فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن الخميس 10 مايو - 16:43 | |
| المجلد الرابع عشر تفسير سورة الروم ... الجزء 14 من الطبعة تفسير سورة الروم سورة الروم مكية كلها من غير خلاف وهي ستون آية الآية : [1] {الم} الآية : [2] {غُلِبَتِ الرُّومُ} الآية : [3] {فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} الآية : [4] {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} الآية : [5] {بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} قوله تعالى : {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ} روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال : لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت : {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ - إلى قول - يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ} . قال : ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس. قال : هذا حديث غريب من هذا الوجه. هكذا قرأ نصر بن علي الجهضمي {غََلَبَتِ الرُّومُ} . ورواه أيضا من حديث ابن عباس بأتم منه. قال ابن عباس في قول الله عز وجل : {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ} قال : غَلبت وغُلبت ، قال : كان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب ؛ فذكروه لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "أما إنهم سيغلبون" فذكره أبو بكر لهم فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلا ، فإن ظهرنا كان لنا كذا ، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا فجعل أجل خمس سنين ، فلم يظهروا ؛ فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : "ألا جعلته(14/1)إلى دون" - أراه قال العشر - قال قال أبو سعيد : والبضع ما دون العشرة. قال : ثم ظهرت الروم بعد ، قال : فذلك قوله { الم. غُلِبَتِ الرُّومُ - إلى قوله - وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ} . قال سفيان : سمعت أنهم ظهروا عليهم يوم بدر. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب. ورواه أيضا عن نيار بن مكرم الأسلمي قال : لما نزلت {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ} وكانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم ، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب ، وفي ذلك نزل قول الله تعالى : {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث ، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة : {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ} . قال ناس من قريش لأبي بكر : فذلك بيننا وبينكم ، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين ، أفلا نراهنك على ذلك ؟ قال : بلى. وذلك قبل تحريم الرهان ، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان. وقالوا لأبي بكر : كم تجعل البضع ؟ ثلاث سنين أو تسع سنين ؟ فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه ؛ قال فسموا بينهم ست سنين ؛ قال : فمضت الست سنين قبل أن يظهروا ، فأخذ المشركون رهن أبي بكر ، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس ، فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين ، قال : لأن الله تعالى قال {فِي بِضْعِ سِنِينَ} قال : وأسلم عند ذلك ناس كثير. قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح غريب. وروى القشيري وابن عطية وغيرهما : أنه لما نزلت الآيات خرج أبو بكر بها إلى المشركين فقال : أسركم أن غَلبت الروم ؟ فإن نبينا أخبرنا عن الله تعالى أنهم سيغلبون في بضع سنين. فقال له أبي بن خلف وأمية أخوه - وقيل أبو سفيان بن حرب - : يا أبا فصيل - يعرضون بكنيته يا أبا بكر - فلنتناحب - أي نتراهن(14/2)في ذلك فراهنهم أبو بكر. قال قتادة : وذلك قبل أن يحرم القمار ، وجعلوا الرهان خمس قلائص والأجل ثلاث سنين. وقيل : جعلوا الرهان ثلاث قلائص. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : "فهلا احتطت ، فإن البضع ما بين الثلاث والتسع والعشر ولكن ارجع فزدهم في الرهان واستزدهم في الأجل" ففعل أبو بكر ، فجعلوا القلائص مائة والأجل تسعة أعوام ؛ فغلبت الروم في أثناء الأجل. وقال الشعبي : فظهروا في تسع سنين. القشيري : المشهور في الروايات أن ظهور الروم كان في السابعة من غلبة فارس للروم ، ولعل رواية الشعبي تصحيف من السبع إلى التسع من بعض النقلة. وفي بعض الروايات : أنه جعل القلائص سبعا إلى تسع سنين. ويقال : إنه آخر فتوح كسرى أبرويز فتح فيه القسطنطينية حتى بنى فيها بيت النار ؛ فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فساءه ذلك ، فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين. وحكى النقاش وغيره : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما أراد الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم تعلق به أبي بن خلف وقال له : أعطني كفيلا بالخطر إن غلبت ؛ فكفل به ابنه عبد الرحمن ، فلما أراد أبي الخروج إلى أحد طلبه عبد الرحمن بالكفيل فأعطاه كفيلا ، ثم مات أبي بمكة من جرح جرحه النبي صلى الله عليه وسلم ، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية على رأس تسع سنين من مناحبتهم. وقال الشعبي : لم تمض تلك المدة حتى غلبت الروم فارس ؛ وربطوا خيلهم بالمدائن ، وبنوا رومية ؛ فقمر أبو بكر أبيا وأخذ مال الخطر من ورثته ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "تصدق به" فتصدق به. وقال المفسرون : إن سبب غلبة الروم فارس امرأة كانت في فارس لا تلد إلا الملوك والأبطال ، فقال لها كسرى : أريد أن أستعمل أحد بنيك على جيش أجهزه إلى الروم ؛ فقالت : هذا هرمز أروع من ثعلب وأحذر من صقر ، وهذا فرخان أحد من سنان وأنفذ من نبل ، وهذا شهر بزان أحلم من كذا ، فاختر ؛ قال فاختار الحليم وولاه ، فسار إلى الروم بأهل فارس فظهر على(14/3)لروم. قال عكرمة وغيره : إن شهر بزان لما غلب الروم خرب ديارها حتى بلغ الخليج ، فقال أخوه فرخان : لقد رأيتني جالسا على سرير كسرى ؛ فكتب كسرى إلى شهر بزان أرسل إلي برأس فرخان فلم يفعل ؛ فكتب كسرى إلى فارس : إني قد استعملت عليكم فرخان وعزلت شهر بزان ، وكتب إلى فرخان إذا ولي أن يقتل شهر بزان ؛ فأراد فرَّخان قتل شهر بزان فأخرج له شهر بزان ثلاث صحائف من كسرى يأمره بقتل فرخان ، فقال شهر بزان لفرخان : إن كسرى كتب إلي أن أقتلك ثلاث صحائف وراجعته أبدا في أمرك ، أفتقتلني أنت بكتاب واحد ؟ فرد الملك إلى أخيه ، وكتب شهر بزان إلى قيصر ملك الروم فتعاونا على كسرى ، فغلبت الروم فارس ومات كسرى. وجاء الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ففرح من معه من المسلمين ؛ فذلك قوله تعالى : {الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ} يعني أرض الشام. عكرمة : بأذرعات ، وهي ما بين بلاد العرب والشام. وقيل : إن قيصر كان بعث رجلا يدعى يحنس وبعث كسرى شهر بزان فالتقيا بأذرعات وبصرى وهي أدنى بلاد الشام إلى أرض العرب والعجم. مجاهد : بالجزيرة ، وهو موضع بين العراق والشام. مقاتل : بالأردن وفلسطين. و {أدنى} معناه أقرب. قال ابن عطية : فإن كانت الواقعة بأذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة ، وهي التي ذكرها امرؤ القيس في قوله : تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال وإن كانت الواقعة بالجزيرة فهي أدنى بالقياس إلى أرض كسرى ، وإن كانت بالأردن فهي أدنى إلى أرض الروم. فلما طرأ ذلك وغُلبت الروم سر الكفار فبشر الله عباده بأن الروم سيغلبون وتكون الدولة لهم في الحرب. وقد مضى الكلام في فواتح السور. وقرأ أبو سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن قرة {غَلَبت الرُّومُ} بفتح الغين واللام. وتأويل ذلك أن الذي طرأ يوم بدر إنما كانت الروم غلبت فعز ذلك على كفار قريش وسر بذلك المسلمون ، فبشر الله تعالى عباده أنهم سيغلبون أيضا في بضع سنين ؛ ذكر هذا التأويل أبو حاتم. قال أبو جعفر النحاس : (14/4)قراءة أكثر الناس {غُلِبَتِ الرُّومُ} بضم العين وكسر اللام. وروي عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري أنهما قرأ {غَلَبت الرُّومُ} وقرأ {سيُغلبون} . وحكى أبو حاتم أن عصمة روى عن هارون : أن هذه قراءة أهل الشام ؛ وأحمد بن حنبل يقول : إن عصمة هذا ضعيف ، وأبو حاتم كثير الحكاية عنه ، والحديث يدل على أن القراءة {غُلبت} بضم الغين ، وكان في هذا الإخبار دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الروم غلبتها فارس ، فأخبر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين ، وأن المؤمنين يفرحون بذلك ، لأن الروم أهل كتاب ، فكان هذا من علم الغيب الذي أخبر الله عز وجل به مما لم يكن علموه ، وأمر أبا بكر أن يراهنهم على ذلك وأن يبالغ في الرهان ، ثم حرم الرهان بعد ونسخ بتحريم القمار. قال ابن عطية : والقراءة بضم الغين أصح ، وأجمع الناس على {سيغلبون} أنه بفتح الياء ، يراد به الروم. ويروى عن ابن عمر أنه قرأ أيضا بضم الياء في {سيغلبون} ، وفي هذه القراءة قلب للمعنى الذي تظاهرت الروايات به. قال أبو جعفر النحاس : ومن قر {سيُغلبون } فالمعنى عنده : وفارس من بعد غلبهم ، أي من بعد أن غلبوا ، سيغلبون. وروي أن إيقاع الروم بالفرس كان يوم بدر ؛ كما في حديث أبي سعيد الخدري حديث الترمذي ، وروي أن ذلك كان يوم الحديبية ، وأن الخبر وصل يوم بيعة الرضوان ؛ قاله عكرمة وقتادة. قال ابن عطية : وفي كلا اليومين كان نصر من الله للمؤمنين. وقد ذكر الناس أن سبب سرور المسلمين بغلبة الروم وهمهم أن تغلب إنما هو أن الروم أهل كتاب كالمسلمين ، وفارس من أهل الأوثان ؛ كما تقدم بيانه في الحديث. قال النحاس : وقول آخر وهو أولى - أن فرحهم إنما كان لإنجاز وعد الله تعالى ؛ إذ كان فيه دليل على النبوة لأنه أخبر تبارك وتعالى بما يكون في بضع سنين فكان فيه. قال ابن عطية : ويشبه أن يعلل ذلك بما يقتضيه النظر من محبة أن يغلب العدو الأصغر لأنه أيسر مؤونة ، ومتى غلب الأكبر كثر الخوف منه ؛ فتأمل هذا المعنى ، مع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم(14/5)رجاه من ظهور دينه وشرع الله الذي بعثه به وغلبته على الأمم ، وإرادة كفار مكة أن يرميه الله بملك يستأصله ويريحهم منه. وقيل : سرورهم إنما كان بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين ؛ لأن جبريل أخبر بذلك النبي عليه السلام يوم بدر ؛ حكاه القشيري. قلت : ويحتمل أن يكون سرورهم بالمجموع من ذلك ، فسروا بظهورهم على عدوهم وبظهور الروم أيضا وبإنجاز وعد الله. وقرأ أبو حيوة الشامي ومحمد بن السميقع {من بعد غَلْبهم} بسكون اللام ، وهما لغتان ؛ مثل الظعن والظعن. وزعم الفراء أن الأصل {من بعد غلبتهم} فحذفت التاء كما حذفت في قوله عز وجل {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} وأصله وإقامة الصلاة. قال النحاس : وهذا غلط لا يخيل على كثير من أهل النحو ؛ لأن {إقام الصلاة} مصدر قد حذف منه لاعتلال فعله ، فجعلت التاء عوضا من المحذوف ، و {غلب} ليس بمعتل ولا حذف منه شيء. وقد حكى الأصمعي : طرد طردا ، وجلب جلبا ، وحلب حلبا ، وغلب غلبا ؛ فأي حذف في هذا ، وهل يجوز أن يقال في أكل أكلا وما أشبهه - : حذف منه" ؟ . {فِي بِضْعِ سِنِينَ} حذفت الهاء من {بِضع} فرقا بين المذكر والمؤنث ، وقد مضى الكلام فيه في {يوسف}. وفتحت النون من {سِنِينَ} لأنه جمع مسلم. ومن العرب من يقول {في بضع سنين} كما يقول في {غِسِلين} . وجاز أن يجمع سنة جمع من يعقل بالواو والنون والياء والنون ، لأنه قد حذف منها شيء فجعل هذا الجمع عوضا من النقص الذي في واحده ؛ لأن أصل {سنة} سنهة أو سنوة ، وكسرت السين منه دلالة على أن جمعه. خارج عن قياسه ونمطه ؛ هذا قول البصريين. ويلزم الفراء أن يضمها لأنه يقول : الضمة دليل على الواو وقد حذف من سنة واو في أحد القولين ، ولا يضمها أحد علمناه. قوله تعالى : {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أخبر تعالى بانفراده بالقدرة وأن ما في العالم من غلبة وغيرها إنما هي منه وبإرادته وقدرته فقال {لِلَّهِ الأَمْرُ} أي إنفاذ الأحكام.(14/6){من قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} أي من قبل هذه الغلبة ومن بعدها. وقيل : من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء. و {مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} ظرفان بنيا على الضم ؛ لأنهما تعرفا بحذف ما أضيفا إليهما وصارا متضمنين ما حذف فخالفا تعريف الأسماء وأشبها الحروف في التضمين فبنِيا ، وخصا بالضم لشبههما بالمنادى المفرد في أنه إذا نكر وأضيف زال بناؤه ، وكذلك هما فضما. ويقال : {مِنْ قبلِ وَمِن بعدِ} . وحكى الكسائي عن بعض بني أسد {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} الأول مخفوض منون ، والثاني مضموم بلا تنوين. وحكى الفراء "من قبل ومن بعد" مخفوضين بغير تنوين. وأنكره النحاس ورده. وقال الفراء في كتابه : في القرآن أشياء كثيرة ، الغلط فيها بين ، منها أنه زعم أنه يجوز {مِنْ قبلِ وَمِن بعدِ} وإنما يجوز {مِنْ قبلِ وَمِن بعدِ} على أنهما نكرتان. قال الزجاج : المعنى من متقدم ومن متأخر. {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ} تقدم ذكره. {يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ} يعني من أوليائه ؛ لأن نصره مختص بغلبة أوليائه لأعدائه ، فأما غلبة أعدائه لأوليائه فليس بنصره ، وإنما هو ابتلاء وقد يسمى ظفرا. {وَهُوَ الْعَزِيزُ} في نقمته {الرَّحِيمُ} لأهل طاعته. الآية : [6] {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} الآية : [7] {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} قوله تعالى : {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} لأن كلامه صدق. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} وهم الكفار وهم أكثر. وقيل : المراد مشركو مكة. وانتصب {وَعْدَ اللَّهِ} على المصدر ؛ أي وعد ذلك وعدا. ثم بين تعالى مقدار ما يعلمون فقال : {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} يعني أمر معايشهم ودنياهم : متى يزرعون ومتى يحصدون ، وكيف يغرسون وكيف يبنون ؛ قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة. وقال الضحاك : هو بنيان قصورها ، وتشقيق أنهارها وغرس أشجارها ؛ والمعنى واحد. وقيل : هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا(14/7)عند استراقهم السمع من سماء الدنيا ؛ قاله سعيد بن جبير. وقيل : الظاهر والباطن ؛ كما قال في موضع آخر {أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} قلت : وقول ابن عباس أشبه بظاهر الحياة الدنيا ، حتى لقد قال الحسن : بلغ والله من علم أحدهم بالدنيا أنه ينقد الدرهم فيخبرك بوزنه ولا يحسن أن يصلي. وقال أبو العباس المبرد : قسم كسرى أيامه فقال : يصلح يوم الريح للنوم ، ويوم الغيم للصيد ، ويوم المطر للشرب واللهو ، ويوم الشمس للحوائج. قال ابن خالويه : ما كان أعرفهم بسياسة دنياهم ، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا. {وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ} أي عن العلم بها والعمل لها {هُمْ غَافِلُونَ} قال بعضهم : ومن البلية أن ترى لك صاحبا ... في صورة الرجل السميع المبصر فطنٍ بكل مصيبة في ماله ... وإذا يصاب بدينه لم يشعر الآية : [8] {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} قوله تعالى : {فِي أَنْفُسِهِمْ} ظرف للتفكير وليس بمفعول ، تعدى إليه {يَتَفَكَّرُوا} بحرف جر ؛ لأنهم لم يؤمروا أن يتفكروا في خلق أنفسهم ، إنما أمروا أن يستعملوا التفكر في خلق السموات والأرض وأنفسهم ، حتى يعلموا أن الله لم يخلق السموات وغيرها إلا بالحق. قال الزجاج : في الكلام حذف ، أي فيعلموا ؛ لأن في الكلام دليلا عليه. {إِلاَّ بِالْحَقِّ} قال الفراء : معناه إلا للحق ؛ يعني الثواب والعقاب. وقيل : إلا لإقامة الحق. وقيل : {بِالْحَقِّ} بالعدل. وقيل : بالحكمة ؛ والمعنى متقارب. وقيل : {بِالْحَقِّ} أي أنه هو الحق وللحق خلقها ، وهو الدلالة على توحيده وقدرته. {وَأَجَلٍ مُسَمّىً} أي للسموات والأرض أجل(14/ينتهيان إليه وهو يوم القيامة. وفي هذا تنبيه على الفناء ، وعلى أن لكل مخلوق أجلا ، وعلى ثواب المحسن وعقاب المسيء. وقيل : {وَأَجَلٍ مُسَمّىً} أي خلق ما خلق في وقت سماه لأن يخلق ذلك الشيء فيه. {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} اللام للتوكيد ، والتقدير : لكافرون بلقاء ربهم ، على التقديم والتأخير ؛ أي لكافرون بالبعث بعد الموت. وتقول : إن زيدا في الدار لجالس. ولو قلت : إن زيدا لفي الدار لجالس جاز. فإن قلت : إن زيدا جالس لفي الدار لم يجز ؛ لأن اللام إنما يؤتى بها توكيدا لاسم إن وخبرها ، وإذا جئت بهما لم يجز أن تأتي بها. وكذا إن قلت : إن زيدا لجالس لفي الدار لم يجز. الآية : [9] {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} قوله تعالى : {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا} ببصائرهم وقلوبهم. {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ} أي قلبوها للزراعة ؛ لأن أهل مكة لم يكونوا أهل حرث ؛ قال الله تعالى : {تُثِيرُ الْأَرْضَ} {وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} أي وعمروها أولئك أكثر مما عمروها هؤلاء فلم تنفعهم عمارتهم ولا طول مدتهم. {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي بالمعجزات. وقيل : بالأحكام فكفروا ولم يؤمنوا. {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} بأن أهلكهم بغير ذنب ولا رسل ولا حجة. {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالشرك والعصيان. الآية : [10] {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ}(14/9)قوله تعالى : {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} السوأى فعلى من السوء تأنيث الأسوأ وهو الأقبح ، كما أن الحسنى تأنيث الأحسن ، وقيل : يعني بها ها هنا النار ؛ قاله ابن عباس. ومعنى {أَسَاءُوا} أشركوا ؛ دل عليه {أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ} . {السُّوأَى} : اسم جهنم ؛ كما أن الحسنى اسم الجنة. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ} بالرفع اسم كان ، وذكرت لأن تأنيثها غير حقيقي. و {السُّوءى} خبر كان. والباقون بالنصب على خبر كان. {السُّوءَى} بالرفع اسم كان. ويجوز أن يكون اسمها التكذيب ؛ فيكون التقدير : ثم كان التكذيب عاقبة الذين أساؤوا ويكون السوأى مصدرا لأساؤوا ، أو صفة لمحذوف ؛ أي الخلة السوأى. وروي عن الأعمش أنه قرأ {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءُ} برفع السوء. قال النحاس : السوء أشد الشر ؛ والسوأى الفعلى منه. {أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ} أي لأن كذبوا ؛ قاله الكسائي. وقيل : بأن كذبوا. وقيل بمحمد والقرآن ؛ قاله الكلبي. مقاتل : بالعذاب أن ينزل بهم. الضحاك : بمعجزات محمد صلى الله عليه وسلم {وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} . الآية : [11] {اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} الآية : [12] {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} الآية : [13] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} قرأ أبو عمرو وأبو بكر {يرجعون} بالياء. الباقون بالتاء. {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} وقرأ أبو عبدالرحمن السلمي {يُبْلِسُ} بفتح اللام ؛ والمعروف في اللغة : أبلس الرجل إذا سكت وانقطعت حجته ، ولم يؤمل أن يكون له حجة. وقريب منه : تحير ؛ كما قال العجاج : يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ... قال نعم أعرفه وأبلسا(14/10)وقد زعم بعض النحويين أن إبليس مشتق من هذا ، وأنه أبلس لأنه انقطعت حجته. النحاس : ولو كان كما قال لوجب أن ينصرف ، وهو في القرآن غير منصرف. الزجاج : المبلس الساكت المنقطع في حجته ، اليائس من أن يهتدي إليها. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ} أي ما عبدوه من دون الله {شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} قالوا ليسوا بآلهة فتبرؤوا منها وتبرأت منهم ؛ حسبما تقدم في غير موضع. الآية : [14] {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} الآية : [15] {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} قوله تعالى : {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} يعني المؤمنين من الكافرين ؛ ثم بين كيف تفريقهم فقال : {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} قال النحاس : سمعت الزجاج يقول : معنى {أمّا} دع ما كنا فيه وخذ في غيره. وكذا قال سيبويه : إن معناها مهما كنا في شيء فخذ في غير ما كنا فيه. {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} قال الضحاك : الروضة الجنة ، والرياض الجنان. وقال أبو عبيد : الروضة ما كان في تسفل ، فإذا كانت مرتفعة فهي ترعة. وقال غيره : أحسن ما تكون الروضة إذا كانت في موضع مرتفع غليظ ؛ كما قال الأعشى : ما روضة من رياض الحزن معشبة ... خضراء جاد عليها مسبل هطل يضاحك الشمس منها كوكب شرق ... مؤزر بعميم النبت مكتهل يوما بأطيب منها نشر رائحة ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل إلا أنه لا يقال لها روضة إلا إذا كان فيها نبت ، فإن لم يكن فيها نبت وكانت مرتفعة فهي ترعة. وقد قيل في الترعة غير هذا. وقال القشيري : والروضة عند العرب ما ينبت حول(14/11)الغدير من البقول ؛ ولم يكن عند العرب شيء أحسن منه. الجوهري : والجمع روض ورياض ، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها. والروض : نحو من نصف القربة ماء. وفي الحوض روضة من ماء إذا غطى أسفله. وأنشد أبو عمرو : وروضة سقيت منها نِضوتي {يُحْبَرُونَ} قال الضحاك وابن عباس : يكرمون. وقيل ينعمون ؛ وقاله مجاهد وقتادة. وقيل يسرون. السدي : يفرحون. والحبرة عند العرب : السرور والفرح ؛ ذكره الماوردي. وقال الجوهري : الحبر : الحبور وهو السرور ؛ ويقال : حبره يحبره "بالضم" حبرا وحبرة ؛ قال تعالى : {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} أي ينعمون ويكرمون ويسرون. ورجل يحبور يفعول من الحبور. النحاس : وحكى الكسائي حبرته أي أكرمته ونعمته. وسمعت علي بن سليمان يقول : هو مشتق من قولهم : على أسنانه حبرة أي أثر ؛ فـ {يحبرون} يتبين عليهم أثر النعيم. والحبر مشتق من هذا. قال الشاعر : لا تملأ الدلو وعرق فيها ... أما ترى حبار من يسقيها وقيل : أصله من التحبير وهو التحسين ؛ فـ {يُحْبَرُونَ} يحسنون. يقال : فلان حسن الحبر والسبر إذا كان جميلا حسن الهيئة. ويقال أيضا : فلان حسن الحبر والسبر "بالفتح" ؛ وهذا كأنه مصدر قولك : حبرته حبرا إذا حسنته. والأول اسم ؛ ومنه الحديث : "يخرج رجل من النار ذهب حبره وسبره" وقال يحيى بن أبي كثير {فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} قال : السماع في الجنة ؛ وقاله الأوزاعي ، قال : إذا أخذ أهل الجنة في السماع لم تبق شجرة في الجنة إلا رددت الغناء بالتسبيح والتقديس. وقال الأوزاعي : ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سموات صلاتهم وتسبيحهم. زاد غير الأوزاعي : ولم تبق شجرة في الجنة إلا رددت ، ولم يبق ستر ولا باب إلا ارتج وانفتح ، ولم تبق حلقة(14/12)إلا طنت بألوان طنينها ، ولم تبق أجمة من أجام الذهب إلا وقع أهبوب الصوت في مقاصبها فزمرت تلك المقاصب بفنون الزمر ، ولم تبق جارية من جوار الحور العين إلا غنت بأغانيها ، والطير بألحانها ، ويوحي الله تبارك وتعالى إلى الملائكة أن جاوبوهم وأسمعوا عبادي الذين نزهوا أسماعهم عن مزامير الشيطان فيجاوبون بألحان وأصوات روحانيين فتختلط هذه الأصوات فتصير رجة واحدة ، ثم يقول الله جل ذكره : يا داود قم عند ساق عرشي فمجدني ؛ فيندفع داود بتمجيد ربه بصوت يغمر الأصوات ويجليها وتتضاعف اللذة ؛ فذلك قوله تعالى : {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ}. ذكره الترمذي الحكيم رحمه الله. وذكر الثعلبي من حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الناس ؛ فذكر الجنة وما فيها من الأزواج والنعيم ؛ وفي أخريات القوم أعرابي فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من سماع ؟ فقال : "نعم يا أعرابي ، إن في الجنة لنهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء خمصانية يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط فذلك أفضل نعيم الجنة" فسأل رجل أبا الدرداء : بماذا يتغنين ؟ فقال : بالتسبيح. والخمصانية : المرهفة الأعلى ، الخمصانة البطن ، الضخمة الأسفل. قلت : وهذا كله من النعيم والسرور والإكرام ؛ فلا تعارض بين تلك الأقوال. وأين هذا من قوله الحق : {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} على ما يأتي. وقوله عليه السلام : "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". وقد روي : "إن في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة ، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحا من تحت العرش فتقع في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا". ذكره الزمخشري.(14/13)الآية : [16] {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} قوله تعالى : {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا} تقدم الكلام فيه. {وَلِقَاءِ الآخِرَةِ} أي بالبعث. {فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} أي مقيمون. وقيل : مجموعون. وقيل : معذبون. وقيل : نازلون ؛ ومنه قوله تعالى : {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} أي نزل به ؛ قاله ابن شجرة ، والمعنى متقارب. الآية : [17] {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الآية : [18] {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} فيه ثلاث مسائل : الأولي- قوله تعالى : {فَسُبْحَانَ اللَّهِ} الآية فيه ثلاثة أقوال : الأول : أنه خطاب للمؤمنين بالأمر بالعبادة والحض على الصلاة في هذه الأوقات. قال ابن عباس : الصلوات الخمس في القرآن ؛ قيل له : أين ؟ فقال : قال الله تعالى : {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} صلاة المغرب والعشاء {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} صلاة الفجر {وَعَشِيّاً} العصر {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} الظهر ؛ وقاله الضحاك وسعيد بن جبير. وعن ابن عباس أيضا وقتادة : أن الآية تنبيه على أربع صلوات : المغرب والصبح والعصر والظهر ؛ قالوا : والعشاء الآخرة هي في آية أخرى في {وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ} وفي ذكر أوقات العورة. وقال النحاس : أهل التفسير على أن هذه الآية {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} في الصلوات. وسمعت على بن سليمان يقول : حقيقته عندي : فسبحوا الله في الصلوات ، لأن التسبيح في الصلاة ؛ وهو القول الثاني. والقول الثالث : فسبحوا الله حين تمسون وحين تصبحون ؛ ذكره الماوردي. وذكر القول(14/14)الأول ، ولفظه فيه : فصلوا لله حين تمسون وحين تصبحون. وفي تسمية الصلاة بالتسبيح وجهان : أحدهما : لما تضمنها من ذكر التسبيح في الركوع والسجود. الثاني : مأخوذ من السبحة والسبحة الصلاة ؛ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "تكون لهم سبحة يوم القيامة" أي صلاة. الثانية- قوله تعالى : {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} اعتراض بين الكلام بدؤوب الحمد على نعمه وألائه. وقيل : معنى {وَلَهُ الْحَمْدُ} أي الصلاة له لاختصاصها بقراءة الحمد. والأول أظهر ؛ فإن الحمد لله من نوع تعظيم الله تعالى والحض على عبادته ودوام نعمته ؛ فيكون نوعا آخر خلاف الصلاة ، والله أعلم. وبدأ بصلاة المغرب لأن الليل يتقدم النهار. وفي سورة {سبحان} بدأ بصلاة الظهر إذ هي أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم. الماوردي : وخص صلاة الليل باسم التسبيح وصلاة النهار باسم الحمد لأن للإنسان في النهار متقلبا في أحوال توجب حمد الله تعالى عليها ، وفي الليل على خلوة توجب تنزيه الله من الأسواء فيها ؛ فلذلك صار الحمد بالنهار أخص فسميت به صلاة النهار ، والتسبيح بالليل أخص فسميت به صلاة الليل. الثالثة- قرأ عكرمة {حِينَا تُمْسُونَ وَحِينَا تُصْبِحُونَ} والمعنى : حينا تمسون فيه وحينا تصبحون فيه ؛ فحذف فيه تخفيفا ، والقول فيه كالقول في {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} {وَعَشِيّاً} قال الجوهري : العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة ؛ تقول : أتيته عشية أمس وعشي أمس. وتصغير العشي : عشيان ، على غير قياس مكبره ؛ كأنهم صغروا عشيانا ، والجمع عشيانات. وقيل أيضا في تصغيره : عشيشيان ، والجمع عشيشيات. وتصغير العشية عشيشية ، والجمع عشيشيات. والعشاء "بالكسر والمد" مثل العشي. والعشاء إن المغرب والعتمة. وزعم قوم أن العشاء من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ، وأنشدوا : غدونا غدوة سحرا بليل ... عشاء بعدما انتصف النهارالماوردي : والفرق بين المساء والعشاء : أن المساء بدو الظلام بعد المغيب ، والعشاء آخر النهار عند ميل الشمس للمغيب ، وهو مأخوذ من عشا العين وهو نقص النور من الناظر كنقص نور الشمس.(14/15) | |
|
somiya gutbi salim دويمابي برتبة عريف
عدد الرسائل : 87
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن الجمعة 11 مايو - 0:32 | |
| [b]شكرا استاذ فوزى على الطرح والشرح المفيد[/b] | |
|
فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن السبت 12 مايو - 21:00 | |
|
أدعو الله لكم بثواب قراءته ألف حسنة عن كل حرف...
| |
|