منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف   كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف I_icon_minitimeالأربعاء 27 يونيو - 21:44

تفسير سورة الزخرف
...
سورة الزخرف




الآية : 65 {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ ، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}
قوله تعالى : {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} قال قتادة : يعني ما بينهم ، وفيهم قولان : أحدهما : أنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، خالف بعضهم بعضا ، قال مجاهد والسدي. الثاني : فرق النصارى من النسطورية والملكية واليعاقبة ، اختلفوا في عيسى ؛ فقال النسطورية : هو ابن الله. وقالت اليعاقبة : هو الله. وقالت الملكية : ثالث ثلاثة أحدهم الله ؛ قال الكلبي ومقاتل ، وقد مضى هذا في سورة "مريم". {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} أي كفروا وأشركوا ؛ كما في سورة "مريم". {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} أي أليم عذابه ؛ مثله : ليل نائم ؛ أي ينام فيه. {هَلْ يَنْظُرُونَ} يريد الأحزاب لا ينتظرون. {إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} {إِلَّا السَّاعَةَ} يريد القيامة. {أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي فجأة. {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} يفطنون. وقد مضى في غير موضع. وقيل : المعنى لا ينتظر مشركو العرب إلا الساعة. ويكون "الأحزاب" على هذا ، الذين تحزبوا على النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوه من المشركين. ويتصل هذا بقوله تعالى : {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً} [الزخرف : 58].
الآية : 67 {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}
قوله تعالى : {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ} يريد يوم القيامة. {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} أي أعداء ، يعادي بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا. {إِلَّا الْمُتَّقِينَ} فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة ؛ قال معناه ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وحكى النقاش أن هذه الآية نزلت في أمية بن خلف الجمحي وعقبة بن أبي معيط ، كانا خليلين ؛ وكان عقبة يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت قريش : قد صبأ عقبة بن أبي معيط ؛ فقال له أمية : وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا ولم تتفل في وجهه ؛ ففعل عقبة ذلك ؛ فنذر النبي صلى الله عليه وسلم قتله فقتله يوم بدر صبرا ، وقتل أمية في المعركة ؛ وفيهم نزلت هذه الآية. وذكر الثعلبي رضي الله عنه في هذه الآية قال : كان خليلان مؤمنان وخليلان كافران ، فمات أحد المؤمنين فقال : يا رب ،
(16/109)





إن فلانا كان يأمرني بطاعتك ، وطاعة رسولك ، وكان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر. ويخبرني أني ملاقيك ، يا رب فلا تضله بعدي ، وأهده كما هديتني ، وأكرمه كما أكرمتني. فإذا مات خليله المؤمن جمع الله ببنهما ، فيقول الله تعالى : ليثن كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول : يا رب ، إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ، ويخبرني أني ملاقيك ، فيقول الله تعالى : نعم الخليل ونعم الأخ ونعم الصاحب كان. قال : ويموت أحد الكافرين فيقول : يا رب ، إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، فأسألك يا رب ألا تهده بعدي ، وأن تضله كما أضللتني ، وأن تهينه كما أهنتني ؛ فإذا مات خليله الكافر قال الله تعالى لهما : لثين كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول : يا رب ، إنه كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ويخبرني أني غير ملاقيك ، فأسألك أن تضاعف عليه العذاب ؛ فيقول الله تعالى : بئس الصاحب والأخ والخليل كنت. فيلعن كل واحد منهما صاحبه.
قلت : والآية عامة في كل مؤمن ومتق وكافر ومضل.
الآية : 68 {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}
قال مقاتل ورواه المعتمر بن سليمان عن أببه : ينادي مناد في العرصات {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} ، فيرفع أهل العرصة رؤوسهم ، فيقول المنادي : {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} فينكس أهل الأديان رؤوسهم غير المسلمين.
وذكر المحاسبي في الرعاية : وقد روي في هذا الحديث أن المنادي ينادي يوم القيامة : {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} فيرفع الخلائق رؤوسهم ، يقولون : نحن عباد الله. ثم ينادي الثانية : {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} فينكس الكفار رؤوسهم ويبقى الموحدون رافعي رؤوسهم. ثم ينادي الثالث : {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس : 63] فينكس أهل الكبائر رؤوسهم ، ويبقى أهل التقوى رافعي رؤوسهم ، قد أزال عنهم الخوف والحزن كما وعدهم ؛ لأنه أكرم الأكرمين ، لا يخذل وليه ولا يسلمه عند الهلكة. وقرئ {يا عباد}.
(16/110)





- الآية : 69 {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ}
قال الزجاج : {الذين} نصب على النعت لـ {عبادي} لأن {عبادي} منادى مضاف. وقيل : {الَّذِينَ آمَنُوا} خبر لمبتدأ محذوف أو ابتداء وخبره محذوف ؛ تقديره هم الذين آمنوا ، يقال لهم : {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} أو يا عبادي الذين آمنوا ادخلوا الجنة. {أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} المسلمات في الدنيا. وقيل : قرناؤكم من المؤمنين. وقيل : زوجاتكم من الحور العين. {تُحْبَرُونَ} تكرمون ؛ قاله ابن عباس ؛ والكرامة في المنزلة. الحسن : تفرحون. والفرح في القلب. قتادة : ينعمون ؛ والنعيم في البدن. مجاهد ؛ تسرون ؛ والسرور في العين. ابن أبي نجيح : تعجبون ؛ والعجب ها هنا درك ما يستطرف يحي بن أبي كثير : هو التلذذ بالسماع. وقد مضى.
الآية : 71 {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} أي لهم في الجنة أطعمة وأشربة يطاف بها عليهم في صحاف من ذهب وأكواب. ولم يذكر الأطعمة والأشربة ؛ لأنه يعلم أنه لا معنى للإطافة بالصحاف والأكواب عليهم من غير أن يكون فيها شيء. وذكر الذهب في الصحاف واستغنى به عن الإعادة في الأكواب ؛ كقوله تعالى :
(16/111)





{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب : 35]. وفي الصحيحين عن حذيفة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة". وقد مضى في سورة "الحج" أن من أكل فيهما في الدنيا أو لبس الحرير في الدنيا ولم يتب حرم ذلك في الآخرة تحريما مؤيدا. والله أعلم. وقال المفسرون : يطوف على أدناهم في الجنة منزلة سبعون ألف غلام بسبعين ألف صحفة من ذهب ، يغدى عليها بها ، في كل واحدة منها لون ليس في صاحبتها ، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها ، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها ، لا يشبه بعضه بعضا ، ويراح عليه بمثلها. ويطوف على أرفعهم درجة كل يوم سبعمائة ألف غلام ، مع كل غلام صحفة من ذهب ، فيها لون من الطعام ليس في صاحبتها ، يأكل من آخرها كما يأكل من أولها ، ويجد طعم آخرها كما يجد طعم أولها ، لا يشبه بعضه بعضا.
{وَأَكْوَابٍ} أي ويطاف عليهم بأكواب ؛ كما قال تعالى : {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ} [الإنسان : 15].
وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا معمر عن رجل عن أبي قلابة قال : يؤتون بالطعام والشراب ، فإذا كان في آخر ذلك أوتوا بالشراب الطهور فتضمر لذلك بطونهم ، ويفيض عرقا من جلودهم أطيب من ريح المسك ؛ ثم قرأ {شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان : 21]. وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام ؟ قال : جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد والتكبير - في رواية - كما يلهمون النفس".
الثانية : روى الأئمة من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم" وقال : "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها" وهذا يقتضي التحريم ، ولا خلاف في ذلك.
(16/112)





واختلف الناس في استعمالها في غير ذلك. قال ابن العربي : والصحيح أنه لا يجوز للرجال استعمالها في شي لقول النبي صلى الله عليه وسلم الذهب والحرير : "هذان حرام لذكور أمتي حل لإناثها" . والنهي عن الأكل والشرب فيها يدل علن تحريم استعمالها ؛ لأنه نوع من المتاع فلم يجز. أصله الأكل والشرب ، ولأن العلة في ذلك استعجال أمر الآخرة ، وذلك يستوي فيه الأكل والشرب وسائر أجزاء الانتفاع ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم قال : "هي لهم في الدنيا ولنا في الآخرة" فلم يجعل لنا فيها حظا في الدنيا.
الثالثة : إذا كان الإناء مضببا بهما أو فيه حلقة منهما ؛ فقال مالك : لا يعجبني أن يشرب فيه ، وكذلك المرأة تكون فيها الحلقة من الفضة ولا يعجبني أن ينظر فيها وجهه.
وقد كان عند أنس إناء مضبب بفضة وقال : لقد سقيت فيه النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن سيرين : كانت فيه حلقة حديد فأراد أنس أن يجعل فيه حلقة فضة ؛ فقال أبو طلحة : لا أغير شيئا مما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فتركه.
الرابعة : إذا لم يجز استعمالها لم يجز اقتناؤها ؛ لأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اقتناؤه كالصنم والطنبور. وفي كتب علمائنا أنه يلزم الغرم في قيمتها لمن كسرها ، وهو معنى فاسد ، فإن كسره واجب فلا ثمن لقيمتها. ولا يجوز تقويمها في الزكاة بحال. وغير هذا لا يلتفت إليه.
قوله تعالى : {بِصِحَافٍ} قال الجوهري : الصحفة كالقصعة والجمع صحاف. قال الكسائي : أعظم القصاع الجفنة ثم القصعة طيها تشبع العشرة ، ثم الصحفة تشبع الخمسة ، ثم المئكلة تشبع الرجلين والثلاثة ، ثم الصحيفة تشبع الرجل. والصحيفة الكتاب والجمع صحف وصحائف. {وَأَكْوَابٍ} قال الجوهري : الكوب كوز لا عروة له ، والجمع أكواب قال الأعشى يصف الخمر :
(16/113)





صريفية طيب طعمها ... لها زبد بين كوب ودن
وقال آخر :
متكئا تصفق أبوابه ... يسعى عليه العبد بالكوب
وقال قتادة : الكوب المدور القصير العنق القصير العروة. والإبريق : المستطيل العنق الطويل العروة. وقال الأخفش : الأكواب الأباريق التي لا خراطيم لها. وهي الأباريق التي ليست لها عرى. وقال مجاهد : إنها الآنية المدورة الأفواه. السدي : هي التي لا آذان لها. ابن عزيز : {أكواب} أباريق لا عرى لها ولا خراطيم ؛ واحدها كوب.
قلت : وهو معنى قول مجاهد والسدي ، وهو مذهب أهل اللغة أنها التي لا آذان لها ولا عرى.
قوله تعالى : {فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} روى الترمذي عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من خيل ؟ قال : "إن الله أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت". قال : وسأله رجلا فقال يا رسول الله ، هل في الجنة من إبل ؟ قال : فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه قال : "إن أدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك". وقرأ أهل المدينة ، ابن عامر وأهل الشام {وفيها ما تشتهيه الأنفس} ، الباقون {تشتهي الأنفس} أي تشتهيه الأنفس ؛ تقول الذي ضربت زيد ، أي الذي ضربته زيد. {وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} تقول : لذ الشيء يلذ لذاذا ، ولذاذة. ولذذت. بالشيء ألذ (بالكسر في الماضي والفتح في المستقبل" لذاذا ولذاذة ؛ أي وجدته لذيذا. والتذذت به وتلذذت به بمعنى. أي في الجنة ما تستلذه العين فكان حسن المنظر. وقال سعيد بن جبير : {وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} النظر إلى الله عز وجل ؛ كما في الخبر : "أسألك لذة النظر إلى وجهك". {وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} باقون دائمون ؛ لأنها لو انقطعت لتبغضت.
(16/114)





الآية : 72 {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
قوله تعالى : {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ} أي يقال لهم هذه تلك الجنة التي كانت توصف لكم في الدنيا. وقال ابن خالَويه : أشار تعالى إلى الجنة بتلك وإلى جهنم بهذه ؛ ليخوف بجهنم ويؤكد التحذير منها. وجعلها بالإشارة القريبة كالحاضرة التي ينظر إليها. {الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} قال ابن عباس : خلق الله لكل نفس جنة ونارا ؛ فالكافر يرث نار المسلم ، والمسلم يرث جنة الكافر ؛ وقد تقدم هذا مرفوعا في {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون : 1] من حديث أبي هريرة ، وفي "الأعراف" أيضا.
الآية : 73 {لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ}
الفاكهة معروفة ، وأجناسها الفواكه ، والفاكِهاني الذي يبيعها. وقال ابن عباس : هي الثمار كلها ، رطبها وطيبا ؛ أي لهم في الجنة سوى الطعام والشراب فاكهة كثيرة يأكلون منها.
الآية : 74 - 76 {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}
قوله تعالى : {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} لما ذكر أحوال أهل الجنة ذكر أحوال أهل النار أيضا ليبين فضل المطيع على العاصي. {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} أي لا يخفف عنهم ذلك العذاب. {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} أي آيسون من الرحمة. وقيل : ساكتون سكوت يأس ؛ وقد مضى. {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بالعذاب {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} أنفسهم بالشرك. ويجوز "ولكن كانوا هم الظالمون" بالرفع على الابتداء والخبر والجملة خبر كان.
الآية : 77 {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}
(16/115)





قوله تعالى : {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} وهو خازن جهنم ، خلقه لغضبه ؛ إذا زجر النار زجرة أكل بعضها بعضا. وقرأ علي وابن مسعود رضي الله عنهما {ونادوا يا مالِ} وذلك خلاف المصحف. وقال أبو الدرداء وابن مسعود : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم {ونادوا يا مال} باللام خاصة ؛ يعني رخم الاسم وحذف الكاف. والترخيم الحذف ، ومنه ترخيم الاسم في النداء ، وهو أن يحذف من آخره حرف أوكثر ، فتقول في مالك : يا مال ، وفي حارث : يا حار ، وفي فاطمة : يا فاطم ، وفي عائشة يا عائش وفي مروان : يا مرو ، وهكذا. قال :
يا حار لا أرمين منكم به بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك
وقال امرؤ القيس :
أحار ترى برقا أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبي مكلل
وقال أيضا :
أفاطم مهلا بعض هذا التدليل ... وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
وقال آخر :
يا مرو إن مطيتي محبوسة ... ترجو الحباء وربها لم ييأس
وفي صحيح الحديث "أي فل ، هلم". ولك في آخر الاسم المرخم وجهان : أحدهما : أن تبقيه على ما كان عليه قبل الحذف. والآخر : أن تبقيه على الضم ؛ مثل : يا زيد ؛ كأنك أنزلته منزلته ولم تراع المحذوف. وذكر أبو بكر الأنباري قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي قال حدثنا محمد - وهو ابن سعدان - قال حدثنا حجاج عن شعبة عن الحكم بن
(16/116)





عيينة عن مجاهد قال : كنا لا ندري ما الزخرف حتى وجدناه في قراءة عبدالله {بيت من ذهب} ، وكنا لا ندري {ونادوا يا مالك} أو يا ملك (بفتح اللام وكسرها) حتى وجدناه في قراءة عبدالله {ونادوا يا مال} على الترخيم. قال أبو بكر : لا يعمل على هذا الحديث لأنه مقطوع لا يقبل مثله في الرواية عن الرسول عليه السلام ؛ وكتاب الله أحق بأن يحتاط له وينفى عنه الباطل.
قلت : وفي صحيح البخاري عنه صفوان بن يعلى عن أبيه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر : {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} بإثبات الكاف.
وقال محمد بن كعب القرظي : بلغني - أو ذكر لي - أن أهل النار استغاثوا بالخزنة فقال الله تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر : 49] فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب ؛ فردت عليهم : {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر : 50] قال : فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكا ؛ وهو عليهم وله مجلس في وسطها ، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب ؛ فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها فقالوا : {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} سألوا الموت ، قال : فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة ، قال : والسنة ستون وثلاثمائة يوم ، والشهر ثلاثون يوما ، واليوم كألف سنة مما تعدون ، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال : {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} وذكر الحديث ؛ ذكره ابن المبارك. وفي حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "فيقولون ادعوا مالكا فيقولون يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون". قال الأعمش : نبئت أن بين دعائهم وبين إجابة مالك إياهم ألف عام ؛ خرجه الترمذي. وقال ابن عباس : يقولون ذلك فلا يجيبهم ألف سنة ، ثم يقول إنكم ماكثون. وقال مجاهد ونوف البكالي : بين ندائهم وإجابته إياهم مائة سنة. وقال عبدالله بن عمرو : أربعون سنة ؛ ذكره ابن المبارك.
(16/117)





- الآية : 78 {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}
يحتمل أن يكون هذا من قول مالك لهم ؛ أي إنكم ماكثون في النار لأنا جئناكم في الدنيا بالحق فلم تقبلوا. ويحتمل أن يكون من كلام الله لهم اليوم ؛ أي بينا لكم الأدلة وأرسلنا إليكم الرسل. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ} قال ابن عباس : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ} أي ولكن كلكم. وقيل : أراد بالكثرة الرؤساء والقادة منهم ؛ وأما الأتباع فما كان لهم أثر {لِلْحَقِّ} أي للإسلام ودين الله {كَارِهُونَ} .
الآية : 79 {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}
قال مقاتل : نزلت في تدبيرهم المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم في دار الندوة ، حين استقر أمرهم على ما أشار به أبو جهل عليهم أن يبرز من كل قبيلة رجل ليشتركوا في قتله فتضعف المطالبة بدمه ؛ فنزلت هذه الآية ، وقتل الله جميعهم ببدر.
{أَبْرَمُوا} أحكموا. والإبرام الإحكام. أبرمت الشيء أحكمته. وأبرم القتال إذا أحكم القتل ، وهو القتل الثاني ، والأول سحيل ؛ كما قال :
... من سحيل ومبرم
فالمعنى : أم أحكموا كيدا فإنا محكمون لهم كيدا ؛ قال ابن زيد ومجاهد. قتادة : أم أجمعوا على التكذيب فإنا مجمعون على الجزاء بالبعث. الكلبي : أم قضوا أمرا فإنا قاضون عليهم بالعذاب. وأم بمعنى بل. وقيل : {أَمْ أَبْرَمُوا} عطف على قوله : {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف : 45]. وقيل : أي ولقد جئناكم بالحق فلم تسمعوا ، أم سمعوا فأعرضوا لأنهم في أنفسهم أبرموا أمرا أمنوا به العقاب.
الآية : 80 {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}
(16/118)





قوله تعالى : {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} أي ما يسرونه في أنفسهم ويتناجون به بينهم. {بَلَى} نسمع ونعلم. {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} أي الحفظة عندهم يكتبون عليهم. وروي أن هذا نزل في ثلاثة نفر كانوا بين الكعبة وأستارها ؛ فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع كلامنا ؟ وقال الثاني : إذا جهرتم سمع ، وإذا أسررتم لم يسمع. وقال الثالث : إن كان يسمع إذا أعلنتم فهو يسمع إذا أسررتم ؛ قاله محمد بن كعب القرظي ، وقد مضى هذا المعنى عن ابن مسعود في سورة "فصلت".
الآية : 81 {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ، سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}
قوله تعالى : {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} اختلف في معناه ؛ فقال ابن عباس والحسن والسدي : المعنى ما كان للرحمن ولد ، فـ "إن" بمعنى ما ، ويكون الكلام على هذا تاما ، ثم تبتدئ : {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي الموحدين من أهل مكة على أنه لا ولد له. والوقف على {الْعَابِدِينَ} تام. وقيل : المعنى قل يا محمد إن ثبت لله ولد فأنا أول من يعبد ولده ، ولكن يستحيل أن يكون له ولد ؛ وهو كما تقول لمن تناظره : إن ثبت بالدليل فأنا أول من يعتقده ؛ وهذا مبالغة في الاستبعاد ؛ أي لا سبيل إلى اعتقاده. وهذا ترقيق في الكلام ؛ كقوله : {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ : 24]. والمعنى على هذا : ترقيق في الكلام ؛ كقول : {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ : 24]. والمعنى على هذا : فأنا أول العابدين لذلك الولد ، لأن تعظيم الولد تعظيم للوالد. وقال مجاهد : المعنى إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبده وحده ، على أنه لا ولد له. وقال السدي أيضا : المعنى لو كان له ولد كنت أول من عبده على أن له ولدا ؛ ولكن لا ينبغي ذلك. قال المهدوي : فـ {إن} على هذه الأقوال للشرط ، وهو الأجود ، وهو اختيار الطبري ، لأن كونها بمعنى ما يتوهم معه أن المعنى لم يكن له فيما مضى. وقيل : إن معنى {العابدين} الآنفين. وقال بعض العلماء : لو كان كذلك لكان العبدين.
(16/119)





وكذلك قرأ أبو عبدالرحمن واليماني {فأنا أول العبدين} بغير ألف ، يقال : عبد يعبد عبدا (بالتحريك) إذا أنف وغضب فهو عبد ، والاسم العبدة مثل الأنفة ، عن أبي زيد. قال الفرزدق :
أولئك أجلاسي فجئني بمثلهم ... واعبد أن أهجو كلبا بدارم
وينشد أيضا :
أولئك ناس إن هجوني هجوتهم ... وأعبد أن يهجى كليب بدارم
قال الجوهري : وقال أبو عمرو وقوله تعالى : {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} من الأنف والغضب ، وقال الكسائي والقتبي ، حكاه الماوردي عنهما. وقال الهروي : وقوله تعالى : {فأنا أول العابدين} قيل هو من عبد يعبد ؛ أي من الآنفين. وقال ابن عرفة : إنما يقال عبد يعبد فهو عبد ؛ وقلما يقال عابد ، والقرآن لا يأتي بالقليل من اللغة ولا الشاذ ، ولكن المعنى فأنا أول من يعبد الله عز وجل على أنه واحد لا ولد له.
وروي أن امرأة دخلت على زوجها فولدت منه لستة أشهر ، فذكر ذلك لعثمان رضي الله عنه فأمر برجمها ؛ فقال له علي : قال الله تعالى : {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف : 15] وقال في آية أخرى : {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان : 14] فوالله ما عَبِد عثمان أن بعث إليها تُرَدُّ. قال عبدالله بن وهب : يعني ما استنكف ولا أنف. وقال ابن الأعرابي {فأنا أول العابدين} أي الغضاب الآنفين وقيل : {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي أنا أول من يعبده على الوحدانية مخالفا لكم. أبو عبيدة : معناه الجاحدين ؛ وحكى : عبدني حقي أي جحدني. وقرأ أهل الكوفة إلا عاصما {ولد} بضم الواو وإسكان اللام. الباقون وعاصم {ولد} وقد تقدم. {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي تنزيها له وتقديسا. نزه نفسه عن كل ما يقتضي الحدوث ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتنزيه. {رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} أي عما يقولون من ، الكذب.
الآية : 83 {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}
(16/120)





قوله تعالى : {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} يعني كفار مكة حين كذبوا بعذاب الآخرة. أي اتركهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم {حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} إما العذاب في الدنيا أو في الآخرة. وقيل : إن هذا منسوخ بآية السيف. وقيل : هو محكم ، وإنما أخرج مخرج التهديد. وقرأ ابن محيصن ومجاهد وحميد وابن القعقاع وابن السميقع {حتى يلقوا} بفتح الياء وإسكان اللام من غير ألف ؛ وفتح القاف هنا وفي"الطور" و"المعارج". الباقون "يلاقوا".
الآية : 84 {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}
قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} هذا تكذيب لهم في أن لله شريكا وولدا ؛ أي هو المستحق للعبادة في السماء والأرض. وقال عمر رضي الله عنه وغيره : المعنى وهو الذي في السماء إله في الأرض ؛ وكذلك قرأ. والمعنى أنه يعبد فيهما. وروي أنه قرأ هو وابن مسعود وغيرهما {وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله} وهذا خلاف المصحف. و {إله} رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ؛ أي وهو الذي في السماء هو إله ؛ قاله أبو علي. وحسن حذفه لطول الكلام. وقيل : "في" بمعنى على ؛ كقوله تعالى : {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه : 71] أي على جذوع النخل ؛ أي هو القادر على السماء والأرض. {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} تقدم.
الآية : 85 {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
قوله تعالى : {وَتَبَارَكَ} تفاعل من البركة ؛ وقد تقدم. {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} أي وقت قيامها. {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالياء. الباقون بالتاء. وكان ابن محيصن وحميد ويعقوب وابن أبي إسحاق يفتحون أوله على أصولهم. وضم الباقون.
(16/121)





الآية : 86 {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} في موضع الخفض. وأراد بـ {الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} عيسى وعزيرا والملائكة. والمعنى ولا يملك هؤلاء الشفاعة إلا لمن شهد بالحق وآمن على علم وبصيرة ؛ قال سعيد بن جبير وغيره. قال : وشهادة الحق لا إله إلا الله. وقيل : {من} في محل رفع ؛ أي ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ؛ يعني الآلهة - في قول قتادة - أي لا يشفعون لعابديها إلا من شهد بالحق ؛ يعني عزيرا وعيسى والملائكة فإنهم يشهدون بالحق والوحدانية لله. {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} حقيقة ما شهدوا به. قيل : إنها نزلت بسبب أن النضر بن الحارث ونفرا من قريش قالوا : إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة وهم أحق بالشفاعة لنا منه ؛ فأنزل الله : {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} أي اعتقدوا أن الملائكة أو الأصنام أو الجن أو الشياطين تشفع لهم ولا شفاعة لأحد يوم القيامة.
{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} يعني المؤمنين إذا أذن لهم. قال ابن عباس : "إن من شهد بالحق" أي شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وقيل : أي لا يملك هؤلاء العابدون من دون الله أن يشفع لهم أحد إلا من شهد بالحق ؛ فإن من شهد بالحق يشفع له ولا يشفع لمشرك. و"إلا" بمعنى لكن ؛ أي لا ينال المشركون الشفاعة لكن ينال الشفاعة من شهد بالحق ؛ فهو استئناء منقطع. ويجوز أن يكون متصلا ؛ لأن في جملة {الذين يدعون من دونِهِ} الملائكة. ويقال : شفعته وشفعت له ؛ مثل كاته وكلت له.
وقيل : {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} إلا من تشهد له الملائكة بأنه كان على الحق في الدنيا ، مع علمهم بذلك منه بأن يكون الله أخبرهم به ، أو بأن شاهدوه على الإيمان.
(16/122)





قوله تعالى : {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} يدل على معنيين : أحدهما : أن الشفاعة بالحق غير نافعة إلا مع العلم ، وأن التقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة. والثاني : أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها. ونحوه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع". وقد مضى.
الآية : 87 {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}
قوله تعالى : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} أي لأقروا بأن الله خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئا. {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي كيف ينقلبون عن عبادته وينصرفون حتى أشركوا به غيره رجاء شفاعتهم له. يقال : أفكه يأفكه أفكا ؛ أي قلبه وصرفه عن الشيء. ومنه قوله تعالى : {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} [الأحقاف : 22]. وقيل : أي ولئن سألت الملائكة وعيسى {مَنْ خَلَقَهُمْ} لقالوا الله. {فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي فأنى يؤفك هؤلاء في ادعائهم إياهم آلهة.
الآية : 88 {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ}
قوله تعالى : {وَقِيلِهِ} فيه ثلاث قراءات : النصب ، والجر ، والرفع. فأما الجر فهي قراءة عاصم وحمزة. وبقية السبعة بالنصب. وأما الرفع فهي قراءة الأعرج وقتادة وابن هرمز ومسلم بن جندب. فمن جر حمله على معنى : وعنده علم الساعة وعلم قيله. ومن نصب فعلى معنى : وعنده علم الساعة ويعلم قيله ؛ وهذا اختيار الزجاج.
وقال الفراء والأخفش : يجوز أن يكون {قيله} عطفا على قوله : {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [الزخرف : 80]. قال ابن الأنباري : سألت أبا العباس محمد بن يزيد المبرد بأي شيء تنصب القيل ؟ فقال : أنصبه على "وعنده علم الساعة ويعلم قيله". فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على {ترجعون} ، ولا على {يعلمون}. ويحسن الوقف على {يكتبون} . وأجاز الفراء والأخفش أن ينصب القيل على معنى : لا نسمع سرهم ونجواهم
(16/123)





وقيله ؛ كما ذكرنا عنهما فمن هذا الوجه لا يحسن الوقف على {يكتبون}. وأجاز الفراء والأخفش أيضا : أن ينصب على المصدر ؛ كأنه قال : وقال قيله ، وشكا شكواه إلى الله عز وجل ، كما قال كعب بن زهير :
تمشي الوشاة جنابيها وقيلهم ... إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول
أراد : ويقولون قيلهم. ومن رفع {قيله} فالتقدير : وعنده قيله ، أوقيله مسموع ، أوقيله هذا القول. الزمخشري : والذي قالوه ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعتراضا ومع تنافر النظم. وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر والنصب على إضمار حرف القسم وحذفه. والرفع على قولهم : ايمن الله وأمانة الله ويمين الله ولعمرك ، ويكون قوله : {إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ} جواب القسم ؛ كأنه قال : وأقسم بقيله يا رب ، أو قيله يا رب قسمي ، إن هؤلاء قوم لا يؤمنون. وقال ابن الأنباري : ويجوز في العربية {وقيله} بالرفع ، على أن ترفعه بإن هؤلاء قوم لا يؤمنون. المهدوي : أويكون على تقدير وقيله قيله يا رب ؛ فحذف قيله الثاني الذي هو خبر ، وموضع {يا رب} نصب بالخبر المضمر ، ولا يمتنع ذلك من حيث امتنع حذف بعض الموصول وبقي بعضه ؛ لأن حذف القول قد كثر حتى صار بمنزلة المذكور. والهاء في {قيله} لعيسى ، وقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقد جرى ذكره إذ قال : {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} [الزخرف : 81]. وقرأ أبو قلابة {يا رب} بفتح الباء. والقيل مصدر كالقول ؛ ومنه الخبر (نهى عن قيل وقال). ويقال : قلت قولا وقيلا وقالا. وفي النساء {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء : 122].
الآية : 89 {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}
قال قتادة : أمر بالصفح عنهم ثم أمره بقتالهم ؛ فصار الصفح منسوخا بالسيف. ونحوه عن ابن عباس قال : {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} أعرض عنهم. {وَقُلْ سَلامٌ} أي معروفا ؛ أي قل المشركين أهل مكة {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} ثم نسخ هذا في سورة "التوبة" بقوله تعالى : {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة : 5] الآية. وقيل : هي محكمة لم تنسخ. وقراءة العامة {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (بالباء) على أنه خبر من الله تعالى لنبيه بالتهديد. وقرأ نافع وابن عامر {تعلمون} (بالتاء) على أنه من خطاب النبي صلى الله عليه وسلم المشركين بالتهديد. و {سلام} رفع بإضمار عليكم ؛ قاله الفراء. ومعناه الأمر بتوديعهم بالسلام ، ولم يجعله تحية لهم ؛ حكاه النقاش. وروى شعيب بن الحبحاب أنه عرفه بذلك كيف السلام عليهم ؛ والله أعلم.
(16/124)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة عبس
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة نوح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: