فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص الخميس 14 يونيو - 19:18 | |
|
المجلد الخامس عشر
تفسير سورة ص ... ________________________________________ الآية : [45] { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ } الآية : [46] { إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ } الآية : [47] { وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ } قوله تعالى : { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } قرأ ابن عباس : { عَبْدَنَا } بإسناد صحيح ؛ رواه ابن عيينة عن عمرو عن عطاء عنه ، وهي قراءة مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير ؛ فعلى هذه القراءة يكون {إبراهيم} بدلا من { عَبْدَنَا } و {إسحاق ويعقوب} عطف. والقراءة بالجمع أبين ، وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، ويكون {إبراهيم} وما بعده على البدل. النحاس : وشرح هذا من العربية أنك إذا قلت : رأيت أصحابنا زيدا وعمرا وخالدا ، فزيد وعمرو وخالد بدل وهم الأصحاب ، وإذا قلت رأيت صاحبنا زيدا وعمرا وخالدا فزيد وحده بدل وهو صاحبنا ، وزيد وعمرو عطف على صاحبنا وليسا بداخلين في المصاحبة إلا بدليل غير هذا ، غير أنه قد علم أن قوله : {وإسحاق ويعقوب} داخل في العبودية. وقد استدل بهذه الآية من قال : إن الذبيح إسحاق لا إسماعيل ، وهو الصحيح على ما ذكرناه في كتاب : "الإعلام بمولد النبي عليه السلام". { أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ } قال النحاس : أما { وَالأَبْصَارِ } فمتفق على تأويلها أنها البصائر في الدين والعلم. وأما { الأَيْدِي } فمختلف في تأويلها ؛ فأهل التفسير يقولون : إنها القوة في الدين. وقوم يقولون : "الأيدي" جمع يد وهي النعمة ؛ أي هم أصحاب النعم ؛ أي الذين أنعم الله عز وجل عليهم. وقيل : هم أصحاب النعم والإحسان ؛ لأنهم قد أحسنوا وقدموا خيرا. وهذا اختيار الطبري. { وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ } أي الذين اصطفاهم من الأدناس واختارهم لرسالته ومصطفين جمع مصطفى والأصل مصتفى وقد مضى في {البقرة} عند قوله : { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ } {والأخيار} جمع خير. وقرأ الأعمش وعبدالوارث والحسن (15/217) ________________________________________ وعيسى الثقفي { أُولِي الأَيْدِي } بغير ياء في الوصل والوقف على معنى أولي القوة في طاعة الله. ويجوز أن يكون كمعنى قراءة الجماعة وحذف الياء تخفيفا. قوله تعالى : { إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ } قراءة العامة { بِخَالِصَةٍ } منونة وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم. وقرأ نافع وشيبة وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر { بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ } بالإضافة فمن نون خالصة فـ { ـذِكْرَى الدَّارِ } بدل منها ؛ التقدير إنا أخلصناهم بأن يذكروا الدار الآخرة ويتأهبوا لها ويرغبوا فيها ويرغبوا الناس فيها. ويجوز أن يكون {خالصة} مصدرا لخلص و {ذكرى} في موضع رفع بأنها فاعلة ، والمعنى أخلصناهم بأن خلصت لهم ذكرى الدار ؛ أي تذكير الدار الآخرة. ويجوز أن يكون {خالصة} مصدرا لأخلصت فحذفت الزيادة ، فيكون {ذكرى} على هذا في موضع نصب ، التقدير : بأن أخلصوا ذكرى الدار. والدار يجوز أن يراد بها الدنيا ؛ أي ليتذكروا الدنيا ويزهدوا فيها ، ولتخلص لهم بالثناء الحسن عليهم ، كما قال تعالى : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } ويجوز أن يراد بها الدار الآخرة وتذكير الخلق بها. ومن أضاف خالصة إلى الدار فهي مصدر بمعنى الإخلاص ، والذكرى مفعول به أضيف إليه المصدر ؛ أي بإخلاصهم ذكرى الدار. ويجوز أن يكون المصدر مضافا إلى الفاعل والخالصة مصدر بمعنى الخلوص ؛ أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار ، وهي الدار الآخرة أو الدنيا على ما تقدم. وقال ابن زيد : معنى أخلصناهم أي بذكر الآخرة ؛ أي يذكرون الآخرة ويرغبون فيها ويزهدون في الدنيا. وقال مجاهد : المعنى إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم. الآية : [48] { وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ } الآية : [49] { هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } الآية : [50] { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ } الآية : [51] { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } الآية : [52] { وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ } الآية : [53] { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ } الآية : [54] { إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ } (15/218) ________________________________________ قوله تعالى : { وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ } وقد مضى ذكرهم. { وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ } أي ممن اختير للنبوة. { هَذَا ذِكْرٌ } بمعنى هذا ذكر جميل في الدنيا وشرف يذكرون به في الدنيا أبدا. { هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } أي لهم مع هذا الذكر الجميل في الدنيا حسن المرجع في القيامة. { جَنَّاتِ عَدْنٍ } والعدن في اللغة الإقامة ؛ يقال : عدن بالمكان إذا أقام. وقال عبدالله بن عمر : إن في الجنة قصرا يقال له عدن حوله البروج والمروج فيه خمسة آلاف باب على كل باب خمسة آلاف حبرة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد. { مُفَتَّحَةً } حال { لَهُمُ الأَبْوَابُ } رفعت الأبواب لأنه اسم ما لم يسم فاعله. قال الزجاج : أي مفتحة لهم الأبواب منها. وقال الفراء : مفتحة لهم أبوابها. وأجاز الفراء : { مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ } بالنصب. قال الفراء : أي مفتحة الأبواب ثم جئت بالتنوين فنصبت. وأنشد هو وسيبويه : ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجب الظهر ليس له سنام وإنما قال : { مُفَتَّحَةً } ولم يقل مفتوحة ؛ لأنها تفتح لهم بالأمر لا بالمس. قال الحسن : تُكلم : انفتحي فتنفتح انغلقي فتنغلق. وقيل : تفتح لهم الملائكة الأبواب. قوله تعالى : { مُتَّكِئِينَ فِيهَا } هو حال قدمت على العامل فيها وهو قوله : { يَدْعُونَ فِيهَا } أي يدعون في الجنات متكئين فيها. { بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } أي بألوان الفواكه { وَشَرَابٍ } أي وشراب كثير فحذف لدلالة الكلام عليه. قوله تعالى : { وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ } أي على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم وقد مضى. { أَتْرَابٌ } أي على سن واحد. وميلاد امرأة واحدة ، وقد (15/219) ________________________________________ تساوين في الحسن والشباب ، بنات ثلاث وثلاثين سنة. قال ابن عباس : يريد الآدميات. و { أَتْرَابٌ } جمع ترب وهو نعت لقاصرات ؛ لأن { قَاصِرَاتُ } نكرة وإن كان مضافا إلى المعرفة. والدليل على ذلك أن الألف واللام يدخلانه كما قال : من القاصرات الطرف لو دب محول ... من الذر فوق الإتب منها لأثرا قوله تعالى : { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ } أي هذا الجزاء الذي وعدتم به. وقراءة العامة بالتاء أي ما توعدون أيها المؤمنون. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب بالياء على الخبر ، وهي قراءة السلمي واختيار أبي عبيد وأبي حاتم ؛ لقوله تعالى : { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } فهو خبر. { لِيَوْمِ الْحِسَابِ } أي في يوم الحساب ، قال الأعشى : المهينين ما لهم لزمان السـ ... ـوء حتى إذا أفاق أفاقوا أي في زمان السوء. قوله تعالى : { إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ } دليل على أن نعيم الجنة دائم لا ينقطع ؛ كما قال : { عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } وقال : { لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }. الآية : [55] { هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } الآية : [56] { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ } الآية : [57] { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } الآية : [58] { وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } الآية : [59] { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ } الآية : [60] { قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ } الآية : [61] { قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ } قوله تعالى : { هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } { هَذَا } لما ذكر ما للمتقين ذكر ما للطاغين قال الزجاج : "هذا" خبر ابتداء محذوف أي الأمر هذا فيوقف على "هذا" قال ابن الأنباري : "هذا" وقف حسن. ثم بتتدئ { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ } وهم الذين كذبوا الرسل. (15/220) ________________________________________ { لَشَرَّ مَآبٍ } أي منقلب يصيرون إليه. { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ } أي بئس ما مهدوا لأنفسهم ، أو بئس الفراش لهم. ومنه مهد الصبي. وقيل : فيه حذف أي بئس موضع المهاد. وقيل : أي هذا الذي وصفت لهؤلاء المتقين ، ثم قال : وإن للطاغين لشر مرجع فيوقف على {هذا} أيضا. قوله تعالى : { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } { هَذَا } في موضع رفع بالابتداء وخبره { حَمِيمٌ } على التقديم والتأخير ؛ أي هذا حميم وغساق فليذوقوه. ولا يوقف على { فَلْيَذُوقُوهُ } ويجوز أن يكون {هذا} في موضع رفع بالابتداء و { فَلْيَذُوقُوهُ } في موضع الخبر ، ودخلت الفاء للتنبيه الذي في {هذا} فيوقف على { فَلْيَذُوقُوهُ } ويرتفع { حَمِيمٌ } على تقدير هذا حميم. قال النحاس : ويجوز أن يكون المعنى الأمر هذا ، وحميم وغساق إذا لم تجمعهما خبرا فرفعهما على معنى هو حميم وغساق. والفراء يرفعهما بمعنى منه حميم ومنه غساق وأنشد : حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس ... وغودر البقل ملوى ومحصود وقال آخر : لها متاع وأعوان غدون به ... قتب وغرب إذا ما أفرغ أنسحقا ويجوز أن يكون {هذا} في موضع نصب بإضمار فعل يفسره { فَلْيَذُوقُوهُ } كما تقول زيدا اضربه. والنصب في هذا أولى فيوقف على { فَلْيَذُوقُوهُ } وتبتدئ { حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } على تقدير الأمر حميم وغساق. وقراءة أهل المدينة وأهل البصرة وبعض الكوفيين بتخفيف السين في { وَغَسَّاقٌ } . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي { وَغَسَّاقٌ } بالتشديد ، وهما لغتان بمعنى واحد في قول الأخفش. وقيل : معناهما مختلف ؛ فمن خفف فهو اسم مثل عذاب وجواب وصواب ، ومن شدد قال : هو اسم فاعل نقل إلى فعال للمبالغة ، نحو ضراب وقتال وهو فعال من غسق يغسق فهو غساق وغاسق. قال ابن عباس : هو الزمهرير يخوفهم (15/221) ________________________________________ ببرده. وقال مجاهد ومقاتل : هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده. وقال غيرهما. إنه يحرق ببرده كما يحرق الحميم بحره. وقال عبدالله بن عمرو : هو قيح غليظ لو وقع منه شيء بالمشرق لأنتن من في المغرب ، ولو وقع منه شيء في المغرب لأنتن من في المشرق. وقال قتادة : هوما يسيل من فروج الزناة ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم من الصديد والقيح والنتن. وقال محمد بن كعب : هو عصارة أهل النار. وهذا القول أشبه باللغة ؛ يقال : غسق الجرح يغسق غسقا إذا خرج منه ماء أصفر ؛ قال الشاعر : إذا ما تذكرت الحياة وطيبها ... إلي جرى دمع من الليل غاسق أي بارد. ويقال : ليل غاسق ؛ لأنه أبرد من النهار. وقال السدي : الغساق الذي يسيل من أعينهم ودموعهم يسقونه مع الحميم. وقال ابن زيد : الحميم دموع أعينهم ، يجمع في حياض النار فيسقونه ، والصديد الذي يخرج من جلودهم. والاختيار على هذا { وَغَسَّاق } حتى يكون مثل سيال. وقال كعب : الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي حمة من عقرب وحية. وقيل : هو مأخوذ من الظلمة والسواد. والغسق أول ظلمة اليل ، وقد غسق الليل يغسق إذا أظلم. وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : "لوأن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا". قلت : وهذا أشبه على الاشتقاق الأول كما بينا ، إلا أنه يحتمل أن يكون الغساق مع سيلانه أسود مظلما فيصح الاشتقاقان. والله أعلم. قوله تعالى : { وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } قرأ أبو عمرو : { وَآخَرُ } جمع أخرى مثل الكبرى والكبر. الباقون : { وَآخَرُ } مفرد مذكر. وأنكر أبو عمرو { وَآخَرُ } لقوله تعالى : { أَزْوَاجٌ } أي لا يخبر بواحد عن جماعة. وأنكر عاصم الجحدري { وَآخَرُ } قال : ولو كانت { وَأخَرُ } لكان من شكلها. وكلا الردين لا يلزم والقراءتان صحيحتان. { وَآخَرُ } أي وعذاب آخر سوى الحميم والغساق. { مِنْ شَكْلِهِ } قال قتادة : من نحوه. قال ابن مسعود : هو (15/222) ________________________________________ الزمهرير. وارتفع { وَآخَرُ } بالابتداء و { أَزْوَاجٌ } مبتدأ ثان و { مِنْ شَكْلِهِ } خبره والجملة خبر { وَآخَرُ }. ويجوز أن يكون { وَآخَرُ } مبتدأ والخبر مضمر دل عليه { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } لأن فيه دليلا على أنه لهم ، فكأنه قال : ولهم آخر ويكون { مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } صفة لآخر فالمبتدأ متخصص بالصفة و { أَزْوَاجٌ } مرفوع بالظرف. ومن قرأ { وَأ خَرُ } أراد وأنواع من العذاب أُخَر ، ومن جمع وهو يريد الزمهرير فعلى أنه جعل الزمهرير أجناسا فجمع لاختلاف الأجناس. أو على أنه جعل لكل جزء منه زمهريرا ثم جمع كما قالوا : شابت مفارقه. أو على أنه جمع لما في الكلام من الدلالة على جواز الجمع ؛ لأنه جعل الزمهرير الذي هو نهاية البرد بإزاء الجمع في قوله : { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } والضمير في { شَكْلِهِ } يجوز أن يعود على الحميم أو الغساق. أو على معنى { وَأ خَرُ مِنْ شَكْلِهِ } ما ذكرنا ، ورفع { وَأ خَرُ } على قراءة الجمع بالابتداء و { مِنْ شَكْلِهِ } صفة له وفيه ذكر يعود على المبتدأ و { أَزْوَاجٌ } خبر المبتدأ. ولا يجوز أن يحمل على تقدير ولهم آخر و { مِنْ شَكْلِهِ } صفة لأخر و { أَزْوَاجٌ } مرتفعة بالظرف كما جاز في الإفراد ؛ لأن الصفة لا ضمير فيها من حيث ارتفع { أَزْوَاجٌ } مفرد ، ؛ قاله أبو علي. و { أَزْوَاجٌ } أي أصناف وألوان من العذاب. وقال يعقوب : الشكل بالفتح المثل وبالكسر الدل. قوله تعالى : { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ } قال ابن عباس : هو أن القادة إذا دخلوا النار ثم دخل بعدهم الأتباع ، قالت الخزنة للقادة : { هَذَا فَوْجٌ } يعني الأتباع والفوج الجماعة { مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ } أي داخل النار معكم ؛ فقالت السادة : { لا مَرْحَباً بِهِمْ } قوله تعالى : { لا مَرْحَباً بِهِمْ } أي لا اتسعت منازلهم في النار. والرحب السعة ، ومنه رحبة المسجد وغيره. وهو في مذهب الدعاء فلذلك نصب ؛ قال النابغة : لا مرحبا بغد ولا أهلا به ... إن كان تفريق الأحبة في غد (15/223) ________________________________________ قال أبو عبيدة العرب تقول : لا مرحبا بك ؛ أي لا رحبت عليك الأرض ولا اتسعت. { إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ } قيل : هو من قول القادة ، أي إنهم صالو النار كما صليناها. وقيل : هو من قول الملائكة متصل بقولهم : { هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ } و { قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ } هو من قول الأتباع وحكى النقاش : إن الفوج الأول قادة المشركين ومطعموهم يوم بدر ، والفوج الثاني أتباعهم ببدر والظاهر من الآية أنها عامة في كل تابع ومتبوع. { أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا } أي دعوتمونا إلى العصيان { فَبِئْسَ الْقَرَارُ } لنا ولكم { قَالُوا } يعني الأتباع { رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا } قال الفراء : من سوغ لنا هذا وسنه وقال غيره من قدم لنا هذا العذاب بدعائه إيانا إلى المعاصي { فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ } وعذابا بدعائه إيانا فصار ذلك ضعفا. وقال ابن مسعود : معنى عذابا ضعفا في النار الحيات والأفاعي. ونظير هذه الآية قوله تعالى : { رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ } الآية : [62] { وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ } الآية : [63] { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ } الآية : [64] { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ } قوله تعالى : { وَقَالُوا } يعني أكابر المشركين { مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ } قال ابن عباس : يريدون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؛ يقول أبو جهل : أين بلال أين صهيب أين عمار أولئك في الفردوس واعجبا لأبي جهل مسكين ؛ أسلم ابنه عكرمة ، وابنته جويرية ، وأسلمت أمه ، وأسلم أخوه ، وكفر هو ؛ قال : ونورا أضاء الأرض شرقا ومغربا ... وموضع رجلي منه أسود مظلم { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً } قال مجاهد : أتخذناهم سخريا في الدنيا فأخطأنا { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ } فلم نعلم مكانهم. قال الحسن : كل ذلك قد فعلوا ؛ اتخذوهم سخريا ، وزاغت عنهم أبصارهم في الدنيا محقرة لهم. وقيل : معنى { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ } أي أهم معنا في النار فلا (15/224) ________________________________________ نراهم. وكان ابن كثير والأعمش وأبو عمر وحمزة والكسائي يقرؤون { مِنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ } بحذف الألف في الوصل. وكان أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم وابن عامر يقرؤون { أَتَّخَذْنَاهُمْ } بقطع الألف على الاستفهام وسقطت ألف الوصل ؛ لأنه قد استغنى عنها ؛ فمن قرأ بحذف الألف لم يقف على { الأَشْرَارِ } لأن { أَتَّخَذْنَاهُمْ } حال. وقال النحاس والسجستاني : هو نعت لرجال. قال ابن الأنباري : وهذا خطأ ؛ لأن النعت لا يكون ماضيا ولا مستقبلا. ومن قرأ : {أتخذناهم} بقطع الألف وقف على {الأشرار} قال الفراء : والاستفهام هنا بمعنى التوبيخ والتعجب. { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ } إذا قرأت بالاستفهام كانت أم للتسوية ، وإذا قرأت بغير الاستفهام فهي بمعنى بل. وقرأ بو جعفر ونافع وشيبة والمفضل وهبيرة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي ، : { سِخْرِيّاً } بضم السين. الباقون بالكسر. قال أبو عبيدة : من كسر جعله من الهزء ومن ضم جعله من التسخير. وقد تقدم. { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ } { لَحَقٌّ } خبر إن و { تَخَاصُمُ } خبر مبتدأ محذوف بمعنى هو تخاصم. ويجوز أن يكون بدلا من حق. ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر. ويجوز أن يكون بدلا من ذلك على الموضع. أي إن تخاصم أهل النار في النار لحق. يعني قولهم : { لا مَرْحَباً بِكُمْ } الآية وشبهه من قول أهل النار. الآية : [65] { قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } الآية : [66] { رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } الآية : [67] { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } الآية : [68] { أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } الآية : [69] { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلأِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } الآية : [70] { إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ } قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ } أي مخوف عقاب الله لمن عصاه وقد تقدم. { وَمَا مِنْ إِلَهٍ } أي معبود { إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } الذي لا شريك له { رَبُّ السَّمَاوَاتِ (15/225) ________________________________________ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ } بالرفع على النعت وإن نصبت الأول نصبته. ويجوز رفع الأول ونصب ما بعده على المدح. { الْعَزِيزُ } معناه المنيع الذي لا مثل له. { الْغَفَّارُ } الستار لذنوب خلقه. قوله تعالى : { قُلْ } أي وقل لهم يا محمد { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ } أي ما أنذركم به من الحساب والثواب والعقاب خبر عظيم القدر فلا ينبغي أن يستخف به. قال معناه قتادة. نظيره قوله تعالى : { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ } وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني القرآن الذي أنبأكم به خبر جليل. وقيل : عظيم المنفعة { أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } قوله تعالى : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلأِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } الملأ الأعلى هم الملائكة في قول ابن عباس والسدي اختصموا في أمر آدم حين خلق فـ { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا و } وقال إبليس : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } وفي هذا بيان أن محمدا صلى الله عله وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره ، وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلهي ؛ فقد قامت المعجزة على صدقه ، فما بالهم أعرضوا عن تدبر القرآن ليعرفوا صدقه ؛ ولهذا وصل قوله بقوله : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ }. وقول ثان رواه أبو الأشهب عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سألني ربي فقال يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى قلت في الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات والتعقيب في المساجد بانتظار الصلاة بعد الصلاة قال وما الدرجات قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام" خرجه الترمذي بمعناه عن ابن عباس ، وقال فيه حديث غريب. وعن معاذ بن جبل أيضا وقال حديث حسن صحيح. وقد كتبناه بكماله في كتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ، وأوضحنا إشكاله والحمد لله. وقد مضى في {يس} القول في المشي إلى المساجد ، وأن الخطا تكفر السيئات ، وترفع الدرجات. وقيل : الملأ الأعلى الملائكة والضمير في { يَخْتَصِمُونَ } لفرقتين. يعني قول من قال منهم الملائكة بنات الله ، (15/226) ________________________________________ ومن قال آلهة تعبد. وقيل : الملأ الأعلى ها هنا قريش ؛ يعني اختصامهم فيما بينهم سرا ، فأطلع الله نبيه على ذلك. { إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي إن يوحى إلي إلا الإنذار. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع { إِلاَّ أَنَّمَا } بكسر الهمزة ؛ لأن الوحي قول ، كأنه قال : يقال لي إنما أنت نذير مبين ، ومن فتحها جعلها في موضع رفع ؛ لأنها اسم ما لم يسم فاعله. قال الفراء : كأنك قلت ما يوحى إلي إلا الإنذار ، النحاس : ويجوز أن تكون في موضع نصب بمعنى إلا لأنما. والله أعلم. الآية : [71] { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ } الآية : [72] { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } الآية : [73] { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } الآية : [74] { إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } قوله تعالى : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ } { إِذْ } من صلة { يَخْتَصِمُونَ } المعنى ؛ ما كان لي من علم بالملأ الأعلى حين يختصمون حين { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ }. وقيل : { إِذْ قَالَ } بدل من { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } و { يَخْتَصِمُونَ } يتعلق بمحذوف ؛ لأن المعنى ما كان لي من علم بكلام الملأ الأعلى وقت اختصامهم. { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } { إِذْا } ترد الماضي إلى المستقبل ؛ لأنها تشبه حروف الشرط وجوابها كجوابه ؛ أي خلقته. { سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي } أي من الروح الذي أملكه ولا يملكه غيري. فهذا معنى الإضافة ، وقد مضى هذا المعنى مجودا في {النساء} في قوله في عيسى { وَرُوحٌ مِنْهُ } . { فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } نصب على الحال. وهذا سجود تحية لا سجود عبادة. وقد مضى في {البقرة}. { فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } أي امتثلوا الأمر وسجدوا له خضوعا له وتعظيما لله بتعظيمه { إِلاَّ إِبْلِيسَ } أنف من السجود له جهلا بأن السجود له طاعة لله ؛ والأنفة من طاعة الله استكبارا كفر ، ولذلك كان من الكافرين باستكباره عن أمر الله تعالى. وقد مضى الكلام في ، هذا في {البقرة} مستوفى. (15/227) ________________________________________ لآية : [75] { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ } الآية : [76] { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } الآية : [77] { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } الآية : [78] { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } الآية : [79] { قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } الآية : [80] { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ } الآية : [81] { إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ } الآية : [82] { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } الآية : [83] { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } قوله تعالى : { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ } أي صرفك وصدك { أَنْ تَسْجُدَ } أي عن أن تسجد { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } أضاف خلقه إلى نفسه تكريما له ، وإن كان خالق كل شيء وهذا كما أضاف إلى نفسه الروح والبيت والناقة والمساجد. فخاطب الناس بما يعرفونه في تعاملهم ، فإن الرئيس من المخلوقين لا يباشر شيئا بيده إلا على سبيل الإعظام والتكرم ، فذكر اليد هنا بمعنى هذا. قال مجاهد : اليد ها هنا بمعنى التأكد والصلة ؛ مجازه لما خلقت أنا كقوله : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } أي يبقى ربك. وقيل : التشبيه في اليد في خلق الله تعالى دليل على أنه ليس بمعنى النعمة والقوة والقدرة ؛ وإنما هما صفتان من صفات ذاته تعالى. وقيل : أراد باليد القدرة ؛ يقال : مالي بهذا الأمر يد. وما لي بالحمل الثقيل يدان. ويدل عليه أن الخلق لا يقع إلا بالقدرة بالإجماع. وقال الشاعر : تحملت من عفراء ما ليس لي به ... ولا للجبال الراسيات يدان وقيل : { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } لما خلقت بغير واسطة. { أَسْتَكْبَرْتَ } أي عن السجود { أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ } أي المتكبرين على ربك. وقرأ محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير وأهل مكة { بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ } موصولة الألف على الخبر وتكون أم منقطعة بمعنى بل مثل : { أَمْ يَقُولُونَ (15/228) ________________________________________ افْتَرَاهُ } وشبهه. ومن استفهم فـ { أَمْ } معادلة لهمزة الاستفهام وهو تقرير وتوبيخ. أي استكبرت بنفسك حين أبيت السجود لآدم ، أم كنت من القوم الذين يتكبرون فتكبرت لهذا. قوله تعالى : { قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } قال الفراء : من العرب من يقول أنا أخير منه وأشر منه ؛ وهذا هو الأصل إلا أنه حذف لكثرة الاستعمال. { خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } فضل النار على الطين وهذا جهل منه ؛ لأن الجواهر متجانسة فقاس فأخطأ القياس. وقد مضى في {الأعراف} بيانه. { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا } يعني من الجنة { فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } أي مرجوم بالكواكب والشهب { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي } أي طردي وإبعادي من رحمتي { إِلَى يَوْمِ الدِّينِ } تعريف بإصراره على الكفر لأن اللعن منقطع حينئذ ، ثم بدخوله النار يظهر تحقيق اللعن { قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أراد الملعون ألا يموت فلم يجب إلى ذلك ، وأخر إلى وقت معلوم ، وهو يوم يموت الخلق فيه ، فأخر تهاونا به. { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } لما طرده بسبب آدم حلف بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات وإدخال الشبهة عليهم ، فمعنى : { لأُغْوِيَنَّهُمْ } لأستدعينهم إلى المعاصي وقد علم أنه لا يصل إلا إلى الوسوسة ، ولا يفسد إلا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه ؛ ولهذا قال : { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } أي الذي أخلصتهم لعبادتك ، وعصمتهم مني. وقد مضى في {الحجر} بيانه. الآية : [84] { قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ } الآية : [85] { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } الآية : [86] { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } الآية : [87] { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } الآية : [88] { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } قوله تعالى : { قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ } هذه قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة والكسائي. وقرأ ابن عباس ومجاهد وعاصم والأعمش وحمزة برفع الأول. وأجاز الفراء فيه (15/229) ________________________________________ الخفض. ولا اختلاف في الثاني في أنه منصوب بـ { أَقُولُ } ونصب الأول على الإغراء أي فاتبعوا الحق واستمعوا الحق ، والثاني بإيقاع القول عليه. وقيل : هو بمعنى أحق الحق أي أفعله. قال أبو علي : الحق الأول منصوب بفعل مضمر أي يحق الله الحق ، أو على القسم وحذف حرف الجر ؛ كما تقول : الله لأفعلن ؛ ومجازه : قال فبالحق وهو الله تعالى أقسم بنفسه. { وَالْحَقَّ أَقُولُ } جملة اعترضت بين القسم والمقسم عليه ، وهو توكيد القصة ، وإذا جعل الحق منصوبا بإضمار فعل كان { لأَمْلأَنَّ } على إرادة القسم. وقد أجاز الفراء وأبو عبيدة أن يكون الحق منصوبا بمعنى حقا { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } وذلك عند جماعة من النحويين خطأ ؛ لا يجوز زيدا لأضربن ؛ لأن ما بعد اللام مقطوع مما قبلها فلا يعمل فيه. والتقدير على قولهما لأملأن جهنم حقا. ومن رفع { الْحَقُّ } رفعه بالابتداء ؛ أي فأنا الحق أو الحق مني. رويا جميعا عن مجاهد. ويجوز أن يكون التقدير هذا الحق. وقول ثالث على مذهب سيبويه والفراء أن معنى فالحق لأملأن جهنم بمعنى فالحق أن أملأ جهنم. وفي الخفض قولان وهي قراءة ابن السميقع وطلحة بن مصرف : أحدهما أنه على حذف حرف القسم. هذا قول الفراء قال كما يقول : الله عز وجل لأفعلن. وقد أجاز مثل هذا سيبويه وغلطه فيه أبو العباس ولم يجز الخفض ؛ لأن حروف الخفض لا تضمر ، والقول الآخر أن تكون الفاء بدلا من واو القسم ؛ كما أنشدوا : فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع قوله تعالى : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ } أي من نفسك وذريتك { وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } من بني آدم { أَجْمَعِينَ }. قوله تعالى : {قل ما أسألكم عليه من أجر} أي من جعل على تبليغ الوحي وكنى به عن غير مذكور. وقيل هو راجع إلى قوله : { أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا } { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } أي لا أتكلف ولا أتخرص ما لم أومر به. وروى مسروق عن عبدالله بن مسعود قال : (15/230) ________________________________________ من سئل عما لم يعلم فليقل لا أعلم ولا يتكلف ؛ فإن قوله لا أعلم علم ، وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ }. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "للمتكلف ثلاث علامات ينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول ما لا يعلم". وروى الدارقطني من حديث نافع عن ابن عمر قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فسار ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له ، فقال له عمر : يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور". وفي الموطأ عن يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب : أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا ، فقال عمرو بن العاص : يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع ؟ فقال عمر : يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا. وقد مضى القول في المياه في سورة {الفرقان}. { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ } يعني القرآن { لِلْعَالَمِينَ } من الجن والإنس. { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } أي نبأ الذكر وهو القرآن أنه حق { بَعْدَ حِينٍ } قال قتادة : بعد الموت. وقال الزجاج. وقال ابن عباس وعكرمة وابن زيد : يعني يوم القيامة. وقال الفراء : بعد الموت وقبله. أي لتظهر لكم حقيقة ما أقول : { بَعْدَ حِينٍ } أي في المستأنف أي إذا أخذتكم سيوف المسلمين. قال السدي : وذلك يوم بدر. وكان الحسن يقول : يا ابن آدم عند الموت يأتيك الخبر اليقين. وسئل عكرمة عمن حلف ليصنعن كذا إلى حين. قال : إن من الحين ما لا تدركه كقوله تعالى : {ولتعلمن نبأه بعد حين} ومنه ما تدركه ؛ كقوله تعالى : { تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } من صرام النخل إلى طلوعه ستة أشهر. وقد مضى القول في هذا في {البقرة} و{إبراهيم} والحمد لله. (15/231) | |
|
somiya gutbi salim دويمابي برتبة عريف
عدد الرسائل : 87
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص الجمعة 15 يونيو - 16:18 | |
| زادك الله علما ونفعنا جميعا ....شكرا استاذ فوزى | |
|
فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص السبت 16 يونيو - 16:57 | |
|
جزاك الله خيراً أختي د. سمية..
أدعو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا تلاوة القرآن الكريم وينفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم..
لك التحية والشكر على المرور...
| |
|