منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 15 فبراير - 20:02





تفسير سورة الشعراء
...
سورة الشعراء
مقدمة السورة
هي مكية في قول الجمهور. وقال مقاتل : منها مدني ؛ الآية التي يذكر فيها الشعراء ، وقوله : {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ} [الشعراء : 197]. وقال ابن عباس وقتادة : مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة من قوله : {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء : 224] إلى آخرها. وهي مائتان وسبع وعشرون آية. وفي رواية : ست وعشرون. وعن ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أعطيت السورة التي تذكر فيها البقرة من الذكر الأول وأعطيت طه وطسم من ألواح موسى وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش وأعطيت المفصل نافلة" . وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني المبين مكان الإنجيل وأعطاني الطواسين مكان الزبور وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي" .
الآية : [1] {طسم}
الآية : [2] {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}
الآية : [3] {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}
الآية : [4] {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}
الآية : [5] {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ}
الآية : [6] {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}
الآية : [7] {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}
الآية : [8] {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ}
الآية : [9] {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}
(13/86)





قوله تعالى : {طسم} قرأ الأعمش ويحيى وأبو بكر والمفضل وحمزة والكسائي وخلف : بإمالة الطاء مشبعا في هذه السورة وفي أختيها. وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة والزهري : بين اللفظين ؛ واختاره أبو عبيد وأبو حاتم. وقرأ الباقون بالفتح مشبعا. قال الثعلبي : وهي كلها لغات فصيحة. وقد مضى في {طه} قول النحاس في هذا. قال النحاس : وقرأ المدنيون وأبو عمرو وعاصم والكسائي : {طسم} بإدغام النون في الميم ، والفراء يقول بإخفاء النون. وقرأ الأعمش : وحمزة : {طسين ميم} بإظهار النون. قال النحاس : للنون الساكنة والتنوين أربعة أقسام عند سيبويه : يبينان عند حروف الحلق ، ويدغمان عند الراء واللام والميم والواو والياء ، ويقلبان ميما عند الباء ويكونان من الخياشيم ؛ أي لا يبينان ؛ فعلى هذه الأربعة الأقسام التي نصها سيبويه لا تجوز هذه القراءة ؛ لأنه ليس ها هنا حرف من حروف الحلق فتبين النون عنده ، ولكن في ذلك وجيه : وهو أن حروف المعجم حكمها أن يوقف عليها ، فإذا وقف عليها تبينت النون. قال الثعلبي : الإدغام اختيار أبي عبيد وأبي حاتم قياسا على كل القرآن ، وإنما أظهرها أولئك للتبيين والتمكين ، وأدغمها هؤلاء لمجاورتها حروف الفم. قال النحاس : وحكى أبو إسحاق في كتابه "فيما يجرى وفيما لا يجرى" أنه يجوز أن يقال : {طسين ميم} بفتح النون وضم الميم ، كما يقال هذا معدي كرب. وقال أبو حاتم : قرأ خالد : {طسين ميم} . ابن عباس : {طسم} قسم وهو اسم من أسماء الله تعالى ، والمقسم عليه : {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً} . وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن أقسم الله به. مجاهد : هو اسم السورة ؛ ويحسن افتتاح السورة. الربيع : حساب مدة قوم. وقيل : قارعة تحل بقوم. {طسم} و {طس} واحد. قال :
وفاؤكما كالربع أشجاةُ طاسمهُ ... بأن تسعدا والدمع أشقاهُ ساجمهُ
(13/87)





وقال القرظي : أقسم الله بطول وسنائه وملكه. وقال عبدالله بن محمد بن عقيل : الطاء طور سيناء والسين إسكندرية والميم مكة. وقال جعفر بن محمد بن علي : الطاء شجرة طوبى ، والسين سدرة المنتهى ، والميم محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل : الطاء من الطاهر والسين من القدوس - وقيل : من السميع وقيل : من السلام - والميم من المجيد. وقيل : من الرحيم. وقيل : من الملك. وقد مضى هذا المعنى في أول سورة {البقرة} والطواسيم والطواسين سور في القرآن جمعت على غير قياس. وأنشد أبو عبيدة :
وبالطواسيم التي قد ثلثت ... وبالحواميم التي قد سبعت
قال الجوهري : والصواب أن تجمع بذوات وتضاف إلى واحد ، فيقال : ذوات طسم وذوات حم.
قوله تعالى : {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} رفع على إضمار مبتدأ أي هذه {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} التي كنتم وعدتم بها ؛ لأنهم قد وعدوا في التوراة والإنجيل بإنزال القرآن. وقيل : {تِلْكَ} بمعنى هذه. {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} أي قاتل نفسك ومهلكها. وقد مضى في {الكهف} بيانه. {أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي لتركهم الإيمان. قال الفراء : "أن" في موضع نصب ؛ لأنها جزاء. قال النحاس : وإنما يقال : بإن مكسورة لأنها جزاء ؛ كذا المتعارف. والقول في هذا ما قاله أبو إسحاق في كتابه في القرآن ؛ قال : {أَنَّ} في موضع نصب مفعول من أجله ؛ والمعنى لعلك قاتل نفسك لتركهم الإيمان. {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً} أي معجزة ظاهرة وقدرة باهرة فتصير معارفهم ضرورية ، ولكن سبق القضاء بأن تكون المعارف نظرية. وقال أبو حمزة الثمالي في هذه الآية : بلغني أن لهذه الآية صوتا يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان ؛ تخرج به العواتق من البيوت وتضج له الأرض. وهذا فيه بعد ؛ لأن المراد قريش لا غيرهم. {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} أي فتظل أعناقهم {لَهَا خَاضِعِينَ} قال مجاهد : أعناقهم كبراؤهم ؛ وقال النحاس : ومعروف في اللغة ؛ يقال : جاءني عنق من الناس أي رؤساء منهم. أبو زيد والأخفش : {أَعْنَاقُهُمْ} جماعاتهم ؛
(13/88)





يقال : جاءني عنق من الناس أي جماعة. وقيل : إنما أراد أصحاب الأعناق ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. قتادة : المعنى لو شاء لأنزل آية يذلون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية. ابن عباس : نزلت فينا وفي بني أمية ستكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد معاوية ؛ ذكره الثعلبي والغزنوي فالله أعلم. وخاضعين وخاضعة هنا سواء ؛ قاله عيسى بن عمر واختاره المبرد. والمعنى : إنهم إذا ذلت رقابهم ذلوا ؛ فالإخبار عن الرقاب إخبار عن أصحابها. ويسوغ في كلام العرب أن تترك الخبر عن الأول وتخبر عن الثاني ؛ قال الراجز :
طول الليالي أسرعت في نقضي ... طوين طولي وطوين عرضي
فأخبر عن الليالي وترك الطول. وقال جرير :
أرى مر السنين أخذن مني ... كما أخذ السرار من الهلال
وإنما جاز ذلك لأنه لو أسقط مر وطول من الكلام لم يفسد معناه ؛ فكذلك رد الفعل إلى ، الكناية في قوله : {فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ} لأنه لو أسقط الأعناق لما فسد الكلام ، ولأدى ما بقي من الكلام عنه حتى يقول : فظلوا لها خاضعين. وعلى هذا اعتمد الفراء وأبو عبيدة. والكسائي يذهب إلى ، أن المعنى خاضعيها هم ، وهذا خطأ عند البصريين والفراء. ومثل هذا الحذف لا يقع في شيء من الكلام ؛ قاله النحاس.
قوله تعالى : {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} تقدم. {فَقَدْ كَذَّبُوا} أي أعرضوا ومن أعرض عن شيء ولم يقبله فهو تكذيب له. {فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وعيد لهم ؛ أي فسوف يأتيهم عاقبة ما كذبوا والذي استهزؤوا به.
قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} نبه على عظمته وقدرته وأنهم لو رأوا بقلوبهم ونظروا ببصائرهم لعلموا أنه الذي يستحق أن يعبد ؛ إذ هو القادر على كل شيء. والزوج هو اللون ؛ قال الفراء. و {كَرِيمٍ} حسن شريف ، وأصل
(13/89)





الكرم في اللغة الشرف والفضل ، فنخلة كريمة أي فاضلة كثيرة الثمر ، ورجل كريم شريف ، فاضل صفوح. ونبتت الأرض وأنبتت بمعنى. وقد تقدم في سورة {البقرة} والله سبحانه هو المخرج والمنبت له. وروي عن الشعبي أنه قال : الناس من نبات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ، ومن صار إلى النار فهو لئيم. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} أي فيما ذكر من الإنبات في الأرض لدلالته على أن الله قادر ، لا يعجزه شيء. {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} أي مصدقين لما سبق من علمي فيهم. و {كَانَ} هنا صلة في قول سيبويه ؛ تقديره : وما أكثرهم مؤمنين. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} يريد المنيع المنتقم من أعدائه ، الرحيم بأوليائه.
الآية : [10] {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
الآية : [11] {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ}
الآية : [12] {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ}
الآية : [13] {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ}
الآية : [14] {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}
الآية : [15] {قَالَ كَلا فَاذْهَبَا بِآياتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ}
قوله تعالى : {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} {إِذْ} في موضع نصب ؛ المعنى : واتل عليهم {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} ويدل على هذا أن بعده. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} [الشعراء : 69] ذكره النحاس. وقيل : المعنى ؛ واذكر إذا نادى كما صرح به في قوله : {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ} [الأحقاف : 21] وقوله : {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ} [ص : 45] وقوله : "واذكر في الكتاب مريم} [مريم : 16]. وقيل : المعنى ؛ {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} كان كذا وكذا. والنداء الدعاء بيا فلان ، أي قال ربك يا موسى : {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ثم أخبر من هم فقال ، {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ} "فـ {قَوْمَ} بدل ؛ ومعنى {أَلا يَتَّقُونَ} ألا يخافون عقاب الله ؟ وقيل : هذا من الإيماء إلى الشيء لأنه أمره أن يأتي القوم الظالمين ، ودل قوله : {يَتَّقُونَ} على أنهم لا يتقون ، وعلى أنه أمرهم بالتقوى. وقيل : المعنى ؛ قل لهم {أَلا يَتَّقُونَ} وجاء بالياء لأنهم غيب وقت الخطاب ، ولو جاء بالتاء
(13/90)





لجاز. ومثله {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران : 12] بالتاء والياء. وقد قرأ عبيد بن عمير وأبو حازم {أَلا يَتَّقُونَ} بتاءين أي قل لهم {أَلا يَتَّقُونَ} . {قَالَ رَبِّ} أي قال موسى : {نِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} أي في الرسالة والنبوة. {وَيَضِيقُ صَدْرِي} لتكذيبهم إياي. وقراءة العامة {وَيَضِيقُ} {وَلا يَنْطَلِقُ} بالرفع على الاستئناف. وقرأ يعقوب وعيسى بن عمرو أبو حيوة : {وَيَضِيقُ - وَلا يَنْطَلِقُ} بالنصب فيهما ردا على قوله : {أَنْ يُكَذِّبُونِ} قال الكسائي : القراءة بالرفع ؛ يعني في {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} من وجهين : أحدهما الابتداء والآخر بمعنى وإني يضيق صدري ولا ينطلق لساني يعني نسقا على {إِنِّي أَخَافُ} قال الفراء : ويقرأ بالنصب. حكي ذلك عن الأعرج وطلحة وعيسى بن عمر وكلاهما له وجه. قال النحاس : الوجه لرفع ؛ لأن النصب عطف على "يكذبون" وهذا بعيد يدل على ذلك قوله عز وجل : {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه : 27 - 28] فهذا يدل على أن هذه كذا. {وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} في المحاجة على ما أحب ؛ وكان في لسانه عقدة على ما تقدم في {طه}. {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} أرسل إليه جبريل بالوحي ، واجعله رسولا معي ليؤازرني ويظاهرني ويعاونني. ولم يذكر هنا ليعينني ؛ لأن المعنى كان معلوما ، وقد صرح به في سورة {طه} : {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً} [طه : 29] وفي القصص : {أَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} [القصص : 34] وكأن موسى أذن له في هذا السؤال ، ولم يكن ذلك استعفاء من الرسالة بل طلب من يعينه. ففي هذا دليل على أن من لا يستقل بأمر ، ويخاف من نفسه تقصيرا ، أن يأخذ من يستعين به عليه ، ولا يلحقه في ذلك لوم.
قوله تعالى : {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} الذنب هنا قتل القبطي واسمه فاثور على ما يأتي في {القصص} بيانه ، وقد مضى في {طه} ذكره. وخاف موسى أن يقتلوه به ، ودل على أن الخوف قد يصحب الأنبياء والفضلاء والأولياء مع معرفتهم بالله وأن لا فاعل إلا هو ؛ إذ قد يسلط من شاء على من شاء {قَالَ كَلاَّ} أي كلا لن يقتلوك. فهو ردع وزجر عن هذا الظن ، وأمر بالثقة بالله تعالى ؛ أي ثق بالله وانزجر عن خوفك منهم ؛ فإنهم لا يقدرون على قتلك ،
(13/91)





ولا يقوون عليه. {فَاذْهَبَا} أي أنت وأخوك فقد جعلته رسولا معك. {بِآيَاتِنَا} أي ببراهيننا وبالمعجزات. وقيل : أي مع آياتنا. {إِنَّا مَعَكُمْ} يريد نفسه سبحانه وتعالى. {مُسْتَمِعُونَ} أي سامعون ما يقولون وما يجاوبون. وإنما أراد بذلك تقوية قلبيهما وأنه يعينهما ويحفظهما. والاستماع إنما يكون بالإصغاء ، ولا يوصف الباري سبحانه بذلك. وقد وصف سبحانه نفسه بأنه السميع البصير. وقال في {طه} : {أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه : 46] وقال : {مَعَكُمْ} فأجراهما مجرى الجمع ؛ لأن الاثنين جماعة. ويجوز أن يكون لهما ولمن أرسلا إليه. ويجوز أن يكون لجميع بني إسرائيل.
الآية : [16] {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
الآية : [17] {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ}
الآية : [18] {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}
الآية : [19] {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
الآية : [20] {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}
الآية : [21] {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
الآية : [22 ]{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ}
قوله تعالى : {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال أبو عبيدة : رسول بمعنى رسالة والتقدير على هذا ؛ إنا ذوو رسالة رب العالمين. قال الهذلي :
ألكني إليها وخير الرسول ... أعلمهم بنواحي الخبر
ألكني إليها معناه أرسلني. وقال آخر :
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم ... بسر ولا أرسلتهم برسول
(13/92)





آخر :
ألا أبلغ بني عمرو رسولا ...
بأني عن فتاحتكم غني
وقال العباس بن مرداس :
ألا من مبلغ عنى خفافا ... رسولا بيت أهلك منتهاها
يعني رسالة فلذلك أنثها. قال أبو عبيد : ويجوز أن يكون الرسول في معنى الاثنين والجمع ؛ فتقول العرب : هذا رسولي ووكيلي ، وهذان رسولي ووكيلي ، وهؤلاء رسولي ووكيلي. ومنه قوله تعالى : {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي} [الشعراء : 77]. وقيل : معناه إن كل واحد منا رسول رب العالمين. {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ} أي أطلقهم وخل سبيلهم حتى يسيروا معنا إلى فلسطين ولا تستعبدهم ؛ وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة ، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفا. فانطلقا إلى فرعون فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه ، فدخل البواب على فرعون فقال : ها هنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين. فقال فرعون : ايذن له لعلنا نضحك منه ؛ فدخلا عليه وأديا الرسالة. وروى وهب وغيره : أنهما لما دخلا على فرعون وجداه وقد أخرج سباعا من أسد ونمور وفهود يتفرج عليها ، فخاف سواسها أن تبطش بموسى وهارون ، فأسرعوا إليها ، وأسرعت السباع إلى موسى وهارون ، فأقبلت تلحس أقدامهما ، وتبصبص إليهما بأذنابها ، وتلصق خدودها بفخذيهما ، فعجب فرعون من ذلك فقال : ما أنتما ؟ قالا : {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فعرف موسى لأنه نشأ في بيته ؛ فـ {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً} على جهة المن عليه والاحتقار. أي ربيناك صغيرا ولم نقتلك في جملة من قتلنا {وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} فمتى كان هذا الذي تدعيه. ثم قرره بقتل القبطي بقوله : {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} والفعلة بفتح الفاء المرة من الفعل. وقرأ الشعبي : "فعلتك" بكسر الفاء والفتح أولى ؛ لأنها المرة الواحدة ، والكسر بمعنى الهيئة والحال ، أي فعلتك التي تعرف فكيف تدعي مع علمنا أحوالك بأن الله أرسلك. وقال الشاعر :
كأن مشيتها من بيت جارت ... هامر السحابة لا ريث ولا عجل
(13/93)





ويقال : كان ذلك أيام الردة والردة. {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} قال الضحاك : أي في قتلك القبطي إذ هو نفس لا يحل قتله. وقيل : أي بنعمتي التي كانت لنا عليك من التربية والإحسان إليك ؛ قاله ابن زيد. الحسن : {مِنَ الْكَافِرِينَ} في أني إلهك. السدي : {مِنَ الْكَافِرِينَ} بالله لأنك كنت معنا على ديننا هذا الذي تعيبه. وكان بين خروج موسى عليه السلام حين قتل القبطي وبين رجوعه نبيا أحد عشر عاما غير أشهر. فـ {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً} أي فعلت تلك الفعلة يريد قتل القبطي {وَأَنَا} إذ ذاك {مِنَ الضَّالِّينَ} أي من الجاهلين ؛ فنفى عن نفسه الكفر ، وأخبر أنه فعل ذلك على الجهل. وكذا قال مجاهد ؛ {مِنَ الضَّالِّينَ} من الجاهلين. ابن زيد : من الجاهلين بأن الوكزة تبلغ القتل. وفي مصحف عبدالله "من الجاهلين" ويقال لمن جهل شيئا ضل عنه. وقيل : {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} من الناسين ؛ قاله أبو عبيدة. وقيل : {وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} عن النبوة ولم يأتني عن الله فيه شيء ، فليس علي فيما فعلته في تلك الحالة توبيخ. وبين بهذا أن التربية فيهم لا تنافي النبوة والحلم على الناس ، وأن القتل خطأ أو في وقت لم يكن فيه شرع لا ينافي النبوة.
قوله تعالى : {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} أي خرجت من بينكم إلى مدين كما في سورة "القصص" : {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص : 21] وذلك حين القتل. {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} يعني النبوة ؛ عن السدي وغيره. الزجاج : تعليم التوراة التي فيها حكم الله. وقيل : علما وفهما. {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.
قوله تعالى : {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ} اختلف الناس في معنى هذا الكلام ؛ فقال السدي والطبري والفراء : هذا الكلام من موسى عليه السلام على جهة الإقرار بالنعمة ؛ كأنه يقول : نعم ؟ وتربيتك نعمة علي من حيث عبدت غيري وتركتني ، ولكن لا يدفع ذلك رسالتي. وقيل : هو من موسى عليه السلام على جهة الإنكار ؛ أي أتمن علي بأن ربيتني وليدا وأنت قد استعبدت بني إسرائيل وقتلتهم ؟ ! أي ليست بنعمة ؟ لأن الواجب كان ألا تقتلهم ولا تستعبدهم فإنهم قومي ؛ فكيف تذكر إحسانك إلي على
(13/94)





الخصوص ؟ ! قال معناه قتادة وغيره. وقيل : فيه تقدير استفهام ؛ أي أو تلك نعمة ؟ قاله الأخفش والفراء أيضا وأنكره النحاس وغيره. قال النحاس : وهذا لا يجوز لأن ألف الاستفهام تحدث معنى ، وحذفها محال إلا أن يكون في الكلام أم ؛ كما قال الشاعر :
تروح من الحي أم تبتكر
ولا أعلم بين النحويين اختلافا في هذا إلا شيئا قاله الفراء. قال : يجوز ألف الاستفهام في أفعال الشك ، وحكي ترى زيدا منطلقا ؟ بمعنى أترى. وكان علي بن سليمان يقول في هذا : إنما أخذه من ألفاظ العامة. قال الثعلبي : قال الفراء ومن قال إنها إنكار قال معناه أو تلك نعمة ؟ على طريق الاستفهام ؛ كقوله : {هَذَا رَبِّي} [الأنعام : 76] {فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء : 34]. قال الشاعر :
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع ... فقلت وأنكرت الوجوه هم هم
وأنشد الغزنوي شاهدا على ترك الألف قولهم :
لم أنس يوم الرحيل وقفتها ... وجفنها من دموعها شرق
وقولها والركاب واقفة ... تركتني هكذا وتنطلق
قلت : ففي هذا حذف ألف الاستفهام مع عدم أم خلاف قول النحاس. وقال الضحاك : إن الكلام خرج مخرج التبكيت والتبكيت يكون ، باستفهام وبغير استفهام ؛ والمعنى : لو. لم تقتل بني إسرائيل لرباني أبواي ؛ فأي نعمة لك علي! فأنت تمن علي بما لا يجب أن تمن به. وقيل : معناه كيف تمن بالتربية وقد أهنت قومي ؟ ومن أهين قومه ذل. و {أَنْ عَبَّدْتَ} في موضع رفع على البدل من {نِعْمَةَ} ويجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى : لأن عبدت بني إسرائيل ؛ أي اتخذتهم عبيدا. يقال : عبدته وأعبدته بمعنى ؛ قال الفراء وأنشد :
علام يُعْبِدُني قومي وقد كثرت ... فيهم أباعر ما شاؤوا وعِبدان
(13/95)





الآية : [23] {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}
الآية : [24] {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}
الآية : [25] {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ}
الآية : [26] {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ}
الآية : [27] {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}
الآية : [28] {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}
الآية : [29] {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}
الآية : [30] {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ}
الآية : [31] {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
الآية : [32] {فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين}
الآية : [33] {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ}
الآية : [34] {قَالَ لِلْمَلأِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}
الآية : [35] {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}
الآية : [36] {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ}
الآية : [37] {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}
الآية : [38] {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}
الآية : [39] {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ}
الآية : [40] {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}
الآية : [41] {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}
الآية : [42] {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}
الآية : [43] {قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ}
الآية : [44] {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ}
الآية : [45] {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}
الآية : [46] {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ}
الآية : [47] {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
الآية : [48] {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}
(13/96)





الآية : [49] {قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}
الآية : [50] {قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ}
الآية : [51] {إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ}
قوله تعالى : {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} لما غلب موسى فرعون بالحجة ولم يجد اللعين من تقريره على التربية وغير ذلك حجة رجع إلى معارضة موسى في قوله : رسول رب العالمين ؛ فاستفهمه استفهاما عن مجهول من الأشياء. قال مكي وغيره : كما يستفهم عن الأجناس فلذلك استفهم بـ {مَا} . قال مكي : وقد ورد له استفهام بـ {مِنْ} في موضع آخر ويشبه أنها مواطن ؛ فأتى موسى بالصفات الدالة على الله من مخلوقاته التي لا يشاركه فيها مخلوق ، وقد سأل فرعون عن الجنس ولا جنس لله تعالى ؛ لأن الأجناس محدثة ، فعلم موسى جهله فأضرب عن سؤاله وأعلمه بعظيم قدرة الله التي تبين للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها. فقال فرعون : {أَلا تَسْتَمِعُونَ} على معنى الإغراء والتعجب من سفه المقالة إذ كانت عقيدة القوم أن فرعون ربهم ومعبودهم والفراعنة قبله كذلك. فزاد موسى في البيان بقوله : {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} فجاء بدليل يفهمونه عنه ؛ لأنهم يعلمون أنه قد كان لهم آباء وأنهم قد فنوا وأنه لا بد لهم من مغير ، وأنهم قد كانوا بعد أن لم يكونوا ، وأنهم لا بد لهم من مكون. فقال فرعون حينئذ على جهة الاستخفاف : {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} أي ليس يجيبني عما أسأل ؛ فأجابه موسى عليه السلام عن هذا بأن قال : {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} أي ليس ملكه كملكك ؛ لأنك إنما تملك بلدا واحدا لا يجوز أمرك في غيره ، ويموت من لا تحب أن يموت ، والذي أرسلني يملك المشرق والمغرب ؛ {وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} وقيل علم موسى عليه السلام أن قصده في السؤال معرفة من سأل عنه ، فأجاب بما هو الطريق إلى معرفة الرب اليوم. ثم لما انقطع فرعون لعنه الله في باب الحجة رجع إلى الاستعلاء والتغلب فتوعد موسى بالسجن ، ولم يقل ما دليلك على أن هذا الإله أرسلك ؛ لأن فيه الاعتراف بأن ثم إلها غيره. وفي توعده بالسجن ضعف. وكان فيما يروى
(13/97)





أنه يفزع منه فزعا شديدا حتى كان اللعين لا يمسك بوله. وروي أن سجنه كان أشد من القتل. وكان إذا سجن أحدا لم يخرجه من سجنه حتى يموت ، فكان مخوفا. ثم لما كان عند موسى عليه السلام من أمر الله تعالى ما لا يرعه توعد فرعون {قَالَ} له على جهة اللطف به والطمع في إيمانه : {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} فيتضح لك به صدقي ، فلما سمع فرعون ذلك طمع في أن يجد أثناءه موضع معارضة {فَقَالَ} له {فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} . ولم يحتج الشرط إلى جواب عند سيبويه ؛ لأن ما تقدم يكفي منه. {فألقى عصاه } من يده فكان ما أخبر الله من قصته. وقد تقدم بيان ذلك وشرحه في {الأعراف} إلى آخر القصة. وقال السحرة لما توعدهم فرعون بقطع الأيدي والأرجل {لا ضَيْرَ} أي لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عذاب الدنيا ؛ أي إنما عذابك ساعة فنصبر لها وقد لقينا الله مؤمنين. وهذا يدل على شدة استبصارهم وقوة إيمانهم. قال مالك : دعا موسى عليه السلام فرعون أربعين سنة إلى الإسلام ، وأن السحرة آمنوا به في يوم واحد. يقال : لا ضير ولا ضَور ولا ضر ولا ضرر ولا ضارورة بمعنى واحد ؛ قال الهروي. وأنشد أبو عبيده :
فإنك لا يضورك بعد حول ... أظبي كان أمك أم حمار
وقال الجوهري : ضاره يضوره ويضيره ضيرا وضورا أي ضره. قال الكسائي : سمعت بعضهم يقول لا ينفعني ذلك ولا يضورني. والتضور الصياح والتلوي عند الضرب أو الجوع. والضورة بالضم الرجل الحقير الصغير الشأن. {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} يريد نتقلب إلى رب كريم رحيم {إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} . {أَنْ} في موضع نصب ، أي لأن كنا. وأجاز الفراء كسرها على أن تكون مجازاة. ومعنى {أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} أي عند ظهور الآية ممن كان في جانب فرعون. الفراء : أول مؤمني زماننا. وأنكره الزجاج وقال : قد روي أنه آمن معه ستمائة ألف وسبعون ألفا ، وهم الشرذمة القليلون الذين قال فيهم فرعون : {إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} روي ذلك عن ابن مسعود وغيره.
(13/98)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمية قطبى سالم محمد
دويمابي برتبة ملازم
دويمابي برتبة ملازم
سمية قطبى سالم محمد


عدد الرسائل : 262

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 16 فبراير - 0:36

عودا حميدا استاذ فوزى لك التحية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: