" صفحة رقم 53 "
( وآتيناهم آياتنا فكانوا . . . . .) الحجر 81 (
قوله تعالى : ) وآتيناهم آياتنا ( أي بآياتنا كقوله : آتنا غدائنا أي بغدائنا والمراد الناقة وكان فيها آيات جمة : خروجها من الصخرة ودنو نتاجها عند خروجها وعظمها حتى لم تشبهها ناقة وكثرة لبنها حتى تكفيهم جميعا ويحتمل أنه كان لصالح آيات أخر سوى الناقة كالبئر وغيره ) فكانوا عنها معرضين ( أي لم يعتبروا
( وكانوا ينحتون من . . . . .) الحجر 82 : 84 (
النحت في كلام العرب : البري والنجر نحته ينحته [ بالكسر ] نحتا أي براه والنحاتة البراية والمنحت ما ينحت به وفي التنزيل أتعبدون ما تنحتون أي تنجرون وصنعون فكانوا يتخذون من الجبال بيوتا لأنفسهم بشدة قوتهم ) آمنين ( أي من أن تسقط عليهم أو تخرب وقيل : آمنين من الموت وقيل ك من العذاب ) فأخذتهم الصيحة مصبحين ( أي في وقت الصبح وهو نصب على الحال وقد تقدم ذكر الصيحة في هود والأعراف ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( من الأموال والحصون في الجبال ولا ما أعطوه من القوة
( وما خلقنا السماوات . . . . .) الحجر 85 : 86 (
(10/53)
" صفحة رقم 54 "
قوله تعالى : ) وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ( أي للزوال والفناء وقيل : أي لأجازي المحسن والمسيء كما قال : ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) وإن الساعة لآتية ( أي لكائنة فيجزى كل بعمله ) فاصفح الفصح الجميل ( مثل واهجرهم هجرا جميلا أي تجاوز عنهم يامحمد واعف عفوا حسنا ثم نسخ بالسيف قال قتادة : نسخه قوله : فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال لهم : ) لقد جئتكم بالذبح وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة ) قاله عكرمة ومجاهد وقيل : ليس بمنسوخ وأنه أمر بالصفح في حق نفسه فيها بينه وبينهم والصفح : الإعراض عن الحسن وغيره ) إن ربك هو الخلاق ( أي المقدر للخلق والأخلاق ) العليم ( بأهل الوفاق والنفاق
( ولقد آتيناك سبعا . . . . .) الحجر 87 (
اختلف العلماء في السبع المثاني فقيل : الفاتحة قاله علي بن أبي طالب وأبو هريرة والربيع بن أنس وأبو العالية والحسن وغيرهم وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من وجوه ثابتة من حديث أبي بن كعب وأبي سعيد بن المعلى وقد تقدم في تفسير الفاتحة وخرج الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني ) قال : هذا حديث حسن صحيح وهذا نص وقد تقدم في الفاتحة وقال الشاعر : نش دتك م ب من زل القرآن أم الكتاب السبع من مثاني وقال بن عباس : هي السبع الطول : البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة معا إذ ليس بينهما التسمية روى النسائي
(10/54)
" صفحة رقم 55 "
حدثنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن بن عباس في قوله عز وجل : ) سبعا من المثاني ( قال : السبع الطول وسميت مثاني لأن العبر والأحكام والحدود ثنيت فيها وأنكر قوم هذا وقالوا : أنزلت هذه الآية بمكة ولم ينزل من الطول شيء إذ ذاك وأجيب بأن الله تعالى أنزل القرآن إلى السماء الدنيا ثم أنزله منها نجوما فما أنزله إلى السماء الدنيا فكأنما آتاه محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) وإن لم ينزل عليه بعد وممن قال إنها السبع الطول : عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وسعيد بن جبير ومجاهد وقال جرير : جزى الله الفرزدق حين يمسي مضيع ا للمف ص ل والمثان ي وقيل : المثاني القرآن كله قاله الله تعالى : كتابا متشابها مثاني هذا قول الضحاك وطاوس وأبو ما لك وقاله بن عباس وقيل له مثاني لأن الأنباء والقصص ثنيت فيه وقالت صفية بنت عبد المطلب ترثي رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : فقد كان نورا ساطعا يهتدى به يخ ص بتنزي ل الق ران المعظم أي القرآن وقيل : المراد بالسبع المثاني أقسام القرآن من الأمر والنهي والتبشير والإنذار وضرب الأمثال وتعديد نعم وأنباء قرون قاله زياد بن أبي مريم والصحيح الأول لأنه نص وقد قدمنا في الفاتحة أنه ليس في تسميتها بالمثاني ما يمنع من تسمية غيرها بذلك إلا أنه إذا ورد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وثبت نص في شيء لا يحتمل التأويل كان الوقوف عنده قوله تعالى : ) والقرآن العظيم ( فيه إضمار تقديره : وهو أن الفاتحة القرآن العظيم لا شتمالها على ما يتعلق بأصول الإسلام وقد تقدم في الفاتحة وقيل : الواو مقحمة التقدير : ولقد آتيناك سبعا من المثاني القرآن العظيم ومنه قول الشاعر : إلى الملك القرم وبن الهمام ولي ث الكت يب ة ف ي المزدح م وقد تقدم عند قوله : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
(10/55)
" صفحة رقم 56 "
( لا تمدن عينيك . . . . .) الحجر 88 (
فيه مسألتان : الأولى قوله تعالى : ) لاتمدن عينيك ( المعنى : قد أغنيتك بالقرآن عما في أيدي الناس فإنه ليس منا من لم يتغن بالقرآن أي ليس منا من رأى أنه ليس يغنى بما عنده من القرآن حتى يطمح بصره إلى زخارف الدنيا وعنده معارف المولى يقال : إنه وافى سبع قوافل من البصرى وأذرعات ليهود قريظة والنضير في يوم واحد فيها البر والطيب والجوهر وأمتعة البحر فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في سبيل الله فأنزل الله تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني أي فهي خير لكم من القوافل السبع فلا تمدن أعينكم إليها وإلى هذا صار بن عيينة وأورد قوله عليه السلام : ) ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) أي من لم يستغن به وقد تقدم هذا المعنى في أول الكتاب ومعنى ) أزواجا منهم ( أي أمثالا في النعم أي الأغنياء بعضهم أمثال بعض في الغنى فهم أزواج الثانية هذه الآية تقتضي الزجر عن التشوف إلى متاع الدنيا على الدوام وإقبال العبد على عبادة مولاه ومثله ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه الآية وليس كذلك فإنه روي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة ) وكان عليه الصلاة والسلام يتشاغل بالنساء جبلة الآدمية وتشوف الإنسانية ويحافظ على الطيب ولا تقر له عين إلا في الصلاة لدى مناجاة المولى ويرى أن مناجاته أحرى من ذلك واولى ولم يكن في دين محمد الرهبانية والإقبال على الأعمال الصالحة بالكلية كما كان في دين عيسى
(10/56)
" صفحة رقم 57 "
وإنما شرع الله سبحانه حنيفية سمحة خالصة عن الحرج خفيفة على الآدمي يأخذ من الآدمية بشهواتها ويرجع إلى الله بقلب سليم ورأى القراء والمخلصون من الفضلاء والانكفاف عن اللذات والخلوص لرب الأرض والسماوات اليوم أولى لما غلب على الدنيا من الحرام واضطر العبد في المعاش إلى مخالطة من لاتجوز مخالطته ومصانعة من تحرم مصانعته فكانت القراءة أفضل والفرار عن الدنيا أصوب للعبد وأعدل قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ) يأتي على الناس زمان يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن ) قوله تعالى : ) ولاتحزن عليهم ( أي ولا تحزن على المشركين إن لم يؤمنوا وقيل : المعنى لاتحزن على ما متعوا به في الدنيا فلك في الآخرة أفضل منه وقيل : لا تحزن عليهم إن صاروا إلى العذاب فهم أهل العذاب ) واخفض جناحك للمؤمنين ( أي ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم قبضه على الفرخ فجعل ذلك وصفا لتقريب الإنسان أتباعه ويقال : فلان خافض الجناح أي وقور ساكن والجناحان من بن آدم جانباه ومنه واضمم يدك إلى جناحك وجناح الطائر يده وقال الشاعر : وحسبك فتية لزعيم ق وم يمد على أخي سقم جناحا أي تواضعا ولينا
( وقل إني أنا . . . . .) الحجر 89 : 90 (
في الكلام حذف أي إني أنا النذير المبين عذابا فحذف المفعول إذ كان الإنذار يدل عليه كما قال في موضع آخر : أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود وقيل : الكاف زائدة أي أنذرتكم ما أنزلنا على المقتسمين كقوله : ليس كمثله شيء وقيل : أنذرتكم
(10/57)
" صفحة رقم 58 "
مثل ما أنزلنا بالمقتسمين وقيل : المعنى كما أنزلنا على المقتسمين أي من العذاب وكفيناك المستهزئين فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين الذين بغوا فإنا كفيناك أولئك الرؤساء الذين كنت تلقى منهم ما كنت تلقى واختلف في المقتسمين على أقوال سبعة : الأول قال مقاتل والفراء : هم ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أعقاب مكة وأنقابها وفجاجها يقولون لمن سلكها : لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدعي النبوة فإنه مجنون وربما قالوا ساحر وربما قالوا شاعر وربما قالوا كاهن وسموا المقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق فأماتهم الله شر ميتة وكانوا نصبوا الوليد بن المغيرة حكما على باب المسجد فإذا سألوه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : صدق أولئك الثاني قال قتادة : هم قوم من كفار قريش اقتسموا كتاب الله فجعلوا بعضه شعرا وبعضه سحرا وبعضه كهانة وبعضه أساطير الأولين الثالث قال بن عباس : هم أهل الكتاب آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه وكذلك قال عكرمة : هم أهل الكتاب وسموا مقتسمين لأنهم كانوا مستهزئين فيقول بعضهم : هذه السورة لي وهذه السورة لك وهو القول الرابع الخامس قال قتادة : قسموا كتابهم ففرقوه وبددوه وحرفوه السادس قال زيد بن أسلم : المراد قوم صالح تقاسموا على قتله فسموا مقتسمين كما قال تعالى : تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله السابع قال الأخفش : هم قوم اقتسموا أيمانا تحالفوا عليها وقيل : إنهم العاص بن وائل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف ومنبه بن الحجاج ذكره الماوردي
( الذين جعلوا القرآن . . . . .) الحجر 91 (
هذه صفة المقتسمين وقيل : هو مبتدأ وخبره لنسألنهم وواحد العضين عضة من عضيت الشيء تعضية أي فرقته وكل فرقة عضة وقال بعضهم : كانت في الأصل
(10/58)
" صفحة رقم 59 "
عضوة فنقصت الواو ولذلك جمعت عضين كما قالوا : عزين في جمع عزة والأصل عزوة وكذلك ثبة وثبين ويرجع المعنى إلى ما ذكرناه في المقتسمين قال بن عباس : آمنوا ببعض وكفروا ببعض وقيل : فرقوا أقاويلهم فيه فجعلوه كذبا وسحرا وكهانة وشعرا عضوته أي فرقته قال الشاعر هو رؤبة : ولي س دي ن الله بالمعض ى أي بالمفرق ويقال : نقصانه الهاء وأصله عضهة لأن العضه والعضين في لغة قريش السحر وهم يقولون للساحر : عاضه وللساحرة عاضهة قال الشاعر : أعوذ بربي من النافث ا ت في عقد العاضه المعضه وفي الحديث : لعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) العاضهة والمستعضهة وفسر : الساحرة والمستسحرة والمعنى : أكثروا البهت على القرآن ونوعوا الكذب فيه فقالوا : سحر وأساطير الأولين وأنه مفترى إلى غير ذلك ونظير عضة في النقصان شفه والأصل شفهة كما قالوا : سنة والأصل سنهة فنقصوا الهاء الأصلية وأثبتت هاء العلامة وهي للتأنيث وقيل : هو من العضه وهي النميمة والعضيهة البهتان وهو أن يعضه الإنسان ويقول فيه ما ليس فيه يقال عضهه عضها رماه بالبهتان وقد أعضت أي جئت بالبهتان قال الكسائي : العضة الكذب والبهتان وجمعها عضون مثل عزة وعزون قال تعالى : الذين جعلوا القرآن عضين ويقال : عضوه أي آمنوا بما أحبوا منه وكفروا بالباقي فأحبط كفرهم إيمانهم وكان الفراء يذهب إلى أنه مأخوذ من العضاة وهي شجر الوادي ويخرج كالشوك
( فوربك لنسألنهم أجمعين) الحجر 92 : 93 (
قوله تعالى : ) فوربك لنسألنهم أجمعين ( أي لنسئلن هؤلاء الذين جرى ذكرهم عما عملوا في الدنيا وفي البخاري : وقال عدة من أهل العلم في قوله : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون عن لا إله إلا الله
(10/59)
" صفحة رقم 60 "
قلت : وهذا قد روي مرفوعا روى الترمذي الحكيم قال : حدثنا الجارود بن معاذ قال حدثنا الفضل بن موسى عن شريك عن ليث عن بشير بن نهيك عن أنس بن مالك عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال : ) عن قول لا إله إلا الله ) قال أبو عبد الله : معناه عندنا عن صدق لا إله إلا الله ووفائها وذلك أن الله تعالى ذكر في تنزيله العمل فقال : عما كانوا يعملون ولم يقل عما كانوا يقولون وإن كان قد يجوز القول أيضا عمل اللسان فإنما المعنى به ما يعرفه أهل اللغة أن القول قول والعمل عمل وإنما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) عن لا إله إلا الله ) أي عن الوفاء بها والصدق لمقالها كما قال الحسن البصري : ليس الإيمان بالتحلي ولا الدين بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ولهذا ما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة ) قيل : يا رسول الله وما إخلاصها قال : ) أن تحجزه عن محارم الله ) رواه زيد بن أرقم وعنه أيضا قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إن الله عهد إلي ألا يأتيني أحد من أمتي بلا إله إلا الله لا يخلط بها شيئا إلا وجبت له الجنة ) قالوا : يا رسول الله وما الذي يخلط بلا إله إلا الله قال : ) حرصا على الدنيا وجمعا لها ومنعا لها يقولون قول الأنبياء ويعملون أعمال الجبابرة ) وروى أنس بن مالك قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ما لم يؤثروا صفقة دنياهم على دينهم فإذا آثروا صفقة دنياهم على دينهم ثم قالوا لا إله إلا الله ردت عليهم وقال الله كذبتم ) أسانيدها في نوادر الأصول قلت : والآية بعمومها تدل على سؤال الجميع ومحاسبتهم كافرهم ومؤمنهم إلا من دخل الجنة بغير حساب على ما بيناه في كتاب [ التذكرة ] فإن قيل : وهل يسأل الكافر ويحاسب قلنا : فيه خلاف وذكرناه في التذكرة والذي يظهر سؤاله للآية وقوله : وقفوهم إنهم مسئولون وقوله : إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم فإن قيل : فقد قال تعالى :
(10/60)
" صفحة رقم 61 "
ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون وقال : فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان وقال : ولا يكلمهم الله وقال : إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قلنا : القيامة مواطن فموطن يكون فيه سؤال وكلام وموطن لا يكون ذلك فيه قال عكرمة : القيامة مواطن يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها وقال بن عباس : لا يسألهم سؤال استخبار واستعلام هل عملتم كذا وكذا لأن الله عالم بكل شيء ولكن يسألهم سؤال تقريع وتوبيخ فيقول لهم : لم عصيتم القرآن وما حجتكم فيه واعتمد قطرب هذا القول وقيل : لنسألنهم أجمعين يعني المؤمنين المكلفين بيانه قوله تعالى : ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم والقول بالعموم أولى كما ذكر والله أعلم
( فاصدع بما تؤمر . . . . .) الحجر 94 : 95 (
قوله تعالى : ) فاصدع بما تؤمر ( أي بالذي تؤمر به أي بلغ رسالة الله جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم فقد أمرك الله بذلك والصدع : الشق وتصدع القوم أي تفرقوا ومنه يومئذ يصدعون أي يتفرقون وصدعته فانصدع أي انشق وأصل الصدع الفرق والشق قال أبو ذؤيب يصف الحمار وأتنه : وكأنهن ربابة وكأنه يسر يفي ض على القداح ويصدع أي يفرق ويشق فقوله : اصدع بما تؤمر قال الفراء : أراد فاصدع بالأمر أي أظهر دينك ف ما مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر وقال بن الأعرابي : بمعنى اصدع بما تؤمر أي اقصد وقيل : فاصدع بما تؤمر أي فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون بأن يجيب البعض فيرجع على هذا إلى صدع جماعة الكفار
(10/61)
" صفحة رقم 62 "
قوله تعالى : ) وأعرض عن المشركين ( أي عن الاهتمام باستهزائهم وعن المبالات بقولهم فقد برأك الله عما يقولون وقال بن عباس : هو منسوخ بقوله فاقتلوا المشركين وقال عبد الله بن عبيد : ما زال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مستخفيا حتى نزل قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر فخرج هو وأصحابه وقال مجاهد : أراد الجهر بالقرآن في الصلاة وأعرض عن المشركين لا تبال بهم وقال بن إسحاق : لما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الاستهزاء أنزل الله تعالى فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون والمعنى : اصدع بما تؤمر ولا تخف في الله فإن الله كافيك من آذاك كما كفاك المستهزئين وكانوا خمسة من رؤساء أهل مكة وهم الوليد بن المغيرة وهو رأسهم والعاص بن وائل والأسود بن المطلب بن أسد أبو زمعة والأسود بن عبد يغوث والحارث بن الطلاطلة أهلكهم الله جميعا قيل يوم بدر في يوم واحد لاستهزائهم برسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وسبب هلاكهم فيها ذكر بن إسحاق : أن جبريل أتى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهم يطوفون بالبيت فقام رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فمر به الأسود بن عبد المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي ووجعت عينه فجعل يضرب برأسه الجدار ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات منه حبنا [ يقال : حبن [ بالكسر ] حبنا وحبن للمفعول عظم بطنه بالماء الأصفر فهو أحبن والمرأة حبناء قاله في الصحاح ] ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله وكان أصابه قبل ذلك بسنين وهو يجر سبله وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلا له فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش فيه رجله ذلك الخدش وليس بشيء فانتقض به فقتله ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله فخرج على حمار له يريد الطائف فربض به على شبرقة فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه
(10/62)
" صفحة رقم 63 "
فامتخط قيحا فقتله وقد ذكر في سبب موتهم اختلاف قريب من هذا وقيل : إنهم المراد بقوله تعالى : فخر عليهم السقف من فوقهم شبه ما أصابهم في موتهم بالسقف الواقع عليهم على ما يأتي
الحجر : ) 96 ( الذين يجعلون مع . . . . .) الحجر 96 (
هذه صفة المستهزئين وقيل : هو ابتداء وخبره فسوف يعلمون
( ولقد نعلم أنك . . . . .) الحجر 97 (
قوله تعالى : ) ولقد نعلم أنك يضيق صدرك ( أي قلبك لأن الصدر محل القلب ) بما يقولون ( أي بما تسمعه من تكذيبك ورد قولك وتناله ويناله أصحابك من أعدائك
( فسبح بحمد ربك . . . . .) الحجر 98 (
فيه مسألتان : الأولى قوله تعالى : ) فسبح ( أي فافزع إلى الصلاة فهي غاية التسبيح ونهاية التقديس وذلك تفسير لقوله : ) وكن من الساجدين ( ولا خفاء أن غاية القرب في الصلاة حال السجود كما قال عليه السلام : ) أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأخلصوا الدعاء ) ولذلك خص السجود بالذكر الثانية قال بن العربي : ظن بعض الناس أن المراد بالأمر هنا السجود نفسه فرأى هذا الموضع محل سجود في القرآن وقد شاهدت الإمام بمحراب زكريا من البيت المقدس طهره الله يسجد في هذا وسجدت معه فيها ولم يره جماهير العلماء قلت : قد ذكر أبو النقاش أن ها هنا سجدة عند أبي حذيفة ويمان بن رئاب ورأى أنها واجبة
(10/63)
" صفحة رقم 64 "
( واعبد ربك حتى . . . . .) الحجر 99 (
فيه مسألة واحدة وهو أن اليقين الموت أمره بعبادته إذ قصر عباده في خدمته وأن ذلك يجب عليه فإن قيل : فما فائدة قوله حتى يأتيك اليقين وكان قوله : واعبد ربك كافيا في الأمر بالعبادة قيل له : الفائدة في هذا أنه لو قال : واعبد ربك مطلقا ثم عبده مرة واحدة كان مطيعا واذا قال حتى يأتيك اليقين كان معناه لا تفارق هذا حتى تموت فإن قيل : كيف قال سبحانه واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ولم يقل أبدا فالجواب أن اليقين أبلغ من قوله : أبدا لاحتمال لفظ الأبد للحظة الواحدة ولجميع الأبد وقد تقدم هذا المعنى والمراد استمرار العبادة مدة حياته كما قال العبد الصالح : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ويتركب على هذا أن الرجل إذا قال لامرأته : أنت طالق أبدا وقال : نويت يوما أو شهرا كانت عليه الرجعة ولو قال : طلقتها حياتها لم يراجعها والدليل على أن اليقين الموت حديث أم العلاء الأنصارية وكانت من المبايعات وفيه : فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) أما عثمان أعني عثمان بن مظعون فقد جاءه اليقين وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به ) وذكر الحديث انفرد بإخراجه البخاري رحمه الله وكان عمر بن عبد العزيز يقول : ما رأيت يقينا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت ثم لا يستعدون له يعني كأنهم فيه شاكون وقد قيل : إن اليقين هنا الحق الذي لا ريب فيه من نصرك على أعدائك قاله بن شجرة والأول أصح وهو قول مجاهد وقتادة والحسن والله أعلم وقد روى جبير بن نفير عن أبي مسلم الخولاني أنه سمعه يقول إن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) ما أوحي إلي أن أجمع المال وأكون من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين )
(10/64)