منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 4 أبريل - 22:15




وليس في ذلك أن الإيمان هو الإقرار فقط ؛ ألا ترى أن المنافقين كانوا يقولون هذا القول وليسوا بمؤمنين حسب ما تقدم بيانه في "البقرة "وقد كشف البيان في هذا قوله عليه السلام : "أفلا شققت عن قلبه " ؟ فثبت أن الإيمان هو الإقرار وغيره ، وأن حقيقته التصديق بالقلب ، ولكن ليس للعبد طريق إليه إلا ما سمع منه فقط. واستدل بهذا أيضا من قال : إن الزنديق تقبل توبته إذا أظهر الإسلام ؛ قال : لأن الله تعالى لم يفرق بين الزنديق وغيره متى أظهر الإسلام. وقد مضى القول في هذا في أول البقرة. وفيها رد على القدرية ، فإن الله تعالى أخبر أنه من على المؤمنين من بين جميع الخلق بأن خصهم بالتوفيق ، والقدرية تقول : خلقهم كلهم للإيمان. ولو كان كما زعموا لما كان لاختصاص المؤمنين بالمنة من بين الخلق معنى.
الحادية عشرة : قوله تعالى : {فَتَبَيَّنُوا} أعاد الأمر بالتبيين للتأكيد. {ِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} تحذير عن مخالفة أمر الله ؛ أي احفظوا أنفسكم وجنبوها الزلل الموبق لكم.
95- {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}
96- {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال ابن عباس : لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها. ثم قال : {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} والضرر الزمانة. روى الأئمة واللفظ لأبي داود عن زيد بن ثابت قال : كنت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فما وجدت ثقل شيء
(5/341)



أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سري عنه فقال : "اكتب " فكتبت في كتف {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلى آخر الآية ؛ فقام ابن أم مكتوم - وكان رجلا أعمى - لما سمع فضيلة المجاهدين فقال : يا رسول الله ، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين ؟ فلما قضى كلامه غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة فوقعت فخذه على فخذي ، ووجدت من ثقلها في المرة الثانية كما وجدت في المرة الأولى ، ثم سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "اقرأ يا زيد " فقرأت {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} الآية كلها. قال زيد : فأنزلها الله وحدها فألحقتها ؛ والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف. وفي البخاري عن مقسم مولى عبدالله بن الحارث أنه سمع ابن عباس يقول : {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} عن بدر والخارجون إلى بدر. قال العلماء : أهل الضرر هم أهل الأعذار إذ قد أضرت بهم حتى منعتهم الجهاد. وصح وثبت في الخبر أنه عليه السلام قال - وقد قفل من بعض غزواته : "إن بالمدينة رجالا ما قطعتم واديا ولا سرتم مسيرا إلا كانوا معكم أولئك قوم حبسهم العذر " . فهذا يقتضي أن صاحب العذر يعطى أجر الغازي ؛ فقيل : يحتمل أن يكون أجره مساويا وفي فضل الله متسع ، وثوابه فضل لا استحقاق ؛ فيثيب على النية الصادقة مالا يثيب على الفعل. وقيل : يعطى أجره من غير تضعيف فيفضله الغازي بالتضعيف للمباشرة. والله أعلم.
قلت : والقول الأول أصح - إن شاء الله - للحديث الصحيح في ذلك "إن بالمدينة رجالا " ولحديث أبي كبشة الأنماري قوله عليه السلام "إنما الدنيا لأربعة نفر " الحديث وقد تقدم في سورة "آل عمران". ومن هذا المعنى ما ورد في الخبر "إذا مرض العبد قال الله تعالى اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ أو أقبضه إلي ".
(5/342)



الثانية : وقد تمسك بعض العلماء بهذه الآية بأن أهل الديوان أعظم أجرا من أهل التطوع ؛ لأن أهل الديوان لما كانوا متملكين بالعطاء ، ويصرفون في الشدائد ، وتروعهم البعوث والأوامر ، كانوا أعظم من المتطوع ؛ لسكون جأشه ونعمة باله في الصوائف الكبار ونحوها. قال ابن محيريز : أصحاب العطاء أفضل من المتطوعة لما يروعون. قال مكحول : روعات البعوث تنفي روعات القيامة.
الثالثة : وتعلق بها أيضا من قال : إن الغنى أفضل من الفقر ؛ لذكر الله تعالى المال الذي يوصل به إلى صالح الأعمال. وقد اختلف الناس في هذه المسألة مع اتفاقهم أن ما أحوج من الفقر مكروه ، وما أبطر من الغنى مذموم ؛ فذهب قوم إلى تفضيل الغني ، لأن الغني مقتدر والفقير عاجز ، والقدرة أفضل من العجز. قال الماوردي : وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة. وذهب آخرون إلى تفضيل الفقر ، لأن الفقير تارك والغني ملابس ، وترك الدنيا أفضل من ملابستها. قال الماوردي : وهذا مذهب من غلب عليه حب السلامة. وذهب آخرون إلى تفضيل التوسط بين الأمرين بأن يخرج عن حد الفقر إلى أدنى مراتب الغنى ليصل إلى فضيلة الأمرين ، وليسلم من مذمة الحالين. قال الماوردي : وهذا مذهب من يرى تفضيل الاعتدال وأن "خير الأمور أوسطها ". ولقد أحسن الشاعر الحكيم حيث قال :
ألا عائذا بالله من عدم الغنى ... ومن رغبة يوما إلى غير مرغب
الرابعة : قوله تعالى : {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} قراءة أهل الكوفة وأبو عمرو "غير "بالرفع ؛ قال الأخفش : هو نعت للقاعدين ؛ لأنهم لم يقصد بهم قوم بأعيانهم فصاروا كالنكرة فجاز وصفهم بغير ؛ والمعنى لا يستوي القاعدون غير أولي الضرر ؛ أي لا يستوي القاعدون الذين هم غير أولي الضرر. والمعنى لا يستوي القاعدون الأصحاء ؛ قال الزجاج. وقرأ أبو حيوة "غير "جعله نعتا للمؤمنين ؛ أي من المؤمنين الذين هم غير أولي الضرر من المؤمنين الأصحاء.
(5/343)



وقرأ أهل الحرمين "غير "بالنصب على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين ؛ أي إلا أولي الضرر فإنهم يستوون مع المجاهدين. وإن شئت على الحال من القاعدين ؛ أي لا يستوي القاعدون من الأصحاء أي في حال صحتهم ؛ وجازت الحال منهم ؛ لأن لفظهم لفظ المعرفة ، وهو كما تقول : جاءني زيد غير مريض. وما ذكرناه من سبب النزول يدل على معنى النصب ، والله أعلم.
الخامسة : قوله تعالى : {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} وقد قال بعد هذا : {دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} فقال قوم : التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد. وقيل : فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة واحدة ، وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير عذر درجات ؛ قال ابن جريج والسدي وغيرهما. وقيل : إن معنى درجة علو ، أي أعلى ذكرهم ورفعهم بالثناء والمدح والتقريظ. فهذا معنى درجة ، ودرجات يعني في الجنة. قال ابن محيريز : سبعين درجة بين كل درجتين حضر الفرس الجواد سبعين سنة. و"درجات "بدل من أجر وتفسير له ، ويجوز نصبه أيضا على تقدير الظرف ؛ أي فضلهم بدرجات ، ويجوز أن يكون توكيدا لقول {أَجْراً عَظِيماً} لأن الأجر العظيم هو الدرجات والمغفرة والرحمة ، ويجوز الرفع ؛ أي ذلك درجات. و"أجرا "نصب بـ "فضل "وإن شئت كان مصدرا وهو أحسن ، ولا ينتصب بـ "فضل "لأنه قد استوفى مفعوليه وهما قوله : "المجاهدين "و "على القاعدين " ؛ وكذا "درجة". فالدرجات منازل بعضها أعلى من بعض. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله بين الدرجتين كما بين السماء والأرض ". {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} "كلا "منصوب بـ "وعد "و "الحسنى "الجنة ؛ أي وعد الله كلا الحسنى. ثم قيل : المراد "بكل " المجاهدون خاصة. وقيل : المجاهدون وأولو الضرر. والله أعلم.
(5/344)



97- { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً}
98- {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً}
99- {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً}
المراد بها جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم الإيمان به ، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أقاموا مع قومهم وفتن منهم جماعة فافتتنوا ، فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار ؛ فنزلت الآية. وقيل : إنهم لما استحقروا عدد المسلمين دخلهم شك في دينهم فارتدوا فقتلوا على الردة ؛ فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا على الخروج فاستغفروا لهم ؛ فنزلت الآية. والأول أصح. روى البخاري عن محمد بن عبدالرحمن قال : قطع على أهل المدينة بعث فاكتتبت فيه فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته فنهاني عن ذلك أشد النهي ، ثم قال : أخبرني ابن عباس أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم فيرمى به فيصيب أحدهم فيقتله أو يضرب فيقتل ؛ فأنزل الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ}.
قوله تعالى : {تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} يحتمل أن يكون فعلا ماضيا لم يستند بعلامة تأنيث ، إذ تأنيث لفظ الملائكة غير حقيقي ، ويحتمل أن يكون فعلا مستقبلا على معنى تتوفاهم ؛ فحذفت إحدى التاءين. وحكى ابن فورك عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار. وقيل : تقبض أرواحهم ؛ وهو أظهر. وقيل : المراد بالملائكة ملك الموت ؛ لقوله تعالى : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ
(5/345)



مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} و {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} نصب على الحال ؛ أي في حال ظلمهم أنفسهم ، والمراد ظالمين أنفسهم فحذف النون استخفافا وأضاف ؛ كما قال تعالى : {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} . وقول الملائكة {فِيمَ كُنْتُمْ} سؤال تقريع وتوبيخ ، أي أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين ! وقول هؤلاء : {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} يعني مكة ، اعتذار غير صحيح ؛ إذ كانوا يستطيعون الحيل ويهتدون السبيل ، ثم وقفتهم الملائكة على دينهم بقولهم {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً} . ويفيد هذا السؤال والجواب أنهم ماتوا مسلمين ظالمين لأنفسهم في تركهم الهجرة ، وإلا فلو ماتوا كافرين لم يقل لهم شيء من هذا ، وإنما أضرب عن ذكرهم في الصحابة لشدة ما واقعوه ، ولعدم تعين أحدهم بالإيمان ، واحتمال ردته. والله أعلم. ثم استثنى تعالى منهم من الضمير الذي هو الهاء والميم في "مأواهم "من كان مستضعفا حقيقة من زمنى الرجال وضعفة النساء والولدان ؛ كعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام وغيرهم الذين دعا لهم الرسول صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس : كنت أنا وأمي ممن عنى الله بهذه الآية ؛ وذلك أنه كان من الولدان إذ ذاك ، وأمه هي أم الفضل بنت الحارث واسمها لبابة ، وهي أخت ميمونة ، وأختها الأخرى لبابة الصغرى ، وهن تسع أخوات قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهن : "الأخوات مؤمنات " ومنهن سلمى والعصماء وحفيدة ويقال في حفيدة : أم حفيد ، واسمها هزيلة. هن ست شقائق وثلاث لأم ؛ وهن سلمى ، وسلامة ، وأسماء. بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب ، ثم امرأة أبي بكر الصديق ، ثم امرأة علي رضى الله عنهم أجمعين.
قوله تعالى : {فِيمَ كُنْتُمْ} سؤال توبيخ ، وقد تقدم. والأصل "فيما "ثم حذفت الألف فرقا بين الاستفهام والخبر ، والوقف عليها "فيمه " لئلا تحذف الألف والحركة. والمراد بقوله : {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً} المدينة ؛ أي ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن كان يستضعفكم ! وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي.
(5/346)



وقال سعيد بن جبير : إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها ؛ وتلا {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا استوجب الجنة وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام." {فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} أي مثواهم النار. وكانت الهجرة واجبة على كل من أسلم. {وَسَاءَتْ مَصِيراً} نصب على التفسير.
وقوله تعالى : {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص. والسبيل سبيل المدينة ؛ فيما ذكر مجاهد والسدي وغيرهما ، والصواب أنه عام في جميع السبل. وقوله تعالى : {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} هذا الذي لا حيلة له في الهجرة لا ذنب له حتى يعفى عنه ؛ ولكن المعنى أنه قد يتوهم أنه يجب تحمل غاية المشقة في الهجرة ، حتى أن من لم يتحمل تلك المشقة يعاقب فأزال الله ذلك الوهم ؛ إذ لا يجب تحمل غاية المشقة ، بل كان يجوز ترك الهجرة عند فقد الزاد والراحلة. فمعنى الآية ؛ فأولئك لا يستقصى عليهم في المحاسبة ؛ ولهذا قال : {وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} والماضي والمستقبل في حقه تعالى واحد ، وقد تقدم.
100- {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً}
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ} شرط وجوابه. {فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً} اختلف في تأويل المراغم ؛ فقال مجاهد : المراغم المتزحزح. وقال ابن عباس والضحاك والربيع وغيرهم : المراغم المتحول والمذهب. وقال ابن زيد : والمراغم المهاجر ؛ وقاله أبو عبيدة. قال النحاس : فهذه الأقوال متفقة المعاني. فالمراغم المذهب والمتحول في حال هجرة ، وهو اسم الموضع الذي يراغم فيه ، وهو مشتق من الرغام. ورغم أنف فلان أي لصق بالتراب.
(5/347)



عكرمة هذا دليل على شرف هذا العلم قديما ، وأن الاعتناء به حسن والمعرفة به فضل ؛ ونحو منه قول ابن عباس : مكثت سنين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما يمنعني إلا مهابته. والذي ذكره عكرمة هو ضمرة بن العيص أو العيص بن ضمرة بن زنباع ؛ حكاه الطبري عن سعيد بن جبير. ويقال فيه : ضميرة أيضا. ويقال : جندع بن ضمرة من بني ليث ، وكان من المستضعفين بمكة وكان مريضا ، فلما سمع ما أنزل الله في الهجرة قال : أخرجوني ؛ فهيئ له فراش ثم وضع عليه وخرج به فمات في الطريق بالتنعيم ، فأنزل الله فيه {ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً} .الآية وذكر أبو عمر أنه قد قيل فيه : خالد بن حزام بن خويلد ابن أخي خديجة ، وأنه هاجر إلى أرض الحبشة فنهشته حية في الطريق فمات قبل أن يبلغ أرض الحبشة ؛ فنزلت فيه الآية ، والله أعلم. وحكى أبو الفرج الجوزي أنه حبيب بن ضمرة. وقيل : ضمرة بن جندب الضمري ؛ عن السدي. وحكي عن عكرمة أنه جندب بن ضمرة الجندعي. وحكي عن ابن جابر أنه ضمرة بن بغيض الذي من بني ليث. وحكى المهدوي أنه ضمرة بن ضمرة بن نعيم. وقيل : ضمرة بن خزاعة ، والله أعلم. وروى معمر عن قتادة قال : لما نزلت {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية ، قال رجل من المسلمين وهو مريض : والله ما لي من عذر ! إني لدليل في الطريق ، وإني لموسر فاحملوني. فحملوه فأدركه الموت في الطريق ؛ فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو بلغ إلينا لتم أجره ؛ وقد مات بالتنعيم. وجاء بنوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه بالقصة ، فنزلت هذه الآية {ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً} الآية. وكان اسمه ضمرة بن جندب ، ويقال : جندب بن ضمرة على ما تقدم. {وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً} لما كان منه من الشرك. {رَحِيماً} حين قبل توبته.
الخامسة : قال ابن العربي : قسم العلماء رضي الله عنهم الذهاب في الأرض قسمين : هربا وطلبا ؛ فالأول ينقسم إلى ستة أقسام : الأول : الهجرة وهي الخروج من
(5/349)



دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة ، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان ؛ فإن بقي في دار الحرب عصى ؛ ويختلف في حاله. الثاني : الخروج من أرض البدعة ؛ قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف. قال ابن العربي : وهذا صحيح ؛ فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فزل عنه ، قال الله تعالى : {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} إلى قوله {الظَّالِمِينَ} . الثالث : الخروج من أرض غلب عليها الحرام : فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم. الرابع : الفرار من الأذية في البدن ؛ وذلك فضل من الله أرخص فيه ، فإذا خشي على نفسه فقد أذن الله في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور. وأول من فعله إبراهيم عليه السلام ؛ فإنه لما خاف من قومه قال : {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} ، وقال : {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} . وقال مخبرا عن موسى : {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة. وقد أذن صلى الله عليه وسلم للرعاة حين استوخموا المدينة أن يخرجوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا. وقد استثنى من ذلك الخروج من الطاعون ؛ فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم بيانه في "البقرة". بيد أن علماءنا قالوا : هو مكروه. السادس : الفرار خوف الأذية في المال ؛ فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، والأهل مثله وأوكد. وأما قسم الطلب فينقسم قسمين : طلب دين وطلب دنيا.
فأما طلب الدين فيتعدد بتعدد أنواعه إلى تسعة أقسام : الأول : سفر العبرة ؛ قال الله تعالى : {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وهو كثير. ويقال : إن ذا القرنين إنما طاف الأرض ليرى عجائبها. وقيل : لينفذ الحق فيها. الثاني : سفر الحج. والأول وإن كان
(5/350)



ندبا فهذا فرض. الثالث : سفر الجهاد وله أحكامه. الرابع : سفر المعاش ؛ فقد يتعذر على الرجل معاشه مع الإقامة فيخرج في طلبه لا يزيد عليه. من صيد أو احتطاب أو احتشاش ؛ فهو فرض عليه. الخامس : سفر التجارة والكسب الزائد على القوت ، وذلك جائز بفضل الله سبحانه وتعالى ، قال الله تعالى : {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} يعني التجارة ، وهي نعمة من الله بها في سفر الحج ، فكيف إذا انفردت. السادس : في طلب العلم وهو مشهور. السابع : قصد البقاع ؛ قال صلى الله عليه وسلم : "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد " . الثامن : الثغور للرباط بها وتكثير سوادها للذب عنها. التاسع : زيارة الإخوان في الله تعالى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "زار رجل أخا له في قرية فأرصد الله له ملكا على مدرجته فقال أين تريد فقال أريد أخا لي في هذه القرية قال : هل لك من نعمة تربها عليه قال لا غير أني أحببته في الله عز وجل قال فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه " . رواه مسلم وغيره.
101- {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً}
فيه عشر مسائل :
قوله تعالى : {ضَرَبْتُمْ} سافرتم ، وقد تقدم. واختلف العلماء في حكم القصر في السفر ؛ فروي عن جماعة أنه فرض. وهو قول عمر بن عبدالعزيز والكوفيين والقاضي إسماعيل وحماد بن أبي سليمان ؛ واحتجوا بحديث عائشة رضي الله عنها "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين الحديث ، ولا حجة فيه لمخالفتها له ؛ فإنه كانت تتم في السفر وذلك يوهنه. وإجماع فقهاء الأمصار على أنه ليس بأصل يعتبر في صلاة المسافر خلف المقيم ؛ وقد قال غيرها من
(5/351)



الصحابة كعمر وابن عباس وجبير بن مطعم : "إن الصلاة فرضت في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة " رواه مسلم عن ابن عباس. ثم إن حديث عائشة قد رواه ابن عجلان عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين. وقال فيه الأوزاعي عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : فرض الله الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين ؛ الحديث ، وهذا اضطراب. ثم إن قولها : "فرضت الصلاة " ليس على ظاهره ؛ فقد خرج عنه صلاة المغرب والصبح ؛ فإن المغرب ما زيد فيها ولا نقص منها. وكذلك الصبح ، وهذا كله يضعف متنه لا سنده. وحكى ابن الجهم أن أشهب روى عن مالك أن القصر فرض ، ومشهور مذهبه وجل أصحابه وأكثر العلماء من السلف والخلف أن القصر سنة ، وهو قول الشافعي ، وهو الصحيح على ما يأتي بيانه إن شاء الله. ومذهب عامة البغداديين من المالكيين أن الفرض التخيير ؛ وهو قول أصحاب الشافعي. ثم اختلفوا في أيهما أفضل ؛ فقال بعضهم : القصر أفضل ؛ وهو قول الأبهري وغيره. وقيل : إن الإتمام أفضل ؛ وحكي عن الشافعي. وحكى أبو سعيد الفروي المالكي أن الصحيح على ما يأتي مذهب مالك التخيير للمسافر في الإتمام والقصر.
قلت : وهو الذي يظهر من قوله سبحانه وتعالى : {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} إلا أن مالكا رحمه الله يستحب له القصر ، وكذلك يرى عليه الإعادة في الوقت إن أتم. وحكى أبو مصعب في "مختصره "عن مالك وأهل المدينة قال : القصر في السفر للرجال والنساء سنة. قال أبو عمر : وحسبك بهذا في مذهب مالك ، مع أنه لم يختلف قوله : أن من أتم في السفر يعيد ما دام في الوقت ؛ وذلك استحباب عند من فهم ، لا إيجاب. وقال الشافعي : القصر في غير الخوف بالسنة ، وأما في الخوف مع السفر فبالقرآن والسنة ؛ ومن صلى أربعا فلا شيء عليه ، ولا أحب لأحد أن يتم في السفر رغبة عن السنة. وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل للرجل أن يصلي في السفر أربعا ؟ قال : لا ، ما يعجبني ، السنة ركعتان. وفي موطأ مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد ، أنه سأل عبدالله بن عمر
(5/352)



فقال : يا أبا عبدالرحمن إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر ؟ فقال عبدالله بن عمر : يا ابن أخي إن الله تبارك وتعالى بعث إلينا محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا ، فإنا نفعل كما رأيناه يفعل. ففي هذا الخبر قصر الصلاة في السفر من غير خوف ستة لا فريضة ؛ لأنها لا ذكر لها في القرآن ، وإنما القصر المذكور في القرآن إذا كان سفرا وخوفا واجتمعا ؛ فلم يبح القصر في كتابه إلا مع هذين الشرطين. ومثله في القرآن : {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ} الآية ، وقد تقدم. ثم قال تعالى : {فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أي فأتموها ؛ وقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أربع إلى اثنتين إلا المغرب في أسفاره كلها آمنا لا يخاف إلا الله تعالى ؛ فكان ذلك سنة مسنونة منه صلى الله عليه وسلم ، زيادة في أحكام الله تعالى كسائر ما سنة وبينه ، مما ليس له في القرآن ذكر. وقوله : " كما رأيناه يفعل " مع حديث عمر حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القصر في السفر من غير خوف ؛ فقال : " تلك صدقة تصدق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته " يدل على أن الله تعالى قد يبيح الشيء في كتابه بشرط ثم يبيح ذلك الشيء على لسان نبيه من غير ذلك الشرط. وسأل حنظلة ابن عمر عن صلاة السفر فقال : ركعتان.
قلت : فأين قوله تعالى : {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} ونحن آمنون ؛ قال : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا ابن عمر قد أطلق عليها سنة ؛ وكذلك قال ابن عباس. فأين المذهب عنهما ؟ قال أبو عمر : ولم يقم مالك إسناد هذا الحديث ؛ لأنه لم يسم الرجل الذي سأل ابن عمر ، وأسقط من الإسناد رجلا ، والرجل الذي لم يسمه هو أمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، والله أعلم.
الثانية : واختلف العلماء في حد المسافة التي تقصر فيها الصلاة ؛ فقال داود : تقصر في كل سفر طويل أو قصير ، ولو كان ثلاثة أميال من حيث تؤتى الجمعة ؛ متمسكا بما رواه مسلم عن يحيى بن يزيد الهنائي قال : سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال :
(5/353)



كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شعبة الشاك - صلى ركعتين. وهذا لا حجة فيه ؛ لأنه مشكوك فيه ، وعلى تقدير أحدهما فلعله حد المسافة التي بدأ منها القصر ، وكان سفرا طويلا زائدا على ذلك ، والله أعلم. قال ابن العربي : وقد تلاعب قوم بالدين فقالوا : إن من خرج من البلد إلى ظاهره قصر وأكل ، وقائل هذا أعجمي لا يعرف السفر عند العرب أو مستخف بالدين ، ولولا أن العلماء ذكروه لها رضيت أن ألمحه بمؤخر عيني ، ولا أفكر فيه بفضول قلبي. ولم يذكر حد السفر الذي يقع به القصر لا في القرآن ولا في السنة ، وإنما كان كذلك لأنها كانت لفظة عربية مستقر علمها عند العرب الذين - خاطبهم الله تعالى بالقرآن ؛ فنحن نعلم قطعا أن من برز عن الدور لبعض الأمور أنه لا يكون مسافرا لغة ولا شرعا ، وإن مشى مسافرا ثلاثة أيام فإنه مسافر قطعا. كما أنا نحكم على أن من مشى يوما وليلة كان مسافرا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم منها " وهذا هو الصحيح ، لأنه وسط بين الحالين وعليه عول مالك ، ولكنه لم يجد هذا الحديث متفقا عليه ، وروي مرة "يوما وليلة " ومرة "ثلاثة أيام " فجاء إلى عبدالله بن عمر فعول على فعله ، فإنه كان يقصر الصلاة إلى رئم ، وهي أربعة برد ؛ لأن ابن عمر كان كثير الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال غيره : وكافة العلماء على أن القصر إنما شرع تخفيفا ، وإنما يكون في السفر الطويل الذي تلحق به المشقة غالبا ، فراعى مالك والشافعي وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب الحديث أحمد وإسحاق وغيرهما يوما تاما. وقول مالك يوما وليلة راجع إلى اليوم التام ، لأنه لم يرد بقول : مسيرة يوم وليلة أن يسير النهار كله والليل كله ، وإنما أراد أن يسير سيرا يبيت فيه بعيدا عن أهله ولا يمكنه الرجوع إليهم. وفي البخاري : وكان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخا ، وهذا مذهب مالك. وقال الشافعي والطبري : ستة وأربعون ميلا. وعن مالك في العتبية فيمن خرج إلى ضيعته على خمسة وأربعين ميلا
(5/354)



قال : يقصر ، وهو أمر متقارب. وعن مالك في الكتب المنثورة : أنه يقصر في ستة وثلاثين ميلا ، وهي تقرب من يوم وليلة. وقال يحيى بن عمر : يعيد أبدا. ابن عبدالحكم : في الوقت !. وقال الكوفيون : لا يقصر في أقل من مسيرة ثلاثة أيام ؛ وهو قول عثمان وابن مسعود وحذيفة. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم " . قال أبو حنيفة : ثلاثة أيام ولياليها بسير الإبل ومشي الأقدام. وقال الحسن والزهري : تقصر الصلاة في مسيرة يومين ؛ وروي هذا القول عن مالك ، ورواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلا مع زوج أو ذي محرم ". وقصر ابن عمر في ثلاثين ميلا ، وأنس في خمسة عشر ميلا. وقال الأوزاعي : عامة العلماء في القصر على اليوم التام ، وبه نأخذ. قال أبو عمر : اضطربت الآثار المرفوعة في هذا الباب كما ترى في ألفاظها ؛ ومجملها عندي - والله أعلم - أنها خرجت على أجوبة السائلين ، فحدث كل واحد بمعنى ما سمع ، كأنه قيل له صلى في وقت ما : هل تسافر المرأة مسيرة يوم بغير محرم ؟ فقال : لا. وقيل له في وقت آخر : هل تسافر المرأة يومين بغير محرم ؟ فقال : لا. وقال له آخر : هل تسافر المرأة مسيرة ثلاثة أيام بغير محرم ؟ فقال : لا. وكذلك معنى الليلة والبريد على ما روي ، فأدى كل واحد ما سمع على المعنى ، والله أعلم. ويجمع معاني الآثار في هذا الباب - وإن اختلفت ظواهرها - الحظر على المرأة أن تسافر سفرا يخاف عليها فيه الفتنة بغير محرم ، قصيرا كان أو طويلا. والله أعلم.
الثالثة : واختلفوا في نوع السفر الذي تقصر فيه الصلاة ، فأجمع الناس على الجهاد والحج والعمرة وما ضارعها من صلة رحم وإحياء نفس. واختلفوا فيما سوى ذلك ، فالجمهور على جواز القصر في السفر المباح كالتجارة ونحوها. وروي عن ابن مسعود أنه قال : لا تقصر الصلاة إلا في حج أو جهاد. وقال عطاء : لا تقصر إلا في سفر طاعة وسبيل من سبل الخير. وروي عنه أيضا : تقصر في كل السفر المباح مثل قول الجمهور. وقال مالك : إن خرج للصيد لا لمعاشه ولكن متنزها ، أو خرج لمشاهدة بلدة متنزها ومتلذذا
(5/355)



لم يقصر. والجمهور من العلماء على أنه لا قصر في سفر المعصية ؛ كالباغي وقاطع الطريق وما في معناهما. وروي عن أبي حنيفة والأوزاعي إباحة القصر في جميع ذلك ، وروي عن مالك. وقد تقدم في "البقرة "واختلفوا عن أحمد ، فمرة قال بقول الجمهور ، ومرة قال : لا يقصر إلا في حج أو عمرة. والصحيح ما قال الجمهور ، لأن القصر إنما شرع تخفيفا عن المسافر للمشقات اللاحقة فيه ، ومعونته على ما هو بصدده مما يجوز ، وكل الأسفار في ذلك سواء ؛ لقوله تعالى : {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} أي إثم {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} فعم. وقال عليه السلام "خير عباد الله الذين إذا سافروا قصروا وأفطروا " . وقال الشعبي : إن الله يحب أن يعمل برخصه كما يحب أن يعمل بعزائمه. وأما سفر المعصية فلا يجوز القصر فيه ؛ لأن ذلك يكون عونا له على معصية الله. والله تعالى يقول : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}
الرابعة : واختلفوا متى يقصر ، فالجمهور على أن المسافر لا يقصر حتى يخرج من بيوت القرية ، وحينئذ هو ضارب في الأرض ، وهو قول مالك في المدونة. ولم يحد مالك في القرب حدا. وروي عنه إذا كانت قرية تجمع أهلها فلا يقصر أهلها حتى يجاوزوها بثلاثة أميال ، وإلى ذلك في الرجوع. وإن كانت لا تجمع أهلها قصروا إذا جاوزوا بساتينها. وروي عن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بهم ركعتين في منزله ، وفيهم الأسود بن يزيد وغير واحد من أصحاب ابن مسعود ، وبه قال عطاء بن أبي رباح وسليمان بن موسى.
قلت : ويكون معنى الآية على هذا : {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} أي إذا عزمتم على الضرب في الأرض. والله أعلم. وروي عن مجاهد أنه قال : لا يقصر المسافر يومه الأول حتى الليل. وهذا شاذ ؛ وقد ثبت من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين. أخرجه الأئمة ، وبين ذي الحليفة والمدينة نحو من ستة أميال أو سبعة.
(5/356)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: