منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 4 مايو - 16:50




قلت : واختار هذا القول ابن العربي وقال : وبه أول ؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل لحيته ، خرجه الترمذي وغيره ؛ فعين المحتمل بالفعل. وحكى ابن المنذر عن إسحاق أن من ترك تخليل لحيته عامدا أعاد. وروى الترمذي عن عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته ؛ قال : هذا حديث حسن صحيح ؛ قال أبو عمر : ومن لم يوجب غسل ما انسدل من اللحية ذهب إلى أن الأصل المأمور بغسله البشرة ، فوجب غسل ما ظهر فوق البشرة ، وما انسدل من اللحية ليس تحته ما يلزم غسله ، فيكون غسل اللحية بدلا منه. واختلفوا أيضا في غسل ما وراء العذار إلى الأذن ؛ فروى ابن وهب عن مالك قال : ليس ما خلف الصدغ الذي من وراء شعر اللحية إلى الذقن من الوجه. قال أبو عمر : لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار قال بما رواه ابن وهب عن مالك. وقال أبو حنيفة وأصحابه : البياض بين العذار والأذن من الوجه. وغسله واجب ؛ ونحوه قال الشافعي وأحمد. وقيل : يغسل البياض استحبابا ؛ قال ابن العربي : والصحيح عندي أنه لا يلزم غسله إلا للأمرد لا للمعذر.
قلت : وهو اختيار القاضي عبدالوهاب ؛ وسبب الخلاف هل تقع عليه المواجهة أم لا ؟ والله أعلم. وبسبب هذا الاحتمال اختلفوا هل يتناول الأمر بغسل الوجه باطن الأنف والفم أم لا ؟ فذهب أحمد بن حنبل وإسحاق وغيرهما إلى وجوب ذلك في الوضوء والغسل ، إلا أن أحمد قال : يعيد من ترك الاستنشاق في وضوئه ولا يعيد من ترك المضمضة. وقال عامة الفقهاء : هما سنتان في الوضوء والغسل ؛ لأن الأمر إنما يتناول الظاهر دون الباطن ، والعرب لا تسمي وجها إلا ما وقعت به المواجهة ، ثم إن الله تعالى لم يذكرهما في كتابه ، ولا أوجبهما المسلمون ، ولا أتفق الجميع عليه ؛ والفرائض لا تثبت إلا من هذه الوجوه. وقد مضى هذا المعنى في {النساء}. وأما العينان فالناس كلهم مجمعون على أن داخل العينين لا يلزم غسله ، إلا ما روي عن عبدالله بن عمر أنه كان ينضح الماء في عينيه ؛ وإنما سقط غسلهما للتأذي
(6/84)



بذلك والحرج به ؛ قال ابن العربي : ولذلك كان عبدالله بن عمر لما عمي يغسل عينيه إذ كان لا يتأذى بذلك ؛ وإذا تقرر هذا من حكم الوجه فلا بد من غسل جزء من الرأس مع الوجه من غير تحديد ، كما لا بد على القول بوجوب عموم الرأس من مسح جزء معه من الوجه لا يتقدر ؛ وهذا ينبني على أصل من أصول الفقه وهو : "أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مثله" والله أعلم.
الرابعة- وجمهور العلماء على أن الوضوء لا بد فيه من نية ؛ لقول عليه السلام : "إنما الأعمال بالنيات" قال البخاري : فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة والحج والصوم والأحكام ؛ وقال الله تعالى : { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ } ، يعني على نيته. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ولكن جهاد ونية" وقال كثير من الشافعية : لا حاجة إلى نية ؛ وهو قول الحنفية ؛ قالوا : لا تجب النية إلا في الفروض التي هي مقصودة لأعيانها ولم تجعل سببا لغيرها ، فأما ما كان شرطا لصحة فعل آخر فليس يجب ذلك فيه بنفس ورود الأمر إلا بدلالة تقارنه ، والطهارة شرط ؛ فإن من لا صلاة عليه لا يجب عليه فرض الطهارة ، كالحائض والنفساء. احتج علماؤنا وبعض الشافعية بقوله تعالى : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } فلما وجب فعل الغسل كانت النية شرطا في صحة الفعل ؛ أن الفرض من قبل الله تعالى فينبغي أن يجب فعل ما أمر الله به ؛ فإذا قلنا : إن النية لا تجب عليه لم يجب عليه القصد إلى فعل ما أمره الله تعالى ، ومعلوم أن الذي اغتسل تبردا أو لغرض ما ، قصد أداء الواجب ؛ وصح في الحديث أن الوضوء يكفر ؛ فلو صح بغير نية لما كفر. وقال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }
الخامسة- قال ابن العربي ، قال بعض علمائنا : إن من خرج إلى النهر بنية الغسل أجزأه ، وإن عزبت نيته في الطريق ، ولو خرج إلى الحمام فعزبت في أثناء الطريق بطلت النية. قال القاضي أبو بكر بن العربي رضي الله عنه : فركب على هذا سفاسفة المفتين أن نية الصلاة تتخرج على القولين ، وأوردوا فيها نصا عمن لا يفرق بين الظن واليقين بأنه قال :
(6/85)



يجوز أن تتقدم فيها النية على التكبير ؛ ويا لله ويا للعالمين من أمة أرادت أن تكون مفتية مجتهدة فما وفقها الله ولا سددها ؛ اعلموا رحمكم الله أن النية في الوضوء مختلف في وجوبها بين العلماء ، وقد اختلف فيها قول مالك ؛ فلما نزلت عن مرتبة الاتفاق سومح في تقديمها في بعض المواضع ، فأما الصلاة فلم يختلف أحد من الأئمة فيها ، وهي أصل مقصود ، فكيف يحمل الأصل المقصود المتفق عليه على الفرع التابع المختلف فيه! هل هذا إلا غاية الغباوة ؟ وأما الصوم فإن الشرع رفع الحرج فيه لا كان ابتداؤه في وقت الغفلة بتقديم النية عليه
السادسة- قوله تعالى : { وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } واختلف الناس في دخول المرافق في التحديد ؛ فقال قوم : نعم ؛ لأن ما بعد { إِلى } إذا كان من نوع ما قبلها دخل فيه ؛ قال سيبويه وغيره ، وقد مضى هذا في {البقرة} مبينا. وقيل : لا يدخل المرفقان في الغسل ؛ والروايتان مرويتان عن مالك ؛ الثانية لأشهب ؛ والأولى عليها أكثر العلماء وهو الصحيح ؛ لما رواه الدارقطني عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه. وقد قال بعضهم : إن { إِلى } بمعنى مع ، كقولهم : الذود إلى الذود إبل ، أي مع الذود ، وهذا لا يحتاج إليه كما بيناه في {النساء} ؛ ولأن اليد عند العرب تقع على أطراف الأصابع إلى الكتف ، وكذلك الرجل تقع على الأصابع إلى أصل الفخذ ؛ فالمرفق داخل تحت اسم اليد ، فلو كان المعنى مع المرافق لم يفد ، فلما قال : { إِلى } اقتطع من حد المرافق عن الغسل ، وبقيت المرافق مغسولة إلى الظفر ، وهذا كلام صحيح يجري على الأصول لغة ومعنى ؛ قال ابن العربي : وما فهم أحد مقطع المسألة إلا القاضي أبو محمد فإنه قان : إن قوله { إِلَى الْمَرَافِقِ } حد للمتروك من اليدين لا للمغسول فيه ؛ ولذلك تدخل المرافق في الغسل.
قلت : وما كان اليد والرجل تنطلق في اللغة على ما ذكرنا كان أبو هريرة يبلغ بالوضوء إبطه وساقه ويقول : سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : "تبلغ الحلية من المؤمن
(6/86)



حيث يبلغ الوضوء" . قال القاضي عياض : والناس مجمعون على خلاف هذا ، وألا يتعدى بالوضوء حدوده ؛ لقوله عليه السلام : "فمن زاد فقد تعدى وظلم" وقال غيره : كان هذا الفعل مذهبا له ومما انفرد به ، ولم يحكه عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما استنبطه من قوله عليه السلام : "أنتم الغر المحجلون" ومن قوله : "تبلغ الحلية" كما ذكر.
السابعة- قوله تعالى : { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } تقدم في {النساء} أن المسح لفظ مشترك. وأما الرأس فهو عبارة عن الجملة التي يعلمها الناس ضرورة ومنها الوجه ، فلما ذكره الله عز وجل في الوضوء وعين الوجه للغسل بقي باقيه للمسح ، ولو لم يذكر الغسل للزم مسح جميعه ، ما عليه شعر من الرأس وما فيه العينان والأنف والفم ؛ وقد أشار مالك في وجوب مسح الرأس إلى ما ذكرناه ؛ فإنه سئل عن الذي يترك بعض رأسه في الوضوء فقال : أرأيت إن ترك غسل بعض وجهه أكان يجزئه ؟ ووضح بهذا الذي ذكرناه أن الأذنين من الرأس ، وأن حكمهما حكم الرأس خلافا للزهري ، حيث قال : هما من الوجه يغسلان معه ، وخلافا للشعبي ، حيث قال : ما أقبل منهما من الوجه وظاهرهما من الرأس ؛ وهو قول الحسن وإسحاق ، وحكاه ابن أبي هريرة عن الشافعي ، وسيأتي بيان حجتهما ؛ وإنما سمي الرأس رأسا لعلوه ونبات الشعر فيه ، ومنه رأس الجبل ؛ وإنما قلنا إن الرأس اسم لجملة أعضاء لقول الشاعر :
إذا احتملوا رأسي وفي الرأس أكثري ... وغودر عند الملتقى ثم سائري
الثامنة- واختلف العلماء في تقدير مسحه على أحد عشر قولا ؛ ثلاثة لأبي حنيفة ، وقولان للشافعي ، وستة أقوال لعلمائنا ؛ والصحيح منها واحد وهو وجوب التعميم لما ذكرناه. وأجمع العلماء على أن مسح رأسه كله فقد أحسن وفعل ما يلزمه ؛ والباء مؤكدة زائدة ليست للتبعيض : والمعنى وامسحوا رؤوسكم. وقيل : دخولها حسن كدخولها في التيمم
(6/87)



في قوله : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ } فلو كان معناها التبعيض لإفادته في ذلك الموضع ، وهذا قاطع. وقيل : إنما دخلت لتفيد معنى بديعا وهو أن الغسل لغة يقتضي مغسولا به ، والمسح لغة لا يقتضي ممسوحا به ؛ فلو قال : وامسحوا رؤوسكم لأجزأ المسح باليد إمرارا من غير شيء على الرأس ؛ فدخلت الباء لتفيد ممسوحا به وهو الماء ، فكأنه قال : وامسحوا برؤوسكم الماء ؛ وذلك فصيح في اللغة على وجهين ؛ إما على القلب كما أنشد سيبويه :
كنواح ريش حمامة بخديه ... ومسحت باللثتين عصف الإثمد
واللثة هي الممسوحة بعصف الإثمد فقلب ، وإما على الاشتراك في الفعل والتساوي في نسبته كقول الشاعر :
مثل القنافذ هداجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوءاتهم هجر
فهذا ما لعلمائنا في معنى الباء. وقال الشافعي : احتمل قول الله تعالى : { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } بعض الرأس ومسح جميعه فدلت السنة أن مسح بعضه يجزئ ، وهو أن النبي صلى الله علبه وسلم مسح بناصيته ؛ وقال في موضع آخر : فإن قيل قد قال الله عز وجل : { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ } في التيمم أيجزئ بعض الوجه فيه ؟ قيل له : مسح الوجه في التيمم بدل من غسله ؛ فلا بد أن يأتي بالمسح على جميع موضع الغسل منه ، ومسح الرأس أصل ؛ فهذأ فرق ما بينهما. أجاب علماؤنا عن الحديث بأن قالوا : لعل النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لعذر لا سيما وكان هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم في السفر وهو مظنة الأعذار ، وموضع الاستعجال والاختصار ، وحذف كثير من الفرائض لأجل المشقات والأخطار ؛ ثم هو لم يكتف بالناصية حتى مسح على العمامة ؛ أخرجه مسلم من حديث المغيرة بن شعبة ؛ فلو لم يكن مسح جميع الرأس واجبا لما مسح على العمامة ؛ والله أعلم
(6/88)



التاسعة- وجمهور العلماء على أن مسحة واحدة موعبة كاملة تجزئ. وقال الشافعي : يمسح رأسه ثلاثا ؛ وروي عن أنس وسعيد بن جبير وعطاء. وكان ابن سيرين يمسح مرتين. قال أبو داود : وأحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة ؛ فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ، قالوا فيها : ومسح برأسه ولم يذكروا عددا.
العاشرة- واختلفوا من أين يبدأ بمسحه ؛ فقال مالك : يبدأ بمقدم رأسه ، ثم يذهب بيديه إلى مؤخره ، ثم يردهما إلى مقدمه ؛ على حديث عبدالله بن زيد أخرجه مسلم ؛ وبه يقول الشافعي وابن حنبل. وكان الحسن بن حي يقول : يبدأ مؤخر الرأس ؛ على حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء ؛ وهو حديث يختلف في ألفاظه ، وهو يدور. على عبدالله بن محمد بن عقيل وليس بالحافظ عندهم ؛ أخرجه أبو داود من رواية بشر بن المفضل عن عبدالله عن الربيع ، وروي ابن عجلان عنه عن الربيع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندنا فمسح الرأس كله من قرن الشعر كل ناحية بمنصب الشعر ، لا يحرك الشعر عن هيئته ؛ ورويت هذه الصفة عن ابن عمر ، وأنه كان يبدأ من وسط رأسه. وأصح ما في هذا الباب حديث عبدالله بن زيد ؛ وكل من أجاز بعض الرأس فإنما يرى ذلك البعض في مقدم الرأس. وروي عن إبراهيم والشعبي أنهما قالا : أي نواحي رأسك مسحت أجزأ عنك. ومسح عمر اليافوخ فقط. والإجماع منعقد على استحسان المسح باليدين معا ، وعلى الإجزاء إن مسح بيد واحدة. واختلف فيمن مسح بإصبع واحدة حتى عم ما يرى أنه يجزئه من الرأس ؛ فالمشهور أن ذلك يجزئ ، وهو قول سفيان الثوري ؛ قال سفيان : إن مسح رأسه بإصبع واحدة أجزأه. وقيل : إن ذلك لا يجزئ ؛ لأنه خروج عن سنة المسح وكأنه لعب ، إلا أن يكون ذلك عن ضرورة مرض فينبغي ألا تل يختلف في الإجزاء. قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : لا يجزئ مسح الرأس بأقل من ثلاث أصابع ؛ واختلفوا في رد اليدين على شعر الرأس هل هو فرض أو سنة - بعد الإجماع على أن المسحة الأولى فرض بالقرآن - فالجمهور على أنه سنة. وقيل : هو فرض
(6/89)



الحادية عشرة- فلو غسل متوضئ رأسه بدل المسح فقال ابن العربي : لا نعلم خلافا أن ذلك يجزئه ، إلا ما أخبرنا الإمام فخر الإسلام الشاشي في الدرس عن أبي العباس ابن القاص من أصحابهم قال : لا يجزئه ، وهذا تولج في مذهب الداودية الفاسد من أتباع الظاهر المبطل للشريعة الذي ذمه الله في قوله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } ، وقال تعالى : { أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ } وإلا فقد جاء هذا الغسل بما أمر وزيادة. فإن قيل : هذه زيادة خرجت عن اللفظ المتعبد به ؛ قلنا : ولم يخرج عن معناه في إيصال الفعل إلى المحل ؛ وكذلك لو مسح رأسه ثم حلقه لم يكن عليه إعادة المسح.
الثانية عشرة- وأما الأذنان فهما الرأس عند مالك وأحمد والثوري وأبي حنيفة وغيرهم ، ثم اختلفوا في تجديد الماء ؛ فقال مالك وأحمد : يستأنف لهما ماء جديدا سوى الماء الذي مسح به الرأس ، على ما فعل ابن عمر ؛ وهكذا قال الشافعي في تجديد الماء ، وقال : هما سنة على حالهما لا من الوجه ولا من الرأس ؛ لاتفاق العلماء على أنه لا يحلق ما عليهما من الشعر في الحج ؛ وقول أبي ثور في هذا كقول الشافعي. وقال الثوري وأبو حنيفة : يمسحان مع الرأس بماء واحد ؛ وروي عن جماعة من السلف مثل هذا القول من الصحابة والتابعين. وقال داود : إن مسح أذنيه فحسن ، وإلا فلا شيء عليه ؛ إذ ليستا مذكورتين في القرآن. قيل له : اسم الرأس تضمنهما كما بيناه. وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في كتاب النسائي وأبي داود وغيرهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح ظاهرهما وباطنهما ، وأدخل أصابعه في صماخيه ، وإنما يدل عدد ذكرهما من الكتاب على أنهما ليستا بفرض كغسل الوجه واليدين ، وثبتت سنة مسحهما بالسنة. وأهل العلم يكرهون للمتوضئ ترك مسح أذنيه ويجعلونه تارك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يوجبون عليه إعادة إلا إسحاق فإنه قال : إن ترك مسح أذنيه لم يجزه. وقال أحمد : إن تركهما عمدا أحببت أن يعيد. وروي عن علي بن زياد من أصحاب مالك أنه قال : من ترك سنة من سنن الوضوء أو الصلاة عامدا أعاد ؛ وهذا عند الفقهاء ضعيف ، وليس لقائله سلف ولا له حظ من النظر ، ولو كان كذلك لم يعرف
(6/90)



الفرض الواجب من غيره ؛ والله أعلم. احتج قال : هما من الوجه بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في سجوده : "سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره" فأضاف السمع إلى الوجه فثبت أن يكون لهما حكم الوجه. وفى مصنف أبي داود من حديث عثمان : فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة ، ثم غسل رجليه ثم قال : أين السائلون عن الوضوء ؟ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. احتج من قال : يغسل ظاهرهما مع الوجه ، وباطنها يمس مع الرأس بأن الله عز وجل قد أمر بغسل الوجه وأمر بمسح الرأس ؛ فما واجهك من الأذنين وجب غسله ؛ لأنه من الوجه وما لم يواجهك وجب مسحه لأنه من الرأس ، وهذا ترده الآثار بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح ظاهر أذنيه وباطنهما من حديث علي وعثمان وابن عباس والربيع وغيرهم. احتج من قال : هما من الرأس بقوله صلى الله عليه وسلم من حديث الصنابحي : "فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج أذنيه" الحديث أخرجه مالك.
الثالثة عشرة- قوله تعالى : { وَأَرْجُلَكُمْ } قرأ نافع وابن عامر والكسائي { وَأَرْجُلَكُمْ } بالنصب ؛ وروى الوليد بن مسلم عن نافع أنه قرأ { وَأَرْجُلُكُمْ } بالرفع وهي قراءة الحسن والأعمش سليمان ؛ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة { وَأَرْجُلِِِِكُمْ } بالخفض ويحسب هذه القراءات اختلف الصحابة والتابعون ؛ فمن قرأ بالنصب جعل العام { اغْسِلُوا } وبنى على أن الفرض في الرجلين الغسل دون المسح ، وهذا مذهب الجمهور والكافة من العلماء ، وهو الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، واللازم من قول في غير ما حديث ، وقد رأى قوما يتوضؤون وأعقابهم تلوح فنادى بأعلى صوته "ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء" ثم إن الله حدهما فقال : { إِلَى الْكَعْبَيْنِ } كما قال في اليدين { إِلَى الْمَرَافِقِ } فدل على وجوب غسلهما ؛ والله أعلم. ومن قرأ بالخفض جعل العامل الباء ، قال ابن العربي : اتفقت العلماء على وجوب غسلهما ، وما علمت من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء المسلمين ، والرافضة من غيرهم ، وتعلق الطبري بقراءة الخفض
(6/91)



قلت : قد روي عن ابن عباس أنه قال : الوضوء غسلتان ومسحتان. وروي أن الحجاج خطب بالأهواز فذكر الوضوء فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ، فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيهما. فسمع ذلك أنس بن مالك فقال : صدق الله وكذب الحجاج ؛ قال الله وتعالى : { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } . قال : وكان إذا مسح رجليه بلهما ، وروي عن أنس أيضا أنه قال : نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل. وكان عكرمة يمسح رجليه وقال : ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيه المسح. وقال عامر الشعبي : نزل جبريل بالمسح ؛ ألا ترى أن التيمم يمسح فيه ما كان غسلا ، ويلغي ما كان مسحا. وقال قتادة : افترض الله غسلتين ومسح. وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح ، وجعل القراءتين كالروايتين ؛ قال النحاس : ومن أحسن ما قيل فيه ؛ أن المسح والغسل واجبان جميعا ، فالمسح واجب على قراءة من قرأ بالخفض ، والغسل واجب على قراءة من قرأ بالنصب ، والقراءتان بمنزلة آيتين. قال ابن عطية : وذهب قوم ممن يقرأ بالكسر إلى أن المسح في الرجلين هو الغسل.
قلت : وهو الصحيح ؛ فإن لفظ المسح مشترك ، يطلق بمعنى المسح ويطلق بمعنى الغسل ؛ قال الهروي : أخبرنا الأزهري أخبرنا أبو بكر محمد بن عثمان بن سعيد الداري عن أبي حاتم عن أبي زيد الأنصاري قال : المسح في كلام العرب يكون غسلا ويكون مسحا ، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه : قد تمسح ؛ ويقال : مسح الله ما بك إذا غسلك وطهرك من الذنوب ، فإذا ثبت بالنقل عن العرب أن المسح يكون بمعنى الغسل فترجح قول من قال : إن المراد بقراءة الخفض الغسل ؛ بقراءة النصب التي لا احتمال فيها ، وبكثرة الأحاديث الثابتة بالغسل ، والتوعد على ترك غسلها في أخبار صحاح لا تحصى كثرة أخرجها الأئمة ؛ ثم إن المسح في الرأس إنما دخل بين ما يغسل لبيان الترتيب على أنه مفعول قبل الرجلين ، التقدير فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم ؛ فلما كان الرأس مفعولا قبل
(6/92)



الرجلين قدم عليهما في التلاوة - والله أعلم - لا أنهما مشتركان مع الرأس لتقدمه عليهما في صفة التطهير. وقد روى عاصم بن كليب عن أبي عبدالرحمن السلمي قال : قرأ الحسن والحسين - رحمة الله عليهما – علي { وَأَرْجُلِكُمْ } فسمع علي ذلك وكان يقضي بين الناس فقال : { وَأَرْجُلَكُمْ } هذا من المقدم والمؤخر من الكلام. وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال : اغسلوا الأقدام إلى الكعبين. وكذا روي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قرأ { وَأَرْجُلَكُمْ } بالنصب. وقد قيل : إن الخفض في الرجلين إنما جاء مقيد لمسحهما لكن إذا كان عليهما خفان ، وتلقينا هذا القيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ لم يصح عنه أنه مسح رجليه إلا وعليهما خفان ، فبين صلى الله عليه وسلم بفعله الحال التي غسل فيه الرجل والحال التي تمسح فيه ، وهذا حسن. فإن قيل : إن المسح على الخفين منسوخ بسورة {المائدة} - وقد قال ابن عباس ، ورد المسح أبو هريرة وعائشة ، وأنكره مالك في رواية عنه - فالجواب أن من نفى شيئا وأثبته غيره فلا حجة للنافي ، وقد أثبت المسح على الخفين عدد كثير من الصحابة وغيرهم ، وقد قال الحسن : حدثني سبعون رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مسحوا على الخفين ؛ وقد ثبت بالنقل الصحيح عن همام قال : بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه ؛ قال إبراهيم النخعي : وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه. وقال إبراهيم النخعي : كان يعجبهم هذا الحديث ؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول {المائدة} وهذا نص يرد ما ذكروه وما احتجوا به من رواية الواقدي عن عبدالحميد بن جعفر عن أبيه أن جريرا أسلم في ستة عشر من شهر رمضان ، وأن {المائدة} نزلت في ذي الحجة يوم عرفات ، وهذا حديث لا يثبت لوهاه ؟ ؟ ؛ وإنما نزل منها يوم عرفة { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } على ما تقدم ؛ قال أحمد بن حنبل : أنا استحسن حديث جرير في المسح على الخفين ؛ لأن إسلامه كان بعد نزول {المائدة} وأما ما روي عن أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما فلا يصح ، أما عائشة فلم يكن عندها بذلك علم ؛ ولذلك ردت السائل إلى علي رضي الله عنه وأحالته عليه فقالت : سله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ الحديث.
(6/93)



وأما مالك فما روي عنه من الإنكار فهو منكر لا يصح ، والصحيح ما قاله عند موته لابن نافع قال : إني كنت أخذ في خاصة نفسي بالطهور ولا أرى من مسح مقصرا فيما بجب عليه. وعلى هذا حمل أحمد بن حنبل ما رواه ابن وهب عنه أنه قال : لا أمسح في حضر ولا سفر. قال أحمد : كما روي عن ابن عمر أنه أمرهم أن يمسحوا خفافهم وخلع هو وتوضأ وقال : حبب إلى الوضوء ؛ ونحوه عن أبي أيوب. وقال أحمد رضي الله عنه : فمن ترك ذلك على نحو ما تركه ابن عمر وأبو أيوب ومالك لم أنكره عليه ، وصلينا خلفه ولم نعبه ، إلا أن يترك ذلك ولا يراه كما صنع أهل البدع ، فلا صلى خلفه. والله أعلم. وقد قيل : إن قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } معطوف على اللفظ دون المعنى ، وهذا أيضا يدل على الغسل فإن المراعى المعنى لا اللفظ ، وإنما خفض للجوار كما تفعل العرب ؛ وقد جاء هذا في القرآن وغيره قال الله تعالى : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ } بالجر لأن النحاس الدخان. وقال : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } بالجر. قال امرؤ القيس :
كبير أناس في بجاد مزمتل
فخفض مزمل بالجوار ، وأن المزمل الرجل وإعرابه الرفع ؛ قال زهير :
لعب الزمان بها وغيرها ... بعدي سوافي المور والقطر
قال أبو حاتم : كان الوجه القطر بالرفع ولكنه جره على جوار المور ؛ كما قالت العرب : هذا جحر ضب خرب ؛ فجروه وإنما هو رفع. وهذا مذهب الأخفش وأبي عبيدة ورده النحاس وقال : هذا القول غلط عظيم ؛ لأن الجوار لا يكون في الكلام أن يقاس عليه ، وإنما هو غلط ونظيره الإقواء.
قلت : والقاطع في الباب من أن فرض الرجلين الغسل ما قدمناه ، وما ثبت من قول عليه الصلاة والسلام "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" فخوفنا بذكر النار على
(6/94)



مخالفة مراد الله عز وجل ، ومعلوم أن النار لا يعذب بها إلا من ترك الواجب ، ومعلوم أن المسح ليس شأنه الاستيعاب ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما لا على بطونهما ، فتبين بهذا الحديث بطلان قول من قال بالمسح ، إذ لا مدخل لمسح : بطونهما عندهم ، وإنما ذلك درك بالغسل لا بالمسح. ودليل آخر من وجهة الإجماع ؛ وذلك أنهم اتفقوا على أن من غسل قدميه فقد أدى الواجب عليه ، واختلفوا فيمن مسح قدميه ؛ فاليقين ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه. ونقل الجمهور كافة عن كافة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه كان يغسل رجليه في وضوئه مرة واثنتين وثلاثا حتى ينقيهما ؛ وحسبك بهذا حجة في الغسل مع ما بيناه ، فقد وضح وظهر أن قراءة الخفض المعني فيها الغسل لا المسح كما ذكرنا ، وأن العامل في قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } قوله : { فَاغْسِلُوا } والعرب قد تعطف الشيء على الشيء بفعل ينفرد به أحدهما تقول : أكلت الخبز واللبن أي وشربت اللبن ؛ ومنه قول الشاعر :
علفتها تبنا وماء باردا
وقال آخر :
ورأيت زوجك في الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا
وقال آخر :
.............. وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها
وقال آخر :
شراب ألبان وتمر وإقط
التقدير : علفتها تبنا وسقيتها ماء. ومتقلدا سيفا وحاملا رمحا. وأطفلت بالجهلتين ظباؤها وفرخت نعامها ؛ والنعام لا يطفل إنما يفرخ. وأطفلت كان لها أطفال ، والجهلتان
(6/95)



جنبتا الوادي. وشراب ألبان وأكل تمر ؛ فيكون قوله : { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } عطف بالغسل على المسح حملا على المعنى والمراد الغسل ؛ والله أعلم.
الرابعة عشرة- قوله تعالى : { إِلَى الْكَعْبَيْنِ } روى البخاري : حدثني موسى قال أنبأنا وهيب عن عمرو - هو ابن يحيى - عن أبيه قال شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبدالله بن زيد عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بتور من ماء ، فتوضأ لهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فأكفأ على يده من التور فغسل يديه ثلاثا ، ثم أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات ، ثم أدخل يده فغسل وجهه ثلاثا ، ثم أدخل يديه فغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ، ثم أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، ثم غسل رجليه إلى الكعبين ؛ فهذا الحديث دليل على أن الباء في قوله { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } زائدة لقوله : فمسح رأسه ولم يقل برأسه ، وأن مسح الرأس مرة ، وقد جاء مبينا في كتاب مسلم من حديث عبدالله بن زيد في تفسير قوله : فأقبل بهما وأدبر ، وبدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه. واختلف العلماء في الكعبين فالجمهور على أنهما العظمان الناتئان في جنبي الرجل. وأنكر الأصمعي فول الناس : إن الكعب في ظهر القدم ؛ قال في "الصحاح" وروي عن ابن القاسم ، وبه قال محمد بن الحسن ؛ قال ابن عطية : ولا أعلم أحدا جعل حد الوضوء إلى هذا ، ولكن عبدالوهاب في التلقين جاء في ذلك بلفظ فيه تخليط وإيهام ؛ وقال الشافعي رحمه الله : لم أعلم مخالفا في أن الكعبين هما العظمان في مجمع مفصل الساق ؛ وروى الطبري عن يونس عن أشهب عن مالك قال : الكعبان اللذان يجب الوضوء لأيهما هما العظمان الملتصقان بالساق المحاذيان للعقب ، وليس الكعب بالظاهر في وجه القدم.
قلت : هذا هو الصحيح لغة وسنة فإن الكعب في كلام العرب مأخوذ من العلو ومنه سميت الكعبة ؛ وكعبت المرأة إذا فلك ثديها ، وكعب القناة أنبوبها ، وأنبوب ما بين كل عقدتين
(6/96)



كعب ، وقد يستعمل في الشرف والمجد تشبيها ، ومنه الحديث : "والله لا يزال كعبك عاليا" وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو دواد عن النعمان بن بشير "والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم" ، قال : فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه ، وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه والعقب هو مؤخر الرجل تحت العرقوب ، والعرقوب هو مجمع مفصل الساق والقدم ، ومنه الحديث "ويل للعراقيب من النار" يعني إذا لم تغسل ؛ كما قال : "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار"
الخامسة عشرة- قال ابن وهب عن مالك : ليس على أحد تخليل أصابع رجليه في الوضوء ولا في الغسل ، ولا خير في الجفاء والغلو ؛ قال ابن وهب : تخليل أصابع الرجلين مرغب فيه ولا بد من ذلك في أصابع اليدين ؛ وقال ابن القاسم عن مالك : من لم يخلل أصابع رجليه فلا شيء عليه. وقال محمد بن خالد عن ابن القاسم عن مالك نيمن توضأ على نهر فحرك رجليه : إنه لا يجزئه حتى يغسلهما بيديه ؛ قال ابن القاسم : وإن قدر على غسل إحداهما بالأخرى أجزأه.
قلت : الصحيح أنه لا يجزئه فيهما إلا غسل ما بينهما كسائر الرجل إذ ذلك من الرجل ، كما أن ما بين أصابع اليد من اليد ، ولا اعتبار بانفراج أصابع اليدين وانضمام أصابع الرجلين ، فإن الإنسان مأمور بغسل الرجل جميعها كما هو مأمور بغسل اليد جميعها. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره ، مع ما ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يغسل رجليه ؛ وهذا يقتضي العموم. وقد كان مالك رحمه الله في آخر عمره يدلك أصابع رجليه بخنصره أو ببعض أصابعه لحديث حدثه به ابن وهب عن ابن لهيعة والليث بن سعد عن يزيد بن عمرو الغفاري عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فيخلل بخنصره ما بين أصابع رجليه ؛ قال ابن وهب ، فقال لي مالك : إن هذا لحسن ، وما سمعته قط إلا الساعة ؛ قال ابن وهب : وسمعته سئل
(6/97)



بعد ذلك عن تخليل الأصابع في الوضوء فأمر به. وقد روى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "خللوا بين الأصابع لا تخللها النار" وهذا نص في الوعيد على ترك التخليل ؛ فثبت ما قلناه. والله الموفق.
السادسة عشرة- ألفاظ الآية تقتضي الموالاة بين الأعضاء ، وهي إتباع المتوضئ الفعل الفعل إلى آخره من غير تراخ بين أبعاضه ، ولا فصل بفعل ليس منه ؛ واختلف العلماء في ذلك ؛ فقال ابن أبي سلمة وابن وهب : ذلك من فروض الوضوء في الذكر والنسيان ، فمن فرق بين أعضاء وضوئه متعمدا أو ناسيا لم يجزه. وقال ابن عبدالحكم : يجزئه ناسيا ومتعمدا. وقال مالك في "المدونة" وكتاب محمد : إن الموالاة ساقطة ؛ وبه قال الشافعي. وقال مالك وابن القاسم : إن فرقه متعمدا لم يجزه ويجزئه ناسيا ؛ وقال مالك في رواية ابن حبيب : يجزئه في المغسول ولا يجزئه في الممسوح ؛ فهذه خمسة أقوال ابتنيت على أصلين : الأول : أن الله سبحانه وتعالى أمر أمرا مطلقا فوال أو فرق ، وإنما المقصود وجود الغسل في جميع الأعضاء عند القيام إلى الصلاة. والثاني : أنها عبادات ذات أركان مختلفة فوجب فيها التوالي كالصلاة ؛ وهذا أصح. والله أعلم.
السابعة عشرة- وتتضمن ألفاظ الآية أيضا الترتيب وقد اختلف فيه ؛ فقال الأبهري : الترتيب سنة ، وظاهر المذهب أن التنكيس للناسي يجزئ ، واختلف في العامد فقيل : يجزئ ويرتب في المستقبل. وقال أبو بكر القاضي وغيره : لا يجزئ لأنه عابت ، وإلى هذا ذهب الشافعي وسائر أصحابه ، وبه يقول أحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام وإسحاق وأبو ثور ، وإليه ذهب أبو مصعب صاحب مالك وذكره في مختصره ، وحكاه عن أهل المدينة ومالك معهم في أن من قدم في الوضوء يديه على وجهه ، ولم يتوضأ على ترتيب الآية فعليه الإعادة لما صلى بذلك الوضوء. وذهب مالك في أكثر الروايات عنه وأشهرها أن {الواو} لا توجب التعقيب ولا تعطى رتبة ، وبذلك قال أصحابه وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والليث بن سعد والمزني وداود بن علي ؛ قال الكيا الطبري ظاهر قوله تعالى : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } يقتضي الإجزاء فرق أو جمع أو والى على ما هو الصحيح من مذهب الشافعي ،
(6/98)



وهو مذهب الأكثرين من العلماء. قال أبو عمر : إلا أن مالكا يستحب له استئناف الوضوء على النسق لما يستقبل من الصلاة ، ولا يرى ذلك واجبا عليه ؛ هذا تحصيل مذهبه. وقد روي علي بن زياد عن مالك قال : من غسل ذراعيه ثم وجهه ثم ذكر مكانه أعاد غسل ذراعيه ، وإن لم يذكر حتى صلى أعاد الوضوء والصلاة ؛ قال علي ثم قال بعد ذلك : لا يعيد الصلاة ويعيد الوضوء لما يستأنف. وسبب الخلاف ما قال بعضهم : إن "الفاء" توجب التعقيب في قوله : { فَاغْسِلُوا } فإنها لما كانت جوابا للشرط ربطت المشروط به ، فاقتضت الترتيب في الجميع ؛ وأجيب بأنه إنما اقتضت البداءة في الوجه إذ هو جزاء الشرط وجوابه ، وإنما كنت تقتضي الترتيب في الجميع لو كان جواب الشرط معنى واحدا ، فإذا كنت جملا كلها جوابا لم تبال بأيه بدأت ، إذ المطلوب تحصيلها. قيل : إن الترتيب إنما جاء من قبل الواو ؛ وليس كذلك لأنك تقول : تقاتل زيد وعمرو ، وتخاصم بكر وخالد ، فدخولها في باب المفاعلة يخرجها عن الترتيب. والصحيح أن يقال : إن الترتيب متلقي من وجوه أربعة : الأول : أن يبدأ بما بدأ الله به كم قال عليه الصلاة والسلام حين حج : "نبدأ بما بدأ الله به" الثاني : من إجماع السلف فإنهم كانوا يرتبون. الثالث : من تشبيه الوضوء بالصلاة. الرابع : من مواظبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك. احتج من أجاز ذلك بالإجماع على أن لا ترتيب في غسل أعضاء الجنابة ، فكذلك غسل أعضاء الوضوء ؛ لأن المعنى في ذلك الغسل لا التبدية. وروي عن علي أنه قال : ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت. وعن عبدالله بن مسعود قال : لا بأس أن تبدأ برجليك قبل يديك ؛ قال الدارقطني : هذا مرسل ولا يثبت ، والأولى وجوب الترتيب. والله أعلم
الثامنة عشرة- إذا كان في الاشتغال بالوضوء فوات الوقت لم يتيمم عند أكثر العلماء ، ومالك يجوز التيمم في مثل ذلك ؛ لأن التيمم إنما جاء في الأصل لحفظ وقت الصلاة ، ولولا ذلك لوجب تأخير الصلاة إلى حين وجود الماء. احتج الجمهور بقوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } وهذا واجد ، فقد عدم شرط صحة التيمم فلا يتيمم.
(6/99)



التاسعة عشرة- وقد استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن إزالة النجاسة ليست بواجبة ؛ لأنه قال : { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ } ولم يذكر الاستنجاء وذكر الوضوء ، فلو كانت إزالتها واجبة لكانت أول مبدوء به ؛ وهو قول أصحاب أبي حنيفة ، وهي رواية أشهب عن مالك. وقال ابن وهب عن مالك : إزالتها واجبة في الذكر والنسيان ؛ وهو قول الشافعي. وقال ابن القاسم : تجب إزالتها مع الذكر ، وتسقط مع النسيان. وقال أبو حنيفة : تجب إزالة النجاسة إذا زادت على قدر الدرهم البغلي - يريد الكبير الذي هو على هيئة المثقال - قياسا على فم المخرج المعتاد الذي عفي عنه. والصحيح رواية ابن وهب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صاحبي القبرين : "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله" ولا يعذب إلا على ترك الواجب ؛ ولا حجة في ظاهر القرآن ؛ لأن الله سبحانه وتعالى إنما بين من آية الوضوء صفة الوضوء خاصة ، ولم يتعرض لإزالة النجاسة ولا غيرها.
الموفية عشرين- ودلت الآية أيضا على المسح على الخفين كما بينا ، ولمالك في ذلك ثلاث روايات : الإنكار مطلقا كما يقول الخوارج ، وهذه الرواية منكرة وليست بصحيحة. وقد تقدم. الثانية : يمسح في السفر دون الحضر ؛ لأن أكثر الأحاديث بالمسح إنما هي في السفر ؛ وحديث السباطة يدل على جواز المسح في الحضر ، أخرجه مسلم من حديث حذيفة قال : فلقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى ؛ فأتى سباطة قوم خلف حائط ، فقام كما يقوم أحدكم فبال فانتبذت منه ، فأشار إلى فجئت فقمت عند عقبه حتى فرغ - زاد في رواية - فتوضأ ومسح على خفيه. ومثله حديث شريح بن هانئ قال : أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت : عليك بابن أبي طالب فسله ؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فسألناه فقال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة ؛ - وهي الرواية الثالثة - يمسح حضرا وسفرا ؛ وقد تقدم ذكرها.
(6/100)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سميه قطبي سالم محمد
دويمابي برتبة نقيب
دويمابي برتبة نقيب
سميه قطبي سالم محمد


عدد الرسائل : 508

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد    كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 4 مايو - 20:37

اتمنى ان تقرا هذه الصفحة من قبل بعض النساء فى السودان الاتى يدعين التفقه................................شكرا كثيرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: