المجلد الثامنتابع سورة الأنفال
الآية : 107 {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
فيه عشر مسائل : -
الأولى : قوله تعالى : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً} معطوف ، أي ومنهم الذين اتخذوا مسجدا ، عطف جملة على جملة. ويجوز أن يكون رفعا بالابتداء والخبر محذوف كأنهم "يعذبون" أو نحوه. ومن قرأ "الذين" بغير واو وهي قراءة المدنيين فهي عنده رفع بالابتداء ، والخبر "لَا تَقُمْ" التقدير : الذين اتخذوا مسجدا لا تقم فيه أبدا ؛ أي لا تقم في مسجدهم ؛ قاله الكسائي. وقال النحاس : يكون خبر الابتداء {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ_ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة : 110]. وقيل : الخبر "يعذبون" كما تقدم. ونزلت الآية فيما روي في أبو عامر الراهب ؛ لأنه كان خرج إلى قيصر وتنصر ووعدهم قيصر أنه سيأتيهم ، فبنوا مسجد الضرار يرصدون مجيئه فيه ؛ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم ، وقد تقدمت قصته في الأعراف وقال أهل التفسير : إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه ؛ فحسدهم إخوانهم بنو غنم بن عوف وقالوا : نبني مسجدا ونبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا فيصلي لنا كما صلى في مسجد إخواننا ، ويصلي فيه أبو عامر إذا قدم من الشام ؛ فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله ، قد بنينا مسجدا لذي الحاجة ، والعلة والليلة المطيرة ، ونحب أن تصلي لنا فيه وتدعو بالبركة ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إني على سفر وحال شغل فلو قدمنا لأتيناكم وصلينا لكم فيه" فلما أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد ، فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن بخبر مسجد الضرار ؛ فدعا النبي صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة ، فقال : "انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه" فخرجوا مسرعين ، وأخرج مالك بن الدخشم من منزله شعلة نار ، ونهضوا فأحرقوا المسجد وهدموه ، وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا : خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف
(8/253)
ومن داره أخرج مسجد الضرار ، ومعتب بن قشير ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، وعباد بن الأزعر ، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف. وجارية بن عامر ، وابناه مجمع وزيد ابنا جارية ، ونبتل بن الحارث ، وبحزج ، وبجاد بن عثمان ، ووديعة بن ثابت ، وثعلبة بن حاطب مذكور فيهم. قال أبو عمر بن عبدالبر : وفيه نظر ؛ لأنه شهد بدرا. وقال عكرمة : سأل عمر بن الخطاب رجلا منهم بماذا أعنت في هذا المسجد ؟ فقال : أعنت فيه بسارية. فقال : أبشر بها سارية في عنقك من نار جهنم.
الثانية : قوله تعالى : {ضِرَاراً} مصدر مفعول من أجله. {وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادَاً} عطف كله. وقال أهل التأويل : ضرارا بالمسجد ، وليس للمسجد ضرار ، إنما هو لأهله. وروى الدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار من ضار ضار الله به ومن شاق الله عليه" . قال بعض العلماء : الضرر : الذي لك به منفعة وعلى جارك فيه مضرة. والضرار : الذي ليس لك فيه منفعة وعلى جارك فيه المضرة. وقد قيل : هما بمعنى واحد ، تكلم بهما جميعا على جهة التأكيد.
الثالثة : قال علماؤنا : لا يجوز أن يبني مسجد إلى جنب مسجد ، ويجب هدمه ؛ والمنع من بنائه لئلا ينصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغرا ، إلا أن تكون المحلة كبيرة فلا يكفي أهلها مسجد واحد فيبنى حينئذ. وكذلك قالوا. لا ينبغي أن يبنى في المصر الواحد جامعان وثلاثة ، ويجب منع الثاني ، ومن صلى فيه الجمعة لم تجزه. وقد أحرق النبي صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وهدمه. وأسند الطبري عن شقيق أنه جاء ليصلي في مسجد بني غاضرة فوجد الصلاة قد فاتته ، فقيل له : إن مسجد بني فلان لم يصل فيه بعد ؛ فقال : لا أحب أن أصلي فيه ؛ لأنه بني على ضرار. قال علماؤنا : وكل مسجد بني على ضرار أو رياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه. وقال النقاش : يلزم من هذا ألا يصلي في كنيسة ونحوها ؛ لأنها بنيت على شر.
(8/254)
قلت : هذا لا يلزم ؛ لأن الكنيسة لم يقصد ببنائها الضرر بالغير ، وإن كان أصل بنائها على شر ، وإنما اتخذ النصارى الكنيسة واليهود البيعة موضعا يتعبدون فيه بزعمهم كالمسجد لنا فافترقا. وقد أجمع العلماء على أن من صلى في كنيسة أو بيعة على موضع طاهر أن صلاته ماضية جائزة. وقد ذكر البخاري أن ابن عباس كان يصلي في البيعة إذا لم يكن فيها تماثيل. وذكر أبو داود عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طواغيتهم.
الرابعة : قال العلماء : إن من كان إماما لظالم لا يصلي وراءه إلا أن يظهر عذره أو يتوب فإن بني عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء سألوا عمر بن الخطاب في خلافته ليأذن لمجمع بن جارية أن يصلي بهم في مسجدهم ؛ فقال : لا ولا نعمة عين أليس بإمام مسجد الضرار فقال له مجمع : يا أمير المؤمنين ، لا تعجل علي فوالله لقد صليت فيه وأنا لا أعلم ما قد أضمروا عليه ولو علمت ما صليت بهم فيه كنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا قد عاشوا على جاهليتهم وكانوا لا يقرؤون من القرآن شيئا فصليت ولا أحسب ما صنعت إثما ولا أعلم بما في أنفسهم فعذره عمر رضي الله عنهما وصدقه وأمره بالصلاة في مسجد قباء.
الخامسة : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وإذا كان المسجد الذي يتخذ للعبادة وحض الشرع على بنائه فقال : "من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة" يهدم وينزع إذا كان فيه ضرر بغيره ، فما ظنك بسواه بل هو أحرى أن يزال ويهدم حتى لا يدخل ضرر على الأقدم. وذلك كمن بنى فرنا أو رحى أو حفر بئرا أو غير ذلك مما يدخل به الضرر على الغير. وضابط هذا الباب : أن من أدخل على أخيه ضررا منع. فإن أدخل على أخيه ضررا بفعل ما كان له فعله في ماله فأضر ذلك بجاره أو غير جاره نظر إلى ذلك الفعل ؛ فإن كان تركه أكبر ضررا من الضرر الداخل على الفاعل قطع أكبر
(8/255)
الضررين وأعظمهما حرمة في الأصول. مثال ذلك : رجل فتح كوة في منزله يطلع منها على دار أخيه وفيها العيال والأهل ، ومن شأن النساء في بيوتهن إلقاء بعض ثيابهن والانتشار في حوائجهن ، ومعلوم أن الإطلاع على العورات محرم وقد ورد النهي فيه فلحرمه الاطلاع على العورات رأى العلماء أن يغلقوا على فاتح الباب والكوة ما فتح مما له فيه منفعة وراحة وفي غلقه عليه ضرر لأنهم قصدوا إلى قطع أعظم الضررين ، إذ لم يكن بد من قطع أحدهما وهكذا الحكم في هذا الباب ، خلافا للشافعي ومن قال بقوله. قال أصحاب الشافعي : لو حفر رجل في ملكه بئرا وحفر آخر في ملكه بئرا يسرق منها ماء البئر الأولة جاز ؛ لأن كل واحد منهما حفر في ملكه فلا يمنع من ذلك. ومثله عندهم : لو حفر إلى جنب بئر جاره كنيفا يفسده عليه لم يكن له منعه ؛ لأنه تصرف في ملكه. والقرآن والسنة يردان هذا القول. وبالله التوفيق.
ومن هذا الباب وجه آخر من الضرر منع العلماء منه ، كدخان الفرن والحمام وغبار الأندر والدود المتولد من الزبل المبسوط في الرحاب ، وما كان مثل هذا فإنه يقطع منه ما بان ضرره وخشي تماديه. وأما ما كان ساعة خفيفة مثل نفض الثياب والحصر عند الأبواب ؛ فإن هذا مما لا غنى بالناس عنه ، وليس مما يستحق به شيء ؛ فنفي الضرر في منع مثل هذا أعظم وأكبر من الصبر على ذلك ساعة خفيفة. وللجار على جاره في أدب السنة أن يصبر على أذاه على ما يقدر كما عليه ألا يؤذيه وأن يحسن إليه.
السادسة : ومما يدخل في هذا الباب مسألة ذكرها إسماعيل بن أبي أويس عن مالك أنه سئل عن امرأة عرض لها ، يعني مسا من الجن ، فكانت إذا أصابها زوجها وأجنبت أودنا منها يشتد ذلك بها. فقال مالك : لا أرى أن يقربها ، وأرى للسلطان أن يحول بينه وبينها.
(8/256)
السابعة- قوله تعالى : {وَكُفْراً} لما كان اعتقادهم أنه لا حرمة لمسجد قباء ولا لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم كفروا بهذا الاعتقاد ؛ قاله ابن العربي. وقيل : {وَكُفْراً} أي بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ؛ قاله القشيري وغيره.
الثامنة : قوله تعالى : {وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي يفرقون به جماعتهم ليتخلف أقوام عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يدلك على أن المقصد الأكبر والغرض الأظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب والكلمة على الطاعة ، وعقد الذمام والحرمة بفعل الديانة حتى يقع الأنس بالمخالطة ، وتصفو القلوب من وضر الأحقاد.
التاسعة : تفطن مالك رحمه الله من هذه الآية فقال : لا تصلي جماعتان في مسجد واحد بإمامين ؛ خلافا لسائر العلماء. وقد روي عن الشافعي المنع ؛ حيث كان تشتيتا للكلمة وإبطالا لهذه الحكمة وذريعة إلى أن نقول : من يريد الانفراد عن الجماعة كان له عذر فيقيم جماعته ويقدم إمامته فيقع الخلاف ويبطل النظام ، وخفي ذلك عليهم. قال ابن العربي : وهذا كان شأنه معهم ، وهو أثبت قدما منهم في الحكمة وأعلم بمقاطع الشريعة.
العاشرة : قوله تعالى : {وَإِرْصَادَاً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني أبا عامر الراهب ؛ وسمي بذلك لأنه كان يتعبد ويلتمس العلم فمات كافرا بقنسرين بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه كان قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم ؛ فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين. فلما انهزمت هوازن خرج إلى الورم يستنصر ، وأرسل إلى المنافقين وقال : استعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح ، وابنوا مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر فآت بجند من الروم لأخرج محمدا من المدينة ؛ فبنوا مسجد الضرار. وأبو عامر هذا هو والد حنظلة غسيل الملائكة. والإرصاد : الانتظار ؛ تقول : أرصدت كذا إذا أعددته مرتقبا له به. قال أبو زيد : يقال رصدته وأرصدته في الخير ، وأرصدت له في الشر. وقال ابن الأعرابي : لا يقال إلا أرصدت ، ومعناه ارتقبت. وقوله تعالى : {مِنْ قَبْلُ} أي من قبل بناء مسجد
(8/257)
الضرار. {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى} أي ما أردنا ببنائه إلا الفعلة الحسني ، وهي الرفق بالمسلمين كما ذكروا لذي العلة والحاجة. وهذا يدل على أن الأفعال تختلف بالمقصود والإرادات ؛ ولذلك قال : {وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلّا الْحُسْنَى}. {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} أي يعلم خبث ضمائرهم وكذبهم فيما يحلفون عليه.
الآية : 108 {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}
فيه إحدى عشرة مسألة : -
الأولى : قوله تعالى : {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً} يعني مسجد الضرار ؛ أي لا تقم فيه للصلاة. وقد يعبر عن الصلاة بالقيام ؛ يقال : فلان يقوم الليل أي يصلي ؛ ومنه الحديث الصحيح : "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" . أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال... ، فذكره. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية كان لا يمر بالطريق التي فيها المسجد ، وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والأقذار والقمامات.
الثانية : قوله تعالى : {أَبَداً} "أبدا" ظرف زمان. وظرف الزمان على قسمين : ظرف مقدر كاليوم ، وظرف مبهم كالحين والوقت ؛ والأبد من هذا القسم ، وكذلك الدهر.
وتنشأ هنا مسألة أصولية ، وهي أن {أَبَداً} وإن كانت ظرفا مبهما لا عموم فيه ولكنه إذا اتصل بلا النافية أفاد العموم ، فلو قال : لا تقم ، لكفي في الانكفاف المطلق. فإذا قال : {أَبَداً} فكأنه قال في وقت من الأوقات ولا في حين من الأحيان. فأما النكرة في الإثبات إذا كانت خبرا عن واقع لم تعم ، وقد فهم ذلك أهل اللسان وقضى به فقهاء الإسلام فقالوا : لو قال رجل لامرأته أنت طالق أبدا طلقت طلقة واحدة.
(8/258)
الثالثة : قوله تعالى : {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} أي بنيت جدره ورفعت قواعده. والأسس أصل البناء ؛ وكذلك الأساس. والأسس مقصور منه. وجمع الأس إساس ؛ مثل عس وعساس. وجمع الأساس أسس ؛ مثل قذال وقذل. وجمع الأسس أساس ؛ مثل سبب وأسباب. وقد أسست البناء تأسيسا. وقولهم : كان ذلك على أس الدهر ، وأس الدهر ، وإس الدهر ؛ ثلاث لغات ؛ أي على قدم الدهر ووجه الدهر. واللام في قوله {لَمَسْجِدٌ} لام قسم. وقيل لام الابتداء ؛ كما تقول : لزيد أحسن الناس فعلا ؛ وهي مقتضية تأكيدا. {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} نعت لمسجد. {أَحَقُّ} خبر الابتداء الذي هو {لَمَسْجِدٌ} ومعنى التقوى هنا الخصال التي تتقى بها العقوبة ، وهي فعلى من وقيت ، وقد تقدم.
الرابعة : واختلف العلماء في المسجد الذي أسس على التقوى ؛ فقالت طائفة : هو مسجد قباء ؛ يروى عن ابن عباس والضحاك والحسن. وتعلقوا بقول : {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} ، ومسجد قباء كان أسس بالمدينة أول يوم ؛ فإنه بني قبل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ؛ قاله ابن عمر وابن المسيب ، ومالك فيما رواه عنه ابن وهب وأشهب وابن القاسم. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري : قال تماري رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ؛ فقال رجل هو مسجد قباء ، وقال آخر هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هو مسجدي هذا" . قال حديث صحيح. والقول الأول أليق بالقصة ؛ لقوله : {فِيهِ} وضمير الظرف يقتضي الرجال المتطهرين ؛ فهو مسجد قباء. والدليل على ذلك حديث أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} قال : كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية. قال الشعبي : هم أهل مسجد قباء ، أنزل الله فيهم هذا.. وقال قتادة : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل قباء : "إن الله سبحانه قد أحسن عليكم الثناء
(8/259)
في التطهر فما تصنعون" ؟ قالوا : إنا نغسل أثر الغائط والبول بالماء ؛ رواه أبو داود. وروى الدارقطني عن طلحة بن نافع قال : حدثني أبو أيوب وجابر بن عبدالله وأنس بن مالك الأنصاريون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} فقال : "يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور فما طهوركم هذا" ؟ قالوا : يا رسول الله ، نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فهل مع ذلك من غيره" ؟ فقالوا : لا غير ، إن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء. قال : "هو ذاك فعليكموه" . وهذا الحديث يقتضي أن المسجد المذكور في الآية هو مسجد قباء ، إلا أن حديث أبي سعيد الخدري نص فيه النبي صلى الله عليه وسلم على أنه مسجده فلا نظر معه. وقد روى أبو كريب قال : حدثنا أبو أسامة قال حدثنا صالح بن حيان قال حدثنا عبدالله بن بريدة في قوله عز وجل : {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور : 36] قال : إنما هي أربعة مساجد لم يبنهن إلا نبي : الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، وبيت أريحا بيت المقدس بناه داود وسليمان عليهما السلام ، ومسجد المدينة ومسجد قباء اللذين أسسا على التقوى ، بناهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الخامسة : قوله تعالى : {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} {مِنْ} عند النحويين مقابلة منذ ؛ فمنذ في الزمان بمنزلة من في المكان. فقيل : إن معناه هنا معنى منذ ؛ والتقدير : منذ أول يوم ابتدئ بنيانه. وقيل : المعنى من تأسيس أول الأيام ، فدخلت على مصدر الفعل الذي هو أسس ؛ كما قال :
لمن الديار بقنة الحجر ... أقوين من حجج ومن دهر
(8/260)
أي من مر حجج ومن مر دهر. وإنما دعا إلى هذا أن من أصول النحويين أن "من" لا يجر بها الأزمان ، وإنما تجر الأزمان بمنذ ، تقول ما رأيته منذ شهر أوسنة أو يوم ، ولا تقول : من شهر ولا من سنة ولا من يوم. فإذا وقعت في الكلام وهي يليها زمن فيقدر مضمر يليق أن يجر بمن ؛ كما ذكرنا في تقدير البيت. ابن عطية. ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الآية عن تقدير ، وأن تكون "من" تجر لفظة "أول" لأنها بمعنى البداءة ؛ كأنه قال : من مبتدأ الأيام.
السادسة : قوله تعالى : {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} أي بأن تقوم ؛ فهو في موضع نصب. و"أحق" هو أفعل من الحق ، وأفعل لا يدخل إلا بين شيئين مشتركين ، لأحدهما في المعنى الذي اشتركا فيه مزية. على الآخر ؛ فمسجد الضرار وإن كان باطلا لاحق فيه ، فقد اشتركا في الحق من جهة اعتقاد بانيه ، أو من جهة اعتقاد من كان يظن أن القيام فيه جائز للمسجدية ؛ لكن أحد الاعتقادين باطل باطنا عند الله ، والآخر حق باطنا وظاهرا ؛ ومثل هذا قوله تعالى : {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان : 24] ومعلوم أن الخيرية من النار مبعودة ، ولكنه جرى على اعتقاد كل فرقة أنها على خير وأن مصيرها إليه خير ؛ إذ كل حزب بما لديهم فرحون. وليس هذا من قبيل : العسل أحلى من الخل ؛ فإن العسل وإن كان حلوا فكل شيء ملائم فهو حلو ؛ ألا ترى أن من الناس من يقدم الخل على العسل مفردا بمفرد ومضافا إلى غيره بمضاف.
السابعة : قوله تعالى : {فِيهِ} من قال : إن المسجد يراد به مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فالهاء في {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} عائد إليه. و {فِيهِ رِجَالٌ} له أيضا. ومن قال : إنه مسجد قباء ، فالضمير في {فِيهِ} عائد إليه على الخلاف المتقدم.
الثامنة : أثنى الله سبحانه وتعالى في هذه الآية على من أحب الطهارة وآثر النظافة ، وهي مروءة آدمية ووظيفة شرعية ؛ وفى الترمذي عن عائشة رضوان الله عليها أنها قالت : (مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإني أستحييهم). قال : حديث صحيح. وثبت أن
(8/261)
النبي صلى الله عليه وسلم (كان يحمل الماء معه في الاستنجاء ؛ فكان يستعمل الحجارة تخفيفا) الماء تطهيرا. ابن العربي : وقد كان علماء القيروان يتخذون في متوضآتهم أحجارا في تراب ينقون بها ثم يستنجون بالماء.
التاسعة : اللازم من نجاسة المخرج التخفيف ، وفي نجاسة سائر البدن والثوب التطهير. وذلك رخصة من الله لعباده في حالتي وجود الماء وعدمه ؛ وبه قال عامة العلماء. وشذ ابن حبيب فقال : لا يستجمر بالأحجار إلا عند عدم الماء. والأخبار الثابتة في الاستجمار بالأحجار مع وجود الماء ترده.
العاشرة : واختلف العلماء من هذا الباب في إزالة النجاسة من الأبدان والثياب ، بعد إجماعهم على التجاوز والعفو عن دم البراغيث ما لم يتفاحش على
ثلاثة أقوال :
الأول : أنه واجب فرض ، ولا تجوز صلاة من صلى بثوب نجس عالما كان بذلك أو ساهيا ؛ روي عن ابن عباس والحسن وابن سيرين ، وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور ، ورواه ابن وهب عن مالك ، وهو قول أبي الفرج المالكي والطبري ؛ إلا أن الطبري قال : إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلاة. وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف في مراعاة قدر الدرهم قياسا على حلقة الدبر. وقالت طائفة : إزالة النجاسة واجبة بالسنة من الثياب والأبدان ، وجوب سنة وليس بفرض. قالوا : ومن صلى بثوب نجس أعاد الصلاة في الوقت فإن خرج الوقت فلا شيء عليه ؛ هذا قول مالك وأصحابه إلا أبا الفرج ، ورواية ابن وهب عنه. وقال مالك في يسير الدم : لا تعاد منه الصلاة في الوقت ولا بعده ، وتعاد من يسير البول والغائط ؛ ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث. وقال ابن القاسم عنه : تجب إزالتها في حالة الذكر دون النسيان ؛ وهي من مفرداته. والقول الأول أصح إن شاء الله ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال : "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله...". الحديث ، خرجه البخاري ومسلم ، وحسبك. وسيأتي في سورة [سبحان]. قالوا : ولا يعذب الإنسان إلا على ترك واجب ؛ وهذا ظاهر.
(8/262)
وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أكثر عذاب القبر من البول" . احتج الآخرون بخلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه في الصلاة لما أعلمه جبريل عليه السلام أن فيهما قذرا وأذى... الحديث. خرجه أبو داود وغيره من حديث أبي سعيد الخدري ، وسيأتي في سورة [طه] إن شاء الله تعالى. قالوا : ولما لم يعد ما صلى دل على أن إزالتها سنة وصلاته صحيحة ، ويعيد ما دام في الوقت طلبا للكمال. والله أعلم.
الحادية عشرة : قال القاضي أبو بكر بن العربي : وأما الفرق بين القليل والكثير بقدر الدرهم البغلي ؛ يعني كبار الدراهم التي هي على قدر استدارة الدينار قياسا على المسربة ففاسد
من وجهين ؛
أحدهما : أن المقدرات لا تثبت قياسا فلا يقبل هذا التقدير.
الثاني : أن هذا الذي خفف عنه في المسربة رخصة للضرورة ، والحاجة والرخص لا يقاس عليها ؛ لأنها خارجة عن القياس فلا ترد إليه.
الآية : 109 {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ_ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
قوله تعالى : {أَفَمَنْ أَسَّسَ} أي أصل ، وهو استفهام معناه التقرير. و{مَنْ} بمعنى الذي ، وهي في موضع رفع بالابتداء ، وخبره {خَيْرٌ}. وقرأ نافع وابن عامر وجماعة {أُسِّسَ بُنْيَانَهُ} على بناء أسس للمفعول ورفع بنيان فيهما. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وجماعة {أَسّس بنيانهُ} على بناء الفعل للفاعل ونصب بنيانه فيهما. وهي اختيار أبي عبيد لكثرة من قرأ به ، وأن الفاعل سمي فيه. وقرأ نصر بن عاصم بن علي
(8/263)
{أفمن أَسَسُ} بالرفع {بنُيانِه} بالخفض. وعنه أيضا {أساس بنيانه} وعنه أيضا {أَسُّ بنيانِه} بالخفض. والمراد أصول البناء كما تقدم. وحكى أبو حاتم قراءة سادسة وهي {أَفَمَنْ آسَاسُ بُنْيَانِهِ} قال النحاس : وهذا جمع أس ؛ كما يقال : خف وأخفاف ، والكثير {إسَاسٌ} مثل خفاف. قال الشاعر :
أصبح الملك ثابت الأساس ... في البهاليل من بني العباس
الثانية : قوله تعالى : {عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ} قراءة عيسى بن عمر - فيما حكى سيبويه - بالتنوين ، والألف ألف إلحاق كألف تترى فيما نون ، وقال الشاعر :
يستن في علقي وفي مكور
وأنكر سيبويه التنوين ، وقال : لا أدري ما وجهه. {عَلَى شَفَا} الشفا : الحرف والحد ، وقد مضى في (آل عمران) مستوفى. و{جُرُفٍ} قرئ برفع الراء ، وأبو بكر وحمزة بإسكانها ؛ مثل الشغل والشغل ، والرسل والرسل ، يعني جرفا ليس له أصل. والجرف : ما يتجرف بالسيول من الأودية ، وهو جوانبه التي تنحفر بالماء ، وأصله من الجرف والاجتراف ؛ وهو اقتلاع الشيء من أصله. {هَارٍ} ساقط ؛ يقال. تهور البناء إذا سقط ، وأصله هائر ، فهو من المقلوب يقلب وتؤخر ياؤها ، فيقال : هار وهائر ، قال الزجاج. ومثله لاث الشيء به إذا دار ؛ فهو لاث أي لائث. وكما قالوا : شاكي السلاح وشائك السلاح. قال العجاج :
لاث به الأشاء والعبري
الأشاء النخل ، والعبري السدر الذي على شاطئ الأنهار. ومعنى لاث به مطيف به. وزعم أبو حاتم أن الأصل فيه هاور ، ثم يقال هائر مثل صائم ، ثم يقلب فيقال هار. وزعم الكسائي أنه من ذوات الواو ومن ذوات الياء ، وأنه يقال : تهور وتهير.
قلت : ولهذا يمال ويفتح.
(8/264)
الثالثة : قوله تعالى : {فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} فاعل انهار الجرف ؛ كأنه قال : فانهار الجرف بالبنيان في النار ؛ لأن الجرف مذكر. ويجوز أن يكون الضمير في به يعود على "من" وهو الباني ؛ والتقدير : فانهار من أسس بنيانه على غير تقوى. وهذه الآية ضرب مثل لهم ، أي من أسس بنيانه على الإسلام خير أم من أسس بنيانه على الشرك والنفاق. وبين أن بناء الكافر كبناء على جرف جهنم يتهور بأهله فيها. والشفا : الشفير. وأشفى على كذا أي دنا منه.
الرابعة : في هذه الآية دليل على أن كل شيء ابتدئ بنية تقوى الله تعالى والقصد لوجهه الكريم فهو الذي يبقى ويسعد به صاحبه ويصعد إلى الله ويرفع إليه ، ويخبر عنه بقوله : {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن : 27] على أحد الوجهين. ويخبر عنه أيضا بقوله : {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [الكهف : 46] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
الخامسة : واختلف العلماء في قوله تعالى : {فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} هل ذلك حقيقة أو مجاز على
قولين ؛
[الأول] أن ذلك حقيقة وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أَرسل إليه فهُدم رئي الدخان يخرج منه ؛ من رواية سعيد بن جبير. وقال بعضهم : كان الرجل يدخل فيه سعفة من سعف النخل فيخرجها سوداء محترقة. وذكر أهل التفسير أنه كان يحفر ذلك الموضع الذي انهار فيخرج منه دخان. وروى عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود أنه قال : جهنم في الأرض ، ثم تلا {فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}. وقال جابر بن عبدالله : أنا رأيت الدخان يخرج منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[والثاني] أن ذلك مجاز ، والمعنى : صار البناء في نار جهنم ، فكأنه انهار إليه وهوى فيه ؛ وهذا كقوله تعالى : {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة : 9]. والظاهر الأول ، إذ لا إحالة في ذلك. والله أعلم.
الآية : 110 {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
(8/265)
قوله تعالى : {لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا} يعني مسجد الضرار. {رِيبَةً} أي شكا في قلوبهم ونفاقا ؛ قاله ابن عباس وقتادة والضحاك. وقال النابغة :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
وقال الكلبي : حسرة وندامة ؛ لأنهم ندموا على بنيانه. وقال السدي وحبيب والمبرد : {رِيبَةً}أي حزازة وغيظا. {إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} قال ابن عباس : أي تنصدع قلوبهم فيموتوا ؛ كقوله : {لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة : 46] لأن الحياة تنقطع بانقطاع الوتين ؛ وقاله قتادة والضحاك ومجاهد. وقال سفيان : إلا أن يتوبوا. عكرمة : إلا أن تقطع قلوبهم في قبورهم ، وكان أصحاب عبدالله بن مسعود يقرؤونها : {رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ}. وقرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم {إلى أن تقطع} على الغاية ، أي لا يزالون في شك منه إلى أن يموتوا فيستيقنوا ويتبينوا. واختلف القراء في قوله {تَقَطّع} فالجمهور {تُقَطَّعَ} بضم التاء وفتح القاف وشد الطاء على الفعل المجهول. وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص ويعقوب كذلك إلا أنهم فتحوا التاء. وروي عن يعقوب وأبي عبدالرحمن {تُقْطَع} على الفعل المجهول مخفف القاف. وروي عن شبل وابن كثير {تَْقطع} خفيفة القاف {قُلُوبِهِمْ} نصبا ، أي أنت تفعل ذلك بهم. وقد ذكرنا قراءة أصحاب عبدالله. {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} تقدم.
(8/266)