منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم I_icon_minitimeالإثنين 30 يوليو - 19:30

سورة التحريم




الآية : [5] {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً}
قوله تعالى : {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} قد تقدم في الصحيح أن هذه الآية نزلت على لسان عمر رضي الله عنه. ثم قيل : كل "عسى" في القرآن واجب ؛ إلا هذا. وقيل : هو واجب ولكن الله عز وجل علقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن. {أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ} لأنكن لو كنتن خيرا منهن ما طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال معناه السدي. وقيل : هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلي الله عليه وسلم ، لو طلقهن في الدنيا أن يزوجه في الدنيا نساء خيرا منهن. وقرئ "أن يبدله" بالتشديد والتخفيف. والتبديل والإبدال بمعنى ، كالتنزيل والإنزال. والله كان عالما بأنه كان لا يطلقهن ، ولكن أخبر عن قدرته ، على أنه إن طلقهن أبدله خيرا منهن تخويفا لهن. وهو كقوله تعالى : {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} وهو إخبار عن القدرة وتخويف لهم ، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى : {مُسْلِمَاتٍ} يعني مخلصات ، قاله سعيد بن جبير. وقيل : معناه مسلمات لأمر الله تعالى وأمر رسوله. {مُؤْمِنَاتٍ} مصدقات بما أمرن به ونهين عنه. {قَانِتَاتٍ} مطيعات. والقنوت : الطاعة. وقد تقدم. {تَائِبَاتٍ} أي من ذنوبهن ؛ قاله السدي. وقيل : راجحات إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركات لمحاب أنفسهن. {عَابِدَاتٍ} أي كثيرات العبادة لله تعالى. وقال ابن عباس : كل عبادة في القرآن فهو التوحيد. {سَائِحَاتٍ} صائبات ؛ قال ابن عباس والحسن وابن جبير. وقال زيد بن أسلم وابنه عبدالرحمن ويمان : مهاجرات. قال زيد : وليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم
(18/194)





سياحة إلا الهجرة. والسياحة الجولان في الأرض. وقال الفراء والقتبي وغيرهما : سمي الصائم سائحا لأن السائح لا زاد معه ، وإنما يأكل من حيث يجد الطعام. وقيل : ذاهبات في طاعة الله عز وجل ؛ من ساح الماء إذا ذهب. وقد مضى في سورة "التوبة" والحمد لله. {يِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} أي منهن ثيب ومنهن بكر. وقيل : إنما سميت الثيب ثيبا لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام معها ، أو إلى غيره إن فارقها. وقيل : لأنها ثابت إلى بيت أبويها. وهذا أصح ؛ لأنه ليس كل ثيب تعود إلى زوج. وأما البكر فهي العذراء ؛ سميت بكرا لأنها على أول حالتها التي خلقت بها. وقال الكلبي : أراد بالثيب مثل آسية امرأة فرعون ، وبالبكر مثل مريم بنة عمران.
قلت : وهذا إنما يمشي على قول من قال : إن التبديل وعد من الله لنبيه لو طلقهن في الدنيا زوجه في الآخرة خيرا منهن. والله أعلم.
الآية : [6] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}
فيه مسألة واحدة وهي الأمر بوقاية الإنسان نفسه وأهله النار. قال الضحاك : معناه قوا أنفسكم ، وأهلوكم فليقوا أنفسهم نارا. وروي علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : قوا أنفسكم وأمروا أهليكم بالذكر والدعاء حتى يقيهم الله بكم. وقال علي رضي الله عنه وقتادة ومجاهد : قوا أنفسكم بأفعالكم وقوا أهليكم بوصيتكم. ابن العربي : وهو الصحيح ، والفقه الذي يعطيه العطف الذي يقتضي التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه في معنى الفعل ؛ كقوله :
علفتها تبنا وماء باردا
(18/195)





وكقوله :
ورأيت زوجك في الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا
فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة ، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية. ففي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم". وعن هذا عبر الحسن في هذه الآية بقوله : يأمرهم وينهاهم. وقال بعض العلماء لما قال : {قُوا أَنْفُسَكُمْ} دخل فيه الأولاد ؛ لأن الولد بعض منه. كما دخل في قوله تعالى : {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} فلم يفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات. فيعلمه الحلال والحرام ، ويجنبه المعاصي والآثام ، إلى غير ذلك من الأحكام. وقال عليه السلام : "حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويعلمه الكتابة ويزوجه إذا بلغ". وقال عليه السلام : "ما نحل والد ولدا أفضل من أدب حسن". وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع". خرجه جماعة من أهل الحديث. وهذا لفظ أبي داود. وخرج أيضا عن سمرة بن جندب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين فإذا بلغ عشر سنين فأضربوه عليها". وكذلك يخبر أهله بوقت الصلاة ووجوب الصيام ووجوب الفطر إذا وجب ؛ مستندا في ذلك إلى رؤية الهلال.وقد روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوتر يقول : "قومي فأوتري يا عائشة". وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "رحم الله امرأ قام من الليل فصلى فأيقظ أهله فإن لم تقم رش وجهها بالماء. رحم الله امرأة قامت من الليل تصلى وأيقظت زوجها فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء". ومنه قوله صلي الله عليه وسلم : "أيقظوا صواحب الحجر". ويدخل هذا في عموم قوله تعالى : {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وذكر القشيري أن عمر رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية : يا رسول
(18/196)





الآية : [7] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} فإن عذركم لا ينفع. وهذا النهي لتحقيق اليأس. {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا. ونظيره : {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}. وقد تقدم.
الآية : [8] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً}
فيه مسألتان :
الأولى- قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ} أمر بالتوبة وهي فرض على الأعيان في كل الأحوال وكل الأزمان. وقد تقدم بيانها والقول فيها في "النساء" وغيرها. {تَوْبَةً نَصُوحاً} اختلفت عبارة العلماء وأرباب القلوب في التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ؛ فقيل : هي التي لا عودة بعدها كما لا يعود اللبن إلى الضرع ؛ وروي عن عمر وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم. ورفعه معاذ إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة : النصوح الصادقة الناصحة. وقيل الخالصة ؛ يقال : نصح أي أخلص له القول. وقال الحسن : النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره. وقيل : هي التي لا يثق بقبولها ويكون على وجل منها. وقيل : هي التي لا يحتاج
(18/197)





معها إلى توبة. وقال الكلبي : التوبة النصوح الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع عن الذنب ، والاطمئنان على أنه لا يعود. وقال سعيد بن جبير : هي التوبة المقبولة ؛ ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاثة شروط : خوف ألا تقبل ، ورجاء أن تقبل ، وإدمان الطاعات. وقال سعيد بن المسيب : توبة تنصحون بها أنفسكم. وقال القرظي : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، وإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيء الخلان. وقال سفيان الثوري : علامة التوبة النصوح أربعة : القلة والعلة والذلة والغربة. وقال الفضيل بن عياض : هو أن يكون الذنب بين عينيه ، فلا يزال كأنه ينظر إليه. ونحوه عن ابن السماك : أن تنصب الذنب الذي أقللت فيه الحياء من الله أمام عينك وتستعد لمنتظرك. وقال أبو بكر الوراق : هو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت ، وتضيق عليك نفسك ؛ كالثلاثة الذين خلفوا. وقال أبو بكر الواسطي : هي توبة لا لفقد عوض ؛ لأن من أذنب في الدنيا لرفاهية نفسه ثم تاب طلبا لرفاهيتها في الآخرة ؛ فتوبته على حفظ نفسه لا لله. وقال أبو بكر الدقاق المصري : التوبة النصوح هي رد المظالم ، واستحلال الخصوم ، وإدمان الطاعات. وقال رويم : هو أن تكون لله وجها بلا قفا ، كما كنت له عند المعصية قفا بلا وجه. وقال ذو النون : علامة التوبة النصوح ثلاث : قلة الكلام ، وقلة الطعام ، وقلة المنام. وقال شقيق : هو أن يكثر صاحبها لنفسه الملامة ، ولا ينفك من الندامة ؛ لينجو من آفاتها بالسلامة. وقال سري السقطي : لا تصلح التوبة النصوح إلا بنصيحة النفس والمؤمنين ؛ لأن من صحب توبته أحب أن يكون الناس مثله. وقال الجنيد : التوبة النصوح هو أن ينسى الذنب فلا يذكره أبدا ؛ لأن من صحت توبته صار محبا لله ، ومن أحب الله نسي ما دون الله. وقال ذو الأذنين : هو أن يكون
(18/198)





لصاحبها دمع مسفوح ، وقلب عن المعاصي جموح. وقال فتح الموصلي : علامتها ثلاث : مخالفة الهوى ، وكثرة البكاء ، ومكابدة الجوع والظمأ. وقال سهل بن عبدالله التستري : هي التوبة لأهل السنة والجماعة ؛ لأن المبتدع لا توبة له ؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : "حجب الله على كل صاحب بدعة أن يتوب". وعن حذيفة : بحسب الرجل من الشر أن يتوب من الذنب ثم يعود فيه.وأصل التوبة النصوح من الخلوص ؛ يقال : هذا عسل ناصح إذا خلص من الشمع. وقيل : هي مأخوذة من النصاحة وهي الخياطة. وفي أخذها منها وجهان : أحدهما : لأنها توبة قد أحكمت طاعته وأوثقتها كما يحكم الخياط الثوب بخياطته ويوثقه. والثاني : لأنها قد جمعت بينه وبين أولياء الله وألصقته بهم ؛ كما يجمع الخياط الثوب ويلصق بعضه ببعض. وقراءة العامة "نصوحا" بفتح النون ، على نعت التوبة ، مثل امرأة صبور ، أي توبة بالغة في النصح. وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بالضم ؛ وتأويله على هذه القراءة : توبة نصح لأنفسكم. وقيل : يجوز أن يكون "نصوحا" ، جمع نصح ، وإن يكون مصدرا ، يقال : نصح نصاحة ونصوحا. وقد يتفق فعالة وفعول في المصادر ، نحو الذهاب والذهوب. وقال المبرد : أراد توبة ذات نصح ، يقال : نصحت نصحا ونصاحة ونصوحا.
الثانية- في الأشياء التي يتاب منها وكيف التوبة منها. قال العلماء : الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو ، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين. فإن كان حقا لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها. وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة. وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبا به. وإن كان قذفا يوجب الحد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به. فإن عفي عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص. وكذلك إن عفي عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له ، قال الله تعالى : {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} وإن كان ذلك حدا من حدود الله كائنا ما كان فإنه
(18/199)





إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه. وقد نص الله تعالى على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم. وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم ؛ حسب ما تقدم بيانه. وكذلك الشراب والسراق والزناة إذا أصلحوا وتابوا وعرف ذلك منهم ، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدهم. وإن رفعوا إليه فقالوا : تبنا ، لم يتركوا ، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غلبوا. هذا مذهب الشافعي. فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه - عينا كان أو غيره - إن كان قادرا عليه ، فإن لم يكن قادرا فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه. وإن كان أضر بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتى ، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه ، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له ، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب عنه. وإن أرسل من يسأل ذلك له ، فعفا ذلك المظلوم عن ظالمه - عرفه بعينه أو لم يعرفه - فذلك صحيح. وإن أساء رجل إلى رجل بأن فزعه بغير حق ، أو غمه أو لطمه ، أو صفعه بغير حق ، أو ضربه بسوط فآلمه ، ثم جاءه مستعفيا نادما على ما كان منه ، عازما على ألا يعود ، فلم يزل يتذلل له حتى طابت نفسه فعفا عنه ، سقط عنه ذلك الذنب. وهكذا إن كان شانه بشتم لا حد فيه.
قوله تعالى : {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} " عَسَى " من الله واجبة. وهو معنى قوله عليه السلام : "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". و"أن" في موضع رفع اسم عسى.
قوله تعالى : { وَيُدْخِلَكُمْ} معطوف على {يكفر}. وقرأ ابن أبي عبلة { وَيُدْخِلَكُمْ} مجزوما عطفا على محل عسى أن يكفر. كأنه قيل : توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار. {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} العامل في " يَوْمَ " : "يُدْخِلَكُمْ" أو فعل مضمر. ومعنى " يُخْزِي " هنا يعذب ، أي لا يعذبه ولا يعذب الذين آمنوا معه.
(18/200)





{نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} " تقدم في سورة "الحديد". {يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : هذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين ؛ حسب ما تقدم بيانه في سورة "الحديد".
الآية : [9] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}
فيه مسألة واحدة : وهو التشديد في دين الله. فأمره أن يجاهد الكفار بالسيف والمواعظ الحسنة والدعاء إلى الله. والمنافقين بالغلظة وإقامة الحجة ؛ وأن يعرفهم أحوالهم في الآخرة ، وأنهم لا نور لهم يجوزون به الصراط مع المؤمنين. وقال الحسن : أي جاهدهم بإقامة الحدود عليهم ؛ فإنهم كانوا يرتكبون موجبات الحدود. وكانت الحدود تقام عليهم. {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} يرجع إلى الصنفين. {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي المرجع.
الآية : [10] {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}
ضرب الله تعالى هذا المثل تنبيها على أنه لا يغني أحد في الآخرة عن قريب ولا نسيب إذا فرق بينهما الدين. وكان اسم امرأة نوح والهة ، واسم امرأة لوط والعة ؛ قاله مقاتل. وقال الضحاك عن عائشة رضي الله عنها : إن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن اسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط والهة. {فَخَانَتَاهُمَا} قال عكرمة :
(18/201)





والضحاك : بالكفر. وقال سليمان بن رقية والضحاك : بالكفر. وقال سليمان بن رقية عن ابن عباس : كانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تخبر بأضيافه. وعنه : ما بغت امرأة نبي قط. وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القشيري. إنما كانت خيانتهما في الدين وكانتا مشركتين. وقيل : كانتا منافقتين. وقيل : خيانتهما النميمة إذا أوحى الله إليهما شيئا أفشتاه إلى المشركين ؛ قاله الضحاك. وقيل : كانت امرأة لوط إذا نزل به ضيف دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف ؛ لما كانوا عليه من إتيان الرجال. {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً} أي لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما - لما عصتا - شيئا من عذاب الله ؛ تنبيها بذلك على أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة. ويقال : إن كفار مكة استهزؤوا وقالوا : إن محمدا صلي الله عليه وسلم يشفع لنا ؛ فبين الله تعالى أن شفاعته لا تنفع كفار مكة وإن كانوا أقرباء ، كما لا تنفع شفاعة نوح لامرأته وشفاعة لوط لامرأته ، مع قربهما لهما لكفرهما. وقيل لهما : {وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} في الآخرة ؛ كما يقال لكفار مكة وغيرهم. ثم قيل : يجوز أن تكون "امرأة نوح" بدلا من قوله : " مَثَلاً " على تقدير حذف المضاف ؛ أي ضرب الله مثلا مثل امرأة نوح. ويجوز أن يكونا مفعولين.
الآية : [11] {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
قوله تعالى : {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ} واسمها آسية بنت مزاحم. قال يحيى بن سلام : قوله {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} مثل ضربه الله يحذر به عائشة وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ضرب لهما مثلا بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ؛ ترغيبا في التمسك بالطاعة والثبات على الدين.
(18/202)





وقيل : هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة ؛ أي لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون. وكانت آسية آمنت بموسى. وقيل : هي عمة موسى آمنت به. قال أبو العالية : اطلع فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم : ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها. فقال لهم : إنها تعبد ربا غيري. فقالوا له : أقتلها. فأوتد لها أوتادا وشد يديها ورجليها فقالت : {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} ووافق ذلك حضور فرعون ، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة. فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها! إنا نعذبها وهي تضحك ؛ فقبض روحها. وقال سلمان الفارسي فيما روى عنه عثمان النهدي : كانت تعذب بالشمس ، فإذا أذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها. وقيل : سمر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى ؛ فأطلعها الله. حتى رأت مكانها في الجنة. وقيل : لما قالت : {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} أريت بيتها في الجنة يبنى. وقيل : إنه من درة ؛ عن الحسن. ولما قالت : {وَنَجِّنِي} نجاها الله أكرم نجاة ، فرفعها إلى الجنة ، فهي تأكل وتشرب وتتنعم.ومعنى {مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} تعني بالعمل الكفر. وقيل : من عمله من عذابه وظلمه وشماتته. وقال ابن عباس : الجماع. {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} قال الكلبي : أهل مصر. مقاتل : القبط. قال الحسن وابن كيسان : نجاها الله أكرم نجاة ، ورفعها إلى الجنة ؛ فهي فيها تأكل وتشرب.
الآية : [12] {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}
قوله تعالى : {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ} أي واذكر مريم. وقيل : هو معطوف على امرأة فرعون. والمعنى : وضرب الله مثلا لمريم ابنة عمران وصبرها على أذى اليهود. {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} أي عن الفواحش. وقال المفسرون : إنه أراد بالفرج هنا الجيب لأنه قال : {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} وجبريل عليه السلام إنما نفخ في جيبها ولم ينفخ في فرجها. وهي
(18/203)





في قراءة أبي " فَنَفَخْنَا فِي جيبها مِنْ رُوحِنَا ". وكل خرق في الثوب يسمى جيبا ؛ ومنه قوله تعالى : {وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}. ويحتمل أن تكون أحصنت فرجها ونفخ الروح في جيبها. ومعنى {فَنَفَخْنَا} أرسلنا جبريل فنفخ في جيبها {مِنْ رُوحِنَا} أي روحا من أرواحنا وهي روح عيسى. وقد مضى في آخر سورة "النساء" بيانه مستوفى والحمد لله. {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} قراءة العامة {وَصَدَّقَتْ} بالتشديد. وقرأ حميد والأموي {وَصَدَّقَتْ} بالتخفيف. {بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا} قول جبريل لها : { إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ} الآية. وقال مقاتل : يعني بالكلمات عيسى وأنه نبي وعيسى كلمة الله. وقد تقدم. وقرأ الحسن وأبو العالية {بِكَلِمَةِ رَبِّهَا وَكُتَابِهِ} وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم {وَكُتُبِهِ} جمعا. وعن أبي رجاء " وَكُتْبِهِ " مخفف التاء. والباقون " وَكتَابِهِ " على التوحيد. والكتاب يراد به الجنس ؛ فيكون في معنى كل كتاب أنزل الله تعالى. {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} أي من المطيعين. وقيل : من المصلين بين المغرب والعشاء. وإنما لم يقل من القانتات ؛ لأنه أراد وكانت من القوم القانتين. ويجوز أن يرجع هذا إلى أهل بيتها ؛ فإنهم كانوا مطيعين لله. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخديجة وهي تجود بنفسها : "أتكرهين ما قد نزل بك ولقد جعل الله في الكره خيرا فإذا قدمت على ضراتك فأقرئيهن مني السلام مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وكليمة أو قال حكيمة بنت عمران أخت موسى بن عمران". فقالت : بالرفاء والبنين يا رسول الله. وروى قتادة عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "حسبك من نساء العالمين أربع مريم بنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون بنت مزاحم". وقد مضى في "آل عمران" الكلام في هذا مستوفى والحمد لله.
(18/204)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة التحريم
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: