الإسراء : ) 30 ( إن ربك يبسط . . . . .) الاسراء 30 (
الإسراء : ) 31 ( ولا تقتلوا أولادكم . . . . .) الاسراء 31 (
فيه مسألتان : الأولى قد مضى الكلام في هذه الآية في الأنعام والحمد لله والإملاق : الفقر وعدم الملك أملق الرجل أي لم يبق له إلا الملقات وهي الحجارة العظام الملس قال الهذلي يصف صائدا : أتيح لها أقيدر ذو حشيف إذا سامت على الملقات ساما الواحدة ملقة والأقيدر تصغير الأقدر وهو الرجل القصير والحشيف من الثياب : الخلق وسامت مرت وقال شمر : أملق لازم ومتعد أملق إذا افتقر وأملق الدهر ما بيده قال أوس : وأملق ما عندي خطوب تنبل الثانية قوله تعالى : ) خطا ( خطأ قراءة الجمهور بكسر الخاء وسكون الطاء وبالهمزة والقصر وقرأ بن عامر خطأ بفتح الخاء والطاء والهمزة مقصورة وهي قراءة أبي جعفر يزيد وهاتان قراءتان مأخوذتان من خطىء إذا أتى الذنب على عمد قال بن عرفة : يقال خطىء في ذنبه خطأ إذا أثم فيه وأخطأ إذا سلك سبيل خطأ عامدا أو غير عامد قال : ويقال خطىء في معنى أخطأ وقال الأزهري : يقال خطىء يخطأ خطئا إذا تعمد الخطأ مثل أثم يأثم إثما وأخطأ إذا لم يتعمد إخطاء وخطأ قال الشاعر : دعيني إنما خطئي وصوبي علي وإن ما أهلكت مال
(10/252)
" صفحة رقم 253 "
والخطأ الاسم يقوم مقام الإخطاء وهو ضد الصواب وفيه لغتان : القصر وهو الجيد والمد وهو قليل وروي عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما خطأ بفتح الخاء وسكون الطاء وهمزة وقرأ بن كثير بكسر الخاء وفتح الطاء ومد الهمزة قال النحاس : ولا أعرف لهذه القراءة وجها ولذلك جعلها أبو حاتم غلطا قال أبو علي : هي مصدر من خاطأ يخاطىء وإن كنا لا نجد خاطأ ولكن وجدنا تخاطأ وهو مطاوع خاطأ فدلنا عليه ومنه قول الشاعر : تخاطأت النبل أحشاءه وأخر يومي فلم أعجل وقال الآخر في وصف مهاة : تخاطأه القناص حتى وجدته وخرطومه في منقع الماء راسب الجوهري : تخاطأه أي أخطأه وقال أوفى بن مطر المازني : ألا أبلغا خلتي جابرا بأن خليلك لم يقتل تخاطأت النبل أحشاءه وأخر يومي فلم يعجل وقرأ الحسن خطاء بفتح الخاء والطاء والمد في الهمزة قال أبو حاتم : لا يعرف هذا في اللغة وهي غلط غير جائز وقال أبو الفتح : الخطأ من أخطأت بمنزلة العطاء من أعطيت هو اسم بمعنى المصدر وعن الحسن أيضا خطى بفتح الخاء والطاء منونة من غير همز
الإسراء : ) 32 ( ولا تقربوا الزنى . . . . .) الاسراء 32 (
فيه مسألة واحدة : قال العلماء : قوله تعالى ولا تقربوا الزنى ( أبلغ من أن يقول : ولا تزنوا فإن معناه لا تدنوا من الزنى والزنى يمد ويقصر لغتان قال الشاعر : كانت فريضة ما تقول كما كان الزنى فريضة الرجم و ) سبيلا ( نصب على التمييز التقدير : وساء سبيله سبيلا أي لأنه يؤدي إلى النار والزنى من الكبائر ولا خلاف فيه وفي قبحه لا سيما بحليلة الجار وينشأ عنه استخدام ولد الغير
(10/253)
" صفحة رقم 254 "
واتخاذه ابنا وغير ذلك من الميراث وفساد الأنساب باختلاط المياه وفي الصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أتي بامرأة مجح على باب فسطاط فقال : ) لعله يريد أن يلم بها ) فقالوا : نعم فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له )
الإسراء : ) 33 ( ولا تقتلوا النفس . . . . .) الاسراء 33 (
قوله تعالى : ) ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ( قد مضى الكلام فيه في الأنعام قوله تعالى : ) ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ( فيه ثلاث مسائل : الأولى قوله تعالى : ) ومن قتل مظلوما ( أي بغير سبب يوجب القتل ) فقد جعلنا لوليه ( أي لمستحق دمه قال بن خويز منداد : الولي يجب أن يكون ذكرا لأنه أفرده بالولاية بلفظ التذكير وذكر إسماعيل بن إسحاق في قوله تعالى : فقد جعلنا لوليه ما يدل على خروج المرأة عن مطلق لفظ الولي فلا جرم ليس للنساء حق في القصاص لذلك ولا أثر
(10/254)
" صفحة رقم 255 "
لعفوها وليس لها الاستيفاء وقال المخالف : إن المراد ها هنا بالولي الوارث وقد قال تعالى : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وقال : والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء وقال : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فاقتضى ذلك إثبات القود لسائر الورثة وأما ما ذكروه من أن الولي في ظاهره على التذكير وهو واحد كأن ما كان بمعنى الجنس يستوي المذكر والمؤنث فيه وتتمته في كتب الخلاف ) سلطانا ( أي تسليطا إن شاء قتل وإن شاء عفا وإن شاء أخذ الدية قاله بن عباس رضي الله تعالى عنهما والضحاك وأشهب والشافعي وقال بن وهب قال مالك : السلطان أمر الله بن عباس : السلطان الحجة وقيل : السلطان طلبه حتى يدفع إليه قال بن العربي : وهذه الأقوال متقاربة وأوضحها قول مالك : إنه أمر الله ثم إن أمر الله عز وجل لم يقع نصا فاختلف العلماء فيه فقال بن القاسم عن مالك وأبي حنيفة : القتل خاصة وقال أشهب : الخيرة كما ذكرنا آنفا وبه قال الشافعي وقد مضى في سورة البقرة هذا المعنى الثانية قوله تعالى : ) فلا يسرف في القتل ( فيه ثلاثة أقوال : لا يقتل غير قاتله قاله الحسن والضحاك ومجاهد وسعيد بن جبير الثاني لا يقتل بدل وليه اثنين كما كانت العرب تفعله الثالث لا يمثل بالقاتل قاله طلق بن حبيب وكله مراد لأنه إسراف منهي عنه وقد مضى في البقرة القول في هذا مستوفى وقرأ الجمهور يسرف بالياء يريد الولي وقرأ بن عامر وحمزة والكسائي تسرف بالتاء من فوق وهي قراءة حذيفة وروى العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد قال : هو للقاتل الأول والمعنى عندنا فلا تسرف أيها القاتل وقال الطبري : هو على معنى الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والأئمة من بعده أي لا تقتلوا غير القاتل وفي حرف أبي فلا تسرفوا في القتل
(10/255)
" صفحة رقم 256 "
الثانية قوله تعالى : ) إنه كان منصورا ( أي معانا يعني الولي فإن قيل : وكم من ولي مخذول لا يصل إلى حقه قلنا : المعونة تكون بظهور الحجة تارة وباستيفائها أخرى وبمجموعهما ثالثة فأيها كان فهو نصر من الله سبحانه وتعالى وروى بن كثير عن مجاهد قال : إن المقتول كان منصورا النحاس : ومعنى قوله إن الله نصره بوليه وروي أنه في قراءة أبي فلا تسرفوا في القتل إن ولي المقتول كان منصورا قال النحاس : الأبين بالياء ويكون للولي لأنه إنما يقال : لا يسرف إن كان له أن يقتل فهذا للولي وقد يجوز بالتاء ويكون للولي أيضا إلا أنه يحتاج فيه إلى تحويل المخاطبة قال الضحاك : هذا أول ما نزل من القرآن في شأن القتل وهي مكية
الإسراء : ) 34 ( ولا تقربوا مال . . . . .) الاسراء 34 (
فيه مسألتان : الأولى قوله تعالى : ) ولاتقربوا ما ل اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ( قد مضى الكلام فيه في الأنعام الثانية قوله تعالى : ) وأوفوا بالعهد ( قد مضى الكلام فيه في غير موضع قال الزجاج : كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد ) إن العهد كان مسئولا ( عنه فحذف كقوله : ويفعلون ما يؤمرون به وقيل : إن العهد يسأل تبكيتا لناقضه فيقال : نقضت كما تسأل الموءودة تبكيتا لوائدها
الإسراء : ) 35 ( وأوفوا الكيل إذا . . . . .) الاسراء 35 (
(10/256)
" صفحة رقم 257 "
فيه مسألتان : الأولى قوله تعالى : ) وأوفوا الكيل إذا كلتم ( تقدم الكلام فيه أيضا في الأنعام وتقتضي هذه الآية أن الكيل على البائع وقد مضى في سورة يوسف فلا معنى للإعادة والقسطاس [ بضم القاف وكسرها ] : الميزان بلغة الروم قاله بن عزيز وقال الزجاج : القسطاس : الميزان صغيرا كان أو كبيرا وقال مجاهد : القسطاس العدل وكان يقول : هي لغة رومية وكأن الناس قيل لهم : زنوا بمعدلة في وزنكم وقرأ بن كثير وأبو عمرو ونافع وبن عامر وعاصم في رواية أبي بكر القسطاس بضم القاف وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم [ بكسر القاف ] وهما لغتان الثانية قوله تعالى : ) ذلك خير وأحسن تأويلا ( أي وفاء الكيل وإقامة الوزن خير عند ربك وأبرك وأحسن تأويلا أي عاقبة قال الحسن : ذكر لنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : ) لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس لديه إلا مخافة الله تعالى إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك )
الإسراء : ) 36 ( ولا تقف ما . . . . .) الاسراء 36 (
فيه ست مسائل : الأولى قوله تعالى : ) ولاتقف ( أي لا تتبع ما لا تعلم ولا يعنيك قال قتادة : لا تقل رأيت وأنت لم تر وسمعت وأنت لم تسمع وعلمت وأنت لم تعلم وقاله بن عباس رضي الله عنهما قال مجاهد : لا تذم أحدا بما ليس لك به علم وقاله بن عباس رضي الله عنهما أيضا وقال محمد بن الحنفية : هي شهادة الزور وقال القتبي : المعنى لا تتبع الحدس
(10/257)
" صفحة رقم 258 "
والظنون وكلها متقاربة وأصل القفو البهت والقذف بالباطل ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : ) نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا ) أي لا نسب أمنا وقال الكميت : فلا أرمي البريء بغير ذنب ولا أقفو الحواصن إن قفينا يقال : قفوته أقفوه وقفته أقوفه وقفيته إذا اتبعت أثره ومنه القافة لتتبعهم الآثار وقافية كل شيء آخره ومنه قافية الشعر لأنها تقفو البيت ومنه اسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) المقفي لأنه جاء آخر الأنبياء ومنه القائف وهو الذي يتبع أثر الشبه يقال : قاف القائف يقوف إذا فعل ذلك وتقول : فقوت الأثر بتقديم الفاء على القاف بن عطية : ويشبه أن يكون هذا من تلعب العرب في بعض الألفاظ كما قالوا : رعملي في لعمري وحكى الطبري عن فرقة أنها قالت : قفا وقاف مثل عتا وعات وذهب منذر بن سعيد إلى أن قفا وقاف مثل جبذ وجذب وبالجملة فهذه الآية تنهى عن قول الزور والقذف وما أشبه ذلك من الأقوال الكاذبة والرديئة وقرأ بعض الناس فيما حكى الكسائي تقف بضم القاف وسكون الفاء وقرأ الجراح والفآد بفتح الفاء وهي لغة لبعض الناس وأنكرها أبو حاتم وغيره الثانية قال بن خويز منداد : تضمنت هذه الآية الحكم بالقافة لأنه لما قال : ولا تقف ما ليس لك به علم دل على جواز ما لنا به علم فكل ما علمه الإنسان أو غلب على ظنه جاز أن يحكم به وبهذا احتججنا على إثبات القرعة والخرص لأنه ضرب من غلبة الظن وقد يسمى علما اتساعا فالقائف يلحق الولد بأبيه من طريق الشبه بينهما كما يلحق الفقيه الفرع بالأصل من طريق الشبه وفي الصحيح عن عائشة : أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال : ) ألم ترى أن مجززا نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد عليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال إن بعض هذه الأقدام لمن بعض ) وفي حديث يونس بن يزيد : ) وكان مجزز قائفا
(10/258)
" صفحة رقم 259 "
الثالثة قال الإمام أبو عبد الله المازري : كانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة لكونه أسود شديد السواد وكان زيد أبوه أبيض من القطن هكذا ذكره أبو داود عن أحمد بن صالح قال القاضي عياض : وقال غير أحمد كان زيد أزهر اللون وكان أسامة شديد الأدمة وزيد بن حارثة عربي صريح من كلب أصابه سباء حسبما يأتي في سورة الأحزاب إن شاء الله تعالى الرابعة استدل جمهور العلماء على الرجوع إلى القافة عند التنازع في الولد بسرور النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بقول هذا القائف وما كان عليه السلام بالذي يسر بالباطل ولا يعجبه ولم يأخذ بذلك أبو حنيفة وإسحاق والثوري وأصحابهم متمسكين بإلغاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) الشبه في حديث اللعان على ما يأتي في سورة النور إن شاء الله تعالى الخامسة واختلف الآخذون بأقوال القافة هل يؤخذ بذلك في أولاد الحرائر والإماء أو يختص بأولاد الإماء على قولين فالأول قول الشافعي ومالك رضي الله عنهما في رواية بن وهب عنه ومشهور مذهبه قصره على ولد الأمة والصحيح ما رواه بن وهب عنه وقاله الشافعي رضي الله عنه لأن الحديث الذي هو الأصل في الباب إنما وقع في الحرائر فإن أسامة وأباه حران فكيف يلغى السبب الذي خرج عليه دليل الحكم وهو الباعث عليه هذا مما لا يجوز عند الأصوليين وكذلك اختلف هؤلاء هل يكتفى بقول واحد من القافة أو لا بد من اثنين لأنها شهادة وبالأول قال بن القاسم وهو ظاهر الخبر بل نصه وبالثاني قال مالك والشافعي رضي الله عنهما السادسة قوله تعالى : ) إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ( أي يسأل كل واحد منهم عما اكتسب فالفؤاد يسأل عما افتكر فيه واعتقده والسمع والبصر عما رأى من ذلك وسمع وقيل : المعنى أن الله سبحانه وتعالى يسأل الإنسان عما حواه سمعه وبصره وفؤاده ونظيره قوله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
(10/259)
" صفحة رقم 260 "
فالإنسان راع على جوارحه فكأنه قال كل هذه كان الإنسان عنه مسئولا فهو على حذف مضاف والمعنى الأول أبلغ في الحجة فإنه يقع تكذيبه من جوارحه وتلك غاية الخزي كما قال : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون وقوله شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون فصلت وعبر عن السمع والبصر والفؤاد بأولئك لأنها حواس لها إدراك وجعلها في هذه الآية مسئولة فهي حالة من يعقل فلذلك عبر عنها بأولئك وقال سيبويه رحمه الله في قوله تعالى رأيتهم لي ساجدين : إنما قال : رأيتهم في نجوم لأنه لما وصفها بالسجود وهو من فعل من يعقل عبر عنها بكناية من يعقل وقد تقدم وحكى الزجاج أن العرب تعبر عما يعقل وعما لا يعقل بأولئك وأنشد هو والطبري : ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام وهذا أمر يوقف عنده وأما البيت فالرواية فيه الأقوام والله أعلم
الإسراء : ) 37 ( ولا تمش في . . . . .) الاسراء 37 : 38 (
فيه خمس مسائل : الأولى قوله تعالى : ) ولاتمش في الأرض مرحا ( وهذا نهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع والمرح : شدة الفرح وقيل : التكبر في المشي وقيل : تجاوز الإنسان قدره وقال قتادة : هو الخيلاء في المشي وقيل : هو البطر والأشر وقيل : هو النشاط وهذه الأقوال متقاربة ولكنها منقسمة قسمين : أحدهما مذموم والآخر محمود فالتكبر والبطر والخيلاء وتجاوز الإنسان قدره مذموم والفرح والنشاط محمود وقد وصف الله تعالى نفسه بأحدهما ففي الحديث الصحيح ) لله أفرح بتوبة العبد من رجل ) الحديث والكسل
(10/260)
" صفحة رقم 261 "
مذموم شرعا والنشاط ضده وقد يكون التكبر وما في معناه محمودا وذلك على أعداء الله والظلمة أسند أبو حاتم محمد بن حبان عن بن جابر بن عتيك عن أبيه عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال : ) من الغيرة ما يبغض الله عز وجل ومنها ما يحب الله عز وجل ومن الخيلاء ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض الله فأما الغيرة التي يحب الله الغيرة في الدين والغيرة التي يبغض الله الغيرة في غير دينه والخيلاء التي يحب الله اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة والاختيال الذي يبغض الله الخيلاء في الباطل ) وأخرجه أبو داود في مصنفه وغيره وأنشدوا : ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا فكم تحتها قوم همو منك أرفع وإن كنت في عز وحرز ومنعة فكم مات من قوم همو منك أمنع الثانية إقبال الإنسان على الصيد ونحوه ترفعا دون حاجة إلى ذلك داخل في هذه الآية وفيه تعذيب الحيوان وإجراؤه لغير معنى وأما الرجل يستريح في اليوم النادر والساعة من يومه يجم فيها نفسه في التطرح والراحة ليستعين بذلك على شغل من البر كقراءة علم أو صلاة فليس بداخل في هذه الآية قوله تعالى : ) مرحا ( قراءة الجمهور بفتح الراء وقراءة فرقة فيما حكى يعقوب بكسر الراء على بناء اسم الفاعل والأول أبلغ فإن قولك : جاء زيد ركضا أبلغ من قولك : جاء زيد راكضا فكذلك قولك مرحا والمرح المصدر أبلغ من أن يقال مرحا الثالثة قوله تعالى : ) إنك لن تخرق الأرض ( يعني لن تتولج باطنها فتعلم ما فيها ) ولن تبلغ الجبال طولا ( أي لن تساوي الجبال بطولك ولاتطاولك ويقال : خرق الثوب أي شقه وخرق الأرض قطعها والخرق : الواسع من الأرض أي لن تخرق الأرض بكبرك ومشيك عليها ) ولن تبلغ الجبال طولا ( بعظمتك أي بقدرتك لا تبلغ هذا المبلغ بل أنت عبد ذليل محاط بك من تحتك ومن فوقك والمحاط محصور ضعيف فلا يليق بك
(10/261)
" صفحة رقم 262 "
التكبر والمراد بخرق الأرض هنا نقبها لا قطعها بالمسافة والله أعلم وقال الأزهري : معناه لن تقطعها النحاس : وهذا أبين لأنه مأخوذ من الخرق وهي الصحراء الواسعة ويقال : فلان أخرق من فلان أي أكثر سفرا وعزة ومنعة ويروى أن سبأ دوخ الأرض بأجناده شرقا وغربا وسهلا وجبلا وقتل سادة وسبى وبه سمي سبأ ودان له الخلق فلما رأى ذلك انفرد عن أصحابه ثلاثة أيام ثم خرج إليهم فقال : إني لما نلت ما لم ينل أحد رأيت الابتداء بشكر هذه النعم فلم أر أوقع في ذلك من السجود للشمس إذا أشرقت فسجدوا لها وكان ذلك أول عبادة الشمس فهذه عاقبة الخيلاء والتكبر والمرح نعوذ بالله من ذلك الرابعة قوله تعالى : ) كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ( ذلك إشارة إلى جملة ما تقدم ذكره مما أمر به ونهى عنه وذلك يصلح للواحد والجمع والمؤنث والمذكر وقرأ عاصم وبن عامر وحمزة والكسائي ومسروق سيئه على إضافة سيء إلى الضمير ولذلك قال : مكروها نصب على خبر كان والسيء : هو المكروه وهو الذي لا يرضاه الله عز وجل ولا يأمر به وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآي من قوله : وقضى ربك إلى قوله كان سيئه مأمورات بها ومنهيات عنها فلا يخبر عن الجميع بأنه سيئة فيدخل المأمور به في المنهي عنه واختار هذه القراءة أبو عبيد ولأن في قراءة أبي كل ذلك كان سيئاته فهذه لا تكون إلا للإضافة وقرأ بن كثير ونافع وأبو عمرو سيئة بالتنوين أي كل ما نهى الله ورسوله عنه سيئة وعلى هذا انقطع الكلام عند قوله : وأحسن تأويلا ثم قال : ولا تقف ما ليس لك به علم ولاتمش ثم قال : كل ذلك كان سيئة بالتنوين وقيل : إن قوله ولا تقتلوا أولادكم إلى هذه الآية كان سيئة لا حسنة فيه فجعلوا كلا محيطا بالمنهي عنه دون غيره وقوله : مكروها ليس نعتا لسيئة بل هو بدل منه والتقدير : كان سيئة وكان مكروها وقد قيل : إن مكروها خبر ثان لكان حمل على لفظة كل وسيئة محمول على المعنى في جميع هذه الأشياء المذكورة قبل وقال بعضهم : هو نعت لسيئة لأنه لما كان
(10/262)
" صفحة رقم 263 "
تأنيثها غير حقيقي جاز أن توصف بمذكر وضعف أبو علي الفارسي هذا وقال : إن المؤنث إذا ذكر فإنما ينبغي أن يكون ما بعده مذكرا وإنما التساهل أن يتقدم الفعل المسند إلى المؤنث وهو في صيغة ما يسند إلى المذكر ألا ترى قول الشاعر : فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها مستقبح عندهم ولو قال قائل : أبقل أرض لم يكن قبيحا قال أبو علي : ولكن يجوز في قوله مكروها أن يكون بدلا من سيئة ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في عند ربك ويكون عند ربك في موضع الصفة لسيئة الخامسة استدل العلماء بهذه الآية على ذم الرقص وتعاطيه قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل : قد نص القرآن على النهي عن الرقص فقال : ولاتمش في الأرض مرحا وذم المختال والرقص أشد المرح والبطر أو لسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسكر فما بالنا لانقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما فما أقبح من ذي لحية وكيف إذا كان شيبة يرقص ويصفق على إيقاع الألحان والقضبان وخصوصا إن كانت أصوات لنسوان ومردان وهل يحسن لمن بين يديه الموت والسؤال والحشر والصراط ثم هو إلى إحدى الدارين يشمس بالرقص شمس البهائم ويصفق تصفيق النسوان ولقد رأيت مشايخ في عمري مابان لهم سن من التبسم فضلا عن الضحك مع إدمان مخالطتي لهم وقال أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله : ولقد حدثني بعض المشايخ عن الإمام الغزالي رضي الله عنه أنه قال : الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا باللعب وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في الكهف وغيرها إن شاء الله تعالى
(10/263)
" صفحة رقم 264 "
الإسراء : ) 39 ( ذلك مما أوحى . . . . .) الاسراء 39 (
الإشارة ب ذلك إلى هذه الآداب والقصص والأحكام التي تضمنتها هذه الآيات المتقدمة التي نزل بها جبريل عليه السلام أي هذه من الأفعال المحكمة التي تقتضيها حكمة الله عز وجل في عباده وخلقها لهم من محاسن الأخلاق والحكمة وقوانين المعاني المحكمة والأفعال الفاضلة ثم عطف قوله ولا تجعل على ما تقدم من النواهي والخطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمراد كل من سمع الآية من البشر والمدحور : المهان المبعد المقصى وقد تقدم في هذه السورة ويقال في الدعاء : اللهم ادحر عنا الشيطان أي أبعده
الإسراء : ) 40 ( أفأصفاكم ربكم بالبنين . . . . .) الاسراء 40 (
هذا يرد على من قال من العرب : الملائكة بنات الله وكان لهم بنات أيضا مع البنين ولكنه أراد : أفأخلص لكم البنين دونه وجعل البنات مشتركة بينكم وبينه ) إنكم لتقولون قولا عظيما ( أي في الإثم عند الله عز وجل
الإسراء : ) 41 ( ولقد صرفنا في . . . . .) الاسراء 41 (
قوله تعالى : ) ولقد صرفنا ( أي بينا وقيل كررنا ) في هذا القرآن ( قيل في زائدة والتقدير : ولقد صرفنا هذا القرآن مثل وأصلح لي في ذريتي أي أصلح ذريتي والتصريف : صرف الشيء من جهة إلى جهة والمراد بهذا التصريف البيان والتكرير وقيل : المغايرة أي غايرنا بين المواعظ ليذكروا ويعتبروا ويتعظوا وقراءة العامة صرفنا
(10/264)
" صفحة رقم 265 "
بالتشديد على التكثير حيث وقع وقرأ الحسن بالتخفيف وقوله في هذا القرآن يعني الأمثال والعبر والحكم والمواعظ والأحكام والإعلام قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم الحسين يقول بحضرة الإمام الشيخ أبي الطيب : لقوله تعالى صرفنا معنيان أحدهما لم يجعله نوعا واحدا بل وعدا ووعيدا ومحكما ومتشابها ونهيا وأمرا وناسخا ومنسوخا وأخبارا وأمثالا مثل تصريف الرياح من صبا ودبور وجنوب وشمال وتصريف الأفعال من الماضي والمستقبل والأمر والنهي والفعل والفاعل والمفعول ونحوها والثاني أنه لم ينزل مرة واحدة بل نجوما نحو قوله وقرآنا فرقناه ومعناه : أكثرنا صرف جبريل عليه السلام إليك ) ليذكروا ( قراءة يحيى والأعمش وحمزة والكسائي ليذكروا مخففا وكذلك في الفرقان ولقد صرفناه بينهم ليذكروا الباقون بالتشديد واختاره أبو عبيد لأن معناه ليتذكروا وليتعظوا قال المهدوي : من شدد ليذكروا أراد التدبر وكذلك من قرأ ليذكروا ونظير الأول ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون والثاني واذكروا ما فيه ) وما يزيدهم ( أي التصريف والتذكير ) إلا نفورا ( أي تباعدا عن الحق وغفلة عن النظر والاعتبار وذلك لأنهم اعتقدوا في القرآن أنه حيلة وسحر وكهانة وشعر
الإسراء : ) 42 ( قل لو كان . . . . .) الاسراء 42 : 43 (
قوله تعالى : ) قل لو كان معه آلهة ( هذا متصل بقوله تعالى : ولا تجعل مع الله إلها آخر وهو رد على عباد الأصنام ) كما يقولون ( قرأ بن كثير وحفص يقولون بالياء الباقون تقولون بالتاء على الخطاب ) إذا لا بتغوا ( يعني الآلهة ) إلى ذي العرش سبيلا ( قال بن العباس رضي الله تعالى عنهما : لطلبوا مع الله منازعة وقتالا كما تفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض وقال سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه : المعنى إذا لطلبوا
(10/265)
" صفحة رقم 266 "
طريقا إلى الوصول إليه ليزيلوا ملكه لأنهم شركاؤه وقال قتادة : المعنى إذا لابتغت الآلهة القربة إلى ذي العرش سبيلا والتمست الزلفة عنده لأنهم دونه والقوم اعتقدوا أن الأصنام تقربهم إلى الله زلفى فإذا اعتقدوا في الأصنام أنها محتاجة إلى الله سبحانه وتعالى فقد بطل أنها آلهة ) سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ( نزه سبحانه نفسه وقدسه ومجده عما لا يليق به والتسبيح : التنزيه وقد تقدم
الإسراء : ) 44 ( تسبح له السماوات . . . . .) الاسراء 44 (
قوله تعالى : ) تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن ( أعاد على السماوات والأرض ضمير من يعقل لما أسند إليها فعل العاقل وهو التسبيح وقوله : ) ومن فيهن ( يريد الملائكة والإنس والجن ثم عم بعد ذلك الأشياء كلها في قوله : وإن من شيء إلا يسبح بحمده واختلف في هذا العموم هل هو مخصص أم لا فقالت فرقة : ليس مخصوصا والمراد به تسبيح الدلالة وكل محدث يشهد على نفسه بأن الله عز وجل خالق قادر وقالت طائفة : هذا التسبيح حقيقة وكل شيء على العموم يسبح تسبيحا لا يسمعه البشر ولا يفقهه ولو كان ما قاله الأولون من أنه أثر الصنعة والدلالة لكان أمرا مفهوما والآية تنطق بأن هذا التسبيح لا يفقه وأجيبوا بأن المراد بقوله : لا تفقهون الكفار الذين يعرضون عن الاعتبار فلا يفقهون حكمة الله سبحانه وتعالى في الأشياء وقالت فرقة : قوله من شيء عموم ومعناه الخصوص في كل حي ونام وليس ذلك في الجمادات ومن هذا قول عكرمة : الشجرة تسبح والأسطوان لا يسبح وقال يزيد الرقاشي للحسن وهما في طعام وقد قدم الخوان : أيسبح هذا الخوان يا أبا سعيد فقال : قد كان يسبح مرة يريد أن الشجرة في زمن ثمرها واعتدالها كانت تسبح وأما الآن فقد صار خوانا مدهونا
(10/266)
" صفحة رقم 267 "
قلت : ويستدل لهذا القول من السنة بما ثبت عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مر على قبرين فقال : ) إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول ) قال : فدعا بعسيب رطب فشقه اثنين ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال : ) لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ) فقوله عليه الصلاة والسلام ) ما لم ييبسا ) إشارة إلى أنهما ما داما رطبين يسبحان فإذا يبسا صارا جمادا والله أعلم وفي مسند أبي داود الطيالسي : فوضع على احدهما نصفا وعلى الآخر نصفا وقال : ) لعله أن يهون عليهما العذاب ما دام فيهما من بلولتهما شيء ) قال علماؤنا : ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور وإذا خفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن وقد بينا هذا المعنى في [ كتاب التذكرة ] بيانا شافيا وأنه يصل إلى الميت ثواب ما يهدى إليه والحمد لله على ذلك وعلى التأويل الثاني لا يحتاج إلى ذلك فإن كل شيء من الجماد وغيره يسبح قلت : ويستدل لهذا التأويل وهذا القول من الكتاب بقوله سبحانه وتعالى : واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ص وقوله : وإن منها لما يهبط من خشية الله على قول مجاهد وقوله : وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا وذكر بن المبارك في [ دقائقه ] أخبرنا مسعر عن عبد الله بن واصل عن عوف بن عبد الله قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إن الجبل يقول للجبل : يا فلان هل مر بك اليوم ذاكر لله عز وجل فإن قال نعم سر به ثم قرأ عبد الله وقالوا اتخذ الرحمن ولدا الآية قال : أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما من صباح ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضا : يا جاراه هل مر بك اليوم عبد فصلى لله أو ذكر الله عليك فمن قائلة لا ومن قائلة نعم فإذا قالت نعم رأت لها بذلك فضلا عليها وقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لا
(10/267)
" صفحة رقم 268 "
يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر ولا مدر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ) رواه بن ماجة في سننه ومالك في موطئه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وخرج البخاري عن عبد الله رضي الله عنه قال : لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل في غير هذه الرواية عن بن مسعود رضي الله تعالى عنه : كنا نأكل مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الطعام ونحن نسمع تسبيحه وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن ) قيل : إنه الحجر الأسود والله أعلم والأخبار في هذا المعنى كثيرة وقد أتينا على جملة منها في اللمع اللؤلؤية في شرح العشرنيات النبوية للفاداري رحمه الله وخبر الجذع أيضا مشهور في هذا الباب خرجه البخاري في مواضع من كتابه وإذا ثبت ذلك في جماد واحد جاز في جميع الجمادات ولا استحالة في شيء من ذلك فكل شيء يسبح للعموم وكذا قال النخعي وغيره : هو عام فيما فيه روح وفيما لا روح فيه حتى صرير الباب واحتجوا بالأخبار التي ذكرنا وقيل : تسبيح الجمادات أنها تدعو الناظر إليها إلى أن يقول : سبحان الله لعدم الإدراك منها وقال الشاعر : تلقى بتسبيحة من حيث ما انصرفت وتستقر حشا الرائي بترعاد أي يقول من رآها : سبحان خالقها فالصحيح أن الكل يسبح للأخبار الدالة على ذلك ولو كان ذلك التسبيح تسبيح دلالة فأي تخصيص لداود وإنما ذلك تسبيح المقال بخلق الحياة والإنطاق بالتسبيح كما ذكرنا وقد نصت السنة على ما دل عليه ظاهر القرآن من تسبيح كل شيء فالقول به أولى والله أعلم وقرأ الحسن وأبو عمرو ويعقوب وحفص وحمزة والكسائي وخلف تفقهون بالتاء لتأنيث الفاعل الباقون بالياء واختاره أبو عبيد قال : للحائل بين الفعل والتأنيث ) إنه كان حليما ( عن ذنوب عباده في الدنيا ) غفورا ( للمؤمنين في الآخرة
(10/268)
" صفحة رقم 269 "
الإسراء : ) 45 ( وإذا قرأت القرآن . . . . .) الاسراء 45 (
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما قالت : لما نزلت سورة تبت يدا أبي لهب أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول : مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) قاعد في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله لقد أقبلت وأنا اخاف أن تراك قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إنها لن تراني ) وقرأ قرآنا فاعتصم به كما قال وقرأ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا فوقفت على أبي بكر رضي الله عنه ولم تر رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقالت : يا أبا بكر أخبرت أن صاحبك هجاني فقال : لا ورب هذا البيت ما هجاك قال : فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : لما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب المسد جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومعه أبو بكر رضي الله عنه فقال أبو بكر : لو تنحيت عنها لئلا تسمعك ما يؤذيك فإنها امرأة بذية فقال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ) إنه سيحال بيني وبينها ) فلم تره فقالت لأبي بكر : يا أبا بكر هجانا صاحبك فقال : والله ما ينطق بالشعر ولا يقوله فقالت : وإنك لمصدقه فاندفعت راجعة فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله أما رأتك قال : ) لا ما زال ملك بيني وبينها يسترني حتى ذهبت ) وقال كعب رضي الله عنه في هذه الآية : كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يستتر من المشركين بثلاث آيات : الآية التي في الكهف إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا والآية التي في النحل
(10/269)
" صفحة رقم 270 "
أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم والآية التي في الجاثية أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة الجاثية الآية فكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأهن يستتر من المشركين قال كعب رضي الله تعالى عنه : فحدثت بهن رجلا من أهل الشام فأتى أرض الروم فأقام بها زمانا ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن فصاروا يكونون معه على طريقه ولا يبصرونه قال الثعلبي : وهذا الذي يروونه عن كعب حدثت به رجلا من أهل الري فأسر بالديلم فمكث زمانا ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن حتى جعلت ثيابهن لتلمس ثيابه فما يبصرونه قلت : ويزاد إلى هذه الآي أول سورة يس إلى قوله فهم لا يبصرون فإن في السيرة في هجرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومقام علي رضي الله عنه في فراشه قال : وخرج رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأخذ حفنة من تراب في يده وأخذ الله عز وجل على أبصارهم عنه فلا يرونه فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس : يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم إلى قوله وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون حتى فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من هذه الآيات ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب قلت : ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن منثور من أعمال قرطبة مثل هذا وذلك أني هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شيء وأنا أقرأ أول سورة يس وغير ذلك من القرآن فعبرا علي ثم رجعا من حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر : هذا ديبله يعنون شيطانا وأعمى الله عز وجل أبصارهم فلم يروني والحمد لله حمدا كثيرا على ذلك وقيل : الحجاب
(10/270)
" صفحة رقم 271 "
المستور طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه ولا يدركوا ما فيه من الحكمة قاله قتادة وقال الحسن : أي أنهم لإعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب في عدم رؤيته لك حتى كأن على قلوبهم أغطية وقيل : نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) إذا قرأ القرآن وهم أبو جهل وأبو سفيان والنضر بن الحارث وأم جميل امرأة أبي لهب وحويطب فحجب الله سبحانه وتعالى رسوله ( صلى الله عليه وسلم ) عن أبصارهم عند قراءة القرآن وكانوا يمرون به ولا يرونه قاله الزجاج وغيره وهو معنى القول الأول بعينه وهو الأظهر في الآية والله أعلم وقوله : ) مستورا ( فيه قولان : أحدهما أن الحجاب مستور عنكم لا ترونه والثاني أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه ويكون مستورا بمعنى ساتر
الإسراء : ) 46 ( وجعلنا على قلوبهم . . . . .) الاسراء 46 (
قوله تعالى : ) وجعلنا على قلوبهم أكنة ( أكنة جمع كنان وهو ما ستر الشيء وقد تقدم في الأنعام ) أن يفقهوه ( أي لئلا يفقهوه أو كراهية أن يفقهوه أي أن يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني وهذا رد على القدرية ) وفي آذانهم وقرا ( أي صمما وثقلا وفي الكلام إضمار أي أن يسمعوه ) وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ( أي قلت : لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن وقال أبو الجوزاء أوس بن عبد الله : ليس شيء أطرد للشيطان من القلب من قول لا إله إلا الله ثم تلا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على ادبارهم نفورا وقال علي بن الحسين : هو قوله بسم الله الرحمن الرحيم وقد تقدم هذا في البسملة ) ولوا على ادبارهم نفورا ( قيل : يعني بذلك المشركين وقيل الشياطينو نفورا جمع نافر مثل شهود جمع شاهد وقعود جمع قاعد فهو منصوب على الحال ويجوز أن يكون مصدرا على غير الصدر إذ كان قوله ولوا بمعنى نفروا فيكون معناه نفروا نفورا
(10/271)