منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 26 أبريل - 16:59

تفسير سورة النمل





الآية : [41] {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ}
الآية : [42] {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}
الآية : [43] {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}
قوله تعالى : { قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} أي غيروه. قيل : جعل أعلاه أسفله ، وأسفله أعلاه. وقيل : غيّر بزيادة أو نقصان. قال الفراء وغيره : إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له : إن في عقلها شيئا فأراد أن يمتحنها. وقيل : خافت الجن أن يتزوج بها سليمان فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبدا ، فقالوا لسليمان : إنها ضعيفة العقل ، ورجلها كرجل الحمار ؛ فقال : {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} لنعرف عقلها. وكان لسليمان ناصح من الجن ، فقال كيف لي أن أرى قدميها من غير أن أسألها كشفها ؟ فقال : أنا أجعل في هذا القصر ماء ، وأجعل فوق الماء زجاجا ، تظن أنه ماء فترفع ثوبها فترى قدميها ؛ فهذا هو الصرح الذي أخبر الله تعالى عنه.
قوله تعالى : {فَلَمَّا جَاءَتْ} يريد بلقيس ، {قِيلَ} لها {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } شبهته به لأنها خلفته تحت الأغلاق ، فلم تقر بذلك ولم تنكر ، فعلم سليمان كمال عقلها. قال عكرمة : كانت حكيمة فقالت : {كَأَنَّهُ هُوَ }. وقال مقاتل : عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها ؛ ولو قيل لها : أهذا عرشك لقالت نعم هو ؛ وقاله الحسن بن الفضل أيضا. وقيل : أراد سليمان أن يظهر لها أن الجن مسخرون له ، وكذلك الشياطين لتعرف أنها نبوة وتؤمن به. وقد قيل هذا في مقابلة تعميتها الأمر في باب الغلمان والجواري. {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا} قيل : هو من قول بلقيس ؛ أي أوتينا العلم بصحة نبوة سليمان من قبل هذه الآية في العرش {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} منقادين لأمره. وقيل : هو من قول سليمان أي أوتينا العلم
(13/207)




بقدرة الله على ما يشاء من قبل هذه المرة. وقيل : {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ} بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها. وقيل : هو من كلام قوم سليمان. والله أعلم.
قوله تعالى : {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الوقف على {مِنْ دُونِ اللَّهِ} حسن ؛ والمعنى : منعها من أن تعبد الله ما كانت تعبد من الشمس والقمر فـ {مَا} في موضع رفع. النحاس : المعنى ؛ أي صدها عبادتها من دون الله وعبادتها إياها عن أن تعلم ما علمناه عن أن تسلم. ويجوز أن يكون {مَا} في موضع نصب ، ويكون التقدير : وصدها سليمان عما كانت تعبد من دون الله ؛ أي حال بينها وبينه. ويجوز أن يكون المعنى : وصدها الله ؛ أي منعها الله عن عبادتها غيره فحذفت {عن} وتعدى الفعل. نظيره : {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف : 155] أي من قومه. وأنشد سيبويه :
ونبئت عبدالله بالجو أصبحت ... كراما مواليها لئيما صميمها
وزعم أن المعنى عنده نبئت عن عبدالله. {إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} قرأ سعيد بن جبير : {إِنَّهَا} بفتح الهمزة ، وهي في موضع نصب بمعنى ، لأنها. ويجوز أن يكون بدلا من {مَا} فيكون في موضع رفع إن كانت {مَا} فاعلة الصد. والكسر على الاستئناف.
الآية : [44] {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّه}
قوله تعالى : {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} التقدير عند سيبويه : ادخلي إلى الصرح فحذف إلى وعدي الفعل. وأبو العباس يغلطه في هذا ؛ قال : لأن دخل يدل على مدخول. وكان الصرح صحنا من زجاج تحته ماء وفيه الحيتان ، عمله ليريها ملكا أعظم من ملكها ؛ قاله مجاهد.
(13/208)




وقال قتادة : كان من قوارير خلفه ماء {حَسِبَتْهُ لُجَّةً} أي ماء. وقيل : الصرح القصر ؛ عن أبي عبيدة. كما قال :
تحسب أعلامهن الصروحا
وقيل : الصرح الصحن ؛ كما يقال : هذه صرحة الدار وقاعتها ؛ بمعنى. وحكى أبو عبيدة في الغريب المصنف أن الصرح كل بناء عال مرتفع من الأرض ، وأن الممرد الطويل. النحاس : أصل هذا أنه يقال لكل بناء عمل عملا واحدا صرح ؛ من قولهم : لبن صريح إذا لم يشبه ماء ؛ ومن قولهم : صرح بالأمر ، ومنه : عربي صريح. وقيل : عمله ليختبر قول الجن فيها إن أمها من الجن ، ورجلها رجل حمار ؛ قاله وهب بن منبه. فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد بها الغرق : وتعجبت من كون كرسيه على الماء ، ورأت ما هالها ، ولم يكن لها بد من امتثال الأمر. {وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا} فإذا هي أحسن الناس ساقا ؛ سليمة مما قالت الجن ، غير أنها كانت كثيرة الشعر ، فلما بلغت هذا الحد ، قال لها سليمان بعد أن صرف بصره عنها : {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ } والممرد المحكوك المملس ، ومنه الأمرد. وتمرد الرجل إذ أبطأ خروج لحيته بعد إدراكه ؛ قاله الفراء. ومنه الشجرة المرداء التي لا ورق عليها. ورملة مرداء إذا كانت لا تنبت. والممرد أيضا المطول ، ومنه قيل للحصن مارد. أبو صالح : طويل على هيئة النخلة. ابن شجرة : واسع في طوله وعرضه. قال :
غدوت صباحا باكرا فوجدتهم ... قبيل الضحا في السابري الممرد
أي الدروع الواسعة. وعند ذلك استسلمت بلقيس وأذعنت وأسلمت وأقرت على نفسها بالظلم ؛ على ما يأتي. ولما رأى سليمان عليه السلام قدميها قال لناصحه من الشياطين : كيف لي أن أقلع هذا الشعر من غير مضرة بالجسد ؟ فدله على عمل النورة ، فكانت النورة والحمامات من يومئذ. فيروى أن سليمان تزوجها عند ذلك وأسكنها الشام ؛ قاله الضحاك.
(13/209)




وقال سعيد بن عبدالعزيز في كتاب النقاش : تزوجها وردها إلى ملكها : باليمن ، وكان يأتيها على الريح كل شهر مرة ؛ فولدت له غلاما سماه داود مات في زمانه. وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "كانت بلقيس من أحسن نساء العالمين ساقين وهي من أزواج سليمان عليه السلام في الجنة" فقالت عائشة : هي أحسن ساقين مني ؟ فقال عليه السلام : "أنت أحسن ساقين منها في الجنة" ذكره القشيري. وذكر الثعلبي عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من اتخذ الحمامات سليمان بن داود فلما ألصق ظهره إلى الجدار فمسه حرها قال أواه من عذاب الله" . ثم أحبها حبا شديدا وأقرها على ملكها باليمن ، وأمر الجن فبنوا لها ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا : سلحون وبينون وعمدان ، ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة ، ويقيم عندها ثلاثة أيام. وحكى الشعبي أن ناسا من حمير حفروا مقبرة الملوك ، فوجدوا فيها قبرا معقودا فيه امرأة حلل منسوجة بالذهب ، وعند رأسها لوح رخام فيه مكتوب :
يا أيها الأقوام عوجوا معا ... وأربعوا في مقبري العيسا
لتعلموا أني تلك التي ... قد كنت أدعى الدهر بلقيسا
شيدت قصر الملك في حمير ... قومي وقدما كان مأنوسا
وكنت في ملكي وتدبيره ... أرغم في الله المعاطيسا
بعلي سليمان النبي الذي ... قد كان للتوراة دريسا
وسخر الريح له مركبا ... تهب أحيانا رواميسا
مع ابن داود النبي الذي ... قدسه الرحمن تقديسا
وقال محمد بن إسحاق ووهب بن منبه : لم يتزوجها سليمان ، وإنما قال لها : اختاري زوجا ؛ فقالت : مثلي لا ينكح وقد كان لي من الملك ما كان. فقال : لا بد في الإسلام من ذلك. فاختارت ذا تبع ملك همدان ، فزوجه إياها وردها إلى اليمن ، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يطيعه ، فبنى له المصانع ، ولم يزل أميرا حتى مات سليمان. وقال قوم : لم يرد فيه خبر صحيح
(13/210)




لا في أنه تزوجها ولا في أنه زوجها. وهي بلقيس بنت السرح بن الهداهد بن شراحيل بن أدد بن حدر بن السرح بن الحرس بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وكان جدها الهداهد ملكا عظيم الشأن قد ولد له أربعون ولدا كلهم ملوك ، وكان ملك أرض اليمن كلها ، وكان أبوها السرح يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤا لي ، وأبى أن يتزوج منهم ، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن ، فولدت له بلقمة وهي بلقيس ، ولم يكن له ولد غيرها. وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم : "كان أحد أبوي بلقيس جنيا" فمات أبوها ، واختلف عليها قومها فرقتين ، وملكوا أمرهم رجلا فساءت سيرته ، حتى فجر بنساء رعيته ، فأدركت بلقيس الغيرة ، فعرضت عليه نفسها فتزوجها ، فسقته الخمر حتى حزت رأسه ، ونصبته على باب دارها فملكوها. وقال أبو بكرة : ذكرت بلقيس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" .
ويقال : إن سبب تزوج أبيها من الجن أنه كان وزيرا لملك عات يغتصب نساء الرعية ، وكان الوزير غيورا فلم يتزوج ، فصحب مرة في الطريق رجلا لا يعرفه ، فقال هل لك من زوجة ؟ فقال : لا أتزوج أبدا ، فإن ملك بلدنا يغتصب النساء من أزواجهن ، فقال لئن تزوجت ابنتي لا يغتصبها أبدا. قال : بل يغتصبها. قال : إنا قوم من الجن لا يقدر علينا ؛ فتزوج ابنته فولدت له بلقيس ؛ ثم ماتت الأم وابتنت بلقيس قصرا في الصحراء ، فتحدث أبوها بحديثها غلطا ، فنمى للملك خبرها فقال له : يا فلان تكون عندك هذه البنت الجميلة وأنت لا تأتيني بها ، وأنت تعلم حبي للنساء ثم أمر بحبسه ، فأرسلت بلقيس إليه إني بين يديك ؛ فتجهز للمسير إلى قصرها ، فلما هم بالدخول بمن معه أخرجت إليه الجواري من بنات الجن مثل صورة الشمس ، وقلن له ألا تستحي ؟ تقول لك سيدتنا أتدخل بهؤلاء الرجال معك على أهلك فأذن لهم بالانصراف ودخل وحده ، وأغلقت عليه الباب وقتلته بالنعال ، وقطعت رأسه ورمت به إلى عسكره ، فأمروها عليهم ، فلم تزل كذلك إلى أن
(13/211)




بلغ الهدهد خبرها سليمان عليه السلام. وذلك أن سليمان لما نزل في بعض منازله قال الهدهد : إن سليمان قد اشتغل بالنزول ، فارتفع نحو السماء فأبصر طول الدنيا وعرضها ، فأبصر الدنيا يمينا وشمالا ، فرأى بستانا لبلقيس فيه هدهد ، وكان اسم ذلك الهدهد عفير ، فقال عفير اليمن ليعفور سليمان : من أين أقبلت ؟ وأين تريد ؟ قال : أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود. قال : ومن سليمان ؟ قال : ملك الجن والإنس والشياطين والطير والوحش والريح وكل ما بين السماء والأرض. فمن أين أنت ؟ قال : من هذه البلاد ؛ ملكها امرأة يقال لها بلقيس ، تحت يدها اثنا عشر ألف قيل ، تحت يد كل قيل مائة ألف مقاتل من سوى النساء والذراري ؛ فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها ، ورجع إلى سليمان وقت العصر ، وكان سليمان قد فقده وقت الصلاة فلم يجده ، وكانوا على غير ماء.
قال ابن عباس في رواية : وقعت عليه نفحة من الشمس. فقال لوزير الطير : هذا موضع من ؟ قال : يا نبي الله هذا موضع الهدهد قال : وأين ذهب ؟ قال : لا أدوي أصلح الله الملك. فغضب سليمان وقال : {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} [النمل : 21] الآية. ثم دعا بالعقاب سيد الطير وأصرمها وأشدها بأسا فقال : ما تريد يا نبي الله ؟ فقال : علي بالهدهد الساعة. فرفع العقاب نفسه دون ، السماء حتى لزق بالهواء ، فنظر إلى الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ، فإذا هو بالهدهد مقبلا من نحن اليمن ، فانقض نحوه وأنشب فيه مخلبه. فقال له الهدهد : أسألك بالله الذي أقدرك وقواك علي إلا رحمتني. فقال له : الويل لك ؛ وثكلتك أمك! إن نبي الله سليمان حلف أن يعذبك أو يذبحك. ثم أتى به فاستقبلته النسور وسائر عساكر الطير. وقالوا الويل لك ؛ لقد توعدك نبي الله. فقال : وما قدري وما أنا! أما استثنى ؟ قالوا : بلى إنه قال : {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل : 21] ثم دخل على سليمان فرفع رأسه ، وأرخى ذنبه وجناحيه تواضعا لسليمان عليه السلام. فقال له سليمان : أين كنت عن خدمتك ومكانك ؟ لأعذبنك عذابا شديدا أو لأذبحنك. فقال له الهدهد : يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله بمنزلة وقوفي بين يديك. فاقشعر جلد سليمان وارتعد وعفا عنه. وقال عكرمة : إنما صرف الله سليمان عن ذبح الهدهد أنه
(13/212)




كان بارا بوالديه ؛ ينقل الطعام إليهما فيزقهما. ثم قال له سليمان : ما الذي أبطأ بك ؟ فقال الهدهد ما أخبر الله عن بلقيس وعرشها وقومها حسبما تقدم بيانه. قال الماوردي : والقول بأن أم بلقيس جنية مستنكر من العقول لتباين الجنسين ، واختلاف الطبعين ، وتفارق الحسين ؛ لأن الآدمي جسماني والجن روحاني ، وخلق الله الآدمي من صلصال كالفخار ، وخلق الجان من مارج من نار ، ويمنع الامتزاج مع هذا التباين ، ويستحيل التناسل مع هذا الاختلاف.
قلت : قد مضى القول في هذا ، والعقل لا يحيله مع ما جاء من الخبر في ذلك ، وإذا نظر في أصل الخلق فأصله الماء على ما تقدم بيانه ، ولا بعد في ذلك ؛ والله أعلم. وفي التنزيل {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الإسراء : 64] وقد تقدم. وقال تعالى : {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن : 56]. على ما يأتي في {الرَّحْمَنِ}.
قوله تعالى : {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} أي بالشرك الذي كانت عليه ؛ قاله ابن شجرة. وقال سفيان : أي بالظن الذي توهمته في سليمان ؛ لأنها لما أمرت بدخول الصرح حسبته لجة ، وأن سليمان يريد تغريقها فيه. فلما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن. وكسرت {إِنَّ} لأنها مبتدأة بعد القول. ومن العرب من يفتحها فيعمل فيها القول. {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إذا سكنت {مع} فهي حرف جاء لمعنى بلا اختلاف بين النحويين. وإذا فتحتها ففيها قولان : أحدهما : أنه بمعنى الظرف اسم. والآخر : أنه حرف خافض مبني على الفتح ؛ قال النحاس :
الآية : [45] {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}
الآية : [46] {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
الآية : [47] {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ}
(13/213)




قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا} تقدم معناه. {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} قال مجاهد : أي مؤمن وكافر ؛ قال : والخصومة ما قصه الله تعالى في قوله : {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} [الأعراف : 75] إلى قوله : {كَافِرُونَ}. وقيل : تخاصمهم أن كل فرقة قالت : نحن على الحق دونكم.
قوله تعالى : {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} قال مجاهد : بالعذاب قبل الرحمة ؛ المعنى : لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب ، وتقدمون الكفر الذي يوجب العقاب ؛ فكان الكفار يقولون لفرط الإنكار : ايتنا بالعذاب. وقيل : أي لم تفعلون ما تستحقون به العقاب ؛ لا أنهم التمسوا تعجيل العذاب. {لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} أي هلا تتوبون إلى الله من الشرك. {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكي ترحموا ؛ وقد تقدم.
قوله تعالى : {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} أي تشاءمنا. والشؤم النحس. ولا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة. ومن ظن أن خوار بقرة أو نعيق غراب يرد قضاء ، أو يدفع مقدورا فقد جهل. وقال الشاعر :
طيرة الدهر لا ترد قضاء ... فاعذر الدهر لا تشبه بلوم
أي يوم يخصه بسعود ... والمنايا ينزلن في كل يوم
ليس يوم إلا وفيه سعود ... ونحوس تجري لقوم فقوم
وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة ، وكانت إذا أرادت سفرا نفرت طائرا ، فإذا طار يمنة سارت وتيمنت ، وإن طار شمالا رجعت وتشاءمت ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال : "أقِروا الطير على وكناتها" على ما تقدم بيانه في {المائدة}. {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} أي مصائبكم. {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} أي تمتحنون. وقيل : تعذبون بذنوبكم.
(13/214)




الآية : [48] {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}
الآية : [49] {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}
قوله تعالى : {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ} أي في مدينة صالح وهي الحجر {تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} أي تسعة رجال من أبناء أشرافهم. قال الضحاك. كان هؤلاء التسعة عظماء أهل المدينة ، وكانوا يفسدون في الأرض ويأمرون بالفساد ، فجلسوا عند صخرة عظيمة فقلبها الله عليهم. وقال عطاء بن أبي رباح : بلغني أنهم كانوا يقرضون الدنانير والدراهم ، وذلك من الفساد في الأرض ؛ وقاله سعيد بن المسيب. وقيل : فسادهم أنهم يتبعون عورات الناس ولا يسترون عليهم. وقيل : غير هذا. واللازم من الآية ما قاله الضحاك وغيره أنهم كانوا من أوجه القوم وأقناهم وأغناهم ، وكانوا أهل كفر ومعاص جمة ؛ وجملة أمرهم أنهم يفسدون ولا يصلحون. والرهط اسم للجماعة ؛ فكأنهم كانوا رؤساء يتبع كل واحد منهم رهط. والجمع أرهط وأراهط. قال :
يا بؤس للحرب التي ... وضعت أراهط فاستراحوا
وهؤلاء المذكورون كانوا أصحاب قُدَار عاقر الناقة ؛ ذكره ابن عطية.
قلت : واختلف في أسمائهم ؛ فقال الغزنوي : وأسماؤهم قدار بن سالف ومصدع وأسلم ودسما وذهيم وذعما وذعيم وقتال وصداق. ابن إسحاق : رأسهم قدار بن سالف ومصدع بن مهرع ، فاتبعهم سبعة ؛ هم بلع بن ميلع ودعير بن غنم وذؤاب بن مهرج وأربعة لم تعرف أسماؤهم. وذكر الزمخشري أسماءهم عن وهب بن منبه : الهذيل بن عبد رب ، غنم بن غنم ، رياب بن مهرج ، مصدع بن مهرج ، عمير بن كردبة ، عاصم بن مخرمة ، سبيط بن صدقة ، سمعان بن صفي ، قدار بن سالف ؛ وهم الذين سعوا في عقر الناقة ، وكانوا عتاة قوم صالح ، وكانوا من أبناء أشرافهم. السهيلي : ذكر النقاش التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، وسماهم بأسمائهم ، وذلك لا ينضبط برواية ؛ غير أني أذكره على وجه الاجتهاد
(13/215)




والتخمين ، ولكن نذكره على ما وجدناه في كتاب محمد بن حبيب ، وهم : مصدع بن دهر. ويقال دهم ، وقدار بن سالف ، وهريم وصواب ورياب وداب ودعما وهرما ودعين بن عمير.
قلت : وقد ذكر الماوردي أسماءهم عن ابن عباس فقال : هم دعما ودعيم وهرما وهريم وداب وصواب ورياب ومسطح وقدار ، وكانوا بأرض الحجر وهي أرض الشام.
قوله تعالى : {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} يجوز أن يكون {تَقَاسَمُوا} فعلا مستقبلا وهو أمر ؛ أي قال بعضهم لبعض احلفوا. ويجوز أن يكون ماضيا في معنى الحال كأنه قال : قالوا متقاسمين بالله ؛ ودليل هذا التأويل قراءة عبدالله : {يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ. تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} وليس فيها {قَالُوا} . قراءة العامة بالنون فيهما واختاره أبو حاتم. وقرأ حمزة والكسائي : بالتاء فيهما ، وضم التاء واللام على الخطاب أي أنهم تخاطبوا بذلك ؛ واختاره أبو عبيد. وقرأ مجاهد وحميد بالياء فيهما ، وضم الياء واللام على الخبر. والبيات مباغتة العدو ليلا. ومعنى {لِوَلِيِّهِ} أي لرهط صالح الذي له ولاية الدم. {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} أي ما حضرنا ، ولا ندري من قتله وقتل أهله .{وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} في إنكارنا لقتله والمهلك بمعنى الإهلاك ؛ ويجوز أن يكون الموضع. وقرأ عاصم والسلمي : "بفتح الميم واللام" أي الهلاك ؛ يقال : ضرب يضرب مضربا أي ضربا. وقرأ المفضل وأبو بكر : "بفتح الميم وجر اللام" فيكون اسم المكان كالمجلس لموضع الجلوس ؛ ويجوز أن يكون مصدرا ؛ كقوله تعالى : {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} [يونس : 4] أي رجوعكم.
الآية : [50] {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}
الآية : [51] {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}
الآية : [52] {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
الآية : [53] {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}
(13/216)




قوله تعالى : {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} مكرهم ما روي أن هؤلاء التسعة لما كان في صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة ، وقد أخبرهم صالح بمجيء العذاب ، اتفقوا وتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلا ويقتلوه وأهله المختصين به ؛ قالوا : فإذا كان كاذبا في وعيده أوقعنا به ما يستحق ، وإن كان صادقا كنا عجلناه قبلنا ، وشفينا نفوسنا ؛ قال مجاهد وغيره. قال ابن عباس : أرسل الله تعالى الملائكة تلك الليلة ، فامتلأت بهم دار صالح ، فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم ، فقتلهم الملائكة رضخا بالحجارة فيرون الحجارة ولا يرون من يرميها. وقال قتادة : خرجوا مسرعين إلى صالح ، فسلط عليهم ملك بيده صخرة فقتلهم. وقال السدي : نزلوا على جرف من الأرض ، فانهار بهم فأهلكهم الله تحته. وقيل : اختفوا في غار قريب من دار صالح ، فانحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعا ، فهذا ما كان من مكرهم. ومكر الله مجازاتهم على ذلك. {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} أي بالصيحة التي أهلكتهم. وقد قيل : إن هلاك الكل كان بصيحة جبريل. والأظهر أن التسعة هلكوا بعذاب مفرد ؛ ثم هلك الباقون بالصيحة والدمدمة. وكان الأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وحمزة والكسائي يقرؤون : {أَنَّا} بالفتح ؛ وقال ابن الأنباري : فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على {عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ} لأن {أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} خبر كان. ويجوز أن تجعلها في موضع رفع على الإتباع للعاقبة. ويجوز أن تجعلها في موضع نصب من قول الفراء ، وخفض من قول الكسائي على معنى : بأنا دمرناهم ولأنا دمرناهم. ويجوز أن تجعلها في موضع نصب على الإتباع لموضع {كَيْفَ} فمن هذه المذاهب لا يحسن الوقف على {مَكْرِهِمْ} وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : {إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} بكسر الألف على الاستئناف ؛ فعلى هذا المذهب يحسن الوقف على {مَكْرِهِمْ} . قال النحاس : ويجوز أن تنصب {عَاقِبَةُ} على خبر {كَانَ} ويكون {إِنَّا} في موضع رفع على أنها اسم {كان} . ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ تبيينا للعاقبة ؛ والتقدير : هي إنا دمرناهم ؛ قال أبو حاتم : وفي حرف أُبَي {إِنَّ دَمَّرْنَاهُمْ} تصديقا لفتحها.
(13/217)




قوله تعالى : {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} قراءة العامة بالنصب على الحال عند الفراء والنحاس ؛ أي خالية عن أهلها خرابا ليس بها ساكن. وقال الكسائي وأبو عبيدة : {خَاوِيَةً} نصب على القطع ؛ مجازه : فتلك بيوتهم الخاوية ، فلما قطع منها الألف واللام نصب على الحال ؛ كقوله : {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً} [النحل : 52]. وقرأ عيسى بن عمر ونصر بن عاصم والجحدري : بالرفع على أنها خبر عن {تِلْكَ} و {بُيُوتُهُمْ} بدل من {تِلْكَ} . ويجوز أن تكون {بُيُوتُهُمْ} عطف بيان و {خَاوِيَةً} خبر عن {تِلْكَ} . ويجوز أن يكون رفع {خَاوِيَةً} على أنها خبر ابتداء محذوف ؛ أي هي خاوية ، أو بدل من {بُيُوتُهُمْ} لأن النكرة تبدل من المعرفة. {ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} بصالح {وَكَانُوا يَتَّقُونَ} الله ويخافون عذابه. قيل : آمن بصالح قدر أربعة آلاف رجل. والباقون خرج بأبدانهم - في قول مقاتل وغيره - خراج مثل الحمص ؛ وكان في اليوم الأول أحمر ، ثم صار من الغد أصفر ، ثم صار في الثالث أسود. وكان عقر الناقة يوم الأربعاء ، وهلاكهم يوم الأحد. قال مقاتل : فقعت تلك الخراجات ، وصاح جبريل بهم خلال ذلك صيحة فخمدوا ، وكان ذلك ضحوة. وخرج صالح بمن آمن معه إلى حضرموت ؛ فلما دخلها مات صالح ؛ فسميت حضرموت. قال الضحاك : ثم بنى الأربعة الآلاف مدينة يقال لها حاضورا ؛ على ما تقدم بيانه في قصة أصحاب الرس.
الآية : [54] {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}
الآية : [55] {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}
الآية : [56] {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}
الآية : [57] {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ}
الآية : [58] {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ}
(13/218)




قوله تعالى : {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} أي وأرسلنا لوطا ، أو اذكر لوطا {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} وهم أهل سدوم. وقال لقومه : {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} الفعلة القبيحة الشنيعة. {وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} أنها فاحشة ، وذلك أعظم لذنوبكم. وقيل : يأتي بعضكم بعضا وأنتم تنظرون إليه. وكانوا لا يستترون عتوا منهم وتمردا. {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} أعاد ذكرها لفرط قبحها وشنعتها. {لْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} إما أمر التحريم أو العقوبة. واختيار الخليل وسيبويه تخفيف الهمزة الثانية من {َإِنَّكُمْ} فأما الخط فالسبيل فيه أن يكتب بألفين على الوجوه كلها ؛ لأنها همزة مبتدأة دخلت عليها ألف الاستفهام.
قوله تعالى : {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي عن أدبار الرجال. يقولون ذلك استهزاء منهم ؛ قاله مجاهد. وقال قتادة : عابوهم والله بغير عيب بأنهم يتطهرون من أعمال السوء. {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} وقرأ عاصم : {قَدَّرْنَا} مخففا والمعنى واحد. يقال قد قدرت الشيء قدرا وقدرا وقدرته. {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} أي من أنذر فلم يقبل الإنذار. وقد مضى بيانه.
الآية : [59] {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}
الآية : [60] {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}
الآية : [61] {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}
(13/219)




قوله تعالى : {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} قال الفراء : قال أهل المعاني : قيل للوط {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} على هلاكهم. وخالف جماعة من العلماء الفراء في هذا وقالوا : هو مخاطبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ أي قل الحمد لله على هلاك كفار الأمم الخالية. قال النحاس : وهذا أولى ، لأن القرآن منزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ما فيه فهو مخاطب به عليه السلام إلا ما لم يصح معناه إلا لغيره. وقيل : المعنى ؛ أي {قُلِ} يا محمد {الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} يعني أمته عليه السلام. قال الكلبي : اصطفاهم الله بمعرفته وطاعته. وقال ابن عباس وسفيان : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شيء وحكمته ، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده. وفيه تعليم حسن ، وتوقيف على أدب جميل ، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما ، والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين ، وإصغائهم إليه ، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع. ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب ، فحمدوا الله وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد ، وقبل كل عظة وفي مفتتح كل خطبة ، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني ، وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن.
قوله تعالى : {الَّذِينَ اصْطَفَى} اختار ؛ أي لرسالته وهم الأنبياء عليهم السلام ؛ دليله قوله تعالى : {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات : 181]. {آللَّهِ خَيْرٌ} وأجاز أبو حاتم {أأللَّهِ خَيْرٌ} بهمزتين. النحاس : ولا نعلم أحدا تابعه على ذلك ؛ لأن هذه المدة إنما جيء بها فرقا بين الاستفهام والخبر ، وهذه ألف التوقيف ، و {خَيْرٌ} ههنا ليس بمعنى أفضل منك ، وإنما هو مثل قول الشاعر :
أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء
فالمعنى فالذي فيه الشر منكما للذي فيه الخير الفداء. ولا يجوز أن يكون بمعنى من لأنك إذا قلت : فلان شر من فلان ففي كل واحد منهما شر. وقيل : المعنى ؛ الخير في هذا
(13/220)




أم في هذا الذي تشركونه في العبادة! وحكى سيبويه : السعادة أحب إليك أم الشقاء ؛ وهو يعلم أن السعادة أحب إليه. وقيل : هو على بابه من التفضيل ، والمعنى : آلله خير أم ما تشركون ؛ أي أثوابه خير أم عقاب ما تشركون. وقيل : قال لهم ذلك ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خير فخاطبهم الله عز وجل على اعتقادهم. وقيل : اللفظ لفظ الاستفهام ومعناه الخبر. وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب : {ريشركون} بياء على الخبر. الباقون بالتاء على الخطاب ، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية يقول : "بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم" .
قوله تعالى : {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} قال أبو حاتم : تقديره ؛ آلهتكم خير أم من خلق السماوات والأرض ؛ وقد تقدم. ومعناه : قدر على خلقهن. وقيل : المعنى ؛ أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خير أم عبادة من خلق السماوات والأرض ؟ فهو مردود على ما قبله من المعنى ؛ وفيه معنى التوبيخ لهم ، والتنبيه على قدرة الله عز وجل وعجز آلهتهم. {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} الحديقة البستان الذي عليه حائط. والبهجة المنظر الحسن. قال الفراء : الحديقة البستان المحظر عليه حائط ، وإن لم يكن عليه حائط فهو البستان وليس بحديقة. وقال قتادة وعكرمة : الحدائق النخل ذات بهجة ، والبهجة الزينة والحسن ؛ يبهج به من رآه. {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} {مَا} للنفي. ومعناه الحظر والمنع من فعل هذا ؛ أي ما كان للبشر ، ولا يتهيأ لهم ، ولا يقع تحت قدرتهم ، أن ينبتوا شجرها ؛ إذ هم عجزة عن مثلها ، لأن ذلك إخراج الشيء من العدم إلى الوجود.
قلت : وقد يستدل من هذا على منع تصوير شيء سواء كان له روح أم لم يكن ؛ وهو قول مجاهد. ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم : "قال الله عز وجل ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة" رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ؛ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله عز وجل" فذكره ؛ فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله وضاهاه في التشبيه في خلقه
(13/221)




فيما انفرد به سبحانه من الخلق والاختراع هذا واضح. وذهب الجمهور إلى أن تصوير ما ليس فيه روح يجوز هو والاكتساب به. وقد قال ابن عباس للذي سأل أن يصنع الصور : إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له خرجه مسلم أيضا. والمنع أولى والله أعلم لما ذكرنا. وسيأتي لهذا مزيد بيان في {سَبَأ} إن شاء الله تعالى ثم قال على جهة التوبيخ : {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي هل معبود مع الله يعينه على ذلك. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} بالله غيره. وقيل : {يَعْدِلُونَ} عن الحق والقصد ؛ أي يكفرون. وقيل : {إِلَهٌ} مرفوع بـ {مَعَ} تقديره : أمع الله ويلكم إله. والوقف على {مَعَ اللَّهِ} حسن.
قوله تعالى : {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً} أي مستقرا. {وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً} أي وسطها مثل : {وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً} [الكهف : 33]. {وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} يعني جبالا ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة. {وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً} مانعا من قدرته لئلا يختلط الأجاج بالعذب. وقال ابن عباس : سلطانا من قدرته فلا هذا يغير ذاك ولا ذاك يغير هذا. والحجز المنع. {إِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أي إذا ثبت أنه لا يقدر على هذا غيره فلم يعبدون ما لا يضر ولا ينفع. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} يعني كأنهم يجهلون الله فلا يعلمون ما يجب له من الوحدانية.
(13/222)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمية قطبى سالم محمد
دويمابي برتبة ملازم
دويمابي برتبة ملازم
سمية قطبى سالم محمد


عدد الرسائل : 262

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالجمعة 27 أبريل - 23:11

سبحان الله ان لفى القراءن قصص وعبر.....................شكرا استاذ فوزى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: