منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 26 أكتوبر - 1:37




الجزء 11 من الطبعة
سورة الكهف




[60] {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً}
فيه أربع مسائل :
الأولى ـ قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} الجمهور من العلماء وأهل التاريخ أنه موسى بن عمران المذكور في القرآن ليس فيه موسى غيره. وقالت فرقة منها نوف البكالي : إنه ليس ابن عمران وإنما هو موسى بن منشا بن يوسف بن يعقوب وكان نبيا قبل موسى بن عمران. وقد رد هذا القول ابن عباس في صحيح البخاري وغيره. وفتاه : هو يوشع بن نون. وقد مضى ذكره في "المائدة" وآخر "يوسف". ومن قال هو ابن منشا فليس الفتى يوشع بن نون. {لا أَبْرَحُ} أي لا أزال أسير ؛ قال الشاعر :
وأبرح ما أدام الله قومي ... بحمد الله منتطقا مجيدا
وقيل : {لا أَبْرَحُ} لا أفارقك. {حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} أي ملتقاهما. قال قتادة : وهو بحر فارس والروم ؛ وقال مجاهد. قال ابن عطية : وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان ، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام هو مجمع البحرين على هذا القول. وقيل : هما بحر الأردن وبحر القلزم. وقيل : مجمع البحرين عند طنجة ؛ قال محمد بن كعب. وروي عن أبي بن كعب أنه بأفريقية. وقال السدي : الكر والرس بأرمينية. وقال بعض أهل العلم : هو بحر الأندلس من البحر المحيط ؛ حكاه النقاش ؛ وهذا مما يذكر كثيرا. وقالت فرقة : إنما هما موسى والخضر ؛ وهذا قول ضعيف ؛ وحكي عن ابن عباس ، ولا يصح ؛ فإن الأمر بين من الأحاديث أنه إنما وسم له بحر ماء.
وسبب هذه القصة ما خرجه الصحيحان عن أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن موسى عليه السلام قام خطيبا
(11/9)



في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه إن لي عبد ا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم..." وذكر الحديث ، واللفظ للبخاري. وقال ابن عباس : "لما ظهر موسى وقومه على أرض مصر أنزل قومه مصر ، فلما استقرت بهم الدار أمره الله أن ذكّرهم بأيام الله ، فخطب قومه فذكرهم ما آتاهم الله من الخير والنعمة إذ نجاهم من آل فرعون ، وأهلك عدوهم ، واستخلفهم في الأرض ، ثم قال : وكلم الله نبيكم تكليما ، واصطفاه لنفسه ، وألقى علي محبة منه ، وآتاكم من كل ما سألتموه ، فجعلكم أفضل أهل الأرض ، ورزقكم العز بعد الذل ، والغنى بعد الفقر ، والتوراة بعد أن كنتم جهالا ؛ فقال له رجل من بني إسرائيل : عرفنا الذي تقول ، فهل على وجه الأرض أحد أعلم منك يا نبي الله ؟ قال : لا ؛ فعتب عليه حين لم يرد العلم إليه ، فبعث الله جبريل : أن يا موسى وما يدريك أين أضع علمي ؟ بلى إن لي عبد ا بمجمع البحرين أعلم منك..." وذكر الحديث. قال علماؤنا : قوله في الحديث : "هو أعلم منك" أي بأحكام وقائع مفصلة ، وحكم نوازل معينة ، لا مطلقا بدليل قول الخضر لموسى : "إنك على علم علمكه الله لا أعلمه أنا ، وأنا على علم علمنيه لا تعلميه أنت" وعلى هذا فيصدق على كل واحد منهما أنه أعلم من الآخر بالنسبة إلى ما يعلمه كل واحد منهما ولا يعلمه الآخر ، فلما سمع موسى هذا تشوقت نفسه الفاضلة ، وهمته العالية ، لتحصيل علم ما لم يعلم ، وللقاء من قيل فيه : إنه أعلم منك ؛ فعزم فسأل سؤال الذليل بكيف السبيل ، فأمر بالارتحال على كل حال وقيل له احمل معك حوتا مالحا في مكتل - وهو الزنبيل فحيث يحيا وتفقده فثم السبيل ، فانطلق مع فتاه لما واتاه ، مجتهدا طلبا قائلا : {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} . {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} بضم الحاء والقاف وهو الدهر ، والجمع أحقاب. وقد تسكن قافه فيقال حقب. وهو ثمانون سنة. ويقال : أكثر من ذلك. والجمع حقاب والحقبة بكسر الحاء واحدة الحقب وهي السنون.
(11/10)



الثانية ـ في هذا من الفقه رحلة العالم في طلب الازدياد من العلم ، والاستعانة على ذلك بالخادم والصاحب ، واغتنام لقاء الفضلاء والعلماء وإن بعدت أقطارهم ، وذلك كان في دأب السلف الصالح ، وبسبب ذلك وصل المرتحلون إلى الحظ الراجح ، وحصلوا على السعي الناجح ، فرسخت لهم في العلوم أقدام ، وصح لهم من الذكر والأجر والفضل أفضل الأقسام قال. البخاري : ورحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث.
الثالثة ـ قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} للعلماء فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان معه يخدمه ، والفتى في كلام العرب الشاب ، ولما كان الخدمة أكثر ما يكونون فتيانا قيل للخادم فتى على جهة حسن الأدب ، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يقل أحدكم عبد ي ولا أمتي وليقل فتاي وفتاتي" فهذا ندب إلى التواضع ؛ وقد تقدم هذا في "يوسف". والفتى في الآية هو الخادم وهو يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام. ويقال : هو ابن أخت موسى عليه السلام. وقيل : إنما سمي فتى موسى لأنه لزمه ليتعلم منه وإن كان حرا ؛ وهذا معنى الأول. وقيل : إنما سماه فتى لأنه قام مقام الفتى وهو العبد ، قال الله تعالى : {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ...} وقال : {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ...} قال ابن العربي : فظاهر القرآن يقتضي أنه عبد ، وفي الحديث : "أنه كان يوشع بن نون" وفي التفسير : أنه ابن أخته ، وهذا كله مما لا يقطع به ، والتوقف فيه أسلم.
الرابعة ـ {أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} قال عبد الله بن عمر : "والحقب ثمانون سنة" مجاهد : سبعون خريفا. قتادة : زمان ، النحاس : الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود ؛ كما أن رهطا وقوما مبهم غير محدود : وجمعه أحقاب.
(11/11)



[61] {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً}
[62] {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً}
[63] {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً}
[64] {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً}
[65] {فَوَجَدَا عبد اً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً}
قوله تعالى : {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً}
الضمير في قوله : {بَيْنِهِمَا} للبحرين ؛ قال مجاهد. والسرب المسلك ؛ قال مجاهد. وقال قتادة : جمد الماء فصار كالسراب. وجمهور المفسرين أن الحوت بقي موضع سلوكه فارغا ، وأن موسى مشى عليه متبعا للحوت ، حتى أفضى به الطريق إلى جزيرة في البحر ، وفيها وجد الخضر. وظاهر الروايات والكتاب أنه إنما وجد الخضر في ضفة البحر وقوله : {نَسِيَا حُوتَهُمَا} وإنما كان النسيان من الفتى وحده فقيل : المعنى ؛ نسي أن يعلم موسى بما رأى من حال فنسب النسيان إليهما للصحبة ، كقوله تعالى : {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وإنما يخرج من الملح ، وقوله : {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ...} وإنما الرسل من الإنس لا من الجن وفي البخاري ؛ "فقال لفتاه : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ، قال : ما كلفت كثيرا ؛ فذلك قوله عز وجل : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ...} يوشع بن نون - ليست عن سعيد - قال فبينا هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ تضرب الحوت وموسى نائم
(11/12)



فقال فتاه : لا أوقظه ؛ حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره ، وتضرب الحوت حتى دخل البحر ، فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كأن أثره في حجر ؛ قال لي عمرو : هكذا كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما" وفي رواية "وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار مثل الطاق ، فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ، حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه : {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به ، فقال له فتاه : {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} وقيل : إن النسيان كان منهما لقوله تعالى : {نَسِيَا} فنسب النسيان إليهما ؛ وذلك أن بدو حمل الحوت كان من موسى لأنه الذي أمر به ، فلما مضيا كان فتاه الحامل له حتى أويا إلى الصخرة نزلا. { فَلَمَّا جَاوَزَا} يعني الحوت هناك منسياً - أي متروكاً - فلما سأل موسى الغداء نسب الفتى النسيان إلى نفسه عند المخاطبة ، وإنما ذكر الله نسيانهما عند بلوغ مجمع البحرين. وهو الصخرة ، فقد كان موسى شريكا في النسيان لأن النسيان التأخير ؛ من ذلك قولهم في الدعاء : أنسأ الله في أجلك. فلما مضيا من الصخرة أخرا حوتهما عن حمله فلم يحمله واحد منهما فجاز أن ينسب إليهما لأنهما مضيا وتركا الحوت.
قوله تعالى : {آتِنَا غَدَاءَنَا} فيه مسألة واحدة ، وهو اتخاذ الزاد في الأسفار ، وهو رد على الصوفية الجهلة الأغمار ، الذين يقتحمون المهامه والقفار ، زعما منهم أن ذلك هو التوكل على الله الواحد القهار ؛ هذا موسى نبي الله وكليمه من أهل الأرض قد اتخذ الزاد مع معرفته بربه ، وتوكله على رب العباد. وفي صحيح البخاري "إن ناسا من أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون ، ويقولون : نحن المتوكلون ، فإذا قدموا سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى {وَتَزَوَّدُوا} وقد مضى هذا في "البقرة". واختلف في زاد موسى ؛ فقال ابن عباس : كان حوتا مملوحا في زنبيل ، وكانا يصيبان منه غداء وعشاء ، فلما انتهيا إلى
(11/13)



الصخرة على ساحل البحر ، وضع فتاه المكتل ، فأصاب الحوت جري البحر فتحرك الحوت في المكتل ، فقلب المكتل وانسرب الحوت ، ونسي الفتى أن يذكر قصة الحوت لموسى. وقيل : إنما كان الحوت دليلا على موضع الخضر لقوله في الحديث : "أحمل معك حوتا في مكتل فحيث فقدت الحوت فهو ثم" على هذا فيكون تزودا شيئا آخر غير الحوت ، وهذا ذكره شيخنا الإمام أبو العباس واختاره. وقال ابن عطية : قال أبي رضي الله عنه ، سمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظه : مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوما لم يحتج إلى طعام ، ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم. وقوله : {نَصَباً} أي تعبا ، والنصب التعب والمشقة. وقيل : عنى به هنا الجوع ، وفي هذا دليل على جواز الإخبار بما يجده الإنسان من الألم والأمراض ، وأن ذلك لا يقدح في الرضا ، ولا في التسليم للقضاء لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا سخط.
قوله تعالى : {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} أن مع الفعل بتأويل المصدر ، وهو منصوب بدل اشتمال من الضمير في {أَنْسَانِيهُ} وهو بدل الظاهر من المضمر ، أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان ؛ وفي مصحف عبد الله {وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان} . وهذا إنما ذكره يوشع في معرض الاعتذار لقول موسى : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت ؛ فقال : ما كلفت كثيرا ، فاعتذر بذلك القول.
قوله تعالى : {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى ؛ أي اتخذ الحوت سبيله عجبا للناس ويحتمل أن يكون قوله : {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ} تمام الخبر ، ثم استأنف التعجيب فقال من نفسه : {عَجَباً} لهذا الأمر. وموضع العجب أن يكون حوت قد مات فأكل شقه الأيسر ثم حي بعد ذلك. قال أبو شجاع في كتاب الطبري : رأيته - أتيت به - فإذا هو شق حوت وعين واحدة ، وشق آخر ليس فيه شيء قال ابن عطية : وأنا رأيته والشق الذي ليس فيه شيء عليه قشرة رقيقة ليست تحتها شوكه. ويحتمل أن يكون قوله : {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ} إخبارا من الله تعالى ، وذلك على وجهين : إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر عجبا ، أي تعجب منه وإما أن يخبر
(11/14)



عن الحوت أنه اتخذ سبيله عجبا للناس. ومن غريب ما روي في البخاري عن ابن عباس من قصص هذه الآية : "أن الحوت إنما حيي لأنه مسه ماء عين هناك تدعى عين الحياة ، ما مست قط شيئا إلا حيي" وفي التفسير : إن العلامة كانت أن يحيا الحوت ؛ فقيل : لما نزل موسى بعد ما أجهده السفر على صخرة إلى جنبها ماء الحياة أصاب الحوت شيء من ذلك الماء فحيي. وقال الترمذي في حديثه قال سفيان : "يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ، ولا يصيب ماؤها شيئا إلا عاش ، قال : وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش" وذكر صاحب كتاب العروس : أن موسى عليه السلام توضأ من عين الحياة فقطرت من لحيته على الحوت قطرة فحيي ؛ والله أعلم.
قوله تعالى : {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} أي قال موسى لفتاه أمر الحوت وفقده هو الذي كنا نطلب ، فإن الرجل الذي جئنا له ثمَّ ؛ فرجعا يقصان أثارهما لئلا يخطئا طريقهما. وفي البخاري : "فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى بثوبه ، قد جعل طرفه تحت رجليه ، وطرفه تحت رأسه ، فسلم عليه موسى ، فكشف عن وجهه وقال : هل بأرضك من سلام ؟ من أنت ؟ قال : أنا موسى. قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم. قال : فما شأنك ؟ قال جئت لتعلمني مما علمت رشدا..." الحديث. وقال الثعلبي في كتاب العرائس : "إن موسى وفتاه وجدا الخضر وهو نائم على طنفسة خضراء على وجه الماء وهو متشح بثوب أخضر فسلم عليه موسى ، فكشف عن وجهه فقال : وأنى بأرضنا السلام ؟ ثم رفع رأسه واستوى جالسا وقال : وعليك السلام يا نبي بني إسرائيل ، فقال له موسى : وما أدراك بي ؟ ومن أخبرك أني نبي بني إسرائيل ؟ قال : الذي أدراك بي ودلك علي ؛ ثم قال : يا موسى لقد كان لك في بني إسرائيل شغل ، قال موسى : إن ربي أرسلني إليك لأتبعك وأتعلم من علمك ، ثم جلسا يتحدثان ، فجاءت خطافة وحملت بمنقارها من الماء..." وذكر الحديث على ما يأتي.
(11/15)



قوله تعالى : {فَوَجَدَا عبد اً مِنْ عِبَادِنَا} العبد هو الخضر عليه السلام في قول الجمهور ، وبمقتضى الأحاديث الثابتة وخالف من لا يعتد بقوله ، فقال : ليس صاحب موسى بالخضر بل هو عالم آخر وحكى أيضا هذا القول القشيري ، قال : وقال قوم هو عبد صالح ، والصحيح أنه كان الخضر ؛ بذلك ورد الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد : سمي الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله ، وروى الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء" هذا حديث صحيح غريب. الفروة هنا وجه الأرض ؛ قاله الخطابي وغيره. والخضر نبي عند الجمهور. وقيل : هو عبد صالح غير نبي ، والآية تشهد بنبوته لأن بواطن أفعاله لا تكون إلا بوحي.وأيضا فان الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من فوقه ، وليس يجوز أن يكون فوق النبي من ليس نبي وقيل : كان ملكا أمر الله موسى أن يأخذ عنه مما حمله من علم الباطن. والأول الصحيح ؛ والله أعلم.
قوله تعالى : {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} الرحمة في هذه الآية النبوة وقيل : النعمة. {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} أي علم الغيب ، ابن عطية : كان علم الخضر علم معرفة بواطن قد أوحيت إليه ، لا تعطي ظواهر الأحكام أفعاله بحسبها ؛ وكان علم موسى علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم.
[66] {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً}
[67] {قال إنك لن تستطيع معي صبرا}
[68] {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا}
[69] {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا}
[70] {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا}
(11/16)



قوله تعالى : {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} فيه مسألتان :
الأولى ـ قوله تعالى : { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ} هذا سؤال الملاطف ، والمخاطب المستنزل المبالغ في حسن الأدب ، المعنى : هل يتفق لك ويخف عليك ؟ وهذا كما في الحديث : "هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ؟ ..." وعلى بعض التأويلات يجيء كذلك قوله تعالى : {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً...} [المائدة : 112] حسب ما تقدم بيانه في "المائدة".
في هذه الآية دليل أن المتعلم تبع للعالم وإن تفاوتت المراتب ، ولا يظن أن في تعلم موسى من الخضر يدل على أن الخضر كان أفضل منه ، فقد يشذ عن الفاضل ما يعلمه المفضول ، والفضل لمن فضله الله ؛ فالخضر إن كان وليا فموسى أفضل منه ، لأنه نبي والنبي أفضل من الولي ، وإن كان نبيا فموسى فضله بالرسالة. والله أعلم. {رُشْداً} مفعول ثان بـ {تعلمني } . {قَالَ} الخضر. {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} أي إنك يا موسى لا تطيق أن تصبر على ما تراه من علمي ؛ لأن الظواهر التي هي علمك لا تعطيه ، وكيف تصبر على ما تراه خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه ، ولا طريق الصواب ، وهو معنى قوله : {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} والأنبياء لا يقرون على منكر ، لا يجوز لهم التقرير أي لا يسعك السكوت جريا على عادتك وحكمك. وانتصب {خُبْراً} على التمييز المنقول عن الفاعل. وقيل : على المصدر الملاقى في المعنى ، لأن قوله : {لَمْ تُحِطْ } . معناه لم تخبره ، فكأنه قال : لم تخبره خبرا ؛ وإليه أشار مجاهد والخبير بالأمور هو العالم بخفاياها وبما يختبر منها.
قوله تعالى : {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً} أي سأصبر بمشيئة الله. {وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} أي قد ألزمت نفسي طاعتك وقد اختلف في الاستثناء ، هل هو يشمل قوله : {وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} أم لا ؟ فقيل : يشمله كقوله : {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} وقيل : استثنى في الصبر فصبر ، وما استثنى في قوله : {وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} فاعترض
(11/17)



وسأل ، قال علماؤنا : إنما كان ذلك منه ؛ لأن الصبر أمر مستقبل ولا يدرى كيف ، يكون حاله فيه ، ونفي المعصية معزوم عليه حاصل في الحال ، فالاستثناء فيه ينافي العزم عليه ، ويمكن أن يفرق بينهما بأن الصبر ليس مكتسبا لنا بخلاف فعل المعصية وتركه ، فإن ذلك كله مكتسب لنا ؛ والله أعلم.
قوله تعالى : {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} أي حتى أكون أنا الذي أفسره لك ، وهذا من الخضر تأديب وإرشاد لما يقتضي دوام الصحبة ، فلو صبر ودأب لرأى العجب ، لكنه أكثر من الاعتراض فتعين الفراق والإعراض.
[71] {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً}
[72] {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}
[73] {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً}
قوله تعالى : {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا} فيه مسألتان :
الأولى ـ في صحيح مسلم والبخاري : "فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ، فمرت سفينة فكلموهم أن يحملوهم ، فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول ، فلما ركبا في السفينة لم يفجأ موسى إلا والخضر قد قلع منها لوحا من ألواح السفينة بالقدوم ، فقال له موسى : قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً. قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وكانت الأولى من موسى نسيانا" قال : "وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر ، فقال له الخضر : ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر". قال علماؤنا : حرف السفينة طرفها وحرف كل شيء طرفه ، ومنه حرف الجبل وهو أعلاه المحدد. والعلم هنا بمعنى المعلوم ، كما قال :
(11/18)



{ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} أي من معلوماته ، وهذا من الخضر تمثيل ؛ أي معلوماتي ومعلوماتك لا أثر لها في علم الله ؛ كما أن ما أخذ هذا العصفور من هذا البحر لا أثر له بالنسبة إلى ماء البحر ، وإنما مثل له ذلك بالبحر لأنه أكثر. ما يشاهده مما بين أيدينا ، وإطلاق لفظ النقص هنا تجوز قصد به التمثيل والتفهيم ، إذ لا نقص في علم الله ، ولا نهاية لمعلوماته. وقد أوضح هذا المعنى البخاري فقال : "والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر" وفي التفسير عن أبي العالية : لم ير الخضر حين خرق السفينة غير موسى وكان عبد ا لا تراه إلا عين من أراد الله له أن يريه ، ولو رآه القوم لمنعوه من خرق السفينة. وقيل : خرج أهل السفينة إلى جزيرة ، وتخلف الخضر فخرق السفينة ، وقال ابن عباس : "لما خرق الخضر السفينة تنحى موسى ناحية ، وقال في نفسه : ما كنت أصنع بمصاحبة هذا الرجل كنت في بني إسرائيل أتلو كتاب الله عليهم غدوة وعشية فيطيعوني قال له الخضر : يا موسى أتريد أن أخبرك بما حدثت به نفسك ؟ قال : نعم. قال : كذا وكذا قال : صدقت ؛ ذكره الثعلبي في كتاب العرائس.
الثانية ـ في خرق السفينة دليل أن للولي أن ينقص مال اليتيم إذا رآه صلاحا ، مثل أن يخاف على ريعه ظالما فيخرّب بعضه وقال أبو يوسف : يجوز للولي أن يصانع السلطان ببعض مال اليتيم عن البعض وقرأ حمزة والكسائي {ليغرق} بالياء {أهلها} بالرفع فاعل يغرق ، فاللام على قراءة الجماعة في {لِتُغْرِقَ} لام المآل مثل {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} وعلى قراءة حمزة لام كي ، ولم يقل لتغرقني ؛ لأن الذي غلب الحال فرط الشفقة عليهم ، ومراعاة حقهم. و {إِمْراً} معناه عجبا ؛ قاله القتبي ، وقيل : منكرا ؛ قاله مجاهد ، وقال أبو عبيدة : الإمر الداهية العظيمة ؛ وأنشد
قد لقي الأقران مني نكرا
...
داهية دهياء إدا إمرا
وقال الأخفش : يقال أمر يأمر "أمر" إذا أشتد والاسم الإمر.
(11/19)



قوله تعالى : {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} في معناه قولان : أحدهما : يروى ابن عباس ، قال : "هذا من معاريض الكلام". والآخر : أنه نسي فاعتذر ؛ ففيه ما يدل على أن النسيان لا يقتضي المؤاخذة ، وأنه لا يدخل تحت التكليف ، ولا يتعلق به حكم طلاق ولا غيره ؛ وقد تقدم ، ولو نسي في الثانية لاعتذر.
[74] {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً}
[75] {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}
[76] {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً}
قوله تعالى : { فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ} في البخاري قال يعلى قال سعيد : "وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين" {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً} لم تعمل بالحنث ، وفي الصحيحين وصحيح الترمذي : "ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله ، قال له موسى : {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} قال : وهذه أشد من الأولى. {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} لفظ البخاري. وفي التفسير : إن الخضر مر بغلمان يلعبون فأخذ بيده غلاما ليس فيهم أضوأ منه ، وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه ، فقتله. قال أبو العالية : لم يره إلا موسى ، ولو رأوه لحالوا بينه وبين الغلام.
(11/20)



قلت : ولا اختلاف بين هذه الأحوال الثلاثة ، فإنه أن يكون دمغه أولا بالحجر ، ثم أضجعه فذبحه ، ثم اقتلع رأسه ؛ والله أعلم بما كان من ذلك وحسبك بما جاء في الصحيح. وقرأ الجمهور "زاكية" بالألف وقرأ الكوفيون وابن عامر "زكية" بغير ألف وتشديد الياء ؛ قيل المعنى واحد ؛ قال الكسائي وقال ثعلب : الزكية أبلغ قال أبو عمرو : الزاكية التي لم تذنب قط ، والزكية التي أذنبت ثم تابت.
قوله تعالى : {غُلاماً} اختلف العلماء في الغلام هل كان بالغا أم لا ؟ فقال الكلبي : كان بالغا يقطع الطريق بين قريتين ، وأبوه من عظماء أهل إحدى القريتين ، وأمه من عظماء القرية الأخرى ، فأخذه الخضر فصرعه ، ونزع رأسه عن جسده. قال الكلبي : واسم الغلام شمعون وقال الضحاك : حيسون وقال وهب : اسم أبيه سلاس واسم أمه رحمى وحكى السهيلي أن اسم أبيه كازير واسم أمه سهوى وقال الجمهور : لم يكن بالغا ؛ ولذلك قال موسى زاكية لم تذنب ، وهو الذي يقتضيه لفظ الغلام ؛ فان الغلام في الرجال يقال على من لم يبلغ ، وتقابله الجارية في النساء وكان الخضر قتله لما علم من سيره ، وأنه طبع كافرا كما في ، صحيح الحديث ، وأنه لو أدرك لأرهق أبويه كفرا ، وقتل الصغير غير مستحيل إذا أذن الله في ذلك ؛ فان الله تعالى الفعال لما يريد ، القادر على ما يشاء ، وفي كتاب العرائس : إن موسى لما قال للخضر {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً...} الآية - غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر ، وقشر اللحم عنه ، وإذا في عظم كتفه مكتوب : كافر لا يؤمن بالله أبدا. وقد احتج أهل القول الأول بأن العرب تبقي على الشاب اسم الغلام ، ومنه قول ليلى الأخيلية :
شفاها من الداء العضال الذي بها
...
غلام إذا هز القناة سقاها
وقال صفوان لحسان :
تلق ذباب السيف عني فإنني
...
غلام إذا هوجيت لست بشاعر
(11/21)



وفي الخبر : إن هذا الغلام كان يفسد في الأرض ، ويقسم لأبويه أنه ما فعل ، فيقسمان على قسمه ، ويحميانه ممن يطلبه ، قالوا وقوله : {بِغَيْرِ نَفْسٍ} يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس لم يكن به بأس ، وهذا يدل على كبر الغلام ، وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ، وإنما جاز قتله لأنه كان بالغا عاصيا. قال ابن عباس : كان شابا يقطع الطريق ، وذهب ابن جبير إلى أنه بلغ سن التكليف لقراءة أبي وابن عباس "وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين" والكفر والإيمان من صفات المكلفين ، ولا يطلق على غير مكلف إلا بحكم التبعية لأبويه ، وأبوا الغلام كانا مؤمنين بالنص فلا يصدق عليه اسم الكافر إلا بالبلوغ ، فتعين أن يصار إليه والغلام من الاغتلام وهو شدة الشبق.
قوله تعالى : {نُكْراً} اختلف الناس أيهما أبلغ {إِمْراً} أو قوله { نُكْراً} فقالت فرقة : هذا قتل بين ، وهناك مترقب ؛ فـ {نُكْراً} أبلغ ، وقالت فرقة : هذا قتل واحد وذاك قتل جماعة فـ {إِمْراً} أبلغ. قال ابن عطية : وعندي أنهما لمعنيين وقوله : {إِمْراً} أفظع وأهول من حيث هو متوقع عظيم ، و {نُكْراً} بين في الفساد لأن مكروهه قد وقع ؛ وهذا بين.
قوله تعالى : {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} شرط وهو لازم ، والمسلمون عند شروطهم ، وأحق الشروط أن يوفى به ما التزمه الأنبياء ، والتزم للأنبياء. قوله تعالى : {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} يدل على قيام الاعتذار بالمرة الواحدة مطلقا ، وقيام الحجة من المرة الثانية بالقطع ؛ قاله ابن العربي. ابن عطية : ويشبه أن تكون هذه القصة أيضا أصلا للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة ، وأيام المتلوم ثلاثة ؛ فتأمله
قوله تعالى : {فَلا تُصَاحِبْنِي} كذا قرأ الجمهور ؛ أي تتابعني. وقرأ الأعرج {تصحبني} بفتح التاء والباء وتشديد النون وقرئ {تصحبني} أي تتبعني وقرأ يعقوب {تصحبني} بضم التاء وكسر الحاء ؛ ورواها سهل عن أبي عمرو ؛ قال الكسائي : معناه فلا تتركني أصحبك.
{قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} أي بلغت مبلغا تعذر به في ترك مصاحبتي ، وقرأ الجمهور : { مِنْ لَدُنِّي} بضم الدال ، إلا أن نافعا وعاصما خففا النون "لدن" اتصلت بها ياء
(11/22)



المتكلم التي في غلامي وفرسي ، وكسر ما قبل الياء كما كسر في هذه. وقرأ أبو بكر عن عاصم {لَدْني} بفتح اللام وسكون الدال وتخفيف النون وروي عن عاصم {لدني} بضم اللام وسكون الدال ؛ قال ابن مجاهد : وهي غلط ؛ قال أبو علي : هذا التغليط يشبه أن يكون من جهة الرواية ، فأما على قياس العربية فهي صحيحة وقرأ الجمهور {عذر} وقرأ عيسى {عذرا} بضم الذال وحكى الداني أن أبيا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم {عذري} بكسر الراء وياء بعدها.
مسألة : أسند الطبري قال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا لأحد بدأ بنفسه ، فقال يوما : "رحمة الله علينا وعلى موسى لو صبر على صاحبه لرأى العجب ولكنه قال {فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} " والذي في صحيح مسلم قال رسو ل الله صلى الله عليه وسلم : "رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة ولو صبر لرأى العجب" قال : وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه : "رحمة الله علينا وعلى أخي كذا" وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يرحم الله موسى لوددنا أنه صبر حتى يقص علينا أمرهما" الذمامة بالذال المعجمة المفتوحة ، وهو بمعنى المذمة بفتح الذال وكسرها ، وهي الرقة والعار من تلك الحرمة : يقال أخذتني منك مذمة ومذمة وذمامة وكأنه استحيا من تكرار مخالفته ، ومما صدر عنه من تغليظ الإنكار.
[77] {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}

(11/23)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: