فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن الأحد 19 يونيو - 0:58 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم تفسير سورة الأعراف
الآية : 37 {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} قوله تعالى : {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ} المعنى أي ظلم أشنع من الافتراء على الله تعالى والتكذيب بآياته. ثم قال : {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} أي ما كتب لهم من رزق وعمر وعمل ؛ عن ابن زيد. ابن جبير : من شقاء وسعادة. ابن عباس : من خير وشر. الحسن وأبو صالح : من العذاب بقدر كفرهم. واختيار الطبري أن يكون المعنى : ما كتب لهم ، أي ما قدر لهم من خير وشر ورزق وعمل وأجل ؛ على ما تقدم عن ابن زيد وابن عباس وابن جبير. {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} يعني رسل ملك الموت. وقيل : {الْكِتَابِ} هنا القرآن ؛ لأن عذاب الكفار مذكور فيه. وقيل : {الْكِتَابِ} اللوح المحفوظ. ذكر الحسن بن علي الحلواني قال : أملى علي علي بن المديني قال : سألت عبدالرحمن بن مهدي عن القدر فقال لي : كل شيء بقدر ، والطاعة والمعصية بقدر ، وقد أعظم الفرية من قال : إن المعاصي ليست بقدر. قال علي وقال لي عبدالرحمن بن مهدي : العلم والقدر والكتاب سواء. ثم عرضت كلام عبدالرحمن بن مهدي على يحيى بن سعيد فقال : لم يبق بعد هذا قليل ولا كثير. وروى يحيى بن معين حدثنا مروان الفزاي حدثنا إسماعيل بن سميع عن بكير الطويل عن مجاهد عن ابن عباس {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} قال : قوم يعملون أعمالا لا بد لهم من أن يعملوها. و{حَتَّى} ليست غاية ، بل هي ابتداء خبر عنهم. قال الخليل وسيبويه : حتى وإما وألا
(7/203) لا يملن لأنهن حروف ففرق بينها وبين الأسماء نحو حبلى وسكرى. قال الزجاج : تكتب حتى بالياء لأنها أشبهت سكرى ، ولو كتبت ألا بالياء لأشبهت إلى. ولم تكتب إما بالياء لأنها {إنْ} ضمت إليها ما. {قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} سؤال توبيخ. ومعنى {تَدْعُونَ} تعبدون. {قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا} أي بطلوا وذهبوا. قيل : يكون هذا في الآخرة. {وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} أي أقروا بالكفر على أنفسهم. الآيتان : 38 - 39 {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ ، وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} قوله تعالى : {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ فِي النَّارِ} أي مع أمم ؛ فـ {فِي} بمعنى مع. وهذا لا يمتنع ؛ لأن قولك : زيد في القوم ، أي مع القوم. وقيل : هي على بابها ، أي ادخلوا في جملتهم. والقائل قيل : هو الله عز وجل ، أي قال الله ادخلوا. وقيل : هو مالك خازن النار. {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} أي التي سبقتها إلى النار ، وهي أختها في ، الدين والملة. {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً} أي اجتمعوا. وقرأ الأعمش {تداركوا} وهو الأصل ، ثم وقع الإدغام فاحتيج إلى ألف الوصل. وحكاها المهدوي عن ابن مسعود. النحاس : وقرأ ابن مسعود {حتى إذا ادّرَكوا} أي أدرك بعضهم بعضا. وعصمة عن أبي عمرو {حتى إذا ادّاركوا} بإثبات الألف على الجمع بين الساكنين. وحكى : هذان عبدا الله. وله ثلثا المال. وعن أبي عمرو أيضا : {إذا إدّاركوا} بقطع ألف (7/204) الوصل ؛ فكأنه سكت على {إِذَا} للتذكر ، فلما طال سكوته قطع ألف الوصل ؛ كالمبتدئ بها. وقد جاء في الشعر قطع ألف الوصل نحو قوله : يا نفس صبرا كل حي لاقي ... وكل اثنين إلى افتراق وعن مجاهد وحميد بن قيس {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا} بحذف ألف {إِذَا} لالتقاء الساكنين ، وحذف الألف التي بعد الدال. {جَمِيعاً}نصب على الحال. {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ} أي آخرهم دخولا وهم الأتباع لأولاهم وهم القادة. {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} فاللام في {لِأُولاهُمْ} لام أجل ؛ لأنهم لم يخاطبوا أولاهم ولكن قالوا في حق أولاهم ربنا هؤلاء أضلونا. والضعف المثل الزائد على مثله مرة أو مرات. وعن ابن مسعود أن الضعف ههنا الأفاعي والحيات. ونظير هذه الآية {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب : 68]. وهناك يأتي ذكر الضعف بأبشع من هذا وما يترتب عليه من الأحكام ، إن شاء الله تعالى. {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ} أي للتابع والمتبوع. {وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} على قراءة من قرأ بالياء ؛ أي لا يعلم كل فريق ما بالفريق الآخر ، إذ لو علم بعض من في النار أن عذاب أحد فوق عذابه لكان نوع سلوة له. وقيل : المعنى {وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} بالتاء ، أي ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ما يجدون من العذاب. ويجوز أن يكون المعنى ولكن لا تعلمون يأهل الدنيا مقدار ما هم فيه من العذاب. {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} أي قد كفرتم وفعلتم كما فعلنا ، فليس تستحقون تخفيفا من العذاب {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} . الآية : 40 - 41 {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ، لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} (7/205) قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} أي لأرواحهم. جاءت بذلك أخبار صحاح ذكرناها في كتاب "التذكرة". منها حديث البراء بن عازب ، وفيه في قبض روح الكافر قال : ويخرج منها ريح كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض ، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة. فيقولون فلان بن فلان ، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون فلا يفتح لهم ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} الآية. وقيل : لا تفتح لهم أبواب السماء إذا دعوا ؛ قاله مجاهد والنخعي. وقيل : المعنى لا تفتح لهم أبواب الجنة ؛ لأن الجنة في السماء. ودل على ذلك قوله : {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} والجمل لا يلج فلا يدخلونها البتة. وهذا دليل قطعي لا يجوز العفو عنهم. وعلى هذا أجمع المسلمون الذين لا يجوز عليهم الخطأ أن الله سبحانه وتعالى لا يغفر لهم ولا لأحد منهم. قال القاضي أبو بكر بن الطيب : فإن قال قائل كيف يكون هذا إجماعا من الأمة ؟ وقد زعم قوم من المتكلمين بأن مقلدة اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الكفر ليسوا في النار. قيل له : هؤلاء قوم أنكروا أن يكون المقلد كافرا لشبهة دخلت عليهم ، ولم يزعموا أن المقلد كافر وأنه مع ذلك ليس في النار ، والعلم بأن المقلد كافر أو غير كافر طريقه النظر دون التوقيف والخبر. وقرأ حمزة والكسائي : {لاَ يُفَتَّحُ} بالياء مضمومة على تذكير الجمع. وقرأ الباقون بالتاء على تأنيث الجماعة ؛ كما قال : {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} [ص : 50] فأنث. ولما كان التأنيث في الأبواب غير حقيقي جاز تذكير الجمع. وهي قراءة ابن عباس بالياء وخفف أبو عمرو وحمزة والكسائي ، على معنى أن التخفيف يكون للقليل والكثير ، والتشديد للتكثير والتكرير مرة بعد مرة لا غير ، والتشديد هنا أولى لأنه على الكثير أدل. والجمل من الإبل. قال الفراء : الجمل زوج الناقة. وكذا قال عبدالله بن مسعود لما سئل عن الجمل فقال : هو زوج الناقة ؛ كأنه استجهل من سأله عما يعرفه الناس جميعا. والجمع (7/206) جمال وأجمال وجمالات وجمائل. وإنما يسمى جملا إذا أربع. وفي قراءة عبدالله : {حتى يلج الجمل الأصفر في سم الخياط}. ذكره أبو بكر الأنباري حدثنا أبي حدثنا نصر بن داود حدثنا أبو عبيد حدثنا حجاج عن ابن جريج عن ابن كثير عن مجاهد قال في قراءة عبدالله... ؛ فذكره. وقرأ ابن عباس {الجمل} بضم الجيم وفتح الميم وتشديدها. وهو حبل السفينة الذي يقال له القلس ، وهو حبال مجموعة ، جمع جملة ؛ قاله أحمد بن يحيى ثعلب. وقيل : الحبل الغليظ من القنب. وقيل : الحبل الذي يصعد به في النخل. وروي عنه أيضا وعن سعيد بن جبير : {الجمل} بضم الجيم وتخفيف الميم هو القلس أيضا والحبل ، على ما ذكرنا آنفا. وروي عنه أيضا {الجُمُل} بضمتين جمع جمل ؛ كأسد وأسد ، والجمل مثل أسد وأسد. وعن أبي السمال {الجَمْل} بفتح الجيم وسكون الميم ، تخفيف {جمل}. وسم الخياط : ثقب الإبرة ؛ عن ابن عباس وغيره. وكل ثقب لطيف في البدن يسمى سما وسماه وجمعه سموم. وجمع السم القاتل سمام. وقرأ ابن سيرين {في سُم} بضم السين. والخياط : ما يخاط به ؛ يقال : خياط ومخيط ؛ مثل إزار ومئزر وقناع ومقنع. و{مِهَادٌ} الفراش. و{غَوَاشٍ} جمع غاشية ، أي نيران تغشاهم. {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} يعني الكفار. والله أعلم. الآية : 42 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} قوله تعالى : {لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} كلام معترض ، أي والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ، ومعنى {لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} أي أنه لم يكلف أحدا من نفقات الزوجات إلا ما وجد وتمكن منه ، دون ما لا تناله يده ، ولم يرد إثبات الاستطاعة قبل الفعل ؛ قال ابن الطيب. نظيره {لا يُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا آتَاهَا} [الطلاق : 7]. (7/207) الآية : 43 {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة نزع الغل من صدورهم. والنزع : الاستخراج. والغل : الحقد الكامن في الصدر. والجمع غلال. أي أذهبنا في الجنة ما كان في قلوبهم من الغل في الدنيا. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين". وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم : {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} . وقيل : نزع الغل في الجنة ألا يحسد بعضهم بعضا في تفاضل منازلهم. وقد قيل : إن ذلك يكون عن شراب الجنة ، ولهذا قال : {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان : 21] أي يطهر الأوضار من الصدور ؛ على ما يأتي بيانه في سورة "الإنسان" و"الزمر" إن شاء الله تعالى. {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} أي لهذا الثواب ؛ بأن أرشدنا وخلق لنا الهداية. وهذا رد على القدرية. {وَمَا كُنَّا} قراءة ابن عامر بإسقاط الواو. والباقون بإثباتها. {لِنَهْتَدِيَ} لام كي. {لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} في موضع رفع. {وَنُودُوا} أصله. نوديوا {أَنْ} في موضع نصب مخففة من الثقيلة ؛ أي بأنه {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} وقد تكون تفسيرا لما نودوا به ؛ لأن النداء قول ؛ فلا يكون لها موضع. أي قيل لهم : {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} لأنهم وعدوا بها في الدنيا ؛ أي قيل لهم : هذه تلكم الجنة التي وعدتم بها ، أو يقال ذلك قبل الدخول حين عاينوها من بعد. وقيل : {تِلْكُمُ}بمعنى هذه. ومعنى {أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي ورثتم منازلها بعملكم ، ودخولكم إياها برحمة الله وفضله. كما قال : {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} [النساء : 70]. (7/208) وقال : {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ} [النساء : 175]. وفي صحيح مسلم : "لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة" قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته منه وفضل" . وفي غير الصحيح : ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل ؛ فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها ، فقيل لهم : هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله. ثم يقال : يأهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون ؛ فتقسم بين أهل الجنة منازلهم. قلت : وفي صحيح مسلم : "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا" . فهذا أيضا ميراث ؛ نعم بفضله من شاء وعذب بعدله من شاء. وبالجملة فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمته ؛ فإذا دخلوها بأعمالهم فقد ورثوها برحمته ، ودخلوها برحمته ؛ إذ أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل عليهم. وقرئ {أُورِثْتُمُوهَا}من غير إدغام. وقرئ بإدغام التاء في الثاء. الآية : 44 {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} قوله تعالى : {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} هذا سؤال تقريع وتعيير. {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا} مثل {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} أي أنه قد وجدنا. وقيل : هو نفس النداء. {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ} أي نادى وصوت ؛ يعني من الملائكة. {بَيْنَهُمْ} ظرف ؛ كما تقول : أعلم وسطهم. وقرأ الأعمش والكسائي : {نَعِم} بكسر العين وتجوز على هذه اللغة بإسكان العين. قال مكي : من قال {نعِم} بكسر العين أراد أن يفرق بين {نَعَم} التي هي جواب وبين {نعم} التي هي اسم للإبل والبقر والغنم. وقد روي عن عمر إنكار {نَعم} بفتح العين في الجواب ، وقال : قل (7/209) نعم. ونعم ونعم ، لغتان بمعنى العدة والتصديق. فالعدة إذا استفهمت عن موجب نحو قولك : أيقوم زيد ؟ فيقول نعم. والتصديق إذا أخبرت عما وقع ، تقول : قد كان كذا وكذا ، فيقول نعم. فإذا استفهمت عن منفي فالجواب بلى نحو قولك ألم أكرمك ، فيقول بلى. فنعم لجواب الاستفهام الداخل على الإيجاب كما في هذه الآية. وبلى ، لجواب الاستفهام الداخل على النفي ؛ كما قال تعالى : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف : 172]. وقرأ البزي وابن عامر وحمزة والكسائي {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ} وهو الأصل. وقرأ الباقون بتخفيف {أَنْ} ورفع اللعنة على الابتداء. فـ {أَنْ} في موضع نصب على القراءتين على إسقاط الخافض. ويجوز في المخففة ألا يكون لها موضع من الإعراب ، وتكون مفسرة كما تقوم. وحكي عن الأعمش أنه قرأ {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ} بكسر الهمزة ؛ فهذا على إضمار القول كما قرأ الكوفيون {فَنَادَاهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أِنَّ اللَّهَ} ويروى أن طاوسا دخل على هشام بن عبدالملك فقال له : اتق الله واحذر يوم الأذان. فقال : وما يوم الأذان ؟ قال : قوله تعالى : {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} فصعق هشام. فقال طاوس : هذا ذل الصفة فكيف ذل المعاينة. الآية : 45 {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ} قوله تعالى : {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} في موضع خفض لـ {الظَّالِمِينَ} على النعت. ويجوز الرفع والنصب على إضمارهم أو أعني. أي الذين كانوا يصدون في الدنيا الناس عن الإسلام. فهو من الصد الذي هو المنع. أو يصدون بأنفسهم عن سبيل الله أي يعرضون. وهذا من الصدود. {وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً} يطلبون اعوجاجها ويذمونها فلا يؤمنون بها. وقد مضى هذا المعنى. {وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ} أي وكانوا بها كافرين ، فحذف وهو كثير في الكلام. (7/210) الآية : 46 {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} قوله تعالى : {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} أي بين النار والجنة - لأنه جرى ذكرهما - حاجز ؛ أي سور. وهو السور الذي ذكره الله في قوله : {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} [الحديد : 13]. {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ} أي على أعراف السور ؛ وهي شرفه. ومنه عرف الفرس وعرف الديك. روى عبدالله بن أبي يزيد عن ابن عباس أنه قال : الأعراف الشيء المشرف. وروى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : الأعراف سور له عرف كعرف الديك. والأعراف في اللغة : المكان المشرف ؛ جمع عرف. قال يحيى بن آدم : سألت الكسائي عن واحد الأعراف فسكت ، فقلت : حدثنا إسرائيل عن جابر عن مجاهد عن ابن عباس قال : الأعراف سور له عرف كعرف الديك. فقال : نعم والله ، واحده يعني ، وجماعته أعراف ، يا غلام ، هات القرطاس ؛ فكتبه. وهذا الكلام خرج مخرج المدح ؛ كما قال فيه : {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور : 37] وقد تكلم العلماء في أصحاب الأعراف على عشرة أقوال : فقال عبدالله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وابن عباس والشعبي والضحاك وابن جبير : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. قال ابن عطية : وفي مسند خيثمة بن سليمان "في آخر الجزء الخامس عشر" حديث عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "توضع الموازين يوم القيامة فتوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته مثقال صؤابة دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال صؤابة دخل النار ]. قيل : يا وسول الله ، فمن استوت حسناته وسيئاته ؟ قال : "أولئك أصحاب الأعراف لم يدخلوها وهم يطمعون" . وقال مجاهد : هم قوم صالحون فقهاء علماء. وقيل : هم الشهداء ؛ ذكره المهدوي. وقال القشيري : وقيل هم فضلاء المؤمنين والشهداء ، فرغوا من شغل أنفسهم ، وتفرغوا لمطالعة حال الناس ؛ فإذا (7/211) رأوا أصحاب النار تعوذوا بالله أن يردوا إلى النار ، فإن في قدرة الله كل شيء ، وخلاف المعلوم مقدور. فإذا رأوا أهل الجنة وهم لم يدخلوها بعد يرجون لهم دخولها. وقال شرحبيل بن سعد : هم المستشهدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم. وذكر الطبري في ذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه تعادل عقوقهم واستشهادهم. وذكر الثعلبي بإسناده عن ابن عباس في قول عز وجل : {وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ} قال : الأعراف موضع عال على الصراط ، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين ، رضي الله عنهم ، يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه. وحكى الزهراوي أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم ، وهم في كل أمة. واختار هذا القول النحاس ، وقال : وهو من أحسن ما قيل فيه ؛ فهم على السور بين الجنة والنار. وقال الزجاج : هم قوم أنبياء. وقيل : هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع في مقابلة صغائرهم. وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف ؛ لأن مذهبه أنهم مذنبون. وقيل : هم أولاد الزنى ؛ ذكره القشيري عن ابن عباس. وقيل : هم ملائكة موكلون بهذا السور ، يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار ؛ ذكره أبو مجلز. فقيل له : لا يقال للملائكة رجال ؟ فقال : إنهم ذكور وليسوا بإناث ، فلا يبعد إيقاع لفظ الرجال عليهم ؛ كما أوقع على الجن في قوله : {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} [الجن : 6]. فهؤلاء الملائكة يعرفون المؤمنين بعلاماتهم والكفار بعلاماتهم ؛ فيبشرون المؤمنين قبل دخولهم الجنة وهم لم يدخلوها بعد فيطمعون فيها. وإذا رأوا أهل النار دعوا لأنفسهم بالسلامة من العذاب. قال ابن عطية : واللازم من الآية أن على الأعراف رجالا من أهل الجنة يتأخر دخولهم ويقع لهم ما وصف من الاعتبار في الفريقين. و {يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ} أي بعلاماتهم ، وهي بياض الوجوه وحسنها في أهل الجنة ، وسوادها وقبحها في أهل النار ، إلى غير ذلك من معرفة حيز هؤلاء وحيز هؤلاء. (7/212) قلت : فوقف عن التعيين لاضطراب الأثر والتفصيل ، والله بحقائق الأمور عليم. ثم قيل : الأعراف جمع عرف وهو كل عال مرتفع ؛ لأنه بظهوره أعرف من المنخفض. قال ابن عباس : الأعراف شرف الصراط. وقيل : هو جبل أحد يوضع هناك. قال ابن عطية : وذكر الزهراوي حديثا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن أحدا جبل يحبنا ونحبه وإنه يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم هم إن شاء الله من أهل الجنة" . وذكر حديثا آخر عن صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن أحدا على ركن من أركان الجنة" . قلت : وذكر أبو عمر عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أحد جبل يحبنا ونحبه وإنه لعلى ترعة من ترع الجنة" . قوله تعالى : {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} أي نادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة. {أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي قالوا لهم سلام عليكم. وقيل : المعنى سلمتم من العقوبة. {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف ، أي لم يدخلوها بعد. {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} على هذا التأويل بمعنى وهم يعلمون أنهم يدخلونها. وذلك معروف في اللغة أن يكون طمع بمعنى علم ؛ ذكره النحاس. وهذا قول ابن مسعود وابن عباس وغيرهما ، أن المراد أصحاب الأعراف. وقال أبو مجلز : هم أهل الجنة ، أي قال لهم أصحاب الأعراف سلام عليكم وأهل الجنة لم يدخلوا الجنة بعد وهم يطمعون في دخولها للمؤمنين المارين على أصحاب الأعراف. والوقف على قوله : {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} . وعلى قوله : {لَمْ يَدْخُلُوهَا}. ثم يبتدئ {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} . على معنى وهم يطمعون في دخولها. ويجوز أن يكون {وَهُمْ يَطْمَعُونَ} حالا ، ويكون المعنى : لم يدخلها المؤمنون المارون على أصحاب الأعراف طامعين ، وإنما دخلوها غير طامعين في دخولها ؛ فلا يوقف على {لَمْ يَدْخُلُوهَا} . الآية : 47 {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (7/213) قوله تعالى : {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} أي جهة اللقاء وهي جهة المقابلة. ولم يأت مصدر على تفعال غير حرفين : تلقاء وتبيان. والباقي بالفتح ؛ مثل تسيار وتهمام وتذكار. وأما الاسم بالكسر فيه فكثير ؛ مثل تقصار وتمثال. {قَالُوا} أي قال أصحاب الأعراف. {رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} سألوا الله ألا يجعلهم معهم ، وقد علموا أنه لا يجعلهم معهم. فهذا على سبيل التذلل ؛ كما يقول أهل الجنة : {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم : 8] ويقولون : الحمد لله. على سبيل الشكر لله عز وجل. ولهم في ذلك لذة. الآيتان : 48 - 49 {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ، أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} قوله تعالى : {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي من أهل النار.{ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أي للدنيا واستكباركم عن الإيمان. {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ} إشارة إلى قوم من المؤمنين الفقراء ؛ كبلال وسلمان وخباب وغيرهم. {أَقْسَمْتُمْ} في الدنيا. {لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ} في الآخرة. {بِرَحْمَةٍ} يوبخونهم بذلك. وزيدوا غما وحسرة بأن قالوا لهم {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} . وقرأ عكرمة {دخلوا الجنة} بغير ألف والدال مفتوحة. وقرأ طلحة بن مصرف {أدْخِلوا الجنة} بكسر الخاء على أنه فعل ماض. ودلت الآية على أن أصحاب الأعراف ملائكة أو أنبياء ؛ فإن قولهم ذلك إخبار عن الله تعالى ومن جعل أصحاب الأعراف المذنبين كان آخر قولهم لأصحاب النار {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} ويكون {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ} إلى آخر الآية من قول الله تعالى لأهل النار توبيخا لهم على ما كان من قولهم في الدنيا. وروي عن ابن عباس ، والأول عن الحسن. وقيل : هو من كلام الملائكة (7/214) الموكلين بأصحاب الأعراف ؛ فإن أهل النار يحلفون أن أصحاب الأعراف يدخلون معهم النار فتقول الملائكة لأصحاب الأعراف : {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}. الآية : 50 {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} فيه ثلاث مسائل : - الأولى : قوله تعالى : {وَنَادَى} قيل : إذا صار أهل الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار فقالوا : يا ربنا إن لنا قرابات في الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم. وأهل الجنة لا يعرفونهم لسواد وجوههم ، فيقولون : {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} فبين أن ابن آدم لا يستغني عن الطعام والشراب وإن كان في العذاب .{قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} يعني طعام الجنة وشرابها. والإفاضة التوسعة ؛ يقال : أفاض عليه نعمه. الثانية : في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال. وقد سئل ابن عباس : أي الصدقة أفضل ؟ فقال : الماء ، ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} ؟ . وروى أبو داود أن سعدا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أي الصدقة أعجب إليك ؟ قال : "الماء". وفي رواية : فحفر بئرا فقال : "هذه لأم سعد". وعن أنس قال قال سعد : يا رسول الله ، إن أم سعد كانت تحب الصدقة ، أفينفعها أن أتصدق عنها ؟ قال : "نعم وعليك بالماء". وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن عبادة أن يسقي عنها الماء. فدل على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله تعالى. وقد قال بعض التابعين : من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء. وقد غفر الله ذنوب الذي سقى الكلب ، فكيف بمن سقى رجلا مؤمنا موحدا وأحياه. روى (7/215) [البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "بينا رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا كلب يأكل الثرى من العطش فقال لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له" . قالوا : يا رسول الله ، وإن لنا في البهائم لأجرا ؟ قال : "في كل ذات كبد رطبة أجر" . وعكس هذا ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" . وفي حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : "ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكأنما أعتق رقبة ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث لا يوجد الماء فكأنما أحياها" . خرجه ابن ماجة في السنن. الثالثة : وقد استدل بهذه الآية من قال : إن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه ، وأن له منعه ممن أراده ؛ لأن معنى قول أهل الجنة : {إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} لا حق لكم فيها. وقد بوب البخاري رحمه الله على هذا المعنى : "باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه" وأدخل في الباب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "والذي نفسي بيده لأذودن رجالا عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض" . قال المهلب : لا خلاف أن صاحب الحوض أحق بمائه ؛ لقوله عليه السلام : "لأذودن رجالا عن حوضي" . الآية : 51 {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} قوله تعالى : {الَّذِينَ} في موضع خفض نعت للكافرين. وقد يكون رفعا ونصبا بإضمار. قيل : هو من قول أهل الجنة. {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ} أي نتركهم في النار. {كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ (7/216) هَذَا} أي تركوا العمل به وكذبوا به. و{مَا} مصدرية ، أي كنسيهم. {وَمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ} عطف عليه ، أي وجحدهم. الآية : 52 {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} قوله تعالى : {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ} يعني القرآن. {فَصَّلْنَاهُ} أي بيناه حتى يعرفه من تدبره. وقيل : {فَصَّلْنَاهُ} أنزلناه متفرقا. {عَلَى عِلْمٍ} منا به ، لم يقع فيه سهو ولا غلط. {هُدىً وَرَحْمَةً} قال الزجاج : أي هاديا وذا رحمة ، فجعله حالا من الهاء التي في {فصلناه}. قال الزجاج : ويجوز هدى ورحمة ، بمعنى هو هدى ورحمة. وقيل : يجوز هدى ورحمة بالخفض على البدل من كتاب. وقال الكسائي والفراء : ويجوز هدى ورحمة بالخفض على النعت لكتاب. قال الفراء : مثل {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} [الأنعام : 155]. {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} خص المؤمنون لأنهم المنتفعون به. الآية : 53 {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} قوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} بالهمز ، من آل. وأهل المدينة يخففون الهمزة. والنظر : الانتظار ، أي هل ينتظرون إلا ما وعدوا به في القرآن من العقاب والحساب. وقيل : {يَنْظُرُونَ} من النظر إلى يوم القيامة. فالكناية في {تَأْوِيلَهُ} ترجع إلى الكتاب. وعاقبة الكتاب ما وعد الله فيه من البعث والحساب. وقال مجاهد : {تَأْوِيلَهُ} (7/217) جزاؤه ، أي جزاء تكذيبهم بالكتاب. قال قتادة : {تَأْوِيلَهُ} عاقبته. والمعنى متقارب. {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ} أي تبدو عواقبه يوم القيامة. و{يَوْمَ} منصوب بـ {يَقُولُ} ، أي يقول الذين نسوه من قبل يوم يأتي تأويله. {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ} استفهام فيه معنى التمني. {فَيَشْفَعُوا} نصب لأنه جواب الاستفهام. {لَنَا أَوْ نُرَدُّ} قال الفراء : المعنى أو هل نرد {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} قال الزجاج : نرد عطف على المعنى ، أي هل يشفع لنا أحد أو نرد. وقرأ ابن إسحاق {أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ} بالنصب فيهما. والمعنى إلا أن نرد ؛ كما قال : فقلت له لا تبك عينك إنما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا وقرأ الحسن {أو نرد فنعمل} برفعهما جميعا. {قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} أي فلم ينتفعوا بها ، وكل من لم ينتفع بنفسه فقد خسرها. وقيل : خسروا النعم وحظ أنفسهم منها. {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي بطل ما كانوا يقولون من أن مع الله إلها آخر. (7/218) | |
|
سميه قطبي سالم محمد دويمابي برتبة نقيب
عدد الرسائل : 508
| موضوع: رد الأحد 19 يونيو - 11:50 | |
| مشكور استاذى فوزى على الشرح الدينى الوافى | |
|
فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن الأحد 19 يونيو - 15:36 | |
| شكراً وجزاك الله خيراً أختي د. سمية... | |
|
أبوآيه دويمابي برتبة مقدم
عدد الرسائل : 1150
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن السبت 25 يونيو - 15:19 | |
| مشكور أخي وعمي وأستازي فوزي جعلها في ميزان حسناتك يارب | |
|
فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن السبت 25 يونيو - 16:40 | |
| لك الشكر أخي المكرم أبو آية... | |
|