" صفحة رقم 254 "
قوله تعالى : (فأوف لنا الكيل وتصدق علينا) فيه أربع مسائل : الأولى : قوله تعالى : فأوف لنا الكيل يريدون كما تبيع بالدراهم الجياد لا تنقصنا بمكان دراهمنا هذا قول أكثر المفسرين وقال بن جريج : فأوف لنا الكيل يريدون الكيل الذي كان قد كاله لأخيهم وتصدق علينا أي تفضل علينا بما بين سعر الجياد والرديئة قاله سعيد بن جبير والسدي والحسن : لأن الصدقة تحرم على الأنبياء وقيل المعنى : تصدق علينا بالزيادة على حقنا قاله سفيان بن عيينة قال مجاهد : ولم تحرم الصدقة إلا على نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وقال بن جريج : المعنى تصدق علينا برد أخينا إلينا وقال بن شجرة : تصدق علينا تجوز عنا واستشهد بقول الشاعر : تصدق علينا يا بن عفان واحتسب وأمر علينا الأشعري لياليا ) إن الله يجزئ المتصدقين ( يعني في الآخرة يقال : هذا من معاريض الكلام لأنه لم يكن عندهم أنه على دينهم فلذلك لم يقولوا : إن الله يجزيك بصدقتك فقالوا لفظا يوهمه أنهم أرادوه وهم يصح لهم إخراجه بالتأويل قاله النقاش وفي الحديث : ) إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ) الثانية استدل مالك وغيره من العلماء على أن أجرة الكيال على البائع قال بن القاسم وبن نافع قال مالك : قالوا ليوسف فأوف لنا الكيل فكان يوسف هو الذي يكيل وكذلك الوزان والعداد وغيرهم لأن الرجل إذا باع عدة معلومة من طعامه وأوجب العقد عليه وجب عليه أن يبرزها ويميز حق المشتري من حقه وإلا أن يبيع منه معينا صبرة أو مالا حق توفية فيه فخلي ما بينه وبينه فما جرى على البيع فهو على المبتاع وليس كذلك مافيه حق توفية من كيل أو وزنألا ترى أنه لا يستحق البائع الثمن إلا بعد التوفية وإن تلف فهو منه قبل التوفية
(9/254)
" صفحة رقم 255 "
الثالثة وأما أجرة النقد فعلى البائع أيضا لأن المبتاع الدافع لدراهمه يقول : إنها طيبة فأنت الذي تدعي الرداءة فانظر لنفسك وأيضا فإن النفع يقع له فصار الأجر عليه وكذلك لايجب على الذي يجب عليه القصاص لأنه لا يجب عليه أن يقطع يد نفسه إلا أن يمكن من ذلك طائعا ألا ترى أن فرضا عليه أن يفدي يده ويصالح عليه إذا طلب المقتص ذلك منه فأجر القطاع على المقتص وقال الشافعي في المشهور عنه : إنها على المقتص منه كالبائع الرابعة يكره للرجل أن يقول في دعائه : اللهم تصدق علي لأن الصدقة إنما تكون ممن يبتغي الثواب والله تعالى متفضل بالثواب بجميع النعم لا رب غيره وسمع الحسن رجلا يقول : اللهم تصدق عليفقال الحسن : ياهذا إن الله لا يتصدق إنما يتصدق من يبتغي الثوابأما سمعت قول الله تعالى : إن الله يجزئ المتصدقين قل : اللهم أعطني وتفضل علي
يوسف : ) 89 ( قال هل علمتم . . . . .
) يوسف 89 : 93 (
قوله تعالى : ) قال هل علمتم مافعلتم بيوسف وأخيه ( استفهام بمعنى التذكير والتوبيخ وهو الذي قال الله : لتنبئنهم بأمرهم هذاالآية ) إذ أنتم جاهلون ( دليل على أنهم
(9/255)
" صفحة رقم 256 "
كانوا صغارا في وقت أخذهم ليوسف غير أنبياء لأنه لا يوصف بالجهل إلا من كانت هذه صفته ويدل على أنه حسنت حالهم الآن أي فعلتم ذلك إذ أنتم صغار جهال قال معناه بن عباس والحسن ويكون قولهم : وإن كنا لخاطئين على هذا لأنهم كبروا ولم يخبروا أباهم بما فعلوا حياء وخوفا منه وقيل : جاهلون بما تؤول إليه العاقبة والله أعلم قوله تعالى : ) قالوا أئنك لأنت يوسف ( لما دخلوا عليه فقالوا : مسنا وأهلنا الضر فخضعوا له وتواضعوا رق لهم وعرفهم بنفسه فقال : هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه فتنبهوا فقالوا : أئنك لأنت يوسف قاله بن إسحاق وقيل : إن يوسف تبسم فشبهوه بيوسف واستفهموا قال بن عباس لما قال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف الآية ثم تبسم يوسف وكان إذا تبسم كأن ثناياه اللؤلؤ المنظوم فشبهوه بيوسف فقالوا له على جهة الاستفهام : أئنك لأنت يوسف وعن بن عباس أيضا : أن إخوته لم يعرفوه حتى وضع التاج عنه وكان في قرنه علامة وكان ليعقوب مثلها شبه الشامة فلما قال لهم : هل علمتم ما فعلتم بيوسف رفع التاج عنه فعرفوه فقالوا : أئنك لأنت يوسف وقال بن عباس : كتب يعقوب إليه يطلب رد ابنه وفي الكتاب : من يعقوب صفي الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر أما بعد فإنا أهل بيت بلاء ومحن ابتلى الله جدي إبراهيم بنمروذ وناره ثم ابتلى أبي إسحاق بالذبح ثم ابتلاني بولد كان لي أحب أولادي إلى حتى كف بصري من البكاء وإني لم أسرق ولم ألد سارقا والسلام فلما قرأ يوسف الكتاب ارتعدت مفاصله واقشعر جلده وأرخى عينيه بالبكاء وعيل صبره فباح بالسر وقرأ بن كثير إنك على الخبر ويجوز أن تكون هذه القراءة استفهاما كقوله : وتلك نعمة ) قال أنا يوسف ( أي أنا المظلوم والمراد قتله ولم يقل أنا هو تعظيما للقصة ) قد من الله علينا ( أي بالنجاة والملك ) إنه من يتق ويصبر ( أي يتق الله ويصبر على المصائب وعن المعاصي ) فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ( أي الصابرين في بلائه القائمين بطاعته وقرأ بن كثير : إنه من يتقي بإثبات الياء والقراءة بها جائزة على أن تجعل
(9/256)
" صفحة رقم 257 "
من بمعنى الذي وتدخل يتقي في الصلة فتثبت الياء لا غير وترفع ويصبر وقد يجوز أن تجزم ويصبر على أن تجعل يتقي في موضع جزم ومن للشرط وتثبت الياء وتجعل علامة الجزم حذف الضمة التي كانت في الياء على الأصل كما قال : ثم نادى إذا دخلت دمشقا يا يزيد بن خالد بن يزيد وقال آخر : ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد وقراءة الجماعة ظاهرة والهاء في إنه كناية عن الحديث والجملة الخبر قوله تعالى : ) قالوا تالله لقد آثرك الله علينا ( الأصل همزتان خففت الثانية ولا يجوز تحقيقها واسم الفاعل مؤثر والمصدر إيثار ويقال : أثرت التراب إثارة فأنا مثير وهو أيضا على أفعل ثم أعل والأصل أثير نقلت حركة الياء على الثاء فانقلبت الياء ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين وأثرت الحديث على فعلت فأنا آثر والمعنى : لقد فضلك الله علينا واختارك بالعلم والحلم والحكم والعقل والملك ) وإن كنا لخاطئين ( أي مذنبين من خطىء يخطأ إذا أتى الخطيئة وفي ضمن هذا سؤال العفو وقيل لابن عباس : كيف قالوا وإن كنا لخاطئين وقد تعمدوا لذلك قال : وإن تعمدوا لذلك فما تعمدوا حتى أخطئوا الحق وكذلك كل من أتى ذنبا تخطى المنهاج الذي عليه من الحق حتى يقع في الشبهة والمعصية قوله تعالى : ) لا تثريب عليكم اليوم ( أي قال يوسف وكان حليما موفقا : لا تثريب عليكم اليوم وتم الكلام ومعنى اليوم : الوقت والتثريب التعيير والتوبيخ أي لا تعيير ولا توبيخ ولا لوم عليكم اليوم قاله سفيان الثوري وغيره ومنه قوله عليه السلام : ) إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ) أي لا يعيرها وقال بشر : فعفوت عنهم عفو غير مثرب وتركتهم لعقاب يوم سرمد
(9/257)
" صفحة رقم 258 "
وقال الأصمعي : ثربت عليه وعربت عليه بمعنى إذا قبحت عليه فعله وقال الزجاج : المعنى لا إفساد لما بيني وبينكم من الحرمة وحق الإخوة ولكم عندي العفو والصفح وأصل التثريب الإفساد وهي لغة أهل الحجاز وعن بن عباس أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخذ بعضادتي الباب يوم فتح مكة وقد لاذ الناس بالبيت فقال : ) الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ) ثم قال : ) ماذا تظنون يا معشر قريش ) قالوا : خيرا أخ كريم وبن أخ كريم وقد قدرت قال : ) وأنا أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم ) فقال عمر رضي الله عنه : ففضت عرقا من الحياء من قول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ذلك أني قد كنت قلت لهم حين دخلنا مكة : اليوم ننتقم منكم ونفعل فلما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ما قال استحييت من قولي ) يغفر الله لكم ( مستقبل فيه معنى الدعاء سأل الله أن يستر عليهم ويرحمهم وأجاز الأخفش الوقف على عليكم والأول هو المستعمل فإن في الوقف على عليكم والابتداء ب اليوم يغفر الله لكم جزم بالمغفرة في اليوم وذلك لا يكون إلا عن وحي وهذا بين وقال عطاء الخرساني : طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ ألم تر قول يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وقال يعقوب : سوف أستغفر لكم ربي قوله تعالى : ) اذهبوا بقميصي هذا ( نعت للقميص والقميص مذكر فأما قول الشاعر : تدعو هوازن والقميص مفاضة فوق النطاق تشد بالأزرار فتقديره : والقميص درع مفاضة قاله النحاس وقال بن السدي عن أبيه عن مجاهد : قال لهم يوسف : اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا قال : كان يوسف أعلم بالله من أن يعلم أن قميصه يرد على يعقوب بصره ولكن ذلك قميص إبراهيم الذي ألبسه الله في النار من حرير الجنة وكان كساه إسحاق وكان إسحاق كساه يعقوب وكان يعقوب أدرج ذلك القميص في قصبة من فضة وعلقه في عنق لما كان يخاف عليه من
(9/258)
" صفحة رقم 259 "
العين وأخبره جبريل بأن أرسل قميصك فإن فيه ريح الجنة وإن ريح الجنة لا يقع على سقيم ولا مبتلى إلا عوفي وقال الحسن : لولا أن الله تعالى أعلم يوسف بذلك لم يعلم أنه يرجع إليه بصره وكان الذي حمل قميصه يهوذا قال ليوسف : أنا الذي حملت إليه قميصك بدم كذب فأحزنته وأنا الذي أحمله الآن لأسره وليعود إليه بصره فحمله حكاه السدي ) وأتوني بأهلكم أجمعين ( لتتخذوا مصر دارا قال مسروق : فكانوا ثلاثة وتسعين ما بين رجل وامرأة وقد قيل : إن القميص الذي بعثه هو القميص الذي قد من دبره ليعلم يعقوب أنه عصم من الزنى والقول الأول أصح وقد روي مرفوعا من حديث أنس عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ذكره القشيري والله أعلم
يوسف : ) 94 ( ولما فصلت العير . . . . .
) يوسف 94 : 99 (
قوله تعالى : ) ولما فصلت العير ( أي خرجت منطلقة من مصر إلى الشام يقال : فصل فصولا وفصلته فصلا فهو لازم ومتعد ) قال أبوهم ( أي قال لمن حضر من قرابته ممن لم يخرج إلى مصر وهم ولد ولده : ) إني لأجد ريح يوسف ( وقد يحتمل أن يكون خرج بعض بنيه فقال لمن بقي : إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون قال بن عباس : هاجت ريح فحملت ريح قميص يوسف إليه وبينهما مسيرة ثمان ليال وقال الحسن : مسيرة عشر ليال
(9/259)
" صفحة رقم 260 "
وعنه أيضا مسيرة شهر وقال مالك بن أنس رضي الله عنه : إنما أوصل ريحه من أوصل عرش بلقيس قبل أن يرتد إلى سليمان عليه السلام طرفه وقال مجاهد : هبت ريح فصفقت القميص فراحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب فوجد ريح الجنة فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص فعند ذلك قال : إني لأجد أي أشم فهو وجود بحاسة الشم ) لولا أن تفندون ( قال بن عباس ومجاهد : لولا أن تسفهون ومنه قول النابغة : إلا سليمان إذ قال المليك له قم في البرية فاحددها عن الفند أي عن السفه وقال سعيد بن جبير والضحاك : لولا أن تكذبون والفند الكذب وقد أفند إفنادا كذب ومنه قول الشاعر : هل في افتخار الكريم من أود أم هل لقول الصدوق من فند أي من كذب وقيل : لولا أن تقبحون قاله أبو عمرو والتفنيد القبيح قال الشاعر : ياصاحبي دعا لومي وتفنيدي فليس ما فات من أمري بمردود وقال بن الأعرابي : لولا أن تفندون لولا أن تضعفوا رأيي وقاله بن إسحاق والفند ضعف الرأي من كبر وقول رابع : تضللون قاله أبو عبيده وقال الأخفش : تلوموني والتفنيد اللوم وتضعيف الرأي وقال الحسن وقتادة ومجاهد أيضا : تهرمون وكله متقارب المعنى وهو راجع إلى التعجيز وتضعيف الرأي يقال : فنده تفنيدا إذا أعجزه كما قال : أهلكني باللوم والتفنيد ويقال : أفند إذا تكلم بالخطأ والفند الخطأ في الكلام والرأي كما قال النابغة : فاحددها عن الفند أي امنعها عن الفساد في العقل ومن ذلك قيل : اللوم تفنيد قال الشاعر : يا عاذلي دعا الملام وأقصرا طال الهوى وأطلتما التفنيدا
(9/260)
" صفحة رقم 261 "
ويقال : أفند فلانا الدهر إذا أفسده ومنه قول بن مقبل : دع الدهر يفعل ما أراد فإنه إذا كلف الإفناد بالناس أفندا قول تعالى : ) قالوا تاله إنك لفي ضلالك القديم ( أي لفي ذهاب عن طريق الصواب وقال بن عباس وبن زيد : لفي خطئك الماضي من حب يوسف لا تنساه وقال سعيد بن جبير : لفي جنونك القديم قال الحسن : وهذا عقوق وقال قتادة وسفيان : لفي محبتك القديمة وقيل : إنما قالوا هذا لأن يوسف عندهم كان قد مات وقيل : إن الذي قال له ذلك من بقي معه من ولده ولم يكن عندهم الخبر وقيل : قال له ذلك من كان معه من أهله وقرابته وقيل : بنو بنيه وكانوا صغارا فالله أعلم قوله تعالى : ) فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه ( أي على عينيه ) فارتد بصيرا ( أن زائدة والبشير قيل هو شمعون وقيل : يهوذا قال : أنا أذهب بالقميص اليوم كما ذهبت به ملطخا بالدم قاله بن عباس وعن السدي أنه قال لإخوته : قد علمتم أني ذهبت إليه بقميص الترحة فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة وقال يحيى بن يمان عن سفيان : لما جاء البشير إلى يعقوب قال له : على أي دين تركت يوسف قال : على الإسلام قال : الآن تمت النعمة وقال الحسن : لما ورد البشير على يعقوب لم يجد عنده شيئا يثيبه به فقال : والله ما أصبت عندنا شيئا وما خبزنا شيئا منذ سبع ليال ولكن هون الله عليك سكرات الموت قلت : وهذا الدعاء من أعظم ما يكون من الجوائز وأفضل العطايا والذخائر ودلت هذه الآية على جواز البذل والهبات عند البشائر وفي الباب حديث كعب بن مالك الطويل وفيه : فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته وذكر الحديث وقد تقدم بكماله في قصة الثلاثة الذين خلفوا وكسوة كعب ثوبيه للبشير مع كونه ليس له غيرهما دليل على
(9/261)
" صفحة رقم 262 "
جواز مثل ذلك إذا ارتجى حصول ما يستبشر به وهو دليل على جواز إظهار الفرح بعد زوال الغم والترح ومن هذا الباب جواز حذاقة الصبيان وإطعام الطعام فيها وقد نحر عمر بعد حفظه سورة البقرة جزورا والله أعلم قوله تعالى : ) قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون ( ذكرهم قوله : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون قوله تعالى : ) قالوا ياأبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ( في الكلام حذف التقدير : فلما رجعوا من مصر قالوا يا أبانا وهذا يدل على أن الذي قال له : تالله إنك لفي ضلالك القديم بنو بنيه أو غيرهم من قرابته وأهله لا ولده فإنهم كانوا غيبا وكان يكون ذلك زيادة في العقوق والله أعلم وإنما سألوه المغفرة لأنهم أدخلوا عليه من ألم الحزن ما لم يسقط المأثم عنه إلا بإحلاله قلت : وهذا الحكم ثابت فيمن آذى مسلما في نفسه أو ماله أو غير ذلك ظالما له فإنه يجب عليه أن يتحلل له ويخبره بالمظلمة وقدرها وهل ينفعه التحليل المطلق أم لا فيه خلاف والصحيح أنه لا ينفع فإنه لو أخبره بمظلمة لها قدر وبال ربما لم تطب نفس المظلوم في التحلل منها والله أعلم وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ) قال المهلب فقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) أخذ منه بقدر مظلمته ) يجب أن تكون المظلمة معلومة القدر مشارا إليها مبينة والله أعلم قوله تعالى : ) قال سوف أستغفر لكم ربي ( قال بن عباس : أخر دعاءه إلى السحر وقال المثنى بن الصباح عن طاوس قال : سحر ليلة الجمعة ووافق ذلك ليلة عاشوراء وفي دعاء الحفظ من كتاب الترمذي عن بن عباس أنه قال : بينما نحن عند رسول الله
(9/262)
" صفحة رقم 263 "
( صلى الله عليه وسلم ) إذ جاءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : بأبي أنت وأمي تفلت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع بهن من علمته ويثبت ما تعلمت في صدرك ) قال : أجل يا رسول الله فعلمني قال : ) إذا كان ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب وقد قال أخي يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي يقول حتى تأتي ليلة الجمعة ) وذكر الحديث وقال أيوب بن أبي تميمة السختياني عن سعيد بن جبير قال : سوف أستغفر لكم ربي في الليالي البيض في الثالثة عشرة والرابعة عشرة والخامسة عشرة فإن الدعاء فيها مستجاب وعن عامر الشعبي قال : سوف أستغفر لكم ربي أي أسأل يوسف إن عفا عنكم استغفرت لكم ربي وذكر سنيد بن داود قال : حدثنا هشيم قال حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب بن دثار عن عمه قال : كنت آتي المسجد في السحر فأمر بدار بن مسعود فأسمعه يقول : اللهم إنك أمرتني فأطعت ودعوتني فأجبت وهذا سحر فاغفر لي فلقيت بن مسعود فقلت : كلمات أسمعك تقولهن في السحر فقال : إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر بقوله : سوف أستغفر لكم ربي قوله تعالى : ) فلما دخلوا على يوسف ( أي قصرا كان له هناك ) آوى إليه أبويه ( قيل : إن يوسف بعث مع البشير مائتي راحلة وجهازا وسأل يعقوب أن يأتيه بأهله وولده جميعا فلما دخلوا عليه آوى إليه أبويه أي ضم ويعني بأبويه أباه وخالته وكانت أمه قد ماتت في ولادة أخيه بنيامين وقيل : أحيا الله له أمه تحقيقا للرؤيا حتى سجدت له قاله الحسن وقد تقدم في البقرة أن الله تعالى أحيا لنبيه عليه السلام أباه وأمه فآمنا به قوله تعالى : ) ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ( قال بن جريج : أي سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله قال : وهذا من تقديم القرآن وتأخيره قال النحاس : يذهب بن جريج إلى أنهم قد دخلوا مصر فكيف يقول : ادخلوا مصر إن شاء الله وقيل : إنما قال : إن شاء الله تبركا وجزما آمنين من القحط أو من فرعون وكانوا لا يدخلونها إلا بجوازه
(9/263)
" صفحة رقم 264 "
يوسف : ) 100 ( ورفع أبويه على . . . . .
) يوسف 100 (
قوله تعالى : ) ورفع أبويه على العرش ( قال قتادة : يريد السرير وقد تقدمت محامله وقد يعبر بالعرش عن الملك والملك نفسه ومنه قول النابغة الذبياني : عروش تفانوا بعد عز وأمنة وقد تقدم : قوله تعالى : ) وخروا له سجدا ( فيه ثلاث مسائل : الأولى قوله تعالى : وخروا له سجدا الهاء في خروا له قيل : إنها تعود على الله تعالى المعنى : وخروا شكرا لله سجدا ويوسف كالقبلة لتحقيق رؤياه وروي عن الحسن قال النقاش : وهذا خطأ والهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أول السورة : رأيتهم لي ساجدين وكان تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف والصغير للكبير سجد يعقوب وخالته وإخوته ليوسف عليه السلام فاقشعر جلده وقال : هذا تأويل رؤياي من قبل وكان بين رؤيا يوسف وبين تأويلها اثنتان وعشرون سنة وقال سلمان الفارسي وعبد الله بن شداد : أربعون سنة قال عبد الله بن شداد : وذلك آخر ما تبطئ الرؤيا وقال قتادة : خمس وثلاثون سنة وقال السدي وسعيد بن جبير وعكرمة : ست وثلاثون سنة وقال الحسن وجسر بن فرقد وفضيل بن عياض : ثمانون سنة وقال وهب بن منبه : ألقي يوسف في الجب وهو بن سبع عشرة سنة وغاب عن أبيه ثمانين سنة وعاش بعد أن التقى بأبيه ثلاثا وعشرين
(9/264)
" صفحة رقم 265 "
سنة ومات وهو بن مائة وعشرين سنة وفي التوراة مائة وست وعشرون سنة وولد ليوسف من امرأة العزيز إفراثيم ومنشا ورحمة امرأة أيوب وبين يوسف وموسى أربعمائة سنة وقيل : إن يعقوب بقي عند يوسف عشرين سنة ثم توفي ( صلى الله عليه وسلم ) وقيل : أقام عنده ثماني عشرة سنة وقال بعض المحدثين : بضعا وأربعين سنة وكان بين يعقوب ويوسف ثلاث وثلاثون سنة حتى جمعهم الله وقال بن إسحاق : ثماني عشرة سنة والله أعلم الثانية قال سعيد بن جبير عن قتادة عن الحسن في قوله : وخروا له سجدا قال : لم يكن سجودا لكنه سنة كانت فيهم يومئون برءوسهم إيماء كذلك كانت تحيتهم وقال الثوري والضحاك وغيرهما : كان سجودا كالسجود المعهود عندنا وهو كان تحيتهم وقيل : كان انحناء كالركوع ولم يكن خرورا على الأرض وهكذا كان سلامهم بالتكفي والانحناء وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا وجعل الكلام بدلا عن الانحناء وأجمع المفسرون أن ذلك السجود على أي وجه كان فإنما كان تحية لا عبادة قال قتادة : هذه كانت تحية الملوك عندهم وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة قلت : هذا الانحناء والتكفي الذي نسخ عنا قد صار عادة بالديار المصرية وعند العجم وكذلك قيام بعضهم إلى بعض حتى أن أحدهم إذا لم يقم له وجد في نفسه كأنه لا يؤبه به وأنه لا قدر له وكذلك إذا التقوا انحنى بعضهم لبعض عادة مستمرة ووراثة مستقرة لا سيما عند التقاء الأمراء والرؤساء نكبوا عن السنن وأعرضوا عن السنن وروى أنس بن مالك قال : قلنا يا رسول الله أينحني بعضنا إلى بعض إذا التقينا قال : ) لا ) قلنا : أفيعتنق بعضنا بعضا قال ) لا ) قلنا : أفيصافح بعضنا بعضا قال ) نعم ) خرجه أبو عمر في التمهيد فإن قيل : فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) قوموا إلى سيدكم وخيركم ) يعني سعد بن معاذ قلنا : ذلك مخصوص بسعد لما تقتضيه الحال المعينة وقد قيل : إنما كان قيامهم لينزلوه عن الحمار وأيضا فإنه يجوز للرجل الكبير إذا لم يؤثر ذلك في نفسه فإن أثر فيه وأعجب به ورأى لنفسه حظا لم يجز عونه على ذلك
(9/265)
" صفحة رقم 266 "
لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ) وجاء عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أنه لم يكن وجه أكرم عليهم من وجه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وما كانوا يقومون له إذا رأوه لما يعرفون من كراهته لذلك الثالثة فإن قيل : فما تقول في الإشارة بالإصبع قيل له : ذلك جائز إذا بعد عنك لتعين له به وقت السلام فإن كان دانيا فلا وقد قيل بالمنع في القرب والبعد لما جاء عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) من تشبه بغيرنا فليس منا ) وقال : ) لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى فإن تسليم اليهود بالأكف والنصارى بالإشارة ) وإذا سلم فإنه لا ينحني ولا أن يقبل مع السلام يده ولأن الانحناء على معنى التواضع لا ينبغي إلا لله وأما تقبيل اليد فإنه من فعل الأعاجم ولا يتبعون على أفعالهم التي أحدثوها تعظيما منهم لكبرائهم قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) ) لا تقوموا عند رأسي كما تقوم الأعاجم عند رؤوس أكاسرتها ) فهذا مثله ولا بأس بالمصافحة فقد صافح النبي ( صلى الله عليه وسلم ) جعفر بن أبي طالب حين قدم من الحبشة وأمر بها وندب إليها وقال : ) تصافحوا يذهب الغل ) وروى غالب التمار عن الشعبي أن أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كانوا إذا التقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا فإن قيل : فقد كره مالك المصافحة قلنا : روى بن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة وذهب إلى هذا سحنون وغيره من أصحابنا وقد روي عن مالك خلاف ذلك من جواز المصافحة وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف قال بن العربي : إنما كره مالك المصافحة لأنه لم يرها أمرا عاما في الدين ولا منقولا نقل السلام ولو كانت منه لاستوى معه قلت : قد جاء في المصافحة حديث يدل على الترغيب فيها والدأب عليها والمحافظة وهو ما رواه البراء بن عازب قال : لقيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخذ بيدي فقلت : يا رسول الله أن كنت لأحسب أن المصافحة للاعاجم فقال : ) ) نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما
(9/266)
" صفحة رقم 267 "
قوله تعالى : ) وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ( ولم يقل من الجب استعمالا للكرم لئلا يذكر إخوته صنيعهم بعد عفوه عنهم بقوله : لا تثريب عليكم قلت : وهذا هو الأصل عند مشايخ الصوفية : ذكر الجفافي وقت الصفا جفا وهو قول صحيح دل عليه الكتاب وقيل : لأن في دخوله السجن كان باختياره بقوله : رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وكان في الجب بإرادة الله تعالى له وقيل : لأنه كان في السجن مع اللصوص والعصاة وفي الجب مع الله تعالى وأيضا فإن المنة في النجاة من السجن كانت أكبر لأنه دخله بسبب أمرهم به وأيضا دخله باختياره إذ قال : رب السجن أحب إلي فكان الكرب فيه أكثر وقال فيه أيضا : اذكرني عند ربك فعوقب فيه ) وجاء بكم من البدو ( يروى أن مسكن يعقوب كان بأرض كنعان وكانوا أهل مواش وبرية وقيل : كان يعقوب تحول إلى بادية وسكنها وأن الله لم يبعث نبيا من أهل البادية وقيل : إنه كان خرج إلى بدا وهو موضع وإياه عنى جميل بقوله : وأنت التي حببت شغبا إلى بدا إلي وأوطاني بلاد سواهما وليعقوب بهذا الموضع مسجد تحت جبل يقال : بدا القوم بدوا إذا أتوا بدا كما يقال : غاروا غورا أي أتوا الغور والمعنى : وجاء بكم من مكان بدا ذكره القشيري وحكاه الماوردي عن الضحاك عن بن عباس ) من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ( بإيقاع الحسد قاله بن عباس وقيل : أفسد ما بيني وبين إخوتي أحال ذنبهم على الشيطان تكرما منه ) إن ربي لطيف لما يشاء ( أي رفيق بعباده وقال الخطابي : اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون كقوله : الله لطيف بعباده يرزق من يشاء الشورى وقيل : اللطيف العالم بدقائق الأمور والمراد هنا الإكرام والرفق قال قتادة لطف بيوسف بإخراجه من السجن وجاءه بأهله من البدو ونزع عن قلبه نزغ الشيطان ويروى أن يعقوب لما قدم بأهله وولده وشارف أرض مصر وبلغ ذلك يوسف استأذن فرعون واسمه الريان أن يأذن له في تلقي أبيه يعقوب وأخبره
(9/267)
" صفحة رقم 268 "
بقدومه فأذن له وأمر الملا من أصحابه بالركوب معه فخرج يوسف والملك معه في أربعة آلاف من الأمراء مع كل أمير خلق الله أعلم بهم وركب أهل مصر معهم يتلقون يعقوب فكان يعقوب يمشي متكئا على يد يهوذا فنظر يعقوب إلى الخيل والناس والعساكر فقال : يا يهوذا هذا فرعون مصر قال : لا بل هذا ابنك يوسف فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف ليبدأه بالسلام فمنع من ذلك وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل فابتدأ يعقوب بالسلام فقال : السلام عليك يا مذهب الأحزان وبكى وبكى معه يوسف فبكى يعقوب فرحا وبكى يوسف لما رأى بأبيه من الحزن قال بن عباس : فالبكاء أربعة بكاء من الخوف وبكاء من الجزع وبكاء من الفرح وبكاء رياء ثم قال يعقوب : الحمد لله الذي أقر عيني بعد الهموم والأحزان ودخل مصر في اثنين وثمانين من أهل بيته فلم يخرجوا من مصر حتى بلغوا ستمائة ألف ونيف ألف وقطعوا البحر مع موسى عليه السلام رواه عكرمة عن بن عباس وحكى بن مسعود أنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وتسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا وقال الربيع بن خيثم دخلوها وهم اثنان وسبعون ألفا وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف وقال وهب بن منبه : دخل يعقوب وولده مصر وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة وصغير وخرجوا منها مع موسى فرارا من فرعون وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا مقاتلين سوى الذرية والهرمى والزمنى وكانت الذرية ألف ألف ومائتي ألف سوى المقاتلة وقال أهل التواريخ : أقام يعقوب بمصر أربعا وعشرين سنة في أغبط حال ونعمة ومات بمصر وأوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق بالشام ففعل ثم انصرف إلى مصر قال سعيد بن جبير : نقل يعقوب ( صلى الله عليه وسلم ) في تابوت من ساج إلى بيت المقدس ووافق ذلك يوم مات عيصو فدفنا في قبر واحد فمن ثم تنقل اليهود موتاهم إلى بيت المقدس من فعل ذلك منهم وولد يعقوب وعيصو في بطن واحد ودفنا في قبر واحد وكان عمرهما جميعا مائة وسبعا وأربعين سنة
(9/268)
يوسف : (101) رب قد آتيتني . . . . .
(يوسف 101)
قوله تعالى : (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث) قال قتادة : لم يتمن الموت أحد نبي ولا غيره إلا يوسف عليه السلام حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء ربه عز وجل وقيل : إن يوسف لم يتمن الموت وإنما تمنى الوفاة على الإسلام أي إذا جاء أجلي توفني مسلما وهذا قول الجمهور وقال سهل بن عبد الله التستري : لا يتمنى الموت إلا ثلاث : رجل جاهل بما بعد الموت أو رجل يفر من أقدار الله تعالى عليه أو مشتاق محب للقاء الله عز وجل وثبت في الصحيح عن أنس قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) رواه مسلم وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا ) وإذا ثبت هذا فكيف يقال : إن يوسف عليه السلام تمنى الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل هذا بعيد إلا أن يقال : إن ذلك كان جائزا في شرعه أما أنه يجوز تمني الموت والدعاء به عند ظهور الفتن وغلبتها وخوف ذهاب الدين على ما بيناه في كتاب التذكرة ومن من قوله : من الملك للتبعيض وكذلك قوله : وعلمتني من تأويل الأحاديث لأن ملك مصر ما كان كل الملك وعلم التعبير ما كان كل العلوم وقيل : من للجنس كقوله : فاجتنبوا الرجس من الأوثان وقيل : للتأكيد أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث
(9/269)
" صفحة رقم 270 "
قوله تعالى : ) فاطر السماوات والأرض ( نصب على النعت للنداء وهو رب وهو نداء مضاف والتقدير : يا رب ويجوز أن يكون نداء ثانيا والفاطر الخالق فهو سبحانه فاطر الموجودات أي خالقها ومبدئها ومنشئها ومخترعها على الإطلاق من غير شيء ولا مثال سبق وقد تقدم هذا المعنى في البقرة مستوفى عند قوله : بديع السماوات والأرض وزدناه بيانا في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ) أنت وليي ( أي ناصري ومتولي أموري في الدنيا والآخرة ) توفني مسلما والحقني بالصالحين ( يريد آباءه الثلاثة إبراهيم وإسحاق ويعقوب فتوفاه الله طاهرا طيبا ( صلى الله عليه وسلم ) بمصر ودفن في النيل في صندوق من رخام وذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه كل يحب أن يدفن في محلتهم لما يرجون من بركته واجتمعوا على ذلك حتى هموا بالقتال فرأوا أن يدفنوه في النيل من حيث مفرق الماء بمصر فيمر عليه الماء ثم يتفرق في جميع مصر فيكونوا فيه شرعا ففعلوا فلما خرج موسى ببني إسرائيل أخرجه من النيل : ونقل تابوته بعد أربعمائة سنة إلى بيت المقدس فدفنوه مع آبائه لدعوته : وألحقني بالصالحين وكان عمره مائة عام وسبعة أعوام وعن الحسن قال : ألقي يوسف في الجب وهو بن سبع عشرة سنة وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة ثم جمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة وكان له من الولد إفراثيم ومنشأ ورحمة زوجة أيوب في قول بن لهيعة قال الزهري : وولد لأفراثيم بن يوسف نون بن إفراثيم وولد لنون يوشع فهو يوشع بن نون وهو فتى موسى الذي كان معه صاحب أمره ونبأه الله في زمن موسى عليه السلام فكان بعده نبيا وهو الذي افتتح أريحا وقتل من كان بها من الجبابرة واستوقفت له الشمس حسب ما تقدم في المائدة وولد لمنشا بن يوسف موسى بن منشا قبل موسى بن عمران وأهل التوراة يزعمون أنه هو الذي طلب العالم ليتعلم منه حتى أدركه والعالم هو الذي خرق
(9/270)
" صفحة رقم 271 "
السفينة وقتل الغلام وبنى الجدار وموسى بن منشأ معه حتى بلغ معه حيث بلغ وكان بن عباس ينكر ذلك والحق الذي قاله بن عباس وكذلك في القرآن ثم كان بين يوسف وموسى أمم وقرون وكان فيما بينهما شعيب صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين
يوسف : ) 102 ( ذلك من أنباء . . . . .
) يوسف 102 : 104 (
قوله تعالى : ) ذلك من أنباء الغيب ( ابتداء وخبر ) نوحيه إليك ( خبر ثان قال الزجاج : ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي نوحيه إليك خبره أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك يعني هو الذي قصصنا عليك يا محمد من أمر يوسف من أخبار الغيب نوحيه إليك أي نعلمك بوحي هذا إليك ) وماكنت لديهم ( أي مع إخوة يوسف ) إذ أجمعواأمرهم ( في إلقاء يوسف في الجب ) وهم يمكرون ( أي بيوسف في إلقائه في الجب وقيل : يمكرون بيعقوب حين جاءوه بالقميص ملطخا بالدم أي ما شاهدت تلك الأحوال ولكن الله أطلعك عليها قوله تعالى : ) وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ( ظن أن العرب لما سألته عن هذه القصة وأخبرهم يؤمنون فلم يؤمنوا فنزلت الآية تسلية للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي ليس تقدر على هداية من أردت هدايته تقول : حرص يحرص مثل : ضرب يضرب وفي لغة ضعيفة حرص يحرص مثل حمد يحمد والحرص طلب الشيء باختيار قوله تعالى : ) وما تسألهم عليه من أجر ( من صلة أي ما تسألهم جعلا ) إن هو ( أي ماهو يعني القرآن والوحي ) إلا ذكر ( أي عظة وتذكرة ) للعالمين
(9/271)