منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 4 أغسطس - 20:21




المجلد التاسع
سورة هود عليه السلام
...
بسم الله الرحمن الرحيم
مكية إلا الآيات 12 ، 17 ، 114 فمدنية وآياتها 123 نزلت بعد يونس. مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية ؛ وهي قوله تعالى : {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود : 114]. وأسند أبو محمد الدارمي في مسنده عن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اقرؤوا سورة هود يوم الجمعة". وروى الترمذي عن ابن عباس قال قال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله قد شبت! قال : " شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت" . قال : هذا حديث حسن غريب ، وقد روي شيء من هذا مرسلا. وأخرجه الترمذي الحكيم أبو عبدالله في "نوادر الأصول" : حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا محمد بن بشر عن علي بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة قال : قالوا يا رسول الله نراك قد شبت! قال : "شيبتني هود وأخواتها " . قال أبو عبدالله : فالفزع يورث الشيب وذلك أن الفزع يذهل النفس فينشف رطوبة الجسد ، وتحت كل شعرة منبع ، ومنه يعرق ، فإذا انتشف الفزع رطوبته يبست المنابع فيبس الشعر وابيض ؛ كما ترى الزرع الأخضر بسقائه ، فإذا ذهب سقاؤه يبس فابيض ؛ وإنما يبيض شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويبس جلده ، فالنفس تذهل بوعيد الله ، وأهوال ما جاء به الخبر عن الله ، فتذبل ، وينشف ماءها ذلك الوعيد والهول الذي جاء به ؛ فمنه تشيب. وقال الله تعالى : {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل : 17] فإنما شابوا من الفزع. وأما سورة "هود" فلما ذكر الأمم ، وما حل بهم من عاجل بأس الله تعالى ، فأهل اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم من ملكه وسلطانه ولحظاته البطش بأعدائه ، فلو ماتوا من الفزع لحق لهم ، ولكن الله تبارك وتعالى اسمه يلطف بهم في تلك الأحايين حتى يقرؤوا كلامه. وأما أخواتها فما أشبهها من السور ؛ مثل {الْحَاقَّةُ} [الحاقة : 1] و {سَأَلَ سَائِلٌ} [المعارج : 1] و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير : 1]
(9/1)





و {الْقَارِعَةُ} [القارعة : 1] ، ففي تلاوة هذه السور ما يكشف لقلوب العارفين سلطانه وبطشه فتذهل منه النفوس ، وتشيب منه الرؤوس. [قلت] وقد قيل : إن الذي شيب النبي صلى الله عليه وسلم من سورة "هود" قوله : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود : 112] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وقال يزيد بن أبان : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي فقرأت عليه سورة "هود" فلما ختمتها قال : "يا يزيد هذه القراءة فأين البكاء". قال علماؤنا : قال أبو جعفر النحاس : يقال هذه هود فاعلم بغير تنوين على أنه اسم للسورة ؛ لأنك لو سميت امرأة بزيد. لم تصرف ؛ وهذا قول الخليل وسيبويه. وعيسي ابن عمر يقول : هذه هود بالتنوين على أنه اسم للسورة ؛ وكذا إن سمى امرأة بزيد ؛ لأنه لما سكن وسطه خف فصرف ، فإن أردت الحذف صرفت على قول الجميع ، فقلت : هذه هود وأنت تريد سورة هود ؛ قال سيبويه : والدليل على هذا أنك تقول هذه الرحمن ، فلولا أنك تريد هذه سورة الرحمن ما قلت هذه.
3 - الآية : 1 {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}
3 - الآية : 2 {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}
3 - الآية : 3 {أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}
3 - الآية : 4 {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
قوله تعالى : {الر} تقدم القول فيه. {كِتَابٌ} بمعنى هذا كتاب. {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} في موضع رفع نعت لكتاب. وأحسن ما قيل في معنى {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} قول قتادة ؛ أي جعلت محكمة كلها لا خلل فيها ولا باطل. والإحكام منع القول من الفساد ، أي نظمت نظما محكما لا يلحقها تناقض ولا خلل. وقال ابن عباس : أي لم ينسخها كتاب ، بخلاف التوراة والإنجيل. وعلى هذا فالمعنى ؛ أحكم بعض آياته بأن جعل ناسخا غير منسوخ. وقد تقدم القول فيه.
(9/2)





وقد يقع اسم الجنس على النوع ؛ فيقال : أكلت طعام زيد ؛ أي بعض طعامه. وقال الحسن وأبو العالية : {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} بالأمر والنهي. {ثُمَّ فُصِّلَتْ} بالوعد والوعيد والثواب والعقاب. وقال قتادة : أحكمها الله من الباطل ، ثم فصلها بالحلال والحرام. مجاهد : أحكمت جملة ، ثم بينت بذكر آية آية بجميع ما يحتاج إليه من الدليل على التوحيد والنبوة والبعث وغيرها. وقيل : جمعت في اللوح المحفوظ ، ثم فصلت في التنزيل. وقيل : "فصلت" أنزلت نجما نجما لتتدبر. وقرأ عكرمة "فصلت" مخففا أي حكمت بالحق. {مِنْ لَدُنْ} أي من عند. {حَكِيمٍ} أي محكم للأمور. {خَبِيرٍ} بكل كائن وغير كائن.
قوله تعالى : { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} قال الكسائي والفراء : أي بألا ؛ أي أحكمت ثم فصلت بألا تعبدوا إلا الله. قال الزجاج : لئلا ؛ أي أحكمت ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله. قيل : أمر رسوله أن يقول للناس ألا تعبدوا إلا الله. {إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ} أي من الله. {نَذِيرٌ} أي مخوف من عذابه وسطوته لمن عصاه. {وَبَشِيرٌ} بالرضوان والجنة لمن أطاعه. وقيل : هو من قول الله أولا وآخرا ؛ أي لا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير ؛ أي الله نذير لكم من عبادة غيره ، كما قال : {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران : 28].
قوله تعالى : {أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} عطف على الأول. {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي ارجعوا إليه بالطاعة والعبادة. قال الفراء : "ثم" هنا بمعنى الواو ؛ أي وتوبوا إليه ؛ لأن الاستغفار هو التوبة ، والتوبة هي الاستغفار. وقيل : استغفروه من سالف ذنوبكم ، وتوبوا إليه من المستأنف متى وقعت منكم. قال بعض الصلحاء : الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. وقد تقدم هذا المعنى في "آل عمران" مستوفى. وفي "البقرة" عند قوله : {وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً} [البقرة : 231]. وقيل : إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب ، والتوبة هي السبب إليها ؛ فالمغفرة أول في المطلوب وآخر في السبب. ويحتمل أن يكون المعنى استغفروه من الصغائر ، وتوبوا إليه من الكبائر. {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً}
(9/3)





هذه ثمرة الاستغفار والتوبة ، أي يمتعكم بالمنافع ثم سعة الرزق ورغد العيش ، ولا يستأصلكم بالعذاب كما فعل بمن أهلك قبلكم. وقيل : يمتعكم يعمركم ؛ وأصل الإمتاع الإطالة ، ومنه أمتع الله بك ومتع. وقال سهل بن عبدالله : المتاع الحسن ترك الخلق والإقبال على الحق. وقيل : هو القناعة بالموجود ، وترك الحزن على المفقود. {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} قيل : هو الموت. وقيل : القيامة. وقيل : دخول الجنة. والمتاع الحسن على هذا وقاية كل مكروه وأمر مخوف ، مما يكون في القبر وغيره من أهوال القيامة وكربها ؛ والأول أظهر ؛ لقوله في هذه السورة : {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} [هود : 52] وهذا ينقطع بالموت وهو الأجل المسمى. والله أعلم. قال مقاتل : فأبوا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا العظام المحرقة والقذر والجيف والكلاب. {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} أي يؤت كل ذي عمل من الأعمال الصالحات جزاء عمله. وقيل : ويؤت كل من فضلت حسناته على سيئاته "فضله" أي الجنة ، وهي فضل الله ؛ فالكناية في قوله : "فضله" ترجع إلى الله تعالى. وقال مجاهد : هو ما يحتسبه الإنسان من كلام يقوله بلسانه ، أو عمل يعمله بيده أو رجله ، أو ما تطوع به من ماله فهو فضل الله ، يؤتيه ذلك إذا آمن ، ولا يتقبله منه إن كان كافرا. {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} أي يوم القيامة ، وهو كبير لما فيه من الأهوال. وقيل : اليوم الكبير هو يوم بدر وغيره : و"تولوا" يجوز أن يكون ماضيا ويكون المعنى : وإن تولوا فقل لهم إني أخاف عليكم. ويجوز أن يكون مستقبلا حذفت منه إحدى التاءين والمعنى : قل لهم إن تتولوا فإني أخاف عليكم.
قوله تعالى : {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} أي بعد الموت. {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من ثواب وعقاب.
الآية : 5 {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
(9/4)





قوله تعالى : {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} أخبر عن معاداة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ويظنون أنه تخفي على الله أحوالهم. {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} أي يطوونها على عداوة المسلمين ففيه هذا الحذف ، قال ابن عباس : يخفون ما في صدورهم من الشحناء والعداوة ويظهرون خلافه. نزلت في الأخنس بن شريق ، وكان رجلا حلو الكلام حلو المنطق ، يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يجب ، وينطوي له بقلبه على ما يسوء. وقال مجاهد : {يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} شكا وامتراء. وقال الحسن : يثنونها على ما فيها من الكفر. وقيل : نزلت في بعض المنافقين ، كان إذا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم ثنى صدره وظهره ، وطأطأ رأسه وغطى وجهه ، لكيلا يراه النبي صلى الله عليه وسلم فيدعوه إلى الإيمان ؛ حكي معناه عن عبدالله بن شداد فالهاء في "منه" تعود على النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل : قال المنافقون إذا غلقنا أبوابنا ، واستغشينا ثيابنا ، وثنينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا ؟ فنزلت الآية. وقيل : إن قوما من المسلمين كانوا يتنسكون بستر أبدانهم ولا يكشفونها تحت السماء ، فبين الله تعالى أن التنسك ما اشتملت عليه قلوبهم من معتقد ، وأظهروه من قول وعمل. وروى ابن جرير عن محمد ابن عباد بن جعفر قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول : "ألا أنهم تثنوي صدورهم ليستخفوا منه" قال : كانوا لا يجامعون النساء ، ولا يأتون الغائط وهم يفضون إلى السماء ، فنزلت هذه الآية. وروى غير محمد بن عباد عن ابن عباس : "ألا إنهم تثنوي صدورهم" بغير نون بعد الواو ، في وزن تنطوي ؛ ومعنى "تثنوي" والقراءتين الأخريين متقارب ؛ لأنها لا تثنوي حتى يثنوها. وقيل : كان بعضهم ينحني على بعض يساره في الطعن على المسلمين ، وبلغ من جهلهم أن توهموا أن ذلك يخفي على الله تعالى : {لِيَسْتَخْفُوا} أي ليتواروا عنه ؛ أي عن محمد أو عن الله.
(9/5)





{أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} أي يغطون رؤوسهم بثيابهم. قال قتادة : أخفى ما يكون العبد إذا حنى ظهره ، واستغشى ثوبه ، وأضمر في نفسه همه.
3 - الآية : 6 {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}
قوله تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} "ما" نفي و"من" زائدة و"دابة" في موضع رفع ؛ التقدير : وما دابة. {إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} "على" بمعنى "من" ، أي من الله رزقها ؛ يدل عليه قول ، مجاهد : كل ما جاءها من رزق فمن الله. وقيل : "على الله" أي فضلا لا وجوبا. وقيل : وعدا منه حقا. وقد تقدم بيان هذا المعنى في "النساء" وأنه سبحانه لا يجب عليه شيء. "رزقها" رفع بالابتداء ، وعند الكوفيين بالصفة ؛ وظاهر الآية العموم ومعناها الخصوصي ؛ لأن كثيرا من الدواب هلك قبل أن يرزق. وقيل : هي عامة في كل دابة : وكل دابة لم ترزق رزقا تعيش به فقد رزقت روحها ؛ ووجه النظم به قبل : أنه سبحانه أخبر برزق الجميع ، وأنه لا يغفل عن تربيته ، فكيف تخفى عليه أحوالكم يا معشر الكفار وهو يرزقكم ؟ ! والدابة كل حيوان يدب. والرزق حقيقته ما يتغذى به الحي ، ويكون فيه بقاء روحه ونماء جسده. ولا يجوز أن يكون الرزق بمعنى الملك ؛ لأن البهائم ترزق وليس يصح وصفها بأنها مالكة لعلفها ؛ وهكذا الأطفال ترزق اللبن ولا يقال : إن اللبن الذي في الثدي ملك للطفل. وقال تعالى : {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ} [الذاريات : 22] وليس لنا في السماء ملك ؛ ولأن الرزق لو كان ملكا لكان إذا أكل الإنسان من ملك غيره أن يكون قد أكل من رزق غيره ، وذلك محال ؛ لأن العبد لا يأكل إلا رزق نفسه. وقد تقدم في "البقرة" هذا المعنى والحمد لله. وقيل لبعضهم : من أين تأكل ؟ وقال : الذي خلق الرحى يأتيها بالطحين ، والذي شدق الأشداق هو خالق الأرزاق.
(9/6)





وقيل لأبي أسيد : من أين تأكل ؟ فقال : سبحانه الله والله أكبر! إن الله يرزق الكلب أفلا يرزق أبا أسيد!. وقيل لحاتم الأصم : من أين تأكل ؟ فقال : من عند الله ؛ فقيل له : الله ينزل لك دنانير ودراهم من السماء ؟ فقال : كأن ماله إلا السماء! يا هذا الأرض له والسماء له ؛ فإن لم يؤتني رزقي من السماء ساقه لي من الأرض ؛ وأنشد :
وكيف أخاف الفقر والله رازقي ... ورازق هذا الخلق في العسر واليسر
تكفل بالأرزاق للخلق كلهم ... وللضب في البيداء والحوت في البحر
وذكر الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" بإسناده عن زيد بن أسلم : أن الأشعريين أبا موسى وأبا مالك وأبا عامر في نفر منهم ، لما هاجروا وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وقد أرملوا من الزاد ، فأرسلوا رجلا منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله ، فلما انتهى إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعه يقرأ هذه الآية {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} فقال الرجل : ما الأشعريون بأهون الدواب على الله ؛ فرجع ولم يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال لأصحابه : أبشروا أتاكم الغوث ، ولا يظنون إلا أنه قد كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعده ؛ فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجلان يحملان قصعة بينها مملوءة خبزا ولحما فأكلوا منها ما شاؤوا ، ثم قال بعضهم لبعض : لو أنا رددنا هذا الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقضي به حاجته ؛ فقالوا للرجلين : اذهبا بهذا الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا قد قضينا منه حاجتنا ، ثم إنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ما رأينا طعاما أكثر ولا أطيب من طعام أرسلت به ؛ قال : "ما أرسلت إليكم طعاما" فأخبروه أنهم أرسلوا صاحبهم ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ما صنع ، وما قال لهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ذلك شيء رزقكموه الله" .
(9/7)





قوله تعالى : {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} أي من الأرض حيث تأوي إليه. {وَمُسْتَوْدَعَهَا} أي الموضع الذي تموت فيه فتدفن ؛ قاله مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الربيع بن أنس : "مستقرها" أيام حياتها. "ومستودعها" حيث تموت وحيث تبعث. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : "مستقرها" في الرحم "ومستودعها" في الصلب. وقيل : "يعلم مستقرها" في الجنة أو النار. "ومستودعها" في القبر ؛ يدل عليه قوله تعالى في وصف أهل الجنة وأهل النار : {حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان : 76] {سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان : 66]. {كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} أي في اللوح المحفوظ.
الآية : 7 {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}
قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} تقدم في "الأعراف" بيانه والحمد لله. {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} بين أن خلق العرش والماء قبل خلق الأرض والسماء. قال كعب : خلق الله ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة الله تعالى ؛ فلذلك يرتعد الماء إلى الآن وإن كان ساكنا ، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ، ثم وضع العرش على الماء. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : إنه سئل عن قوله عز وجل : {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} فقال : على أي شيء كان الماء ؟ قال : على متن الريح. وروى البخاري عن عمران بن حصين. قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه قوم من بني تميم فقال : "اقبلوا البشرى بابني تميم" قالوا : بشرتنا فأعطنا [مرتين] فدخل ناس من أهل اليمن فقال : "اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم" قالوا : قبلنا ، جئنا لنتفقه في الدين ، ولنسألك عن هذا الأمر ما كان ؟ قال : "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض وكتب
(9/Cool





في الذكر كل شيء" ثم أتاني رجل فقال : يا عمران أدرك ناقتك فقد ذهبت ، فانطلقت أطلبها فإذا هي يقطع دونها السراب ؛ وايم الله لوددت أنها قد ذهبت ولم أقم.
قوله تعالى : {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أي خلق ذلك ليبتلي عباده بالاعتبار والاستدلال على كمال قدرته وعلى البعث. وقال قتادة : معنى {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} "أيكم" أتم عقلا. وقال الحسن وسفيان الثوري : أيكم أزهد في الدنيا. وذكر أن عيسى عليه السلام مر برجل نائم فقال : يا نائم قم فتعبد ، فقال يا روح الله قد تعبدت ، فقال "وبم تعبدت" ؟ قال : قد تركت الدنيا لأهلها ؛ قال : نم فقد فقت العابد بن الضحاك : أيكم أكثر شكرا. مقاتل : أيكم أتقى لله. ابن عباس : أيكم أعمل بطاعة الله عز وجل. وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم : {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} قال : "أيكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله" فجمع الأقاويل كلها ، وسيأتي في "الكهف" هذا أيضا إن شاء الله تعالى. وقد تقدم معنى الابتلاء. "ولئن قلت إنكم مبعوثون" أي دللت يا محمد على البعث. {مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ} وذكرت ذلك للمشركين لقالوا : هذا سحر. وكسرت "إن" لأنها بعد القول مبتدأة. وحكى سيبويه الفتح. "ليقولن الذين كفروا" فتحت اللام لأنه فعل متقدم لا ضمير فيه ، وبعده "ليقولن" لأن فيه ضميرا. و"سحر" أي غرور باطل ، لبطلان السحر عندهم. وقرأ حمزة والكسائي "إن هذا إلا سحر مبين" كناية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الآية : 8 {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}
قوله تعالى : {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} اللام في "لئن" للقسم ، والجواب "ليقولن". ومعنى "إلى أمة" إلى أجل معدود وحين معلوم ؛ فالأمة هنا المدة ؛ قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وجمهور المفسرين. وأصل الأمة الجماعة ؛ فعبر عن
(9/9)





الحين والسنين بالأمة لأن الأمة تكون فيها. وقيل : هو على حذف المضاف ، والمعنى إلى مجيء أمة ليس فيها من يؤمن فيستحقون الهلاك. أو إلى انقراض أمة فيها من يؤمن فلا يبقى بعد انقراضها من يؤمن. والأمة اسم مشترك يقال على ثمانية أوجه : فالأمة تكون الجماعة ؛ كقوله تعالى : {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ} [القصص : 23]. والأمة أيضا اتباع الأنبياء عليهم السلام. والأمة الرجل الجامع للخير الذي يقتدى به ؛ كقوله تعالى : {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً} [النحل : 120]. والأمة الدين والملة ؛ كقوله تعالى : {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف : 22]. والأمة الحين والزمان ؛ كقوله تعالى : {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ} وكذلك قوله تعالى : {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف : 45] والأمة القامة ، وهو طول الإنسان وارتفاعه ؛ يقال من ذلك : فلان حسن الأمة أي القامة. والأمة الرجل المنفرد بدينه وحده لا يشركه فيه أحد ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يبعث زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده". والأمة الأم ؛ يقال : هذه أمة زيد ، يعني أم زيد.
{لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} يعني العذاب ؛ وقالوا هذا إما تكذيبا للعذاب لتأخره عنهم ، أو استعجالا واستهزاء ؛ أي ما الذي يحبسه عنا. {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ} قيل : هو قتل المشركين ببدر ؛ وقتل جبريل المستهزئين على ما يأتي. {وَحَاقَ بِهِمْ} أي نزل وأحاط. {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي جزاء ما كانوا به يستهزئون ، والمضاف محذوف.
الآية : 9 {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ}
الآية : 10 {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ}
الآية : 11 {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}
قوله تعالى : {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} الإنسان اسم شائع للجنس في جميع الكفار. ويقال : إن الإنسان هنا الوليد بن المغيرة وفيه نزلت. وقيل : في عبدالله بن
(9/10)





أبي أمية المخزومي. {رَحْمَةً} أي نعمة. {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} أي سلبناه إياها. {إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ} أي يائس من الرحمة. {كَفُورٌ} للنعم جاحد لها ؛ قال ابن الأعرابي. النحاس : "ليؤوس" من يئس ييأس ، وحكى سيبويه يئس ييئس على فعل يفعل ، ونظير حسب يحسب ونعم ينعم ، ويأس ييئس ؛ وبعضهم يقول : يئس ييئس ؛ ولا يعرف في الكلام [العربي] إلا هذه الأربعة الأحرف من السالم جاءت. على فعل يفعل ؛ وفي واحد منها اختلاف. وهو يئس و"يؤوس" على التكثير كفخور للمبالغة.
قوله تعالى : {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ} أي صحة ورخاء وسعة في الرزق. {بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} أي بعد ضر وفقر وشدة. {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي} أي الخطايا التي تسوء صاحبها من الضر والفقر. {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} أي يفرح ويفخر بما ناله من السعة وينسى شكر الله عليه ؛ يقال : رجل فاخر إذا افتخر - وفخور للمبالغة - قال يعقوب القارئ : وقرأ بعض أهل المدينة "لفرح" بضم الراء كما يقال : رجل فطن وحذر وندس. ويجوز في كلتا اللغتين الإسكان لثقل الضمة والكسرة.
قوله تعالى : {إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا} يعني المؤمنين ، مدحهم بالصبر على الشدائد. وهو في موضع نصب. قال الأخفش : هو استثناء ليس من الأول ؛ أي لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة. وقال ، الفراء : هو استثناء من "ولئن أذقناه" أي من الإنسان ، فإن الإنسان بمعنى الناس ، والناس يشمل الكافر والمؤمن ؛ فهو استثناء متصل وهو حسن. {أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} ابتداء وخبر {وَأَجْرٌ} معطوف. {كَبِيرٌ} صفة.
الآية : 12 {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}
الآية : 13 {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
(9/11)





قوله تعالى : {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} أي فلعلك لعظيم ما تراه منهم من الكفر والتكذيب تتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه. وقيل : إنهم لما قالوا : { لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} هم أن يدع سب آلهتهم فنزلت هذه الآية ؛ فالكلام معناه الاستفهام ؛ أي هل أنت تارك ما فيه سب آلهتهم كما سألوك ؟ وتأكد عليه الأمر في الإبلاغ ؛ كقوله : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [ المائدة : 67]. وقيل : معنى الكلام النفي مع استبعاد ؛ أي لا يكون منك ذلك ، بل تبلغهم كل ما أنزل إليك ؛ وذلك أن مشركي مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيتنا بكتاب ليس فيه سب آلهتنا لاتبعناك ، فهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يدع سب آلهتهم ؛ فنزلت. {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} عطف على "تارك" و"صدرك" مرفوع به ، والهاء في "به" تعود على "ما" أو على بعض ، أو على التبليغ ، أو التكذيب. وقال : "ضائق" ولم يقل ضيق ليشاكل "تارك" الذي قبله ؛ ولأن الضائق عارض ، والضيق ألزم منه. {أَنْ يَقُولُوا} في موضع نصب ؛ أي كراهية أن يقولوا ، أو لئلا يقولوا كقوله : {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء : 176] أي لئلا تضلوا. أو لأن يقولوا. "لولا" أي هلا {أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} يصدقه ؛ قاله عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ؛ {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} فقال الله تعالى : يا محمد إنما عليك أن تنذرهم ، لا بأن تأتيهم بما يقترحونه من الآيات. {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي حافظ وشهيد.
قوله تعالى : {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} "أم" بمعنى بل ، وقد تقدم في "يونس" أي قد أزحت علتهم وإشكالهم في نبوتك بهذا القرآن ، وحججتهم به ؛ فإن قالوا : افتريته - أي اختلقته - فليأتوا بمثله مفترى بزعمهم. "وادعوا من استطعتم من دون الله" أي من الكهنة والأعوان.
الآية : 14 {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
(9/12)





قوله تعالى : {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} "فإن لم يستجيبوا لكم" أي في المعارضة ولم تتهيأ لهم فقد قامت عليهم الحجة ؛ إذ هم اللسن البلغاء ، وأصحاب الألسن الفصحاء. {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} واعلموا صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، "و" اعلموا {أَنْ لا إِلَهَ إِلا~Q هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} استفهام معناه الأمر. وقد تقدم القول في معنى هذه الآية ، وأن القرآن معجز في مقدمة الكتاب. والحمد لله. وقال : {قُلْ فَأْتُوا} وبعده. {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} ولم يقل لك ؛ فقيل : هو على تحويل المخاطبة من الإفراد ، إلى الجمع تعظيما وتفخيما ؛ وقد يخاطب الرئيس بما يخاطب به الجماعة. وقيل : الضمير في "لكم" وفي "فاعلموا" للجميع ، أي فليعلم للجميع {أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} ؛ قاله مجاهد. وقيل : الضمير في "لكم" وفي "فاعلموا" للمشركين ؛ والمعنى : فإن لم يستجب لكم من تدعونه إلى المعاونة ؛ ولا تهيأت لكم المعارضة {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} . وقيل : الضمير في "لكم" للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ، وفي "فاعلموا" للمشركين.
الآية : 15 {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ}
فيه ثلاث مسائل : -
الأولى : -قوله تعالى : {مَنْ كَانَ} كان زائدة ، ولهذا جزم بالجواب فقال : {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ} قاله الفراء. وقال الزجاج : {مَنْ كَانَ} في موضع جزم بالشرط ، وجوابه {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ} أي من يكن يريد ؛ والأول في اللفظ ماضي والثاني مستقبل ، كما قال زهير :
ومن هاب أسباب المنية يلقها ... ولو رام أسباب السماء بسلم
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية ؛ فقيل : نزلت في الكفار ؛ قال الضحاك ، واختاره النحاس ؛ بدليل الآية التي بعدها {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ} [هود : 16] أي من أتى منهم بصلة رحم أو صدقة نكافئه بها في الدنيا ، بصحة الجسم ، وكثرة الرزق ، لكن لا حسنة
(9/13)





له في الآخرة. وقد تقدم هذا المعنى في "براءة" مستوفى. وقيل : المراد بالآية المؤمنون ؛ أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الثواب ولم ينقص شيئا في الدنيا ، وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا ، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالنيات" فالعبد إنما يعطي على وجه قصده ، وبحكم ضميره ؛ وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل ملة. وقيل : هو لأهل الرياء ؛ وفي الخبر أنه يقال لأهل الرياء : "صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد قيل ذلك" ثم قال : "إن هؤلاء أول من تسعر بهم النار" . رواه أبو هريرة ، ثم بكى بكاء شديدا وقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} وقرأ الآيتين ، خرجه مسلم [في صحيحه] بمعناه والترمذي أيضا. وقيل : الآية عامة في كل من ينوي بعمله غير الله تعالى ، كان معه أصل إيمان أو لم يكن ؛ قال مجاهد وميمون بن مهران ، وإليه ذهب معاوية رحمه الله تعالى. وقال ميمون بن مهران : ليس أحد يعمل حسنة إلا وفي ثوابها ؛ فإن كان مسلما مخلصا وفي في الدنيا والآخرة ، وإن كان كافرا وفي الدنيا. وقيل : من كان يريد [الدنيا] بغزوه مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيها ، أي وفي أجر الغزاة ولم ينقص منها ؛ وهذا خصوص والصحيح العموم.
الثانية : - قال بعض العلماء : معنى هذه الآية قوله عليه السلام : "إنما الأعمال بالنيات" وتدلك هذه الآية على أن من صام في رمضان لا عن رمضان لا يقع عن رمضان ، وتدل على أن من توضأ للتبرد والتنظف لا يقع قربة عن جهة الصلاة ، وهكذا كل ما كان في معناه.
الثالثة : -ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة ؛ وكذلك الآية التي في "الشورى" { مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} [الشورى : 20] الآية. وكذلك {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا} [آل عمران : 145] قيدها وفسرها التي في "سبحان" {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء : 18] إلى قوله : {مَحْظُوراً} [الإسراء : 20] فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد والله سبحانه يحكم ما يريد ، وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما
(9/14)





"في قوله : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أنها منسوخة بقوله : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ} [الإسراء : 18]. والصحيح ما ذكرناه ؛ وأنه من باب الإطلاق والتقييد ؛ ومثله قوله : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة : 186] فهذا ظاهره خبر عن إجابة كل داع دائما على كل حال ، وليس كذلك ؛ لقوله تعالى : {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} [الأنعام : 41] والنسخ في الأخبار لا يجوز ؛ لاستحالة تبدل الواجبات العقلية ، ولاستحالة الكذب على الله تعالى فأما الأخبار عن الأحكام الشرعية فيجوز نسخها على خلاف فيه ، على ما هو مذكور في الأصول ؛ ويأتي في "النحل" بيانه إن شاء الله تعالى.
الآية : 16 {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
قوله تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} إشارة إلى التخليد ، والمؤمن لا يخلد ؛ لقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء : 48] الآية. فهو محمول على ما لو كانت. موافاة هذا المرئي على الكفر. وقيل : المعنى ليس لهم إلا النار في أيام معلومة ثم يخرج ؛ إما بالشفاعة ، وإما بالقبضة. والآية تقتضي الوعيد بسلب الإيمان ؛ وفي الحديث الماضي يريد الكفر وخاصة الرياء ، إذ هو شرك على ما تقدم بيانه في "النساء" ويأتي في آخر "الكهف". "وباطل ما كانوا يعملون ابتداء وخبر ، قال أبو حاتم : وحذف الهاء ؛ قال النحاس : هذا لا يحتاج إلى حذف ؛ لأنه بمعنى المصدر ؛ أي وباطل عمله. وفي حرف أبي وعبدالله {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وتكون "ما" زائدة ؛ أي وكانوا يعملون باطلا.
(9/15)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: