منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف   كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف I_icon_minitimeالثلاثاء 26 يونيو - 20:09

تفسير سورة الزخرف
...




الآية : 40 {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}
قوله تعالى : {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} يا محمد {وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي ليس لك ذلك فلا يضيق صدرك إن كفروا ؛ ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. وفيه رد على القدرية وغيرهم ، وأن الهدى والرشد والخذلان في القلب خلق الله تعالى ، يضل من يشاء ويهدي من يشاء.
الآية : 41 {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ}
قوله تعالى : {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} يريد نخرجنك من مكة من أذى قريش. {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ ، أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} وهو الانتقام منهم في حياتك. {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} قال ابن عباس : قد أراه الله ذلك يوم بدر ؛ وهو قول أكثر المفسرين.
وقال الحسن وقتادة : هي في أهل الإسلام ؛ يريد ما كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الفتن. و {نذهبن بك} على هذا نتوفينك. وقد كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة فأكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم وذهب به فلم يره في أمته إلا التي تقر به عينه وأبقى النقمة بعده ، وليس من نبي إلا وقد أري النقمة في أمته. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أري ما لقيت أمته من بعده ، فما زال منقبضا ، ما انبسط ضاحكا حتى لقي ، الله عز وجل. وعن ابن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعاه لها فرطا وسلفا. وإذا أراد الله بأمة عذابا عذبها ونبيها حي لتقر عينه لما كذبوه وعصوا أمره".
(16/92)




- الآية : 43 {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ}
قوله تعالى : {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} يريد القرآن ، يريد القرآن ، وإن كذب به من كذب ؛ فـ {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يوصلك إلى الله ورضاه وثوابه. {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش ، إذ نزل بلغتهم وعلى رجل منهم ؛ نظيره : {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء : 10] أي شرفكم. فالقرآن نزل بلسان قريش وإياهم خاطب ؛ فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذك فصاروا عيالا عليهم ؛ لأن أهل كل لغة احتاجوا إلى أن يأخذوه من لغتهم حتى يقفوا على المعنى الذي عنى به من الأمر. والنهي وجميع ما فيه من الأنباء ، فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات ولذلك سمي عربيا.
وقيل : بيان لك ولأمتك فيما بكم إليه حاجة. وقيل : تذكرة تذكرون به أمر الدين وتعملون به. وقيل : {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني الخلافة فإنها في قريش لا تكون في غيرهم ؛ قال النبي مصلى الله عليه وسلم : "الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم" . وقال مالك : هو قول الرجل حدثني أبي عن أبيه ، حكاه ابن أبي سلمة عن أبيه عن مالك بن أنس فيما ذكر الماوردي والثعلبي وغيرهما. قال ابن العربي : ولم أجد في الإسلام هذه المرتبة لأحد إلا ببغداد فإن بني التميمي بها يقولون : حدثني أبي قال حدثني أبي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وبذلك شرفت أقدارهم ، وعظم الناس شأنهم ، وتهممت الخلافة بهم. ورأيت بمدينة السلام ابني أبي محمد رزق الله بن عبد الوهاب أبي الفرج بن عبد العزيز بن الحارث بن الأسد بن الليث آل سليمان بن أسود بن سفيان بن يزيد بن أكينة بن عبد الله التميمي وكانا يقولان : سمعنا أبانا رزق الله يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت أبي يقول سمعت علي بن أبي طالب
(16/93)




يقول وقد سئل عن الحنان المنان فقال : الحنان الذي يقبل على من أعرض عنه ، والمنان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال. والقائل سمعت عليا : أكينة بن عبدالله جدهم الأعلى. والأقوى أن يكون المراد بقوله : {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يعني القرآن ؛ فعليه انبنى الكلام وإليه يرجع المصير ، والله أعلم. قال الماوردي : {وَلِقَوْمِكَ} فيهم قولان : أحدهما : من اتبعك من أمتك ؛ قاله قتادة وذكره الثعلبي عن الحسن. الثاني : لقومك من قريش ؛ فيقال ممن هذا ؟ فيقال من العرب ، فيقال من أي العرب ؟ فيقال من قريش ؛ قال مجاهد.
قلت : والصحيح أنه شرف لمن عمل به ، كان من قريش أومن غيرهم. روى ابن عباس قال : أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم من سرية أو غزاة فدعا فاطمة فقال : "يا فاطمة اشتري نفسك من الله فإني لا أغني عنك من الله شيئا" وقال مثل ذلك لنسوته ، وقال مثل ذلك لعترته ، ثم قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : "ما بنو هاشم بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا قريش بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا الأنصار بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون ، ولا الموالي بأولى الناس بأمتي إن أولى الناس بأمتي المتقون. إنما أنتم من رجل وامرأة وأنتم كجمام الصاع ليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى". وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لينتهين أقوام يفتخرون بفحم من فحم جهنم أو يكونون شرا عند الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها ، كلكم بنو آدم وآدم من تراب ، إن الله أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء الناس مؤمن تقي وفاجر شقي". خرجهما الطبري. وسيأتي لهذا مزيد بيان في الحجرات إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : {وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} أي عن الشكر عليه ؛ قال مقاتل والفراء. وقال ابن جريج : أي تسألون أنت ومن معك على ما أتاك. وقيل : تسألون عما عملتم فيه ؛ والمعنى متقارب.
الآية : 45 {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}
(16/94)




قال ابن عباس وابن زيد : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو مسجد بيت المقدس - بعث الله له آدم ومن ولد من المرسلين ، وجبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فأذن جبريل صلى الله عليه وسلم ثم أقام الصلاة ، ثم قال : يا محمد تقدم فصل بهم ؛ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال جبريل صلى الله عليه وسلم : "سل يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا أسأل قد اكتفيت" . قال ابن عباس : وكانوا سبعين نبيا منهم إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ؛ فلم يسألهم لأنه كان أعلم بالله منهم. في غير رواية ابن عباس : فصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة صفوف ، المرسلون ثلاثة صفوف والنبيون أربعة ؛ وكان يلي ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم خليل الله ، وعلى يمينه إسماعيل وعلى يساره إسحاق ثم موسى ثم سائر المرسلين فأمهم ركعتين ؛ فلما انفتل قام فقال : "إن ربي أوحى إلي أن أسألكم هل أرسل أحد منكم يدعو إلى عبادة غير الله" ؟ فقالوا : يا محمد ، إنا نشهد إنا أرسلنا أجمعين بدعوة واحدة أن لا إله إلا الله وأن ما يعبدون من دونه باطل ، وأنك خاتم النبيين وسيد المرسلين ، قد استبان ذلك لنا بإمامتك إيانا ، وأن لا نبي بعدك إلى يوم القيامة إلا عيسى ابن مريم فإنه مأمور أن يتبع أثرك".
وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى : {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} قال : لقي الرسل ليلة أسري به. وقال الوليد بن مسلم في قوله تعالى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} قال : سألت عن ذلك وليد بن دعلج فحدثني عن قتادة قال : سألهم ليلة أسري به ، لقي الأنبياء ولقي آدم ومالك خازن النار.
قلت : هذا هو الصحيح في تفسير هذه الآية. و {من} التي قبل {رسلنا} على هذا القول غير زائدة. وقال المبرد وجماعة من العلماء : إن المعنى واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا. وروي أن في قراءة ابن مسعود : {واسال الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا} .
(16/95)




وهذه قراءة مفسرة ؛ فـ {من} على هذا زائدة ، وهو قول مجاهد والسدي والضحاك وقتادة وعطاء والحسن وابن عباس أيضا. أي واسأل مؤمني أهل الكتابين التوراة والإنجيل. وقيل : المعنى سلنا يا محسد عن الأنبياء الذين أرسلنا قبلك ؛ فحذفت {عن} ، والوقف على {رسلنا} على هذا تام ، ثم ابتدأ بالاستفهام على طريق الإنكار. وقيل : المعنى واسأل تباع من أرسلنا من قبلك من رسلنا ، فحذف المضاف. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته.
قوله تعالى : {أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} أخبر عن الآلهة كما أخبر عمن يعقل فقال : {يُعْبَدُونَ} ولم يقل تعبد ولا يعبدن ، لأن الآلهة جرت عندهم مجرى من يعقل فأجرى الخبر عنهم مجرى الخبر عمن يعقل.
وسبب هذا الأمر بالسؤال أن اليهود والمشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن ما جئت به مخالف لمن كان قبلك ؛ فأمره الله بسؤال الأنبياء على جهة التوقيف والتقرير ؛ لا لأنه كان في شك منه.
واختلف أهل التأويل في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لهم على قولين : أحدهما : أنه سألهم فقالت الرسل بعثنا بالتوحيد ؛ قاله الواقدي. الثاني : أنه لم يسألهم ليقينه بالله عز وجل ؛ حتى حكى ابن زيد أن ميكائيل قال لجبريل : "هل سألك محمد عن ذلك ؟ فقال جبريل : هو أشد إيمانا وأعظم يقينا من أن يسأل عن ذلك". وقد تقدم هذا المعنى في الروايتين حسبما ذكرناه.
الآية : 46 - 52 {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ ، وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ، وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}
(16/96)




{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ}
قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا} لما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه منتقم له من عدوه وأقام الحجة باستشهاد الأنبياء واتفاق الكل على التوحيد أكد ذلك قصة موسى وفرعون ، وما كان من فرعون من التكذيب ، وما نزل به وبقومه من الإغراق والتعذيب : أي أرسلنا موسى بالمعجزات وهي التسع الآيات فكذب ؛ فجعلت العاقبة الجميلة له ، فكذلك أنت. ومعنى : {يضحكون} استهزاء وسخرية ؛ يوهمون أتباعهم أن تلك الآيات سحر وتخيل ، وأنهم قادرون عليها. وقوله : {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} أي كانت آيات موسى من أكبر الآيات ، وكانت كل واحدة أعظم مما قبلها. وقيل : {إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} لأن الأولى تقتضي علما والثانية تقتضي علما ، فتضم الثانية إلى الأولى فيزداد الوضوح ، ومعنى الأخوة المشاكلة المناسبة ؛ كما يقال : هذه صاحبة هذه ؛ أي قريبتان في المعنى. {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي على تكذيبهم بتلك الآيات ؛ وهو كقوله تعالى : {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف : 130]. والطوفان والجراد والقمل والضفادع. وكانت هذه الآيات الأخيرة عذابا لهم وآيات لموسى. {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} من كفرهم.
قوله تعالى : {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ} لما عاينوا العذاب قالوا يا أيها الساحر ؛ نادوه بما كانوا ينادونه به من قبل ذلك على حسب عادتهم. وقيل : كانوا يسمون العلماء سحرة فنادوه بذلك على سبيل التعظيم. قال ابن عباس : {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ} يا أيها العالم ، وكان الساحر فيهم عظيما يوقرونه ؛ ولم يكن السحر صفة ذم. وقيل : يا أيها الذي غلبنا بسحره ؛ يقال : ساحرته فسحرته ؛ أي غلبته بالسحر ؛ كقول العرب : خاصمته فخصمته أي غلبته بالخصومة ، وفاضلته ففضلته ، ونحوها. ويحتمل أن يكون أرادوا به الساحر على الحقيقة على معنى الاستفهام ، فلم يلمهم على ذلك رجاء أن يؤمنوا. وقرأ ابن عامر وأبو حيوة ويحيى بن ثابت {وأيهُ الساحر} بغير ألف والهاء مضمومة ؛ وعلتها أن الهاء خلطت بما قبلها وألزمت ضم الياء الذي أوجبه النداء المفرد. وأنشد الفراء :
يأيه القلب اللجوج النفس ... أفق عن البيض الحسان اللعس
(16/97)




فضم الهاء حملا على ضم الياء ؛ وقد مضى في "النور" معنى هذا. ووقف أبو عمرو وابن أبي إسحاق ويحيى والكسائي {أيها} بالألف على الأصل. الباقون بغير ألف ؛ لأنها كذلك وقعت في المصحف. {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ} أي بما أخبرنا عن عهده إليك إنا إن آمنا كشف عنا ؛ فسله يكشف عنا {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} أي فيما يستقبل. {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ} أي فدعا فكشفنا. {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} أي ينقضون العهد على أنفسهم فلم يؤمنوا. وقيل : قولهم : {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} إخبار منهم عن أنفسهم بالإيمان ؛ فلما كشف عنهم العذاب ارتدوا.
قوله تعالى : {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} قيل : لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إليه فجمع قومه فقال : فنادى بمعنى قال ؛ قاله أبو مالك. فيجوز أن يكون عنده عظماء القبط فرفع صوته بذلك فيما بينهم ثم ينشر عنه في جموع القبط ؛ وكأنه نودي بينهم. وقيل : إنه أمر من ينادي في قومه ؛ قاله ابن جريج. {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} أي لا ينازعني فيه أحد. قيل : إنه ملك منها أربعين فرسخا في مثلها ؛ حكاه النقاش. وقيل أراد بالملك هنا الإسكندرية. {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} يعني أنهار النيل ، ومعظمها أربعة : نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس. وقال قتادة : كانت جنانا وأنهارا تجري من تحت قصوره. وقيل : من تحت سريره. وقيل : {مِنْ تَحْتِي} قال القشيري : ويجوز ظهور خوارق العادة على مدعي الربوبية ؛ إذ لا حاجة في التمييز الإله من غير الإله إلى فعل خارق للعادة. وقيل معنى {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} أي القواد والرؤساء والجبابرة يسيرون من تحت لوائي ؛ قاله الضحاك. وقيل : أراد بالأنهار الأموال ، وعبر عنها بالأنهار لكثرتها وظهورها. وقوله : {تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} أي أفرقها على من يتبعني ؛ لأن الترغيب والقدرة في الأموال دون
(16/98)




الأنهار. {أَفَلا تُبْصِرُونَ} عظمتي وقوتي وضعف موسى. وقيل : قدرتي على نفقتكم وعجز موسى. والواو في {وهذه} يجوز أن تكون عاطفة للأنهار على {ملك مصر} و {تجري} نصب على الحال منها. ويجوز أن تكون واو الحال ، واسم الإشارة مبتدأ ، و{الأنهار} صفة لاسم الإشارة ، و {تجري } خبر للمبتدأ. وفتح الياء من {تحتي} أهل المدينة والبزي وأبو عمرو ، وأسكن الباقون. وعن الرشيد أنه لما قرأها قال : لأولينها أحسن عبيدي ، فولاها الخصيب ، وكان على وضوئه. وعن عبدالله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها شارفها ووقع عليها بصره قال : أهذه القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال : {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} ؟ ! والله لهي عندي أقل من أن أدخلها ! فثنى عنانه. ثم صرح بحاله فقال : {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} قال أبو عبيدة السدي : {أم} بمعنى "بل" وليست بحرف عطف ؛ على قول أكثر المفسرين. والمعنى : قال فرعون لقومه بل أنا خير {مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} أي لا عزله فهو يمتهن نفسه في حاجاته لحقارته وضعفه {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} يعني ما كان في لسانه من العقدة ؛ على ما تقدم في "طه" وقال الفراء : في "أم" وجهان : إن شئت جعلتها من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله ، وإن شئت جعلتها نسقا على قوله : {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} وقيل : هي زائدة. وروى أبو زيد عن العرب أنهم يجعلون "أم" زائدة ؛ والمعنى أنا خير من هذا الذي هو مهين. وقال الأخفش : في الكلام حذف ، والمعنى : أفلا تبصرون أم تبصرون ؛ كما قال :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا آأنت أم أم سالم
أي أنت أحسن أم أم سالم. ثم ابتداء فقال : {أَنَا خَيْرٌ}. وقال الخليل وسيبويه : المعنى {أَفَلا تُبْصِرُونَ} ، أم أنتم بصراء ، فعطف بـ {أم} على {أَفَلا تُبْصِرُونَ} ، لأن معنى {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} أم أي تبصرون ؛ وذلك أنهم إذا قالوا له أنت خير منه كانوا عنده بصراء. وروي عن عيسى
(16/99)




الثقفي ويعقوب الحضرمي أنهما وقفا على {أم} على أن يكون التقدير أفلا تبصرون أم تبصرون ؛ فحذف تبصرون الثاني. وقيل من وقف على {أم} جعلها زائدة ، وكأنه وقف على "تبصرون" من قوله : "{أَفَلا تُبْصِرُونَ} ، ولا يتم الكلام على "تبصرون" عند الخليل وسيبويه ؛ لأن {أم} تقتضي الاتصال بما قبلها. وقال قوم : الوقف على قوله : {أَفَلا تُبْصِرُونَ} ، ثم ابتدأ {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} بمعنى بل أنا ؛ وأنشد الفراء :
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أم أنت في العين أملح
فمعناه : بل أنت أملح. وذكر الفراء أن بعض القراء قرأ {أما أنا خير} ؛ ومعنى هذا ألست خيرا. وروي عن مجاهد أنه وقف على {أم} ثم يبتدئ {أنا خير} وقد ذكر.
الآية : 53 {فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ}
قوله تعالى : {فَلَوْلا} أي هلا {أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} إنما قال ذلك لأنه كان عادة الوقت وزي أهل الشرف. وقرأ حفص {أسورة} جمع سوار ، كخمار وأخمرة. وقرأ أبي {أساور} جمع إسوار. وابن مسعود {أساوير}. الباقون {أساورة} جمع الأسورة فهو جمع الجمع. ويجوز أن يكون {أساورة} جمع {إسوار} وألحقت الهاء في الجمع عوضا من الياء ؛ فهو مثل زناديق وزنادقة ، وبطاريق وبطارقة ، وشبهه. وقال أبو عمرو بن العلاء : واحد الأساورة والأساور والأساوير إسوار ، وهي لغة في سوار. قال مجاهد : كانوا إذا سوروا رجلا سوروه بسوارين وطوقوه بطوق ذهب علامة لسيادته ، فقال فرعون : هلا ألقى رب موسى عليه أساورة من ذهب إن كان صادقا ! {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} يعني متتابعين ؛ في قول قتادة. مجاهد : يمشون معا. ابن عباس : يعاونونه على من خالفه ؛ والمعنى : هلا ضم إليه الملائكة التي يزعم أنها عند ربه حتى يتكثر بهم ويصرفهم على أمره ونهيه ؛ فيكون ذلك أهيب في القلوب. فأوهم قومه أن رسل الله ينبغي أن يكونوا
(16/100)




كرسل الملوك في الشاهد ، ولم يعلم أن رسل الله إنما أيدوا بالجنود السماوية ؛ وكل عاقل يعلم أن حفظ الله موسى مع تفرده ووحدته من فرعون مع كثرة أتباعه ، وإمداد موسى بالعصا واليد البيضاء كان أبلغ من أن يكون له أسورة أو ملائكة يكونون معه أعوانا - في قول مقاتل - أو دليلا على صدقه - في قول الكلبي - وليس يلزم هذا لأن الإعجاز كان ، وقد كان في الجائز أن يكذب مع مجيء الملائكة كما كذب مع ظهور الآيات. وذكر فرعون الملائكة حكاية عن لفظ موسى ؛ لأنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم.
الآية : 54 {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}
قوله تعالى : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} قال ابن الأعرابي : المعنى فاستجهل قومه {فَأَطَاعُوهُ} لخفة أحلامهم وقلة عقولهم ؛ يقال : استخفه الفرح أي أزعجه ، واستخفه أي حمله على الجهل ؛ ومنه : {وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم : 60]. وقيل : استفزهم بالقول فأطاعوه على ، التكذيب. وقيل : استخف قومه أي وجدهم خفاف الأول. وهذا لا يدل على أنه يجب أن يطيعوه ، فلا بد من إضمار بعيد تقديره وجدهم خفاف العقول فدعاهم إلى الغواية فأطاعوه. وقيل : استخف قومه وقهرهم حتى أتبعوه ؛ يقال : استخفه خلاف استثقله ، واستخف به أهانه. {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}أي خارجين عن طاعة الله.
الآية : 55 {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ}
قوله تعالى : {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} روى الضحاك عن ابن عباس : أي غاظونا وأغضبونا. وروى عنه علي بن أبي طلحة : أي أسخطونا. قال الماوردي : ومعناها مختلف ، والفرق بينهما أن السخط إظهار الكراهة. والغضب إرادة الانتقام. القشيري : والأسف ها هنا بمعنى الغضب ؛ والغضب من الله إما إرادة العقوبة فيكون من صفات الذات ، وإما عين العقوبة فيكون من صفات الفعل ؛ وهو معنى قول الماوردي.
(16/101)




وقال عمر بن ذر : يا أهل معاصي الله ، لا تغتروا بطول حلم الله عنكم ، واحذروا أسفه ؛ فإنه قال : {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} . وقيل : {آسَفُونَا} أي أغضبوا رسلنا وأولياءنا المؤمنين ؛ نحو السحرة وبني إسرائيل. وهو كقوله تعالى : {يُؤْذُونَ اللَّهَ} [الأحزاب : 57] و {يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة : 33] أي أولياءه ورسله.
الآية : 56 {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ}
قوله تعالى : {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً} أي جعلنا قوم فرعون سلفا. قال أبو مِجْلَز : {سلفا} لمن عمل عملهم ، {وَمَثَلاً} لمن يعمل عملهم. وقال مجاهد : {سَلَفاً} إخبارا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، {وَمَثَلاً} أي عبرة لهم. وعنه أيضا {سَلَفاً} لكفار قومك يتقدمونهم إلى النار. قتادة : {سلفا} إلى النار ، {وَمَثَلاً} عظة لمن يأتي بعدهم. والسلف المتقدم ؛ يقال : سلف يسلف سلفا ؛ مثل طلب طلبا ؛ أي تقدم ومضى. وسلف له عمل صالح أي تقدم. والقوم السلاف المتقدمون. وسلف الرجل : آباؤه المتقدمون ؛ والجمع أسلاف وسلاف. وقراءة العامة {سَلَفاً} (بفتح السين واللام) جمع سالف ؛ كخادم وخدم ، وراصد ورصد ، وحارس وحرس. وقرأ حمزة والكسائي {سَلْفاً} (بضم السين واللام). قال الفراء هو جمع سليف ، نحو سرير وسرر. وقال أبو حاتم : هو جمع سلف ؛ نحو خشب وخشب ، وثمر وثمر ؛ ومعناهما واحد. وقرأ علي وابن مسعود وعلقمة وأبو وائل والنخعي وحميد بن قيس {سُلَفاً} (بضم السين وفتح اللام) جمع سلفة ، أي فرقة متقدمة. قال المؤرج والنضر بن شميل : {سُلَفاً} جمع سلفة ، نحو غرفة وغرف ، وطرفة وطرف ، وظلمة وظلم.
الآية : 57 {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}
لما قال تعالى : {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف : 45] تعلق المشركون بأمر عيسى وقالوا : ما يريد محمد إلا أن نتخذه إلها كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم الها ؛ قال قتادة. ونحوه عن مجاهد قال : إن قريشا قالت إن محمدا
(16/102)




يريد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى ؛ فأنزل الله هذه الآية. وقال ابن عباس : أراد به مناظرة عبدالله بن الزبعرى مع النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عيسى ، وأن الضارب لهذا المثل هو عبدالله بن الزبعرى اسهمي حالة كفره لما قالت له قريش إن محمدا يتلو : {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء : 98] الآية ، فقال : لو حضرته لرددت عليه ؛ قالوا : وما كنت تقول له ؟ قال : كنت أقول له هذا المسيح تعبده النصارى ، واليهود تعبد عزيرا ، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته ورأوا أنه قد خصم ؛ وذلك معنى قوله : {يَصِدُّونَ} فما نزل الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء : 101]. ولو تأمل ابن الزبعرى الآية ما أعترض عليها ؛ لأنه قال : {وَمَا تَعْبُدُونَ} ولم يقل ومن تعبدون وإنما أراد الأصنام ونحوها مما لا يعقل ، ولم يرد المسيح ولا الملائكة وإن كانوا معبودين. وقد مضى هذا في آخر سورة "الأنبياء".
وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقريش : "يا معشر قريش لا خير في أحد يعبد من دون الله". قالوا : أليس تزعم أن عيسى كان عبدا نبيا وعبدا صالحا ، فإن كان كما تزعم فقد كان يعبد من دون الله !. فأنزل الله تعالى : {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} أي يضجون كضجيج الإبل عند حمل الأثقال. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي {يَصُدُّونَ} (بضم الصاد) ومعناه يعرضون ؛ قاله النخعي ، وكسر الباقون. قال الكسائي : هما لغتان ؛ مثل يعرشون ويعرشون وينمون وينمون ، ومعناه يضجون. قال الجوهري : وصد يصد صديدا ؛ أي ضج. وقيل : إنه بالضم من الصدود وهو الإعراض ، وبالكسر من الضجيج ؛ قال قطرب. قال أبو عبيد : لو كانت من الصدود عن الحق لكانت : إذا قومك عنه يصدون. الفراء : هما سواء ؛ منه وعنه. ابن المسيب : يصدون يضجون. الضحاك يعجون. ابن عباس : يضحكون. أبو عبيدة : من ضم فمعناه يعدلون ؛ فيكون المعنى : من أجل الميل يعدلون. ولا يعدى {يَصِدُّونَ} بمن ، ومن كسر فمعناه يضجون ؛ فـ {من} متصلة بـ {يصدون} والمعنى يضجون منه.
(16/103)




- الآية : 58 {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}
قوله تعالى : {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} أي ألهتنا خير أم عيسى ؟ قال السدي. وقال : خاصموه وقالوا إن كل من عبد من دون الله في النار ، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى والملائكة وعزير ، فأنزل الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء : 101] الآية. وقال قتادة : {أم هو} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. وفي قراءة ابن مسعود {ألهتنا خير أم هذا }. وهو يقوي قول قتادة ، فهو استفهام تقرير في أن آلهتهم خير. وقرأ الكوفيون ويعقوب {أألهتنا} بتحقيق الهمزتين ، ولين الباقون. وقد تقدم. {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً} حال ؛ أي جدلين. يعني ما ضربوا لك هذا المثل إلا إرادة الجدل ؛ لأنهم علموا أن المراد بحصب جهنم ما اتخذوه من الموت {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} مجادلون بالباطل. وفي صحيح الترمذي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية – {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}
الآية : 59 - 60 {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائيلَ ، وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ}
قوله تعالى : {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} أي ما عيسى إلا عبد أنعم الله عليه بالنبوة ، وجعله مثلا لبني إسرائيل ؛ أي آية وعبرة يستدل بها. على قدرة الله تعالى ؛ فإن عيسى كان من غير أب ، ثم جعل الله من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص والأسقام كلها ما لم يجعل لغيره في زمانه ، مع أن بني إسرائيل كانوا يومئذ خير الخلق وأحبه إلى الله عز وجل ، والناس دونهم ، ليس أحد عند الله عز وجل مثلهم.
وقيل المراد بالعبد المنعم عليه محمد صلى الله عليه وسلم ؛
(16/104)




والأول أظهر. {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ} أي بدلا منكم {مَلائِكَةً} يكونون خلفا عنكم ؛ قال السدي. ونحوه عن مجاهد قال : ملائكة يعمرون الأرض بدلا منكم. وقال الأزهري : إن "من" قد تكون للبدل ؛ بدليل هذه الآية.
قلت : قدم تقدم هذا المعنى في "التوبة" وغيرها. وقيل : لو نشاء لجعلنا من الإنس ملائكة وإن لم تجر العادة بذلك ، والجواهر جنس واحد والاختلاف بالأوصاف ؛ والمعنى : لو نشاء لأسكنا الأرض الملائكة ، وليس في إسكاننا إياهم السماء شرف حتى يعبدوا ، أو يقال لهم بنات الله. ومعنى {يَخْلُفُونَ} يخلف بعضهم بعضا ؛ قاله ابن عباس.
الآية : 61 {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ، وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}
قوله تعالى : {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} قال الحسن وقتادة وسعيد بن جببر : يريد القرآن ؛ لأنه يدل على قرب مجيء الساعة ، أو به تعلم الساعة وأهوالها وأحوالها.
وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة أيضا : إنه خروج عيسى عليه السلام ، وذلك من أعلام الساعة. لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة ، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة. وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك {وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ} (بفتح العين واللام) أي أمارة. وقد روي عن عكرمة {وإنه للعلم} (بلامين) وذلك خلاف للمصاحف. وعن عبدالله بن مسعود. قال : لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم لقي إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فتذاكروا الساعة فبدؤوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده منها علم ، ثم سألوا موسى فلم يكن عنده منها علم ؛ فرد الحديث إلى عيسى ابن مريم قال : قد عهد إلي فيما دون وجبتها فأت وجبتها فلا يعلمها إلا الله عز وجل ؛ فذكر خروج الدجال - قال : فأنزل فأقتله. وذكر الحديث ، خرجه ابن ماجة في سننه. وفي صحيح مسلم "فبينما هو - يعني المسيح الدجال - إذ بعث الله المسيح بن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي
(16/105)




دمشق بين مهرودتين واضعا كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله..." الحديث...
وذكر الثعلبي والزمخشري وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ينزل عيسى بن مريم عليه السلام من السماء على ثنية من الأرض المقدسة يقال لها أفيق بين ممصرتين وشعر رأسه دهين وبيده حربة يقتل بها الدجال فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة العصر والإمام يؤم بهم فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ويقتل النصارى إلا من آمن به". وروى خالد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم إنه ليس بيني وبينه نبي وإنه أول نازل فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويقاتل الناس على الإسلام". قال الماوردي : وحكى ابن عيسى عن قوم أنهم قالوا إذا نزل عيسى رفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم. وهذا قول مردود لثلاثة أمور ؛ منها الحديث ، ولأن بقاء الدنيا يقتضي التكليف فيها ، ولأنه ينزل آمرا بمعروف وناهيا عن منكر. وليس يستنكر أن يكون أمر الله تعالى له مقصورا على تأييد الإسلام والأمر به والدعاء إليه.
قلت : ثبت في صحيح مسلم وابن ماجة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لينزلن عيسى بن مريم حكما عادلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد". وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كيف أنتم إذا نزل ، ابن مريم فيكم وإمامكم منكم" وفي رواية "فأمكم منكم" قال ابن أبي ذئب : تدري "ما أمكم
(16/106)




منكم" ؟ قلت : تخبرني ، قال : فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فهذا نص على أنه ينزل مجددا لدين النبي صلى الله عليه وسلم للذي درس منه ، لا بشرع مبتدأ والتكليف باق ؛ على ما بيناه هنا وفي كتاب التذكرة.
وقيل : {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أي وإن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى ؛ قال ابن إسحاق.
قلت : ويحتمل أن يكون المعنى {وإنه} وإن محمدا صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة ؛ بدليل قوله عليه السلام : "بعثت أنا والساعة كهاتين" وضم السبابة والوسطى ؛ خرجه البخاري ومسلم. وقال الحسن : أول أشراطها محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى : {فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} {فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} فلا تشكون فيها ؛ يعني في الساعة ؛ قاله يحيى بن سلام. وقال السدي : فلا تكذبون بها ، ولا تجادلون فيها فإنها كائنة لا محالة. {وَاتَّبِعُونِ} أي في التوحيد وفيما أبلغكم عن الله. {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أي طريق قويم إلى الله ، أي إلى جنته. وأثبت الياء يعقوب في قوله : {وَاتَّبِعُونِ} في الحالين ، وكذلك {وأطيعون}. وأبو عمرو وإسماعيل عن نافع في الوصل دون الوقف ، وحذف الباقون في الحالين. {وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} أي لا تغتروا بوساوسه وشبه الكفار. المجادلين ؛ فإن شرائع الأنبياء لم تختلف في التوحيد ولا فيما أخبروا به من علم الساعة وغيرها بما تضمنته من جنه أو نار. {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} تقدم.
الآية : 63 - 64 {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}
قوله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ} قال ابن عباس : يريد إحياء الموتى وإبراء الأسقام ، وخلق الطير ، والمائدة وغيرها ، والإخبار بكثير من الغيوب. وقال قتادة : البينات
(16/107)




هنا الإنجيل. {قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} أي النبوة ؛ قاله السدي. ابن عباس : علم ما يؤدي إلى الجميل ويكف عن القبيح. وقيل الإنجيل ؛ ذكره القشيري والماوردي. {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} قال مجاهد : من تبديل التوراة. الزجاج : المعنى لأبين لكم في الإنجيل بعض الذي تختلفون فيه من تبديل التوراة.
قال مجاهد : وبين لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. وقيل : بين لهم بعض الذي اختلفوا فيه من أحكام التوراة على قدر ما سألوه. ويجوز أن يختلفوا في أشياء غير ذلك لم يسألوه عنها. وقيل : إن بني إسرائيل اختلفوا بعد موت موسى في أشياء من أمر دينهم وأشياء من أمر دنياهم فبين لهم أمر دينهم. ومذهب أبي عبيدة أن البعض بمعنى الكل ؛ ومنه قوله تعالى : {يصبكم بعض الذي يعدكم} [غافر : 28]. وأنشد الأخفش قول لبيد :
تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أوتعتلق بعض النفوس حمامها
والموت لا يعتلق بعض النفوس دون بعض. ويقال للمنية : علوق وعلاقة. قال المفضل البكري :
وسائلة بثعلبة بن سير ... وقد علقت بثعلبة العلوق
وقال مقاتل : هو كقوله : {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران : 50]. يعني ما أحل في الإنجيل مما كان محرما في التوراة ؛ كلحم الإبل والشحم من كل حيوان وصيد السمك يوم السبت. {فَاتَّقُوا اللَّهَ} أي اتقوا الشرك ولا تعبدوا إلا الله وحده ؛ وإذا كان هذا قول عيسى فكيف يجوز أن يكون إلها أو ابن إله. {وَأَطِيعُونِ} فيما أدعوكم إليه من التوحيد وغيره. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أي عبادة الله صراط مستقيم ، وما سواه معوج لا يؤدي سالكه إلى الحق.

(16/108)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة الزخرف
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة عبس
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة نوح

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: