منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات I_icon_minitimeالثلاثاء 10 يوليو - 20:29

تفسير سورة الحجرات




الآية : 9 {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}
فيه عشر مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} روى المعتمر بن سليمان عن أنس بن مالك قال : قلت : يا نبي الله ، لو أتيت عبدالله بن أبي ؟ فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فركب حمار وانطلق المسلمون يمشون ، وهي أرض سبخة ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : إليك عني فوالله لقد أذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحا منك. فغضب لعبدالله رجل من قومه ، وغضب لكل واحد منهما أصحابه ، فكان بينهم حرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنه أنزل فيهم هذه الآية. وقال مجاهد : نزلت في الأوس والخزرج. قال مجاهد : تقاتل حيان من الأنصار بالعصي والنعال فنزلت الآية. ومثله عن سعيد بن جبير : أن الأوس والخزرج كان بينهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتال
(16/315)





بالسعف والنعال ونحوه ، فأنزل الله هذه الآية فيهم. وقال قتادة : نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مداراة في حق بينهما فقال أحدهما : لآخذن حقي عنوة ، لكثرة عشيرته. ودعاه الآخر إلى أن يحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبي أن يتبعه ، فلم يزل الأمر بينهما حتى تواقعا وتناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال والسيوف ، فنزلت هذه الآية. وقال الكلبي : نزلت في حرب سُمير وحاطب ، وكان سمير قتل حاطبا ، فاقتتل الأوس والخزرج حتى أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت. وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يصلحوا بينهما. وقال السدي : كانت امرأة من الأنصار يقال لها : أم زيد تحت رجل من غير الأنصار ، فتخاصمت مع زوجها ، أرادت أن تزور قومها فحبسها زوجها وجعلها في علية لا يدخل عليها أحد من أهلها ، وأن المرأة بعثت إلى قومها ، فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها ، فخرج الرجل فاستغاث أهله فخرج بنو عمه ليحولوا بين المرأة وأهلها ، فتدافعوا وتجالدوا بالنعال ، فنزلت الآية. والطائفة تتناول الرجل الواحد والجمع والأثنين ، فهو مما حمل على المعنى دون اللفظ ، لأن الطائفتين في معنى القوم والناس. وفي قراءة عبدالله {حتى يفيؤوا إلى أمر الله فإن فاؤوا فخذوا بينهم بالقسط} . وقرأ ابن أبي عبلة {اقتتلتا} على لفظ الطائفتين. وقد مضى في آخر "التوبة" القول فيه. وقال ابن عباس في قوله عز وجل : {لْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم : 2] قال : الواحد فما فوقه ، والطائفة من الشيء القطعة منه. {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} بالدعاء إلى كتاب الله لهما أو عليهما. {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} تعدت ولم تجب إلى حكم الله وكتابه. والبغي : التطاول والفساد. {حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي ترجع إلى كتابه. {فَإِنْ فَاءَتْ} أي فإن رجعت {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} أي احملوهما على الإنصاف. {وَأَقْسِطُوا} أقسطوا أيها الناس فلا تقتتلوا. وقيل : أقسطوا أي اعدلوا. {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي العادلين المحقين.
(16/316)





الثانية : قال العلماء : لا تخلو الفئتان من المسلمين في اقتتالهما ، إما أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا أو لا. فإن كان الأول فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة. فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغي صير إلى مقاتلتهما. وأما إن كان الثاني وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى ، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب ، فإن فعلت أصلح بينها وبين المبغي عليها بالقسط والعدل. فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقة ، فالواجب إزالة الشبهة بالحجة النيرة والبراهين القاطعة على مراشد الحق. فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضرحه لهما فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين. والله أعلم.
الثالثة : في هذه الآية دليل على وجوب قتال الفئة الباغية المعلوم بغيها على الإمام أو على أحد من المسلمين. وعلى فساد قول من منع من قتال المؤمنين ، واحتج بقوله عليه السلام : "قتال المؤمن كفر" . ولو كان قتال المؤمن الباغي كفرا لكان الله تعالى قد أمر بالكفر ، تعالى الله عن ذلك وقد قاتل الصديق رضي الله عنه : من تمسك بالإسلام وامتنع من الزكاة ، وأمر ألا يتبع مُولٍّ ، ولا يجهز على جريح ، ولم تحل أموالهم ، بخلاف الواجب في الكفار. وقال الطبري : لو كان الواجب في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل لما أقيم حد ولا أبطل باطل ، ولوجد أهل النفاق والفجور سبيلا إلى استحلال كل ما حرم الله عليهم من أموال المسلمين وسبي نسائهم وسفك دمائهم ، بأن يتحزبوا عليهم ، ويكف المسلمون أيديهم عنهم ، وذلك مخالف لقوله عليه السلام : "خذوا على أيدي سفهائكم" .
الرابعة : قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذه الآية أصل في قتال المسلمين ، والعمدة في حرب المتأولين ، وعليها عول الصحابة ، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة ، وإياها عني النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "تقتل عمارا الفئة الباغية" . وقوله عليه السلام في شأن
(16/317)





الخوارج : "يخرجون على خير فرقة أو على حسين فرقة" ، والرواية الأولى أصح ، لقوله عليه السلام : "تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحق" . وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب ومن كان معه. فتقرر عند علماء المسلمين وثبت بدليل الدين أن عليا رضي الله عنه كان إماما ، وأن كل من خرج عليه باغ وأن قتال واجب حتى يفيء إلى الحق وينقاد إلى الصلح ، لأن عثمان رضي الله عنه قتل والصحابة برآء من دمه ، لأنه منع من قتال من ثار عليه وقال : لا أكون أول من خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بالقتل ، فصبر على البلاء ، واستسلم للمحنة وفدى بنفسه الأمة. ثم لم يمكن ترك الناس سدي ، فعرضت على باقي الصحابة الذين ذكرهم عمر في الشوري ، وتدافعوها ، وكان علي كرم الله وجهه أحق بها وأهلها ، فقبلها حوطة على الأمة أن تسفك دماؤها بالتهارج والباطل ، أو يتخرق أمرها إلى ما لا يتحصل. فربما تغير الدين وانقض عمود الإسلام. فلما بويع له طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكن من قتلة عثمان وأخذ القود منهم ، فقال لهم علي رضي الله عنه : ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه. فقالوا : لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك تراهم صباحاً ومساءً. فكان علي في ذلك أشد رأيا وأصوب قيلا ، لأن عليا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل وصارت حربا ثالثة ، فانتظر بهم أن يستوثق الأمر وتنعقد البيعة ، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم ، فيجري القضاء بالحق.
ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخير القصاص إذا أدى ذلك إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة. وكذلك جرى لطلحة والزبير ، فإنهما ما خلعا عليا من ولاية ولا اعترضا عليه في ديانة ، وإنما رأيا أن البداءة بقتل أصحاب عثمان أولى.
قلت : فهذا قول في سبب الحرب الواقع بينهم. وقال جلة من أهل العلم : إن الوقعة بالبصرة بينهم كانت على غير عزيمة منهم على الحرب بل فجأة ، وعلى سبيل دفع كل واحد من الفريقين عن أنفسهم لظنه أن الفريق الآخر قد غدر به ، لأن الأمر كان قد انتظم بينهم ،
(16/318)





وتم الصلح والتفرق على الرضا. فخاف قتلة عثمان رضي الله عنه من التمكين منهم والإحاطة بهم ، فاجتمعوا وتشاوروا واختلفوا ، ثم أتفقت آراوهم على أن يفترقوا فريقين ، ويبدأوا بالحرب سحرة في العسكرين ، وتختلف السهام بينهم ، ويصيح الفريق الذي في عسكر علي : غدر طلحة والزبير. والفريق الذي في عسكر طلحة والزبير : غدر علي. فتم لهم ذلك على ما دبروه ، ونشبت الحرب ، فكان كل فريق دافعا لمكرته عند نفسه ، ومانعا من الإشاطة بدمه. وهذا صواب من الفريقين وطاعة لله تعالى ، إذ وقع القتال والامتناع منهما على هذه السبيل. وهذا هوالصحيح المشهور. والله أعلم.
الخامسة : قوله تعالى : {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أمر بالقتال. وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، ولذلك تخلف قوم من الصحابة رضي الله عنهم عن هذه المقامات ، كسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمرو ومحمد بن مسلمة وغيرهم. وصوب ذلك علي بن أبي طالب لهم ، واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منه. ويروي أن معاوية رضي الله عنه لما أفضى إليه الأمر ، عاتب سعدا على ما فعل ، وقال له : لم تكن ممن أصلح بين الفئتين حين أقتتلا ، ولا ممن قاتل الفئة الباغية. فقال له سعد : ندمت على تركي قتال الفئة الباغية. فتبين أنه ليس على الكل درك فيما فعل ، وإنما كان تصرفا بحكم الاجتهاد وإعمالا بمقتضى الشرع. والله أعلم.
السادسة : قوله تعالى : {فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} ومن العدل في صلحهم ألا يطالبوا بما جرى بينهم من دم ولا مال ، فإنه تلف على تأويل. وفي طلبهم تنفير لهم عن الصلح واستشراء في البغي. وهذا أصل في المصلحة. وقد قال لسان الأمة : إن حكمة الله تعالى في حرب الصحابة التعريف منهم لأحكام قتال أهل التأويل ، إذ كان أحكام قتال أهل الشرك قد عرفت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله.
(16/319)





السابعة : إذا خرجت على الإمام العدل خارجة باغية ولا حجة لها ، قاتلهم الإمام بالمسلمين كافة أو من فيه كفاية ، ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة ، فإن أبوا من الرجوع والصلح قوتلوا. ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم ، ولا تسبي ذراريهم ولا أموالهم. وإذا قتل العادل الباغي ، أو الباغي العادل وهو وليه لم يتوارثا. ولا يرث قاتل عمدا على حال. وقيل : إن العادل يرث الباغي ، قياسا على القصاص.
الثامنة : وما استهلكه البغاة والخوارج من دم أو مال ثم تابوا لم يؤاخذوا به. وقال أبو حنيفة : يضمنون. وللشافعي قولان. وجه قول أبي حنيفة أنه إتلاف بعدوان فيلزم الضمان. والمعول في ذلك عندنا أن الصحابة رضي الله عنهم في حروبهم لم يتبعوا مدبرا ولا ذففوا على جريح ولا قتلوا أسيرا ولا ضمنوا نفسا ولا مالا ، وهم القدوة.
وقال ابن عمر : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا عبدالله أتدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة" ؟ قال : الله ورسوله أعلم. فقال : "لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب طلب هاربها ولا يقسم فيئها". فأما ما كان قائما رد بعينه.
هذا كله فيمن خرج بتأويل يسوغ له. وذكر الزمخشري في تفسيره : إن كانت الباغية من قلة العدد بحيث لا منعة لها ضمنت بعد الفيئة ما جنت ، وإن كانت كثيرة ذات منعة وشوكة لم تضمن ، إلا عند محمد بن الحسن رحمه الله فإنه كان يفتي بأن الضمان يلزمها إذا فاءت. وأما قبل التجمع والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها ، فما جنته ضمنته عند الجميع. فحمل الإصلاح بالعدل في قوله : {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} على مذهب محمد واضح منطبق على لفظ التنزيل. وعلى قول غيره وجهه أن يحمل على كون الفئة الباغية قليلة العدد. والذي ذكروا أن الغرض إماتة الضغائن وسل الأحقاد دون ضمان الجنايات ، ليس بحسن الطباق المأمور به من أعمال العدل ومراعاة القسط. قال الزمخشري : فإن قلت : لم قرن بالإصلاح الثاني العدل دون الأول ؟ قلت : لأن المراد بالاقتتال في أول الآية أن يقتتلا باغيتين أو راكبتي شبهة ، وأيتهما كانت
(16/320)





فالذي يجب على المسلمين أن يأخذوا به في شأنهما إصلاح ذات البين وتسكين الدهماء بإراءة الحق والمواعظ الشافية ونفي الشبهة ، إلا إذا أصرتا فحينئذ تجب المقاتلة ، وأما الضمان فلا يتجه. وليس كذلك إذا بغت إحداهما ، فإن الضمان متجه على الوجهين المذكورين.
التاسعة : ولو تغلبوا (أي البغاة) على بلد فأخذوا الصدقات وأقاموا الحدود وحكموا فيهم بالأحكام ، لم تثن عليهم الصدقات ولا الحدود ، ولا ينقض من أحكامهم إلا ما كان خلافا للكتاب أو السنة أو الإجماع ، كما تنقض أحكام أهل العدل والسنة ، قال مطرف وابن الماجشون. وقال ابن القاسم : لا تجوز بحال. وروي عن أصبغ أنه جائز. وروي عنه أيضا أنه لا يجوز كقول ابن القاسم. وبه قال أبو حنيفة ، لأنه عمل بغير حق ممن لا تجوز توليته. فلم يجز كما لو لم يكونوا بغاة. والعمدة لنا ما قدمناه من أن الصحابة رضي الله عنهم ، لما أنجلت الفتنة وارتفع الخلاف بالهدنة والصلح ، لم يعرضوا لأحد منهم في حكم. قال ابن العربي : الذي عندي أن ذلك لا يصلح ، لأن الفتنة لما انجلت كان الإمام هو الباغي ، ولم يكن هناك من يعترضه والله أعلم.
العاشرة : لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل ، وهم كلهم لنا أئمة ، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم ، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر ، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم ، وأن الله غفر لهم ، وأخبر بالرضا عنهم. هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض ، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانا لم يكن بالقتل فيه شهيدا. وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيرا في الواجب عليه ، لأن الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة ، فوجب حمل أمرهم على ما بيناه. ومما يدل على ذلك ما قد صح وانتشر من أخبار علي بأن قاتل الزبير في النار. وقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "بشر قاتل ابن صفية بالنار". وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير
(16/321)





غير عاصيين ولا أثمين بالقتال ، لأن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في طلحة : "شهيد". ولم يخبر أن قاتل الزبير في النار. وكذلك من قعد غير مخطئ في التأويل. بل صواب أراهم الله الاجتهاد. وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم والبراءة منهم وتفسيقهم ، وإبطال فضائلهم وجهادهم ، وعظيم غنائهم في الدين ، رضي الله عنهم. وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال : {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة : 141]. وسئل بعضهم عنها أيضا فقال : تلك دماء طهر الله منها يدي ، فلا أخضب بها لساني. يعني في التحرز من الوقوع في خطأ ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبا فيه. قال ابن فورك : ومن أصحابنا من قال : إن سبيل ما جرت بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين إخوة يوسف مع يوسف ، ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حد الولاية والنبوة ، فكذلك الأمر فيما جرى بين الصحابة. وقال المحاسبي : فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها باختلافهم. وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال : قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا ، وعلموا وجهلنا ، واجتمعوا فاتبعنا ، واختلفوا فوقفنا. قال المحاسبي : فنحن نقول كما قال الحسن ، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا ، ونتبع ما اجتمعوا عليه ، ونقف عند ما اختلفوا فيه ولا نبتدع رأيا منا ، ونعلم أنهم أجتهدوا وأرادوا الله عز وجل ، إذ كانوا غير متهمين في الدين ، ونسأل الله التوفيق.
الآية : 10 {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} أي في الدين والحرمة لا في النسب ، ولهذا قيل : أخوة الدين أثبت من أخوة النسب ، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين ،
(16/322)





وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب. وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا" . وفي رواية : "لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب أمريء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" لفظ مسلم. وفي غير الصحيحين عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم : "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يعيبه ولا يخذله ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عليه الريح إلا بإذنه ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له غرفة ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها" . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : "احفظوا ولايحفظ منكم إلا قليل".
الثانية : قوله تعالى : {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} أي بين كل مسلمين تخاصما. وقيل : بين الأوس والخزرج ، على ما تقدم. وقال أبو علي : أراد بالأخوين الطائفتين ، لأن لفظ التثنية يرد والمراد به الكثرة ، كقوله تعالى : {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة : 64]. وقال أبو عبيدة : أي أصلحوا بين كل أخوين ، فهو آت على الجميع. وقرأ ابن سيرين ونصر بن عاصم وأبو العالية والجحدري ويعقوب {بين إخوتكم} بالتاء على الجمع. وقرأ الحسن {إخوانكم} . الباقون : {أخويكم} بالياء على التثنية.
الثالثة : في هذه الآية والتي قبلها دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان ، لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين. قال الحارث الأعور : سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو القدوة عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصفين : أمشركون هم ؟
(16/323)





قال : لا ، من الشرك فروا. فقيل : أمنافقون ؟ قال : لا ، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. قيل له : فما حالهم ؟ قال إخواننا بغوا علينا.
الآية : 11 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} قيل عند الله. وقيل {خيرا منهم} أي معتقدا وأسلم باطنا. والسخرية الاستهزاء. سخرت منه أسخر سخرا (بالتحريك) ومسخرا وسخرا (بالضم). وحكى أبو زيد سخرت به ، وهو أردأ اللغتين. وقال الأخفش : سخرت منه وسخرت به ، وضحكت منه وضحكت به ، وهزئت منه وهزئت به ، كل يقال. والاسم السخرية والسخري ، وقرئ بهما قوله تعالى : {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف : 32] وقد تقدم. وفلان سخرة ، يتسخر في العمل. يقال : خادم سخرة. ورجل سخرة أيضا يسخر منه. وسخرة (بفتح الخاء) يسخرمن الناس.
الثانية : واختلف في سبب نزولها ، فقال ابن عباس : نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر ، فإذا سبقوه الى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أوسعوا له إذا أتى حتى يجلس إلى جنبه ليسمع ما يقول ، فأقبل ذات يوم وقد فاتته من صلاة الفجر ركعة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أخذ أصحابه مجالسهم منه ،
(16/324)





فرفض كل رجل منهم بمجلسه ، وعضوا فيه فلا يكاد يوسع أحد لأحد حتى يظل الرجل لا يجد مجلسا فيظل قائما ، فلما انصرف ثابت من الصلاة تخطي رقاب الناس ويقول : تفسحوا تفسحوا ، ففسحوا له حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبينه وبينه رجل فقال له : تفسح. فقال له الرجل : قد وجدت مجلسا فأجلس فجلس ثابت من خلفه مغضبا ، ثم قال : من هذا ؟ قالوا فلان ، فقال ثابت : ابن فلانة يعيره بها ، يعني أما له في الجاهلية ، فاستحيا الرجل ، فنزلت. وقال الضحاك : نزلت في وفد بني تميم الذي تقدم ذكرهم في أول "السورة" استهزؤوا بفقراء الصحابة ، مثل عمار وخباب وابن فهيرة وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم ، لما رأوا من رثاثة حالهم ، فنزلت في الذين آمنوا منهم. وقال مجاهد : هو سخرية الغني من الفقير. وقال ابن زيد : لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله ، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة. وقيل : نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلما ، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا ابن فرعون هذه الأمة. فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.
وبالجملة فينبغي ألا يجتريء أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رءاه رث الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق في محادثته ، فلعله أخلص ضميرا وأنقى قلبا ممن هو على ضد صفته ، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله ، والاستهزاء بمن عظمه الله. ولقد بلغ بالسلف إفراط توقيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل : لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذي صنع. وعن عبدالله بن مسعود : البلاء موكل بالقول ، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا. و {قوم} في اللغة للمذكرين خاصة. قال زهير :
وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء
وسموا قوما لأنهم يقومون مع داعيهم في الشدائد. وقيل : إنه جمع قائم ، ثم استعمل في كل جماعة وإن لم يكونوا قائمين. وقد يدخل في القوم النساء مجازا ، وقد مضى في "البقرة" بيانه.
(16/325)





الثالثة : قوله تعالى : {وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ} أفرد النساء بالذكر لأن السخرية منهن أكثر. وقد قال الله تعالى : {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [نوج : 1] فشمل الجميع. قال المفسرون : نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سخرتا من أم سلمة ، وذلك أنها ربطت خصريها بسبيبة - وهو ثوب أبيض ، ومثلها السب - وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرها ، فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما : انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب ، فهذه كانت سخريتهما. وقال أنس وابن زيد : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، عيرن أم سلمة بالقصر. وقيل : نزلت في عائشة ، أشارت بيدها إلى أم سلمة ، يا نبي الله إنها لقصيرة. وقال عكرمة عن ابن عباس : إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن النساء يعيرنني ، ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هلا قلت إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد" . فأنزل الله هذه الآية.
الرابعة : في صحيح الترمذي عن عائشة قالت : حكيت للنبي صلى الله عليه وسلم رجلا ، فقال : "ما يسرني أني حكيت رجلا وأن لي كذا وكذا" . قالت فقلت : يا رسول الله ، إن صفية امرأة - وقالت بيدها - هكذا ، يعني أنها قصيرة. فقال : "لقد مزجت بكلمة لو مزج بها البحر لمزج" . وفي البخاري عن عبدالله بن زمعة قال : نهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يضحك الرجل مما يخرج من الأنفس. وقال : "لم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ثم لعله يعانقها". وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". وهذا حديث عظيم يترتب عليه ألا يقطع بعيب أحد لما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة ، فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفا مذموما لا تصح
(16/326)





معه تلك الأعمال. ولعل من رأينا عليه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه. فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية. ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالا صالحة ، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالا سيئة. بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة ، لا تلك الذات المسيئة. فتدبر هذا ، فإنه نظر دقيق ، وبالله التوفيق.
قوله تعالى : {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} اللمز : العيب ، وقد مضى في "التوبة" عند قوله تعالى : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} [التوبة : 58]. وقال الطبري : اللمز باليد والعين واللسان والإشارة. والهمز لا يكون إلا باللسان. وهذه الآية مثل قوله تعالى : {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء : 29] أي لا يقتل بعضكم بعضا ، لأن المؤمنين كنفس واحدة ، فكأنه بقتل أخيه قاتل نفسه. وكقوله تعالى : {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور : 61] يعني يسلم بعضكم على بعض. والمعنى : لا يعب بعضكم بعضا. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير : لا يطعن بعضكم على بعض. وقال الضحاك : لا يلعن بعضكم بعضا. وقرئ : {ولا تُلمزوا} بالضم. وفي قوله : {أنفسكم} تنبيه على أن العاقل لا يعيب نفسه ، فلا ينبغي أن يعيب غيره لأنه كنفسه ، قال صلى الله عليه وسلم : "المؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" . وقال بكر بن عبدالله المزني : إذا أردت أن تنظر العيوب جمة فتأمل عيابا ، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب. وقال صلى الله عليه وسلم : "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ويدع الجذع في عينه" وقيل : من سعادة المرء أن يشتغل بعيوب نفسه عن عيوب غيره. قال الشاعر :
المرء إن كان عاقلا ورعا ... أشغله عن عيوبه ورعه
كما السقيم المريض يشغله ... عن وجع الناس كلهم وجعه
(16/327)





وقال آخر :
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا ... فيهتك الله سترا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ... ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
الثانية : قوله تعالى : {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} النبز "بالتحريك" اللقب ، والجمع الأنباز. والنبز (بالتسكين) المصدر ، تقول : نبزه ينبزه نبزا ، أي لقبه. وفلان ينبز بالصبيان أي يلقبهم ، شدد للكثرة. ويقال النبز والنزب لقب السوء. وتنابزوا بالألقاب : أي لقب بعضهم بعضا. وفي الترمذي عن أبي جبيرة بن الضحاك قال : كان الرجل منا يكون له الاسمين والثلاثة فيدعي ببعضها فعسى أن يكره ، فنزلت هذه الآية : {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}. قال هذا حديث حسن. وأبو جبيرة هذا هو أخو ثابت بن الضحاك بن خليفة الأنصاري. وأبو زيد سعيد بن الربيع صاحب الهروي ثقة. وفي مصنف أبي داود عنه قال : فينا نزلت هذه الآية ، في بني سلمة {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ } قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا فلان فيقولون مه يا رسول الله ، إنه يغضب من هذا الاسم ، فنزلت هذه الآية : {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} فهذا قول. وقول ثان - قال الحسن ومجاهد : كان الرجل يعير بعد إسلامه بكفره يا يهودي يا نصراني ، فنزلت. وروي عن قتادة وأبي العالية وعكرمة. وقال قتادة : هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق ، وقاله مجاهد والحسن أيضا. {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ} أي بئس أن يسمى الرجل كافرا أو زانيا بعد إسلامه وتوبته ، قال ابن زيد. وقيل : المعنى أن من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق. وفي الصحيح "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه". فمن فعل ما نهى الله عنه من السخرية والهمز والنبز فذلك فسوق وذلك لا يجوز. وقد روي أن أبا ذر رضي الله عنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فنازعه
(16/328)





رجل فقال له أبو ذر : يا ابن اليهودية فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما ترى ها هنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه" يعني بالتقوى ، ونزلت : {وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}. وقال ابن عباس : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب ، فنهى الله أن يعير بما سلف. يدل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من عير مؤمنا بذنب تاب منه كان حقا على الله أن يبتليه به ويفضحه فيه في الدنيا والآخرة" .
الثالثة : وقع من ذلك مستثني من غلب عليه الاستعمال كالأعرج والأحدب ولم يكن له فيه كسب يجد في نفسه منه عليه ، فجوزته الأمة وأتفق على قول أهل الملة. قال ابن العربي : وقد ورد لعمر الله من ذلك في كتبهم ما لا أرضاه في صالح جزرة ، لأنه صحف "خرزة" فلقب بها. وكذلك قولهم في محمد بن سليمان الحضرمي : مطين ، لأنه وقع في طين ونحو ذلك مما غلب على المتأخرين ، ولا أراه سائغا في الدين. وقد كان موسى بن علي بن رباح المصري يقول : لا أجعل أحدا صغر اسم أبي في حل ، وكان الغالب على اسمه التصغير بضم العين. والذي يضبط هذا كله : أن كل ما يكره الإنسان إذا نودي به فلا يجوز لأجل الأذية. والله أعلم.
قلت : وعلى هذا المعنى ترجم البخاري رحمه الله في (كتاب الأدب) من الجامع الصحيح. في (باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير لا يراد به شين الرجل) قال : وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما يقول ذو اليدين" قال أبو عبدالله بن خويز منداد : تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره ، ويجوز تلقيبه بما يحب ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لقب عمر بالفاروق ، وأبا بكر بالصديق ، وعثمان بذي النورين ، وخزيمة بذي الشهادتين ، وأبا هريرة بذي الشمالين وبذي اليدين ، في أشباه ذلك.
(16/329)





الزمخشري : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "من حق المؤمن على المؤمن أن يسميه بأحب أسمائه إليه" . ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن ، قال عمر رضي الله عنه : أشيعوا الكني فإنها منبهة. ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصديق ، وعمر بالفاروق ، وحمزة بأسد الله ، وخالد بسيف الله. وقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب. ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها - من العرب والعجم - تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير. قال الماوردي : فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره. وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم عددا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من أجل الألقاب.
قلت : فأما ما يكون ظاهرها الكراهة إذا أريد بها الصفة لا العيب فذلك كثير. وقد سئل عبدالله بن المبارك عن الرجل يقول : حُميد الطويل ، وسليمان الأعمش ، وحُميد الأعرج ، ومروان الأصغر ، فقال : إذا أردت صفته ولم ترد عيبه فلا بأس به. وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن سرجس قال : رأيت الأصلع - يعني عمر - يقبل الحجر. في رواية الأصيلع.
قوله تعالى : {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} أي عن هذه الألقاب التي يتأذى بها السامعون. {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنفسهم بارتكاب هذه المناهي.


(16/330)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحجرات
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: