الإسراء : ) 84 ( قل كل يعمل . . . . .) الاسراء 84 (
قوله تعالى : ) قل كل يعمل على شاكلته ( قال بن عباس : ناحيته وقاله الضحاك ومجاهد : طبيعته وعنه : حدته بن زيد : على دينه الحسن وقتادة : نيته مقاتل : جبلته الفراء : على طريقته ومذهبه الذي جبل عليه وقيل : قل كل يعمل على ما هو أشكل عنده وأولى بالصواب في اعتقاده وقيل : هو مأخوذ من الشكل يقال : لست على شكلي ولا شاكلتي قال الشاعر : كل امرئ يشبهه فعله ما يفعل المرء فهو أهله فالشكل هو المثل والنظير والضرب كقوله تعالى : وآخر من شكله أزواج والشكل [ بكسر الشين ] : الهيئة يقال : جارية حسنة الشكل وهذه الأقوال كلها متقاربة والمعنى : أن كل أحد يعمل على ما يشاكل أصله وأخلاقه التي ألفها وهذا ذم للكافر ومدح للمؤمن والآية والتي قبلها نزلتا في الوليد بن المغيرة ذكره المهدوي ) فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ( أي بالمؤمن والكافر وما سيحصل من كل واحد منهم وقيل : أهدى سبيلا أي أسرع قبولا وقيل : أحسن دينا وحكي أن الصحابة رضوان الله عليهم تذاكروا القرآن فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تبارك وتعالى : قل كل يعمل على شاكلته فإنه لايشاكل بالعبد إلا العصيان ولايشاكل بالرب إلا الغفران وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر فيه آية أرجى وأحسن من قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول قدم غفران الذنوب على قبول التوبة وفي هذا إشارة للمؤمنين وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : قرأت جميع القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى : نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه
(10/322)
" صفحة رقم 323 "
قرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم قلت : وقرأت القرآن من أوله إلى آخره فلم أر آية أحسن وأرجى من قوله تعالى : والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون
الإسراء : ) 85 ( ويسألونك عن الروح . . . . .) الاسراء 85 (
روى البخاري ومسلم والترمذي عن عبد الله قال : بينا أنا مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في حرث وهو متكىء على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح فقال : ما رابكم إليه وقال بعضهم : لا يستقبلكم بشيء تكرهونه فقالوا : سلوه فسألوه عن الروح فأمسك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فلم يرد عليهم شيئا فعلمت أنه يوحى إليه فقمت مقامي فلما نزل الوحي قال : ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا لفظ البخاري وفي مسلم : فأسكت النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وفيه : وما أوتوا وقد اختلف الناس في الروح المسئول عنه أي الروح هو فقيل : هو جبريل قاله قتادة قال : وكان بن عباس يكتمه وقيل هو عيسى وقيل القرآن على ما يأتي بيانه في آخر الشورى وقال علي بن أبي طالب : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان في كل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بكل تلك اللغات يخلق الله تعالى من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة ذكره الطبري قال بن عطية : وما أظن القول يصح عن علي رضي الله عنه قلت : أسند البيهقي أخبرنا أبو زكريا عن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن بن
(10/323)
" صفحة رقم 324 "
عباس في قوله : ويسألونك عن الروح يقول : الروح ملك وبإسناده عن معاوية بن صالح حدثني أبو هران [ بكسر الهاء ] يزيد بن سمرة عمن حدثه عن علي بن أبي طالب أنه قال في قوله تعالى : ويسئلونك عن الروح قال : هو ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه الحديث بلفظه ومعناه وروى عطاء عن بن عباس قال : الروح ملك له أحد عشر ألف جناح وألف وجه يسبح الله إلى يوم القيامة ذكره النحاس وعنه : جند من جنود الله لهم أيد وأرجل يأكلون الطعام ذكره الغزنوي وقال الخطابي : وقال بعضهم هو ملك من الملائكة بصفة وضعوها من عظم الخلقة وذهب أكثر أهل التأويل إلى أنهم سألوه عن الروح الذي يكون به حياة الجسد وقال أهل النظر منهم : إنما سألوه عن كيفية الروح ومسلكه في بدن الإنسان وكيف امتزاجه بالجسم واتصال الحياة به وهذا شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل وقال أبو صالح : الروح خلق كخلق بني آدم وليسوا ببني آدم لهم أيد وأرجل والصحيح الإبهام لقوله : قل الروح من أمر ربي أي هو أمر عظيم وشأن كبير من أمر الله تعالى مبهما له وتاركا تفصيله ليعرف الإنسان على القطع عجزه عن علم حقيقة نفسه مع العلم بوجودها وإذا كان الإنسان في معرفة نفسه هكذا كان بعجزه عن إدراك حقيقة الحق أولى وحكمة ذلك تعجيز العقل عن إدراك معرفة مخلوق مجاور له دلالة على أنه عن إدراك خالقه أعجز قوله تعالى : ) وما أوتيتم من العلمإلا قليلا ( اختلف فيمن خوطب بذلك فقالت فرقة : السائلون فقط وقال قوم : المراد اليهود بجملتهم وعلى هذا هي قراءة بن مسعود وما اوتوا ورواها عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقالت فرقة : المراد العالم كله وهو الصحيح وعليه قراءة الجمهور وما أوتيتم وقد قالت اليهود للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : كيف لم نؤت من العلم إلا قليلا وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فعارضهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بعلم الله فغلبوا وقد نص رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بقوله في بعض الأحاديث : ) كلا ) يعني أن المراد بما أوتيتم جميع
(10/324)
" صفحة رقم 325 "
العالم وذلك أن يهود قالت له : نحن عنيت أم قومك فقال : ) كلا ) وفي هذا المعنى نزلت ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام حكى ذلك الطبري رحمه الله وقد قيل : إن السائلين عن الروح هم قريش قالت لهم اليهود : سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبي فأخبرهم خبر أصحاب الكهف وخبر ذي القرنين على ما يأتي وقال في الروح : قل الروح من أمر ربي أي من الأمر الذي لا يعلمه إلا الله ذكره المهدوي وغيره من المفسرين عن بن عباس
الإسراء : ) 86 ( ولئن شئنا لنذهبن . . . . .) الاسراء 86 : 87 (
قوله تعالى : ) ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ( يعني القرآن أي كما قدرنا على إنزاله نقدر على إذهابه حتى ينساه الخلق ويتصل هذا بقوله : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أي ولو شئت أن أذهب بذلك القليل لقدرت عليه ) ثم لاتجد لك به علينا وكيلا ( أي ناصرا يرده عليك ) إلا رحمة من ربك ( يعني لكن لا نشاء ذلك رحمة من ربك فهو استثناء ليس من الأول وقيل : إلا أن يرحمك ربك فلا يذهب به ) إن فضله كان عليك كبيرا ( إذ جعلك سيد ولد آدم وأعطاك المقام المحمود وهذا الكتاب العزيز وقال عبد الله بن مسعود : أول ماتفقدون من دينكم الأمانة وآخر ماتفقدون الصلاة وأن هذا القرآن كأنه قد نزع منكم تصبحون يوما وما معكم منه شيءفقال رجل : كيف يكون ذلك يا أبا عبد الرحمن وقد ثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا نعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة قال : يسرى به في ليلة فيذهب بما في المصاحف وما في القلوب فتصبح الناس كالبهائم ثم قرأ عبد الله ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك الآية أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة بمعناه قال : أخبرنا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن
(10/325)
" صفحة رقم 326 "
شداد بن معقل قال قال عبد الله يعني بن مسعود : إن هذا القرآن الذي بين أظهركم يوشك أن ينزع منكم قال : قلت كيف ينزع منا وقد أثبته الله في قلوبنا وثبتناه في مصاحفنا قال : يسرى عليه في ليلة واحدة فينزع مافي القلوب ويذهب مافي المصاحف ويصبح الناس منه فقراء ثم قرأ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك وهذا إسناد صحيح وعن بن عمر : لاتقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل له دوي كدوي النحل فيقول الله مابالك فيقول : يا رب منك خرجت وإليك أعود أتلى فلا يعمل بي أتلى ولايعمل بي قلت : قد جاء معنى هذا مرفوعا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وحذيفة قال حذيفة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى مايدري ماصيام ولا صلاة ولانسك ولاصدقة فيسرى على كتاب الله تعالى في ليلة فلا يبقى منه في الأرض آية ولاتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله وهم لايدرون ما صلاة ولاصيام ولا نسك ولا صدقة ) قال له صلة : ماتغني عنهم لا إله إلا الله وهم لايدرون ماصلاة ولاصيام ولانسك ولاصدقة فأعرض عنه حذيفة ثم رددها ثلاثا كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه حذيفة فقال : يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا خرجه بن ماجة في السنن وقال عبد الله بن عمر : خرج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو معصوب الرأس من وجع فضحك فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ) أيها الناس ماهذه الكتب التي تكتبون أكتاب غير كتاب الله يوشك أن يغضب الله لكتابه فلا يدع ورقا ولا قلبا إلا أخذ منه ) قالوا : يا رسول الله فكيف بالمؤمنين والمؤمنات يومئذ قال : ) من أراد الله به خيرا أبقى في قلبه لا إله إلا الله ) ذكره الثعلبي والغزنوي وغيرهما في التفسير
الإسراء : ) 88 ( قل لئن اجتمعت . . . . .) الاسراء 88 (
(10/326)
" صفحة رقم 327 "
أي عوينا ونصيرا مثل ما يتعاون الشعراء على بيت شعر فيقيمونه نزلت حين قال الكفار : لو نشاء لقلنا مثل هذا فأكذبهم الله تعالى وقد مضى القول في إعجاز القرآن في أول الكتاب والحمد لله ولا يأتون ( جواب القسم في لئن وقد يجزم على إرادة الشرط قال الشاعر : لئن كان ما حدثته اليوم صادقا أقم في نهار القيظ للشمس باديا
الإسراء : ) 89 ( ولقد صرفنا للناس . . . . .) الاسراء 89 (
قوله تعالى : ) ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ( أي وجهنا القول فيه بكل مثل يجب به الاعتبار من الآيات والعبر والترغيب والترهيب والأوامر والنواهي وأقاصيص الأولين والجنة والنار والقيامة ) فأبى أكثر الناس إلا كفورا ( يريد أهل مكة بين لهم الحق وفتح لهم وأمهلهم حتى تبين لهم أنه الحق فأبوا إلا الكفر وقت تبين الحق قال المهدوي : ولا حجة للقدري في قولهم : لا يقال أبى إلا لمن أبى فعل ما هو قادر عليه لأن الكافر وإن كان غير قادر على الإيمان بحكم الله عليه بالإعراض عنه وطبعه على قلبه فقد كان قادرا وقت الفسحة والمهلة على طلب الحق وتمييزه من الباطل
الإسراء : ) 90 ( وقالوا لن نؤمن . . . . .) الاسراء 90 : 93 (
(10/327)
" صفحة رقم 328 "
قوله تعالى : ) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ( الآية نزلت في رؤساء قريش مثل عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبي سفيان والنضر بن الحارث وأبي جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف وأبي البختري والوليد بن المغيرة وغيرهم وذلك أنهم لما عجزوا عن معارضة القرآن ولم يرضوا به معجزة اجتمعوا فيما ذكر بن إسحاق وغيره بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ثم قال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك فآتهم فجاءهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بدو وكان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا له : يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنكلمك وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وشتمت الآلهة وسفهت الأحلام وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا قد جئته فيما بيننا وبينك أو كما قالوا له فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا فنحن نسودك علينا وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه أو نعذر فيك فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) ما بي ما تقولون ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ) أو كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قالوا : يا محمد فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا ولا أقل ماء ولا أشد عيشا منا فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير
(10/328)
" صفحة رقم 329 "
عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليخرق لنا فيها أنهارا كأنهار الشام وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا قصي بن كلاب فإنه كان شيخ صدق فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك وعرفنا به منزلتك من الله تعالى وأنه بعثك رسولا كما تقول فقال لهم صلوات الله عليه وسلامه : ) ما بهذا بعثت إليكم إنما جئتكم من الله تعالى بما بعثني به وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ) قالوا : فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك واسأله فليجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عما نراك تبتغي فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) ما أنا بفاعل وما أنا بالذي يسأل ربه هذا وما بعثت بهذا إليكم ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا أو كما قال فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ) قالوا : فأسقط السماء علينا كسفا كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل قال فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) ذلك إلى الله عز وجل إن شاء أن يفعله بكم فعل ) قالوا : يا محمد فما علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك عنه ونطلب منك ما نطلب فيتقدم إليك فيعلمك بما تراجعنا به ويخبرك ما هو صانع في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ما جئتنا به إنه قد بلغنا أنك إنما يعلمك هذا رجل من اليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا فقد أعذرنا إليك يا محمد وإنا والله لا نتركك وما بلغت منا حتى نهلكك أو تهلكنا وقال قائلهم : نحن نعبد الملائكة وهي بنات الله وقال قائلهم : لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا فلما قالوا ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قام عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهو بن عمته وهو لعاتكة بنت عبد المطلب فقال له : يا محمد عرض عليك
(10/329)
" صفحة رقم 330 "
قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك من الله كما تقول ويصدقوك ويتبعوك فلم تفعل ثم سألوك أن تأخذ لنفسك ما يعرفون به فضلك عليهم ومنزلتك من الله فلم تفعل ثم سألوك أن تعجل لهم بعض ما تخوفهم به من العذاب فلم تفعل أو كما قال له فوالله لا أومن بك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها ثم تأتي معك بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول وأيم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك ثم انصرف عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وانصرف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إلى أهله حزينا آسفا لما فاته مما كان يطمع به من قومه حين دعوه ولما رأى من مباعدتهم إياه كله لفظ بن إسحاق وذكر الواحدي عن عكرمة عن بن عباس : فأنزل الله تعالى وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ) ينبوعا ( يعني العيون عن مجاهد وهي يفعول من نبع ينبع وقرأ عاصم وحمزة والكسائي تفجر لنا مخففة واختاره أبو حاتم لأن الينبوع واحد ولم يختلفوا في تفجر الأنهار أنه مشدد قال أبو عبيد : والأولى مثلها قال أبو حاتم ليست مثلها لأن الأولى بعدها ينبوع وهو واحد والثانية بعدها الأنهار وهي جمع والتشديد يدل على التكثير أجيب بأن ينبوعا وإن كان واحدا فالمراد به الجمع كما قال مجاهد الينبوع عين الماء والجمع الينابيع وقرأ قتادة أو يكون لك جنة ) خلالها ( أي وسطها ) أو تسقط السماء ( قراءة العامة وقرأ مجاهد أو يسقط السماء على إسناد الفعل إلى السماء ) كسفا ( قطعا عن بن عباس وغيره والكسف [ بفتح السين ] جمع كسفة وهي قراءة نافع وبن عامر وعاصم الباقون كسفا بإسكان السين قال الأخفش : من قرأ كسفا من السماء جعله واحدا ومن قرأ كسفا جعله جمعا قال المهدوي : ومن أسكن السين جاز أن يكون جمع كسفة وجاز أن يكون مصدرا من كسفت الشيء إذا غطيته فكأنهم قالوا : أسقطها طبقا علينا وقال الجوهري : الكسفة القطعة من الشيء يقال : أعطني كسفة من ثوبك والجمع كسف وكسف ويقال : الكسف والكسفة واحد
(10/330)
" صفحة رقم 331 "
) أو تأتي بالله والملائكة قبيلا ( أي معاينة عن قتادة وبن جريج وقال الضحاك وبن عباس : كفيلا قال مقاتل : شهيدا مجاهد : هو جمع القبيلة أي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة وقيل : ضمناء يضمنون لنا إتيانك به ) أو يكون لك بيت من زخرف ( أي من ذهب عن بن عباس وغيره وأصله الزينة والمزخرف المزين وزخارف الماء طرائقه وقال مجاهد : كنت لا أدري ما الزخرف حتى رأيته في قراءة بن مسعود بيت من ذهب أي نحن لا ننقاد لك مع هذا الفقر الذي نرى ) أو ترقى في السماء ( أي تصعد يقال : رقيت في السلم أرقى رقيا ورقيا إذا صعدت وارتقيت مثله ) ولن نؤمن لرقيك ( أي من أجل رقيك وهو مصدر نحو مضى يمضي مضيا وهوى يهوي هويا كذلك رقى يرقى رقيا ) حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ( أي كتابا من الله تعالى إلى كل رجل منا كما قال تعالى : بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) قل سبحان ربي ( وقرأ أهل مكة والشام قال سبحان ربي يعني النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أي قال ذلك تنزيها لله عز وجل عن أن يعجز عن شيء وعن أن يعترض عليه في فعل وقيل : هذا كله تعجب عن فرط كفرهم واقتراحاتهم الباقون قل على الأمر أي قل لهم يا محمد ) هل كنت ( أي ما أنا ) إلا بشرا رسولا ( أتبع ما يوحى إلي من ربي ويفعل الله ما يشاء من هذه الأشياء التي ليست في قدرة البشر فهل سمعتم أحدا من البشر أتى بهذه الآيات وقال بعض الملحدين : ليس هذا جوابا مقنعا وغلطوا لأنه أجابهم فقال : إنما أنا بشر لا أقدر على شيء مما سألتموني وليس لي أن أتخير على ربي ولم تكن الرسل قبلي يأتون أممهم بكل ما يريدونه ويبغونه وسبيلي سبيلهم وكانوا يقتصرون على ما آتاهم الله من آياته الدالة على صحة نبوتهم فإذا أقاموا عليهم الحجة لم يجب لقومهم أن يقترحوا غيرها ولو وجب على الله أن يأتيهم بكل ما يقترحونه من الآيات لوجب عليه أن يأتيهم بمن يختارونه من الرسل ولوجب لكل إنسان أن يقول : لا أومن حتى أوتى بآية خلاف ما طلب غيري وهذا يؤول إلى أن يكون التدبير إلى الناس وإنما التدبير إلى الله تعالى
(10/331)
" صفحة رقم 332 "
الإسراء : ) 94 ( وما منع الناس . . . . .) الاسراء 94 (
قوله تعالى : ) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ( يعني الرسل والكتب من عند الله بالدعاء إليه ) إلا أن قالوا ( جهلا منهم ) أبعث الله بشرا رسولا ( أي الله أجل من أن يكون رسوله من البشر فبين الله تعالى فرط عنادهم لأنهم قالوا : أنت مثلنا فلا يلزمنا الانقياد وغفلوا عن المعجزة ف أن الأولى في محل نصب بإسقاط حرف الخفض وأن الثانية في محل رفع ب منع أي وما منع الناس من أن يؤمنوا إذا جاءهم الهدى إلا قولهم أبعث الله بشرا رسولا
الإسراء : ) 95 ( قل لو كان . . . . .) الاسراء 95 (
أعلم الله تعالى أن الملك إنما يرسل إلى الملائكة لأنه لو أرسل ملكا إلى الآدميين لم يقدروا أن يروه على الهيئة التي خلق عليها وإنما أقدر الأنبياء على ذلك وخلق فيهم ما يقدرون به ليكون ذلك آية لهم ومعجزة وقد تقدم في الأنعام نظير هذه الآية وهو قوله : وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وقد تقدم الكلام فيه
الإسراء : ) 96 ( قل كفى بالله . . . . .) الاسراء 96 (
يروى أن كفار قريش قالوا حين سمعوا قوله هل كنت إلا بشرا رسولا : فمن يشهد لك أنك رسول الله فنزل قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا
(10/332)
" صفحة رقم 333 "
الإسراء : ) 97 ( ومن يهد الله . . . . .) الاسراء 97 (
قوله تعالى : ) ومن يهد الله فهو المهتدي ( أي لو هداهم الله لاهتدوا ) ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ( أي لا يهديهم أحد ) ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم ( فيه وجهان : أحدهما أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم من قول العرب : قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا الثاني أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كما يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه وهذا هو الصحيح لحديث أنس أن رجلا قال : يا رسول الله الذين يحشرون على وجوههم أيحشر الكافر على وجهه قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) أليس الذي أمشاه على الرجلين قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة ) : قال قتادة حين بلغه : بلى وعزة ربنا أخرجه البخاري ومسلم وحسبك ) عميا وبكما وصما ( قال بن عباس والحسن : أي عمي عما يسرهم بكم عن التكلم بحجة صم عما ينفعهم وعلى هذا القول حواسهم باقية على ما كانت عليه وقيل : إنهم يحشرون على الصفة التي وصفهم الله بها ليكون ذلك زيادة في عذابهم ثم يخلق ذلك لهم في النار فأبصروا لقوله تعالى : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها وتكلموا لقوله تعالى : دعوا هنالك ثبورا وسمعوا لقوله تعالى : سمعوا لها تغيظا وزفيرا وقال مقاتل بن سليمان : إذا قيل لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون المؤمنون صاروا عميا لا يبصرون صما لا يسمعون بكما لا يفقهون وقيل : عموا حين دخلوا النار لشدة سوادها وانقطع كلامهم حين قيل لهم : اخسئوا فيها ولا تكلمون وذهب الزفير والشهيق بسمعهم فلم يسمعوا شيئا ) مأواهم جهنم ( أي مستقرهم ومقامهم ) كلما خبت ( أي سكنت عن الضحاك
(10/333)
" صفحة رقم 334 "
وغيره مجاهد طفئت يقال : خبت النار تخبو خبوا أي طفئت وأخبيتها أنا ) زدناهم سعيرا ( أي نارا تتلهب وسكون التهابها من غير نقصان في آلامهم ولا تخفيف عنهم من عذابهم وقيل : إذا أرادت أن تخبو كقوله : وإذا قرأت القرآن
الإسراء : ) 98 ( ذلك جزاؤهم بأنهم . . . . .) الاسراء 98 : 99 (
قوله تعالى : ) ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا ( أي ذلك العذاب جزاء كفرهم ) وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا ( أي ترابا ) أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ( فأنكروا البعث فأجابهم الله تعالى فقال : ) أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه ( قيل : في الكلام تقديم وتأخير أي أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض وجعل لهم أجلا لا ريب فيه قادر على أن يخلق مثلهم والأجل : مدة قيامهم في الدنيا ثم موتهم وذلك ما لا شك فيه إذ هو مشاهد وقيل : هو جواب قولهم : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا وقيل : هو يوم القيامة ) فأبى الظالمون إلا كفورا ( أي المشركون إلا جحودا بذلك الأجل وبآيات الله وقيل : ذلك الأجل هو وقت البعث ولا ينبغي أن يشك فيه
الإسراء : ) 100 ( قل لو أنتم . . . . .) الاسراء 100 (
(10/334)
" صفحة رقم 335 "
قوله تعالى : ) قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي ( أي خزائن الأرزاق وقيل : خزائن النعم وهذا أعم ) إذا لأمستكم خشية الإنفاق ( من البخل وهو جواب قولهم : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا حتى نتوسع في المعيشة أي لو توسعتم لبخلتم أيضا وقيل : المعنى لو ملك أحد المخلوقين خزائن الله لما جاد بها كجود الله تعالى لأمرين : أحدهما أنه لا بد أن يمسك منها لنفقته وما يعود بمنفعته الثاني أنه يخاف الفقر ويخشى العدم والله تعالى يتعالى في وجوده عن هاتين الحالتين والإنفاق في هذه الآية بمعنى الفقر قاله بن عباس وقتادة وحكى أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم وأقتر إذا قل ماله ) وكان الإنسان قتورا ( أي بخيلا مضيقا يقال : قتر على عياله يقتر ويقتر قترا وقتورا إذا ضيق عليهم في النفقة وكذلك التقتير والإقتار ثلاث لغات واختلف في هذه الآية على قولين : أحدهما أنها نزلت في المشركين خاصة قاله الحسن والثاني أنها عامة وهو قول الجمهور وذكره الماوردي
الإسراء : ) 101 ( ولقد آتينا موسى . . . . .) الاسراء 101 (
قوله تعالى : ) ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات ( اختلف في هذه الآيات فقيل : هي بمعنى آيات الكتاب كما روى الترمذي والنسائي عن صفوان بن عسال المرادي أن يهوديين قال أحدهما لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي نسأله فقال : لا تقل له نبي فإنه إن سمعنا كان له أربعة أعين فأتيا النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فسألاه عن قول الله تعالى : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تسحروا ولا تمشوا ببريء إلى سلطان فيقتله ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تفروا من الزحف شك شعبة وعليكم يا معشر اليهود خاصة ألا تعدوا في السبت ) فقبلا يديه ورجليه وقالا : نشهد أنك نبي قال
(10/335)
" صفحة رقم 336 "
) فما يمنعكما أن تسلما ) قالا : إن داود دعا الله ألا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وقد مضى في البقرة وقيل : الآيات بمعنى المعجزات والدلالات قال بن عباس والضحاك : الآيات التسع العصا واليد واللسان والبحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات وقال الحسن والشعبي : الخمس المذكورة في الأعراف يعنيان الطوفان وما عطف عليه واليد والعصا والسنين والنقص من الثمرات وروي نحوه عن الحسن إلا أنه يجعل السنين والنقص من الثمرات واحدة وجعل التاسعة تلقف العصا ما يأفكون وعن مالك كذلك إلا أنه جعل مكان السنين والنقص من الثمرات : البحر والجبل وقال محمد بن كعب : هي الخمس التي في الأعراف والبحر والعصا والحجر والطمس على أموالهم وقد تقدم شرح هذه الآيات مستوفى والحمد لله ) فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم ( أي سلهم يا محمد إذ جاءهم موسى بهذه الآيات حسبما تقدم بيانه في يونس وهذا سؤال استفهام ليعرف اليهود صحة ما يقول محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا ( أي ساحرا بغرائب أفعالك قاله الفراء وأبو عبيدة فوضع المفعول موضع الفاعل كما تقول : هذا مشئوم وميمون أي شائم ويامن وقيل مخدوعا وقيل مغلوبا قاله مقاتل وقيل غير هذا وقد تقدم وعن بن عباس وأبي نهيك أنهما قرأا فسأل بني إسرائيل على الخبر أي سأل موسى فرعون أن يخلي بني إسرائيل ويطلق سبيلهم ويرسلهم معه
الإسراء : ) 102 ( قال لقد علمت . . . . .) الاسراء 102 (
قوله تعالى : ) قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء ( يعني الآيات التسع وأنزل بمعنى أوجد ) إلا رب السماوات والأرض بصائر ( أي دلالات يستدل بها على قدرته ووحدانيته
(10/336)
" صفحة رقم 337 "
وقراءة العامة علمت بفتح التاء خطابا لفرعون وقرأ الكسائي بضم التاء وهي قراءة علي رضي الله عنه وقال : والله ما علم عدو الله ولكن موسى هو الذي علم فبلغت بن عباس فقال : إنها لقد علمت واحتج بقوله تعالى : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ونسب فرعون إلى العناد وقال أبو عبيد : والمأخوذ به عندنا فتح التاء وهو الأصح للمعنى الذي احتج به بن عباس ولأن موسى لا يحتج بقوله : علمت أنا وهو الرسول الداعي ولو كان مع هذا كله تصح به القراءة عن علي لكانت حجة ولكن لا تثبت عنه إنما هي عن كلثوم المرادي وهو مجهول لا يعرف ولا نعلم أحدا قرأ بها غير الكسائي وقيل : إنما أضاف موسى إلى فرعون العلم بهذه المعجزات لأن فرعون قد علم مقدار ما يتهيأ للسحرة فعله وأن مثل ما فعل موسى لا يتهيأ لساحر وأنه لا يقدر على فعله إلا من يفعل الأجسام ويملك السماوات والأرض وقال مجاهد : دخل موسى على فرعون في يوم شات وعليه قطيفة له فألقى موسى عصاه فإذا هي ثعبان فرأى فرعون جانبي البيت بين فقميها ففزع وأحدث في قطيفته ) وإني لأظنك يا فرعون مثبورا ( الظن هنا بمعنى التحقيق والثبور : الهلاك والخسران أيضا قال الكميت : ورأت قضاعة في الأيا من رأي مثبور وثابر أي مخسور وخاسر يعني في انتسابها إلى اليمن وقيل : ملعونا رواه المنهال عن سعيد بن جبير عن بن عباس عن بن عباس وقاله أبان بن تغلب وأنشد : يا قومنا لا تروموا حربنا سفها إن السفاه وإن البغي مثبور أي ملعون وقال ميمون بن مهران عن بن عباس : مثبورا ناقص العقل ونظر المأمون رجلا فقال له : يا مثبور فسأل عنه قال : قال الرشيد قال المنصور لرجل : مثبور فسألته فقال : حدثني ميمون بن مهران فذكره وقال قتادة هالكا وعنه أيضا والحسن ومجاهد : مهلكا والثبور : الهلاك يقال : ثبر الله العدو ثبورا أهلكه وقيل : ممنوعا
(10/337)
" صفحة رقم 338 "
من الخير حكى أهل اللغة : ما ثبرك عن كذا أي ما منعك منه وثبره الله يثبره ثبرا قال بن الزبعري : إذ أجاري الشيطان في سنن الغ ي ومن مال ميله مثبور الضحاك : مثبورا مسحورا رد عليه مثل ما قال له باختلاف اللفظ وقال بن زيد : مثبورا مخبولا لا عقل له
الإسراء : ) 103 ( فأراد أن يستفزهم . . . . .) الاسراء 103 : 104 (
قوله تعالى : ) فأراد أن يستفزهم من الأرض ( أي أراد فرعون أن يخرج موسى وبني إسرائيل من أرض مصر بالقتل أو الإبعاد فأهلكه الله عز وجل ) وقلنا من بعده ( أي من بعد إغراقه ) لبني إسرائيل اسكنوا الأرض ( أي أرض الشام ومصر ) فإذا جاء وعد الآخرة ( أي القيامة ) جئنا بكم لفيفا ( أي من قبوركم مختلطين من كل موضع قد اختلط المؤمن بالكافر لا يتعارفون ولا ينحاز أحد منكم إلى قبيلته وحيه وقال بن عباس وقتادة : جئنا بكم جميعا من جهات شتى والمعنى واحد قال الجوهري : واللفيف ما اجتمع من الناس من قبائل شتى يقال : جاء القوم بلفهم ولفيفهم أي وأخلاطهم وقوله تعالى جئنا بكم لفيفا أي مجتمعين مختلطين وطعام لفيف إذا كان مخلوطا من جنسين فصاعدا وفلان لفيف فلان أي صديقه قال الأصمعي : اللفيف جمع وليس له واحد وهو مثل الجميع والمعنى : أنهم يخرجون وقت الحشر من القبور كالجراد المنتشر مختلطين لايتعارفون وقال الكلبي : فإذا جاء وعد الآخرة يعني مجيء عيسى عليه السلام من السماء
(10/338)