فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن الثلاثاء 1 فبراير - 14:14 | |
|
________________________________________ فيه إحدى عشرة مسألة : الاولى : - قوله تعالى : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} روي عن الحسن ومجاهد والضحاك : أن هذه الآية كانت في قصة المعراج ، وهكذا روي في بعض الروايات عن ابن عباس ، وقال بعضهم : جميع القرآن نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم إلا هذه الآية فإن النبي صلى الله عليه وسلم : هو الذي سمع ليلة المعراج ، وقال بعضهم : لم يكن ذلك في قصة المعراج ، لأن ليلة المعراج كانت بمكة وهذه السورة كلها مدنية ، فأما من قال إنها كانت ليلة المعراج قال : لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم وبلغ في السماوات في مكان مرتفع ومعه جبريل حتى جاوز سدرة المنتهى فقال له جبريل : إني لم أجاوز هذا الموضع ولم يؤمر بالمجاوزة أحد هذا الموضع غيرك فجاوز النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الموضع الذي شاء الله ، فأشار إليه جبريل بأن سلم على ربك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التحيات لله والصلوات والطيبات. قال الله تعالى : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لأمته حظ في السلام فقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقال جبريل وأهل السماوات كلهم : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. قال الله تعالى : {آمَنَ الرَّسُولُ} على معنى الشكر أي صدق الرسول {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشارك أمته في الكرامة والفضيلة فقال : {وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} يعني يقولون آمنا بجميع الرسل ولا نكفر بأحد منهم ولا نفرق بينهم كما فرقت اليهود والنصارى ، فقال له ربه كيف قبولهم بآي الذي أنزلتها ؟ وهو قوله : {َإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} يعني المرجع. فقال الله تعالى عند ذلك : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} يعني طاقتها ويقال : إلا دون طاقتها. { لَهَا مَا كَسَبَتْ } من الخير {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} من الشر ، فقال جبريل عند ذلك : سل تعطه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} يعني إن جهلنا { أَوْ أَخْطَأْنَا } يعني إن تعمدنا ، ويقال : إن عملنا بالنسيان (3/425) ________________________________________ والخطأ. فقال له جبريل : قد أعطيت ذلك قد رفع عن أمتك الخطأ والنسيان. فسل شيئا آخر فقال : {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً} يعني ثقلا {َمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} وهو أنه حرم عليهم الطيبات بظلمهم ، وكانوا إذا أذنبوا بالليل وجدوا ذلك مكتوبا على بابهم ، وكانت الصلوات عليهم خمسين ، فخفف الله عن هذه الأمة وحط عنهم بعد ما فرض خمسين صلاة. ثم قال : {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} يقول : لا تثقلنا من العمل ما لا نطيق فتعذبنا ، ويقال : ما تشق علينا ، لأنهم لو أمروا بخمسين صلاة لكانوا يطيقون ذلك ولكنه يشق عليهم ولا يطيقون الإدامة عليه {وَاعْفُ عَنَّا } من ذلك كله { وَاغْفِرْ لَنَا} وتجاوز عنا ، ويقال : {وَاعْفُ عَنَّا } من المسخ {وَاغْفِرْ لَنَا} من الخسف {وَارْحَمْنَا} من القذف ، لأن الأمم الماضية بعضهم أصابهم المسخ وبعضهم أصابهم الخسف وبعضهم القذف ثم قال : { أَنْتَ مَوْلانَا } يعني ولينا وحافظنا {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} فاستجيبت دعوته. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نصرت بالرعب مسيرة شهر" ويقال إن الغزاة : إذا خرجوا من ديارهم بالنية الخالصة وضربوا بالطبل وقع الرعب والهيبة في قلوب الكفار مسيرة شهر في شهر ، علموا بخروجهم أو لم يعلموا ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع أوحى الله هذه الآيات ، ليعلم أمته بذلك. ولهذه الآية تفسير آخر ، قال الزجاج : لما ذكر الله تعالى في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة وبين أحكام الحج وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وأقاصيص الأنبياء وبين حكم الربا ، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله سبحانه وتعالى : { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } ثم ذكر تصديق نبيه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال : {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهم صدقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله. (3/426) ________________________________________ وقيل سبب نزولها الآية التي قبلها وهي : {لَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة : 284] فإنه لما أنزل هذا على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا : أي رسول الله ، كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير " فقالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة : 285]. فلما فعلوا ذلك نسخها الله ، فأنزل الله عز وجل : {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال : "نعم" { رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال : "نعم" { رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال : "نعم" {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال : "نعم". أخرجه مسلم عن أبي هريرة. قال علماؤنا : قوله في الرواية الأولى "قد فعلت" وهنا قال : "نعم" دليل على نقل الحديث بالمعنى ، وقد تقدم. ولما تقرر الأمر على أن قالوا : سمعنا وأطعنا ، مدحهم الله وأثنى عليهم في هذه الآية ، ورفع المشقة في أمر الخواطر عنهم ، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى ، كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك من ذمهم وتحميلهم المشقات من الذلة والمسكنة والانجلاء إذ قالوا : سمعنا وعصينا ، وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله تعالى ، أعاذنا الله من نقمه بمنه وكرمه. وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : إن بيت ثابت بن قيس بن شماس (3/427) ________________________________________ يزهر كل ليلة بمصابيح. قال : " فلعله يقرأ سورة البقرة" فسئل ثابت قال : قرأت من سورة البقرة "آمن الرسول" نزلت حين شق على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما توعدهم الله تعالى به من محاسبتهم. على ما أخفته نفوسهم ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " فلعلكم تقولون سمعنا وعصينا كما قالت بنو إسرائيل" قالوا : بل سمعنا وأطعنا ، فأنزل الله تعالى ثناء عليهم : {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } فقال صلى الله عليه وسلم : "وحق لهم أن يؤمنوا". قوله تعالى : {آمَنَ} أي صدق ، وقد تقدم. والذي أنزل هو القرآن. وقرأ ابن مسعود "وآمن المؤمنون كل آمن بالله" على اللفظ ، ويجوز في غير القرآن "آمنوا" على المعنى. وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر {وَكُتُبِهِ} على الجمع. وقرؤوا في "التحريم" كتابه ، على التوحيد. وقرأ أبو عمرو هنا وفي "التحريم" و"كتبه" على الجمع. وقرأ حمزة والكسائي "وكتابه" على التوحيد فيهما. فمن جمع أراد جمع كتاب ، ومن أفرد أراد المصدر الذي يجمع كل مكتوب كان نزوله من عند الله. ويجوز في قراءة من وحد أن يراد به الجمع يكون الكتاب اسما للجنس فتستوي القراءتان ، قال الله تعالى : {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ} [البقرة : 213]. قرأت الجماعة "ورسله" بضم السين ، وكذلك "رسُلنا ورسُلكم ورسلك" ، إلا أبا عمرو فروي عنه تخفيف "رسْلنا ورسْلكم" ، وروي عنه في "رسلك" التثقيل والتخفيف. قال أبو علي : من قرأ "رسلك" بالتثقيل فذلك أصل الكلمة ، ومن خفف فكما يخفف في الآحاد ، مثل عنق وطنب. وإذا خفف في الآحاد فذلك أحرى في الجمع الذي هو أثقل ، وقال معناه مكي. وقرأ جمهور الناس "لا نفرق" بالنون ، والمعنى يقولون لا نفرق ، فحذف القول ، وحذف القول كثير ، قال الله تعالى : {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ } [الرعد : 23] : أي يقولون سلام عليكم. وقال : { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} [آل عمران : 191] أي يقولون (3/428) ________________________________________ ربنا ، وما كان مثله. وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ويعقوب "لا يفرق" بالياء ، وهذا على لفظ كل. قال هارون : وهي في حرف ابن مسعود "لا يفرقون". وقال "بين أحد" على الإفراد ولم يقل آحاد ، لأن الأحد يتناول الواحد والجميع ، كما قال تعالى : {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة : 47] فـ "حاجزين" صفة لأحد ، لأن معناه الجمع. وقال صلى الله عليه وسلم : "ما أحلت الغنائم لأحد سود الرؤوس غيركم" وقال رؤبة : إذا أمور الناس دينت دينكا ... لا يرهبون أحدا من دونكا ومعنى هذه الآية : أن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض. الثالثة : - قوله تعالى : { وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} فيه حذف ، أي سمعنا سماع قابلين. وقيل : سمع بمعنى قبل ، كما يقال : سمع الله لمن حمده فلا يكون فيه حذف. وعلى الجملة فهذا القول يقتضي المدح لقائله. والطاعة قبول الأمر. وقوله {غُفْرَانَكَ} مصدر كالكفران والخسران ، والعامل فيه فعل مقدر ، تقديره : اغفر غفرانك ، قاله الزجاج. وغيره : نطلب أو أسأل غفرانك . {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية قال له جبريل : "إن الله قد أحل الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه" فسأل إلى آخر السورة. الرابعة : - قوله تعالى : {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} التكليف هو الأمر بما يشق عليه وتكلفت الأمر تجشمته ، حكاه الجوهري. والوسع : الطاقة والجدة. وهذا خبر جزم. نص الله تعالى على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلب أو الجوارح إلا وهي في وسع المكلف وفي مقتضى إدراكه وبنيته ، وبهذا انكشفت الكربة عن المسلمين في تأولهم أمر الخواطر. وفي معنى هذه الآية ما حكاه أبو هريرة رضي الله عنه قال : ما وددت أن أحدا ولدتني أمه إلا جعفر بن أبي طالب ، فإني تبعته يوما وأنا جائع فلما بلغ (3/429) ________________________________________ منزله لم يجد فيه سوى نحي سمن قد بقي فيه أثارة فشقه بين أيدينا ، فجعلنا نلعق ما فيه من السمن والرُّب وهو يقول : ما كلف الله نفسا فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلا بما تجد ا لخامسة : - اختلف الناس في جواز تكليف ما لا يطاق في الأحكام التي هي في الدنيا ، بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعا في الشرع ، وأن هذه الآية آذنت بعدمه ، قال أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين : تكليف ما لا يطاق جائز عقلا ، ولا يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع ، ويكون ذلك أمارة على تعذيب المكلف وقطعا به ، وينظر إلى هذا تكليف المصور أن يعقد شعيرة. واختلف القائلون بجوازه هل وقع في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو لا ؟ فقال فرقة : وقع في نازلة أبي لهب ، لأنه كلفه بالإيمان بجملة الشريعة ، ومن جملتها أنه لا يؤمن ، لأنه حكم عليه بتب اليدين وصلي النار وذلك مؤذن بأنه لا يؤمن ، فقد كلفه بأن يؤمن بأنه لا يؤمن. وقالت فرقة : لم يقع قط. وقد حكى الإجماع على ذلك. وقوله تعالى : {سَيَصْلَى نَاراً} [المسد : 3] معناه إن وافى ، حكاه ابن عطية. "ويكلف" يتعدى إلى مفعولين أحدهما محذوف ، تقديره عبادة أو شيئا. فالله سبحانه بلطفه وإنعامه علينا وإن كان قد كلفنا بما يشق ويثقل كثبوت الواحد للعشرة ، وهجرة الإنسان وخروجه من وطنه ومفارقة أهله ووطنه وعادته ، لكنه لم يكلفنا بالمشقات المثقلة ولا بالأمور المؤلمة ، كما كلف من قبلنا بقتل أنفسهم وقرض موضع البول من ثيابهم وجلودهم ، بل سهل ورفق ووضع عنا الإصر والأغلال التي وضعها على من كان قبلنا. فلله الحمد والمنة ، والفضل والنعمة. السادسة : - قوله تعالى : {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} يريد من الحسنات والسيئات قاله السدي. وجماعة المفسرين لا خلاف بينهم في ذلك ، قاله ابن عطية. وهو مثل قوله : {َلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام : 164] {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} [الأنعام : 164]. والخواطر ونحوها ليست من كسب الإنسان. وجاءت العبارة في الحسنات بـ "لها" من حيث هي مما (3/430) ________________________________________ يفرح المرء بكسبه ويسر بها ، فتضاف إلى ملكه وجاءت في السيئات بـ "عليها" من حيث هي أثقال وأوزار ومتحملات صعبة ، وهذا كما تقول : لي مال وعلى دين. وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريف حسنا لنمط الكلام ، كما قال : { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق : 17]. قال ابن عطية : ويظهر لي في هذا أن الحسنات هي مما تكتسب دون تكلف ، إذ كاسبها على جادة أمر الله تعالى ورسم شرعه ، والسيئات تكتسب ببناء المبالغة ، إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهى الله تعالى ويتخطاه إليها ، فيحسن في الآية مجيء التصريفين إحرازا ، لهذا المعنى. السابعة : - في هذه الآية دليل على صحة إطلاق أئمتنا على أفعال العباد كسبا واكتسابا ، ولذلك لم يطلقوا على ذلك لا خلق ولا خالق ، خلافا لمن أطلق ذلك من مجترئة المبتدعة. ومن أطلق من أئمتنا ذلك على العبد ، وأنه فاعل فبالمجاز المحض. وقال المهدوي وغيره : وقيل معنى الآية لا يؤاخذ أحد بذنب أحد. قال ابن عطية : وهذا صحيح في نفسه ولكن من غير هذه الآية. الثامنة : - قال الكيا الطبري : قوله تعالى : {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} يستدل به على أن من قتل غيره بمثقل أو بخنق أو تغريق فعليه ضمانه قصاصا أو دية ، فخلافا لمن جعل ديته على العاقلة ، وذلك يخالف الظاهر ، ويدل على أن سقوط القصاص عن الأب لا يقتضي سقوطه عن شريكه. ويدل على وجوب الحد على العاقلة إذا مكنت مجنونا من نفسها. وقال القاضي أبو بكر بن العربي : "ذكر علماؤنا هذه الآية في أن القود واجب على شريك الأب خلافا لأبي حنيفة ، وعلى شريك الخاطئ خلافا للشافعي وأبي حنيفة ، لأن كل واحد منهما قد اكتسب القتل. وقالوا : إن اشتراك من لا يجب عليه القصاص مع من يجب عليه القصاص لا يكون شبهة في درء ما يدرأ بالشبهة". قوله تعالى : {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} المعنى : أعف عن إثم ما يقع منا على هذين الوجهين أو أحدهما ، كقوله عليه السلام : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان (3/431) ________________________________________ وما استكرهوا عليه" أي إثم ذلك. وهذا لم يختلف فيه أن الإثم مرفوع ، وإنما اختلف فيما يتعلق على ذلك من الأحكام ، هل ذلك مرفوع لا يلزم منه شيء أو يلزم أحكام ذلك كله ؟ اختلف فيه. والصحيح أن ذلك يختلف بحسب الوقائع ، فقسم لا يسقط باتفاق كالغرامات والديات والصلوات المفروضات. وقسم يسقط باتفاق كالقصاص والنطق بكلمة الكفر. وقسم ثالث يختلف فيه كمن أكل ناسيا في رمضان أو حنث ساهيا ، وما كان مثله مما يقع خطأ ونسيانا ، ويعرف ذلك في الفروع. قوله تعالى : {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً} أي ثقلا قال مالك والربيع : الإصر الأمر الغليظ الصعب. وقال سعيد بن جبير : الإصر شدة العمل. وما غلظ على بني إسرائيل من البول ونحوه ، قال الضحاك : كانوا يحملون أمورا شدادا ، وهذا نحو قول مالك والربيع ، ومنه قول النابغة : يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم ... والحامل الإصر عنهم بعدما عرفوا عطاء : الإصر المسخ قردة وخنازير ، وقاله ابن زيد أيضا. وعنه أيضا أنه الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة. والإصر في اللغة العهد ، ومنه قوله تعالى : { وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} . [آل عمران : 81] والإصر : الضيق والذنب والثقل. والإصار : الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها ، يقال : أصر يأصر أصرا حبسه. والإصر - بكسر الهمزة - من ذلك قال الجوهري : والموضع مأصِر ومأصَر والجمع مآصر ، والعامة تقول معاصر. قال ابن خويز منداد : ويمكن أن يستدل بهذا الظاهر في كل عبادة ادعى الخصم تثقيلها ، فهو نحو قوله تعالى : {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [المؤمنون : 78] وكقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الدين يسر فيسروا ولا تعسروا". اللهم شق على من شق على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قلت : ونحوه قال الكيا الطبري قال : يحتج به في نفي الحرج والضيق المنافي ظاهره للحنيفية السمحة ، وهذا بين. (3/432) ________________________________________ الحادية عشرة : - قوله تعالى : {وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال قتادة : معناه لاتشدد علينا كما شددت على من كان قبلنا الضحاك : لاتحملنا من الاعمال ما لا نطيق ، وقال نحوه ابن زيد ابن جريج : لاتمسخنا قردة ولا خنازير وقال سلام بن سابور : الذي لاطاقة لنا به : الغلمة وحكاه النقاش عن مجاهد وعطاء وروي أن ابا الدرداء كان يقول في دعائة : واعوذ بك من غلمة ليس لها عدة وقال السدي : هو التغليظ والاغلال التي كانت على بني اسرائيل . قوله تعالى : {وَاعْفُ عَنَّا} أي عن ذنوبنا عفوت عن ذنبة اذا تركته ولم تعاقبة {وَاغْفِرْ لَنَا} أي استر على ذنوبنا والغفر : الستر {وَارْحَمْنَا} أي تفضل برحمة مبتدئا منك علينا { أَنْتَ مَوْلانَا} أي ولينا وناصرنا وخرج هذا مخرج التعليم للخلق كيف يدعون روي عن معاذ بن جبل أنه كان إذا فرغ من قراءة هذا السورة قال آمين قال ابن عطيه : هذا يظن به انه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فان كان ذلك فكمال ، وإن كان بقياس على سورة الحمد من حيث هنالك دعاء وهنا دعاء فحسن وقال على بن أبي طالب : ما أظن أن أحداً عقل وأدرك الإسلام ينام حتى يقرأهما قلت : قد روى مسلم في هذا المعنى عن أبي مسعود الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قراء هاتين الايتين من اخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " قيل : من قيام الليل ، كما روي عن ابن عمر قال : سمعت النبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : "أنزل الله على ايتين من كنوز الجنة ختم بهما سورة البقرة كتبهما الرحمن بيده قبل أن يخلق الخلق بألف عام من قرأهما بعد العشاء مرتين اجزأتاه من قيام الليل "آمن الرسول "إلى آخر البقرة " وقيل : كفتاه من شر الشيطان فلايكون له علية سلطان وأسند أبو عمرو الداني عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ان الله جل وعز كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والارض بألفي عام من هذة الثلاث آيات (3/433) ________________________________________ التي ختم بهن البقرة من قرأ هن في بيته لم يقرب الشيطان بيته ثلاث ليال "وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أوتيت هذه الآيات من ىخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن نبي قبلي " وهذا صحيح وقد تقدم في الفاتحة نزول الملك بها مع الفاتحة. والحمد لله . (3/434) ________________________________________ بسم الله الرحمن الرحيم الجزء الرابع من كتاب : الجامع لأحكام القرآن المؤلف : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى : 671 هـ) المحقق : هشام سمير البخاري الناشر : دار عالم الكتب ، الرياض ، المملكة العربية السعودية الطبعة : 1423 هـ/ 2003 م عدد الأجزاء 20 مصدر الكتاب : موقع مكتبة المدينة الرقمية http : http://www.raqamiya.org [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] (/) ________________________________________ المجلد الرابع تفسير سورة آل عمران ... سورة آل عمران بسم الله الرحمن الرحيم الآيتان : 1 - 2 {الم ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} فيه خمس مسائل : الأولى -قوله : {الم ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} هذه السورة مدنية بإجماع. وحكى النقاش أن اسمها في التوراة طَيْبة ، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وعاصم بن أبي النجود وأبو جعفر الرؤاسي "الم. ألله" بقطع ألف الوصل ، على تقدير الوقف على "الم" كما يقدرون الوقف على أسماء الأعداد في نحو واحد ، إثنان ، ثلاثة ، أربعة ، وهم واصلون. قال الأخفش سعيد : ويجوز "الم الله" بكسر الميم لالتقاء الساكنين. قال الزجاج : هذا خطأ ، ولا تقوله العرب لثقله. قال النحاس : القراءة الأولى قراءة العامة ، وقد تكلم فيها النحويون القدماء ؛ فمذهب سيبويه أن الميم فتحت لالتقاء الساكنين ، واختاروا لها الفتح لئلا يجمع بين كسرة وياء وكسرة قبلها. وقال الكسائي : حروف التهجي إذا لقيتها ألف وصل فحذفت ألف الوصل حركتها بحركة الألف فقلت : الم الله ، والم اذكر ، والمِ اقتربت. وقال الفراء : الأصل "الم ألله" كما قرأ الرؤاسي فألقيت حركة الهمزة على الميم. وقرأ عمر بن الخطاب "الحي القيام". وقال خارجة : في مصحف عبدالله "الحي القيم". وقد تقدم ما للعلماء من آراء في الحروف التي في أوائل السور في أول "البقرة". ومن حيث جاء في هذه السورة : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} جملة قائمة بنفسها فتتصور تلك الأقوال كلها. (4/1) ________________________________________ الثانية - روى الكسائي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى العشاء فاستفتح "آل عمران" فقرأ {الم ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} فقرأ في الركعة الأولى بمائة آية ، وفي الثانية بالمائة الباقية. قال علماؤنا : ولا يقرأ سورة في ركعتين ، فإن فعل أجزأه. وقال مالك في المجموعة : لا بأس به ، وما هو بالشأن. قلت : الصحيح جواز ذلك. وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالأعراف في المغرب فرقها في ركعتين ، خرجه النسائي أيضا ، وصححه أبو محمد عبدالحق ، وسيأتي. الثالثة - هذه السورة ورد في فضلها آثار وأخبار ؛ فمن ذلك ما جاء أنها أمان من الحيات ، وكنز للصعلوك ، وأنها تحاج عن قارئها في الآخرة ، ويكتب لمن قرأ آخرها في ليلة كقيام ليلة ، إلى غير ذلك. ذكر الدارمي أبو محمد في مسنده حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثني عبيدالله الأشجعي قال : حدثني مسعر قال حدثني جابر ، قبل أن يقع فيما وقع فيه ، عن الشعبي قال قال عبدالله : "نِعم كنز الصعلوك سورة "آل عمران" يقوم بها في آخر الليل" حدثنا محمد بن سعيد حدثنا عبدالسلام عن الجريري عن أبي السليل قال : أصاب رجل دما قال : فأوى إلى وادي مجنة : واد لا يمشي فيه أحد إلا أصابته حية ، وعلى شفير الوادي راهبان ؛ فلما أمسى قال أحدهما لصاحبه : هلك والله الرجل! قال : فافتتح سورة "آل عمران" قالا : فقرأ سورة طيبة لعله سينجو. قال : فأصبح سليما. وأسند عن مكحول قال : "من قرأ سورة "آل عمران" يوم الجمعة صلت عليه الملائكة إلى الليل". وأسند عن عثمان بن عفان قال : "من قرأ آخر سورة "آل عمران" في ليلة كتب له قيام ليلة" في طريقه ابن لهيعة. وخرج مسلم عن النواس بن سمعان الكلابي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "يؤتى (4/2) ________________________________________ بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران" ، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعد ، قال : - كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق ، أو كأنهما حِزْقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما. وخرج أيضا عن أبي أمامةالباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البَطَلة" . قال معاوية : وبلغني أن البطلة السحرة. الرابعة - للعلماء في تسمية "البقرة وآل عمران" بالزهراوين ثلاثة أقوال : الأول : إنهما النيرتان ، مأخوذ من الزّهْر والزُّهْرة ؛ فإما لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما ، أي من معانيهما. وإما لما يترتب على قراءتهما من النور التام يوم القيامة ، وهو القول الثاني . الثالث : سميتا بذلك لأنهما اشتركتا فيما تضمنه اسم الله الأعظم ؛ كما ذكره أبو داود وغيره عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} والتي في آل عمران {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} " أخرجه ابن ماجة أيضا. والغمام : السحاب الملتف ، وهو الغَيَاية إذا كانت قريباً من الرأس ، وهي الظلة أيضا. والمعنى : إن قارئهما في ظل ثوابهما ؛ كما جاء "الرجل في ظل صدقته" وقوله : "تحاجان" أي يخلق الله من يجادل عنه بثوابهما ملائكة كما جاء في بعض الحديث : " إن من قرأ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} الآية خلق الله سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة". وقوله : "بينهما شرق" قيد بسكون الراء وفتحها (4/3) ________________________________________ وهو تنبيه على الضياء ، لأنه لما قال : "سوداوان" قد يتوهم أنهما مظلمتان ، فنفى ذلك. بقوله : "بينهما شرق". ويعني بكونهما سوداوان أي من كثافتهما التي بسببها حالتا بين من تحتهما وبين حرارة الشمس وشدة اللهب والله أعلم. الخامسة : صدر هذه السورة نزل بسبب وفد نجران فيما ذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير ، وكانوا نصارى وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في ستين راكبا ، فيهم من أشرافهم أربعة عشر رجلا ، في الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يرجع أمرهم : العاقب أمير القوم وذو آرائهم واسمه عبدالمسيح ، والسيد ثمالهم وصاحب مجتمعهم واسمه الأيهم ، وأبو حارثة بن علقمة أحد بكر بن وائل أسقفهم وعالمهم ؛ فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر صلاة العصر ، عليهم ثياب الحِبَرات جُبَب وأرْدية فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ما رأينا وفدا مثلهم جمالا وجلالة. وحانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشرق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "دعوهم" . ثم أقاموا بها أياما يناظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى ويزعمون أنه ابن الله ، إلى غير ذلك من أقوال شنيعة مضطربة ، ورسول صلى الله عليه وسلم يرد عليهم بالبراهين الساطعة وهم لا يبصرون ، ونزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية ؛ إلى أن آل أمرهم إلى أن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة ، حسب ما هو مذكور في سيرة ابن إسحاق وغيره. الآية : 3 {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ} الآية : 4 {مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (4/4)
| |
|