منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر I_icon_minitimeالإثنين 18 يونيو - 17:35

تفسير سورة غافر
وهي سورة المؤمن ، وتسمي سورة الطول، وهي مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر. وعن الحسن إلا قوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } لأن الصلوات نزلت بالمدينة. وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ } والتي بعدها وهي خمس وثمانون آية. وقيل اثنتان وثمانون آية.
وفي مسند الدارمي قال : حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال : كن الحواميم يسمين العرائس. وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "الحواميم ديباج القرآن" وروي عن ابن مسعود مثله. وقال الجوهري وأبو عبيدة : وآل حم سور في القرآن. قال ابن مسعود : آل حم ديباج القرآن. قال الفراء : إنما هو كقولك آل فلان وآل فلان كأنه نسب السورة كلها إلى حم ؛ قال الكميت :
وجدنا لكم في آل حاميم آية ... تأولها منا تقي ومعزب
قال أبو عبيدة : هكذا رواها الأموي بالزاي ، وكان أبو عمرو يرويها بالراء. فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب. وقال أبو عبيدة : الحواميم سور في القرآن على غير قياس ؛ وأنشد قائلا :
وبالحواميم التي قد سبغت
قال : والأولى أن تجمع بذوات حم. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لكل شيء ثمرة وإن ثمرة القرآن ذوات حم هن روضات حسان مخصبات متجاورات فمن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم". وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "مثل الحواميم في القرآن كمثل الحبرات في الثياب" ذكرهما الثعلبي. وقال أبو عبيد : وحدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال : رأى رجل سبع جوار حسان مزينات في النوم فقال لمن أنتن بارك الله فيكن فقلن نحن لمن قرأنا نحن الحواميم.
(15/288)




بسم الله الرحمن الرحيم
الآية : [1] {حم}
الآية : [2] { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }
الآية : [3] { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
الآية : [4] { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ }
قوله تعالى : {حم} اختلف في معناه ؛ فقال عكرمة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " {حم} اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربك" قال ابن عباس : {حم} اسم الله الأعظم. وعنه : {الر} و{حم} و {ن} حروف الرحمن مقطعة. وعنه أيضا : اسم من أسماء الله تعالى أقسم به. وقال قتادة : إنه اسم من أسماء القرآن. مجاهد : فواتح السور. وقال عطاء الخراساني : الحاء افتتاح اسمه حميد وحنان وحليم وحكيم ، والميم افتتاح اسمه ملك ومجيد ومنان ومتكبر ومصور ؛ يدل عليه ما روى أنس أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما {حم} فإنا لا نعرفها في لساننا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بدء أسماء وفواتح سور" وقال الضحاك والكسائي : معناه قضي ما هو كائن. كأنه أراد الإشارة إلى تهجي {حم} ؛ لأنها تصير حم بضم الحاء وتشديد الميم ؛ أي قضي ووقع. وقال كعب بن مالك :
فلما تلاقيناهم ودارت بنا الرحى ... وليس لأمر حمه الله مدفع
وعنه أيضا : إن المعنى حم أمر الله أي قرب ؛ كما قال الشاعر :
قد حم يومي فسر قوم ... قوم بهم غفلة ونوم
ومنه سميت الحمى ؛ لأنها تقرب من المنية. والمعنى المراد قرب نصره لأوليائه ، وانتقامه من أعدائه كيوم بدر. وقيل : حروف هجاء ؛ قال الجرمي : ولهذا تقرأ ساكنة الحروف
(15/289)




فخرجت مخرج التهجي وإذا سميت سورة بشيء من هذه الحروف أعربت ؛ فتقول : قرأت {حم} فتنصب ؛ ومنه :
يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا ... تلا حاميم قبل التقدم
وقرأ عيسى بن عمر الثقفي : {حم} بفتح الميم على معنى اقرأ حم أو لالتقاء الساكنين. ابن أبي إسحاق وأبو السمال بكسرها. والإمالة والكسر للالتقاء الساكنين ، أو على وجه القسم. وقرأ أبو جعفر بقطع الحاء من الميم. الباقون بالوصل. وكذلك في {حم عسق} . وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان بالإمالة في الحاء. وروي عن أبي عمرو بين اللفظين وهي قراءة نافع وأبي جعفر وشيبة. الباقون بالفتح مشبعا.
قوله تعالى : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ } ابتداء والخبر { مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } . ويجوز أن يكون { تَنْزِيلُ } خبرا لمبتدأ محذوف ؛ أي هذا { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ }. ويجوز أن يكون { حم } مبتدأ و { تَنْزِيلُ } خبره والمعنى : أن القرآن أنزله الله وليس منقولا ولا مما يجوز أن يكذب به.
قوله تعالى : { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } قال الفراء : جعلها كالنعت للمعرفة وهي نكرة. وقال الزجاج : هي خفض على البدل. النحاس : وتحقيق الكلام في هذا وتلخيصه أن { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ } يجوز أن يكونا معرفتين على أنهما لما مضى فيكونا نعتين ، ويجوز أن يكونا للمستقبل والحال فيكونا نكرتين ولا يجوز أن يكونا نعتين على هذا ولكن يكون خفضهما على البدل ، ويجوز النصب على الحال ، فأما { شَدِيدِ الْعِقَابِ } فهو نكره ويكون خفضه على البدل. قال ابن عباس : { غَافِرِ الذَّنْبِ } لمن قال : { لا إِلَهَ إِلاَّ الله} { وَقَابِلِ التَّوْبِ } ممن قال : { لا إِلَهَ إِلاّ الله} { شَدِيدِ الْعِقَابِ} لمن لم يقل : { لا إِلَهَ إِلاَّ الله} وقال ثابت البناني : كنت إلى سرادق مصعب بن الزبير في مكان لا تمر فيه الدواب ، قال : فاستفتحت {حم. تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } فمر علي رجل على دابة فلما قلت { غَافِرِ الذَّنْبِ } قال : قل يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي ، فلما قلت : { قَابِلِ التَّوْبِ } قال :
(15/290)




قل يا قابل التوب تقبل توبتي ، فلما قلت : { شَدِيدِ الْعِقَابِ } قال : قل يا شديد العقاب اعف عني ، فلما قلت : { ذِي الطَّوْلِ } قال : قل يا ذا الطول طل علي بخير ؛ فقمت إليه فأخذ ببصري ، فالتفت يمينا وشمالا فلم أر شيئا. وقال أهل الإشارة : { غَافِرِ الذَّنْبِ } فضلا { وَقَابِلِ التَّوْبِ } وعدا { شَدِيدِ الْعِقَابِ } عدلا { لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } فردا. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام ؛ فقيل له : تتابع في هذا الشراب ؛ فقال عمر لكاتبه : اكتب من عمر إلى فلان ، سلام عليك ، وأنا أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } ثم ختم الكتاب وقال لرسوله : لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا ، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة ، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول : قد وعدني الله أن يغفر لي ، وحذرني عقابه ، فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته. فلما بلغ عمر أمره قال : هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدكم قد زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه ، ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه. و {التوب} يجوز أن يكون مصدر تاب يتوب توبا ، ويحتمل أن يكون جمع توبة نحو دومة ودوم وعزمة وعزم ؛ ومنه قوله :
فيخبو ساعة ويهب ساعا
ويجوز أن يكون التوب بمعنى التوبة. قال أبو العباس : والذي يسبق إلى قلبي أن يكون مصدرا ؛ أي يقبل هذا الفعل ، كما تقول قالا قولا ، وإذا كان جمعا فمعناه يقبل التوبات. { ذِي الطَّوْلِ } على البدل وعلى النعت ؛ لأنه معرفة. وأصل الطول الإنعام والفضل يقال منه : اللهم طل علينا أي انعم وتفضل. قال ابن عباس : { ذِي الطَّوْلِ } ذي النعم. وقال مجاهد : ذي الغنى والسعة ؛ ومنه قوله تعالى : { وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً } أي غنى وسعة. وعن ابن عباس أيضا : { ذِي الطَّوْلِ } ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله. وقال عكرمة :
(15/291)




{ ذِي الطَّوْلِ } ذي المن. قال الجوهري : والطول بالفتح المن ؛ يقال منه طال عليه وتطول عليه إذا امتن عليه. وقال محمد بن كعب : { ذِي الطَّوْلِ } ذي التفضل ؛ قال الماوردي : والفرق بين المن والتفضل أن المن عفو عن ذنب. والتفضل إحسان غير مستحق. والطول مأخوذ من الطول كأنه طال بإنعامه على غيره. وقيل : لأنه طالت مدة إنعامه. { إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } أي المرجع.
قوله تعالى : { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } سجل سبحانه على المجادلين في آيات الله بالكفر ، والمراد الجدال بالباطل ، من الطعن فيها ، والقصد إلى إدحاض الحق ، وإطفاء نور الله تعالى. وقد دل على ذلك في قوله تعالى : { وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } . فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها ، وحل مشكلها ، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ، ورد أهل الزيغ بها وعنها ، فأعظم جهاد في سبيل الله. وقد مضى هذا المعنى في {البقرة} عند قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } مستوفى. { فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ } { فَلا يَغْرُرْكَ } وقرئ : { فَلا يَغْرُرْكَ } { تَقَلُّبُهُمْ } أي تصرفهم { فِي الْبِلادِ } فإني إن أمهلتهم لا أهملهم بل أعاقبهم. قال ابن عباس : يريد تجارتهم من مكة إلى الشام وإلى اليمن. وقيل : { لا يَغْرُرْكَ } ما هم فيه من الخير والسعة في الرزق فإنه متاع قليل في الدنيا. وقال الزجاج : { لا يَغْرُرْكَ } سلامتهم بعد كفرهم فإن عاقبتهم الهلاك. وقال أبو العالية : آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن : قوله : { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } ، وقوله : { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } .
الآية : [5] { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }
(15/292)




الآية : [6] { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ }
الآية : [7] { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }
الآية : [8] { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
الآية : [9] { وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
قوله تعالى : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ } على تأنيث الجماعة أي كذبت الرسل. { وَالأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ } أي والأمم الذين تحزبوا عل أنبيائهم بالتكذيب نحو عاد وثمود فمن بعدهم. { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ } أي ليحبسوه ويعذبوه. وقال قتادة والسدي : ليقتلوه. والأخذ يرد بمعنى الإهلاك ؛ كقوله : { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } والعرب تسمي الأسير الأخيذ ؛ لأنه مأسور للقتل ؛ وأنشد قطرب قول الشاعر :
فإما تأخذوني تقتلوني ... فكم من آخذ يهوى خلودي
وفي وقت أخذهم لرسولهم قولان : أحدهما : عند دعائه لهم. الثاني عند نزول العذاب بهم. { وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } أي ليزيلوا. ومنه مكان دحض أي مزلقة ، والباطل داحض ؛ لأنه يزلق ويزل فلا يستقر. قال يحيى بن سلام : جادلوا الأنبياء بالشرك ليبطلوا به الإيمان. { فَأَخَذْتُهُمْ } أي بالعذاب. { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } أي عاقبة الأمم المكذبة. أي أليس وجدوه حقا.
قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ حَقَّتْ } أي وجبت ولزمت ؛ مأخوذ من الحق لأنه اللازم. { كَلِمَتُ رَبِّكَ } هذه قراءة العامة على التوحيد. وقرأ نافع وابن عامر : { كَلِمَاتُ } جمعا.
(15/293)




{ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ } قال الأخفش : أي لأنهم وبأنهم. قال الزجاج : ويجوز إنهم بكسر الهمزة .{ أَصْحَابُ النَّارِ } أي المعذبون بها وتم الكلام.
قوله تعالى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } ويروى : أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشراف الملائكة وأفضلهم. ففي الحديث : "أن الله تبارك وتعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة". ويقال : خلق الله العرش من جوهرة خضراء ، وبين القائمتين من قوامه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام. وقيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به مهللين مكبرين ، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام ، قد وضعوا أيديهم على عواتقهم ، ورافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير ، ومن ورائهم مائة ألف صف ، وقد وضعوا الإيمان على الشمائل ، ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر. وقرأ ابن عباس : { الْعَرْشَ } بضم العين ؛ ذكر جميعه الزمخشري رحمه الله. وقيل : اتصل هذا بذكر الكفار ؛ لأن المعنى والله أعلم – { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } ينزهون الله عز وجل عما يقوله الكفار { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } أي يسألون لهم المغفرة من الله تعالى وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير ، وأنه جسم مجسم خلقه الله عز وجل ، وأمر ملائكة بحمله ، وتعبدهم بتعظيمه والطواف به ، كما خلق في الأرض بيتا وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة. وروى ابن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام" ذكره البيهقي وقد مضى في {البقرة} في آية الكرسي عظم العرش وأنه أعظم المخلوقات. وروى ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن كعب الأحبار أنه قال : لما خلق الله تعالى العرش قال : لن يخلق الله خلقا أعظم مني ؛ فاهتز فطوقه الله بحية ، للحية
(15/294)




سبعون ألف جناح ، في الجناح سبعون ألف ريشة ، في كل ريشة سبعون ألف وجه ، في كل وجه سبعون ألف فم ، في كل فم سبعون ألف لسان. يخرج من أفواهها في كل يوم من التسبيح عدد قطر المطر ، وعدد ورق الشجر ، وعدد الحصى والثرى ، وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة أجمعين ، فالتوت الحية بالعرش ، فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية به. وقال مجاهد : بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب ، حجاب نور وحجاب ظلمة ، وحجاب نور وحجاب ظلمة. { رَبَّنَا } أي يقولون { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً } أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء ، فلما نقل الفعل عن الرحمة والعلم نصب على التفسير. { فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا } أي من الشرك والمعاصي { وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ } أي دين الإسلام. { وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } أي اصرفه عنهم حتى لا يصل إليهم. قال إبراهيم النخعي : كان أصحاب عبدالله يقولون الملائكة خير من ابن الكواء ؛ هم يستغفرون لمن في الأرض وابن الكواء يشهد عليهم بالكفر ، قال إبراهيم : وكانوا يقولون لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة. وقال مطرف بن عبدالله : وجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة ، ووجدنا أغش عباد الله لعباد الله الشيطان ، وتلا هذه الآية. وقال يحيى بن معاذ الرازي لأصحابه في هذه الآية : افهموها فما في العالم جنة أرجى منها ؛ إن ملكا واحدا لو سأل الله أن يغفر لجميع المؤمنين لغفر لهم ، كيف وجميع الملائكة وحملة العرش يستغفرون للمؤمنين. وقال خلف بن هشام البزار القارئ : كنت أقرأ على سليم بن عيسى فلما بلغت : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } بكى ثم قال : يا خلف ما أكرم المؤمن على الله نائما على فراشه والملائكة يستغفرون له.
قوله تعالى : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ } يروى أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار : ما جنات عدن. قال : قصور من ذهب في الجنة يدخلها النبيون والصديقون والشهداء وأئمة العدل. { الَّتِي وَعَدْتَهُمْ } { الَّتِي } في محل نصب نعتا للجنات. { وَمَنْ صَلَحَ } { مِنْ } في محل نصب عطفا على الهاء والميم في قوله : { وَأَدْخِلْهُمْ }. { وَمَنْ صَلَحَ } بالإيمان
(15/295)




{ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } وقد مضى في {الرعد} نظير هذه الآية. قال سعيد بن جبير : يدخل الرجل الجنة ، فيقول : يا رب أين أبي وجدي وأمي ؟ وأين ولدي وولد ولدي ؟ وأين زوجاتي ؟ فيقال إنهم لم يعملوا كعملك ؛ فيقول : يا رب كنت أعمل لي ولهم ؛ فيقال ادخلوهم الجنة. ثم تلا : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } إلى قوله : { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } . ويقرب من هذه الآية قوله : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }
قوله تعالى : { وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ } قال قتادة : أي وقهم ما يسوءهم ، وقيل : التقدير وقهم عذاب السيئات وهو أمر من وقاه الله يقيه وقاية بالكسر ؛ أي حفظه. { وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } أي بدخول الجنة { وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } أي النجاة الكبيرة.
الآية : [10] { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ }
الآية : [11] { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ }
الآية : [12] { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ }
قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } قال الأخفش : { لَمَقْتُ } هذه لام الابتداء وقعت بعد { يُنَادَوْنَ } لأن معناه يقال لهم والنداء قول. وقال غيره : المعنى يقال لهم : { لَمَقْتُ اللَّهِ } إياكم في الدنيا { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } { أَكْبَرُ } من مقت بعضكم بعضا يوم القيامة ؛ لأن بعضهم عادى بعضا ومقته يوم القيامة ، فأذعنوا عند ذلك ، وخضعوا وطلبوا الخروج من النار. وقال الكلبي : يقول كل إنسان من أهل النار لنفسه مقتك يا نفس ؛ فتقول الملائكة لهم وهم في النار : لمقت الله
(15/296)




إياكم إذ أنتم في الدنيا وقد بعث إليكم الرسل فلم تؤمنوا أشد من مقتكم أنفسكم اليوم. وقال الحسن : يعطون كتابهم فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم فينادون { لَمَقْتُ اللَّهِ } إياكم في الدنيا {إذ تدعون إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } { أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } اليوم. وقال معناه مجاهد. وقال قتادة : المعنى { لَمَقْتُ اللَّهِ } لكم { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } { أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } إذ عاينتم النار. فإن قيل : كيف يصح أن يمقتوا أنفسهم ؟ ففيه وجهان : أحدهما : أنهم أحلوها بالذنوب محل الممقوت. الثاني : أنهم لما صاروا إلى حال زال عنهم الهوى ، وعلموا أن نفوسهم هي التي أبقتهم في المعاصي مقتوها. وقال محمد بن كعب القرظي : إن أهل النار لما يئسوا مما عند الخزنة وقال لهم مالك : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } على ما يأتي. قال بعضهم لبعض : يا هؤلاء إنه قد نزل بكم من العذاب والبلاء ما قد ترون ، فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا ، كما صبر أهل الطاعة على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا ، فأجمعوا رأيهم على الصبر فصبروا فطال صبرهم ، ثم جزعوا فنادوا { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ } أي من ملجأ ؛ فقال إبليس عند ذلك : { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ } إلى قوله : { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } يقول : بمغن عنكم شيئا { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ } فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم. قال : فنودوا { لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } إلى قوله : { فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } قال فرد عليهم : { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } ذكره ابن المبارك.
قوله تعالى : { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } اختلف أهل التأويل في معنى قولهم : { َأمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة والضحاك : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ، ثم أحياهم ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها في الدنيا ، ثم أحياهم للبعث والقيامة ، فهاتان حياتان موتتان ، وهو قوله تعالى : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } وقال السدي : أميتوا في الدنيا ثم أحياهم في القبور للمسألة ، ثم أميتوا ثم أحيوا في الآخرة. وإنما صار إلى هذا ؛ لأن لفظ الميت لا ينطلق في العرف على
(15/297)




النطفة. واستدل العلماء من هذا في إثبات سؤال القبر ، ولو كان الثواب والعقاب للروح دون الجسد فما معنى الإحياء والإماتة ؟ والروح عند من يقصر أحكام الآخرة على الأرواح لا تموت ولا تتغير ولا تفسد ، وهو حي لنفسه لا يتطرق إليه موت ولا غشية ولا فناء. وقال ابن زيد في قوله : { رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } الآية قال : خلقهم في ظهر آدم وأخرجهم وأحياهم وأخذ عليهم الميثاق ، ثم أماتهم ثم أحياهم في الدنيا ثم أماتهم. وقد مضى هذا في {البقرة}. { فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } اعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف وندموا حيث لا ينفعهم الندم. { فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } أي هل نرد إلى الدنيا لنعمل بطاعتك ؛ نظيره : { هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ } وقوله : { فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً } وقوله : { يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ } الآية.
قوله تعالى : { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ } { ذَلِكُمْ } في موضع رفع أي الأمر { ذَلِكُمْ } أو { ذَلِكُمْ } العذاب الذي أنتم فيه بكفركم. وفي الكلام متروك تقديره فأجيبوا بأن لا سبيل إلى الرد. وذلك لأنكم { إِذَا دُعِيَ اللَّهُ } أي وحد الله { وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ } وأنكرتم أن تكون الألوهية له خاصة ، وإن أشرك به مشرك صدقتموه وآمنتم بقوله. قال الثعلبي : وسمعت بعض العلماء يقول : { وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ } بعد الرد إلى الدنيا لوكان به { تُؤْمِنُوا } تصدقوا المشرك ؛ نظيره : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ }. { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } عن أن تكون له صاحبة أو ولد.
الآية : [13] { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ }
الآية : [14] { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }
الآية : [15] { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ }
الآية : [16] { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }
الآية : [17] { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }
(15/298)




قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } أي دلائل توحيده وقدرته { وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً } جمع بين إظهار الآيات وإنزال الرزق ؛ لأن بالآيات قوام الأديان ، وبالرزق قوام الأبدان. وهذه الآيات هي السموات والأرضون وما فيهما وما بينهما من الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب والبخار والأنهار والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا. { وَمَا يَتَذَكَّرُ } أي ما يتعظ بهذه الآيات فيوحد الله { إِلَّا مَنْ يُنِيبُ } أي يرجع إلى طاعة الله. { فَادْعُوا اللَّهَ } أي اعبدوه { مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } أي العبادة. وقيل : الطاعة. { وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } عبادة الله فلا تعبدوا أنتم غيره.
قوله تعالى : { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } { ذُو الْعَرْشِ } على إضمار مبتدأ. قال الأخفش : ويجوز نصبه على المدح. ومعنى { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ } أي رفيع الصفات. وقال ابن عباس والكلبي وسعيد بن جبير : رفيع السموات السبع. وقال يحيى بن سلام : هو رفعة درجة أوليائه في الجنة فـ { رَفِيعُ } على هذا بمعنى رافع فعيل بمعنى فاعل. وهو على القول الأول من صفات الذات ، ومعناه الذي لا أرفع قدرا منه ، وهو المستحق لدرجات المدح والثناء ، وهي أصنافها وأبوابها لا مستحق لها غيره قال الحليمي. وقد ذكرناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى والحمد لله. { ذُو الْعَرْشِ } أي خالقه ومالكه لا أنه محتاج إليه. وقيل : هو من قولهم : ثل عرش فلان أي زال ملكه وعزه ، فهو سبحانه { ذُو الْعَرْشِ } بمعنى ثبوت ملكه وسلطانه وقد بيناه في الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى. { يُلْقِي الرُّوحَ } أي الوحي والنبوة { عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وسمي ذلك روحا لأن الناس يحيون به ؛ أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح. وقال ابن زيد : الروح القرآن ؛ قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا } وقيل : الروح جبريل ؛ قال الله تعالى : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ } وقال : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ } قُلْ {نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} . { مِنْ أَمْرِهِ } أي من قوله. وقيل : من قضائه. وقيل : { مِنْ } بمعنى الباء أي بأمره. { عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } وهم الأنبياء يشاء هو أن يكونوا أنبياء وليس لأحد فيهم مشيئة.
(15/299)




{ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ } أي إنما يبعث الرسول لإنذار يوم البعث. فقوله : { لِيُنْذِرَ } يرجع إلى الرسول. وقيل : أي لينذر الله ببعثه الرسل إلى الخلائق { يَوْمَ التَّلاقِ }. وقرأ ابن عباس والحسن وابن السميقع { لِيُنْذِرَ } بالتاء خطابا للنبي عليه السلام. { يَوْمَ التَّلاقِ } قال ابن عباس وقتاده : يوم تلتقي أهل السماء وأهل الأرض. وقال قتادة أيضا وأبو العالية ومقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق. وقيل : العابدون والمعبودون. وقيل : الظالم والمظلوم. وقيل : يلقى كل إنسان جزاء عمله. وقيل : يلتقي الأولون والآخرون على صعيد واحد ؛ روي معناه عن ابن عباس. وكله صحيح المعنى.
قوله تعالى : { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } يكون بدلا من يوم الأول. وقيل : { هُمْ } في موضع رفع بالابتداء و { بَارِزُونَ } خبره والجملة في موضع خفض بالإضافة ؛ فلذلك حذف التنوين من { يَوْمَ } وإنما يكون هذا عند سيبويه إذا كان الظرف بمعنى إذ ؛ تقول لقيتك يوم زيد أمير. فإن كان بمعنى إذا لم يجز نحو أنا ألقاك يوم زيد أمير. ومعنى : { بَارِزُونَ } خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء ؛ لأن الأرض يومئذ قاع صفصف لا عوج فيها ولا أمتا على ما تقدم في {طه} بيانه. { لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } قيل : إن هذا هو العامل في {يوم يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } أي لا يخفى عليه شيء منهم ومن أعمالهم { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ }. {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} وذلك عند فناء الخلق. وقال الحسن : هو السائل تعالى وهو المجيب ؛ لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه فيجيب نفسه سبحانه فيقول : {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}. النحاس : وأصح ما قيل فيه ما رواه أبو وائل عن ابن مسعود قال : "يحشر الناس على أرض بيضاء مثل الفضة لم يعص الله جل وعز عليها ، فيؤمر مناد ينادي { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } فيقول العباد مؤمنهم وكافرهم { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } فيقول المؤمنون هذا الجواب" سرورا وتلذذا ، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا. فأما أن يكون هذا والخلق غير موجودين فبعيد ؛ لأنه لا فائدة فيه ، والقول صحيح عن ابن مسعود وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل.
(15/300)




قلت : والقول الأول ظاهر جدا ؛ لأن المقصود إظهار انفراده تعالى بالملك عند انقطاع دعاوي المدعين وانتساب المنتسبين ؛ إذ قد ذهب كل ملك وملكه ومتكبر وملكه وانقطعت نسبهم ودعاويهم ، ودل على هذا قوله الحق عند قبض الأرض والأرواح وطي السماء : "أنا الملك أين ملوك الأرض" كما تقدم في حديث أبي هريرة وفي حديث ابن عمر ، ثم يطوي الأرض بشماله والسموات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون. وعنه قوله سبحانه : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } هو انقطاع زمن الدنيا وبعده يكون البعث والنشر. قال محمد بن كعب قوله سبحانه : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } يكون بين النفختين حين فني الخلائق وبقي الخالق فلا يرى غير نفسه مالكا ولا مملوكا فيقول : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } فلا يجيبه أحد ؛ لأن الخلق أموات فيجيب نفسه فيقول : { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } لأنه بقي وحده وقهر خلقه. وقيل : إنه ينادي مناد فيقول : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فيجيبه أهل الجنة : { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } فالله أعلم. ذكره الزمخشري.
قوله تعالى : { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } أي يقال لهم إذا أقروا بالملك يومئذ لله وحده { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } من خير أوشر. { لا ظُلْمَ الْيَوْمَ } أي لا ينقص أحد شيئا مما عمله. { إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } أي لا يحتاج إلى تفكر وعقد يد كما يفعله الحساب ؛ لأنه العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء فلا يؤخر جزاء أحد للاشتغال بغيره ؛ وكما يرزقهم في ساعة واحدة يحاسبهم كذلك في ساعة واحدة. وقد مضى هذا المعنى في {البقرة}. وفي الخبر : ولا ينتصف النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
الآية : [18] { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ }
(15/301)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة غافر
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: