منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 30 مايو - 18:40

المجلد الرابع عشر


تفسير سورة سبأ
...
سورة سبأ
مقدمة السورة




الآية : [22] { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ }
قوله تعالى : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ } أي هذا الذي مضى ذكره من أمر داود وسليمان وقصة سبأ من آثار قدرتي ، فقل يا محمد لهؤلاء المشركين هل عند. شركائكم قدرة على شيء من ذلك. وهذا خطاب توبيخ ، وفيه إضمار : أي ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة لكم من دون الله لتنفعكم أو لتدفع عنكم ما قضاه الله تبارك وتعالى عليكم ، فإنهم لا يملكون ذلك ، { لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ } أي ما لله من هؤلاء من معين على خلق شيء ، بل الله المنفرد بالإيجاد ؛ فهو الذي يعبد ، وعبادة غيره محال.
الآية : [23] { وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }
قوله تعالى : { وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ } أي شفاعة الملائكة وغيرهم. { عِنْدَهُ } أي عند الله. { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } قراءة العامة { أَذِنَ } بفتح الهمزة ؛ لذكر الله تعالى أولا. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي { أَذِنَ } بضم الهمزة على ما لم يسم فاعله. والآذن هو الله تعالى. و{مَن} يجوز أن ترجع إلى الشافعين ، ويجوز أن ترجع إلى المشفوع لهم. { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } قال ابن عباس : خلي عن قلوبهم الفزع. قطرب : أخرج ما فيها من الخوف. مجاهد : كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة ؛ أي إن الشفاعة لا تكون من أحد هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام ؛ إلا أن الله تعالى يأذن للأنبياء والملائكة في الشفاعة وهم على غاية الفزع من الله ؛ كما قال : { وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } والمعنى : أنه إذا أذن لهم في الشفاعة وورد عليهم كلام الله فزعوا ؛ لما يقترن بتلك الحال من الأمر الهائل والخوف أن يقع في تنفيذ ما أذن لهم فيه تقصير ، فإذا سري عنهم قالوا للملائكة فوقهم وهم الذين يوردون عليهم الوحي بالإذن : { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } أي ماذا أمر الله به ، فيقولون لهم : { قَالُوا الْحَقَّ } وهو أنه أذن لكم في الشفاعة للمؤمنين. { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } فله أن يحكم في عباده بما
(14/295)




يريد. ثم يجوز أن يكون هذا إذنا لهم في الدنيا في شفاعة أقوام ، ويجوز أن يكون في الآخرة. وفي الكلام إضمار ؛ أي ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ففزع لما ورد عليه من الإذن تهيبا لكلام الله تعالى ، حتى إذا ذهب الفزع عن قلوبهم أجاب بالانقياد. وقيل : هذا الفزع يكون اليوم للملائكة في كل أمر يأمر به الرب تعالى ؛ أي لا تنفع الشفاعة إلا من الملائكة الذين هم اليوم فزعون ، مطيعون لله تعالى دون الجمادات والشياطين. وفي صحيح الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا قضى الله في السماء أمرا ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقول كأنها سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير - قال - والشياطين بعضهم فوق بعض" قال : حديث حسن صحيح. وقال النواس بن سمعان قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله إذا أراد أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة أو رعدة شديدة خوفا من الله تعالى فإذا سمع أهل السموات ذلك صعقوا وخروا لله تعالى سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله تعالى ويقول له من وحيه ما أراد ثم يمر جبريل بالملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل فيقول جبريل قال الحق وهو العلى الكبير - قال فيقول كلهم كما قال جبريل فينتهي جبريل بالوحي حيث ، أمره الله تعالى". وذكر البيهقي عن ابن عباس في قوله تعالى : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } قال : كان لكل قبيل من الجن مقعه من السماء يستمعون منه الوحي ، وكان إذا نزل الوحي سمع له صوت كإمرار السلسلة على الصفوان ، فلا ينزل على أهل سماء إلا صعقوا فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير ، ثم يقول يكون العام كذا ويكون كذا فتسمعه الجن فيخبرون به الكهنة والكهنة الناس يقولون يكون العام كذا وكذا فيجدونه كذلك ؛ فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم دحروا بالشهب فقالت العرب حين لم تخبرهم الجن بذلك : هلك من في السماء ، فجعل صاحب الإبل ينحر كل يوم بعيرا ، وصاحب البقر ينحر كل يوم بقرة ،
(14/296)




وصاحب الغنم ينحر كل يوم شاة ؛ حتى أسرعوا في أموالهم فقالت ثقيف وكانت أعقل العرب : أيها الناس! أمسكوا على أموالكم ، فإنه لم يمت من حيث السماء ، وإن هذا ليس بانتثار ، ألستم ترون معالمكم من النجوم كما هي والشمس والقمر والليل والنهار! قال فقال إبليس : لقد حدث في الأرض اليوم حدث ، فأتوني من تربة كل أرض فأتوه بها ، فجعل يشمها فلما شم تربة مكة قال من ها هنا جاء الحدث ؛ فنصتوا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث. وقد مضى هذا المعنى مرفوعا مختصرا في صورة {الحجر} ، ومعنى القول أيضا في رميهم بالشهب وإحراقهم بها ، ويأتي في سورة {الجن} بيان ذلك إن شاء الله تعالى. وقيل : إنما يفزعون من قيام الساعة. وقال الكلبي وكعب : كان بين عيسى ومحمد عليهما السلام فترة خمسمائة وخمسون سنة لا يجيء فيها الرسل ، فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم كلم الله تعالى جبريل بالرسالة ، فلما سمعت الملائكة الكلام ظنوا أنها الساعة قد قامت ، فصعقوا مما سمعوا ، فلما انحدر جبريل عليه السلام جعل يمر بكل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض ماذا قال ربكم فلم يدروا ما قال ولكنهم قالوا قال الحق وهو العلي الكبير ، وذلك أن محمدا عليه السلام عند أهل السموات من أشراط الساعة. وقال الضحاك : إن الملائكة المعقبات الذين يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم ، يرسلهم الرب تبارك وتعالى ، فإذا انحدروا سمع لهم صوت شديد فيحسب الذين هم أسفل من الملائكة أنه من أمر الساعة ، فيخرون سجدا ويصعقون حتى يعلموا أنه ليس من أمر الساعة. وهذا تنبيه من الله تعالى وإخبار أن الملائكة مع اصطفائهم ورفعتهم لا يمكن أن يشفعوا لأحد حتى يؤذن لهم ، فإذا أذن لهم وسمعوا صعقوا ، وكان هذه حالهم ، فكيف تشفع الأصنام أو كيف تؤملون أنتم الشفاعة ولا تعترفون بالقيامة. وقال الحسن وابن زيد ومجاهد : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين. قال الحسن ومجاهد وابن زيد : في الآخرة عند نزول الموت ، إقامة للحجة عليهم قالت الملائكة لهم : ماذا قال ربكم في الدنيا قالوا الحق وهو العلي الكبير ، فأقروا
(14/297)




حين لا ينفعهم الإقرار ، أي قالوا قال الحق.وقراءة العامة { فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } . وقرأ ابن عباس { فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهم } مسمى الفاعل وفاعله ضمير يرجع إلى اسم الله تعالى. ومن بناه للمفعول فالجار والمجرور في موضع رفع ، والفعل في المعنى لله تبارك وتعالى ، والمعنى في القراءتين : أزيل الفزع عن قلوبهم ، حسبما تقدم بيانه. ومثله : أشكاه ، إذا أزال عنه ما يشكوه. وقرأ الحسن : {فُزغَ} مثل قراءة العامة ، إلا أنه خفف الزاي ، والجار والمجرور في موضع رفع أيضا ؛ وهو كقولك : انصرف عن كذا إلى كذا. وكذا معنى {فُزغَ} بالراء والغين المعجمة والتخفيف ، غير مسمى الفاعل ، رويت عن الحسن أيضا وقتادة. وعنهما أيضا "فرغ" بالراء والغين المعجمة مسمى الفاعل ، والمعنى : فرغ الله تعالى قلوبهم أي كشف عنها ، أي فرغها من الفزع والخوف ، وإلى ذلك يرجع البناء للمفعول ، على هذه القراءة وعن الحسن أيضا {فُرَّغِ} بالتشديد.
الآية : [24] { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ }
قوله تعالى : { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } لما ذكر أن آلهتهم لا يملكون مثقال ذرة مما يقدر عليه الرب قرر ذلك فقال : قل يا محمد للمشركين { مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } أي من يخلق لكم هذه الأرزاق الكائنة من السموات ؛ أي عن المطر والشمس والقمر والنجوم وما فيها من المنافع. { وَالأَرْضِ } أي الخارجة من الأرض عن الماء والنبات أي لا يمكنهم أن يقولوا هذا فعل آلهتنا - فيقولون لا ندري ، فقل إن الله يفعل ذلك الذي يعلم ما في نفوسكم وإن قالوا : إن الله يرزقنا فقد تقررت الحجة بأنه الذي ينبغي أن يعبد. { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } هذا على وجه الإنصاف في الحجة ؛ كما يقول القائل : أحدنا كاذب ، وهو يعلم أنه صادق وأن صاحبه كاذب. والمعنى : ما نحن وأنتم على أمر واحد ، بل على أمرين متضادين ، وأحد الفريقين مهتد وهو نحن والآخر ضال
(14/298)




وهو أنتم ؛ فكذبهم بأحسن من تاريخ التكذيب ، والمعنى : أنتم الضالون حين أشركتم بالذي يرزقكم من السموات والأرض. { أَوْ إِيَّاكُمْ } معطوف على اسم {إنّ} ولو عطف على الموضع لكان {أو أنتم} ويكون { لَعَلَى هُدىً } للأول لا غير وإذا قلت : { أَوْ إِيَّاكُمْ } كان للثاني أولى ، وحذفت من الأول أن يكون للأول ، وهو اختيار المبرد ، قال : ومعناه معنى قول المستبصر لصاحبه على صحة الوعيد والاستظهار بالحجة الواضحة : أحدنا كاذب ، قد عرف المعنى ، كما تقول : أنا أفعل كذا وتفعل أنت كذا وأحدنا مخطئ ، وقد عرف أنه هو المخطئ ، فهكذا { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } . و{ أَوْ } عند البصريين على بابها وليست للشك ، ولكنها على ما تستعمل العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين وهو عالم بالمعنى. وقال أبو عبيدة والفراء : هي بمعنى الواو ، وتقديره : وإنا على هدى وإياكم لفي ضلال مبين. وقال جرير :
أثعلبة الفوارس أو رياحا ... عدلت بهم طهية والربابا
يعني أثعلبة ورياحا وقال آخر :
فلما اشتد أمر الحرب فينا ... تأملنا رياحا أو رزاما
الآية : [25] { قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ }
قوله تعالى : { قُلْ لا تُسْأَلونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا } أي اكتسبنا ، { وَلا نُسْأَلُ } نحن أيضا { عَمَّا تَعْمَلُونَ } أي إنما أقصد بما أدعوكم إليه الخير لكم ، لا أنه ينالني ضرر كفركم ، وهذا كما قال : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } والله مجازي الجميع. فهذه آية مهادنة ومتاركة ، وهي منسوخة بالسيف وقيل : نزل هذا قبل آية السيف.
الآية : [26] { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ }
(14/299)




قوله تعالى : { قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا } يريد يوم القيامة { ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ } أي يقضي فيثيب المهتدي ويعاقب الضال { وَهُوَ الْفَتَّاحُ } أي القاضي بالحق { الْعَلِيمُ } بأحوال الخلق. وهذا كله منسوخ بآية السيف.
الآية : [27] { قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
قوله تعالى : { قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ } يكون { أَرُونِيَ } هنا من رؤية القلب ، فيكون { شُرَكَاءَ } المفعول الثالث ، أي عرفوني الأصنام والأوثان التي ، جعلتموها شركاء لله عز وجل ، وهل شاركت في خلق شيء ، فبينوا ما هو ؟ وإلا فلم تعبدونها. وجوز أن تكون من رؤية البصر ، فيكون { شُرَكَاءَ } حالا. { كَلاَّ } أي ليس الأمر كما زعمتم. وقيل : إن { كَلاَّ } رد لجوابهم المحذوف ، كأنه قال : أروني الذين ألحقتم به شركاء. قالوا : هي الأصنام. فقال كلا ، أي ليس له شركاء { بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.
الآية : [28] { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }
الآية : [29] { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
الآية : [30] { قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ }
قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ } أي وما أرسلناك إلا للناس كافة أي عامة ؛ في الكلام تقديم وتأخير. وقال الزجاج : أي وما أرسلنا إلا جامعا للناس بالإنذار والإبلاغ. والكافة بمعنى الجامع. وقيل : معناه كافا للناس ، تكفهم عما هم فيه من الكفر وتدعوهم إلى الإسلام. والهاء للمبالغة. وقيل : أي إلا ذا كافة ، فحذف المضاف ، أي ذا منع للناس من أن يشذوا عن تبليغك ، أو ذا منع لهم من الكفر ، ومنه :
(14/300)




كف الثوب ، لأنه ضم طرفيه. { بَشِيراً } أي بالجنة لمن أطاع. { وَنَذِيراً } من النار لمن كفر. { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } لا يعلمون ما عند الله وهم المشركون ؛ وكانوا في ذلك الوقت أكثر من المؤمنين عددا. { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ } يعني موعدكم لنا بقيام الساعة. { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فقال تعالى : { قُلْ } أي قل لهم يا محمد { لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ } فلا يغرنكم تأخيره. والميعاد الميقات. ويعني بهذا الميعاد وقت البعث وقيل وقت حضور الموت ؛ أي لكم قبل يوم القيامة وقت معين تموتون فيه فتعلمون حقيقة قولي. وقيل : أراد بهذا اليوم يوم بدر ؛ لأن ذلك اليوم كان ميعاد عذابهم في الدنيا في حكم الله تعالى. وأجاز النحويون { مِيعَادُ يَوْمٌ } على أن {ميعادٌ} ابتداء و {يومٌ} بدل منه ، والخبر {لكم} . وأجازوا {ميعاد يوماً} يكون ظرفا ، وتكون الهاء في {عنه} ترجع إلى {يوم} ولا يصح {ميعادُ يومَ لا تستأخرون} بغير تنوين ، وإضافة {يوم} إلى ما بعده إذا قدرت الهاء عائدة على اليوم ، لأن ذلك يكون من إضافة الشيء إلى نفسه من أجل الهاء التي في الجملة. ويجوز ذلك على أن تكون الهاء للميعاد لا لليوم.
الآية : [31] { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ }
الآية : [32] { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ }
الآية : [33] { وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
(14/301)




قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } يريد كفار قريش. { لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } قال سعيد عن قتادة : { وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } من الكتب والأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وقيل من الآخرة. وقال ابن جريج : قائل ذلك أبو جهل بن هشام. وقيل : إن أهل الكتاب قالوا للمشركين صفة محمد في كتابنا فسلوه ، فلما سألوه فوافق ما قال أهل الكتاب قال المشركون : لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي أنزل قبله من التوراة والإنجيل بل نكفر بالجميع ؛ وكانوا قبل ذلك يراجعون أهل الكتاب ويحتجون بقولهم ، فظهر بهذا تناقضهم وقلة علمهم. ثم أخبر الله تبارك وتعالى عن حالهم فيما لهم فقال { وَلَوْ تَرَى } يا محمد { ِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ } أي محبوسون في موقف الحساب ، يتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب بعد أن كانوا في الدنيا أخلاء متناصرين. وجواب "لو" محذوف ؛ أي لرأيت أمرا هائلا فظيعا. ثم ذكر أي شيء يرجع من القول بينهم قال : {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} في الدنيا من الكافرين {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم القادة والرؤساء {لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} أي أنتم أغويتمونا وأضللتمونا. واللغة الفصيحة {لَوْلا أَنْتُمْ } ومن العرب من يقول {لولاكم} حكاها سيبويه ؛ تكون { لَوْلا } تخفض المضمر ويرتفع المظهر بعدها بالابتداء ويحذف خبره. ومحمد بن يزيد يقول : لا يجوز "لولاكم" لأن المضمر عقيب المظهر ، فلما كان المظهر مرفوعا بالإجماع وجب أن يكون المضمر أيضا مرفوعا .{ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ } هو استفهام بمعنى الإنكار ، أي ما رددناكم نحن عن الهدى بعد إذ جاءكم ، ولا أكرهناكم. {بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} أي مشركين مصرين على الكفر .{ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ } المكر أصله في كلام العرب الاحتيال والخديعة ، وقد مكر به يمكر فهو ماكر ومكار. قال الأخفش : هو على تقدير : هذا مكر الليل والنهار. قال النحاس : والمعنى - والله أعلم - بل مكركم في الليل والنهار ، أي مساواتكم إيانا ودعاؤكم لنا إلى الكفر حملنا على هذا. وقال سفيان الثوري : بل عملكم في الليل والنهار. قتادة : بل مكركم بالليل والنهار صدنا ؛ فأضيف المكر إليهما لوقوعه فيهما ،
(14/302)




وهو كقوله تعالى : { إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ } فأضاف الأجل إلى نفسه ، ثم قال : { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً } إذ كان الأجل لهم. وهذا من قبيل قولك : ليله قائم ونهاره صائم. قال المبرد : أي بل مكركم الليل والنهار ، كما تقول العرب : نهاره صائم وليله قائم. وأنشد لجرير :
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت وما ليل المطي بنائم
وأنشد سيبويه :
فنام ليلي وتجلى همي
أي نمت فيه. ونظيره : { وَالنَّهَارَ مُبْصِراً } وقرأ قتادة : {بل مكرُ الليلَ والنهارَ} بتنوين {مكر} ونصب { الليلَ والنهارَ } ، والتقدير : بل مكر كائن في الليل والنهار ، فحذف. وقرأ سعيد بن جبير {بل مكَرُّ} بفتح الكاف وشد الراء بمعنى الكرور ، وارتفاعه بالابتداء والخبر محذوف. ويجوز أن يرتفع بفعل مضمر دل عليه { أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ } كأنهم لما قالوا لهم أنحن صددناكم عن الهدى قالوا بل صدنا مكر الليل والنهار. وروي عن سعيد بن جبير { بل مكرُ الليلَ والنهارَ } قال : مر الليل والنهار عليهم فغفلوا. وقيل : طول السلامة فيهما كقوله { فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ } وقرأ راشد {بل مكَرَّ الليل والنهار} بالنصب ، كما تقول : رأيته مقدم الحاج ، وإنما يجوز هذا فيما يعرف ، لو قلت : رأيته مقدم زيد ، لم يجز ؛ ذكره النحاس : { إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً } أي أشباها وأمثالا ونظراء. قال محمد بن يزيد : فلان ند فلان ، أي مثله. ويقال نديد ؛ وأنشد :
أينما تجعلون إلي ندا ... وما أنتم لذي حسب نديد
وقد مضى هذا في {البقرة}. { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ } أي أظهروها ، وهو من الأضداد يكون بمعنى الإخفاء والإبداء. قال امرؤ القيس :
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر ... علي حراصا لو يسرون مقتلي
(14/303)




وروي { يَشْرُونَ } . وقيل : { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ } أي تبينت الندامة في أسرار وجوههم. قيل : الندامة لا تظهر ، وإنما تكون في القلب ، وإنما يظهر ما يتولد عنها ، حسبما تقدم بيانه في سورة {يونس ، وآل عمران}. وقيل : إظهارهم الندامة قولهم : { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } وقيل : أسروا الندامة فيما بينهم ولم يجهروا القول بها ؛ كما قال : { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } .
قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا } الأغلال جمع غل ، يقال : في رقبته غل من حديد. ومنه قيل للمرأة السيئة الخلق : غل قمل ، وأصله أن الغل كان يكون من قد وعليه شعر فيقمل وغللت يده إلى عنقه ؛ وقد غل فهو مغلول ، يقال : ما له ؟ ؟ وغل. والغل أيضا والغلة : حرارة العطش ، وكذلك الغليل ؛ يقال منه : غل الرجل يغل غللا فهو مغلول ، على ما لم يسم فاعله ؛ عن الجوهري. أي جعلت الجوامع في أعناق التابعين والمتبوعين. قيل من غير هؤلاء الفريقين. وقيل يرجع { الَّذِينَ كَفَرُوا } إليهم. وقيل : تم الكلام عند قوله : { لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } ثم ابتدأ فقال : { وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ } بعد ذلك في أعناق سائر الكفار. { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } في الدنيا.
الآية : [34] { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ }
الآية : [35] { وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }
الآية : [36] { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }
الآية : [37] { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }
الآية : [38] { وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ }
(14/304)




قوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا } قال قتادة : أي أغنياؤها ورؤساؤها وجبابرتها وقادة الشر للرسل : { إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً } أي فضلنا عليكم بالأموال والأولاد ، ولو لم يكن ربكم راضيا بما نحن عليه من الدين والفضل لم يخولنا ذلك. { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } لأن من أحسن إليه فلا يعذبه ، فرد الله عليهم قولهم وما احتجوا به من الغنى فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ } أي يوسعه لمن يشاء { وَيَقْدِرُ } أي إن الله هو الذي يفاضل بين عباده في الأرزاق امتحانا لهم ، فلا يدل شيء من ذلك على ما في العواقب ، فسعة الرزق في الدنيا لا تدل على سعادة الآخرة فلا تظنوا أموالكم وأولادكم تغنى عنكم غدا شيئا. { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ } لا يعلمون هذا لأنهم لا يتأملون. ثم قال تأكيدا : { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } قال مجاهد : أي قربى. والزلفة القربة. وقال الأخفش : أي إزلافا ، وهو اسم المصدر ، فيكون موضع {قُرْبَى} نصبا كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا. وزعم الفراء أن التي تكون للأموال والأولاد جميعا. وله قول آخر وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج ، يكون المعنى : وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا ، ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ، ثم حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه. وأنشد الفراء :
نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف
ويجوز في غير القرآن : باللتين وباللاتي وباللواتي وباللذين وبالذين ؛ للأولاد خاصة أي لا تزيدكم الأموال عندنا رفعة ودرجة ، ولا تقربكم تقريبا. { إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } قال سعيد بن جبير : المعنى إلا من أمن وعمل صالحا فلن يضره ماله وولده في الدنيا. وروى ليث عن طاوس أنه كان يقول : اللهم ارزقني الإيمان والعمل ، وجنبني المال والولد ، فإني سمعت فيما أوحيت { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } .
قلت : قول طاوس فيه نظر ، والمعنى والله أعلم : جنبني المال والولد المطغيين أو اللذين لا خير فيهما ؛ فأما المال الصالح والولد الصالح للرجل الصالح فنعم هذا وقد مضى هذ! في {آل عمران
(14/305)




ومريم والفرقان}. و{مَن} في موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، أي لكن من آمن وعمل صالحا فإيمانه وعمله يقربانه مني. وزعم الزجاج أنه في موضع نصب بالاستثناء على البدل من الكاف والميم التي في { تُقَرِّبُكُمْ } . النحاس : وهذا القول غلط ؛ لأن الكاف والميم للمخاطب فلا يجوز البدل ، ولو جاز هذا لجاز : رأيتك زيدا. وقول أبي إسحاق هذا هو قول الفراء. إلا أن الفراء لا يقول بدل لأنه ليس من لفظ الكوفيين ، ولكن قول يؤول إل ذلك ، وزعم أن مثله { إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } يكون منصوبا عنده بـ {ينفع} . وأجاز الفراء أن يكون {مَن} في موضع رفع بمعنى : ما هو إلا من أمن ، كذا قال ، ولست أحصل معناه. { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا } يعني قوله : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } فالضعف الزيادة ، أي لهم جزاء التضعيف ، وهو من باب إضافة المصدر إلى المفعول. وقيل : لهم جزاء الأضعاف ، فالضعف في معنى الجمع ، وإضافة الضعف إلى الجزاء كإضافة الشيء إلى نفسه ، نحو : حق اليقين ، وصلاة الأولى. أي لهم الجزاء المضعف ، للواحد عشرة إلى ما يريد الله من الزيادة.
وبهذه الآية استدل من فضل الغنى على الفقر. وقال محمد بن كعب : إن المؤمن إذا كان غنيا تقيا أتاه الله أجره مرتين بهذه الآية { وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } قراءة العامة { جَزَاءُ الضِّعْفِ } بالإضافة. وقرأ الزهري ويعقوب ونصر بن عاصم {جزاءَ} منونا منصوبا {الضُعف} رفعا ؛ أي فأولئك لهم الضعف جزاء ، على التقديم والتأخير. { جَزَاءُ الضِّعْفِ } على أن يجازوا الضعف. و { جَزَاءٌ الضِّعْفِ } مرفوعان ، الضعف بدل من جزاء. وقرأ الجمهور { فِي الْغُرُفَاتِ } على الجمع ، وهو اختيار أبى عبيد ؛ لقوله : { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً } . الزمخشري : وقرئ { فِي الْغُرُفَاتِ } بضم الراء وفتحها وسكونها. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وخلف {في الغرفة} على التوحيد ؛ لقوله تعالى : { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ } والغرفة قد يراد بها اسم الجمع واسم الجنس. قال ابن عباس : هي غرف
(14/306)




من ياقوت وزبرجد ودر وقد مضى بيان ذلك. { آمِنُونَ } أي من العذاب والموت والأسقام والأحزان. { وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا } في إبطال أدلتنا وحجتنا وكتابنا. { مُعَاجِزِينَ } معاندين ، يحسبون أنهم يفوتوننا بأنفسهم. { أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ } أي في جهنم تحضرهم الزبانية فيها.
الآية : [39] { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }
قوله تعالى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } كرر تأكيدا. { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } أي قل يا محمد لهؤلاء المغترين بالأموال والأولاد إن الله يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء ، فلا تغتروا بالأموال والأولاد بل أنفقوها في طاعة الله ، فإن ما أنفقتم في طاعة الله فهو يخلفه. وفيه إضمار ، أي فهو يخلفه عليكم ؛ يقال : أخلف له وأخلف عليه ، أي يعطيكم خلفه وبدله ، وذلك البدل إما في الدنيا وإما في الآخرة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم : "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا. وفيه أيضا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله قال لي أنفق أنفق عليك..." الحديث. وهذه إشارة إلى الخلف في الدنيا بمثل المنفق فيها إذا كانت النفقة في طاعة الله. وقد لا يكون الخلف في الدنيا فيكون كالدعاء كما تقدم سواء في الإجابة أو التكفير أو الادخار ؛ والادخار ها هنا مثله في الأجر.
مسألة : روى الدارقُطني وأبو أحمد بن عدي عن عبدالحميد الهلالي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم : "كل معروف صدقة وما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة وما وقى به الرجل عرضه فهو صدقة وما أنفق الرجل
(14/307)




من نفقة فعلى الله خلفها إلا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية" . قال عبدالحميد : قلت لابن المنكدر :
"ما وقى الرجل عرضه" ؟ قال : يعطي الشاعر وذا اللسان. عبدالحميد وثقه ابن معين.
قلت : أما ما أنفق في معصية فلا خلاف أنه غير مثاب عليه ولا مخلوف له. وأما البنيان فما كان منه ضروريا يكن الإنسان ويحفظه فذلك ، مخلوف عليه ومأجور ببنيانه. وكذلك كحفظ بنيته وستر عورته ، قال صلى الله عليه وسلم : "ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال ، بيت يسكنه وثوب يواري عورته وجلف الخبز والماء" . وقد مضى هذا المعنى في {الأعراف} مستوفى.
قوله تعالى : { وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } لما كان يقال في الإنسان : إنه يرزق عياله والأمير جنده ؛ قال : { وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } والرازق من الخلق يرزق ، لكن ذلك من مال يملك عليهم ثم ينقطع ، والله تعالى يرزق من خزائن لا تفنى ولا تتناهى. ومن أخرج من عدم إلى الوجود فهو الرازق على الحقيقة ، كما قال : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } .
الآية : [40] { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُون }
الآية : [42] { قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ }
قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } هذا متصل بقوله : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ } . أي لو تراهم في هذه الحالة لرأيت أمرا فظيعا. والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد هو وأمته ثم قال ولو تراهم أيضا { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } العابدين والمعبودين ، أي نجمعهم للحساب{ ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} قال سعيد عن قتادة : هذا
(14/308)




استفهام ؛ كقول عز وجل لعيسى : { أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال النحاس : فالمعنى أن الملائكة صلوات الله عليهم إذا كذبتهم كان في ذلك تبكيت لهم ؛ فهو استفهام توبيخ للعابدين .{ قَالُوا سُبْحَانَكَ } أي تنزيها لك. { أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ } أي أنت ربنا الذي نتولاه ونطيعه ونعبده ونخلص في العبادة له. {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } أي يطيعون إبليس وأعوانه. وفي التفاسير : أن حيا يقال لهم بنو مليح من خزاعة كانوا يعبدون الجن ، ويزعمون أن الجن تتراءى لهم ، وأنهم ملائكة ، وأنهم بنات الله ؛ وهو قوله : { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً }
الآية : [42] { فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرّاً وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ }
قوله تعالى : { فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً } أي شفاعة ونجاة. { وَلا ضَرّاً } أي عذابا وهلاكا. وقيل : أي لا تملك الملائكة دفع ضر عن عابديهم ؛ فحذف المضاف { وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } يجوز أن يقول الله لهم أو الملائكة : ذوقوا.
الآية : [43] { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ }
قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } يعني القرآن. { قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ } يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم. { يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ } أي أسلافكم من
(14/309)




الآلهة التي كانوا يعبدونها. { وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً } يعنون القرآن ؛ أي ما هو إلا كذب مختلق. { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ } فتارة قالوا سحر ، وتارة قالوا إفك. ويحتمل أن يكون منهم من قال سحر ومنهم من قال إفك.
الآية : [44] { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ }
الآية : [45] { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ }
قوله تعالى : { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا } أي لم يقرؤوا في كتاب أوتوه بطلان ما جئت به ، ولا سمعوه من رسول بعث إليهم ، كما قال : { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } فليس لتكذيبهم وجه يتشبث به ولا شبهة متعلق كما يقول أهل الكتاب وإن كانوا مبطلين : نحن أهل كتاب وشرائع ومستندون إلى رسل من رسل الله ، ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله الحق : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أي كذب قبلهم أقوام كانوا أشد من هؤلاء بطشا وأكثر أموالا وأولادا وأوسع عيشا ، فأهلكتهم كثمود وعاد. { وَمَا بَلَغُوا } أي ما بلغ أهل مكة { مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } تلك الأمم. والمعشار والعشر سواء ، لغتان. وقيل : المعشار عشر العشر. الجوهري : ومعشار الشيء عشره ، ولا يقولون هذا في شيء سوى العشر. وقال : ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم ؛ حكاه النقاش. وقيل : ما أعطى الله تعالى من قبلهم معشار ما أعطاهم من العلم والبيان والحجة والبرهان. قال ابن عباس : فليس أمة أعلم من أمة ، ولا كتاب أبين من كتابه. وقيل : المعشار هو عشر العشير ، والعشير هو عشر العشر فيكون جزءا من ألف جزء. الماوردي : وهو الأظهر ، لأن المراد به المبالغة في التقليل. { فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } أي عقابي في الأمم ، وفيه محذوف وتقديره : فأهلكناهم فكيف كان نكيري.
(14/310)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: