منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 20 أبريل - 1:50




السابعة : واختلفوا أيضا في العسكر إذا رأوا سوادا فظنوه عدوا فصلوا صلاة الخوف ثم بان لهم أنه غير شيء ؛ فلعلمائنا فيه روايتان : إحداهما يعيدون ، وبه قال أبو حنيفة. والثانية لا إعادة عليهم ، وهو أظهر قولي الشافعي. ووجه الأولى أنهم تبين لهم الخطأ فعادوا إلى الصواب كحكم الحاكم. ووجه الثانية أنهم عملوا على اجتهادهم فجاز لهم كما لو أخطؤوا القبلة ؛ وهذا أولى لأنهم فعلوا ما أمروا به. وقد يقال : يعيدون في الوقت ، فأما بعد خروجه فلا. والله أعلم.
الثامنة : قوله تعالى : {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} وقال : {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} هذا وصاة بالحذر وأخذ السلاح لئلا ينال العدو أمله ويدرك فرصته. والسلاح ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب ، قال عنترة :
كسوت الجعد بني أبان ... سلاحي بعد عري وافتضاح
يقول : أعرته سلاحي ليمتنع بها بعد عريه من السلاح. قال ابن عباس : {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} يعني الطائفة التي وجاه العدو ، لأن المصلية لا تحارب. وقال غيره : هي المصلية أي وليأخذ الذين صلوا أولا أسلحتهم ، ذكره ، الزجاج. قال : ويحتمل أن تكون الطائفة الذين هم في الصلاة أمروا بحمل السلاح ؛ أي فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإنه أرهب للعدو. النحاس : يجوز أن يكون للجميع ؛ لأنه أهيب. للعدو. ويحتمل أن يكون للتي وجاه العدو خاصة. قال أبو عمر : أكثر أهل العلم يستحبون للمصلي أخذ سلاحه إذا صلى في الخوف ، ويحملون قوله : {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} على الندب ؛ لأنه شيء لولا الخوف لم يجب أخذه ؛ فكان الأمر به ندبا. وقال أهل الظاهر : أخذ السلاح في صلاة الخوف واجب لأمر الله به ، إلا لمن كان به أذى من مطر ، فإن كان ذلك جاز له وضع سلاحه. قال ابن العربي : إذا صلوا أخذوا سلاحهم عند الخوف ، وبه قال الشافعي وهو نص القرآن. وقال أبو حنيفة : لا يحملونها ؛ لأنه لو وجب عليهم حملها لبطلت الصلاة بتركها. قلنا : لم يجب حملها لأجل الصلاة وإنما وجب عليهم قوة لهم ونظرا.
(5/371)



التاسعة قوله تعالى : {فَإِذَا سَجَدُوا} الضمير في "سجدوا" للطائفة المصلية فلينصرفوا ؛ هذا على بعض الهيئات المروية. وقيل : المعنى فإذا سجدوا ركعة القضاء ؛ وهذا على هيئة سهل بن أبي حثمة. ودلت هذه الآية على أن السجود قد يعبر به عن جميع الصلاة ؛ وهو كقوله عليه السلام : "إذا دخل أحدكم المسجد فليسجد سجدتين " . أي فليصل ركعتين وهو في السنة. والضمير في قوله : "فليكونوا "يحتمل أن يكون للذين سجدوا ، ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة أولا بإزاء العدو.
العاشرة : قوله تعالى : {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي تمنى وأحب الكافرون غفلتكم عن أخذ السلاح ليصلوا إلى مقصودهم ؛ فبين الله تعالى بهذا وجه الحكمة في الأمر بأخذ السلاح ، وذكر الحذر في الطائفة الثانية دون الأولى ؛ لأنها أولى بأخذ الحذر ، لأن العدو لا يؤخر قصده عن هذا الوقت لأنه آخر الصلاة ؛ وأيضا يقول العدو قد أثقلهم السلاح وكلوا. وفي هذه الآية أدل دليل على تعاطي الأسباب ، واتخاذ كل ما ينجي ذوي الألباب ، ويوصل إلى السلامة ، ويبلغ دار الكرامة. {مَيْلَةً وَاحِدَةً} مبالغة ، أي مستأصلة لا يحتاج معها إلى ثانية.
الحادية عشرة : قوله تعالى : {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ} الآية. للعلماء في وجوب حمل السلاح في الصلاة كلام قد أشرنا إليه ، فإن لم يجب فيستحب للاحتياط. ثم رخص في المطر وضعه ؛ لأنه تبتل المبطنات وتثقل ويصدأ الحديد. وقيل : نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم يوم بطن نخلة لما انهزم المشركون وغنم المسلمون ؛ وذلك أنه كان يوما مطيرا وخرج النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته واضعا سلاحه ، فرآه الكفار منقطعا عن أصحابه فقصده غورث بن الحارث فانحدر عليه من الجبل بسيفه ، فقال : من يمنعك مني اليوم ؟ فقال : "الله " ثم قال : "اللهم اكفني الغورث بما شئت ". فأهوى بالسيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه ، فانكب لوجهه لزلقة زلقها. وذكر الواقدي أن جبريل عليه
(5/372)



السلام دفعه في صدره على ما يأتي في المائدة ، وسقط السيف من يده فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : "من يمنعك مني يا غورث " ؟ فقال : لا أحد. فقال : "تشهد لي بالحق وأعطيك سيفك " ؟ قال : لا ؛ ولكن أشهد ألا أقاتلك بعد هذا ولا أعين عليك عدوا ؛ فدفع إليه السيف ونزلت الآية رخصة في وضع السلاح في المطر. ومرض عبدالرحمن بن عوف من جرح كما في صحيح البخاري ، فرخص الله سبحانه لهم في ترك السلاح والتأهب للعدو بعذر المطر ، ثم أمرهم فقال : {خُذُوا حِذْرَكُمْ} أي كونوا متيقظين ، وضعتم السلاح أو لم تضعوه. وهذا يدل على تأكيد التأهب والحذر من العدو في كل الأحوال وترك الاستسلام ؛ فإن الجيش ما جاءه مصاب قط إلا من تفريط في حذر. وقال الضحاك. في قوله تعالى : {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} يعني تقلدوا سيوفكم فإن ذلك هيئة الغزاة.
103- {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}
104- {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {قَضَيْتُمُ} معناه فرغتم من صلاه الخوف وهذا يدل على أن القضاء يستعمل فيما قد فعل قي وقته ؛ ومنه قوله تعالى : {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} وقد تقدم. الثانية : قوله تعالى : {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} ذهب الجمهور إلى أن هذا الذكر المأمور به. إنما هو إثر صلاة الخوف ؛ أي إذا فرغتم من الصلاة فاذكروا الله بالقلب واللسان ، على أي حال كنتم {قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} وأديموا ذكره بالتكبير والتهليل والدعاء بالنصر لا سيما في حال القتال. ونظيره {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ
(5/373)



كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} . ويقال : {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} بمعنى إذا صليتم في دار الحرب فصلوا على الدواب ، أو قياما أو قعودا أو على جنوبكم إن لم تستطيعوا القيام ، إذا كان خوفا أو مرضا ؛ كما قال تعالى في آية أخرى : {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} وقال قوم : هذه الآية نظيرة التي في "آل عمران " ؛ فروي أن عبدالله بن مسعود رأى الناس يضجون في المسجد فقال : ما هذه الضجة ؟ قالوا : أليس الله تعالى يقول {اذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} ؟ قال : إنما يعني بهذا الصلاة المكتوبة إن لم تستطع قائما فقاعدا ، وإن لم تستطع فصل على جنبك. فالمراد نفس الصلاة ؛ لأن الصلاة ذكر الله تعالى ، وقد اشتملت على الأذكار المفروضة والمسنونة ؛ والقول الأول أظهر. والله أعلم.
الثالثة : قوله تعالى : {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ} أي أمنتم. والطمأنينة سكون النفس من الخوف. {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أي فأتوها بأركانها وبكمال هيئتها في السفر ، وبكمال عددها في الحضر. {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} أي مؤقتة مفروضة. وقال زيد بن أسلم : "موقوتا "منجما ، أي تؤدونها في أنجمها ؛ والمعنى عند أهل اللغة : مفروض لوقت بعينه ؛ يقال : وقته فهو موقوت. ووقته فهو مؤقت. وهذا قول زيد بن أسلم بعينه. وقال : "كتابا "والمصدر مذكر ؛ فلهذا قال : "موقوتا".
الرابعة : قوله تعالى : {وَلا تَهِنُوا} أي لا تضعفوا ، وقد تقدم في "آل عمران". {فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ} طلبهم. قيل : نزلت في حرب أحد حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج في آثار المشركين ، وكان بالمسلمين جراحات ، وكان أمر ألا يخرج معه إلا من كان في الوقعة ، كما تقدم في "آل عمران" وقيل : هذا في كل جهاد.
الخامسة : قوله تعالى : {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} أي تتألمون مما أصابكم من الجراح فهم يتألمون أيضا مما يصيبهم ، ولكم مزية وهي أنكم ترجون ثواب الله وهم لا يرجونه ؛ وذلك أن من لا يؤمن بالله. لا يرجون من الله شيئا. ونظير هذه الآية {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ
(5/374)



الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} وقد تقدم. وقرأ عبدالرحمن الأعرج "أن تكونوا "بفتح الهمزة ، أي لأن وقرأ منصور بن المعتمر "إن تكونوا تئلمون" بكسر التاء. ولا يجوز عند البصريين كسر التاء لثقل الكسر فيها. ثم قيل : الرجاء هنا بمعنى الخوف ؛ لأن من رجا شيئا فهو غير قاطع بحصوله فلا يخلو من خوف فوت ما يرجو. وقال الفراء والزجاج : لا يطلق الرجاء بمعنى الخوف إلا مع النفي ؛ كقوله تعالى : {ما لكم لا ترجون لله وقارا } أي لا تخافون لله عظمة. وقوله تعالى : {للذين لا يرجون أيام الله} أي لا يخافون. قال القشيري : ولا يبعد ذكر الخوف من غير أن يكون في الكلام نفي ، ولكنها ادعيا أنه لم يوجد ذلك إلا مع النفي. والله أعلم.
105- {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً}
فيه أربع مسائل :
الأولى : في هذه الآية تشريف للنبي صلى الله عليه وسلم وتكريم وتعظيم وتفويض إليه ، وتقويم أيضا على الجادة في الحكم ، وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أبيرق ! وكانوا ثلاثة إخوة : بشر وبشير ومبشر ، وأسير بن عروة ابن عم لهم ؛ نقبوا مشربة لرفاعة بن زيد في الليل وسرقوا أدراعا له وطعاما ، فعثر على ذلك. وقيل إن السارق بشير وحده ، وكان يكنى أبا طعمة أخذ درعا ؛ قيل : كان الدرع في جراب فيه دقيق ، فكان الدقيق ينتثر من خرق في الجراب حتى انتهى إلى داره ، فجاء ابن أخي رفاعة واسمه قتادة بن النعمان يشكوهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فجاء أسير بن عروة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن هؤلاء عمدوا إلى أهل بيت هم أهل صلاح ودين فأنبوهم بالسرقة ورموهم بها من غير بينة ؛ وجعل يجادل عنهم حتى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتادة ورفاعة ؛ فأنزل الله تعالى : {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} الآية. وأنزل الله تعالى : {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً
(5/375)



أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} وكان البريء الذي رموه بالسرقة لبيد بن سهل. وقيل : زيد بن السمين وقيل : رجل من الأنصار. فلما أنزل الله ما أنزل ، هرب ابن أبيرق السارق إلى مكة ، ونزل على سلافة بنت سعد بن شهيد ؛ فقال فيها حسان بن ثابت بيتا يعرض فيه بها ، وهو :
وقد أنزلته بنت سعد وأصبحت ... ينازعها جلد استها وتنازعه
ظننتم بأني خفي الذي قد صنعتمو ... وفينا نبي عنده الوحي واضعه
فلما بلغها قالت : إنما أهديت لي شعر حسان ؛ وأخذت رحله فطرحته خارج المنزل ، فهرب إلى خيبر وأرتد. ثم إنه نقب بيتا ذات ليلة ليسرق فسقط الحائط عليه فمات مرتدا. ذكر هذا الحديث بكثير من ألفاظه الترمذي وقال : حديث حسن غريب ، لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني. وذكره الليث والطبري بألفاظ مختلفة. وذكر قصة موته يحيى بن سلام في تفسيره ، والقشري كذلك وزاد ذكر الردة. ثم قيل : كان زيد بن السمين ولبيد بن سهل يهوديين. وقيل : كان لبيد مسلما. وذكره المهدوي ، وأدخله أبو عمر في كتاب الصحابة له ، فدل ذلك على إسلامه عنده. وكان بشير رجلا منافقا يهجو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وينحل الشعر غيره ، وكان المسلمون يقولون : والله ما هو إلا شعر الخبيث. فقال شعرا يتنصل فيه ؛ فمنه قوله :
أو كلما قال الرجال قصيدة ... نحلت وقالوا ابن الأبيرق قالها
وقال الضحاك : أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع يده وكان مطاعا ، فجاءت اليهود شاكين في السلاح فأخذوه وهربوا به ؛ فنزل {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ} يعني اليهود. والله أعلم.
الثانية : قوله تعالى : {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} معناه على قوانين الشرع ؛ إما بوحي ونص ، أو بنظر جار على سنن الوحي. وهذا أصل في القياس ؛ وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى شيئا أصاب ؛ لأن الله تعالى أراه ذلك ، وقد ضمن الله تعالى لأنبيائه العصمة ؛ فأما أحدنا إذا رأى شيئا يظنه فلا قطع فيما رآه ، ولم يرد رؤية العين هنا ؛ لأن الحكم لا يرى
(5/376)



بالعين. وفي الكلام إضمار ، أي بما أراكه الله ، وفيه إضمار آخر ، وامض الأحكام على ما عرفناك من غير اغترار باستدلالهم.
الثالثة : قوله تعالى : {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} اسم فاعل ؛ كقولك : جالسته فأنا جليسه ، ولا يكون فعيلا هنا بمعنى مفعول ؛ يدل على ذلك {وَلا تُجَادِلْ} فالخصيم هو المجادل وجمع الخصيم خصماء. وقيل : خصيما مخاصما اسم فاعل أيضا. فنهى الله عز وجل رسول عن عضد أهل التهم والدفاع عنهم بما يقوله خصمهم من الحجة. وفي هذا دليل على أن النيابة عن المبطل والمتهم في الخصومة لا تجوز. فلا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق. ومشى الكلام في السورة على حفظ أموال اليتامى والناس ؛ فبين أن مال الكافر محفوظ عليه كمال المسلم ، إلا في الموضع الذي أباحه الله تعالى.
قال العلماء : ولا ينبغي إذا ظهر للمسلمين نفاق قوم أن يجادل فريق منهم فريقا عنهم ليحموهم ويدفعوا عنهم ؛ فإن هذا قد وقع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفيهم نزل قوله تعالى : {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} وقوله : {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} . والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد منه الذين كانوا يفعلونه من المسلمين دونه لوجهين : أحدهما : أنه تعالى أبان ذلك بما ذكره بعد بقوله : {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . والآخر : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكما فيما بينهم ، ولذلك كان يعتذر إليه ولا يعتذر هو إلى غيره ، فدل على أن القصد لغيره.
106- {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً}
فيه مسألة واحدة :
ذهب الطبري إلى أن المعنى : استغفر الله من ذنبك في خصامك للخائنين ؛ فأمره بالاستغفار لما هم بالدفع عنهم وقطع يد اليهودي. وهذا مذهب من جوز الصغائر على الأنبياء ، صلوات الله عليهم. قال ابن عطية : وهذا ليس بذنب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما دافع على
(5/377)



قال الضحاك : لما سرق الدرع اتخذ حفرة في بيته وجعل الدرع تحت التراب ؛ فنزلت {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} يقول : لا يخفى مكان الدرع على الله "وهو معهم"
أي رقيب حفيظ عليهم. وقيل : {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} أي يستترون ، كما قال تعالى : {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} أي مستتر. وقيل : يستحيون من الناس ، وهذا لأن الاستحياء سبب الاستتار. ومعنى {وَهُوَ مَعَهُمْ} أي بالعلم والرؤية والسمع ، هذا قول أهل السنة. وقالت الجهمية والقدرية والمعتزلة : هو بكل مكان ، تمسكا بهذه الآية وما كان مثلها ، قالوا : لما قال {وَهُوَ مَعَهُمْ} ثبت أنه بكل مكان ، لأنه قد أثبت كونه معهم تعالى الله عن قولهم ، فإن هذه صفة الأجسام والله تعالى متعال عن ذلك ألا ترى مناظرة بشر في قول الله عز وجل : {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} حين قال : هو بذاته في كل مكان فقال له خصمه : هو في قلنسوتك وفي حشوك وفي جوف حمارك. تعالى الله عما يقولون ! حكى ذلك وكيع رضي الله عنه. ومعنى {يُبَيِّتُونَ} يقولون. قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. {مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} أي ما لا يرضاه الله لأهل طاعته. {مِنَ الْقَوْلِ} أي من الرأي والاعتقاد ، كقولك : مذهب مالك الشافعي. وقيل : "القول "بمعنى المقول ؛ لأن نفس القول لا يبيت.
قوله تعالى : {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ} يريد قوم بشير السارق لما هربوا به وجادلوا عنه. قال الزجاج : {هَؤُلاءِ} بمعنى الذين. {جَادَلْتُمْ} حاججتم. {فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} استفهام معناه الإنكار والتوبيخ. {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} الوكيل : القائم بتدبير الأمور ، فالله تعالى قائم بتدبير خلقه. والمعنى : لا أحد يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه وأدخلهم النار.
110- {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً}
(5/379)



قال ابن عباس : عرض الله التوبة على بني أبيرق بهذه الآية ، أي {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً} بأن يسرق {أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} بأن يشرك {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ} يعني بالتوبة ، فإن الاستغفار باللسان من غير توبة لا ينفع ، وقد بيناه في "آل عمران". وقال الضحاك : نزلت الآية في شأن وحشي قاتل حمزة أشرك بالله وقتل حمزة ، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إني لنادم فهل لي من توبة ؟ فنزل : {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} الآية. وقيل : المراد بهذه الآية العموم والشمول لجميع الخلق. وروى سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود وعلقمة قالا : قال عبدالله بن مسعود من قرأ هاتين الآيتين من سورة "النساء "ثم استغفر له : {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} . {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : كنت إذا سمعت حديثا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعني الله به ما شاء ، وإذا سمعته من غيره حلفته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال : ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ويستغفر الله إلا غفر له ، ثم تلا هذه الآية {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً}.
111- {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}
112- {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}
قوله تعالى : {وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً} أي ذنبا {فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ} أي عاقبته عائدة عليه. والكسب ما يجر به الإنسان إلى نفسه نفعا أو يدفع عنه به ضررا ؛ ولهذا لا يسمى فعل الرب تعالى كسبا.
قوله تعالى : {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً} قيل : هما بمعنى واحد كرر لاختلف اللفظ تأكيدا. وقال الطبري : إنما فرق بين الخطيئة والإثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير
(5/380)



عمد ، والإثم لا يكون إلا عن عمد. وقيل : الخطيئة ما لم تتعمده خاصة كالقتل بالخطأ. وقيل : الخطيئة الصغيرة ، والإثم الكبيرة ، وهذه الآية لفظها عام يندرج تحته أهل النازلة وغيرهم.
قوله تعالى : {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً} قد تقدم اسم البريء في البقرة. والهاء في "به "للإثم أو للخطيئة. لأن معناها الإثم ، أولهما جميعا. وقيل : ترجع إلى الكسب. {فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} تشبيه ؛ إذ الذنوب ثقل ووزر فهي كالمحمولات. وقد قال تعالى : {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ} . والبهتان من البهت ، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء. وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أتدرون ما الغيبة " ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ؛ قال : "ذكرك أخاك بما يكره " . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته " . وهذا نص ؛ فرمي البريء بهت له. يقال : بهته بهتا وبهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله. وهو بهات والمقول له مبهوت. ويقال : بهت الرجل "بالكسر " إذا دهش وتحير. وبهت "بالضم " مثله ، وأفصح منهما بهت ، كما قال الله تعالى : {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} لأنه يقال : رجل مبهوت ولا يقال : باهت ولا بهيت ، قاله الكسائي.
113- {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}
قوله تعالى : {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} ما بعد "لولا" مرفوع بالابتداء عند سيبويه ، والخبر محذوف لا يظهر ، والمعنى : {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} بأن نبهك على الحق ، وقيل : بالنبوءة والعصمة. {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ} عن الحق ؛ لأنهم
(5/381)



سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبرئ ابن أبيرق من التهمة ويلحقها اليهودي ، فتفضل الله عز وجل على رسوله عليه السلام بأن نبهه على ذلك وأعلمه إياه. {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} لأنهم يعملون عمل الضالين ، فوباله لهم راجع عليهم. {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} لأنك معصوم. {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} هذا ابتداء كلام. وقيل : الواو للحال ، كقولك : جئتك والشمس طالعة ؛ ومنه قول امرئ القيس :
وقد أغتدي والطير في وكناتها
فالكلام متصل ، أي ما يضرونك من شيء مع إنزال الله عليك القرآن. {وَالْحِكْمَةَ} القضاء بالوحي. {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} يعني من الشرائع والأحكام. و"تعلم" في موضع نصب ؛ لأنه خبر كان. وحذفت الضمة من النون للجزم ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين.
114- {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}
أراد ما تفاوض به قوم بني أبيرق من التدبير ، وذكروه النبي صلى الله عليه وسلم. والنجوى : السر بين الاثنين ، تقول : ناجيت فلانا مناجاة ونجاء وهم ينتجون ويتناجون. ونجوت فلانا أنجوه نجوا ، أي ناجيته ، فنجوى مشتقة من نجوت الشيء أنجوه ، أي خلصته وأفردته ، والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله ، قال الشاعر :
فمن بنجوته كمن بعقوته ... والمستكن كمن يمشي بقرواح
فالنجوى المسارة ، مصدر ، وقد تسمى به الجماعة ، كما يقال : قوم عدل ورضا. قال الله تعالى : {وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} فعلى الأول يكون الأمر أمر استثناء من غير الجنس. وهو
(5/382)



الاستثناء المنقطع. وقد تقدم ، وتكون "من" في موضع رفع ، أي لكن من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ودعا إليه ففي نجواه خير. ويجوز أن تكون "من" في موضع خفض ويكون التقدير : لا خير في كثير من نجواهم إلا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف. وعلى الثاني وهو أن يكون النجوى اسما للجماعة المنفردين ، فتكون "من" في موضع خفض على البدل ، أي لا خير في كثير من نجواهم إلا فيمن أمر بصدقة. أو تكون في موضع نصب على قول من قال : ما مررت بأحد إلا زيدا. وقال بعض المفسرين منهم الزجاج : النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الاثنين كان ذلك سرا أو جهرا ، وفيه بعد. والله أعلم. والمعروف لفظ يعم أعمال البر كلها. وقال مقاتل : المعروف هنا الفرض ، والأول أصح. وقال صلى الله عليه وسلم : "كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق " . وقال صلى الله عليه وسلم : "المعروف كاسمه وأول من يدخل ، الجنة يوم القيامة المعروف وأهله " . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره ، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر. وقال الحطيئة :
من يفعل الخير لايعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
وأنشد الرياشي :
يد المعروف غنم حيث كانت ... تحملها كفور أو شكور
ففي شكور الشكور لها جزاء ... وعند الله ما كفر الكفور
وقال الماوردي : "فينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف أن يعجله حذار فواته ، ويبادر به خيفة عجزه ، وليعلم أنه من فرص زمانه ، وغنائم إمكانه ، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه ، فكم من واثق بالقدرة فاتت فأعقبت ندما ، ومعول على مكنة زالت فأورثت خجلا ، كما قال الشاعر :
ما زلت أسمع كم من واثق خجل ... حتى ابتليت فكنت الواثق الخجلا
ولو فطن لنوائب دهره ، وتحفظ من عواقب أمره لكانت مغانمه مذخورة ، ومغارمه مجبورة ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من فتح عليه باب من الخير
(5/383)



فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه " . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف السراح " . وقيل لأنوشروان : ما أعظم المصائب عندكم ؟ قال : أن تقدر على المعروف فلا تصطنعه حتى يفوت. وقال عبدالحميد : من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها. وقال بعض الشعراء :
إذا هبت رياحك فاغتنمها ... فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها ... فما تدري السكون متى يكون
وكتب بعض ذوي الحرمات إلى وال قصر في رعاية حرمته :
أعلى الصراط تريد رعية حرمتي ... أم في الحساب تمن بالإنعام
للنفع في الدنيا أريدك ، فأنتبه ... لحوائجي من رقدة النوام
وقال العباس رضي الله عنه : لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال : تعجيله وتصغيره وستره ، فإذا عجلته هنأته ، وإذا صغرته عظمته ، وإذا سترته أتممته. وقال بعض الشعراء :
زاد معروفك عندي عظما ... أنه عندك مستور حقير
تتناساه كأن لم تأته ... وهو عند الناس مشهور خطير
ومن شرط المعروف ترك الامتنان به ، وترك الإعجاب بفعله ، لما فيهما من إسقاط الشكر وإحباط الأجر. وقد تقدم في "البقرة "بيانه.
قوله تعالى : {أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} عام في الدماء والأموال والأعراض ، وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين ، وفي كل كلام يراد به وجه الله تعالى. وفي الخبر : "كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله تعالى ". فأما من طلب الرياء والترؤس فلا ينال الثواب. وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : رد الخصوم حتى يصطلحوا ، فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن. وسيأتي في "المجادلة "ما يحرم من المناجاة وما يجوز إن شاء الله تعالى. وعن أنس بن مالك
(5/384)



رضي الله عنه أنه قال ، : من أصلح بين أثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب : "ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله ، تصلح بين أناس إذا تفاسدوا ، وتقرب بينهم إذا تباعدوا " . وقال الأوزاعي : ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار. وقال محمد بن المنكدر : تنازع رجلان في ناحية المسجد فملت إليهما ، فلم أزل بهما حتى اصطلحا ؛ فقال أبو هريرة وهو يراني : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من أصلح بين أثنين استوجب ثواب شهيد " . ذكر هذه الأخبار أبو مطيع مكحول بن المفضل النسفي في كتاب اللؤلئيات له ، وجدته بخط المصنف في وريقة ولم ينبه على موضعها رضي الله عنه. و {ابْتِغَاءَ} نصب على المفعول من أجله.
115- {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}
116- {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً}
قال العلماء : هاتان الآيتان نزلتا بسبب ابن أبيرق السارق ، لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالقطع وهرب إلى مكة وارتد ؛ قال سعيد بن جبير : لما صار إلى مكة نقب بيتا بمكة فلحقه المشركون فقتلوه ؛ فأنزل الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} إلى قوله : {فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} . وقال الضحاك : قدم نفر من قريش المدينة وأسلموا ثم انقلبوا إلى مكة مرتدين فنزلت هذه الآية {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} . والمشاقة المعاداة. والآية وإن نزلت في سارق الدرع أو غيره فهي عامة في كل من خالف طريق المسلمين. و{الْهُدَى} :
(5/385)



الرشد والبيان ، وقد تقدم. وقوله تعالى : {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} يقال : إنه نزل فيمن ارتد ؛ والمعنى ؛ نتركه وما يعبد ؛ عن مجاهد. أي نكله إلى الأصنام التي لا تنفع ولا تضر ؛ وقال مقاتل. وقال الكلبي ؛ نزل قوله تعالى : {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} في ابن أبيرق ؛ لما ظهرت حاله وسرقته هرب إلى مكة وارتد ونقب حائطا لرجل بمكة يقال له : حجاج بن علاط ، فسقط فبقي في النقب حتى وجد على حاله ، وأخرجوه من مكة ؛ فخرج إلى الشام فسرق بعض أموال القافلة فرجموه وقتلوه ، فنزلت {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} . وقرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو "نولِهْ ""ونصلِهْ "بجزم الهاء ، والباقون بكسرها ، وهما لغتان.
الثانية : قال العلماء في قوله تعالى : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} دليل على صحة القول بالإجماع ، وفي قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} رد على الخوارج ؛ حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر. وقد تقدم القول في هذا المعنى. وروى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} قال : هذا حديث غريب. قال ابن فورك : وأجمع أصحابنا على أنه لا تخليد إلا للكافر ، وأن الفاسق من أهل القبلة إذا مات غير تائب فإنه إن عذب بالنار فلا محالة أنه يخرج منها بشفاعة الرسول ؛ أو بابتداء رحمة من الله تعالى. وقال الضحاك : إن شيخا من الأعراب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني شيخ منهمك في الذنوب والخطايا ، إلا أني لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به ، فما حالي عند الله ؟ فأنزل الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية.
117- {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً}
(5/386)



قوله تعالى : {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} أي من دون الله {إِلَّا إِنَاثاً} ؛ نزلت في أهل مكة إذ عبدوا الأصنام. و"إن "نافية بمعنى "ما". و"إناثا" أصناما ، يعني اللات والعزى ومناة. وكان لكل حي صنم يعبدونه ويقولون : أنثى بني فلان ، قال الحسن وابن عباس ، وأتى مع كل صنم شيطانه يتراءى للسدنة والكهنة ويكلمهم ؛ فخرج الكلام مخرج التعجب ؛ لأن الأنثى من كل جنس أخسه ؛ فهذا جهل ممن يشرك بالله جمادا فيسميه أنثى ، أو يعتقده أنثى. وقيل : {إِلَّا إِنَاثاً} مواتا ؛ لأن الموات لا روح له ، كالخشبة والحجر. والموات يخبر عنه كما يخبر عن المؤنث لا تضاع المنزلة ؛ تقول : الأحجار تعجبني ، كما تقول : المرأة تعجبني. وقيل : {إِلَّا إِنَاثاً} ملائكة ؛ لقولهم : الملائكة بنات الله ، وهي شفعاؤنا عند الله ؛ عن الضحاك. وقراءة ابن عباس "إلا وثنا "بفتح الواو والثاء على إفراد اسم الجنس ؛ وقرأ أيضا "وثنا "بضم الثاء والواو ؛ جمع وثن. وأوثان أيضا جمع وثن مثل أسد وآساد. النحاس : ولم يقرأ به فيما علمت.
قلت : قد ذكر أبو بكر الأنباري - حدثنا أبي حدثنا نصر بن داود حدثنا أبو عبيد حدثنا حجاج عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت تقرأ : {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَوْثَاناً} . وقرأ ابن عباس أيضا "إلا أثنا" كأنه جمع وثنا على وثان ؛ كما تقول : جمل وجمال ، ثم جمع أوثانا على وثن ؛ كما تقول : مثال ومثل ؛ ثم أبدل من الواو همزة لما انضمت ؛ كما قال عز وجل : {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} من الوقت ؛ فأثن جمع الجمع. وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم : "إلا أنثا "جمع أنيث ، كغدير وغدر. وحكى الطبري أنه جمع إناث كثمار وثمر. حكى هذه القراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو عمرو الداني ؛ قال : وقرأ بها ابن عباس والحسن وأبو حيوة.
قوله تعالى : {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً} يريد إبليس ؛ لأنهم إذا أطاعوه فيما سول لهم فقد عبدوه ؛ ونظيره في المعنى : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي أطاعوهم فيما أمروهم به ؛ لا أنهم عبدوهم. وسيأتي. وقد تقدم اشتقاق لفظ الشيطان. والمريد :
(5/387)



العاتي المتمرد ؛ فعيل من مرد إذا عتا. قال الأزهري : المريد الخارج عن الطاعة ، وقد مرد الرجل يمرد مرودا إذا عتا وخرج عن الطاعة ، فهو مارد ومريد ومتمرد. ابن عرفة هو الذي ظهر شره ؛ ومن هذا يقال : شجرة مرداء إذا تساقط ورقها فظهرت عيدانها ؛ ومنه قيل للرجل : أمرد ، أي ظاهر مكان الشعر من عارضيه.
118- {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً}
قوله تعالى : {لَعَنَهُ اللَّهُ} أصل اللعن الإبعاد ، وقد تقدم. وهو في العرف إبعاد مقترن بسخط وغضب ؛ فلعنة الله على إبليس - عليه لعنة الله - على التعيين جائزة ، وكذلك سائر الكفرة الموتى كفرعون وهامان وأبي جهل ؛ فأما الأحياء فقد مضى الكلام فيه في "البقرة".
قوله تعالى : {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} أي وقال الشيطان ؛ والمعنى : لاستخلصنهم. بغوايتي وأضلنهم بإضلالي ، وهم الكفرة والعصاة. وفي الخبر "من كل ألف واحد لله والباقي للشيطان ".
قلت : وهذا صحيح معنى ؛ يعضده قوله تعالى لآدم يوم القيامة : "أبعث بعث النار فيقول : وما بعث النار ؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين " . أخرجه مسلم. وبعث النار هو للمولود مسمارا عند ولادته ، ودورانهم به يوم أسبوعه ، يقولون : ليعرفه العمار.
119- {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً}
(5/388)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبوآيه
دويمابي برتبة مقدم
دويمابي برتبة مقدم
أبوآيه


عدد الرسائل : 1150

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 21 أبريل - 16:20

جزاك الله خير بها وكتب لك بها حسنات قدر زر الرمل الذي في الأرض يارب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سميه قطبي سالم محمد
دويمابي برتبة نقيب
دويمابي برتبة نقيب
سميه قطبي سالم محمد


عدد الرسائل : 508

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 21 أبريل - 17:03

شكرا اخى المكرم فوزى حقائق دينية قيمة يستفاد منها كثيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: