منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأحد 13 مايو - 21:20

المجلد الرابع عشر
تفسير سورة الروم
...




الآية : [33] {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ}
قوله تعالى : {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} أي قحط وشدة {دَعَوْا رَبَّهُمْ} أن يرفع ذلك عنهم {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} قال ابن عباس : مقبلين عليه بكل قلوبهم لا يشركون. ومعنى هذا الكلام التعجب ، عجب نبيه من المشركين في ترك الإنابة إلى الله تعالى مع تتابع الحجج عليهم ؛ أي إذا مس هؤلاء الكفار ضر من مرض وشدة دعوا ربهم ؛ أي استغاثوا به في كشف ما نزل بهم ، مقبلين عليه وحده دون الأصنام ، لعلمهم بأنه لا فرج عندها. {ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} أي عافية ونعمة. {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} أي يشركون به في العبادة.
الآية : [34] {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}
قوله تعالى : {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} قيل : هي لام كي. وقيل : هي لام أمر فيه معنى التهديد ؛ كما قال جل وعز : {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} {فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} تهديد ووعيد. وفي مصحف عبدالله {وَلِيَتَمَتَّعُوا} ؛ أي مكناهم من ذلك لكي يتمتعوا ، فهو إخبار عن غائب ؛ مثل : {لِيَكْفُرُوا} . وهو على خط المصحف خطاب بعد الإخبار عن غائب ؛ أي تمتعوا أيها الفاعلون لهذا.
الآية : [35] {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ}
قوله تعالى : {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً} استفهام فيه معنى التوقيف. قال الضحاك : {سُلْطَاناً} أي كتابا ؛ وقاله قتادة والربيع بن أنس. وأضاف الكلام إلى الكتاب توسعا. وزعم الفراء أن العرب تؤنث السلطان ؛ تقول : قضت به عليك السلطان. فأما البصريون فالتذكير عندهم أفصح ، وبه جاء القرآن ، والتأنيث عندهم جائز لأنه بمعنى الحجة ؛ أي حجة
(14/33)




تنطق بشرككم ؛ قاله ابن عباس والضحاك أيضا. وقال علي بن سليمان عن أبي العباس محمد بن يزيد قال : سلطان جمع سليط ؛ مثل رغيف ورغفان ، فتذكيره على معنى الجمع وتأنيثه على معنى الجماعة. وقد مضى في {آل عمران}. والسلطان : ما يدفع به الإنسان عن نفسه أمرا يستوجب به عقوبة ؛ كما قال تعالى : {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}
الآية : [36] {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}
قوله تعالى : {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا} يعني الخصب والسعة والعافية ؛ قاله يحيى ابن سلام. النقاش : النعمة والمطر. وقيل : الأمن والدعة ؛ والمعنى متقارب. {فَرِحُوا بِهَا} أي بالرحمة. {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي بلاء وعقوبة ؛ قاله مجاهد. السدي : قحط المطر. {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي بما عملوا من المعاصي. {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} أي ييأسون من الرحمة والفرج ؛ قاله الجمهور. وقال الحسن : إن القنوط ترك فرائض الله سبحانه وتعالى في السر. قنط يقنط ، وهي قراءة العامة. وقنط يقنط ، وهي قراءة أبي عمرو والكسائي ومعقوب. وقرأ الأعمش : قنِط يقنَط بالكسر فيهما ؛ مثل حسب يحسب. والآية صفة للكافر ، يقنط عند الشدة ، ويبطر عند النعمة ؛ كما قيل :
كحمار السوء إن أعلفته ... رمَح الناس وإن جاع نهق
وكثير ممن لم يرسخ الإيمان في قلبه بهذه المثابة ؛ وقد مضى في غير موضع. فأما المؤمن فيشكر ربه عند النعمة ، ويرجوه عند الشدة.
الآية : [37] {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}
(14/34)




قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} أي يوسع الخير في الدنيا لمن يشاء أو يضيق ؛ فلا يجب أن يدعوهم الفقر إلى القنوط. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .
الآية : [38] {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
قوله تعالي : {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} فيه ثلاث مسائل :
الأولي- لما تقدم أنه سبحانه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أمر من وسع عليه الرزق أن يوصل إلى الفقير كفايته ليمتحن شكر الغني. والخطاب للنبي عليه السلام والمراد هو وأمته ؛ لأنه قال : {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} . وأمر بإيتاء ذي القربى لقرب رحمه ؛ وخير الصدقة ما كان على القريب ، وفيها صلة الرحم. وقد فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على الأقارب على عتق الرقاب ، فقال لميمونة وقد أعتقت وليدة : "أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" .
الثانية- واختلف في هذه الآية ؛ فقيل : إنها منسوخة بآية المواريث. وقيل : لا نسخ ، بل للقريب حق لازم في البر على كل حال ؛ وهو الصحيح. قال مجاهد وقتادة : صلة الرحم فرض من الله عز وجل ، حتى قال مجاهد : لا تقبل صدقة من أحد ورحمه محتاجة. وقيل : المراد بالقربى أقرباء النبي صلى الله عليه وسلم. والأول أصح ؛ فإن حقهم مبين في كتاب الله عز وجل في قوله : {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} وقيل : إن الأمر بالإيتاء لذي القربى على جهة الندب. قال الحسن : {حَقَّهُ} المواساة في اليسر ، وقول ميسور في العسر. {وَالْمِسْكِينَ} قال ابن عباس : أي أطعم السائل الطواف ؛ " وَابْنَ السَّبِيلِ " الضيف ؛ فجعل الضيافة فرضا ، وقد مضى جميع هذا مبسوطا مبينا في مواضعه والحمد لله.
(14/35)




الثالثة- قوله تعالى : {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} أي إعطاء الحق أفضل من الإمساك إذا أريد بذلك وجه الله والتقرب إليه. {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي الفائزون بمطلوبهم من الثواب في الآخرة. وقد تقدم في {البقرة} القول فيه.
الآية : [39] {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}
وقوله تعالي : {{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ}
فيه أربع مسائل :
الأولي- لما ذكر ما يراد به وجهه ويثبت عليه ذكر غير ذلك من الصفة وما يراد به أيضا وجهه. وقرأ الجمهور : {آتَيْتُمْ} بالمد بمعنى أعطيتم. وقرأ ابن كثير ومجاهد وحميد بغير مد ؛ بمعنى ما فعلتم من ربا ليربو ؛ كما تقول : أتيت صوابا وأتيت خطأ. وأجمعوا على المد في قوله : {آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} . والربا الزيادة وقد مضى في {البقرة} معناه ، وهو هناك محرم وها هنا حلال. وثبت بهذا أنه قسمان : منه حلال ومنه حرام. قال عكرمة في قوله تعالى : {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} قال : الربا ربوان ، ربا حلال وربا حرام ؛ فأما الربا الحلال فهو الذي يهدى ، يلتمس ما هو أفضل منه. وعن الضحاك في هذه الآية : هو الربا الحلال الذي يهدى ليثاب ما هو أفضل منه ، لا له ولا عليه ، ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم. وكذلك قال ابن عباس : {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً} يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه ؛ فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه ، وفي هذا المعنى نزلت الآية. قال ابن عباس وابن جبير وطاوس ومجاهد : هذه آية نزلت في هبة الثواب. قال ابن عطية : وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه كالسلام وغيره ؛ فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى. وقاله القاضي أبو بكر بن العربي. وفي كتاب النسائي
(14/36)




عن عبدالرحمن بن علقمة قال : قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال : "أهدية أم صدقة فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة ، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله عز وجل" قالوا : لا بل هدية ؛ فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم ويسألونه. وقال ابن عباس أيضا وإبراهيم النخعي : نزلت في قوم يعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى نفعهم وتمويلهم والتفضل عليهم ، وليزيدوا في أموالهم على وجه النفع لهم. وقال الشعبي : معنى الآية أن ما خدم الإنسان به أحدا وخف له لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجزي به الخدمة لا يربو عند الله. وقيل : كان هذا حراما على النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص ؛ قال الله تعالى : {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} فنهى أن يعطي شيئا فيأخذ أكثر منه عوضا. وقيل : إنه الربا المحرم ؛ فمعنى : {لا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} على هذا القول لا يحكم به لآخذه بل هو للمأخوذ منه. قال السدي : نزلت هذه الآية في ربا ثقيف ؛ لأنهم كانوا يعملون بالربا وتعمله فيهم قريش.
الثانية- قال القاضي أبو بكر بن العربي : صريح الآية فيمن يهب يطلب الزيادة من أموال الناس في المكافأة. قال المهلب : اختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب ثوابها وقال : إنما أردت الثواب ؛ فقال مالك : ينظر فيه ؛ فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله ذلك ؛ مثل هبة الفقير للغني ، وهبة الخادم لصاحبه ، وهبة الرجل لأميره ومن فوقه ؛ وهو أحد قولي الشافعي. وقال أبو حنيفة : لا يكون له ثواب إذا لم يشترط ؛ وهو قول الشافعي الآخر. قال : والهبة للثواب باطلة لا تنفعه ؛ لأنها بيع بثمن مجهول. واحتج الكوفي بأن موضوع الهبة التبرع ، فلو أوجبنا فيها العوض لبطل معنى التبرع وصارت في معنى المعاوضات ، والعرب قد فرقت بين لفظ البيع ولفظ الهبة ، فجعلت لفظ البيع على ما يستحق فيه العوض ، والهبة بخلاف ذلك. ودليلنا ما رواه مالك في موطئه عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : أيما رجل وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته حتى يرضى
(14/37)




منها. ونحوه عن علّي رضي الله عنه قال : المواهب ثلاثة : موهبة يراد بها وجه الله ، وموهبة يراد بها وجوه الناس ، وموهبة يراد بها الثواب ؛ فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثب منها. وترجم البخاري رحمه الله "باب المكافأة في الهبة" وساق حديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها ، وأثاب على لقحة ولم ينكر على صاحبها حين طلب الثواب ، وإنما أنكر سخطه للثواب وكان زائدا على القيمة. خرجه الترمذي.
الثالثة- ما ذكره علّي رضي الله عنه وفصّله من الهبة صحيح ؛ وذلك أن الواهب لا يخلو في هبته من ثلاثة أحوال : أحدها : أن يريد بها وجه الله تعالى ويبتغي عليها الثواب منه. والثاني : أن يريد بها وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها. والثالث : أن يريد بها الثواب من الموهوب له ؛ وقد مضى الكلام فيه. وقال صلى الله عليه وسلم : "الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" . فأما إذا أراد بهبته وجه الله تعالى وابتغى عليه الثواب من عنده فله ذلك عند الله بفضله ورحمته ؛ قال الله عز وجل : {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}
وكذلك من يصل قرابته ليكون غنيا حتى لا يكون كلا فالنية في ذلك متبوعة ؛ فإن كان ليتظاهر بذلك دنيا فليس لوجه الله ، وإن كان لما له عليه من حق القرابة وبينهما من وشيجة الرحم فإنه لوجه الله.
وأما من أراد بهبته وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها فلا منفعة له في هبته ؛ لا ثواب في الدنيا ولا أجر في الآخرة ؛ قال الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ} الآية.
وأما من أراذ بهبته الثواب من الموهوب له فله ما أراد بهبته ، وله أن يرجع فيها ما لم يثب بقيمتها ، على مذهب ابن القاسم ، أو ما لم يرض منها بأزيد من قيمتها ، على ظاهر قول عمر
(14/38)




وعلّي ، وهو قول مطرف في الواضحة : أن الهبة ما كانت قائمة العين ، وإن زادت أو نقصت فللواهب الرجوع فيها وإن أثابه الموهوب فيها أكثر منها. وقد قيل : إنها إذا كانت قائمة العين لم تتغير فإنه يأخذ ما شاء. وقيل : تلزمه القيمة كنكاح التفويض ، وأما إذا كان بعد فوت الهبة فليس له إلا القيمة اتفاقا ؛ قاله ابن العربي.
الرابعة- قوله تعالى : {لِيَرْبُوَ} قرأ جمهور الفراء القراء ؟ ؟ السبعة : {لِيَرْبُوَ} بالياء وإسناد الفعل إلى الربا. وقرأ نافع وحده : بضم التاء والواو ساكنة على المخاطبة ؛ بمعنى تكونوا ذوي زيادات ، وهذه قراءة ابن عباس والحسن وقتاده والشعبي. قال أبو حاتم : هي قراءتنا. وقرأ أبو مالك : {لتربوها} بضمير مؤنث. {فلا يربو عند الله} أي لا يزكو ولا يثيب عليه ؛ لأنه لا يقبل إلا ما أريد به وجهه وكان خالصا له ؛ وقد تقدم في {النساء}. {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ} قال ابن عباس : أي من صدقة. {تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} أي ذلك الذي يقبله ويضاعفه له عشرة أضعافه أو أكثر ؛ كما قال : {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} وقال : {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} وقال : 0 {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} ولم يقل فأنتم المضعفون لأنه رجع من المخاطبة إلى الغيبة ؛ مثل قوله : {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} وفي معنى المضعفين قولان : أحدهما : أنه تضاعف لهم الحسنات ذكرنا. والآخر : أنهم قد أضعف لهم الخير والنعيم ؛ أي هم أصحاب أضعاف ، كما يقال : فلان مقو إذا كانت إبله قوية ، أو له أصحاب أقوياء. ومسمن إذا كانت إبله سمانا. ومعطش إذا كانت إبله عطاشا. ومضعف إذا كان إبله ضعيفة ؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الشيطان الرجيم" . فالمخبث : الذي أصابه خبث ، يقال : فلان رديء أي هو رديء ؛ في نفسه. ومردئ : أصحابه أردئاء.
(14/39)




الآية : [40] {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
قوله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} ابتداء وخبر. وعاد الكلام إلى الاحتجاج على المشركين وأنه الخالق الرازق المميت المحيي. ثم قال على جهة الاستفهام : {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} لا يفعل. {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ثم نزه نفسه عن الأنداد والأضداد والصاحبة والأولاد وأضاف الشركاء إليهم لأنهم كانوا يسمونهم بالآلهة والشركاء ، ويجعلون لهم من أموالهم.
الآية : [41] {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
قوله تعالى : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} اختلف العلماء في معنى الفساد والبر والبحر ؛ فقال قتادة والسدي : الفساد الشرك ، وهو أعظم الفساد. وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد : فساد البر قتل ابن آدم أخاه ؛ قابيل قتل هابيل. وفي البحر بالملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا. وقيل : الفساد القحط وقلة النبات وذهاب البركة. ونحوه قال ابن عباس قال : هو نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا. قال النحاس : وهو أحسن ما قيل في الآية. وعنه أيضا : أن الفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم. وقال عطية : فإذا قل المطر قل الغوص عنده ، وأخفق الصيادون ، وعميت دواب البحر. وقال ابن عباس : إذا مطرت السماء تفتحت الأصداف في البحر ، فما وقع فيها من السماء فهو لؤلؤ. وقيل : الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش. وقيل : الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم ؛ أي صار هذا العمل مانعا من الزرع والعمارات والتجارات ؛ والمعنى كله متقارب. والبر والبحر هما المعروفان المشهوران في اللغة وعند الناس ؛ لا ما قاله بعض العباد : أن البر اللسان ، والبحر القلب ؛ لظهور
(14/40)




ما على اللسان وخفاء ما في القلب. وقيل : البر : الفيافي ، والبحر : القرى ؛ قاله عكرمة. والعرب تسمي الأمصار البحار. وقال قتادة : البر أهل العمود ، والبحر أهل القرى والريف. وقال ابن عباس : إن البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر ، والبحر ما كان على شط نهر ؛ وقاله مجاهد ، قال : أما والله ما هو بحركم هذا ، ولكن كل قرية على ماء جار فهي بحر. وقال معناه النحاس ، قال : في معناه قولان : أحدهما : ظهر الجذب في البر ؛ أي في البوادي وقراها ، وفي البحر أي في مدن البحر ؛ مثل : {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي ظهر قلة الغيث وغلاء السعر. {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ} أي عقاب بعض {الَّذِي عَمِلُوا} ثم حذف. والقول الآخر : أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم ، فهذا هو الفساد على الحقيقة ، والأول مجاز إلا أنه على الجواب الثاني ، فيكون في الكلام حذف واختصار دل عليه ما بعده ، ويكون المعنى : ظهرت المعاصي في البر والبحر فحبس الله عنهما الغيث وأغلى سعرهم ليذيقهم عقاب بعض الذي عملوا. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعلهم يتوبون. وقال : {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} لأن معظم الجزاء في الآخرة. والقراءة {لِيُذِيقَهُمْ} بالياء. وقرأ ابن عباس بالنون ، وهي قراءة السلمي وابن محيصن وقنبل ويعقوب على التعظيم ؛ أي نذيقهم عقوبة بعض ما عملوا.
الآية : [42] {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}
قوله تعالى : {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ} أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض ليعتبروا بمن قبلهم ، وينظروا كيف كان عاقبة من كذب الرسل {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} أي كافرين فأهلكوا.
الآية : [43] {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ}
(14/41)




قوله تعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} قال الزجاج : أي أقم قصدك ، واجعل جهتك اتباع الدين القيم ؛ يعني الإسلام. وقيل : المعنى أوضح الحق وبالغ في الإعذار ، واشتغل بما أنت فيه ولا تحزن عليهم. {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ} أي لا يرده الله عنهم ، فإذا لم يرده لم يتهيأ لأحد دفعه. ويجوز عند غير سيبويه {لا مَرَدَّ لَهُ} وذلك عند سيبويه بعيد ، إلا أن يكون في الكلام عطف. والمراد يوم القيامة.
قوله تعالى : {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} قال ابن عباس : معناه يتفرقون. وقال الشاعر :
وكنا كنَدْمانَي جَذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
أي لن يتفرقا ؛ نظيره قوله تعالى : {وْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}. والأصل يتصدعون ؛ ويقال : تصدع القوم إذا تفرقوا ؛ ومنه اشتق الصداع ، لأنه يفرق شعب الرأس.
الآية : [44] {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ}
قوله تعالى : {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} أي جزاء كفره. {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } أي يوطئون لأنفسهم في الآخرة فراشا ومسكنا وقرارا بالعمل الصالح ؛ ومنه : مهد الصبي. والمهاد الفراش ، وقد مهدت الفراش مهدا : بسطته ووطأته. وتمهيد الأمور : تسويتها وإصلاحها. وتمهيد العذر : بسطه وقبوله. والتمهد : التمكن. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} قال : في القبر.
الآية : [45] {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ}
(14/42)




قوله تعالى : {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} أي يمهدون لأنفسهم ليجزيهم الله من فضله. وقيل يصدعون ليجزيهم الله ؛ أي ليتميز الكافر من المسلم. {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} .
الآية : [46] {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
قوله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} أي ومن أعلام كمال قدرته إرسال الرياح مبشرات أي بالمطر لأنها تتقدمه. وقد مضى في {الحجر} بيانه. {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} يعني الغيث والخصب. {وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} أي في البحر عند هبوبها. وإنما زاد {أَمْرِهِ} لأن الرياح قد تهب ولا تكون مواتية ، فلا بد من إرساء السفن والاحتيال بحبسها ، وربما عصفت فأغرقتها بأمره. {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} يعني الرزق بالتجارة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} هذه النعم بالتوحيد والطاعة. وقد مضى هذا كله مبينا.
الآية : [47] {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}
قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي المعجزات والحجج النيرات {فَانْتَقَمْنَا} أي فكفروا فانتقمنا ممن كفر. {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} {حَقّاً} نصب على خبر كان ، {نَصْرُ} اسمها. وكان أبو بكر يقف على {حَقّاً} أي وكان عقابنا حقا ، ثم قال : {عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ابتداء وخبر ؛ أي أخبر بأنه لا يخلف الميعاد ، ولا خلف في خبرنا. وروي من حديث أبي الدرداء قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "ما من مسلم يذب عن عرض أخيه إلا كان حقا على الله تعالى أن يرد عنه نار جهنم يوم القيامة - ثم تلا – " وكان حقا علينا نصر المؤمنين " . ذكره النحاس والثعلبي والزمخشري وغيرهم.
(14/43)




الآية : [48] {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}
الآية : [49] {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ}
قوله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} قرأ ابن محيصن وابن كثير وحمزة والكسائي : {الرِّيَحَ} بالتوحيد. والباقون بالجمع. قال أبو عمرو : وكل ما كان بمعنى الرحمة فهو جمع ، وما كان بمعنى العذاب فهو موحد. وقد مضى في {البقرة} معنى هذه الآية وفي غيرها. {كِسَفاً} جمع كسفة وهي القطعة. وفي قراءة الحسن وأبي جعفر وعبدالرحمن الأعرج وابن عامر {كِسَفا} بإسكان السين ، وهي أيضا جمع كسفة ؛ كما يقال : سدرة وسدر ؛ وعلى هذه القراءة يكون المضمر الذي بعده عائدا عليه ؛ أي فترى الودق أي المطر يخرج من خلال الكسف ؛ لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاء لا غير فالتذكير فيه حسن. ومن قرأ : {كِسَفاً} فالمضمر عنده عائد على السحاب. وفي قراءة الضحاك وأبي العالية وابن عباس : {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِهِ} ويجوز أن يكون خلل جمع خلال. {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ} أي بالمطر. {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} يفرحون بنزول المطر عليهم. {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} أي يائسين مكتئبين قد ظهر الحزن عليهم لاحتباس المطر عنهم. و {مِنْ قَبْلِهِ} تكرير عند الأخفش معناه التأكيد ؛ وأكثر النحويين على هذا القول ؛ قاله النحاس. وقال قطرب : إن {قبل} الأولى للإنزال والثانية للمطر ؛ أي وإن كانوا من قبل التنزيل من قبل المطر. وقيل : المعنى من قبل تنزيل الغيث عليهم من قبل الزرع ، ودل على الزرع المطر إذ بسببه يكون. ودل عليه أيضا {فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً} على ما يأتي. وقيل : المعنى من قبل السحاب من قبل رؤيته ؛ واختار هذا القول النحاس ، أي من قبل رؤية السحاب {لَمُبْلِسِينَ} أي ليائسين. وقد تقدم ذكر السحاب.
(14/44)




الآية : [50] {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
قوله تعالى : {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ} يعني المطر ؛ أي انظروا نظر استبصار واستدلال ؛ أي استدلوا بذلك على أن من قدر عليه قادر على إحياء الموتى. وقرأ ابن عامر وحفص وحمزه والكسائي : {آثَارِ} بالجمع. الباقون "بالتوحيد ؛ لأنه مضاف إلى مفرد. والأثر فاعل "يحيي" ويجوز أن يكون الفاعل اسم الله عز وجل. ومن قرأ : {آثَارِ} بالجمع فلأن رحمة الله يجوز أن يراد بها الكثرة ؛ كما قال تعالى : {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} وقرأ الجحدري وأبو حيوة وغيرهما : {كَيْفَ تُحْيِي الأَرْضَ} بتاء ؛ ذهب بالتأنيث إلى لفظ الرحمة ؛ لأن أثر الرحمة يقوم مقامها فكأنه هو الرحمة ؛ أي كيف تحيي الرحمة الأرض أو الآثار. "ويحيي" أي يحيي الله عز وجل أو المطر أو الأثر فيمن قرأ بالياء. و {كَيْفَ تُحْيِي الأَرْضَ} في موضع نصب على الحال على الحمل على المعنى لأن اللفظ لفظ الاستفهام والحال خبر ؛ والتقدير : فانظر إلى أثر رحمة الله محيية للأرض بعد موتها. {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} استدلال بالشاهد على الغائب.
الآية : [51] { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ }
قوله تعالى : {و{ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً }يعني الريح ، والريح يجوز تذكيره. قال محمد بن يزيد : لا يمتنع تذكير كل مؤنث غير حقيقي ، نحو أعجبني الدار وشبهه. وقيل : فرأوا السحاب. وقال ابن عباس : الزرع ، وهو الأثر ؛ والمعنى : فرأوا الأثر مصفرا ؛ واصفرار الزرع بعد اخضراره يدل على يبسه ، وكذا السحاب يدل على أنه لا يمطر ، والريح على أنها لا تلقح {لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} أي ليظلن ؛ وحسن وقوع الماضي في موضع المستقبل لما في الكلام من معنى المجازاة ، والمجازاة لا تكون إلا بالمستقبل ؛ قاله الخليل وغيره.
(14/45)




الآية : [52] {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}
الآية : [53] {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}
قوله تعالى : {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} أي وضحت الحجج يا محمد ؛ لكنهم لإلفهم تقليد الأسلاف في الكفر ماتت عقولهم وعميت بصائرهم ، فلا يتهيأ لك إسماعهم وهدايتهم. وهذا رد على القدرية. {إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا} أي لا تسمع مواعظ الله إلا المؤمنين الذين يصغون إلى أدلة التوحيد وخلقت لهم الهداية. وقد مضى هذا في {النمل} ووقع قوله {بِهَادِ الْعُمْيِ} هنا بغير ياء.
الآية : [54] {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}
قوله تعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} ذكر استدلالا آخر على قدرته في نفس الإنسان ليعتبر. ومعنى : {مِنْ ضَعْفٍ} من نطفة ضعيفة. وقيل : {مِنْ ضَعْفٍ} أي في حال ضعف ؛ وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر. {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} يعني الشبيبة. {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} يعني الهرم. وقرأ عاصم وحمزة : بفتح الضاد فيهن ، الباقون بالضم ، لغتان ، والضم لغة النبي صلى الله عليه وسلم. وقرأ الجحدري : {مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ} بالفتح فيهما ؛ {ضُعْفَا} بالضم خاصة. أراد أن يجمع بين اللغتين. قال الفراء : الضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم. الجوهري : الضعف والضعف : خلاف القوة. وقيل : الضعف بالفتح في الرأي ، وبالضم في الجسد ؛ ومنه الحديث في الرجل
(14/46)




الذي كان يخدع في البيوع : "أنه يبتاع وفي عقدته ضعف". {وَشَيْبَةً} مصدر كالشيب ، والمصدر يصلح للجملة ، وكذلك القول في الضعف والقوة. {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} عني من قوة وضعف. {وَهُوَ الْعَلِيمُ} بتدبيره. {الَقَدِيرُ} على إرادته. وأجاز النحويون الكوفيون {من ضَعَف} بفتح العين ، وكذا كل ما كان فيه حرف من حروف الحلق ثانيا أو ثالثا.
الآية : [55] {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}
قوله تعالى : {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} أي يحلف المشركون. {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} ليس في هذا رد لعذاب القبر ؛ إذ كان قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق أنه تعوذ منه ، وأمر أن يتعوذ منه ؛ فمن ذلك ما رواه عبدالله بن مسعود قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وهي تقول : اللهم أمتعني بزوجي رسول الله ، وبأبي أبي سفيان ، وبأخي معاوية ؛ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : "لقد سألت الله لآجال مضروبة وأرزاق مقسومة ولكن سليه أن يعيذك من عذاب جهنم وعذاب القبر" في أحاديث مشهورة خرجها مسلم والبخاري وغيرهما. وقد ذكرنا منها جملة في كتاب "التذكرة". وفي معنى : {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} قولان : أحدهما : أنه لا بد من خمدة قبل يوم القيامة ؛ فعلى هذا قالوا : ما لبثنا غير ساعة. والقول الآخر : أنهم يعنون في الدنيا لزوالها وانقطاعها ، كما قال الله تعالى : {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ، وإن كانوا قد أقسموا على غيب وعلى غير ما يدرون. قال تعالى : {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} أي كانوا يكذبون في الدنيا ؛ يقال : أفك الرجل إذا صرف عن الصدق والخير. وأرض مأفوكة : ممنوعة من المطر. وقد زعم جماعة من أهل النظر أن القيامة لا يجوز أن يكون فيها كذب لما هم فيه ، والقرآن يدل على غير ذلك ، قال الله عز وجل : {كَذَلِكَ كَانُوا
(14/47)




يُؤْفَكُونَ} أي كما صرفوا عن الحق في قسمهم أنهم ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يصرفون عن الحق في الدنيا ؛ وقال جل وعز : {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} وقال : {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ. انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا}
الآية : 56 {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}
قوله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} اختلف في الذين أوتوا العلم ؛ فقيل الملائكة. وقيل الأنبياء. وقيل علماء الأمم. وقيل مؤمنو هذه الأمة. وقيل جميع المؤمنين ؛ أي يقول المؤمنون للكفار ردا عليهم لقد لبثتم في قبوركم إلى يوم البعث. والفاء في قوله : {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} جواب لشرط محذوف دل عليه الكلام ؛ مجازه : إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث. وحكى يعقوب عن بعض القراء وهي قراءة الحسن : {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} بالتحريك ؛ وهذا مما فيه حرف من حروف الحلق. وقيل : معنى {فِي كِتَابِ اللَّهِ } في حكم الله. وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ؛ أي وقال الذين أوتوا العلم في كتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يوم البعث ؛ قاله مقاتل وقتادة والسدي. القشيري : وعلى هذا {أُوتُوا الْعِلْمَ} بمعنى كتاب الله. وقيل : الذين حكم لهم في الكتاب بالعلم {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ} أي اليوم الذي كنتم تنكرونه.

(14/48)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طارق أحمد العاقب عبدالمجي
دويمابي برتبة نقيب
دويمابي برتبة نقيب
طارق أحمد العاقب عبدالمجي


عدد الرسائل : 371

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 14 مايو - 22:14

نسأل الله العلي القدير ان يجعل هذه المساهمات في ميزان حسناتك عمنا فوزي عبدالقادر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالثلاثاء 15 مايو - 15:24


ولك مثلها ابن أخي الكريم.. وكل من يقرأها والتزود بما يرد فيها من الذكر الحكيم ومن تفسير...

جزاك الله خيراً طارق...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: