منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأحد 17 أكتوبر - 17:10



________________________________________
فيه أربع مسائل :
الأولى : قال العلماء : لما أمر الله تعالى بالإنفاق وصحبة الأيتام والنساء بجميل المعاشرة قال : لا تمتنعوا عن شيء من المكارم تعللا بأنا حلفنا ألا نفعل كذا ، قال معناه ابن عباس والنخعي ومجاهد والربيع وغيرهم. قال سعيد بن جبير : "هو الرجل يحلف ألا يبر ولا يصل ولا يصلح بين الناس ، فيقال له : بر ، فيقول : قد حلفت". وقال بعض المتأولين : المعنى ولا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح ، فلا يحتاج إلى تقدير "لا" بعد "أن". وقيل : المعنى لا تستكثروا من اليمين بالله فإنه أهيب للقلوب ، ولهذا قال تعالى : {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة : 89]. وذم من كثر اليمين فقال تعالى : {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ} [القلم : 10]. والعرب تمتدح بقلة الأيمان ، حتى قال قائلهم :
قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن صدرت منه الألية برت
وعلى هذا{أن تبروا} معناه : أقلوا الأيمان لما فيه من البر والتقوى ، فان الإكثار يكون معه الحنث وقلة رعي لحق الله تعالى ، وهذا تأويل حسن. مالك بن أنس : بلغني أنه الحلف بالله في كل شيء. وقيل : المعنى لا تجعلوا اليمين مبتذلة في كل حق وباطل وقال الزجاج وغيره : معنى الآية أن يكون الرجل إذا طلب منه فعل خير اعتل بالله فقال : علي يمين ، وهو لم يحلف القتبي : المعنى إذا حلفتم على ألا تصلوا أرحامكم ولا تتصدقوا ولا تصلحوا ، وعلى أشباه ذلك من أبواب البر فكفروا اليمين.
قلت : وهذا حسن لما بيناه ، وهو الذي يدل على سبب النزول ، على ما نبينه في المسألة بعد هذا.
الثانية : - قيل : نزلت بسبب الصديق إذ حلف ألا ينفق على مسطح حين تكلم في عائشة رضي الله عنها ، كما في حديث الإفك ، وسيأتي بيانه في "النور" ، عن ابن جريج. وقيل : نزلت في الصديق أيضا حين حلف ألا يأكل مع الأضياف. وقيل نزلت في عبدالله بن رواحة حين حلف ألا يكلم بشير بن النعمان وكان ختنه على أخته ، والله أعلم.
(3/97)
________________________________________
الثالثة : - قوله تعالى : { عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} أي نصبا ، عن الجوهري. وفلان عرضة ذاك ، أي عرضة لذلك ، أي مقرن له قوي عليه. والعرضة : الهمة. قال :
هم الأنصار عرضتها اللقاء
وفلان عرضة للناس : لا يزالون يقعون فيه. وجعلت فلانا عرضة لكذا أي نصبته له ، وقيل : العرضة من الشدة والقوة ، ومنه قولهم للمرأة : عرضة للنكاح ، إذا صلحت له وقويت عليه ، ولفلان عرضة : أي قوة على السفر والحرب ، قال كعب بن زهير :
من كان نضاخة الذفرى إذا عرقت ... عرضتها طامس الأعلام مجهول
وقال عبدالله بن الزبير :
فهذي لأيام الحروب وهذه ... للهوي وهذي عرضة لارتحالنا
أي عدة. وقال آخر :
فلا تجعلني عرضة للوائم
وقال أوس بن حجر :
وأدماء مثل الفحل يوما عرضتها ... لرحلي وفيها هزة وتقاذف
والمعنى : لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم ، وعدة في الامتناع من البر.
قوله تعالى : {أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} مبتدأ وخبره محذوف ، أي البر والتقوى والإصلاح أولى وأمثل ، مثل { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [محمد : 21] عن الزجاج والنحاس. وقيل : محله النصب ، أي لا تمنعكم اليمين بالله عز وجل البر والتقوى والإصلاح ، عن الزجاج أيضا. وقيل : مفعول من أجله. وقيل : معناه ألا تبروا ، فحذف "لا" ، كقوله تعالى : {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء : 176] أي لئلا تضلوا ، قاله الطبري والنحاس. ووجه رابع من وجوه النصب : كراهة أن تبروا ، ثم حذفت ، ذكره النحاس والمهدوي. وقيل : هو في موضع خفض
(3/98)
________________________________________
على قول الخليل والكسائي ، التقدير : في أن تبروا ، فأضمرت "في" وخفضت بها. و"سميع" أي لأقوال العباد. "عليم" بنياتهم.
*3*الآية : 225 {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}
قوله تعالى : {بِاللَّغْوِ} اللغو : مصدر لغا يلغو ويلغى ، ولغي يلغى لغا إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام ، أو بما لا خير فيه ، أو بما يلغى إثمه ، وفي الحديث : "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت". ولغة أبي هريرة "فقد لغيت" وقال الشاعر :
ورب أسراب حجيج كظم ... عن اللغا ورفث التكلم
وقال آخر :
ولست بمأخوذ بلغو تقوله ... إذا لم تعمد عاقدات العزائم
واختلف العلماء في اليمين التي هي لغو ، فقال ابن عباس : "هو قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة : لا والله ، وبلى والله ، دون قصد لليمين". قال المروزي : لغو اليمين التي اتفق العلماء على أنها لغو هو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين ولا مريدها. وروى ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : "أيمان اللغو ما كانت في المراء والهزل والمزاحة والحديث الذي لا ينعقد عليه القلب". وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : نزل قوله تعالى : {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} في قول الرجل : لا والله ، وبلى والله". وقيل : اللغو ما يحلف به على الظن ، فيكون بخلافه ، قاله مالك ،
(3/99)
________________________________________
حكاه ابن القاسم عنه ، وقال به جماعة من السلف. قال أبو هريرة : "إذا حلف الرجل على الشيء لا يظن إلا أنه إياه ، فإذا ليس هو ، فهو اللغو ، وليس فيه كفارة" ، ونحوه عن ابن عباس. وروي : أن قوما تراجعوا القول عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يرمون بحضرته ، فحلف أحدهم لقد أصبت وأخطأت يا فلان ، فإذا الأمر بخلاف ذلك ، فقال الرجل : حنث يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أيمان الرماة لغو لا حنث فيها ولا كفارة". وفي الموطأ قال مالك : أحسن ما سمعت في هذا أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد بخلافه ، فلا كفارة فيه. والذي يحلف على الشيء وهو يعلم أن فيه آثم كاذب ليرضي به أحدا ، أو يعتذر لمخلوق ، أو يقتطع به مالا ، فهذا أعظم من أن يكون فيه كفارة ، وإنما الكفارة على من حلف ألا يفعل الشيء المباح له فعله ثم يفعله ، أو أن يفعله ثم لا يفعله ، مثل إن حلف ألا يبيع ثوبه بعشرة دراهم ثم يبيعه بمثل ذلك ، أو حلف ليضربن غلامه ثم لا يضربه. وروى عن ابن عباس - إن صح عنه - قال : "لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان" ، وقاله طاوس. وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يمين في غضب" أخرجه مسلم. وقال سعيد بن جبير : هو تحريم الحلال ، فيقول : مالي علي حرام إن فعلت كذا ، والحلال علي حرام ، وقاله مكحول الدمشقي ، ومالك أيضا ، إلا في الزوجة فإنه ألزم فيها التحريم إلا أن يخرجها الحالف بقلبه. وقيل : هو يمين المعصية ، قاله سعيد بن المسيب ، وأبو بكر بن عبدالرحمن وعروة وعبدالله ابنا الزبير ، كالذي يقسم ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم فبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة عليه ، وحجتهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها" أخرجه ابن ماجة في سننه ، وسيأتي في "المائدة" أيضا. وقال زيد بن أسلم لغو اليمين دعاء الرجل على نفسه : أعمى الله بصره ، أذهب الله ماله ، هو يهودي ، هو مشرك ، هو لغية إن فعل كذا. مجاهد : هما الرجلان يتبايعان فيقول أحدهما : والله لا أبيعك بكذا ، ويقول الآخر ، والله لا أشتريه بكذا. النخعي : هو الرجل يحلف ألا يفعل الشيء ثم ينسى فيفعله.
(3/100)
________________________________________
وقال ابن عباس أيضا والضحاك : "إن لغو اليمين هي المكفرة ، أي إذا كفرت اليمين سقطت وصارت لغوا ، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير". وحكى ابن عبدالبر قولا : أن اللغو أيمان المكره. قال ابن العربي : أما اليمين مع النسيان فلا شك في إلغائها. لأنها جاءت على خلاف قصده ، فهي لغو محض.
قلت : ويمين المكره بمثابتها. وسيأتي حكم من حلف مكرها في "النحل" إن شاء الله تعالى. قال ابن العربي : وأما من قال إنه يمين المعصية فباطل ، لأن الحالف على ترك المعصية تنعقد يمينه عبادة ، والحالف على فعل المعصية تنعقد يمينه معصية ، ويقال له : لا تفعل وكفر ، فإن أقدم على الفعل أثم في إقدامه وبر في قسمه. وأما من قال : إنه دعاء الإنسان على نفسه إن لم يكن كذا فينزل به كذا ، فهو قول لغو ، في طريق الكفارة ، ولكنه منعقد في القصد ، مكروه ، وربما يؤاخذ به ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا يدعون أحدكم على نفسه فربما صادف ساعة لا يسأل الله أحد فيها شيئا إلا أعطاه إياه". وأما من قال إنه يمين الغضب فإنه يرده حلف النبي صلى الله عليه وسلم غاضبا ألا يحمل الأشعريين وحملهم وكفر عن يمينه. وسيأتي في "براءة ". قال ابن العربي : وأما من قال : إنه اليمين المكفرة فلا متعلق له يحكى. وضعفه ابن عطية أيضا وقال : قد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو ، فحقيقتها لا إثم فيه ولا كفارة ، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في اليمين الغموس المصبورة ، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة ، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة ، فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة ، لأن المؤاخذة قد وقعت فيها ، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم.
الثالثة : - قوله تعالى : {فِي أَيْمَانِكُمْ} الأيمان جمع يمين ، واليمين الحلف ، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاقدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه ، ثم كثر ذلك حتى سمي
(3/101)
________________________________________
الحلف والعهد نفسه يمينا. وقيل : يمين فعيل من اليمن ، وهو البركة ، سماها الله تعالى بذلك لأنها تحفظ الحقوق. ويمين تذكر وتؤنث ، وتجمع أيمان وأيمن ، قال زهير :
فتجمع أيمن منا ومنكم
قوله تعالى : {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} مثل قوله : {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ} [المائدة : 89]. وهناك يأتي الكلام فيه مستوفى ، إن شاء الله تعالى. وقال زيد بن أسلم : قوله تعالى : {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} هو في الرجل يقول : هو مشرك إن فعل ، أي هذا اللغو ، إلا أن يعقد الإشراك بقلبه ويكسبه. و {غفور حليم} صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة ، إذ هو باب رفق وتوسعة.
*3*الآيتان : 226 - 227 {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
فيه أربع وعشرون مسألة :
الأولى : - قوله تعالى : {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ} "يؤلون" معناه يحلفون ، والمصدر إيلاء وألية وألوة وإلوة. وقرأ أبي وابن عباس "للذين يقسمون". ومعلوم أن "يقسمون" تفسير "يؤلون". وقرئ "للذين آلوا" يقال : آلى يؤلي إيلاء ، وتألى تأليا ، وائتلى ائتلاء ، أي حلف ، ومنه {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} ، وقال الشاعر :
فآليت لا أنفك أحدو قصيدة ... تكون وإياها بها مثلا بعدي
وقال آخر :
قليل الألايا حافظ ليمينه ... وإن سبقت منه الألية برت
وقال ابن دريد :
ألية باليعملات يرتمي ...
بها النجاء بين أجواز الفلا
(3/102)
________________________________________
قال عبدالله بن عباس : كان إيلاء الجاهلية السنة والسنتين وأكثر من ذلك ، يقصدون بذلك إيذاء المرأة عند المساءة ، فوقت لهم أربعة أشهر ، فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلاء حكمي.
قلت : وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلق ، وسبب إيلائه سؤال نسائه إياه من النفقة ما ليس عنده ، كذا في صحيح مسلم. وقيل : لأن زينب ردت عليه هديته ، فغضب صلى الله عليه وسلم فآلى منهن ، ذكره ابن ماجة.
ويلزم الإيلاء كل من يلزمه الطلاق ، فالحر والعبد والسكران يلزمه الإيلاء. وكذلك السفيه والمولى عليه إذا كان بالغا غير مجنون ، وكذلك الخصي إذا لم يكن مجبوبا ، والشيخ إذا كان فيه بقية رمق ونشاط. واختلف قول الشافعي في المجبوب إذا آلى ، ففي قول : لا إيلاء له. وفي قول : يصح إيلاؤه ، والأول أصح وأقرب إلى الكتاب والسنة ، فإن الفيء هو الذي يسقط اليمين ، والفيء بالقول لا يسقطها ، فإذا بقيت اليمين المانعة من الحنث بقي حكم الإيلاء. وإيلاء الأخرس بما يفهم عنه من كتابة أو إشارة مفهومة لازم له ، وكذلك الأعجمي إذا آلى من نسائه.
واختلف العلماء فيما يقع به الإيلاء من اليمين ، فقال قوم : لا يقع الإيلاء إلا باليمين بالله تعالى وحده لقوله عليه السلام : "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت". وبه قال الشافعي في الجديد. وقال ابن عباس : "كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء" ، وبه قال الشعبي والنخعي ومالك وأهل الحجاز وسفيان الثوري وأهل العراق ، والشافعي في القول الآخر ، وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر والقاضي أبو بكر بن العربي. قال ابن عبدالبر : وكل يمين لا يقدر صاحبها على جماع امرأته من أجلها إلا بأن يحنث فهو بها مول ، إذا كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر ، فكل من حلف بالله أو بصفة من صفاته أو قال : أقسم بالله ، أو أشهد بالله ، أو علي عهد الله وكفالته وميثاقه وذمته فإنه يلزمه الإيلاء. فإن قال : أقسم أو أعزم ولم يذكر بـ "الله" فقيل : لا يدخل عليه الإيلاء ، إلا أن يكون أراد بـ "الله" ونواه.
(3/103)
________________________________________
ومن قال إنه يمين يدخل عليه ، وسيأتي بيانه في "المائدة" إن شاء الله تعالى. فإن حلف بالصيام ألا يطأ امرأته فقال : إن وطئتك فعلي صيام شهر أو سنة فهو مول. وكذلك كل ما يلزمه من حج أو طلاق أو عتق أو صلاة أو صدقة. والأصل في هذه الجملة عموم قوله تعالى : {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ} ولم يفرق ، فإذا آلى بصدقة أو عتق عبد معين أو غير معين لزم الإيلاء.
الرابعة : - فإن حلف بالله ألا يطأ واستثنى فقال : إن شاء الله فإنه يكون موليا ، فإن وطئها فلا كفارة عليه في رواية ابن القاسم عن مالك. وقال ابن الماجشون في المبسوط : ليس بمول ، وهو أصح لأن الاستثناء يحل اليمين ويجعل الحالف كأنه لم يحلف ، وهو مذهب فقهاء الأمصار ، لأنه بين بالاستثناء أنه غير عازم على الفعل. ووجه ما رواه ابن القاسم مبني على أن الاستثناء لا يحل اليمين ، ولكنه يؤثر في إسقاط الكفارة ، على ما يأتي بيانه في "المائدة" فلما كانت يمينه باقية منعقدة لزمه حكم الإيلاء وإن لم تجب عليه كفارة.
الخامسة : - فإن حلف بالنبي أو الملائكة أو الكعبة ألا يطأها ، أو قال هو يهودي أو نصراني أو زان إن وطئها ، فهذا ليس بمول ، قاله مالك وغيره. قال الباجي : ومعنى ذلك عندي أنه أورده على غير وجه القسم ، وأما لو أورده على أنه مول بما قاله من ذلك أو غيره ، ففي المبسوط : أن ابن القاسم سئل عن الرجل يقول لامرأته : لا مرحبا ، يريد بذلك الإيلاء يكون موليا ، قال : قال مالك : كل كلام نوي به الطلاق فهو طلاق ، وهذا والطلاق سواء.
السادسة : - واختلف العلماء في الإيلاء المذكور في القرآن ، فقال ابن عباس : "لا يكون موليا حتى يحلف ألا يمسها أبدا". وقال طائفة : إذا حلف ألا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء ، روي هذا عن ابن مسعود والنخعي وابن أبي ليلى والحكم وحماد بن أبي سليمان وقتادة ، وبه قال إسحاق. قال ابن المنذر : وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم. وقال الجمهور : الإيلاء هو أن يحلف ألا يطأ أكثر من أربعة أشهر ، فان حلف على أربعة فما دونها لا يكون موليا ، وكانت عندهم يمينا محضا ، لو وطئ في هذه
(3/104)
________________________________________
المدة لم يكن عليه شيء كسائر الأيمان ، هذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور. وقال الثوري والكوفيون : الإيلاء أن يحلف على أربعة أشهر فصاعدا ، وهو قول عطاء. قال الكوفيون : جعل الله التربص في الإيلاء أربعة أشهر كما جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ، وفي العدة ثلاثة قروء ، فلا تربص بعد. قالوا : فيجب بعد المدة سقوط الإيلاء ، ولا يسقط إلا بالفيء وهو الجماع في داخل المدة ، والطلاق بعد انقضاء الأربعة الأشهر. واحتج مالك والشافعي فقالا : جعل الله للمولي أربعة أشهر ، فهي له بكمالها لا اعتراض لزوجته عليه فيها ، كما أن الدين المؤجل لا يستحق صاحبه المطالبة به إلا بعد تمام الأجل. ووجه قول إسحاق - في قليل الأمد يكون صاحبه به موليا إذا لم يطأ - القياس على من حلف على أكثر من أربعة أشهر فإنه يكون موليا ، لأنه قصد الإضرار باليمين ، وهذا المعنى موجود في المدة القصيرة.
السابعة : - واختلفوا أن من حلف ألا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر فانقضت الأربعة الأشهر ولم تطالبه امرأته ولا رفعته إلى السلطان ليوقفه ، لم يلزمه شيء عند مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة. ومن علمائنا من يقول : يلزمه بانقضاء الأربعة الأشهر طلقة رجعية. ومنهم ومن غيرهم من يقول : يلزمه طلقة بائنة بانقضاء الأربعة الأشهر. والصحيح ما ذهب إليه مالك وأصحابه ، وذلك أن المولي لا يلزمه طلاق حتى يوقفه السلطان بمطالبة زوجته له ليفيء فيراجع امرأته بالوطء ويكفر يمينه أو يطلق ، ولا يتركه حتى يفيء أو يطلق. والفيء : الجماع فيمن يمكن مجامعتها. قال سليمان بن يسار : كان تسعة رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوقفون في الإيلاء ، قال مالك : وذلك الأمر عندنا ، وبه قال الليث والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ، واختاره ابن المنذر.
الثامنة : - وأجل المولي من يوم حلف لا من يوم تخاصمه امرأته وترفعه إلى الحاكم ، فإن خاصمته ولم ترض بامتناعه من الوطء ضرب له السلطان أجل أربعة أشهر من يوم حلف ،
(3/105)
________________________________________
فإن وطئ فقد فاء إلى حق الزوجة وكفر عن يمينه ، وإن لم يفيء طلق عليه طلقة رجعية. قال مالك : فإن راجع لا تصح رجعته حتى يطأ في العدة. قال الأبهري : وذلك أن الطلاق إنما وقع لدفع الضرر ، فمتى لم يطأ فالضرر باق ، فلا معنى للرجعة إلا أن يكون له عذر يمنعه من الوطء فتصح رجعته ، لأن الضرر قد زال ، وامتناعه من الوطء ليس من أجل الضرر وإنما هو من أجل العذر.
التاسعة : - 0واختلف العلماء في الإيلاء في غير حال الغضب ، فقال ابن عباس : "لا إيلاء إلا بغضب" ، وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المشهور عنه ، وقاله الليث والشعبي والحسن وعطاء ، كلهم يقولون : "الإيلاء لا يكون إلا على وجه مغاضبة ومشادة وحرجة ومناكدة ألا يجامعها في فرجها إضرارا بها ، وسواء كان في ضمن ذلك إصلاح ولد أم لم يكن ، فإن لم يكن عن غضب فليس بإيلاء". وقال ابن سيرين : سواء كانت اليمين في غضب أو غير غضب هو إيلاء ، وقاله ابن مسعود والثوري ومالك وأهل العراق والشافعي وأصحابه وأحمد ، إلا أن مالكا قال : ما لم يرد إصلاح ولد. قال ابن المنذر : وهذا أصح ، لأنهم لما أجمعوا أن الظهار والطلاق وسائر الأيمان سواء في حال الغضب والرضا كان الإيلاء كذلك.
قلت : ويدل عليه عموم القرآن ، وتخصيص حالة الغضب يحتاج إلى دليل ولا يؤخذ من وجه يلزم. والله أعلم.
العاشرة : - قال علماؤنا : ومن امتنع من وطء امرأته بغير يمين حلفها إضرارا بها أمر بوطئها ، فإن أبى وأقام على امتناعه مضرا بها فرق بينه وبينها من غير ضرب أجل. وقد قيل : يضرب أجل الإيلاء. وقد قيل : لا يدخل على الرجل الإيلاء في هجرته من زوجته وإن أقام سنين لا يغشاها ، ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى الله تعالى في ألا يمسكها ضرارا.
الحادي عشرة : - واختلفوا فيمن حلف ألا يطأ امرأته حتى تفطم ولدها لئلا يمغل ولدها ، ولم يرد إضرارا بها حتى ينقضي أمد الرضاع لم يكن لزوجته عند مالك مطالبة لقصد
(3/106)
________________________________________
إصلاح الولد. قال مالك : وقد بلغني أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلاء ، وبه قال الشافعي في أحد قوليه ، والقول الآخر يكون موليا ، ولا اعتبار برضاع الولد ، وبه قال أبو حنيفة.
الثانية عشرة : - وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والأوزاعي وأحمد بن حنبل إلى أنه لا يكون موليا من حلف ألا يطأ زوجته في هذا البيت أو في هذه الدار لأنه يجد السبيل إلى وطئها في غير ذلك المكان. قال ابن أبي ليلى وإسحاق : إن تركها أربعة أشهر بانت بالإيلاء ، ألا ترى أنه يوقف عند الأشهر الأربعة ، فإن حلف ألا يطأها في مصره أو بلده فهو مول عند مالك ، وهذا إنما يكون في سفر يتكلف المؤونة والكلفة دون جنته أو مزرعته القريبة.
الثالثة عشرة - : قوله تعالى : {مِنْ نِسَائِهِمْ} يدخل فيه الحرائر والذميات والإماء إذا تزوجن. والعبد يلزمه الإيلاء من زوجته. قال الشافعي وأحمد وأبو ثور : إيلاؤه مثل إيلاء الحر ، وحجتهم ظاهر
قوله تعالى : {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} فكان ذلك لجميع الأزواج. قال ابن المنذر : وبه أقول. وقال مالك والزهري وعطاء بن أبي رباح وإسحاق : أجله شهران. وقال الحسن والنخعي : إيلاؤه من زوجته الأمة شهران ، ومن الحرة أربعة أشهر ، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشعبي : إيلاء الأمة نصف إيلاء الحرة.
الرابعة عشرة - : قال مالك وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والنخعي وغيرهم : المدخول بها وغير المدخول بها سواء في لزوم الإيلاء فيهما. وقال الزهري وعطاء والثوري : لا إيلاء إلا بعد الدخول. وقال مالك : ولا إيلاء من صغيرة لم تبلغ ، فإن آلى منها فبلغت لزم الإيلاء من يوم بلوغها.
الخامسة عشرة - : وأما الذمي فلا يصح إيلاؤه ، كما لا يصح ظهاره ولا طلاقه ، وذلك أن نكاح أهل الشرك ليس عندنا بنكاح صحيح ، وإنما لهم شبهة يد ، ولأنهم لا يكلفون الشرائع فتلزمهم كفارات الأيمان ، فلو ترافعوا إلينا في حكم الإيلاء لم ينبغ لحاكمنا أن يحكم
(3/107)
________________________________________
بينهم ، ويذهبون إلى حكامهم ، فإن جرى ذلك مجرى التظالم بينهم حكم بحكم الإسلام ، كما لو ترك المسلم وطء زوجته ضرارا من غير يمين.
قوله تعالى : {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} التربص : التأني والتأخر ، مقلوب التصبر ، قال الشاعر :
تربص بها ريب المنون لعلها ... تطلق يوما أو يموت حليلها
وأما فائدة توقيت الأربعة الأشهر فيما ذكر ابن عباس عن أهل الجاهلية كما تقدم ، فمنع الله من ذلك وجعل للزوج مدة أربعة أشهر في تأديب المرأة بالهجر ، لقوله تعالى : {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء : 34] وقد آلى النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه شهرا تأديبا لهن. وقد قيل : الأربعة الأشهر هي التي لا تستطيع ذات الزوج أن تصبر عنه أكثر منها ، وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد :
ألا طال هذا الليل وأسود جانبه ... وأرقني أن لا حبيب ألاعبه
فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفني ... وإكرام بعلي أن تنال مراكبه
فلما كان من الغد استدعى عمر بتلك المرأة وقال لها : أين زوجك ؟ فقالت : بعثت به إلى العراق! فاستدعى نساء فسألهن عن المرأة كم مقدار ما تصبر عن زوجها ؟ فقلن : شهرين ، ويقل صبرها في ثلاثة أشهر ، وينفد صبرها في أربعة أشهر ، فجعل عمر مدة غزو الرجل أربعة أشهر ، فإذا مضت أربعة أشهر استرد الغازين ووجه بقوم آخرين ، وهذا والله أعلم يقوي اختصاص مدة الإيلاء بأربعة أشهر.
السابعة عشرة : - قوله تعالى : {فَإِنْ فَاءُوا} معناه رجعوا ، ومنه {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات : 9] ومنه قيل للظل بعد الزوال : فيء ، لأنه رجع من جانب المشرق إلى جانب المغرب ، يقال : فاء يفيء فيئة وفيوءا. وإنه لسريع الفيئة ، يعني الرجوع. قال :
ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ...
ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا
(3/108)
________________________________________
الثامنة عشرة : - قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الفيء الجماع لمن لا عذر له ، فإن كان له عذر مرض أو سجن أو شبه ذلك فإن ارتجاعه صحيح وهي امرأته ، فإذا زال العذر بقدومه من سفره أو إفاقته من مرضه ، أو انطلاقه من سجنه فأبى الوطء فرق بينهما إن كانت المدة قد انقضت ، قاله مالك في المدونة والمبسوط. وقال عبدالملك : وتكون بائنا منه يوم انقضت المدة ، فإن صدق عذره بالفيئة إذا أمكنته حكم بصدقه فيما مضى ، فان أكذب ما ادعاه من الفيئة بالامتناع حين القدرة عليها ، حمل أمره على الكذب فيها واللدد ، وأمضيت الأحكام على ما كانت تجب في ذلك الوقت. وقالت طائفة : إذا شهدت بينة بفيئته في حال العذر أجزأه ، قاله الحسن وعكرمة والنخعي : وبه قال الأوزاعي. وقال النخعي أيضا : يصح الفيء بالقول والإشهاد فقط ، ويسقط حكم الإيلاء ، أرأيت إن لم ينتشر للوطء ، قال ابن عطية : ويرجع هذا القول إن لم يطأ إلى باب الضرر. وقال أحمد بن حنبل : إذا كان له عذر يفيء بقلبه ، وبه قال أبو قلابة. وقال أبو حنيفة : إن لم يقدر على الجماع فيقول : قد فئت إليها. قال الكيا الطبري : أبو حنيفة يقول فيمن آلى وهو مريض وبينه وبينها مدة أربعة أشهر ، وهي رتقاء أو صغيره أو هو مجبوب : إنه إذا فاء إليها بلسانه ومضت المدة والعذر قائم فذلك فيء صحيح ، والشافعي يخالفه على أحد مذهبيه. وقالت طائفة : لا يكون الفيء إلا بالجماع في حال العذر وغيره ، وكذلك قال سعيد بن جبير ، قال : وكذلك إن كان في سفر أو سجن.
التاسعة عشرة : - أوجب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وجمهور العلماء الكفارة على المولي إذا فاء بجماع امرأته. وقال الحسن : لا كفارة عليه ، وبه قال النخعي ، قال النخعي : كانوا يقولون إذا فاء لا كفارة عليه. وقال إسحاق : قال بعض أهل التأويل في قوله تعالى : {فَإِنْ فَاءُوا} يعني لليمين التي حنثوا فيها ، وهو مذهب في الأيمان لبعض التابعين فيمن حلف على بر أو تقوى أو باب من الخير ألا يفعله فإنه يفعله ولا كفارة عليه ،
(3/109)
________________________________________
والحجة ه قوله تعالى : {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ، ولم يذكر كفارة ، وأيضا فإن هذا يتركب على أن لغو اليمين ما حلف على معصية ، وترك وطء الزوجة معصية.
قلت : وقد يستدل لهذا القول من السنة بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها" خرجه ابن ماجة في سننه. وسيأتي لها مزيد بيان في آية الأيمان إن شاء الله تعالى. وحجة الجمهور قوله عليه السلام : "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه".
الموفية عشرون - : إذا كفر عن يمينه سقط عنه الإيلاء ، قاله علماؤنا. وفي ذلك دليل على تقديم الكفارة على الحنث في المذهب ، وذلك إجماع في مسألة الإيلاء ، ودليل على أبي حنيفة في مسألة الأيمان ، إذ لا يرى جواز تقديم الكفارة على الحنث ، قاله ابن العربي.
الحادية والعشرون - قلت : بهذه الآية استدل محمد بن الحسن على امتناع جواز الكفارة قبل الحنث فقال : لما حكم الله تعالى للمولي بأحد الحكمين من فيء أو عزيمة الطلاق ، فلو جاز تقديم الكفارة على الحنث لبطل الإيلاء بغير فيء أو عزيمة الطلاق ، لأنه إن حنث لا يلزمه بالحنث شيء ، ومتى لم يلزم الحانث بالحنث شيء لم يكن موليا. وفي جواز تقديم الكفارة إسقاط حكم الإيلاء بغير ما ذكر الله ، وذلك خلاف الكتاب.
الثانية والعشرون - قوله تعالى : {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
العزيمة : تتميم العقد على الشيء ، يقال : عزم عليه يعزم عزما "بالضم" وعزيمة وعزيما وعزمانا واعتزم اعتزاما ، وعزمت عليك لتفعلن ، أي أقسمت عليك. قال شمر : العزيمة والعزم ما عقدت عليه نفسك من أمر أنك فاعله. والطلاق من طلقت المرأة تطلق "على وزن نصر ينصر" طلاقا ، فهي طالق وطالقة أيضا. قال الأعشى :
أيا جارتا بيني فإنك طالقة
(3/110)
________________________________________
ويجوز طلقت "بضم اللام" مثل عظم يعظم ، وأنكره الأخفش. والطلاق حل عقدة النكاح ، وأصله الانطلاق ، والمطلقات المخليات ، والطلاق : التخلية ، يقال : نعجة طالق ، وناقة طالق ، أي مهملة قد تركت في المرعى لا قيد عليها ولا راعي ، وبعير طلق "بضم الطاء واللام" غير مقيد ، والجمع أطلاق ، وحبس فلان في السجن طلقا أي بغير قيد ، والطالق من الإبل : التي يتركها الراعي لنفسه لا يحتلبها على الماء ، يقال : استطلق الراعي ناقة لنفسه. فسميت المرأة المخلى سبيلها بما سميت به النعجة أو الناقة المهمل أمرها. وقيل : إنه مأخوذ من طلق الفرس ، وهو ذهابه شوطا لا يمنع ، فسميت المرأة المخلاة طالقا لا تمنع من نفسها بعد أن كانت ممنوعة.
الثالثة والعشرون - في قوله تعالى : {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} دليل على أنها لا تطلق بمضي مدة أربعة أشهر ، كما قال مالك : ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة ، وأيضا فإنه قال : {سَمِيعٌ } وسميع يقتضي مسموعا بعد المضي. وقال أبو حنيفة : "سمع" لإيلائه ، {عَلِيمٌ} بعزمه الذي دل عليه مضي أربعة أشهر. وروى سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال : سألت اثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يولي من امرأته ، فكلهم يقول : ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف ، فإن فاء وإلا طلق. قال القاضي ابن العربي : وتحقيق الأمر أن تقدير الآية عندنا : { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وتقديرها عندهم : {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا} فيها { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} بترك الفيئة فيها ، يريد مدة التربص فيها { فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ابن العربي : وهذا احتمال متساو ، ولأجل تساويه توقفت الصحابة فيه.
قلت : وإذا تساوى الاحتمال كان قول الكوفيين أقوى قياسا على المعتدة بالشهور والأقراء ، إذ كل ذلك أجل ضربه الله تعالى ، فبانقضائه انقطعت العصمة وأبينت من غير خلاف ، ولم يكن لزوجها سبيل عليها إلا بإذنها ، فكذلك الإيلاء ، حتى لو نسي الفيء وانقضت المدة لوقع الطلاق ، والله أعلم.
(3/111)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: