منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالثلاثاء 13 سبتمبر - 17:07




بسم الله الرحمن الرحيم
سورة إبراهيم

سورة إبراهيم مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وجابر. وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها مدنيتين وقيل : ثلاث ، نزلت في الذين حاربوا الله ورسوله وهي قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً} [إبراهيم : 28] إلى قوله : {فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [إبراهيم : 30].
الآية : 1 {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
قوله تعالى : {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} تقدم معناه. "لتخرج الناس" أي بالكتاب ، وهو القرآن ، أي بدعائك إليه. "من الظلمات إلى النور" أي من ظلمات الكفر الضلالة والجهل إلى نور الإيمان والعلم ؛ وهذا على التمثيل ؛ لأن الكفر بمنزلة الظلمة ؛ والإسلام بمنزلة النور. وقيل : من البدعة إلى السنة ، ومن الشك إلى اليقين ، والمعنى. متقارب. "بإذن ربهم" أي بتوفيقه إياهم ولطفه بهم ، والباء في {بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} متعلقة بـ "تخرج" وأضيف الفعل إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه الداعي والمنذر الهادي. {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} هو كقولك : خرجت إلى زيد العاقل الفاضل من غير واو ، لأنهما شيء واحد ؛ والله هو العزيز الذي لا مثل له ولا شبيه. وقيل : "العزيز" الذي لا يغلبه غالب. وقيل : "العزيز" المنيع في ملكه وسلطانه. "الحميد" أي المحمود بكل لسان ، والممجد في كل مكان على كل حال. وروى مقسم عن ابن عباس قال : كان قوم آمنوا بعيسى ابن مريم ، وقوم كفروا به ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم آمن به الذين كفروا بعيسى ، وكفر الذين آمنوا بعيسى ؛ فنزلت هذه الآية ، ذكره الماوردي.
(9/338)



الآية : 2 {اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}
الآية : 3 {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ}
قوله تعالى : {اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي ملكا وعبيدا واختراعا وخلقا. وقرأ نافع وابن عامر وغيرهما : "الله" بالرفع على الابتداء "الذي" خبره. وقيل : "الذي" صفة ، والخبر مضمر ؛ أي الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض قادر على كل شيء. الباقون بالخفض نعتا للعزيز الحميد فقدم النعت على المنعوت ؛ كقولك : مررت بالظريف زيد. وقيل : على البدل من "الحميد" وليس صفة ؛ لأن اسم الله صار كالعلم فلا يوصف ؛ كما لا يوصف بزيد وعمرو ، بل يجوز أن يوصف به من حيث المعنى ؛ لأن معناه أنه المنفرد بقدرة الإيجاد. وقال أبو عمرو : والخفض على التقديم والتأخير ، مجازه : إلى صراط الله العزيز الحميد الذي له ما في السماوات وما في الأرض. وكان يعقوب إذا وقف على "الحميد" رفع ، وإذا وصل خفض على النعت. قال ابن الأنباري : من خفض وقف على {وَمَا فِي الْأَرْضِ} . { وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} قد تقدم معنى الويل في "البقرة" وقال الزجاج : هي كلمة تقال للعذاب والهلكة. {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} أي من جهنم.
قوله تعالى : {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي يختارونها على الآخرة ، والكافرون يفعلون ذلك. فـ "الذين" في موضع خفض صفة لهم. وقيل : في موضع رفع خبر ابتداء مضمر ، أي هم الذين وقيل : "الذين يستحبون" مبتدأ وخبره. "أولئك". وكل من آثر الدنيا وزهرتها ، واستحب
(9/339)



البقاء في نعيمها على النعيم في الآخرة ، وصد عن سبيل الله - أي صرف الناس عنه وهو دين الله ، الذي جاءت به الرسل ، في قول ابن عباس وغيره - فهو داخل في هذه الآية ؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم : "إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون" وهو حديث صحيح. وما أكثر ما هم في هذه الأزمان ، والله المستعان. وقيل : "يستحبون" أي يلتمسون الدنيا من غير وجهها ، لأن نعمة الله لا تلتمس إلا بطاعته دون معصيته. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} أي يطلبون لها زيغا وميلا لموافقة أهوائهم ، وقضاء حاجاتهم وأغراضهم. والسبيل تذكر وتؤنث. والموج بكسر العين في الدين والأمر والأرضي ، وفي كل ما لم يكن قائما ؛ وبفتح العين في كل ما كان قائما ، كالحائط والرمح ونحوه ؛ وقد تقدم في "آل عمران" وغيرها. {أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أي ذهاب عن الحق بعيد عنه.
الآية : 4 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ} أي قبلك يا محمد {إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ} أي بلغتهم ، ليبينوا لهم أمر دينهم ؛ ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة ؛ فهي اسم جنس يقع على القليل والكثير ؛ ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية ؛ لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها لزمته الحجة ، وقد قال الله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ : 28]. وقال صلى الله عليه وسلم : " أرسل كل نبي إلى أمته بلسانها وأرسلني الله إلى كل أحمر وأسود من خلقه" . وقال صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" . خرجه مسلم ، وقد تقدم. {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} رد على القدرية في نفوذ المشيئة ، وهو مستأنف ، وليس بمعطوف على
(9/340)



"ليبين" لأن الإرسال إنما وقع للتبيين لا للإضلال. ويجوز النصب في "يضل" لأن الإرسال صار سببا للإضلال ؛ فيكون كقوله : {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} [القصص : 8] وإنما صار الإرسال سببا للإضلال لأنهم كفروا به لما جاءهم ؛ فصار كأنه سبب لكفرهم {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} تقدم معناه.
الآية : 5 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}
قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا} أي بحجتنا وبراهيننا ؛ أي بالمعجزات الدالة على صدقه. قال مجاهد : هي التسع الآيات. {أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} نظيره قوله تعالى : لنبينا عليه السلام أول السورة : {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} : "أن" هنا بمعنى أي ، كقوله تعالى : {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} [ص : 6] أي امشوا.
قوله تعالى : {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} أي قل لهم قولا يتذكرون به أيام الله تعالى. قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : بنعم الله عليهم ؛ وقاله أبي بن كعب ورواه مرفوعا ؛ أي بما أنعم الله عليهم من النجاة من فرعون ومن التيه إلى سائر النعم ، وقد تسمى النعم الأيام ؛ ومنه قول عمرو بن كلثوم :
وأيام لنا غر طوال
(9/341)



وعن ابن عباس أيضا ومقاتل : بوقائع الله في الأمم السالفة ؛ يقال : فلان عالم بأيام العرب ، أي بوقائعها. قال ابن زيد : يعني الأيام التي انتقم فيها من الأمم الخالية ؛ وكذلك روى ابن وهب عن مالك قال : بلاؤه. وقال الطبري : وعظهم بما سلف في الأيام الماضية لهم ، أي بما كان في أيام الله من النعمة والمحنة ؛ وقد كانوا عبيدا مستذلين ؛ واكتفى بذكر الأيام عنه لأنها كانت معلومة عندهم. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "بينا موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله وأيام الله بلاؤه ونعماؤه" وذكر حديث الخضر ؛ ودل هذا على جواز الوعظ المرفق للقلوب ، المقوي لليقين. الخالي من كل بدعة ، والمنزه عن كل ضلالة وشبهة. {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي في التذكير بأيام الله {لَآياتٍ} أي دلالات. {لِكُلِّ صَبَّارٍ} أي كثير الصبر على طاعة الله ، وعن معاصيه. "شكور" لنعم الله. وقال قتادة : هو العبد ؛ إذا أعطي شكر ، وإذا ابتلي صبر. وروى عن النبي أنه قال : "الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر - ثم تلا هذه الآية - " {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } . ونحوه عن الشعبي موقوفا. وتواري الحسن البصري عن الحجاج سبع سنين ، فلما بلغه موته قال : اللهم قد أمته فأمت سنته ، وسجد شكرا ، وقرأ : "إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور". وإنما خص بالآيات كل صبار شكور ؛ لأنه يعتبر بها ولا يغفل عنها ؛ كما قال : {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات : 45] وإن كان منذرا للجميع.
الآية : 6 {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}
تقدم معناه في "البقرة"
الآية : 7 {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
(9/342)



الآية : 6 {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}
تقدم معناه في "البقرة" مستوفى والحمد لله.
الآية : 7 {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
قوله تعالى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ} قيل : هو من قول موسى لقومه. وقيل : هو من قول الله ؛ أي واذكر يا محمد إذ قال ربك كذا. و"تأذن" وأذن بمعنى أعلم ؛ مثل أوعد وتوعد ؛ روي معنى ذلك عن الحسن وغيره. ومنه الأذان ، لأنه إعلام ؛ قال الشاعر :
فلم نشعر بضوء الصبح حتى ... سمعنا في مجالسنا الأذينا
وكان ابن مسعود يقرأ : "وإذ قال ربكم" والمعنى واحد. {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} أي لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي. الحسن : لئن شكرتم نعمتي لأزيدنكم من طاعتي. ابن عباس : لئن وحدتم وأطعتم لأزيدنكم من الثواب ، والمعنى متقارب في هذه الأقوال ؛ والآية نص في أن الشكر سبب المزيد ؛ وقد تقدم في "البقرة" ما للعلماء في معنى الشكر. وسئل بعض الصلحاء عن الشكر لله فقال : ألا تتقوى بنعمه على معاصيه. وحكي عن داود عليه السلام أنه قال : أي رب كيف أشكرك ، وشكري لك نعمة مجددة منك علي. قال : يا داود الآن شكرتني. قلت : فحقيقة الشكر على هذا الاعتراف بالنعمة للمنعم. وألا يصرفها في غير طاعته ؛ وأنشد الهادي وهو يأكل :
أنالك رزقه لتقوم فيه ... بطاعته وتشكر بعض حقه
فلم تشكر لنعمته ولكن ... قويت على معاصيه برزقه
فغص باللقمة ، وخنقته العبرة. وقال جعفر الصادق : إذا سمعت النعمة الشكر فتأهب للمزيد. {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} أي جحدتم حقي. وقيل : نعمي ؛ وعد بالعذاب على الكفر ، كما وعد بالزيادة على الشكر ، وحذفت الفاء التي في جواب الشرط من "إن" للشهرة.
(9/343)



الآية : 8 {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}
الآية : 9 {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِإِلاَّ لَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}
قوله تعالى : {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} أي لا يلحقه بذلك نقص ، بل هو الغني. "الحميد" أي المحمود.
قوله تعالى : {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ} النبأ الخبر ، والجمع الأنباء ؛ قال :
ألم يأتيك والأنباء تنمي
ثم قيل : هو من قول موسى. وقيل : من قول الله ؛ أي واذكر يا محمد إذ قال ربك كذا. وقيل : هو ابتداء خطاب من الله تعالى. وخبر قوم نوح وعاد وثمود مشهور قصه الله في كتابه. وقوله : {وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ} أي لا يحصي عددهم إلا الله ، ولا يعرف نسبهم إلا الله ، والنسابون وإن نسبوا إلى آدم فلا يدعون إحصاء جميع الأمم ، وإنما ينسبون البعض ؛ ويمسكون عن نسب البعض ؛ وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع النسابين ينسبون إلى معد بن عدنان ثم زادوا فقال : "كذب النسابون إن الله يقول : {لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ} . وقد روي عن عروة بن الزبير أنه قال : ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل. وقال بن عباس : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون
(9/344)



أبا لا يعرفون. وكان ابن مسعود يقول حين يقرأ : {لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ} . كذب النسابون. {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي بالحجج والدلالات. {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أي جعل أولئك القوم أيدي أنفسهم في أفواههم ليعضوها غيظا مما جاء به الرسل ؛ إذ كان فيه تسفيه أحلامهم ، وشتم أصنامهم ؛ قاله بن مسعود ، ومثله قاله عبدالرحمن بن زيد ؛ وقرأ : {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} [آل عمران : 119]. وقال ابن عباس : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم. وقال أبو صالح : كانوا إذا قال لهم نبيهم أنا رسول الله إليكم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم : أن اسكت ، تكذيبا له ، وردا لقوله ؛ وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى. والضميران للكفار ؛ والقول الأول أصحها إسنادا ؛ قال أبو عبيد : حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبدالله في قوله تعالى : {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} قال : عضوا عليها غيظا ؛ وقال الشاعر :
لو أن سلمى أبصرت تخددي ... ودقة في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عودي ... عضت من الوجد بأطراف اليد
وقد مضى هذا المعنى في "آل عمران" مجودا ، والحمد لله. وقال مجاهد وقتادة : ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم بأفواههم ؛ فالضمير الأول للرسل ، والثاني للكفار. وقال الحسن وغيره : جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردا لقولهم ؛ فالضمير الأول على هذا للكفار ، والثاني للرسل. وقيل معناه : أومأوا للرسل أن يسكتوا. وقال مقاتل : أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم. وقيل : رد الرسل أيدي القوم في أفواههم. وقيل : إن الأيدي هنا النعم ؛ أي ردوا نعم الرسل بأفواههم ، أي بالنطق والتكذيب ، ومجيء الرسل بالشرائع نعم ؛ والمعنى : كذبوا بأفواههم ما جاءت به الرسل. و"في" بمعنى الباء ؛ يقال : جلست في البيت وبالبيت ؛ وحروف الصفات يقام بعضها مقام بعض. وقال أبو عبيدة : هو ضرب مثل ؛ أي لم يؤمنوا ولم يجيبوا ؛ والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن
(9/345)



الجواب وسكت : قد رد يده في فيه. وقاله الأخفش أيضا. وقال القتبي : لم نسمع أحدا من العرب يقول : رد يده في فيه إذا ترك ما أمر به ؛ وقاله المغني : عضوا على الأيدي حنقا وغيظا ؛ لقول الشاعر :
تردون في فيه غش الحسو ... د حتى يعض علي الأكفا
يعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وكفيه. وقال آخر :
قد أفني أنامل أزمة ... فأضحى يعض علي الوظيفا
وقالوا : - يعني الأمم للرسل : {وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} أي بالإرسال على زعمكم ، لا أنهم أقروا أنهم أرسلوا. "وإنا لفي شك" أي في ريب ومرية. "مما تدعوننا إليه" من التوحيد.
قوله تعالى : {مُرِيبٍ} أي موجب للريبة ؛ يقال : أربته إذ فعلت أمرا من أوجب ريبة وشكا ؛ أي نظن أنكم تطلبون الملك والدنيا.
الآية : 10 {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}
قوله تعالى : {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} استفهام معناه الإنكار ؛ أي لا شك في الله ؛ أي في توحيده ؛ قال قتادة. وقيل : في طاعته. ويحتمل وجها ثالثا : أفي قدرة الله شك ؟ ! لأنهم متفقون عليها ومختلفون فيما عداها ؛ يدل عليه قوله : {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} خالقها ومخترعها ومنشئها وموجدها بعد العدم ؛ لينبه على قدرته فلا تجوز العبادة إلا له. {يَدْعُوكُمْ} أي إلى طاعته بالرسل والكتب. {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} قال أبو عبيد : "من" زائدة. وقال سيبويه : هي للتبعيض ؛ ويجوز أن يذكر البعض والمراد منه الجميع.
(9/346)



وقيل : "من" للبدل وليست بزائدة ولا مبعضة ؛ أي لتكون المغفرة بدلا من الذنوب. {وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} يعني الموت ، فلا يعذبكم في لدنيا. {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ} أي ما أنتم. {إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا} في الهيئة والصورة ؛ تأكلون مما نأكل ، وتشربون مما نشرب ، ولستم ملائكة. {تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} من الأصنام والأوثان {فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي بحجة ظاهرة ؛ وكان محالا منهم ؛ فإن الرسل ما دعوا إلا ومعهم المعجزات.
الآية : 11 {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}
الآية : 12 {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}
قوله تعالى : {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أي في الصورة والهيئة كما قلتم. {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي يتفضل عليه بالنبوة. وقيل ؛ بالتوفيق ، والحكمة والمعرفة والهداية. وقال سهل بن عبدالله : بتلاوة القرآن وفهم ما فيه.
قلت : وهذا قول حسن ، وقد خرج الطبري من حديث ابن عمر قال قلت لأبي ذر : يا عم أوصني ؛ قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال : "ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة إلا ولله فيه صدقة يمن بها على من يشاء من عباده وما من الله تعالى على عباده بمثل أن يلهمهم ذكره" . {وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ} أي بحجة وآية. {إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} أي بمشيئته ، وليس ذلك في قدرتنا ؛ أي لا نستطيع أن نأتي بحجة كما تطلبون إلا بأمره وقدرته ؛ فلفظه ؛ لفظ الخبر ، ومعناه النفي ، لأنه لا يحظر على أحد ما لا يقدر عليه. {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} تقدم معناه.
(9/347)



قوله تعالى : {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} "ما" استفهام في موضع رفع بالابتداء ، و"لنا" الخبر ؛ وما بعدها في موضع الحال ؛ التقدير : أي شيء لنا في ترك التوكل على الله. "وقد هدانا سبلنا" أي الطريق الذي يوصل إلى رحمته ، وينجي من سخطه ونقمته. "ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون" "ولنصبرنَّ" لام قسم ؛ مجازه : والله لنصبرن {مَا آذَيْتُمُونَا} به ، أي من الإهانة والضرب ، والتكذيب والقتل ، ثقة بالله أنه يكفينا ويثيبنا. "وعلى الله فليتوكل المتوكلون".
الآية : 13 { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ}
الآية : 14 {وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}
قوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا} اللام لام قسم ؛ أي والله لنخرجنكم. { أَوْ لَتَعُودُنَّ} أي حتى تعودوا أو إلا أن تعودوا ؛ قاله الطبري وغيره. قال ابن العربي : وهو غير مفتقر إلى هذا التقدير ؛ فإن "أو" على بابها من التخيير ؛ خير الكفار الرسل بين أن يعودوا في ملتهم أو يخرجوهم من أرضهم ؛ وهذه سيرة الله تعالى في رسله وعباده ؛ ألا ترى إلى قوله : " {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً ، سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الإسراء : 76 - 77] وقد تقدم هذا المعنى في "الأعراف" وغيرها. {فِي مِلَّتِنَا} أي إلى ديننا ، {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ}
قوله تعالى : {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} أي مقامه بين يدي يوم القيامة ؛ فأضيف المصدر إلى الفاعل. والمقام مصدر كالقيام ؛ يقال : قام قياما ومقاما ؛ وأضاف ذلك إليه لاختصاصه به. والمقام بفتح الميم مكان الإمامة ، وبالضم فعل الإقامة ؛ و {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} أي قيامي عليه ، ومراقبتي له ؛ قال الله تعالى : {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} . [الرعد 33] وقال الأخفش : {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي} أي عذابي ، {وَخَافَ وَعِيدِ} أي القرآن وزواجره. وقيل : إنه العذاب. والوعيد الاسم من الوعد.
(9/348)



الآية : 15 {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}
الآية : 16 {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}
الآية : 17 {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ}
قوله تعالى : {وَاسْتَفْتَحُوا} أي واستنصروا ؛ أي أذن للرسل في الاستفتاح على قومهم ، والدعاء بهلاكهم ؛ قاله ابن عباس وغيره ، وقد مضى في "البقرة". ومنه الحديث : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين ، أي يستنصر. وقال ابن زيد : استفتحت الأمم بالدعاء كما قالت قريش : {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال : 32] الآية. وروي عن ابن عباس. وقيل قال الرسول : "إنهم كذبوني فافتح بيني وبينهم فتحا" وقالت الأمم : إن كان هؤلاء صادقين فعذبنا ، عن ابن عباس أيضا ؛ نظيره {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت : 29] {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف : 77]. {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} الجبار المتكبر الذي لا يري لأحد عليه حقا ؛ هكذا هو عند أهل اللغة ؛ ذكره النحاس. والعنيد المعاند للحق والمجانب له ، عن ابن عباس وغيره ؛ يقال : عند عن قومه أي تباعد عنهم. وقيل : هو من العند ، وهو الناحية وعاند فلان أي أخذ في ناحية معرضا ؛ قال الشاعر :
إذا نزلت فاجعلوني وسطا ... إني كبير لا أطيق العندا
وقال الهروي : قوله تعالى : {جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أي جائر عن القصد ؛ وهو العنود والعنيد والعاند ؛ وفي حديث ابن عباس وسئل عن المستحاضة فقال : إنه عرق عاند. قال أبو عبيد : هو الذي عند وبغى كالإنسان يعاند ؛ فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته. وقال شمر : العاند الذي لا يرقأ. وقال عمر يذكر سيرته : أضم العنود ؛ قال الليث : العنود من الإبل الذي لا يخالطها إنما هو في ناحية أبدا ؛ أراد من هم بالخلاف أو بمفارقة الجماعة عطفت به إليها. وقال مقاتل : العنيد المتكبر. وقال ابن كيسان : هو الشامخ بأنفه. وقيل : العنود والعنيد الذي
(9/349)



يتكبر على الرسل وبذهب عن طريق الحق فلا يسلكها ؛ تقول العرب : شر الإبل العنود الذي يخرج عن الطريق. وقيل : العنيد العاصي. وقال قتادة : العنيد الذي أبي أن يقول لا إله إلا الله.
قلت : والجبار والعنيد في الآية بمعنى واحد ، وإن كان اللفظ مختلفا ، وكل متباعد عن الحق جبار وعنيد أي متكبر. وقيل : إن المراد به في الآية أبو جهل ؛ ذكره المهدوي. وحكى الماوردي في كتاب "أدب الدنيا والدين" أن الوليد بن يزيد بن عبدالملك تفاءل يوما في المصحف فخرج له قوله عز وجل : {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} فمزق المصحف وأنشأ يقول :
أتوعد كل جبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل يا رب مزقني الوليد
فلم يلبث إلا أياما حتى قتل شر قتلة ، وصلب رأسه على قصره ، ثم على سور بلده.
قوله تعالى : {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} أي من وراء ذلك الكافر جهنم ، أي من بعد هلاكه. ووراء بمعنى بعد ؛ قال النابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
أي بعد الله جل جلاله ؛ وكذلك قوله تعالى : {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي من بعده ؛ وقوله تعالى : {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} [البقرة : 91] أي بما سواه ؛ قاله الفراء. وقال أبو عبيد : بما بعده : وقيل : "من ورائه" أي من أمامه ، ومنه قول الشاعر :
ومن ورائك يوم أنت بالغه ... لا حاضر معجز عنه ولا بادي
وقال آخر :
أترجو بنو مروان سمعي وطاعتي ... وقومي تميم والفلاة ورائيا
وقال لبيد :
ليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحني عليها الأصابع
(9/350)



يريد أمامي. وفي التنزيل : {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف : 79] أي أمامهم ، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة وأبو علي قطرب وغيرهما. وقال الأخفش : هو كما يقال هذا الأمر من ورائك ، أي سوف يأتيك ، وأنا من وراء فإن أي في طلبه وسأصل إليه. وقال النحاس في قول {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} أي من أمامه ، وليس من الأضداد ولكنه من تواري ؛ أي استتر. وقال الأزهري : إن وراء تكون بمعنى خلف وأمام فهو من الأضداد ، وقاله أبو عبيدة أيضا ، واشتقاقهما مما توارى واستتر ، فجهنم توارى ولا تظهر ، فصارت من وراء لأنها لا ترى ، حكاه ابن الأنباري وهو حسن.
قوله تعالى : {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} أي من ماء مثل الصديد ، كما يقال للرجل الشجاع أسد ، أي مثل الأسد ، وهو تمثيل وتشبيه. وقيل : هو ما يسيل من أجسام أهل النار من القيح والدم. وقال محمد بن كعب القرظي والربيع بن أنس : هو غسالة أهل النار ، وذلك ماء يسيل من فروج الزناة والزواني. وقيل : هو من ماء كرهته تصد عنه ، فيكون الصديد مأخوذا من الصد. وذكر ابن المبارك ، أخبرنا صفوان بن عمرو عن عبيدالله بن بسر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ} قال : "يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطع أمعاءه حتى تخرج من دبره يقول الله : {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد : 15] ويقول الله : {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ} [الكهف : 29]" خرجه الترمذي ، وقال : حديث غريب ، وعبيدالله بن بسر الذي روى عنه صفوان بن عمرو حديث أبي أمامة لعله أن يكون أخا عبدالله بن بسر.
قوله تعالى : {يَتَجَرَّعُهُ} أي يتحساه جرعا لا مرة واحدة لمرارته وحرارته. {وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} أي يبتلعه ؛ يقال : جرع الماء واجترعه وتجرعه بمعنى. وساغ الشراب في الحلق يسوغ سوغا إذا كان سلسا سهلا ، وأساغه الله إساغة. و"يكاد" صلة ؛ أي يسيغه بعد إبطاء ، قال الله تعالى : {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة : 71] أي فعلوا بعد إبطاء ، ولهذا قال : {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج : 20] فهذا يدل على الإساغة. وقال ابن عباس : يجيزه ولا يمر به. {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ
(9/351)



مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} قال ابن عباس : أي يأتيه أسباب الموت من كل جهة عن يمينه وشماله ، ومن فوقه وتحته ومن قدامه وخلفه ، كقول : {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر : 16]. وقال إبراهيم التيمي : يأتيه من كل مكان من جسده حتى من أطراف شعره ؛ للآلام التي في كل مكان من جسد. وقال الضحاك : إنه ليأتيه الموت من كل ناحية ومكان حتى من إبهام رجليه. وقال الأخفش : يعني البلايا التي تصيب الكافر في النار سماها موتا ، وهي من أعظم الموت. وقيل : إنه لا يبقى عضو من أعضائه إلا وكل به نوع من العذاب ؛ لو مات سبعين مرة لكان أهون عليه من نوع منها في فرد لحظة ؛ إما حية تنهشه ؛ أو عقرب تلسعه ، أو نار تسفعه ، أو قيد برجليه ، أو غل في عنقه ، أو سلسلة يقرن بها ، أو تابوت يكون فيه ، أو زقوم أو حميم ، أو غير ذلك من العذاب ، وقال محمد بن كعب : إذا دعا الكافر في جهنم بالشراب فرآه مات موتات ، فإذا دنا منه مات موتات ، فإذا شرب منه مات موتات ؛ فذلك قوله : {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} . قال الضحاك : لا يموت فيستريح. وقال ابن جريج : تعلق روحه في حنجرته فلا تخرج من فيه فيموت ، ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة ؛ ونظيره قوله : {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه : 74]. وقيل : يخلق الله في جسده آلا ما كل واحد منها كألم الموت. وقيل :
قوله تعالى : {وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} لتطاول شدائد الموت به ، وامتداد سكراته عليه ؛ ليكون ذلك زيادة في عذابه.
قلت : ويظهر من هذا أنه يموت ، وليس كذلك ؛ لقوله تعالى : {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر : 36] وبذلك وردت السنة ؛ فأحوال الكفار أحوال من استولى عليه سكرات الموت دائما ، والله أعلم. {وَمِنْ وَرَائِهِ} أي من أمامه. {عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي شديد متواصل الآلام غير فتور ؛ ومنه قوله : {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة : 123] أي شدة وقوة. وقال فضيل بن عياض في قول الله تعالى : {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} قال : حبس الأنفاس.
(9/352)



الآية : 18 {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}
الآية : 19 {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ}
الآية : 20 {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}
قوله تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} اختلف النحويون في رفع "مثل" فقال سيبويه : ارتفع بالابتداء والخبر مضمر ؛ التقدير : وفيما يتلى عليكم أو يقص {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} ثم ابتدأ فقال : {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ} أي كمثل رماد {اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ} . وقال الزجاج : أي مثل الذين كفروا فيما يتلى عليكم أعمالهم كرماد ، وهو عند الفراء على إلغاء المثل ، التقدير : والذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد. وعنه أيضا أنه على حذف مضاف ؛ التقدير : مثل أعمال الذين كفروا بربهم كرماد ؛ وذكر الأول عنه المهدوي ، والثاني القشيري والثعلبي ويجوز أن يكون مبتدأ كما يقال : صفة فلان أسمر ؛ فـ"مثل" بمعنى صفة. ويجوز في الكلام جر "أعمالهم" على بدل الاشتمال من "الذين" واتصل هذا بقوله : {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} والمعنى : أعمالهم محبطة غير مقبولة. والرماد ما بقي بعد احتراق الشيء ؛ فضرب الله هذه الآية مثلا لأعمال الكفار في أنه يمحقها كما تمحق الريح الشديدة الرماد في يوم عاصف. والعصف شدة الريح ؛ وإنما كان ذلك لأنهم أشركوا فيها غير الله تعالى. وفي وصف اليوم بالعصوف ثلاثة أقاويل : أحدها : أن العصوف وإن كان للريح فإن اليوم قد يوصف به ؛ لأن الريح تكون فيه ، فجاز أن يقال : يوم عاصف ، كما يقال : يوم حار ويوم بارد ، والبرد والحر فيهما. والثاني : أن يريد "في يوم عاصف" الريح ؛ لأنها ذكرت في أول الكلمة ، كما قال الشاعر :
إذا جاء يوم مظلم الشمس كاسف
يريد كاسف الشمس فحذف ؛ لأنه قد مر ذكره ؛ ذكرهما الهروي. والثالث : أنه من نعت الريح ؛ غير أنه لما جاء بعد اليوم أتبع إعرابه كما قيل : جحر ضب خرب ؛ ذكره
(9/353)



الثعلبي والماوردي. وقرأ ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن أبي بكر "في يوم عاصف". {لا يَقْدِرُونَ} يعني الكفار. {مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ} يريد في الآخرة ؛ أي من ثواب ما عملوا من البر في الدنيا ، لإحباطه بالكفر. {ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} أي الخسران الكبير ؛ وإنما جعله كبيرا بعيدا لفوات استدراكه بالموت.
قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} الرؤية هنا رؤية القلب ؛ لأن المعنى : ألم ينته علمك إليه ؛ . وقرأ حمزة والكسائي - "خالق السماوات والأرض". ومعنى "بالحق" ليستدل بها على قدرته. "إن يشأ يذهبكم" أيها الناس ؛ أي هو قادر على الإفناء كما قدر على إيجاد الأشياء ؛ فلا تعصوه فإنكم إن عصيتموه {يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أفضل وأطوع منكم ؛ إذ لو كانوا مثل الأولين فلا فائدة في الإبدال. { وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} أي منيع متعذر.
الآية : 21 {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ}
(9/354)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: