" صفحة رقم 319 "
( ولو أن قرآنا . . . . .) الرعد: (31 )
قوله تعالى : (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) هذا متصل بقوله : لولا أنزل عليه آية من ربه وذلك أن نفرا من مشركي مكة فيهم أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية المخزوميان جلسوا خلف الكعبة ثم أرسلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأتاهم فقال له عبد الله : إن سرك أن نتبعك فسير لنا جبال مكة بالقرآن فأذهبها عنا حتى تنفسح فإنها أرض ضيقة واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا حتى نغرس ونزرع فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حين سخر له الجبال تسير معه وسخر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها ميرتنا وحوائجنا ثم نرجع من يومنا فقد كان سليمان سخرت له الريح كما زعمت فلست بأهون على ربك من سليمان بن داود وأحي لنا قصيا جدك أو من شئت أنت من موتانا نسأله أحق ما تقول أنت أم باطل فإن عيسى كان يحيي الموتى ولست بإهون على الله منه فأنزل الله تعالى : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال الآية قال معناه الزبير بن العوام ومجاهد وقتادة والضحاك والجواب محذوف تقديره : لكان هذا القرآن لكن حذف إيجازا لما في ظاهر الكلام من الدلالة عليه كما قال امرؤ القيس : فلو أنها نفس تموت جميعة ولكنها نفس تساقط أنفسا يعني لهان علي هذا معنى قول قتادة قال : لو فعل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعله قرآنكم وقيل : الجواب متقدم وفي الكلام تقديم وتأخير أي وهم يكفرون بالرحمن لو أنزلنا القرآن وفعلنا بهم ما اقترحوا الفراء : يجوز أن يكون الجواب لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمن الزجاج : ولو أن قرآنا إلى قوله : الموتى لما آمنوا والجواب المضمر هنا ما أظهر في قوله : ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة إلى قوله : ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ) بل لله الأمر جميعا ( أي هو المالك لجميع الأمور الفاعل لما يشاء منها فليس ما تلتمسونه مما يكون بالقرآن إنما يكون بأمر الله قوله تعالى : ) أفلم ييئس الذين آمنوا ( قال الفراء قال الكلبي : ييئس بمعنى يعلم لغة النخع وحكاه القشيري عن بن عباس أي أفلم يعلموا وقاله الجوهري في الصحاح
(9/319)
" صفحة رقم 320 "
وقيل : هو لغة هوازن أي أفلم يعلم عن بن عباس ومجاهد والحسن وقال أبو عبيدة : أفلم يعلموا ويتبينوا وأنشد في ذلك أبو عبيدة لمالك بن عوف النصري : أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ألم تيأسوا أني بن فارس زهدم ييسرونني من الميسر وقد تقدم في البقرة ويروى يأسرونني من الأسر وقال رباح بن عدي : ألم ييئس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا في كتاب الرد أني أنا ابنه وكذا ذكره الغزنوي : ألم يعلم والمعنى على هذا : أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا من غير أن يشاهدوا الآيات وقيل : هو من اليأس المعروف أي أفلم ييئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات طمعا في إيمان الكفار وقرأ علي وبن عباس : أفلم يتبين الذين آمنوا من البيان قال القشيري : وقيل لابن عباس المكتوب أفلم ييئس قال : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس أي زاد بعض الحروف حتى صار ييئس قال أبو بكر الأنباري : روي عن عكرمة عن بن أبي نجيح أنه قرأ أفلم يتبين الذين آمنوا وبها احتج من زعم أنه الصواب في التلاوة وهو باطل عن بن عباس لأن مجاهدا وسعيد بن جبير حكيا الحرف عن بن عباس على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن بن عباس ثم إن معناه : أفلم يتبين فإن كان مراد الله تحت اللفظة التي خالفوا بها الإجماع فقراءتنا تقع عليها وتأتي بتأويلها وإن أراد الله المعنى الآخر الذي اليأس فيه ليس من طريق العلم فقد سقط مما أوردوا
(9/320)
" صفحة رقم 321 "
وأما سقوطه يبطل القرآن ولزوم أصحابه البهتان ) أن لو يشاء الله ( أن مخففة من الثقيلة أي أنه لو يشاء الله ) لهدى الناس جميعا ( وهو يرد على القدرية وغيرهم قوله تعالى : ) ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ( أي داهية تفجؤهم بكفرهم وعتوهم ويقال : قرعه أمر إذا أصابه والجمع قوارع والأصل في القرع الضرب قال : أفنى تلادي وما جمعت من نشب قرع القواقيز أفواه الأباريق أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد أو من قتل أو من أسر أو جدب أو غير ذلك من العذاب والبلاء كما نزل بالمستهزئين وهم رؤساء المشركين وقال عكرمة عن بن عباس : القارعة النكبة وقال بن عباس أيضا وعكرمة : القارعة الطلائع والسرايا التي كان ينفذها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لهم ) أو تحل ( أي القارعة ) قريبا من دارهم ( قاله قتادة والحسن وقال بن عباس : أو تحل أنت قريبا من دارهم وقيل : نزلت الآية بالمدينة أي لا تزال تصيبهم القوارع فتنزل بساحتهم أو بالقرب منهم كقرى المدينة ومكة ) حتى يأتي وعد الله ( في فتح مكة قاله مجاهد وقتادة : وقيل : نزلت بمكة أي تصيبهم القوارع وتخرج عنهم إلى المدينة يا محمد فتحل قريبا من دارهم أو تحل بهم محاصرا لهم وهذه المحاصرة لأهل الطائف ولقلاع خيبر ويأتي وعد الله بالإذن لك في قتالهم وقهرهم وقال الحسن : وعد الله يوم القيامة
الرعد : ) 32 ( ولقد استهزئ برسل . . . . .) الرعد 32 : 34 (
(9/321)
" صفحة رقم 322 "
قوله تعالى : ) ولقد استهزىء برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم ( تقدم معنى الاستهزاء في البقرة ومعنى الإملاء في آل عمران أي سخر بهم وأزرى عليهم فأمهلت الكافرين مدة ليؤمن من كان في علمي أنه يؤمن منهم فلما حق القضاء أخذتهم بالعقوبة ) فكيف كان عقاب ( أي فكيف رأيت ما صنعت بهم فكذلك أصنع بمشركي قومك قوله تعالى : ) أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ( ليس هذا القيام القيام الذي هو ضد القعود بل هو بمعنى التولي لأمور الخلق كما يقال : قام فلان بشغل كذا فإنه قائم على كل نفس بما كسبت أي يقدرها على الكسب ويخلقها ويرزقها ويحفظها ويجازيها على عملها فالمعنى : أنه حافظ لا يغفل والجواب محذوف والمعنى : أفمن هو حافظ لا يغفل كمن يغفل وقيل : أفمن هو قائم أي عالم قاله الأعمش قال الشاعر : فلولا رجال من قريش أعزة سرقتم ثياب البيت والله قائم أي عالم فالله عالم بكسب كل نفس وقيل : المراد بذلك الملائكة الموكلون ببني آدم عن الضحاك ) وجعلوا ( حال أي أوقد جعلوا أو عطف على استهزىء أي استهزءوا وجعلوا أي سموا ) لله شركاء ( يعني أصناما جعلوها آلهة ) قل سموهم ( أي قل لهم يا محمد : سموهم أي بينوا أسماءهم على جهة التهديد أي إنما يسمون : اللات والعزى ومناة وهبل ) أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض ( أم استفهام توبيخ أي أتنبئونه وهو على التحقيق عطف على استفهام متقدم في المعنى لأن قوله : سموهم معناه : ألهم أسماء الخالقين أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض وقيل : المعنى قل لهم أتنبئون الله بباطن لايعلمه أم بظاهر من القول يعلمه فإن قالوا : بباطن لا يعلمه أحالوا وإن قالوا
(9/322)
" صفحة رقم 323 "
بظاهر يعلمه فقل لهم سموهم : فإذا سموهم اللات والعزى فقل لهم : إن الله لا يعلم لنفسه شريكا وقيل : أم تنبئونه عطف على قوله : أفمن هو قائم أي أفمن هو قائم أم تنبئون الله بما لا يعلم أي أنتم تدعون لله شريكا والله لا يعلم لنفسه شريكا أفتنبئونه بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها وإن لم يكن له شريك في غير الأرض لأنهم ادعوا له شركاء في الأرض ومعنى ) أم بظاهر من القول ( : الذي أنزل الله على أنبيائه وقال قتادة : معناه بباطل من القول ومنه قول الشاعر : أعيرتنا ألبانها ولحومها وذلك عار يا بن ريطة ظاهر أي باطل وقال الضحاك : بكذب من القول ويحتمل خامسا أن يكون الظاهر من القول حجة يظهرونها بقولهم ويكون معنى الكلام : أتخبرونه بذلك مشاهدين أم تقولون محتجين ) بل زين للذين كفروا مكرهم ( أي دع هذا بل زين للذين كفروا مكرهم قيل : استدراك على هذا الوجه أي ليس لله شريك لكن زين للذين كفروا مكرهم وقرأ بن عباس ومجاهد بل زين للذين كفروا مكرهم مسمى الفاعل وعلى قراءة الجماعة فالذي زين للكافرين مكرهم الله تعالى وقيل : الشيطان ويجوز أن يسمى الكفر مكرا لأن مكرهم بالرسول كان كفرا ) وصدوا عن السبيل ( أي صدهم الله وهي قراءة حمزة والكسائي الباقون بالفتح أي صدوا غيرهم واختاره أبو حاتم اعتبارا بقوله : ويصدون عن سبيل الله الأنفال وقوله : هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام الفتح وقراءة الضم أيضا حسنة في زين وصدوا لأنه معلوم أن الله فاعل ذلك في مذهب أهل السنة ففيه إثبات القدر وهو اختيار أبي عبيد وقرأ يحيى بن وثاب وعلقمة : وصدوا بكسر الصاد وكذلك هذه بضاعتنا ردت إلينا بكسر الراء أيضا على ما لم يسم فاعله وأصلها صددوا ورددت فلما أدغمت الدال الأولى في الثانية نقلت حركتها على ما قبلها فانكسر ) ومن يضلل الله ( بخذلانه ) فما له من هاد ( أي موفق وفي هذا إثبات قراءة الكوفيين
(9/323)
" صفحة رقم 324 "
ومن تابعهم لقوله : ومن يضلل الله فكذلك قوله : وصدوا ومعظم القراء يقفون على الدال من غير الياء وكذلك وال وواق لأنك تقول في الرجل : هذا قاض ووال وهاد فتحذف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين وقرىء فما له من هادي ووالي وواقي بالياء وهو على لغة من يقول : هذا داعي ووالي وواقي بالياء لأن حذف الياء في حالة الوصل لالتقائها مع التنوين وقد أمنا هذا في الوقف فردت الياء فصار هادي ووالي وواقي وقال الخليل في نداء قاض : يا قاضي بإثبات الياء إذ لا تنوين مع النداء كما لا تنوين في نحو الداعي والمتعالي قوله تعالى : ) لهم عذاب في الحياة الدنيا ( أي للمشركين الصادين بالقتل والسبي والإسار وغير ذلك من الأسقام والمصائب ) ولعذاب الآخرة أشق ( أي أشد من قولك : شق علي كذا يشق ) ومالهم من الله من واق ( أي مانع يمنعهم من عذابه ولا دافع ومن زائدة
( مثل الجنة التي . . . . .) الرعد (35)
قوله تعالى : ) مثل الجنة التي وعد المتقون ( اختلف النحاة في رفع مثل فقال سيبويه : ارتفع بالابتداء والخبر محذوف والتقدير : وفيما يتلى عليكم مثل الجنة وقال الخليل : ارتفع بالابتداء وخبره : تجري من تحتها الأنهار أي صفة الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار كقولك : قولي يقوم زيد فقولي مبتدأ ويقوم زيد خبره والمثل بمعنى الصفة موجود قال الله تعالى : ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل الفتح وقال : ولله المثل الأعلى أي الصفة العليا وأنكره أبو علي وقال : لم يسمع مثل بمعنى الصفة إنما معناه الشبه ألا تراه يجري مجراه في مواضعه ومتصرفاته كقولهم : مررت برجل مثلك كما تقول : مررت برجل شبهك قال : ويفسد أيضا من جهة المعنى لأن مثلا
(9/324)
" صفحة رقم 325 "
إذا كان معناه صفة كان تقدير الكلام : صفة الجنة التي فيها أنهار وذلك غير مستقيم لأن الأنهار في الجنة نفسها لا صفتها وقال الزجاج : مثل الله عز وجل لنا ما غاب عنا بما نراه والمعنى : مثل الجنة جنة تجري من تحتها الأنهار وأنكره أبو علي فقال : لا يخلو المثل على قوله أن يكون الصفة أو الشبه وفي كلا الوجهين لا يصح ما قاله لأنه إذا كان بمعنى الصفة لم يصح لأنك إذا قلت : صفة الجنة جنة فجعلت الجنة خبرا لم يستقم ذلك لأن الجنة لا تكون الصفة وكذلك أيضا شبه الجنة جنة ألا ترى أن الشبه عبارة عن المماثلة التي بين المتماثلين وهو حدث والجنة غير حدث فلا يكون الأول الثاني وقال الفراء : المثل مقحم للتأكيد والمعنى : الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار والعرب تفعل ذلك كثيرا بالمثل كقوله : ليس كمثله شيء الشورى أي ليس هو كشيء وقيل التقدير : صفة الجنة التي وعد المتقون صفة جنة تجري من تحتها الأنهار وقيل : معناه : شبه الجنة التي وعد المتقون في الحسن والنعمة والخلود كشبه النار في العذاب والشدة والخلود قاله مقاتل ) أكلها دائم ( لاينقطع وفي الخبر : ) إذا أخذت ثمرة عادت مكانها أخرى ) وقد بيناه في التذكرة ) وظلها ( أي وظلها كذلك فحذف أي ثمرها لا ينقطع وظلها لا يزول وهذا رد على الجهمية في زعمهم أن نعيم الجنة يزول ويفنى ) تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار ( أي عاقبة أمر المكذبين وآخرتهم النار يدخلونها
الرعد : ) 36 ( والذين آتيناهم الكتاب . . . . .) الرعد 36 (
قوله تعالى : ) والذين هم آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ( أي بعض من أوتي الكتاب يفرح بالقرآن كابن سلام وسلمان والذين جاؤوا من الحبشة فاللفظ عام والمراد الخصوص وقال قتادة : هم أصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يفرحون بنور القرآن وقاله مجاهد
(9/325)
" صفحة رقم 326 "
وبن زيد وعن مجاهد أيضا أنهم مؤمنو أهل الكتاب وقيل : هم جماعة أهل الكتاب من اليهود والنصارى يفرحون بنزول القرآن لتصديقه كتبهم وقال أكثر العلماء : كان ذكر الرحمن في القرآن قليلا في أول ما أنزل فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ساءهم قلة ذكر الرحمن في القرآن مع كثرة ذكره في التوراة فسألوا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عن ذلك فأنزل الله تعالى : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى فقالت قريس ما بال محمد يدعو إلى إله واحد فأصبح اليوم يدعو إلهين الله والرحمن والله ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب فنزلت : وهم بذكر الرحمن هم كافرون وهم يكفرون بالرحمن ففرح مؤمنو أهل الكتاب بذكر الرحمن فأنزل الله تعالى : والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ) ومن الأحزاب ( يعني مشركي مكة ومن لم يؤمن من اليهود والنصارى والمجوس وقيل : هم العرب المتحزبون على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل : ومن أعداء الملسمين من ينكر بعض ما في القرآن لأن فيهم من كان يعترف ببعض الأنبياء وفيهم من كان يعترف بأن الله خالق السماوات والأرض ) قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به ( قراءة الجماعة بالنصب عطفا على أعبد وقرأ أبو خالد بالرفع على الاستئناف أي أفرده بالعبادة وحده لا شريك له وأتبرأ عن المشركين ومن قال : المسيح بن الله وعزير بن الله ومن اعتقد التشبيه كاليهود ) إليه أدعو ( أي إلى عبادته أدعو الناس ) وإليه مآب ( أي أرجع في أموري كلها
الرعد : ) 37 ( وكذلك أنزلناه حكما . . . . .) الرعد 37 (
قوله تعالى : ) وكذلك أنزلناه حكما عربيا ( أي وكما أنزلنا عليك القرآن فأنكره بعض الأحزاب كذلك أنزلناه حكما عربيا وإنما وصفه بذلك لأنه أنزله على محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهو عربي فكذب الأحزاب بهذا الحكم أيضا وقيل نظم الآية : وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغاتهم كذلك أنزلنا إليك القرآن حكما عربيا أي بلسان العرب ويريد بالحكم ما فيه
(9/326)
" صفحة رقم 327 "
من الأحكام وقيل : أراد بالحكم العربي القرآن كله لأنه يفصل بين الحق والباطل ويحكم ) ولئن اتبعت أهواءهم ( أي أهواء المشركين في عبادة ما دون الله وفي التوجيه إلى غير الكعبة ) بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ( أي ناصر ينصرك ) ولا واق ( يمنعك من عذابه والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد الأمة
الرعد : ) 38 ( ولقد أرسلنا رسلا . . . . .) الرعد 38 (
فيه مسئلتان : الأولى قيل : إن اليهود عابوا على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الأزواج وعيرته بذلك وقالوا : ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح ولو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن النساء فأنزل الله هذه الآية وذكرهم أمر داود وسليمان فقال : ) ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ( أي جعلناهم بشرا يقضون ما أحل الله من شهوات الدنيا وإنما التخصيص في الوحي الثانية هذه الآية تدل على الترغيب في النكاح والحض عليه وتنهى عن التبتل وهو ترك النكاح وهذه سنة المرسلين كما نصت عليه هذه الآية والسنة واردة بمعناها قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ) تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ) الحديث وقد تقدم في آل عمران وقال : ) من تزوج فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الثاني ) ومعنى ذلك أن النكاح يعف عن الزنى والعفاف أحد الخصلتين اللتين ضمن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عليهما الجنة فقال : ) من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه ) خرجه الموطأ وغيره وفي صحيح البخاري عن أنس قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي
(9/327)
" صفحة رقم 328 "
( صلى الله عليه وسلم ) يسألون عن عبادة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا : وأين نحن من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا وقال الآخر : إني أصوم الدهر فلا أفطر وقال الآخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج فجاء رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إليهم فقال : ) أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) خرجه مسلم بمعناه وهذا أبين وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : أراد عثمان أن يتبتل فنهاه النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ولو أجاز له ذلك لاختصينا وقد تقدم في آل عمران الحض على طلب الولد والرد على من جهل ذلك وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول : إني لأتزوج المرأة وما لي فيها من حاجة وأطؤها وما أشتهيها قيل له : وما يحملك على ذلك يا أمير المؤمنين قال : حبي أن يخرج الله مني من يكاثر به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) النبيين يوم القيامة وإني سمعته يقول : ) عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها وأحسن أخلاقا وأنتق أرحاما وإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) يعني بقوله : ) أنتق أرحاما ) أقبل للولد ويقال للمرأة الكثيرة الولد ناتق لأنها ترمي بالأولاد رميا وخرج أبو داود عن معقل بن يسار قال : جاء رجل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال : إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد أفأتزوجها قال ) لا ) ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال : ) تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ) صححه أبو محمد عبد الحق وحسبك قوله تعالى : ) وماكان لرسول الله أن يأتي بآية إلا بإذن الله ( عاد الكلام إلى ما اقترحوا من الآيات ما تقدم ذكره في هذه السورة فأنزل الله ذلك فيهم وظاهر الكلام حظر ومعناه النفي لأنه لا يحظر على أحد ما لا يقدر عليه ) لكل أجل كتاب ( أي لكل أمر قضاه الله كتاب عند الله قاله الحسن وقيل : فيه تقديم وتأخير المعنى : لكل كتاب أجل قاله الفراء
(9/328)
" صفحة رقم 329 "
والضحاك أي لكل أمر كتبه الله أجل مؤقت ووقت معلوم نظيره لكل نبأ مستقر بين أن المراد ليس على اقتراح الأمم في نزول العذاب بل لكل أجل كتاب وقيل : المعنى لكل مدة كتاب مكتوب وأمر مقدر لا تقف عليه الملائكة وذكر الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال : لما ارتقى موسى صلوات الله عليه وسلامه طور سيناء رأى الجبار في إصبعه خاتما فقال : يا موسى ما هذا وهو أعلم به قال : شيء من حلي الرجال قال : فهل عليه شيء من أسمائي مكتوب أو كلامي قال : لا قال : فاكتب عليه لكل أجل كتاب
الرعد : ) 39 ( يمحو الله ما . . . . .) الرعد 39 (
قوله تعالى : ) يمحو الله مايشاء ويثبت ( أي يمحو من ذلك الكتاب ما يشاء أن يوقعه بأهله ويأتي به ويثبت ما يشاء أي يؤخره إلى وقته يقال : محوت الكتاب محوا أي أذهبت أثره ويثبت أي ويثبته كقوله : والذاكرين الله كثيرا والذاكرات الأحزاب أي والذاكرات الله وقرأ بن كثير وأبو عمرو وعاصم ويثبت بالتخفيف وشدد الباقون وهي قراءة بن عباس واختيار أبي حاتم وأبي عبيد لكثرة من قرأ بها لقوله : يثبت الله الذين آمنوا وقال بن عمر : سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا السعادة والشقاوة والموت ) وقال بن عباس : يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا أشياء الخلق والخلق والأجل والرزق والسعادة والشقاوة وعنه : هما كتابان سوى أم الكتاب يمحو الله منهما ما يشاء ويثبت ) وعنده أم الكتاب ( الذي لا يتغير منه شيء قال القشيري : وقيل السعادة والشقاوة والخلق والخلق والرزق لا تتغير فالآية فيما عدا هذه الأشياء وفي هذا القول نوع تحكم قلت : مثل هذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد وإنما يؤخذ توقيفا فإن صح فالقول به يجب ويوقف عنده وإلا فتكون الآية عامة في جميع الأشياء وهو الأظهر والله أعلم وهذا
(9/329)
" صفحة رقم 330 "
يروى معناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبن مسعود وأبي وائل وكعب الأحبار وغيرهم وهو قول الكلبي وعن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول : اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة والذنب فامحني وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب وقال بن مسعود : اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني فيهم وإن كنت كتبتني في الأشقياء فامحني من الأشقياء واكتبني في السعداء فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب وكان أبو وائل يكثر أن يدعو : اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامح واكتبنا سعداء وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب وقال كعب لعمر بن الخطاب : لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وقال مالك بن دينار في المرأة التي دعا لها : اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاما فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب وقد تقدم في الصحيحين عن أبي هريرة قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يقول : ) من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) ومثله عن أنس بن مالك أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) من أحب ) فذكره بلفظه سواء وفيه تأويلان : أحدهما معنوي وهو ما يبقى بعده من الثناء الجميل والذكر الحسن والأجر المتكرر فكأنه لم يمت والآخر يؤخر أجله المكتوب في اللوح المحفوظ والذي في علم الله ثابت لا تبدل له كما قال : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وقيل لابن عباس لما روى الحديث الصحيح عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) من أحب أن يمد الله في عمره وأجله ويبسط له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه ) كيف يزاد في العمر والأجل فقال : قال الله عز وجل : هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده فالأجل الأول أجل العبد من حين ولادته إلى حين موته والأجل
(9/330)
" صفحة رقم 331 "
الثاني يعني المسمى عنده من حين وفاته إلى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه إلا الله فإذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه زاده الله في أجل عمره الأول من أجل البرزخ ما شاء وإذا عصى وقطع رحمه نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء فيزيده في أجل البرزخ فإذا تحتم الأجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان لقوله تعالى : فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون فتوافق الخبر والآية وهذه زيادة في نفس العمر وذات الأجل على ظاهر اللفظ في اختيار حبر الأمة والله أعلم وقال مجاهد : يحكم الله أمر السنة في رمضان فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء إلا الحياة والموت والشقاء والسعادة وقد مضى القول فيه وقال الضحاك : يمحو الله ما يشاء من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ويثبت ما فيه ثواب وعقاب وروى معناه أبو صالح عن بن عباس وقال الكلبي : يمحو من الرزق ويزيد فيه ويمحو من الأجل ويزيد فيه ورواه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ثم سئل الكلبي عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله حتى إذا كان يوم الخميس طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب مثل قولك : أكلت وشربت ودخلت وخرجت ونحوه وهو صادق ويثبت ما فيه الثواب والعقاب وقال قتادة وبن زيد وسعيد بن جبير : يمحو الله ما يشاء من الفرائض والنوافل فينسخه ويبدله ويثبت ما يشاء فلا ينسخه وجملة الناسخ والمنسوخ عنده في أم الكتاب ونحوه ذكره النحاس والمهدوي عن بن عباس قال النحاس : وحدثنا بكر بن سهل قال حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن عباس يمحو الله ما يشاء يقول : يبدل الله من القرآن ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله وعنده أم الكتاب يقول : جملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ وقال سعيد بن جبير أيضا : يغفر ما يشاء يعني من ذنوب عباده ويترك ما يشاء فلا يغفره وقال عكرمة : يمحو ما يشاء يعني بالتوبة جميع الذنوب ويثبت بدل الذنوب حسنات قال تعالى : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا الآية وقال
(9/331)
" صفحة رقم 332 "
الحسن : يمحو الله ما يشاء من جاء أجله ويثبت من لم يأت أجله وقال الحسن : يمحو الآباء ويثبت الأبناء وعنه أيضا : ينسي الحفظة من الذنوب ولا ينسي وقال السدي : يمحو الله ما يشاء يعني : القمر ويثبت يعني : الشمس بيانه قوله : فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة وقال الربيع بن أنس : هذا في الأرواح حالة النوم يقبضها عند النوم ثم إذا أراد موته فجأة أمسكه ومن أراد بقاءه أثبته ورده إلى صاحبه بيانه قوله : الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية وقال علي بن أبي طالب يمحو الله ما يشاء من القرون كقوله : ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون يس ويثبت ما يشاء منها كقوله : ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين المؤمنون فيمحو قرنا ويثبت قرنا وقيل : هو الرجل يعمل الزمن الطويل بطاعة الله ثم يعمل بمعصية الله فيموت على ضلاله فهو الذي يمحو والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله الزمان الطويل ثم يتوب فيمحوه الله من ديوان السيئات ويثبته في ديوان الحسنات ذكره الثعلبي والماوردي عن بن عباس وقيل : يمحو الله ما يشاء يعني الدنيا ويثبت الآخرة وقال قيس بن عباد في اليوم العاشر من رجب : هو اليوم الذي يمحو الله فيه ما يشاء ويثبت فيه ما يشاء وقد تقدم عن مجاهد أن ذلك يكون في رمضان وقال بن عباس : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام من درة بيضاء لها دفتان من ياقوتة حمراء لله فيه كل يوم ثلاثمائة وستون نظرة يثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء وروى أبو الدرداء عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) إن الله سبحانه يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء ) والعقيدة أنه لا تبديل لقضاء الله وهذا المحو والإثبات مما سبق به القضاء وقد تقدم أن من القضاء ما يكون واقعا محتوما وهو الثابت ومنه ما يكون مصروفا بأسباب وهو الممحو والله أعلم الغزنوي : وعندي أن ما في اللوح خرج عن الغيب لإحاطة بعض الملائكة فيحتمل التبديل لأن إحاطة الخلق بجميع علم الله محال وما في علمه من تقدير الأشياء لا يبدل وعنده أم الكتاب أي أصل ما كتب من الآجال
(9/332)
" صفحة رقم 333 "
وغيرها وقيل : أم الكتاب اللوح المحفوظ الذي لا يبدل ولا يغير وقد قيل : إنه يجري فيه التبديل وقيل : إنما يجري في الجرائد الأخر وسئل بن عباس عن أم الكتاب فقال : علم الله ما هو خالق وما خلقه عاملون فقال لعلمه : كن كتابا ولا تبديل في علم الله وعنه أنه الذكر دليله قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر وهذا يرجع معناه إلى الأول وهو معنى قول كعب قال كعب الأحبار : أم الكتاب علم الله تعالى بما خلق وبما هو خالق
الرعد : ) 40 ( وإما نرينك بعض . . . . .) الرعد 40 : 41 (
قوله تعالى : ) وإما نرينك بعض الذي نعدهم ( ما زائدة والتقدير : وإن نرينك بعض الذي نعدهم أي من العذاب لقوله : لهم عذاب في الحياة الدنيا وقوله : ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أي إن أريناك بعض ما وعدناهم ) أو نتوفينك فإنما عليه البلاغ ( فليس عليك إلا البلاغ أي التبليغ ) وعلينا الحساب ( أي الجزاء والعقوبة قوله تعالى : ) أو لم يروا ( يعني أهل مكة ) أنا نأتي الأرض ( أي نقصدها ) ننقصها من أطرافها ( اختلف فيه فقال بن عباس ومجاهد : ننقصها من أطرافها موت علمائها وصلحائها قال القشيري : وعلى هذا فالأطراف الأشراف وقد قال بن الأعرابي : الطرف والطرف الرجل الكريم ولكن هذا القول بعيد لأن مقصود الآية : أنا أريناهم النقصان في أمورهم ليعلموا أن تأخير العقاب عنهم ليس عن عجز إلا أن يحمل قول بن عباس على موت أحبار اليهود والنصارى وقال مجاهد أيضا
(9/333)
" صفحة رقم 334 "
وقتادة والحسن : هو ما يغلب عليه المسلمون مما في أيدي المشركين وروي ذلك عن بن عباس وعنه أيضا هو خراب الأرض حتى يكون العمران في ناحية منها وعن مجاهد : نقصانها خرابها وموت أهلها وذكر وكيع بن الجراح عن طلحة بن عمير عن عطاء بن أبي رباح في قول الله تعالى : أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها قال : ذهاب فقهائها وخيار أهلها قال أبو عمر بن عبد البر : قول عطاء في تأويل الآية حسن جدا تلقاه أهل العلم بالقبول قلت : وحكاه المهدوي عن مجاهد وبن عمر وهذا نص القول الأول نفسه روى سفيان عن منصور عن مجاهد ننقصها من أطرافها قال : موت الفقهاء والعلماء ومعروف في اللغة أن الطرف الكريم من كل شيء وهذا خلاف ما ارتضاه أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم من قول بن عباس وقال عكرمة والشعبي : هو النقصان وقبض الأنفس قال أحدهما : ولو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك وقال الآخر : لضاق عليك حش تتبرز فيه قيل : المراد به هلاك من هلك من الأمم قبل قريش وهلاك أرضهم بعدهم والمعنى : أو لم تر قريش هلاك من قبلهم وخراب أرضهم بعدهم أفلا يخافون أن يحل بهم مثل ذلك وروي ذلك أيضا عن بن عباس ومجاهد وبن جريج وعن بن عباس أيضا أنه نقص بركات الأرض وثمارها وأهلها وقيل : نقصها بجور ولاتها قلت : وهذا صحيح معنى فإن الجور والظلم يخرب البلاد بقتل أهلها وانجلائهم عنها وترفع من الأرض البركة والله أعلم قوله تعالى : ) والله يحكم لا معقب لحكمه ( أي ليس يتعقب حكمه أحد بنقص ولا تغيير ) وهو سريع الحساب ( أي الانتقام من الكافرين سريع الثواب للمؤمن وقيل : لا يحتاج في حسابه إلى رؤية قلب ولا عقد بنان حسب ما تقدم في البقرة بيانه
(9/334)