رأينا الكثير من المسلمين الذين يظهر عليهم مظاهر التدين أو يصنفون أنفسهم هكذا، تجدهم حين الأزمة والإبتلاء يتصرفون بما لا يتناسب مع ما اتخذوه لأنفسهم مسلكا، مما يسئ للدين بشكل شديد خاصة حين يكون مِن حولنا مَن يتربص بنا وينتظر تلك السقطات ليثبت أن الإسلام لا يصلح إلا للمساجد وعلى المسلمين إعتزال أوجه الحياة المختلفة ومنها تلك السياسية.
السلوكيات التي تخرج من المسلمين سلوكيات غريبة حقا وربما يلصقها البعض بالإسلام لأنه يرى أن الأوروبيين والأمريكيين ممن هم بالكاد يعترفون بالمسيحية ولا يلتزمون بها (أي غير المتدينون) لا يخرج منهم مثل هذه السلوكيات فما سبب وصول المسلمين إلى هذا الحال إلا أن يكون الإسلام هو السبب من وجه نظرهم؟
قد يقول المرء أنها تربية أو ثقافة ولكن في دولنا العربية أخلاقيات وموروثات جميلة لا يوجد مثيلها في الدول الغربية، والبعض الآخر يقول أنها غياب للقانون وذلك على الرغم من أن العرب يهاجرون بمثل هذه السلوكيات إلى بلاد الغرب ويكررون ما يفعلون في بلادهم ويسيئون بذلك للمسلمين هناك أيضا.
هنا يخفى على بعض الناس أن من لا يؤمنون بالله في الدول الغربية يؤمنون بشئ أخر وهو أن الإنسان إذا أعطى للطبيعة أعطته فإن أعطى خيرا ردته وإن شرا ردته أيضا. كما أنهم يعرفون تماما تأثير أوجه فعل الخير والعطاء للآخرين على نفسية الإنسان فيعطيه شعورا طيبا مفعما بالراحة والهدوء النفسي فيستخدمون هذه المعاني لضمها في جلسات علاج نفسي لمرضى الإكتئاب.
أما نحن المسلمون في الدول العربية فنستقي هذه المفاهيم من الإسلام فإن اختصرناه في تصنيف في البطاقة الشخصية أو في حركات رياضية في صورة صلاة وعادات أخرى ورثناها لا روح لها ولا معنى بالنسبة لنا أو أننا نفعل شكليات الدين ونبذل فيها قصارى جهدنا لإتقانها ولكن لا يوجد صلة حقيقية بيننا وبين الله، فإن هذه المظاهر لن تقَوِّم أخلاقنا وستقترن بالأخلاق التي نراها ونستاء منها.
الغرب يؤمن بقانون "إن أعطيت الطبيعة أعطتك" وأن "عمل الخير مفيد للحالة النفسية" ولكننا نعرف أن الله هو كل شئ بالنسبة لنا فإن لم نجعل الله تعالى رقيبا علينا في أعمالنا فلن يعد لنا رقيبا أو دافعا للخير بأي مفهوم لأننا لن نقبل مفهوما آخر، والإنسلاخ من رقابة الله تدفع الإنسان لأن يكون مؤمنا بأنه حر يفعل كيفما شاء وتغلب الأنانية على منطق حُكمُه على الأمور من حوله وحب الخير لنفسه بما يتفق مع أهوائه لا ما يتفق مع ما يعم عليه بالفائدة مما أمره به ربه سبحانه وتعالى وهو أعلم بما يفيده.
حسن الخلق دون إيمان بالله
بعض الناس سيقول أن هذا الكلام غير صحيح وأن هذه العلاقة بالله ليست بالضرورة هي التي تخرج لنا أخلاقا كريمة فنحن نعرف كثير من غير المتدينين ومع ذلك هم على مستوى خلقي عالي.
الإنسان بالفعل قد يتربى على بعض الفضائل ولكنه وإن ظهر على أفضل ما يكون للناس ستظل هناك نقاط ضعف لن يستطع مقاومتها إلا بأن يؤمن بالله، وينطبق ذلك على الإنسان حسن الخلق سواء كان عربيا أو أجنبيا.
الإيمان بالله يجعلك تعلم يقينا أن أجرك على إحسانك في خلقك محفوظ عند من لا ينسى ومن يعرف جيدا قيمة ما فعلت بل ويعطيك بقدره العظيم فهو الشكور الكريم وكم من مُحسنٍ يضعف إحسانه أو يتوقف تماما بل قد يصاب بالإكتئاب وينعزل بعد أن يفعل الخير ثم لا يجد إلا الإساءة من الآخرين. من يحسن في أخلاقه دون إيمان بالله قد يفقد هذه الأخلاق في خلافاته أو إذا ظُلم وأراد الإنتقام، وقد يصبح أكثر غلظة وشدة مع كل من يذكره بمن أساء له ولو لم يكن له ذنب. قد يضطر هذا المحسن في خلقه من وجهة نظر البعض أن يُبَدِّي مصلحته إذا طُلب منه أن ينصر مظلوما مثلا أو أن يقف كشاهد حق في قضية ما لأن هناك مائة سبب وسبب يتعلق بمصالحه مما يمنعه من الشهادة أو نصرة مظلوم أو التعامل بمقاييس وحدود عادلة أثناء التفاوض في حل قضية ما. وقد يكون هذا الشخص أبسط من ذلك، فقد يكون أمام الناس ملاك لأنه يحب أن يظهر في هذه الصورة حرصا منه على سمعته ولكن حين يختلي بنفسه فحدث ولا حرج، أي أن حدوده هي أعين الناس. الإنسان حسن الخلق بعيدا عن الله يصبح الخطأ والصواب عنده مسألة نسبية بحتة تعتمد على المصلحة والرؤية الشخصية للأمور بعيدا عن مقياس واحد يزن الأفعال.
منقول