منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأحد 8 مايو - 22:24






قلت : هذه القضية عن جعفر ما أظنها تصح ، وأن القول ما ذكرناه من أنه كان يزوج غلام هذا البطن لجارية تلك البطن. والدليل على هذا من الكتاب قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً }. وهذا كالنص ثم نسخ ذلك ، حسبما تقدم بيانه في سورة {البقرة}. وكان جميع ما ولدته حواء أربعين من ذكر وأنثى في عشرين بطنا ؛ أولهم قابيل وتوأمته إقليمياء ، وآخرهم عبدالمغيث. ثم بارك الله في نسل آدم. قال ابن عباس : لم يمت آدم حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا. وما روي عن جعفر - من قوله : فولدت بنتا وأنها بغت - فيقال : مع من بغت ؟ أمع جني تسول لها! ومثل هذا يحتاج إلى نقل صحيح يقطع العذر ، وذلك معدوم. والله أعلم.
الثانية- وفي قول هابيل { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } كلام قبله محذوف ؛ لأنه لما قال له قابيل : { لأَقْتُلَنَّكَ } قال له : ولم تقتلني وأنا لم أجن شيئا ؟ ، ولا ذنب لي في قبول الله قرباني ، أما إني أتقيته وكنت على لاحب الحق وإنما يتقبل الله من المتقين. قال ابن عطية : المراد بالتقوى هنا اتقاء الشرك بإجماع أهل السنة ؛ فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة ؛ وأما المتقي الشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والختم بالرحمة ؛ علم ذلك بإخبار الله تعالى لا أن ذلل يجب على الله تعالى عقلا. وقال عدي بن ثابت وغيره : قربان متقي هذه الأمة الصلاة.
قلت : وهذا خاص في نوع من العبادات. وقد روى البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله تبارك وتعالى قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته" .
(6/135)





28- { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ }
29- {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ }
وفيه مسألتان :
الأولى- قوله تعالى : { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ } أي لئن قصدت قتلي فأنا لا أقصد قتلك ؛ فهذا استسلام منه. وفي الخبر : "إذا كانت الفتنة فكن خير ابني آدم" وروى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص قال قلت يا رسول : إن دخل عل بيتي وبسط يده إلي ليقتلني ؟ قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كن كخير ابني آدم" وتلا هذه الآية { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي } . قال مجاهد : كان الفرض عليهم حينئذ ألا يستل أحد سيفا ، وألا يمتنع ممن يريد قتله. قال علماؤنا : وذلك مما يجوز ورود التعبد به ، إلا أن في شرعنا يجوز دفعه إجماعا. وفي وجوب ذلك عليه خلاف ، والأصح وجوب ذلك ؛ لما فيه من النهي عن المنكر. وفي الحشوية قوم لا يجوزون للحصول عليه الدفع ؛ واحتجوا بحديث أبي ذر وحمله العلماء على ترك القتال في الفتنة ، وكف اليد عند الشبهة ؛ على ما بيناه في كتاب "التذكرة". وقال عبدالله بن عمرو وجمهور الناس : كان هابيل أشد قوة من قابيل ولكنه تحرج. قال ابن عطية : وهذا هو الأظهر ، ومن ههنا يقوى أن قابيل إنما هو عاص لا كافر ؛ لأنه لو كان كافرا لم يكن للتحرج هنا وجه ، وإنما وجه التحرج في هذا أن المتحرج يأبى أن يقاتل موحدا ، ويرضى بأن يظلم ليجازى في الآخرة ؛ ونحو هذا فعل عثمان رضي الله عنه. وقيل : المعنى لا أقصد قتلك بل أقصد الدفع عن نفسي ، وعلى هذا قيل : كان نائما فجاء قابيل ورضخ رأسه بحجر على ما يأتي ومدافعة الإنسان عمن يريد ظلمه جائزة وإن أتى على نفس العادي. وقيل : لئن بدأت بقتلي فلا أبدأ بالقتل. وقيل : أراد لئن بسطت إليّ يدك ظلما فما أنا بظالم ؛ إني أخاف الله رب العالمين.
(6/136)





الثانية- قوله تعالى : { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ } قيل : معناه معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : "إنه كان حريصا على قتل صاحبه" وكأن هابيل أراد أني لست بحريص على قتلك ؛ فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت ، حريصا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي. وقيل : المعنى "بإثمي" الذي يختص بي فيما فرطت ؛ أي يؤخذ في سيئاتي فتطرح عليك بسبب ظلمك لي ، وتبوء بإثمك في قتلك ؛ وهذا يعضده قوله عليه الصلاة والسلام : "يؤتى يوم القيامة بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه" وهذا بين لا إشكال فيه. وقيل : المعنى إني أريد ألا تبوء بإثمي وإثمك كما قال تعالى : { وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } أي لئلا تميد بكم. وقوله تعالى : { يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا } أي لئلا تضلوا فحذف {لا}.
قلت : وهذا ضعيف ؛ لقوله عليه السلام : "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل" ، فثبت بهذا أن إثم القتل حاصل ؛ ولهذا قال أكثر العلماء : إن المعنى ؛ ترجع بإثم قتلي وإثمك الذي عملته قبل قتلي. قال الثعلبي : هذا قول عامة أكثر المفسرين. وقيل : هو استفهام ، أي أو إني أريد ؟ على جهة الإنكار ؛ كقوله تعالى : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ } أي أو تلك نعمة ؟ وهذا لأن إرادة القتل معصية. حكاه القشيري وسئل أبو الحسن بن كيسان : كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار ؟ فقال : إنما وقعت الإرادة بعد ما بسط يده إليه بالقتل ؛ والمعنى : لئن بسطت إلى يدك لتقتلني لأمتنع من ذلك مريدا للثواب ؛ فقيل له : فكيف قال : بإثمي وإثمك ؛ وأي إثم له إذا قتل ؟ فقال : فيه ثلاثة أجوبة ؛ أحدها : أن تبوء بإثم قتلي وإثم ذنبك الذي من
(6/137)





أجله لم يتقبل قربانك ، ويروى هذا القول عن مجاهد. والوجه الآخر : أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي ؛ لأنه قد يأثم بالاعتداء وإن لم يقتل. والوجه الثالث : أنه لو بسط يده إليه أثم ؛ فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك فإثمه يرجع على صاحبه. فصار هذا مثل قولك : المال به وبين زيد ؛ أي المال بينهما ، فالمعنى أن تبوء بإثمنا. وأصل باء رجع إلى المباءة ، وهي المنزل. { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ } أي رجعوا. وقد مضى في {البقرة} مستوفى. وقال الشاعر :
ألا تنتهي عنا ملوك وتبقي ... محارمنا لا يبؤ الدم بالدم
أي لا يرجع الدم بالدم في القود. { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } دليل على أنهم كانوا في ذلك الوقت مكلفين قد لحقهم الوعد والوعيد. وقد استدل بقول هابيل لأخيه قابيل : { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } على أنه كان كافرا ؛ لأن لفظ أصحاب النار إنما ورد في الكفار حيث وقع في القرآن. وهذا مردود هنا بما ذكرناه عن أهل العلم في تأويل الآية. ومعنى { مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ } مدة كونك فيها. والله أعلم.
30- { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ }
فيه أربع مسائل :
الأولى- قوله تعالى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ } . أي سولت وسهلت نفسه عليه الأمر وشجعته وصورت له أن قتل أخيه طوع سهل له يقال : طاع الشيء أي سهل وانقاد. وطوعه فلان له أي سهله. قال الهروي : طوعت وأطاعت واحد ؛ يقال : طاع له كذا إذا أتاه طوعا. وقيل : طاوعته نفسه في قتل أخيه ؛ فنزع الخافض فانتصب. وروي أنه
(6/138)





جهل كيف يقتله فجاء إبليس بطائر - أو حيوان غيره - فجعل يشدخ رأسه بين حجرين ليقتدي به قابيل ففعل ؛ قال ابن جريج ومجاهد وغيرهما. وقال ابن عباس وابن مسعود : وجده نائما فشد رأسه بحجر وكان ذلك في ثور - جبل بمكة - قال ابن عباس. وقيل : عند عقبة حراء ؛ حكاه محمد بن جرير الطبري. وقال جعفر الصادق : بالبصرة في موضع المسجد الأعظم. وكان لهابيل يوم قتله قابيل عشرون سنة. ويقال : إن قابيل كان يعرف القتل بطبعه ؛ لأن الإنسان وإن لم ير القتل فإنه يعلم بطبعه أن النفس فانية لحكن إتلافها ؛ فأخذ حجرا فقتله بأرض الهند. والله أعلم. ولما قتله ندم فقعد يبكي عند رأسه إذ أقبل غرابان فاقتتلا فقتل أحدهما الآخر ثم حفر له حفرة فدفنه ؛ ففعل القاتل بأخيه كذا. والسوءة يراد بها العورة ، وقيل : يراد بها جيفة المقتول ؛ ثم إنه هرب إلى أرض عدن من اليمن ، فأتاه إبليس وقال : إنما أكلت النار قربان أخيك لأنه كان يعبد النار ، فانصب أنت أيضا نارا تكون لك ولعقبك ، فبنى بيت نار ، فهو أول من عبد النار فيما قيل. والله أعلم. وروي عن ابن عباس أنه لما قتله وآدم بمكة اشتاك الشجر ، وتغيرت الأطعمة ، وحمضت الفواكه ، وملحت المياه ، واغبرت الأرض ؛ فقال آدم عليه السلام : قد حدث في الأرض حدث ، فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل. وقيل : إن قابيل هو الذي انصرف إلى آدم ، فلما وصل إليه قال له : أين هابيل ؟ فقال : لا أدري كأنك وكلتني بحفظه. فقال له آدم : أفعلتها ؟ ! والله إن دمه لينادي ، اللهم العن أرضا شربت دم هابيل. فروي أنه من حينئذ ما شربت أرض دما. ثم إن آدم بقي مائة سنة لم يضحك ، حتى جاءه ملك فقال له : حياك الله يا آدم وبياك. فقال : ما بياك ؟ قال : أضحكك ؛ قال مجاهد وسالم بن أبي الجعد. ولما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة - وذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له شيثا ، وتفسيره هبة الله ، أي خلفا من هابيل. وقال مقاتل : كان قبل قتل قابيل هابيل السباع والطيور تستأنس بآدم ، فلما قتل قابيل هابيل هربوا ، فلحقت الطيور بالهواء ، والوحوش بالبرية ، ولحقت السباع بالغياض. وروي أن آدم لما تغيرت الحال قال :
(6/139)





تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي طعم ولون ... وقل بشاشة الوجه المليح
في أبيات كثيرة ذكرها الثعلبي وغيره. قال ابن عطية : هكذا هو الشعر بنصب "بشاشة" وكف التنوين. قال القشيري وغيره قال ابن عباس : ما قال آدم الشعر ، وإن محمدا والأنبياء كلهم في النهي عن الشعر سواء ؛ لكن لما قتل هابيل رثاه آدم وهو سرياني ، فهي مرثية بلسان السريانية أوصى بها إلى ابنه شيث وقال : إنك وصيي فاحفظ مني هذا الكلام ليتوارث ؛ فحفظت منه إلى زمان يعرب بن قحطان ، فترجم عنه يعرب بالعربية وجعله شعرا.
الثانية- روي من حديث أنس قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم الثلاثاء فقال : "يوم الدم فيه حاضت حواء وفيه قتل ابن آدم أخاه" . وثبت في صحيح مسلم وغيره عن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل" . وهذا نص على التعليل ؛ وبهذا الاعتبار يكون على إبليس كفل من معصية كل من عصى بالسجود ؛ لأنه أول من عصى به ، وكذلك كل من أحدث في دين الله ما لا يجوز من البدع والأهواء ؛ قال صلى الله عليه وسلم : "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" . وهذا نص في الخبر والشر. وقال صلى الله عليه وسلم : "إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون" وهذا كله صريح ، ونص صحيح في معنى الآية ، وهذا ما لم يتب الفاعل من تلك المعصية ، لأن آدم عليه السلام كان أول من خالف في أكل ما نهي عنه ، ولا يكون عليه شيء من أوزار من عصى بأكل ما نهي عنه ولا شربه من بعده بالإجماع ؛ لأن آدم تاب من ذلك وتاب الله عليه ،
(6/140)





فصار كمن لم يجن. ووجه آخر : فإنه أكل ناسيا على الصحيح من الأقوال ، كما بيناه في {البقرة} والناسي غير آثم ولا مؤاخذ.
الثالثة- تضمنت هذه الآية البيان عن حال الحاسد ، حتى أنه قد يحمله حسده على إهلاك نفسه بقتل أقرب الناس إليه قرابة ، وأمسه به رحما ، وأولاهم بالحنو عليه ودفع الأذية عنه.
الرابعة- قوله تعالى : { فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } أي ممن خسر حسناته. وقال ، مجاهد : علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه إلى الشمس حيثما دارت ، عليه في الصيف حظيرة من نار ، وعليه في الشتاء من ثلج. قال ابن عطية : فإن صح هذا فهو من خسرانه الذي تضمنه قوله تعالى : { فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وإلا فالخسران يعم خسران الدنيا والآخرة.
قلت : ولعل هذا يكون عقوبته على القول بأنه عاص لا كافر ؛ فيكون المعنى { فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ } أي في الدنيا. والله أعلم.
31- { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}
فيه خمسة مسائل :
الآولى- قوله تعالى : { فبعث فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ } قال مجاهد : بعث الله غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه. وكان ابن آدم هذا أول من قتل. وقيل : إن الغراب بحث الأرض على طعمه ليخفيه إلى وقت الحاجة إليه ؛ لأنه من عادة الغراب فعل ذلك ؛ فتنبه قابيل ذلك على مواراة أخيه. وروي أن قابيل لما قتل هابيل جعله في جراب ، ومشى به يحمله في عنقه مائة سنة ؛ قال مجاهد. وروى ابن القاسم عن مالك
(6/141)





أنه حمله سنة واحدة ؛ وقال ابن عباس. وقيل : حتى أروح ولا يدري ما يصنع به إلى أن اقتدى بالغراب كما تقدم. وفي الخبر عن أنس قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " امتن الله على ابن آدم بثلاث بعد ثلاث بالريح بعد الروح فلولا أن الريح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميما وبالدود في الجثة فلولا أن الدود يقع في الجثة لاكتنزتها الملوك وكانت خيرا لهم من الدراهم والدنانير وبالموت بعد الكبر وإن الرجل ليكبر حتى يمل نفسه ويمله أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أستر له" . وقال قوم : كان قابيل يعلم الدفن ، ولكن ترك أخاه بالعراء استخفافا به ، فبعث الله غرابا يبحث التراب على هابيل ليدفنه ، فقال عند ذلك : { يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ } ، حيث رأى إكرام الله لهابيل بأن قيض له الغراب حتى واراه ، ولم يكن ذلك ندم توبة ، وقيل : إنما ندمه كان على فقده لا على قتله ، وإن كان فلم يكن موفيا شروطه. أو ندم ولم يستمر ندمه ؛ فقال ابن عباس : ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه. ويقال : إن آدم وحواء أتيا قبره وبكيا أياما عليه. ثم إن قابيل كان على ذروة جبل فنطحه ثور فوقع إلى السفح وقد تفرقت عروقه. ويقال : دعا عليه آدم فانخسفت به الأرض. ويقال : إن قابيل استوحش بعد قتل هابيل ولزم البرية ، وكان لا يقدر على ما يأكله إلا من الوحش ، فكان إذا ظفر به وقذه حتى يموت ثم يأكله. قال ابن عباس : فكانت الموقوذة حراما من لدن قابيل بن آدم ، وهو أول من يساق من الآدميين إلى النار ؛ وذلك قوله تعالى : { رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانََّا مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ } الآية ، فإبليس رأس الكافرين من الجن ، وقابيل رأس الخطيئة من الإنس ؛ على ما يأتي بيانه في "حم فصلت" إن شاء الله تعالى. وقد قيل : إن الندم في ذلك الوقت لم يكن توبة ، والله بكل ذلك أعلم وأحكم. وظاهر الآية أن هابيل هو أول ميت من بني آدم ؛ ولذلك جهلت سنة المواراة ؛ وكذلك حكى الطبري عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم بما في كتب الأوائل. وقوله
(6/142)





{يَبْحَثُ} معناه يفتش التراب بمنقاره ويثيره. ومن هذا سميت سورة {بَرَاءَةٌ} البحوث ؛ لأنها فتشت عن المنافقين ؛ ومن ذلك قول الشاعر :
إن الناس غطوني تغطيت عنهم ... وإن بحثوني كان فيهم مباحث
وفي المثل : لا تكن كالباحث على الشفرة ؛ قال الشاعر :
فكانت كعنز السوء قامت برجلها ... إلى مدية مدفونة تستثيرها
الثانية- بعث الله الغراب حكمة ؛ ليرى ابن آدم كيفية المواراة ، وهو معنى قوله تعالى : {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} ، فصار فعل الغراب في المواراة سنة باقية في الخلق ، فرضا على جميع الناس على الكفاية ، من فعله منهم سقط فرضه. عن الباقين. وأخص الناس به الأقربون الذين يلونه ، ثم الجيرة ، ثم سائر المسلمين. وأما الكفار فقد روى أبو داود عن على قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات ؛ قال : "أذهب فوار أباك التراب ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني" فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي.
الثالثة- ويستحب في القبر سعته وإحسانه ؛ لما رواه ابن ماجة عن هشام بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "احفروا وأوسعوا وأحسنوا" وروي عن الأدرع السلمي قال : جئت ليلة أحرس النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإذا رجل قراءته عالية ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله : هذا مراء ؛ قال : فمات بالمدينة ففرغوا من جهازه فحملوا نعشه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ارفقوا به رفق الله به إنه كان يحب الله ورسوله" . قال : وحضر حفرته فقال : "أوسعوا له وسع الله عليه" فقال بعض أصحابه : يا رسول الله لقد حزنت عليه ؟ فقال : "أجل إنه كان يحب الله ورسوله" ؛ أخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب. عن موسى بن عبيدة عن سعيد بن أبي سعيد.
(6/143)





قال أبو عمر بن عبد البر : أدرع السلمي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً واحداً ، وروى سعيد بن أبي سعيد المقبري ؛ و هشام بن عامر بن أمية بن الحسحاس بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الأنصاري ، كان يسمى في الجاهلية شهابا فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه فسماه هشاما ، واستشهد أبوه عامر يوم أحد. سكن هشام البصرة ومات بها ؛ ذكر هذا في كتاب الصحابة.
الرابعة- ثم قيل : اللحد أفضل من الشق ؛ فإنه الذي اختاره الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر لا يلحد ؛ فقالوا : أيهما جاء أول عمل عمله ، فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ذكره مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه ، وأخرجه ابن ماجة عن أنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهما. والرجلان هما أبو طلحة وأبو عبيدة ؛ وكان أبو طلحة يلحد وأبو عبيدة يشق. واللحد هو أن يحفر في جانب القبر إن كانت تربة صلبة ، يوضع فيه الميت ثم يوضع عليه اللبن ثم يهال التراب ؛ قال سعد بن أبي وقاص في مرضه الذي هلك فيه : ألحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم. وروى ابن ماجة وغيره عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللحد لنا والشق لغيرنا" .
الخامسة- روى ابن ماجة عن سعيد بن المسيب قال : حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللحد قال : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أخذ في تسوية اللبن على اللحد قال : اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر ، اللهم جاف الأرض عن جنبيها ، وصعد روحها ولقها منك رضوانا. قلت يا ابن عمر أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قلته برأيك ؟ قال : إني إذا لقادر على القول! بل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي عن أبي هريرة أن رسول الله
(6/144)





صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثا. فهذا ما تعلق في معنى الآية من الأحكام. والأصل في {يَا وَيْلَتَى} يا ويلتي ثم أبدل من الياء ألف. وقرأ الحسن على الأصل بالياء ، والأول أفصح ؛ لأن حذف الياء في النداء أكثر. وهي كلمة تدعو بها العرب عند الهلاك ؛ قال سيبويه. وقال الأصمعي : {وَيْلٌ} بعد. وقرأ الحسن : {أَعَجِزْتُ} بكسر الجيم. قال النحاس : وهي لغة شاذة ؛ إنما يقال عجزت المرأة إذا عظمت عجيزتها ، وعجزت عن الشيء عجزا ومعجزة ومعجزة. والله أعلم.
32- {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}
قوله تعالى : {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} أي من جراء ذلك القاتل وجريرته. وقال الزجاج : أي من جنايته ؛ يقال : أجل الرجل على أهله شرا يأجل أجلا إذا جنى ؛ مثل أخذ يأخذ أخذ. قال الخنوت :
وأهل خباء صالح كنت بينهم ... قد احتربوا في عاجل أنا آجله
أي جانيه ، وقيل : أنا جاره عليهم. وقال عدي بن زيد :
أجل أن الله قد فضلكم ... فوق من أحكا صلبا بإزار
وأصله الجر ؛ ومنه الأجل لأنه وقت يجر إليه العقد الأول. ومنه الآجل نقيض العاجل ، وهو بمعنى يجر إليه أمر متقدم. ومنه أجل بمعنى نعم. لأنه انقياد إلى ما جر إليه. ومنه الإجل للقطيع من بقر الوحش ؛ لأن بعضه ينجر إلى بعض ؛ قاله الرماني. وقرأ يزيد بن
(6/145)





القعقاع أبو جعفر : {مِنْ أجْلِ ذَلِكَ} بكسر النون وحذف الهمزة وهي لغة ، والأصل {مِنْ إجْلِ ذَلِكَ} فألقيت كسرة الهمزة على النون وحذفت الهمزة. ثم قيل : يجوز أن يكون قوله : {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} متعلقا بقوله : {مِنَ النَّادِمِينَ} ، فالوقف على قوله : {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} . ويجوز أن يكون متعلقا بما بعده وهو {كَتَبْنَا} . فـ {مِنْ أَجْلِ} ابتداء كلام والتمام {مِنَ النَّادِمِينَ} ؛ وعلى هذا أكثر الناس ؛ أي من سبب هذه النازلة كتبنا. وخص بني إسرائيل بالذكر وقد تقدمته أمم قبلهم كان قتل النفس فيهم محظورا - لأنهم أول أمة نزل الوعيد عليهم في قتل الأنفس مكتوبا ، وكان قبل ذلك قولا مطلقا ؛ فغلظ الأمر على بني إسرائيل بالكتاب بحسب طغيانهم وسفكهم الدماء. ومعنى {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي بغير أن يقتل نفسا فيستحق القتل. وقد حرم الله القتل في جميع الشرائع إلا بثلاث خصال : كفر بعد إيمان ، أو زني بعد إحصان ، أو قتل نفس ظلما وتعديا. {أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ} أي شرك ، وقيل : قطع طريق.
وقرأ الحسن : {أَوْ فَسَاداً} بالنصب على تقدير حذف فعل يدل عليه أول الكلام تقديره ؛ أو أحدث فسادا ؛ والدليل عليه قوله : {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ} لأنه من أعظم الفساد.
وقرأ العامة : {أَوْ فَسَادٍ} بالجر على معنى أو بغير فساد. {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} اضطرب لفظ المفسرين في ترتيب هذا التشبيه لأجل أن عقاب من قتل الناس جميعا أكثر من عقاب من قتل واحدا ؛ فروي عن ابن عباس أنه قال : المعنى من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياه بأن شد عضده ونصره فكأنما أحيا الناس جميعا. وعنه أيضا أنه قال : المعنى من قتل نفسا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس جميعا ، ومن ترك قتل نفس واحدة وصان حرمتها واستحياها خوفا من الله فهو كمن أحيا الناس جميعا. وعنه أيضا. المعنى فكأنما قتل الناس جميعا عند المقتول ، ومن أحياها واستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعا عند المستنقذ. وقال مجاهد : المعنى أن الذي يقتل النفس المؤمنة متعمدا جعل الله جزاءه
(6/146)





جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ؛ يقول : لو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك ، ومن لم يقتل فقد حيي الناس منه. وقال ابن زيد : المعنى أن من قتل نفسا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من قتل الناس جميعا ، قال : ومن أحياها أي من عفا عمن وجب له قتله ؛ وقاله الحسن أيضا ؛ أي هو العفو بعد المقدرة. وقيل : المعنى أن من قتل نفسا فالمؤمنون كلهم خصماؤه ؛ لأنه قد وتر الجميع ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ، أي يجب على الكل شكره. وقيل : جعل إثم قاتل الواحد إثم قاتل الجميع ؛ وله أن يحكم بما يريد. وقيل : كان هذا مختصا ببني إسرائيل تغليظا عليهم. قال ابن عطية : وعلى الجملة فالتشبيه على ما قيل واقع كله ، والمنتهك في واحد ملحوظ بعين منتهك الجميع ؛ ومثاله رجلان حلفا على شجرتين ألا يطعما من ثمرهما شيئا ، فطعم أحدهما واحدة من ثمر شجرته ، وطعم الآخر ثمر شجرته كلها ، فقد استويا في الجث. وقيل : المعنى أن من استحل واحدا فقد استحل الجميع ؛ لأنه أنكر الشرع.
وفي قوله تعالى : {وَمَنْ أَحْيَاهَا} تجوز ؛ فإنه عبارة عن الترك والإنقاذ من هلكة ، وإلا فالإحياء حقيقة - الذي هو الاختراع - إنما هو لله تعالى. وإنما هذا الإحياء بمنزلة قول نمروذ اللعين : {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} فسمى الترك إحياء. ثم أخبر الله عن بني إسرائيل أنهم جاءتهم الرسل بالبينات ، وأن أكثرهم مجاوزون الحد ، وتاركون أمر الله.
33- {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
34- {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(6/147)





فيه خمسة عشرة مسائل :
الأولى- اختلف الناس في سبب نزول هذه الآية ؛ فالذي عليه الجمهور أنها نزلت في العرنيين ؛ روى الأئمة واللفظ لأبي داود عن أنس بن مالك : أن قوما من عكل - أو قال من عرينة - قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتووا المدينة ؛ فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا ، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم ؛ فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم من أول النهار فأرسل في آثارهم ؛ فلما ارتفع النهار حتى جيء بهم ؛ فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون. قال أبو قلابة : فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله. وفي رواية : فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ؛ وفي رواية : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة فأتي به قال : فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً} الآية. وفي رواية قال أنس : فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا. وفي البخاري قال جرير بن عبدالله في حديثه : فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين حتى أدركناهم وقد أشرفوا على بلادهم ، فجئنا بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال جرير : فكانوا يقولون الماء ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : {النَّارَ} . وقد حكى أهل التواريخ والسير : أنهم قطعوا يدي الراعي ورجليه ، وغرزوا الشوك في عينيه حتى مات ، وأدخل المدينة ميتا. وكان اسمه يسار وكان نوبيا. وكان هذا الفعل من المرتدين سنة ست من الهجرة. وفي بعض الروايات عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرقهم بالنار
(6/148)





بعد ما قتلهم. وروي عن ابن عباس والضحاك : أنها نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فنقضوا العهد وقطعوا السبيل وأفسدوا في الأرض. وفي مصنف أبي داود عن ابن عباس قال : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} إلى قوله : {غَفُورٌ رَحِيمٌ} نزلت هذه الآية في المشركين فمن أخذ منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه. وممن قال : إن الآية نزلت في المشركين عكرمة والحسن ، وهذا ضعيف يرده قوله تعالى : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ، وقوله عليه الصلاة والسلام : "الإسلام يهدم ما قبله" أخرجه مسلم ؛ والصحيح الأول لنصوص الأحاديث الثابتة في ذلك.
وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي : الآية نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع السبيل ويسعى في الأرض بالفساد. قال ابن المنذر : قول مالك صحيح ، وقال أبو ثور محتجا لهذا القول : وفي الآية دليل على أنها نزلت في غير أهل الشرك ؛ وهو قوله جل ثناؤه : {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم ؛ فدل ذلك على أن الآية نزلت في أهل الإسلام. وحكى الطبري عن بعض أهل العلم : أن هذه الآية نسخت فعل النبي صلى الله عليه وسلم في العرنيين ، فوقف الأمر على هذه الحدود. وروى محمد بن سيرين قال : كان هذا قبل أن تنزل الحدود ؛ يعني حديث أنس ؛ ذكره أبو داود. وقال قوم منهم الليث بن سعد : ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بوفد عرينة نسخ ؛ إذ لا يجوز التمثيل بالمرتد. قال أبو الزناد : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله عز وجل في ذلك ؛ فأنزل الله تعالى في ذلك {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} الآية. أخرجه أبو داود. قال أبو الزناد : فلما وعظ ونهي عن المثلة لم يعد. وحكي عن جماعة أن هذه الآية ليست بناسخة لذلك الفعل ؛ لأن ذلك وقع في مرتدين ،
(6/149)





لا سيما وقد ثبت في صحيح مسلم وكتاب النسائي وغيرهما قال : إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أن أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة ؛ فكان هذا قصاصا ، وهذه الآية في المحارب المؤمن.
قلت : وهذا قول حسن ، وهو معنى ما ذهب إليه مالك والشافعي ؛ ولذلك قال الله تعالى : {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} ومعلوم أن الكفار لا تختلف أحكامهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة كما تسق قبل القدرة. والمرتد يستحق القتل بنفس الردة - دون المحاربة - ولا ينفى ولا تقطع يده ولا رجله ولا يخلى سبيله بل يقتل إن لم يسلم ، ولا يصلب أيضا ؛ فدل أن ما اشتملت عليه الآية ما عني به المرتد. وقال تعالى في حق الكفار : {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} . وقال في المحاربين : {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا} الآية ؛ وهذا بين. وعلى ما قررناه في أول الباب لا إشكال ولا لوم ولا عتاب إذ هو مقتضى الكتاب ؛ قال الله تعالى : {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} فمثلوا فمثل بهم ، إلا أنه يحتمل أن يكون العتاب إن صح على الزيادة في القتل ، وذلك تكحيلهم بمسامير محماة وتركهم عطاشى حتى ماتوا ، والله أعلم. وحكى الطبري عن السدي : أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمل أعين العرنيين وإنما أراد ذلك ؛ فنزلت الآية ناهية عن ذلك ، وهذا ضعيف جدا ؛ فإن الأخبار الثابتة وردت بالسمل ؛ وفي صحيح البخاري : فأمر بمسامير فأحميت لهم. ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم هذه الآية مترتب في المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت في المرتدين أو اليهود. وفي قوله تعالى : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} استعارة ومجاز ؛ إذ الله سبحانه وتعالى لا يحارب ولا يغالب لما هو عليه من صفات الكمال ، ولما وجب له من التنزيه عن الأضداد والأنداد. والمعنى : يحاربون أولياء الله ؛ فعبر بنفسه العزيزة عن أوليائه إكبارا لإذايتهم ، كما عبر بنفسه عن الفقراء الضعفاء في قوله : {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} حثا على الاستعطاف عليهم ؛ ومثله في صحيح السنة "استطعمتك فلم تطعمني" الحديث أخرجه مسلم ، وقد تقدم في {البقرة}.
(6/150)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سميه قطبي سالم محمد
دويمابي برتبة نقيب
دويمابي برتبة نقيب
سميه قطبي سالم محمد


عدد الرسائل : 508

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأحد 8 مايو - 23:00

شكر ا اخى المكرم فوزى .................تستحضر ذاكرتنا الكثير مما كنا نقراه عبر هذه المعلومات الدينية القيمة











الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 9 مايو - 0:35


أفادتنا الله وإياكم.. أختي الكريمة..

وشكراً على المرور..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ودمبروكه
دويمابي برتبة ملازم أول
دويمابي برتبة ملازم أول
ودمبروكه


عدد الرسائل : 343

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 9 مايو - 0:46

جزاك الله الف خير حبيبنا فورزى لك التحيه وللخاله سميه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 9 مايو - 0:57


شكراً لك أخي الكريم ود مبروكة.. ولكم جميعاً ألف تحية وتقدير...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: