروف بأنه قرة عين وجوازه أن يكون المعنى : إذا كان قرة عين لي ولك فلا تقتلوه. وقيل : تم الكلام عند قوله : {وَلَكَ} النحاس : والدليل على هذا أن في قراءة عبدالله بن مسعود : {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} ويجوز النصب بمعنى لا تقتلوا قرة عين لي ولك وقالت : {لا تَقْتُلُوهُ} ولم تقل لا تقتله فهي تخاطب فرعون كما يخاطب الجبارون ؛ وكما يخبرون عن أنفسهم وقيل : قالت : {لا تَقْتُلُوهُ} فإن الله أتى به من أرض أخرى وليس من بني إسرائيل {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} فنصيب منه خيرا {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} وكانت لا تلد ، فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها ، وكان فرعون لما رأى الرؤيا وقصها على كهنته وعلمائه ـ على ما تقدم - قالوا له إن غلاما من بني إسرائيل يفسد ملكك ؛ فأخذ بني إسرائيل بذبح الأطفال ، فرأى أنه يقطع نسلهم فعاد يذبح عاما ويستحيي عاما ، فولد هارون في عام الاستحياء ، وولد موسى في عام الذبح.
قوله تعالى : {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} هذا ابتداء كلام من الله تعالى ؛ أي وهم لا يشعرون أن هلاكهم بسببه وقيل : هو من كلام المرأة ؛ أي وبنو إسرائيل لا يدرون أنا التقطناه ، ولا يشعرون إلا أنه ولدنا واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} فقالت فرقة : كان ذلك عند التقاطه التابوت لما أشعرت فرعون به
(13/253)





ولما أعلمته سبق إلى فهمه أنه من بني إسرائيل ، وأن ذلك قصد به ليتخلص من الذبح فقال : علي بالذباحين ؛ فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون : أما لي فلا. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له" وقال السدي : بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده ، فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ يذبحه ، وحينئذ خاطبته بهذا ، وجربته له في الياقوتة والجمرة ، فاحترق لسانه وعلق العقدة على ما تقدم في {طه} قال الفراء : سمعت محمد بن مروان الذي يقال له السدي يذكر عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس أنه قال : إنما قالت {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا} ثم قالت : {تَقْتُلُوهُ} قال الفراء : وهو لحن ؛ قال ابن الأنباري : وإنما حكم عليه باللحن لأنه لو كان كذلك لكان تقتلونه بالنون ؛ لأن الفعل المستقبل مرفوع حتى يدخل عليه الناصب أو الجازم ، فالنون فيه علامة الرفع قال الفراء : ويقويك على رده قراءة عبدالله بن مسعود {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ لا تَقْتُلُوهُ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} بتقديم {لا تَقْتُلُوهُ}
الآية : [10] {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
الآية : [11] {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}
الآية : [12] {وَحَرَّمنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ}
الآية : [13] {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}
الآية : [14] {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}
(13/254)





قوله تعالى : {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً} قال ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك وأبو عمران الجوني وأبو عبيدة : {فَارِغاً} أي خاليا من ذكر كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى وقال الحسن أيضا وابن إسحاق وابن زيد : {فَارِغاً} من الوحي إذ أوحى إليها حين أمرت أن تلقيه في البحر {وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي} والعهد الذي عهده إليها أن يرده ويجعله من المرسلين ؛ فقال لها الشيطان : يا أم موسى كرهت أن يقتل فرعون موسى فغرقتيه أنت ! ثم بلغها أن ولدها وقع في يد فرعون فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها وقال أبو عبيدة : {فَارِغاً} من الغم والحزن لعلمها أنه لم يغرق ؛ وقاله الأخفش أيضا وقال العلاء بن زياد : {فَارِغاً} نافرا الكسائي : ناسيا ذاهلا وقيل : والها ؛ رواه سعيد بن جبير ابن القاسم عن مالك : هو ذهاب العقل ؛ والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والدهش ، ونحوه قوله تعالى : {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ} أي جوف لا عقول لها كما تقدم في سورة {إبراهيم} وذلك أن القلوب مراكز العقول ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} ويدل عليه قراءة من قرأ : {فزعا} النحاس : أصح هذه الأقوال الأول ، والذين قالوه أعلم بكتاب الله عز وجل ؛ فإذا كان فارغا من كل شيء إلا من ذكر موسى فهو فارغ من الوحي وقول أبي عبيدة فارغا من الغم غلط قبيح ؛ لأن بعده {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كادت تقول وا إبناه ! وقرأ فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه ومحمد بن السميقع وأبو العالية وابن محيصن : {فزعا} بالفاء والعين المهملة من الفزع ، أي خائفة عليه أن يقتل ابن عباس : {قرعا} بالقاف والراء والعين المهملتين ، وهى راجعة إلى قراءة الجماعة {فارغا} ولذلك قيل للرأس الذي لا شعر عليه : أقرع ؛ لفراغه من الشعر وحكي قطرب أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : {فرغا} : الفاء والراء والغين المعجمة من غير ألف ، وهو كقولك : هدرا وباطلا ؛ يقال :
(13/255)





دماؤهم بينهم فرغ أي هدر ؛ والمعنى بطل قلبها وذهب وبقيت لا قلب لها من شدة ما ورد عليها وفي قوله تعالى : {وَأَصْبَحَ} وجهان : أحدهما : أنها ألقته ليلا فأصبح فؤادها في النهار فارغا الثاني : ألقته نهارا ومعنى : {وأصبح} أي صار ؛ كما قال الشاعر :
مضى الخلفاء بالأمر الرشيد ... وأصبحت المدينة للوليد
قوله تعالى : {إِنْ كَادَتْ} أي إنها كادت ؛ فلما حذفت الكناية سكنت النون فهي {إِنْ} المخففة ولذلك دخلت اللام في {لَتُبْدِي بِهِ} أي لتظهر أمره ؛ من بدا يبدو إذا ظهر قال ابن عباس : أي تصيح عند إلقائه : وا إبناه السدي : كادت تقول لما حملت لإرضاعه وحضانته هو ابني وقيل : إنه لما شب سمعت الناس يقولون موسى بن فرعون ؛ فشق عليها وضاق صدرها ، وكادت تقول هو ابني وقيل : الهاء في {بِهِ} عائدة إلى الوحي تقديره : إن كانت لتبدي بالوحي الذي أوحيناه إليها أن نرده عليها والأول أظهر قال ابن مسعود : كادت تقول أنا أمه وقال الفراء : إن كانت لتبدي باسمه لضيق صدرها. {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} قال قتادة : بالإيمان السدي : بالعصمة وقيل : بالصبر والربط على القلب : إلهام الصبر. {لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي من المصدقين بوعد الله حين قال لها : {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} وقال : {لَتُبْدِي بِهِ} ولم يقل : لتبديه ؛ لأن حروف الصفات قد تزاد في الكلام ؛ تقول : أخذت الحبل وبالحبل وقيل : أي لتبدي القول به.
قوله تعالى : {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} أي قالت أم موسى لأخت موسى : اتبعي أثره حتى تعلمي خبره واسمها مريم بنت عمران ؛ وافق اسمها اسم مريم أم عيسى عليه السلام ؛ ذكره السهيلي والثعلبي وذكر الماوردي عن الضحاك : أن اسمها كلثمة وقال السهيلي : كلثوم ؛ جاء ذلك في حديث رواه الزبير بن بكار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة : "أشعرت أن الله زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران وكلثوم أخت موسى وآسية امرأة فرعون" فقالت : الله أخبرك بهذا ؟ فقال : "نعم" فقالت : بالرفاء والبنين. {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ} أي بعد ؛ قال مجاهد ومنه الأجنبي
(13/256)





قال الشاعر :
فلا تحرمني نائلا عن جنابة ... فإني امرؤ وسط القباب غريب
وأصله عن مكان جنب وقال ابن عباس : {عَنْ جُنُبٍ} أي عن جانب وقرأ النعمان بن سالم : {عَنْ جانِبٍ} أي عن ناحية وقيل : عن شوق ؛ وحكى أبو عمرو بن العلاء أنها لغة لجذام ؛ يقولون : جنبت إليك أي أشتقت وقيل : {عَنْ جُنُبٍ} أي عن مجانبة لها منه فلم يعرفوا أنها أمه بسبيل وقال قتادة : جعلت تنظر إليه بناحية كأنها لا تريده ، وكان يقرأ : {عن جنب} بفتح الجيم وإسكان النون. {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أنها أخته لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى رأتهم قد أخذوه.
قوله تعالى : {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} أي منعناه من الارتضاع من قبل ؛ أي من قبل مجيء أمه وأخته و {الْمَرَاضِعَ} جمع مرضع ومن قال مراضيع فهو جمع مرضاع ، ومفعال يكون للتكثير ، ولا تدخل الهاء فيه فرقا بين المؤنث والمذكر لأنه ليس بجار على الفعل ، ولكن من قال مرضاعة جاء بالهاء للمبالغة ؛ كما يقال مطرابة قال ابن عباس : لا يؤتى بمرضع فيقبلها وهذا تحريم منع لا تحريم شرع ؛ قال امرؤ القيس :
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري ... إني امرؤ صرعي عليك حرام
أي ممتنع فلما رأت أخته ذلك قالت {أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} الآية. فقالوا لها عند قولها : {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} وما يدريك ؟ لعلك تعرفين أهله ؟ فقالت : لا ، ولكنهم يحرصون على مسرة الملك ، ويرغبون في ظئره وقال السدي وابن جريج : قيل لها لما قالت : {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} قد عرفت أهل هذا الصبي فدلينا عليهم ، فقالت : أردت وهم للملك ناصحون فدلتهم على أم موسى ، فانطلقت إليها بأمرهم فجاءت بها ، والصبي علي يد فرعون يعلله شفقة عليه ، وهو يبكي يطلب الرضاع ، فدفعه إليها ؛ فلما وجد الصبي
(13/257)





ريح أمة قبل ثديها وقال ابن زيد استرابوها حين قالت ذلك فقالت : وهم للملك ناصحون وقيل : إنها لما قالت : {أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} وكانوا يبالغون في طلب مرضعة يقبل ثديها فقالوا : من هي ؟ فقالت : أمي ، فقيل : لها لبن ؟ قالت : نعم ! لبن هارون ـ وكان ولد في سنة لا يقتل فيها الصبيان ـ فقالوا صدقت والله. {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} أي فيهم شفقة ونصح ، فروي أنه قيل لأم موسى حين ارتضع منها : كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك ؟ فقالت : إني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن ، لا أكاد أوتى بصبي إلا ارتضع مني قال أبو عمران الجوني : وكان فرعون يعطي أم موسي كل يوم دينارا قال الزمخشري : فإن قلت كيف حل لها أن تأخذ الأجر علي إرضاع ولدها ؟ قلت : ما كانت تأخذه على أنه أجر على الرضاع ، ولكنه مال حربي تأخذه علي وجه الاستباحة.
قوله تعالى : {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ} أي رددناه وقد عطف الله قلب العدو عليه ، ووفينا لها بالوعد {كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا} أي بولدها {وَلا تَحْزَنَ} أي بفراق ولدها {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي لتعلم وقوعه فإنها كانت عالمة بأن رده إليها سيكون. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} يعني أكثر آل فرعون لا يعلمون ؛ أي كانوا في غفلة عن التقرير وسر القضاء وقيل : أي أكثر الناس لا يعلمون أن وعد الله في كل ما وعد حق.
قوله تعالى : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} قد مضى الكلام في الأشد في {الأنعام} وقول ربيعة ومالك أنه الحُلُم أولى ما قيل فيه ، لقوله تعالي : {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} فإن ذلك أول الأشد ، وأقصاه أربع وثلاثون سنة ، وهو قول سفيان الثوري ، {وَاسْتَوَى} قال ابن عباس : بلغ أربعين سنة والحكم : الحكمة قبل النبوة وقيل : الفقة في الدين وقد مضى بيانها في {البقرة} وغيرها والعلم الفهم في قول السدي وقيل : النبوة وقال مجاهد : الفقه محمد بن إسحاق : أي العلم بما في دينه ودين آبائه ، وكان له تسعة من بني إسرائيل يسمعون منه ، ويقتدون به ، ويجتمعون إليه ، وكان هذا قبل النبوة.
(13/258)





{وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي كما جزينا أم موسى لما استسلمت لأمر الله ، وألقت ولدها في البحر ، وصدقت بوعد الله ، فرددنا ولدها إليها بالتحف والطرف وهي آمنة ، ثم وهبنا له العقل والحكمة والنبوة ، وكذلك نجزي كل محسن.
الآية : [15] {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}
الآية : [16] {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
الآية : [17] {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ}
الآية : [18] {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ}
الآية : [19] {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ}
قوله تعالى : {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} قيل : لما عرف موسى عليه السلام ما هو عليه من الحق في دينه ، عاب ما عليه قوم فرعون ؛ وفشا ذلك ، منه فأخافوه فخافهم ، فكان لا يدخل مدينة فرعون إلا خائفا مستخفيا وقال السدي : كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون ، وكان يركب مراكبه ، حتى كان يدعى موسى بن فرعون ؛ فركب فرعون يوما وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف ـ قال مقاتل على رأس فرسخين من مصر ـ ثم علم موسى بركوب فرعون ، فركب بعده ولحق بتلك القرية في وقت
(13/259)





القائلة ، وهو وقت الغفلة ؛ قال ابن عباس وقال أيضا : هو بين العشاء والعتمة وقال ابن إسحاق : بل المدينة مصر نفسها ، وكان موسى في هذا الوقت قد أظهر خلاف فرعون ، وعاب عليهم عبادة فرعون والأصنام ، فدخل مدينة فرعون يوما على حين غفلة من أهلها قال سعيد بن جبير وقتادة : وقت الظهيرة والناس نيام وقال ابن زيد : كان فرعون قد نابذ موسى وأخرجه من المدينة ، وغاب عنها سنين وجاء والناس على غفلة بنسيانهم لأمره ، وبعد عهدهم به ، وكان ذلك يوم عيد وقال الضحاك : طلب أن يدخل المدينة وقت غفلة أهلها ، فدخلها حين علم ذلك منهم ، فكان منه من قتل الرجل من قبل أن يؤمر بقتله ، فاستغفر ربه فغفر له ويقال في الكلام : دخلت المدينة حين غفل أهلها ، ولا يقال : على حين غفل أهلها ؛ فدخلت {عَلَى} في هذه الآية لأن الغفلة هي المقصودة ؛ فصار هذا كما تقول : جئت على غفلة ، وإن شئت قلت : جئت على حين غفلة ، وكذا الآية. {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} والمعنى : إذا نظر إليهما الناظر قال هذا من شيعته ؛ أي من بني إسرائيل. {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} أي من قوم فرعون. {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ} أي طلب نصره وغوثه ، وكذا قال في الآية بعدها : {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} أي يستغيث به على قبطي آخر وإنما أغاثه لأن نصر المظلوم دين في الملل كلها على الأمم ، وفرض في جميع الشرائع قال قتادة : أراد القبطي أن يسخر الإسرائيلي ليحمل حطبا لمطبخ فرعون فأبى عليه ، فاستغاث بموسي قال سعيد بن جبير : وكان خبازا لفرعون. {فَوَكَزَهُ مُوسَى} قال قتادة : بعصاه وقال مجاهد : بكفه ؛ أي دفعه والوكز واللكز واللهز واللهد بمعنى واحد ، وهو الضرب بجمع الكف مجموعا كعقد ثلاثة وسبعين وقرأ ابن مسعود : {فَلَكَزَهُ} وقيل : اللكز في اللحى والوكز على القلب وحكى الثعلبي أن في مصحف عبدالله بن مسعود {فَنكَزَهُ} بالنون والمعنى واحد وقال الجوهري عن أبي عبيدة : اللكز الضرب بالجمع على الصدر وقال أبو زيد : في جميع الجسد ، واللهز : الضرب بجمع اليد في الصدر مثل اللكز ؛ عن أبي عبيدة أيضا وقال أبو زيد : هو بالجمع في اللهازم والرقبة ؛ والرجل ملهز بكسر الميم
(13/260)





وقال الأصمعي : نكزه ؛ أي ضربه ودفعه الكسائي : نهزه مثل نكزه ووكزه ، أي ضربه ودفعه ولهده لهدا أي دفعه لذله فهو ملهود ؛ وكذلك لهده ؛ قال طرفة يذم رجلا :
بطيء عن الداعي سريع إلى الخنا ... ذلول بإجماع الرجال ملهد
أي مدفع وإنما شدد للكثرة وقالت عائشة رضي الله عنها : فلهدني ـ تعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ لهدة أوجعني ؛ خرجه مسلم ففعل موسى عليه السلام ذلك وهو لا يريد قتله ، إنما قصد دفعه فكانت فيه نفسه ، وهو معنى : {فَقَضَى عَلَيْهِ} وكل شيء أتيت عليه وفرغت منه فقد قضيت عليه قال :
قد عضه فقضي عليه الأشجع
قوله تعالى : {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} أي من إغوائه قال الحسن : لم يكن يحل قتل الكافر يومئذ في تلك الحال ؛ لأنها كانت حال كف عن القتال. {إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} خبر بعد خبر. {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ} ندم موسى عليه السلام على ذلك الوكز الذي كان فيه ذهاب النفس ، فحمله ندمه على الخضوع لربه والاستغفار من ذنبه قال قتادة : عرف والله المخرج فاستغفر ؛ ثم لم يزل صلى الله عليه وسلم يعدد ذلك على نفسه ، مع علمه بأنه قد غفر له ، حتى أنه في القيامة يقول : إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها وإنما عدده على نفسه ذنبا وقال : {ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} من أجل أنه لا ينبغي لنبي أن يقتل حتى يؤمر ، وأيضا فإن الأنبياء يشفقون مما لا يشفق منه غيرهم قال النقاش : لم يقتله عن عمد مريدا للقتل ، وإنما وكزه وكزة يريد بها دفع ظلمه قال وقد قيل : إن هذا كان قبل النبوة وقال كعب : كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة ، وكان قتله مع ذلك خطأ ؛ فإن الوكزة واللكزة في الغالب لا تقتل وروى مسلم عن سالم بن عبدالله أنه قال : يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة سمعت أبي عبدالله بن عمر يقول سمعت
(13/261)





رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الفتنة تجيء من ها هنا وأومأ بيده نحو المشرق - من حيث يطلع قرنا الشيطان وأنتم بعضكم يضرب رقاب بعض وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله عز وجل : {وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً}
قوله تعالى : {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} فيه مسألتان :
الأولى- قوله تعالى : أي من المعرفة والحكم والتوحيد {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} أي عونا للكافرين قال القشيري : ولم يقل بما أنعمت علي من المغفرة ؛ لأن هذا قبل الوحي ، وما كان عالما بأن الله غفر له ذلك القتل وقال الماوردي : {بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} فيه وجهان : أحدهما : من المغفرة ؛ وكذلك ذكر المهدوي والثعلبي. قال المهدوي : {بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} من المغفرة فلم تعاقبني. الوجه الثاني : من الهداية
قلت : قوله : {فَغَفَرَ لَهُ} يدل على المغفرة ؛ والله أعلم قال الزمخشري قوله تعالى : {بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} يجوز أن يكون قسما جوابه محذوف تقديره ؛ أقسم بإنعامك علي بالمغفرة لأتوبن {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} وأن يكون استعطافا كانه قال : رب أعصمني بحق ما أنعمت علي من المغفرة فلن أكون إن عصمتني ظهيرا للمجرمين وأراد بمظاهرة المجرمين إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته ، وتكثير سواده ، حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد ، وكان يسمى ابن فرعون ؛ وإما بمظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم ، كمظاهرة الإسرائيلي المؤدية إلي القتل الذي لم يحل له قتله وقيل : أراد إني وإن أسأت في هذا القتل الذي لم أومر به فلا أترك نصرة المسلمين على المجرمين ، فعلى هذا كان الإسرائيلي مؤمنا ونصرة المؤمن واجبه في جميع الشرائع وقيل في بعض الروايات : إن ذلك الإسرائيلي كان كافرا وإنما قيل له إنه من شيعته لأنه كان إسرائيليا ولم يرد الموافقة في الدين ، فعلى هذا ندم لأنه أعان كافر علي كافر ، فقال : لا أكون بعدها ظهيرا للكافرين وقيل : ليس هذا خبرا بل هو دعاء ؛ أي فلا أكون بعد هذا ظهيرا أي فلا تجعلني يا رب ظهيرا للمجرمين وقال الفراء :
(13/262)





" صفحة رقم 263 "
المعنى اللهم فلن أكون ظهيرا للمجرمين وزعم أن قوله هذا هو قول بن عباس قال النحاس : وأن يكون بمعنى الخبر أولى وأشبه بنسق الكلام كما يقال : لا أعصيك لأنك أنعمت علي وهذا قول بن عباس على الحقيقة لا ما حكاه الفراء لأن بن عباس قال : لم يستثن فابتلى من ثاني يوم والاستثناء لا يكون في الدعاء لا يقال : اللهم اغفر لي إن شئت وأعجب الأشياء أن الفراء روى عن بن عباس هذا ثم حكى عنه قوله قلت : قد مضى هذا المعنى ملخصا مبينا في سورة النمل وأنه خبر لا دعاء وعن بن عباس : لم يستثن فابتلي به مرة أخرى يعني لم يقل فلن أكون إن شاء الله وهذا نحو قوله : ولا تركنوا إلى الذين ظلموا الثانية قال سلمة بن نبيط : بعث عبد الرحمن بن مسلم إلى الضحاك بعطاء أهل بخارى وقال : أعطهم فقال : أعفني فلم يزل يستعفيه حتى أعفاه فقيل له ما عليك أن تعطيهم وأنت لا ترزؤهم شيئا وقال : لا أحب أن أعين الظلمة على شيء من أمرهم وقال عبيد الله بن الوليد الوصافي قلت لعطاء بن أبي رباح : إن لي أخا يأخذ بقلمه وإنما يحسب ما يدخل ويخرج وله عيال ولو ترك ذلك لاحتاج وأدان فقال : من الرأس قلت : خالد بن عبد الله القسري قال : أما تقرأ ما قال العبد الصالح : رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين قال بن عباس : فلم يستثن فابتلي به ثانية فأعانه الله فلا يعينهم أخوك فإن الله يعينه قال عطاء : فلا يحل لأحد أن يعين ظالما ولا يكتب له ولا يصحبه وأنه إن فعل شيئا من ذلك فقد صار معينا للظالمين وفي الحديث : ) ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأشباه الظلمة وأعوان الظلمة حتى من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فيجمعون في تابوت من حديد فيرمى به في جهنم ) ويروى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) من مشي مع مظلوم ليعينه على مظلمته ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة يوم تزل فيه الأقدام ومن مشي مع ظالم ليعينه على ظلمه أزل الله قدميه على الصراط يوم تدحض فيه الأقدام ) وفي الحديث : ) من مشي مع ظالم فقد أجرم ) فالمشي مع الظالم لا يكون جرما
(13/263)





إلا إذا مشي معه ليعينه ، ولأنه ارتكب نهي الله تعالى في قول سبحانه وتعالى : {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
قوله تعالى : {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً} قد تقدم في {طه} وغيرها أن الأنبياء صلوات الله عليهم يخافون ؛ ردا على من قال غير ذلك ، وأن الخوف لا ينافي المعرفة بالله ولا التوكل عليه فقيل : أصبح خائفا من قتل النفس أن يؤخذ بها وقيل خائفا من قومه أن يسلموه وقيل : خائفا من الله تعالى. {يَتَرَقَّبُ} قال سعيد بن جبير : يتلفت من الخوف وقيل : ينتظر الطلب ، وينتظر ما يتحدث به الناس وقال قتادة : {يَتَرَقَّبُ} أي يترقب الطلب وقيل : خرج يستخبر الخبر ولم يكن أحد علم بقتل القبطي غير الإسرائيلي. و {أَصْبَحَ} يحتمل أم يكون بمعنى صار أي لما قتل صار خائفا ومحتمل أن يكون دخل في الصباح ، أي في صباح اليوم الذي يلي يومه {خَائِفاً} منصوب على أنه خبر {أَصْبَحَ} ، وإن شئت على الحال ، ويكون الظرف في موضع الخبر {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} أي فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي خلصه بالأمس يقاتل قبطيا آخر أرد أن يسخره والاستصراخ الاستغاثة وهو من الصراخ ، وذلك لأن المستغيث يصرخ ويصوت في طلب الغوث قال :
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع ... كان الصراخ له قرع الظنابيب
قيل : كان هذا الإسرائيلي المستنصر السامري استسخره طباخ فرعون في حمل الحطب إلي المطبخ ؛ ذكره القشيري و {الَّذِي} رفع بالابتداء {يَسْتَصْرِخُهُ} في موضع الخبر ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال وأمس لليوم الذي قبل يومك ، وهو مبني علي على الكسر لالتقاء الساكنين فإذا دخله الألف واللام أو الإضافة تمكن فأعرب بالرفع والفتح عند أكثر النحويين ومنهم من يبنيه وفيه الألف واللام وحكى سيبويه وغيره أن
(13/264)





من العرب من يجري أمس مجري ما لا ينصرف في موضع الرفع خاصة ، وربما اضطر الشاعر ففعل هذا في الخفض والنصب وقال الشاعر :
لقد رأيت عجبا مذ أمسا
فخفض بمذ ما مضى واللغة الجيدة الرفع ، فأجري أمس في الخفض مجراه في الرفع على اللغة. {قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} والغوي الخائب ، وأي لأنك تشاد من لا تطيقه وقيل : مضل بين الضلالة ؛ قتلت بسببك أمس رجلا ، وتدعوني اليوم لآخر والغوي فعيل من أغوي يغوي ، وهو بمعنى مغو ؛ وهو كالوجيع والأليم بمعنى الموجع والمؤلم وقيل : الغوي بمعنى الغاوي أي إنك لغوي في قتال من لا تطيق دفع شره عنك ، وقال الحسن : إنما قال للقبطي : {يَسْتَصْرِخُهُ} في استسخار هذا الإسرائيلي وهم أن يبطش به ، ويقال : بطش يبطش ويبطش والضم أقيس لأنه فعل لا يتعدى. {قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي} قال ابن جبير : أراد موسى أن يبطش بالقبطي فتوهم الإسرائيلي أنه يريده ، لأنه أغلظ له في القول فقال : {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ} فسمع القبطي الكلام فأفشاه وقيل : أراد أن يبطش الإسرائيلي بالقبطي فنهاه موسى فخاف منه ؛ فقال : {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ} {إِنْ تُرِيدُ} أي ما تريد .{إ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ} أي قتالا وقال عكرمة والشعبي : لا يكون الإنسان جبارا حتى يقتل نفسين بغير حق {وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} أي من الذين يصلحون بين الناس.
الآية : [20] { وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}
الآية : [21] {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
الآية : [20] {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}
(13/265)





قوله تعالى : {وَجَاءَ رَجُلٌ} قال أكثر أهل التفسير : هذا الرجل هو حزقيل بن صبورا مؤمن آل فرعون ، وكان ابن عم فرعون ؛ ذكره الثعلبي وقيل : طالوت ؛ ذكره السهيلي وقال المهدوي عن قتادة : شمعون مؤمن آل فرعون وقيل : شمعان ؛ قال الدارقطني : لا يعرف شمعان بالشين المعجمة إلا مؤمن آل فرعون وروي أن فرعون أمر بقتل موسى فسبق ذلك الرجل بالخبر ؛ فـ {قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} أي يتشاورون في قتلك بالقبطي الذي قتلته بالأمس وقيل : يأمر بعضهم بعضا قال الأزهري : ائتمر القوم وتآمروا أي أم بعضهم بعضا ؛ نظيره قوله : {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} وقال النمر بن تولب :
أرى الناس قد أحدثوا شيمة ... وفي كل حادثة يؤتمر
{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} أي ينتظر الطلب. {قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قيل : الجبار الذي يفعل ما يريده من الضرب والقتل بظلم ، لا ينظر في العواقب ، ولا يدفع بالتي هي أحسن وقيل : المتعظم الذي لا يتواضع لأمر الله تعالى
قوله تعالى : {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} لما خرج موسى عليه السلام فارا بنفسه منفردا خائفا ، لا شيء معه من زاد ولا راحلة ولا حذاء نحو مدين ، للنسب الذي بينه وبينهم ؛ لأن مدين من ولد إبراهيم ، وموسى من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ؛ ورأى حاله وعدم معرفته بالطريق ، وخلوه من زاد وغيره ، أسند أمره إلى الله تعالى بقوله : {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} وهذه حالة المضطر.
قلت : روي أنه كان يتقوت ورق الشجر ، وما وصل حتى سقط خف قدميه قال أبو مالك : وكان فرعون وجه في طلبه وقال لهم : اطلبوه في ثنيات الطريق ، فإن موسى لا يعرف الطريق فجاءه ملك راكبا فرسا ومعه عنزة ، فقال لموسى اتبعني فاتبعه فهداه إلى الطريق ، فيقال : إنه أعطاه العنزة فكانت عصاه ويروى أن عصاه إنما أخذها لرعيي الغنم من مدين وهو أكثر وأصح قال مقاتل والسدي : إن الله بعث إليه جبريل ؛ فالله أعلم. وبين مدين ومصر ثمانية أيام ؛ قال ابن جبير والناس وكان ملك مدين لغير فرعون.
(13/266)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: