منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 2 فبراير - 15:41



________________________________________
قوله تعالى : {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} يعني القرآن. {الْحَقِّ} أي بالصدق وقيل : بالحجة الغالبة. والقرآن نزل نجوما : شيئا بعد شيء ؛ فلذلك قال "نَزّلَ" والتنزيل مرة بعد مرة. والتوراة والإنجيل نزلا دفعة واحدة فلذلك قال "أنزل" والباء في قوله "بالحق" في موضع الحال من الكتاب والباء متعلقة بمحذوف التقدير آتيا بالحق ولا تتعلق بـ "نَزَّلَ" لأنه قد تعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر ، ولا يتعدى إلى ثالث. و"مصدقا" حال مؤكدة غير منتقلة ؛ لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق ، أي غير موافق ؛ هذا قول الجمهور. وقدر فيه بعضهم الانتقال ، على معنى أنه مصدق لنفسه ومصدق لغيره.
قوله تعالى : {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} يعني من الكتب المنزلة ، "وأنزل التوراة والإنجيل" والتوراة معناها الضياء والنور مشتقة من ورى الزَّنْد ووَرِيَ لغتان إذا خرجت ناره. وأصلها تَوْرَيَة على وزن تفعلة ، التاء زائدة ، وتحركت الياء وقبلها فتحة فقلبت ألفا. ويجوز أن تكون تَفْعِلة فتنقل الراء من الكسر إلى الفتح كما قالوا في جارية وفي ناصية ناصاة كلاهما عن الفراء. وقال الخليل : أصلها فَوْعَلة فالأصل وَوْرَيَة قلبت الواو الأولى تاء كما قلبت في تَوْلَج ، والأصل وَوْلج فوعل من وَلَجَت وقلبت الياء ألفا لحركتها وانفتاح ما قبلها. وبناء فَوْعَلة أكثر من تَفْعَلَة. وقيل : التوراة مأخوذة من التورية ، وهي التعريض بالشيء والكتمان لغيره ؛ فكأن أكثر التوراة معاريض وتلويحات من غير تصريح وإيضاح ، هذا قول المؤرج. والجمهور على القول الأول لقوله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء : 48] يعني التوراة. والإنجيل إفعيل من النَّجْل وهو الأصل ، ويجمع على أناجيل وتوراة على تَوَار ؛ فالإنجيل أصل لعلوم وحكم. ويقال : لعن الله ناجليه ، يعني والديه ، إذ كانا أصله. وقيل : هو من نجلت الشيء إذا استخرجته ؛ فالإنجيل مستخرج به علوم وحكم ؛ ومنه سمي الولد والنسل نجلا لخروجه ؛ كما قال :
إلى معشر لم يورث اللؤم جدهم ... أصاغرهم وكل فحل لهم نجل
(4/5)
________________________________________
والنجل الماء الذي يخرج من النز. واستنجلت الأرض ، وبها نجال إذا خرج منها الماء ، فسمي الإنجيل به ؛ لأن الله تعالى أخرج به دارسا من الحق عافيا. وقيل : هو من النجل في العين "بالتحريك" وهو سعتها ؛ وطعنة نجلاء ، أي واسعة ؛ قال :
ربما ضربة بسيف صقيل ... بين بصرى وطعنة نجلاء
فسمي الإنجيل بذلك ؛ لأنه أصل أخرجه لهم ووسعه عليهم ونورا وضياء. وقيل : التناجل التنازع ؛ وسمي إنجيلا لتنازع الناس فيه. وحكى شمر عن بعضهم : الإنجيل كل كتاب مكتوب وافر السطور. وقيل : نَجَل عمل وصنع ؛ قال :
وأنجل في ذاك الصنيع كما نجل
أي أعمل وأصنع. وقيل : التوراة والإنجيل من اللغة السريانية. وقيل : الإنجيل بالسريانية إنكليون ؛ حكاه الثعلبي. قال الجوهري : الإنجيل كتاب عيسى عليه السلام يذكر ويؤنث ؛ فمن أنث أراد الصحيفة ، ومن ذكر أراد الكتاب. قال غيره : وقد يسمى القرآن إنجيلا أيضا ؛ كما روي في قصة مناجاة موسى عليه السلام أنه قال : "يا رب أرى في الألواح أقواما أناجيلهم في صدورهم فاجعلهم أمتي". فقال الله تعالى له : "تلك أمة أحمد" صلى الله عليه وسلم ، وإنما أراد بالأناجيل القرآن. وقرأ الحسن : "والأنجيل" بفتح الهمزة ، والباقون بالكسر مثل الإكليل ، لغتان. ويحتمل أن سمع أن يكون مما عربته العرب من الأسماء الأعجمية ، ولا مثال له في كلامها.
قوله تعالى : {مِنْ قَبْلُ} يعني القرآن {هُدىً لِلنَّاسِ} قال ابن فورك : التقدير هدى للناس المتقين ؛ دليله في البقرة {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة : 2] فرد هذا العام إلى ذلك الخاص. و {هُدىً} في موضع نصب على الحال. و {الْفُرْقَانَ} القرآن. وقد تقدم.
(4/6)
________________________________________
الآية : 5 {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ}
هذا خبر عن علمه تعالى بالأشياء على التفصيل ؛ ومثله في القرآن كثير. فهو العالم بما كان وما يكون وما لا يكون ؛ فكيف يكون عيسى إلها أو بن إله وهو تخفى عليه الأشياء.
الآية : 6 {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
فيه مسالتان :
الاولى : قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ} أخبر تعالى عن تصويره للبشر في أرحام الأمهات وأصل الرحِم من الرحمة ، لأنها مما يتراحم به. واشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله ؛ فالصورة مائلة إلى شَبَه وهيئة. وهذه الآية تعظيم لله تعالى ، وفي ضمنها الرد على نصارى نجران ، وأن عيسى من المصَوَّرين ، وذلك مما لا ينكره عاقل. وأشار تعالى إلى شرح التصوير في سورة "الحج" و"المؤمنون". وكذلك شرحه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود ، على ما يأتي هناك بيانه إن شاء الله تعالى وفيها الرد على الطبائعيين أيضا إذ يجعلونها فاعلة مستبدة. وقد مضى الرد عليهم في آية التوحيد وفي مسند ابن سنجر - واسمه محمد بن سَنْجر - حديث "إن الله تعالى يخلق عظام الجنين وغضاريفه من مني الرجل وشحمه ولحمه من مني المرأة". وفي هذا أدل دليل على أن الولد يكون من ماء الرجل والمرأة ، وهو صريح في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} [الحجرات : 13] وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان وفيه : أن اليهودي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان. قال : "ينفعك إن حدثتك" ؟ .
(4/7)
________________________________________
قال : أسمع بأذني ، قال : جئتك أسألك عن الولد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذْكَرا بإذن الله تعالى وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله..." الحديث. وسيأتي بيانه آخر "الشورى" إن شاء الله تعالى.
الثانية : قوله تعالى : {كَيْفَ يَشَاءُ} يعني من حسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر وسلامة وعاهة ، إلى غير ذلك من الشقاء والسعادة. وذكر عن إبراهيم بن أدهم أن القراء اجتمعوا إليه ليسمعوا ما عنده من الأحاديث ، فقال لهم : إني مشغول عنكم بأربعة أشياء ، فلا أتفرغ لرواية الحديث. فقيل له : وما ذاك الشغل ؟ قال : أحدها أني أتفكر في يوم الميثاق حيث قال : "هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي" فلا أدري من أي الفريقين كنت في ذلك الوقت. والثاني حيث صورت في الرحم فقال الملك الذي هو موكل على الأرحام : "يا رب شقي هو أم سعيد" فلا أدري كيف كان الجواب في ذلك الوقت والثالث حين يقبض ملك الموت روحي فيقول : "يا رب مع الكفر أم مع الإيمان" فلا أدري كيف يخرج الجواب. والرابع حيث يقول : {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس : 59] فلا أدري في أي الفريقين أكون. ثم قال تعالى : {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} أي لا خالق ولا مصور سواه وذلك دليل على وحدانيته ، فكيف يكون عيسى إلها مصورا وهو مصور. {الْعَزِيزُ} لذي لا يغالب. {الْحَكِيمُ} و الحكمة أو المحكم ، وهذا أخص بما ذكر من التصوير.
الآية : 7 {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ}
(4/Cool
________________________________________
فيه تسع مسائل :
الأولى : عن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ} قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم" . وعن أبي غالب قال : كنت أمشي مع أبي أمامة وهو على حمار له ، حتى إذا انتهى إلى درج مسجد دمشق فإذا رؤوس منصوبة ؛ فقال : ما هذه الرؤوس ؟ قيل : هذه رؤوس خوارج يجاء بهم من العراق فقال أبو أمامة : كلاب النار كلاب النار كلاب النار شر قتلى تحت ظل السماء ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه - يقولها ثلاثا - ثم بكى فقلت : ما يبكيك يا أبا أمامة ؟ قال : رحمة لهم ، "إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا منه ؛ ثم قرأ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} إلى آخر الآيات. ثم قرأ {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران : 105]. فقلت : يا أبا أمامة ، هم هؤلاء ؟ قال نعم. قلت : أشيء تقوله برأيك أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : إني إذا لجريء إني إذا لجريء! بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس ولا ست ولا سبع ، ووضع أصبعيه في أذنيه ، قال : وإلا فصُمَّتا - قالها ثلاثا -" ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة واحدة في الجنة وسائرهم في النار ولتزيدن عليهم هذه الأمة واحدةً واحدةٌ في الجنة وسائرهم في النار" .
الثانية : اختلف العلماء في المحكمات والمتشابهات على أقوال عديدة ؛ فقال جابر بن عبدالله ، وهو مقتضى قول الشعبي وسفيان الثوري وغيرهما : "المحكمات من أي القرآن ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله تعالى بعلمه
(4/9)
________________________________________
دون خلقه ، قال بعضهم : وذلك مثل وقت قيام الساعة ، وخروج يأجوج ومأجوج والدجال وعيسى ، ونحو الحروف المقطعة في أوائل السور".
قلت : هذا أحسن ما قيل في المتشابه. وقد قدمنا في أوائل سورة البقرة عن الربيع بن خيثم "أن الله تعالى أنزل هذا القرآن فاستأثر منه بعلم ما شاء..." الحديث. وقال أبو عثمان : المحكم فاتحة الكتاب التي لا تجزئ الصلاة إلا بها. وقال محمد بن الفضل : سورة الإخلاص ، لأنه ليس فيها إلا التوحيد فقط. وقد قيل : القرآن كله محكم : لقوله تعالى : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود : 1]. وقيل : كله متشابه ؛ لقوله : {كِتَاباً مُتَشَابِهاً} [الزمر : 23].
قلت : وليس هذا من معنى الآية في شيء ؛ فإن قوله تعالى : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} أي في النظم والرصف وأنه حق من عند الله. ومعنى {كِتَاباً مُتَشَابِهاً} ، أي يشبه بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً. وليس المراد بقوله : {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} هذا المعنى ؛ وإنما المتشابه في هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه ، من قوله : {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة : 70] أي التبس علينا ، أي يحتمل أنواعاً كثيرة من البقر. والمراد بالمحكم ما في مقابلة هذا ، وهو ما لا التباس فيه ولا يحتمل إلا وجهاً واحداً. وقيل : إن المتشابه ما يحتمل وجوها ، ثم إذا ردت الوجوه إلى وجه واحد وأبطل الباقي صار المتشابه محكما. فالمحكم أبدا أصل ترد إليه الفروع ؛ والمتشابه هو الفرع. وقال ابن عباس : المحكمات هو قوله في سورة الأنعام {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام : 151] إلى ثلاث آيات ، وقوله في بني إسرائيل : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء 23] قال ابن عطية : وهذا عندي مثال أعطاه في المحكمات. وقال ابن عباس أيضا : "المحكمات ناسخه وحرامه وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به ، والمتشابهات المنسوخات ومقدمه ومؤخره وأمثاله وأقسامه وما يؤمن به ولا يعمل به" وقال ابن مسعود وغيره : "المحكمات الناسخات ، والمتشابهات المنسوخات" وقاله قتادة والربيع والضحاك. وقال محمد بن جعفر بن الزبير : المحكمات هي التي فيها حجة الرب
(4/10)
________________________________________
وعصمة العباد ودفع الخصوم والباطل ، ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه. والمتشابهات لهن تصريف وتحريف وتأويل ، ابتلى الله فيهن العباد ؛ وقاله مجاهد وابن إسحاق. قال ابن عطية : وهذا أحسن الأقوال في هذه الآية. قال النحاس : أحسن ما قيل في المحكمات ، والمتشابهات أن المحكمات ما كان قائما بنفسه لا يحتاج أن يرجع فيه إلى غيره ؛ نحو {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص : 4] {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه : 82]. والمتشابهات نحو "إن الله يغفر الذنوب جميعا" [الزمر : 53] يرجع فيه إلى قوله جل وعلا : "وإني لغفار لمن تاب" [طه : 82] وإلى قوله عز وجل : "إن الله لا يغفر أن يشرك به" [النساء : 48].
قلت : ما قاله النحاس يبين ما اختاره ابن عطية ، وهو الجاري على وضع اللسان ؛ وذلك أن المحكَم اسم مفعول من أحْكِم ، والإحكام الإتقان ؛ ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه ولا تردد ، إنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته وإتقان تركيبها ؛ ومتى اختل أحد الأمرين جاء التشابه والإشكال. والله أعلم. وقال ابن خويز منداد : للمتشابه وجوه ، والذي يتعلق به الحكم ما اختلف فيه العلماء أي الآيتين نسخت الأخرى ؛ كقول علي وابن عباس في الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد أقصى الأجلين. فكان عمر وزيد بن ثابت وابن مسعود وغيرهم يقولون وضع الحمل ويقولون : "سورة النساء القصرى نسخت أربعة أشهر وعشرا" وكان علي وابن عباس يقولان لم تنسخ. وكاختلافهم في الوصية للوارث هل نسخت أم لم تنسخ. وكتعارض الآيتين أيهما أولى أن تقدم إذا لم يعرف النسخ ولم توجد شرائطه ؛ كقوله تعالى : {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء : 24] يقتضي الجمع بين الأقارب من ملك اليمين ، وقوله تعالى : {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء : 23] يمنع ذلك. ومنه أيضا تعارض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعارض الأقيسة ، فذلك المتشابه. وليس من المتشابه أن تقرأ الآية بقراءتين ويكون الاسم محتملا أو مجملا يحتاج إلى تفسير لأن الواجب منه قدر ما يتناوله الاسم أو جميعه. والقراءتان كالآيتين يجب العمل بموجبهما جميعا ؛ كما قرئ :
(4/11)
________________________________________
{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة : 6] بالفتح والكسر ، على ما يأتي بيانه "في المائدة" إن شاء الله تعالى.
الثالثة : - روى البخاري عن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عباس : إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي. قال : ما هو ؟ قال : {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون : 101] وقال : {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات : 27] وقال : {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء : 42] وقال : {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام : 23] فقد كتموا في هذه الآية. وفي النازعات {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله "دحاها" [النازعات : 27 - 28 - 29 - 30] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض ، ثم قال : {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ .. إلى : طَائِعِينَ} [فصلت : 9 ، 0 1 ، 11] فذكر في هذا خلق الأرض قبل خلق السماء. وقال : {طَائِعِينَ} [النساء : 100] {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء : 158]. {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء : 134] فكأنه كان ثم مضى. فقال ابن عباس : {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} في النفخة الأولى ، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ؛ ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون. وأما قوله : {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، وقال المشركون : تعالوا نقول : لم نكن مشركين ؛ فختم الله على أفواههم فتنطق جوارحهم بأعمالهم ؛ فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا ، وعنده يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. وخلق الله الأرض في يومين ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات في يومين ، ثم دحا الأرض أي بسطها فأخرج منها الماء والمرعى ، وخلق فيها الجبال والأشجار والآكام وما بينها في يومين آخرين ؛ فذلك قوله : {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} . فخلقت الأرض وما فيها في أربعة أيام ، وخلقت السماء في يومين. وقوله : {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} يعني نفسه
(4/12)
________________________________________
ذلك ، أي لم يزل ولا يزال كذلك ؛ فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد. ويحك فلا يختلف عليك القرآن ؛ فإن كلا من عند الله".
الرابعة : -قوله تعالى : {وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} لم تصرف {أُخَرُ} لأنها عدلت عن الألف واللام ؛ لأن أصلها أن تكون صفة بالألف واللام كالكبر والصغر ؛ فلما عدلت عن مجرى الألف واللام منعت الصرف. أبو عبيد : لم يصرفوها لأن واحدها لا ينصرف في معرفة ولا نكرة. وأنكر ذلك المبرد وقال : يجب على هذا ألا ينصرف غضاب وعطاش. الكسائي : لم تنصرف لأنها صفة. وأنكره المبرد أيضا وقال : إن لبداً وحطماً صفتان وهما منصرفان. سيبويه : لا يجوز أن تكون أخر معدولة عن الألف واللام ؛ لأنها لو كانت معدولة عن الألف واللام لكان معرفة ، ألا ترى أن سَحَرَ معرفة في جميع الأقاويل لما كانت معدولة عن السحر ، وأمْسِ في قول من قال : ذهب أمس معدولا عن الأمس ؛ فلو كان أخر معدولا أيضا عن الألف واللام لكان معرفة ، وقد وصفه الله تعالى بالنكرة.
الخامسة : -قوله تعالى : {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} الذين رفع بالابتداء ، والخبر "فيتبعون ما تشابه منه". والزيغ الميل ؛ ومنه زاغت الشمس ، وزاغت الأبصار. ويقال : زاغ يزيغ زيغا إذا ترك القصد ؛ ومنه قوله تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف : 5]. وهذه الآية تعم كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل وصاحب بدعة ، وإن كانت الإشارة بها في ذلك الوقت إلى نصارى نجران. وقال قتادة في تفسير قوله تعالى : {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} : إن لم يكونوا الحرورية وأنواع الخوارج فلا أدري من هم.
قلت : قد مر هذا التفسير عن أبي أمامة مرفوعا ، وحسبك.
السادسة : -قوله تعالى : {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} قال شيخنا أبو العباس رحمة الله عليه : متبعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه طلبا للتشكيك
(4/13)
________________________________________
في القرآن وإضلال العوام ، كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرآن ؛ أو طلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه ، كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما في الكتاب والسنة مما ظاهره الجسمية حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم وصورة مصورة ذات وجه وعين ويد وجنب ورجل وأصبع ، تعالى الله عن ذلك ؛ أو يتبعوه على جهة إبداء تأويلاتها وإيضاح معانيها ، أو كما فعل صبيغ حين أكثر على عمر فيه السؤال.
فهذه أربعة أقسام :
الأول : - لا شك في كفرهم ، وإن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة.
الثاني الصحيح القول بتكفيرهم ، إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور ، ويستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بمن ارتد.
الثالث : - اختلفوا في جواز ذلك بناء على الخلاف في جواز تأويلها. وقد عرف أن مذهب السلف ترك التعرض لتأويلها مع قطعهم باستحالة ظواهرها ، فيقولون أمروها كما جاءت. وذهب بعضهم إلى إبداء تأويلاتها وحملها على ما يصح حمله في اللسان عليها من غير قطع بتعيين مجمل منها.
الرابع : - الحكم فيه الأدب البليغ ، كما فعله عمر بصبيغ. وقال أبو بكر الأنباري : وقد كان الأئمة من السلف يعاقبون من يسأل عن تفسير الحروف المشكلات في القرآن ، لأن السائل إن كان يبغي بسؤاله تخليد البدعة وإثارة الفتنة فهو حقيق بالنكير وأعظم التعزير ، وإن لم يكن ذلك مقصده فقد استحق العتب بما اجترم من الذنب ، إذ أوجد للمنافقين الملحدين في ذلك الوقت سبيلا إلى أن يقصدوا ضعفة المسلمين بالتشكيك والتضليل في تحريف القرآن عن مناهج التنزيل وحقائق التأويل. فمن ذلك ما حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي أنبأنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن يزيد بن حازم عن سليمان بن يسار أن صبيغ بن عِسل
(4/14)
________________________________________
قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء ؛ فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل. فلما حضر قال له عمر : من أنت ؟ قال : أنا عبدالله صبيغ. فقال عمر رضي الله عنه : وأنا عبدالله عمر ؛ ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه ، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه ، فقال : حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب ما كنت أجد في رأسي. وقد اختلفت الروايات في أدبه ، وسيأتي ذكرها في "الذاريات". ثم إن الله تعالى ألهمه التوبة وقذفها في قلبه فتاب وحسنت توبته. ومعنى {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} طلب الشبهات واللبس على المؤمنين حتى يفسدوا ذات بينهم ، ويردوا الناس إلى زيغهم. وقال أبو إسحاق الزجاج : معنى {ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} أنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم ، فأعلم الله جل وعز أن تأويل ذلك ووقته لا يعلمه إلا الله. قال : والدليل على ذلك قوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} أي يوم يرون ما يوعدون من البعث والنشور والعذاب "يقول الذين نسوه من قبل" أي تركوه - "قد جاءت رسل ربنا بالحق" [الأعراف : 53] أي قد رأينا تأويل ما أنبأتنا به الرسل قال : فالوقف على قوله تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} أي لا يعلم أحد متى البعث إلا الله.
السابعة : -قوله تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} يقال : إن جماعة من اليهود منهم حيي بن أحطب دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : بلغنا أنه نزل عليك "آلم" فإن كنت صادقا في مقالتك فإن ملك أمتك يكون إحدى وسبعين سنة ؛ لأن الألف في حساب الجمل واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فنزل {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} . والتأويل يكون بمعنى التفسير ، كقولك : تأويل هذه الكلمة على كذا. ويكون بمعنى ما يؤول الأمر إليه. واشتقاقه من آل الأمر إلى كذا يؤول إليه ، أي صار. وأولته تأويلا أي صيرته. وقد حده بعض الفقهاء فقالوا : هو إبداء احتمال في اللفظ مقصود بدليل خارج عنه. فالتفسير بيان اللفظ ؛ كقوله {لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة : 2] أي لا شك. وأصله من الفسر وهو البيان ؛ يقال : فسرت
(4/15)
________________________________________
الشيء "مخففا" أفسره "بالكسر" فسرا. والتأويل بيان المعنى ؛ كقوله لا شك فيه عند المؤمنين أو لأنه حق في نفسه فلا يقبل ذاته الشك وإنما الشك وصف الشاك. وكقول ابن عباس في الجد أبا ، لأنه تأول قول الله عز وجل : {يَا بَنِي آدَمَ} .
الثامنة : -قوله تعالى : {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} اختلف العلماء في {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} هل هو ابتداء كلام مقطوع مما قبله ، أو هو معطوف على ما قبله فتكون الواو للجمع. فالذي عليه الأكثر أنه مقطوع مما قبله ، وأن الكلام تم عند قوله "إلا الله" هذا قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم ، وهو مذ هب الكسائي والأخفش والفراء وأبي عبيد وغيرهم. قال أبو نهيك الأسدي : إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة. وما انتهى علم الراسخين إلا إلى قولهم {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} . وقال مثل هذا عمر بن عبدالعزيز ، وحكى الطبري نحوه عن يونس عن أشهب عن مالك بن أنس. و"يقولون" على هذا خبر "الراسخون". قال الخطابي : وقد جعل الله تعالى آيات كتابه الذي أمرنا بالإيمان به والتصديق بما فيه قسمين : محكما ومتشابها ؛ فقال عز من قائل : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... إلى قوله : كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} فأعلم أن المتشابه من الكتاب قد استأثر الله بعلمه ، فلا يعلم تأويله أحد غيره ، ثم أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم بأنهم يقولون آمنا به. ولولا صحة الإيمان منهم لم يستحقوا الثناء عليه. ومذهب أكثر العلماء أن الوقف التام في هذه الآية إنما هو عند قوله تعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} وأن ما بعده استئناف كلام آخر ، وهو قوله {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} . وروي ذلك عن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وعائشة. وإنما روي عن مجاهد أنه نسق "الراسخون" على ما قبله وزعم أنهم يعلمونه. واحتج له بعض أهل اللغة فقال : معناه والراسخون في العلم يعلمونه قائلين آمنا ؛ وزعم أن موضع "يقولون" نصب على الحال. وعامة أهل اللغة ينكرونه ويستبعدونه ؛ لأن العرب لا تضمر الفعل والمفعول معا ، ولا تذكر حالا إلا مع ظهور الفعل ؛ فإذا لم يظهر فعل فلا يكون حال ؛ ولو جاز ذلك لجاز
(4/16)
________________________________________
أن يقال : عبدالله راكبا ، بمعنى أقبل عبدالله راكبا ؛ وإنما يجوز ذلك مع ذكر الفعل كقوله : عبدالله يتكلم يصلح بين الناس ؛ فكان "يصلح" حالا له ؛ كقول الشاعر - أنشدنيه أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس ثعلب - :
أرسلت فيها قطما لكالكا ... يقصر يمشي ويطول باركا
أي يقصر ماشيا ؛ فكان قول عامة العلماء مع مساعدة مذاهب النحويين له أولى من قول مجاهد وحده ، وأيضا فإنه لا يجوز أن ينفي الله سبحانه شيئا عن الخلق ويثبته لنفسه ثم يكون له في ذلك شريك. ألا ترى قوله عز وجل : {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [النمل : 65] وقوله : {لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف : 187] وقوله : {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص : 88] ، فكان هذا كله مما استأثر الله سبحانه بعلمه لا يشركه فيه غيره. وكذلك قوله تبارك وتعالى : {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} . ولو كانت الواو في قوله : "والراسخون" للنسق لم يكن لقوله : {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} فائدة. والله أعلم.
قلت : ما حكاه الخطابي من أنه لم يقل بقول مجاهد غيره فقد روي عن ابن عباس أن الراسخين معطوف على اسم الله عز وجل ، وأنهم داخلون في علم المتشابه ، وأنهم مع علمهم به يقولون آمنا به ؛ وقاله الربيع ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم. و"يقولون" على هذا التأويل نصب على الحال من الراسخين ؛ كما قال :
الريح تبكي شجوها ... والبرق يلمع في الغمامه
وهذا البيت يحتمل المعنيين ؛ فيجوز أن يكون "والبرق" مبتدأ ، والخبر "يلمع" على التأويل الأول ، فيكون مقطوعا مما قبله. ويجوز أن يكون معطوفا على الريح ، و"يلمع" في موضع الحال على التأويل الثاني أي لامعا. واحتج قائلو هذه المقالة أيضا بأن الله سبحانه مدحهم
(4/17)
________________________________________
بالرسوخ في العلم ؛ فكيف يمدحهم وهم جهال وقد قال ابن عباس : "أنا ممن يعلم تأويله" وقرأ مجاهد هذه الآية وقال : أنا ممن يعلم تأويله ؛ حكاه عنه إمام الحرمين أبو المعالي.
قلت : وقد رد بعض العلماء هذا القول إلى القول الأول فقال : وتقدير تمام الكلام "عند الله" أن معناه وما يعلم تأويله إلا الله يعني تأويل المتشابهات ، والراسخون في العلم يعلمون بعضه قائلين آمنا به كل من عند ربنا بما نصب من الدلائل في المحكم ومكن من رده إليه. فإذا علموا تأويل بعضه ولم يعلموا البعض قالوا آمنا بالجميع كل من عند ربنا ، وما لم يحط به علمنا من الخفايا مما في شرعه الصالح فعلمه عند ربنا فإن قال قائل : قد أشكل على الراسخين بعض تفسيره حتى قال ابن عباس : "لا أدري ما الأواه ولا ما غسلين" قيل له : هذا لا يلزم ؛ لأن ابن عباس قد علم بعد ذلك ففسر ما وقف عليه. وجواب أقطع من هذا وهو أنه سبحانه لم يقل وكل راسخ فيجب هذا فإذا لم يعلمه أحد علمه الآخر. ورجح ابن فورك أن الراسخين يعلمون التأويل وأطنب في ذلك ؛ وفي قوله عليه السلام لابن عباس : "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" ما يبين لك ذلك ، أي علمه معاني كتابك. والوقف على هذا يكون عند قوله {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} . قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر : وهو الصحيح ؛ فإن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب. وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع!. لكن المتشابه يتنوع ، فمنه ما لا يعلم البتة كأمر الروح والساعة مما استأثر الله بغيبه ، وهذا لا يتعاطى علمه أحد لا ابن عباس ولا غيره. فمن قال من العلماء الحداق بأن الراسخين لا يعلمون علم المتشابه فإنما أراد هذا النوع ، وأما ما يمكن حمله على وجوه في اللغة ومناح في كلام العرب فيتأول ويعلم تأويله المستقيم ، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق من تأويل غير مستقيم ؛ كقوله في عيسى : {وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء : 171] إلى غير ذلك. فلا يسمى أحد راسخا إلا أن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له. وأما من يقول : إن المتشابه هو المنسوخ فيستقيم على قوله إدخال الراسخين في علم التأويل ؛ لكن تخصيصه المتشابهات بهذا النوع غير صحيح.
(4/18)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: