" صفحة رقم 361 "
العنكبوت : ) 61 ( ولئن سألتهم من . . . . .) العنكبوت 61 : 62 (
قوله تعالى : ) ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ( الآية لما عير المشركون المسلمين بالفقر وقالوا لو كنتم على حق لم تكونوا فقراء وكان هذا تمويها وكان في الكفار فقراء أيضا أزال الله هذه الشبهة وكذا قول من قال إن هاجرنا لم نجد ما ننفق أي فإذا اعترفتم بأن الله خالق هذه الأشياء فكيف تشكون في الرزق فمن بيده تكوين الكائنات لا يعجز عن رزق العبد ولهذا وصله بقوله تعالى : الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ) فأنى يؤفكون ( أي كيف يكفرون بتوحيدي وينقلبون عن عبادتي ) الله يبسط الرزق لمن يشاء ( أي لا يختلف أمر الرزق بالإيمان والكفر فالتوسيع والتقتير منه فلا تعيير بالفقر فكل شيء بقضاء وقدر ) إن الله بكل شيء عليم ( من أحوالكم وأموركم وقيل : عليم بما يصلحكم من إقتار وتوسيع
العنكبوت : ) 63 ( ولئن سألتهم من . . . . .) العنكبوت 63 : 64 (
قوله تعالى : ) ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء ( أي من السحاب مطرا ) فاحيا به الأرض من بعد موتها ( أي جدبها وقحط أهلها ) ليقولن الله ( أي فإذا أقررتم بذلك فلم تشركون به وتنكرون الإعادة وإذا قدر على ذلك فهو القادر على إغناء المؤمنين فكرر تأكيدا ) قل الحمد لله ( أي على ما أوضح من الحجج والبراهين على قدرته ) بل أكثرهم لا يعقلون (
(13/361)
" صفحة رقم 362 "
أي لا يتدبرون هذه الحجج وقيل : الحمد لله على إقرارهم بذلك وقيل : على إنزال الماء وإحياء الأرض ) وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ( أي شيء يلهى به ويلعب أي ليس ما أعطاه الله الأغنياء من الدنيا إلا وهو يضمحل ويزول كاللعب الذي لا حقيقة له ولا ثبات قال بعضهم : الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها وأنشد : تروح لنا الدنيا بغير الذي غدت وتحدث من بعد الأمور أمور وتجري الليالي باجتماع وفرقة وتطلع فيها أنجم وتغور فمن ظن أن الدهر باق سروره فذاك محال لا يدوم سرور عفا الله عمن صير الهم واحدا وأيقن أن الدائرات تدور قلت : وهذا كله في أمور الدنيا من المال والجاه والملبس الزائد على الضروري الذي به قوام العيش والقوة على الطاعات وأما ما كان منها لله فهو من الآخرة وهو الذي يبقى كما قال : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام أي ما ابتغى به ثوابه ورضاه ) وإن الدارالآخرة لهي الحيوان ( أي دار الحياة الباقية التي لا تزول ولا موت فيها وزعم أبو عبيدة : أن الحيوان والحياة والحي بكسر الحاء واحد كما قال : وقد ترى إذ الحياة حي وغيره يقول : إن الحي جمع على فعول مثل عصي والحيوان يقع على كل شيء حي وحيوان عين في الجنة وقيل : أصل حيوان حييان فأبدلت إحداهما واوا لإجتماع المثلين ) لو كانوا يعلمون ( أنها كذلك
العنكبوت : ) 65 ( فإذا ركبوا في . . . . .) العنكبوت 65 : 66 (
(13/362)
" صفحة رقم 363 "
قوله تعالى : ) فإذا ركبوا في الفلك ( يعني السفن وخافوا الغرق ) دعوا الله مخلصين له الدين ( أي صادقين في نياتهم وتركوا عبادة الأصنام ودعاءها ) فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ( أي يدعون معه غيره وما لم ينزل به سلطانا وقيل : إشراكهم أن يقول قائلهم لولا الله والرئيس أو الملاح لغرقنا فيجعلون ما فعل الله لهم من النجاة قسمة بين الله وبين خلقه قوله تعالى : ) ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا ( قيل : هما لام كي أي لكي يكفروا ولكي يتمتعوا وقيل : إذا هم يشركون ليكون ثمرة شركهم أن يجحدوا نعم الله ويتمتعوا بالدنيا وقيل : هما لام أمر معناه التهديد والوعيد أي اكفروا بما أعطيناكم من النعمة والنجاة من البحر وتمتعوا ودليل هذا قراءة أبي وتمتعوا بن الأنباري : ويقوي هذا قراءة الأعمش ونافع وحمزة : وليتمتعوا بجزم اللام النحاس : وليتمتعوا لام كي ويجوز أن تكون لام أمر لأن أصل لام الأمر الكسر إلا أنه أمر فيه معنى التهديد ومن قرأ وليتمتعوا بإسكان اللام لم يجعلها لام كي لأن لام كي لا يجوز إسكانها وهي قراءة بن كثير والمسيبي وقالون عن نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم الباقون بكسر اللام وقرأ أبو العالية : ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون تهديد ووعيد
العنكبوت : ) 67 ( أو لم يروا . . . . .) العنكبوت 67 : 68 (
قوله تعالى : ) أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ( قال عبد الرحمن بن زيد : هي مكة وهم قريش أمنهم الله تعالى فيها ) ويتخطف الناس من حولهم ( قال الضحاك : يقتل بعضهم بعضا ويسبي بعضهم بعضا والخطف الأخذ بسرعة وقد مضى في القصص
(13/363)
" صفحة رقم 364 "
وغيرها فأذكرهم الله عز وجل هذه النعمة ليذعنوا له بالطاعة أي جعلت لهم حرما آمنا أمنوا فيه من السبي والغارة والقتل وخلصتهم في البر كما خلصتهم في البحر فصاروا يشركون في البر ولا يشركون في البحر فهذا تعجب من تناقض أحوالهم ) أفبالباطل يؤمنون ( قال قتادة : أفبالشرك وقال يحيى بن سلام : أفبإبليس ) وبنعمة الله يكفرون ( قال بن عباس : أفبعافية الله وقال بن شجرة : أفبعطاء الله وإحسانه وقال بن سلام : أفبما جاء به النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الهدى وحكى النقاش : أفبإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف يكفرون وهذا تعجب وإنكار خرج مخرج الإستفهام قوله تعالى : ) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ( أي لا أحد أظلم ممن جعل مع الله شريكا وولدا وإذا فعل فاحشة قال : وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ) أو كذب بالحق لما جاءه ( قال يحيى بن سلام : بالقرآن وقال السدي : بالتوحيد وقال بن شجرة : بمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) وكل قول يتناول القولين ) أليس في جهنم مثوى للكافرين ( أي مستقر وهو استفهام تقرير
العنكبوت : ) 69 ( والذين جاهدوا فينا . . . . .) العنكبوت 69 (
قوله تعالى : ) والذين جاهدوا فينا ( أي جاهدوا الكفار فينا أي في طلب مرضاتنا وقال السدي وغيره : إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال قال بن عطية : فهي قبل الجهاد العرفي وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته قال الحسن بن أبي الحسن : الآية في العباد وقال بن عباس وإبراهيم بن أدهم : هي في الذين يعملون بما يعلمون وقد قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ) من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم ) ونزع بعض العلماء إلى قوله : واتقوا الله ويعلمكم الله وقال عمر بن عبد العزيز : إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا قال الله تعالى : واتقوا الله ويعلمكم الله وقال أبو سليمان الداراني : ليس الجهاد في الآية
(13/364)
" صفحة رقم 365 "
قتال الكفار فقط بل هو نصر الدين والرد على المبطلين وقمع الظالمين وعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر وقال سفيان بن عيينة لإبن المبارك : إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول : لنهدينهم وقال الضحاك : معنى الآية والذين جاهدوا في الهجرة لنهدينهم سبل الثبات على الإيمان ثم قال : مثل السنة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى من دخل الجنة في العقبى سلم كذلك من لزم السنة في الدنيا سلم وقال عبد الله بن عباس : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا وهذا يتناول بعموم الطاعة جميع الأقوال ونحوه قول عبد الله بن الزبير قال : تقول الحكمة من طلبني فلم يجدني فليطلبني في موضعين : أن يعمل بأحسن ما يعلمه ويجتنب أسوأ ما يعلمه وقال الحسن بن الفضل : فيه تقديم وتأخير أي الذين هديناهم هم الذين جاهدوا فينا ) لنهدينهم سبلنا ( أي طريق الجنة قاله السدي النقاش : يوفقهم لدين الحق وقال يوسف بن أسباط : المعنى لنخلصن نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم ) وإن الله لمع المحسنين ( لام تأكيد ودخلت في مع على أحد وجهين : أن يكون إسما ولام التوكيد إنما تدخل على الأسماء أو حرفا فتدخل عليها لأن فيها معنى الإستقرار كما تقول إن زيدا لفي الدار ومع إذا سكنت فهي حرف لا غير وإذا فتحت جاز أن تكون إسما وأن تكون حرفا والأكثر أن تكون حرفا جاء لمعنى وتقدم معنى الإحسان والمحسنين في البقرة وغيرها وهو سبحانه معهم بالنصرة والمعونة والحفظ والهداية ومع الجميع بالإحاطة والقدرة فبين المعيتين بون.
(13/365)