منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 28 سبتمبر - 16:49




سورة النحل



الآية : 67 {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}
فيه مسألتان : -
الأولى : - قوله تعالى : {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ} قال الطبري : التقدير ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون ؛ فحذف "ما" ودل على حذفه قوله : "منه". وقيل :
المحذوف شيء ، والأمر قريب. وقيل : معنى "منه" أي من المذكور ، فلا يكون في الكلام حذف وهو أولى. ويجوز أن يكون قوله : "ومن ثمرات" عطفا على "الأنعام" ؛ أي ولكم من ثمرات النخيل والأعناب عبرة. ويجوز أن يكون معطوفا على "مما" أي ونسقيكم أيضا مشروبات من ثمرات.
الثانية : - قوله تعالى : {سَكَراً} السكر ما يسكر ؛ هذا هو المشهور في اللغة. قال ابن عباس : نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر. وأراد بالسكر الخمر ، وبالرزق الحسن جميع ما يؤكل ويشرب حلالا من هاتين الشجرتين. وقال بهذا القول ابن جبير والنخعي والشعبي وأبو ثور. وقد قيل : إن السكر الخل بلغة الحبشة ، والرزق الحسن الطعام. وقيل : السكر العصير الحلو الحلال ، وسمي سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي ، فإذا بلغ الإسكار حرم. قال ابن العربي : أسَدُ هذه الأقوال قول ابن عباس ، ويخرج ذلك على أحد معنيين ، إما أن يكون ذلك قبل تحريم الخمر ، وإما أن يكون المعنى : أنعم الله عليكم بثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه ما حرم الله عليكم اعتداء منكم ، وما أحل لكم اتفاقا أو قصدا إلى منفعة أنفسكم. والصحيح أن ذلك كان قبل تحريم الخمر فتكون منسوخة ؛ فإن هذه الآية مكية باتفاق من العلماء ، وتحريم الخمر مدني.
قلت : فعلى أن السكر الخمر أو العصير الحلو لا نسخ ، وتكون الآية محكمة وهو حسن. قال ابن عباس : الحبشة يسمون الخل السكر ، إلا أن الجمهور على أن السكر الخمر ، منهم ابن مسعود وابن عمر وأبو رزين والحسن ومجاهد وابن أبي ليلى والكلبي وغيرهم ممن تقدم ذكرهم ، كلهم قالوا : السكر ما حرمه الله من ثمرتيهما. وكذا قال أهل اللغة : السكر اسم للخمر وما يسكر ، وأنشدوا :
بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم ... إذا جرى فيهم المزاء والسكر
والرزق الحسن : ما أحله الله من ثمرتيهما. وقيل : إن قوله {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً} خبر معناه الاستفهام بمعنى الإنكار ، أي أتتخذون منه سكرا وتدعون رزقا حسنا الخل والزبيب
(10/128)



والتمر ؛ كقوله : {فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء : 34] أي أفهم الخالدون. والله أعلم. وقال أبو عبيدة : السكر الطعم ؛ يقال : هذا سكر لك أي طعم. وأنشد :
جعلت عيب الأكرمين سكرا
أي جعلت ذمهم طعما. وهذا اختيار الطبري أن السكر ما يطعم من الطعام وحل شربه من ثمار النخيل والأعناب ، وهو الرزق الحسن ، فاللفظ مختلف والمعنى واحد ؛ مثل {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف : 86] وهذا حسن ولا نسخ ، إلا أن الزجاج قال : قول أبي عبيدة هذا لا يعرف ، وأهل التفسير على خلافه ، ولا حجة له في البيت الذي أنشده ؛ لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس. وقال الحنفيون : المراد بقوله : "سكرا" ما لا يسكر من الأنبذة ؛ والدليل عليه أن الله سبحانه وتعالى امتن على عباده بما خلق لهم من ذلك ، ولا يقع الامتنان إلا بمحلل لا بمحرم ، فيكون ذلك دليلا على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ ، فإذا انتهى إلى السكر لم يجز ، وعضدوا هذا من السنة بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "حرم الله الخمر بعينها والسكر من غيرها" . وبما رواه عبدالملك بن نافع عن ابن عمر قال : رأيت رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الركن ، ودفع إليه القدح فرفعه إلى فيه فوجده شديدا فرده إلى صاحبه ، فقال له حينئذ رجل من القوم : يا رسول الله ، أحرام هو ؟ فقال : "علي بالرجل" فأتى به فأخذ منه القدح ، ثم دعا بماء فصبه فيه ثم رفعه إلى فيه فقطب ، ثم دعا بماء أيضا فصبه فيه ثم قال : "إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء". وروي أنه عليه السلام كان ينبذ له فيشربه ذلك اليوم ، فإذا كان من اليوم الثاني أو الثالث سقاه الخادم إذا تغير ، ولو كان حراما ما سقاه إياه. قال الطحاوي : وقد روى أبو عون الثقفي عن عبدالله بن شداد عن ابن عباس قال : حرمت الخمر بعينها القليل منها والكثير والسكر من كل شراب ، خرجه الدارقطني أيضا.
(10/129)



ففي هذا الحديث وما كان مثله ، أن غير الخمر لم تحرم عينه كما حرمت الخمر بعينها. قالوا : والخمر شراب العنب لا خلاف فيها ، ومن حجتهم أيضا ما رواه شريك بن عبدالله ، حدثنا أبو إسحاق الهمداني عن عمرو بن ميمون قال قال عمر بن الخطاب : إنا نأكل لحوم هذه الإبل وليس يقطعه في بطوننا إلا النبيذ. قال شريك : ورأيت الثوري يشرب النبيذ في بيت حبر أهل زمانه مالك بن مغول. والجواب أن قولهم : إن الله سبحانه وتعالى امتن على عباده ولا يكون امتنانه إلا بما أحل فصحيح ؛ بيد أنه يحتمل أن يكون ذلك قبل تحريم الخمر كما بيناه فيكون منسوخا كما قدمناه. قال ابن العربي : إن قيل كيف ينسخ هذا وهو خبر والخبر لا يدخله النسخ ، قلنا : هذا كلام من لم يتحقق الشريعة ، وقد بينا أن الخبر إذا كان عن الوجود الحقيقي أو عن إعطاء ثواب فضلا من الله فهو الذي لا يدخله النسخ ، فأما إذا تضمن الخبر حكما شرعيا فالأحكام تتبدل وتنسخ ، جاءت بخبر أو أمر ، ولا يرجع النسخ إلى نفس اللفظ وإنما يرجع إلى ما تضمنه ، فإذا فهمتم هذا خرجتم عن الصنف الغبي الذي أخبر الله عن الكفار فيه بقوله : {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النحل : 101]. المعنى أنهم جهلوا أن الرب يأمر بما يشاء ويكلف ما يشاء ، ويرفع من ذلك بعدل ما يشاء ويثبت ما يشاء وعنده أم الكتاب.
قلت : هذا تشنيع شنيع حتى يلحق فيه العلماء الأخيار في قصور الفهم بالكفار ، والمسألة أصولية ، وهي أن الأخبار عن الأحكام الشرعية هل يجوز نسخها أم لا ؟ اختلف في ذلك ، والصحيح جوازه لهذه الآية وما كان مثلها ، ولأن الخبر عن مشروعية حكم ما يتضمن طلب ذلك المشروع ، وذلك الطلب هو الحكم الشرعي الذي يستدل على نسخه. والله أعلم. وأما ما ذكروا من الأحاديث فالأول والثاني ضعيفان ؛ لأنه عليه السلام قد روي عنه بالنقل الثابت أنه قال : "كل شراب أسكر فهو حرام" وقال : " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام" وقال : "ما أسكر كثيره فقليله حرام" . قال النسائي : وهؤلاء أهل الثبت والعدالة مشهورون
(10/130)



بصحة النقل ، وعبدالملك لا يقوم مقام واحد منهم ولو عاضده من أشكاله جماعة ، وبالله التوفيق. وأما الثالث وإن كان صحيحا فإنه ما كان يسقيه للخادم على أنه مسكر ، وإنما كان يسقيه لأنه متغير الرائحة. وكان صلى الله عليه وسلم يكره أن توجد منه الرائحة ، فلذلك لم يشربه ، ولذلك تحيل عليه أزواجه في عسل زبيب بأن قيل له : إنا نجد منك ريح مغافير ، يعني ريحا منكرة ، فلم يشربه بعد. وسيأتي في التحريم. وأما حديث ابن عباس فقد روي عنه خلاف ذلك من رواية عطاء وطاوس ومجاهد أنه قال : "ما أسكر كثيره فقليله حرام" ، ورواه عنه قيس بن دينار. وكذلك فتياه في المسكر ؛ قاله الدارقطني. والحديث الأول رواه عنه عبدالله بن شداد وقد خالفه الجماعة ، فسقط القول به مع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما ما روي عن عمر من قوله : ليس يقطعه في بطوننا إلا النبيذ ، فإنه يريد غير المسكر بدليل ما ذكرنا. وقد روى النسائي عن عتبة بن فرقد قال : كان النبيذ الذي شربه عمر بن الخطاب قد خلل. قال النسائي : ومما يدل على صحة هذا حديث السائب ، قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم : حدثني مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد ، أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال : إني وجدت من فلان ريح شراب ، فزعم أنه شراب الطلاء ، وأنا سائل عما شرب ، فإن كان مسكرا جلدته ، فجلده عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحد تاما. وقد قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما بعد ، أيها الناس فإنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة : من العنب والعسل والتمر والحنطة والشعير. والخمر ما خامر العقل. وقد تقدم في "المائدة".فإن قيل : فقد أحل شربه إبراهيم النخعي وأبو جعفر الطحاوي وكان إمام أهل زمانه ، وكان سفيان الثوري يشربه. قلنا : ذكر النسائي في كتابه أن أول من أحل المسكر من الأنبذة إبراهيم النخعي ، وهذه زلة من عالم وقد حذرنا من زلة العالم ، ولا حجة في قول أحد مع السنة. وذكر النسائي أيضا عن ابن المبارك قال : ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحيحا إلا عن إبراهيم. قال أبو أسامة : ما رأيت
(10/131)



رجلا أطلب للعلم من عبدالله بن المبارك الشامات ومصر واليمن والحجاز. وأما الطحاوي وسفيان لو صح ذلك عنهما لم يحتج بهما على من خالفهما من الأئمة في تحريم المسكر مع ما ثبت من السنة ؛ على أن الطحاوي قد ذكر في كتابه الكبير في الاختلاف خلاف ذلك. قال أبو عمر بن عبدالبر في كتاب التمهيد له : قال أبو جعفر الطحاوي اتفقت الأمة على أن عصير العنب إذا اشتد وغلى وقذف بالزبد فهو خمر ومستحله كافر. واختلفوا في نقيع التمر إذا غلى وأسكر. قال : فهذا يدلك على أن حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنب" غير معمول به عندهم ؛ لأنهم لو قبلوا الحديث لكفروا مستحل نقيع التمر ، فثبت أنه لم يدخل في الخمر المحرمة غير عصير العنب الذي قد اشتد وبلغ أن يسكر. قال : ثم لا يخلو من أن يكون التحريم معلقا بها فقط غير مقيس عليها غيرها أو يجب القياس عليها ، فوجدناهم جميعا قد قاسوا عليها نقيع التمر إذا غلى وأسكر كثيره وكذلك نقيع الزبيب. قال : فوجب قياسا على ذلك أن يحرم كل ما أسكر من الأشربة. قال : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "كل مسكر حرام" واستغنى عن مسنده لقبول الجميع له ، وإنما الخلاف بينهم في تأويله ، فقال بعضهم : أراد به جنس ما يسكر. وقال بعضهم : أراد به ما يقع السكر عنده كما لا يسمى قاتلا إلا مع وجود القتل.
قلت : فهذا يدل على أنه محرم عند الطحاوي لقوله ، فوجب قياسا على ذلك أن يحرم كل ما أسكر من الأشربة. وقد روى الدارقطني في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : إن الله لم يحرم الخمر لاسمها وإنما حرمها لعاقبتها ، فكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر. قال ابن المنذر : وجاء أهل الكوفة بأخبار معلولة ، وإذا اختلف الناس في الشيء وجب رد ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام ، وما روي عن بعض التابعين أنه شرب الشراب الذي يسكر كثيره فللقوم ذنوب يستغفرون
(10/132)



الله منها ، وليس يخلو ذلك من أحد معنيين : إما مخطئ أخطأ في التأويل على حديث سمعه ، أو رجل أتى ذنبا لعله أن يكثر من الاستغفار لله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم حجة الله على الأولين والآخرين من هذه الأمة. وقد قيل في تأويل الآية : إنها إنما ذكرت للاعتبار ، أي من قدر على خلق هذه الأشياء قادر على البعث ، وهذا الاعتبار لا يختلف بأن كانت الخمر حلالا أو حراما ، فاتخاذ السكر لا يدل على التحريم ، وهو كما قال تعالى : {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة : 219]. والله أعلم.
3 - الآية : 68 {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}
فيه ثلاث مسائل : -
الأولى : - قوله تعالى : {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} قد مضى القول في الوحي وأنه قد يكون بمعنى الإلهام ، وهو ما يخلقه الله تعالى في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ، وهو من قوله تعالى : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس : 7 - 8]. ومن ذلك البهائم وما يخلق الله سبحانه فيها من درك منافعها واجتناب مضارها وتدبير معاشها. وقد أخبر عز وجل بذلك عن الموت فقال : {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا. بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة : 4 - 5]. قال إبراهيم الحربي. لله عز وجل في الموات قدرة لم يدر ما هي ، لم يأتها رسول من عند الله ولكن الله تعالى عرفها ذلك ؛ أي ألهمها. ولا خلاف بين المتأولين أن الوحي هنا بمعنى الإلهام. وقرأ يحيى بن وثاب {إِلَى النَّحْلِ} بفتح الحاء. وسمي نحلا لأن الله عز وجل نحله العسل الذي يخرج منه ؛ قاله الزجاج. الجوهري : والنحل والنحلة الدّبّر يقع على الذكر والأنثى ، حتى يقال : يعسوب. والنحل يؤنث في لغة أهل الحجاز ، وكل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء. وروي من حديث
(10/133)



أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الذبان كلها في النار يجعلها عذابا لأهل النار إلا النحل" ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول. وروي عن ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد ، خرجه أبو داود أيضا ، وسيأتي في "النمل" إن شاء الله تعالى.
الثانية : - قوله تعالى : { اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ} هذا إذا لم يكن لها مالك. {وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} وجعل الله بيوت النحل في هذه الثلاثة الأنواع ، إما في الجبال وكواها ، وإما في متجوف الأشجار ، وإما فيما يعرش ابن آدم من الإجباح والخلايا والحيطان وغيرها. وعرش معناه هنا هيأ ، وأكثر ما يستعمل فيما يكون من إتقان الأغصان والخشب وترتيب ظلالها ؛ ومنه العريش الذي صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، ومن هذا لفظة العرش. يقال : عرش يعرش ويعرش [بكسر الراء وضمها] ، وقرئ بهما. قرأ ابن عامر بالضم وسائرهم بالكسر ، واختلف في ذلك عن عاصم.
الثالثة : - قال ابن العربي : ومن عجيب ما خلق الله في النحل أن ألهمها لاتخاذ بيوتها مسدسة ، فبذلك اتصلت حتى صارت كالقطعة الواحدة ، وذلك أن الأشكال من المثلث إلى المعشر إذا جمع كل واحد منها إلى أمثاله لم يتصل وجاءت بينهما فرج ، إلا الشكل المسدس ؛ فإنه إذا جمع إلى أمثاله اتصل كأنه كالقطعة الواحدة.
الآية : 69 {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
(10/134)



قوله تعالى : {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} وذلك أنها إنما تأكل النوار من الأشجار. {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ} أي طرق ربك. والسبل : الطرق ، وأضافها إليه لأنه خالقها. أي ادخلي طرق ربك لطلب الرزق في الجبال وخلال الشجر. {ذُلُلاً} جمع ذلول وهو المنقاد ؛ أي مطيعة مسخرة. فـ "ذللا" حال من النحل. أي تنقاد وتذهب حيث شاء صاحبها ؛ لأنها تتبع أصحابها حيث ذهبوا ؛ قاله ابن زيد. وقيل : المراد بقوله "ذللا" السبل. يقول : مذلل طرقها سهلة للسلوك عليها ؛ واختاره الطبري ، و"ذللا" حال من السبل. واليعسوب سيد النحل ، إذا وقف وقفت وإذا سار سارت.
قوله تعالى : {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} فيه تسع مسأئل :
الأولى : - قوله تعالى : {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا} رجع الخطاب إلى الخبر على جهة تعديد النعمة والتنبيه على العبرة فقال : {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ} يعني العسل. وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل ؛ وورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في تحقيره للدنيا : أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة ، وأشرف شرابه رجيع نحلة. فظاهر هذا أنه من غير الفم. وبالجملة فإنه يخرج ولا يدرى من فيها أو أسفلها ، ولكن لا يتم صلاحه إلا بحمي أنفاسها. وقد صنع أرسطاطاليس بيتا من زجاج لينظر إلى كيفية ما تصنع ، فأبت أن تعمل حتى لطخت باطن الزجاج بالطين ؛ ذكره الغزنوي. وقال : {مِنْ بُطُونِهَا} لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطن.
الثانية : قوله تعالى : {مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} يريد أنواعه من الأحمر والأبيض والأصفر والجامد والسائل ، والأم واحدة والأولاد مختلفون دليل على أن القدرة نوعته بحسب تنويع الغذاء ، كما يختلف طعمه بحسب اختلاف المراعي ؛ ومن هذا المعنى قول زينب للنبي صلى الله عليه وسلم : "جرست نحله العرفط" حين شبهت رائحته برائحة المغافير.
(10/135)



الثالثة : قوله تعالى : {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} الضمير للعسل ؛ قال الجمهور. أي في العسل شفاء للناس. وروي عن ابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك والفراء وابن كيسان : الضمير للقرآن ؛ أي في القرآن شفاء. النحاس : وهذا قول حسن ؛ أو فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس. وقيل : العسل فيه شفاء ، وهذا القول بين أيضا ؛ لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها أصلها من العسل. قال القاضي أبو بكر بن العربي : من قال إنه القرآن بعيد ما أراه يصح عنهم ، ولو صح نقلا لم يصح عقلا ؛ فإن مساق الكلام كله للعسل ، ليس للقرآن فيه ذكر. قال ابن عطية : وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية يراد بها أهل البيت وبنو هاشم ، وأنهم النحل ، وأن الشراب القرآن والحكمة ، وقد ذكر هذا بعضهم في مجلس المنصور أبي جعفر العباسي ، فقال له رجل ممن حضر : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم ، فأضحك الحاضرين وبهت الآخر وظهرت سخافة قوله.
الرابعة : - اختلف العلماء في قوله تعالى : {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} هل هو على عمومه أم لا ؛ فقالت طائفة : هو على العموم في كل حال ولكل أحد ، فروي عن ابن عمر أنه كان لا يشكو قرحة ولا شيئا إلا جعل عليه عسلا ، حتى الدمل إذا خرج عليه طلى عليه عسلا. وحكى النقاش عن أبي وجرة أنه كان يكتحل بالعسل ويستمشي بالعسل ويتداوى بالعسل. وروي أن عوف بن مالك الأشجعي مرض فقيل له : ألا نعالجك ؟ فقال : ائتوني بالماء ، فإن الله تعالى يقول : {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً} [ق : 9] ثم قال : ائتوني بعسل ، فإن الله تعالى يقول : {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} وائتوني بزيت ، فإن الله تعالى يقول : {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} [النور : 35] فجاؤوه بذلك كله فخلطه جميعا ثم شربه فبرئ. ومنهم من قال : إنه على العموم إذا خلط بالخل ويطبخ فيأتي شرابا ينتفع به في كل حالة من كل داء. وقالت طائفة : إن ذلك على الخصوص ولا يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان ، بل إنه خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من
(10/136)



الأدوية في بعض وعلى حال دون حال ؛ ففائدة الآية إخبار منه في أنه دواء لما كثر الشفاء به وصار خليطا ومعينا للأدوية في الأشربة والمعاجين ؛ وليس هذا بأول لفظ خصص فالقرآن مملوء منه ولغة العرب يأتي فيها العام كثيرا بمعنى الخاص والخاص بمعنى العام. ومما يدل على أنه ليس على العموم أن "شفاء" نكرة في سياق الإثبات ، ولا عموم فيها باتفاق أهل اللسان ومحققي أهل العلم ومختلقي أهل الأصول. لكن قد حملته طائفة من أهل الصدق والعزم على العموم. فكانوا يستشفون بالعسل من كل الأوجاع والأمراض ، وكانوا يشفون من عللهم ببركة القرآن وبصحة التصديق والإيقان. ابن العربي : ومن ضعفت نيته وغلبته على الدين عادته أخذه مفهوما على قول الأطباء ، والكل من حكم الفعال لما يشاء.
الخامسة : - إن قال قائل : قد رأينا من ينفعه العسل ومن يضره ، فكيف يكون شفاء للناس ؟ قيل له : الماء حياة كل شيء وقد رأينا من يقتله الماء إذا أخذه على ما يضاده من علة في البدن ، وقد رأينا شفاء العسل في أكثر هذه الأشربة ؛ قال معناه الزجاج. وقد اتفق الأطباء عن بكرة أبيهم على مدح عموم منفعة السكنجبين في كل مرض ، وأصله العسل وكذلك سائر المعجونات ، على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حسم داء الإشكال وأزاح وجه الاحتمال حين أمر الذي يشتكي بطنه بشرب العسل ، فلما أخبره أخوه بأنه لم يزده إلا استطلاقا أمره بعود الشراب له فبرئ ؛ وقال : "صدق الله وكذب بطن أخيك" .
السادسة : - اعترض بعض زنادقة الأطباء على هذا الحديث فقال : قد أجمعت الأطباء على أن العسل يُسهِل فكيف يوصف لمن به الإسهال ؛ فالجواب أن ذلك القول حق في نفسه لمن حصل له التصديق بنبيه عليه السلام ، فيستعمله على الوجه الذي عينه وفي المحل الذي أمره بعقد نية وحسن طوية ، فإنه يرى منفعته ويدرك بركته ، كما قد اتفق لصاحب هذا العسل وغيره كما تقدم. وأما ما حكي من الإجماع فدليل على جهله بالنقل حيث لم يقيد وأطلق. قال الإمام أبو عبدالله المازري : ينبغي أن يعلم أن الإسهال يعرض من ضروب كثيرة ، منها الإسهال
(10/137)



الحادث عن التخم والهيضات ؛ والأطباء مجمعون في مثل هذا على أن علاجه بأن يترك للطبيعة وفعلها ، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية ، فأما حبسها فضرر ، فإذا وضح هذا قلنا : فيمكن أن يكون ذلك الرجل أصابه الإسهال عن امتلاء وهيضة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بشرب العسل فزاده إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال فوافقه شرب العسل. فإذا خرج هذا عن صناعة الطب أذِن ذلك بجهل المعترض بتلك الصناعة. قال : ولسنا نستظهر على قول نبينا بأن يصدقه الأطباء بل لو كذبوه لكذبناهم ولكفرناهم وصدقناه صلى الله عليه وسلم ؛ فإن أوجدونا بالمشاهدة صحة ما قالوه فنفتقر حينئذ إلى تأويل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخريجه على ما يصح إذ قامت الدلالة على أنه لا يكذب.
السابعة : - في قوله تعالى : {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} دليل على جواز التعالج بشرب الدواء وغير ذلك خلافا لمن كره ذلك من جلة العلماء ، وهو يرد على الصوفية الذين يزعمون أن الولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل به من البلاء ، ولا يجوز له مداواة. ولا معنى لمن أنكر ذلك ، روى الصحيح عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله" . وروى أبو داود والترمذي عن أسامة بن شريك قال قالت الأعراب : ألا نتداوى يا رسول الله ؟ قال : "نعم. يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحد" قالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : "الهرم" لفظ الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح. وروي عن أبي خزامة عن أبيه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئا ؟ قال : "هي من قدر الله" قال : حديث حسن ، ولا يعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم : "إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم أو شربة من عسل أو لذعة بنار وما أحب أن أكتوي" أخرجه الصحيح. والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى. وعلى إباحة التداوي والاسترقاء
(10/138)



جمهور العلماء. روي أن ابن عمر اكتوى من اللقوة ورقي من العقرب. وعن ابن سيرين أن ابن عمر كان يسقي ولده الترياق. وقال مالك : لا بأس بذلك. وقد احتج من كره ذلك بما رواه أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دخلت أمة بقضها وقضيضها الجنة كانوا لا يسرقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" . قالوا : فالواجب على المؤمن أن يترك ذلك اعتصاما بالله وتوكلا عليه وثقة به وانقطاعا إليه ؛ فإن الله تعالى قد علم أيام المرض وأيام الصحة فلو حرص الخلق على تقليل ذلك أو زيادته ما قدروا ؛ قال الله تعالى : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد : 22]. وممن ذهب إلى هذا جماعة من أهل الفضل والأثر ، وهو قول ابن مسعود وأبي الدرداء رضوان الله عليهم. دخل عثمان بن عفان على ابن مسعود في مرضه الذي قبض فيه فقال له عثمان : ما تشتكي ؟ قال ذنوبي. قال : فما تشتهي ؟ قال رحمة ربي. قال : ألا أدعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أمرضني... وذكر الحديث. وسيأتي بكماله في فضل الواقعة إن شاء الله تعالى. وذكر وكيع قال : حدثنا أبو هلال عن معاوية بن قرة قال : مرض أبو الدرداء فعادوه وقالوا : ألا ندعو لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أضجعني. وإلى هذا ذهب الربيع بن خيثم. وكره سعيد بن جبير الرقى. وكان الحسن يكره شرب الأدوية كلها إلا اللبن والعسل. وأجاب الأولون عن الحديث بأنه لا حجة فيه ، لأنه يحتمل أن يكون قصد إلى نوع من الكي مكروه بدليل كي النبي صلى الله عليه وسلم أبيا يوم الأحزاب على أكحله لما رمي. وقال : "الشفاء في ثلاثة" كما تقدم. ويحتمل أن يكون قصد إلى الرقى بما ليس في كتاب الله ، وقد قال سبحانه وتعالى : {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء : 82] على ما يأتي بيانه. ورقى أصحابه وأمرهم بالرقية ؛ على ما يأتي بيانه.
(10/139)



الثامنة : - ذهب مالك وجماعة أصحابه إلى أن لا زكاة في العسل وإن كان مطعوما مقتاتا. واختلف فيه قول الشافعي ، والذي قطع به في قوله الجديد : أنه لا زكاة فيه. وقال أبو حنيفة بوجوب زكاة العسل في قليله وكثيره ؛ لأن النصاب عنده فيه ليس بشرط. وقال محمد بن الحسن : لا شيء فيه حتى يبل ثمانية أفراق ، والفرق ستة وثلاثون رطلا من أرطال العراق. وقال أبو يوسف : في كل عشرة أزقاق زق ؛ متمسكا بما رواه الترمذي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "في العسل في كل عشرة أزقاق زق" قال أبو عيسى : في إسناده مقال ، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شيء ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم ، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم : ليس في العسل شيء.
التاسعة : - قوله تعالى : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي يعتبرون ؛ ومن العبرة في النحل بإنصاف النظر وإلطاف الفكر في عجيب أمرها. فيشهد اليقين بأن ملهمها الصنعة اللطيفة مع البنية الضعيفة ، وحذقها باحتيالها في تفاوت أحوالها هو الله سبحانه وتعالى ؛ كما قال : {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل : 68] الآية. ثم أنها تأكل الحامض والمر والحلو والمالح والحشائش الضارة ، فيجعله الله تعالى عسلا حلوا وشفاء ، وفي هذا دليل على قدرته.
الآية : 70 {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}
قوله تعالى : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} بين معناه. {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} يعني أردأه وأوضعه. وقيل : الذي ينقص قوته وعقله ويصيره إلى الخرف ونحوه. وقال ابن عباس : يعني إلى أسفل العمر ، يصير كالصبي الذي لا عقل له ؛ والمعنى متقارب. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ يقول :
(10/140)



"اللهم إني أعوذ بك من الكسل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من البخل" . وفي حديث سعد بن أبي وقاص "وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر" الحديث. خرجه البخاري. {لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} إن الله عليم قدير" أي يرجع إلى حالة الطفولية فلا يعلم ما كان يعلم قبل من الأمور لفرط الكبر. وقد قيل : هذا لا يكون للمؤمن ، لأن المؤمن لا ينزع عنه علمه. وقيل : المعنى لكيلا يعمل بعد علم شيئا ؛ فعبر عن العمل بالعلم لافتقاره إليه ؛ لأن تأثير الكبر في عمله أبلغ من تأثيره في علمه. والمعنى المقصود الاحتجاج على منكري البعث ، أي الذي رده إلى هذه الحال قادر على أن يميته ثم يحييه.
الآية : 71 {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}
قوله تعالى : {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} أي جعل منكم غنيا وحرا وعبدا. {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} أي في الرزق. {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي لا يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رزق شيئا حتى يستوي المملوك والمالك في المال. وهذا مثل ضربه الله لعبدة الأصنام ، أي إذا لم يكن عبيدكم معكم سواء فكيف تجعلون عبيدي معي سواء ؛ فلما لم يكن يشركهم عبيدهم في أموالهم لم يجز لهم أن يشاركوا الله تعالى في عبادة غيره من الأوثان والأنصاب وغيرهما مما عبد ؛ كالملائكة والأنبياء وهم عبيده وخلقه. حكى معناه الطبري ، وقاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. وعن ابن عباس أيضا أنها نزلت في نصارى نجران حين قالوا عيسى ابن الله فقال الله لهم {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي لا يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رزق حتى يكون المولى والعبد في المال شرعا سواء ، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم فتجعلون لي ولدا
(10/141)



من عبيدي. ونظيرها {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم : 28] على ما يأتي. ودل هذا على أن العبد لا يملك ، على ما يأتي أنفا.
الآية : 72 {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}
قوله تعالى : {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} جعل بمعنى خلق {مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} يعني آدم خلق منه حواء. وقيل : المعنى جعل لكم من أنفسكم ، أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقتكم ؛ كما قال : {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة : 128] أي من الآدميين. وفي هذا رد على العرب التي كانت تعتقد أنها كانت تزوج الجن وتباضعها ، حتى روي أن عمرو بن هند تزوج منهم غولا وكان يخبؤها عن البرق لئلا تراه فتنفر ، فلما كان في بعض الليالي لمع البرق وعاينته السعلاة فقالت : عمرو ونفرت ، فلم يرها أبدا. وهذا من أكاذيبها ، وإن كان جائزا في حكم الله وحكمته فهو رد على الفلاسفة الذين ينكرون وجود الجن ويحيلون طعامهم. "أزواجا" زوج الرجل هي ثانيته ، فإنه فرد فإذا انضافت إليه كانا زوجين ، وإنما جعلت الإضافة إليه دونها لأنه أصلها في الوجود كما تقدم.
(10/142)



قوله تعالى : {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} فيه خمس مسائل :
الأولى : - قوله تعالى : {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ} ظاهر في تعديد النعمة في الأبناء ، ووجود الأبناء يكون منهما معا ؛ ولكنه لما كان خلق المولود فيها وانفصاله عنها أضيف إليها ، ولذلك تبعها في الرق والحرية وصار مثلها في المالية. قال ابن العربي : سمعت إمام الحنابلة بمدينة السلام أبا الوفاء علي بن عقيل يقول : إنما تبع الولد الأم في المالية وصار بحكمها في الرق والحرية ؛ لأنه انفصل عن الأب نطفة لا قيمة له ولا مالية فيه ولا منفعة ، وإنما اكتسب ما اكتسب بها ومنها فلأجل ذلك تبعها. كما لو أكل رجل تمرا في أرض رجل وسقطت منه نواة في الأرض من يد الآكل فصارت نخلة فإنها ملك صاحب الأرض دون الآكل بإجماع من الأمة لأنها انفصلت عن الآكل ولا قيمة لها.
الثانية : - قوله تعالى : {وَحَفَدَةً} روى ابن القاسم عن مالك قال وسألته عن قوله تعالى : {بَنِينَ وَحَفَدَةً} قال : الحفدة الخدم والأعوان في رأيي. وروي عن ابن عباس في قوله تعالى : {وَحَفَدَةً} قال هم الأعوان ، من أعانك فقد حفدك. قيل له : فهل تعرف العرب ذلك ؟ قال نعم وتقول أو ما سمعت قول الشاعر :
حفد الولائد حولهن وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال
أي أسرعن الخدمة. والولائد : الخدم ، الواحدة وليدة ؛ قال الأعشى :
كلفت مجهولها نوقا يمانية ... إذا الحداة على أكسائها حفدوا
أي أسرعوا. وقال ابن عرفة : الحفدة عند العرب الأعوان ، فكل من عمل عملا أطاع فيه وسارع فهو حافد ، قال : ومنه قولهم إليك نسعى ونحفد ، والحفدان السرعة. قال أبو عبيد : الحفد العمل والخدمة. وقال الخليل بن أحمد : الحفدة عند العرب الخدم ، وقاله مجاهد. وقال الأزهري : قيل الحفدة أولاد الأولاد. وروي عن ابن عباس. وقيل الأختان ؛ قاله ابن مسعود وعلقمة وأبو الضحاك وسعيد بن جبير وإبراهيم ؛
(10/143)



ومنه قول الشاعر :
فلو أن نفسي طاوعتني لأصبحت ... لها حفد ما يعد كثير
ولكنها نفس علي أبية ... عيوف لإصهار اللئام قذور
وروى زر عن عبدالله قال : الحفدة الأصهار ؛ وقاله إبراهيم ، والمعنى متقارب. قال الأصمعي : الختن من كان من قبل المرأة ، مثل أبيها وأخيها وما أشبههما ؛ والأصهار منها جميعا. يقال : أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر. وقول عبدالله هم الأختان ، يحتمل المعنيين جميعا. يحتمل أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبهه من أقربائها ، ويحتمل أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوجونهن ، فيكون لكم بسببهن أختان. وقال عكرمة : الحفدة من نفع الرجال من ولده ؛ وأصله من حفد يحفد - بفتح العين في الماضي وكسرها في المستقبل - إذا أسرع في سيره ؛ كما قال كثير :
حفد الولائد بينهن... ......البيت
ويقال : حفدت وأحفدت ، لغتان إذا خدمت. ويقال : حافد وحفد ؛ مثل خادم وخدم ، وحافد وحفدة مثل كافر وكفرة. قال المهدوي : ومن جعل الحفدة الخدم جعله منقطعا مما قبله ينوي به التقديم ؛ كأنه قال : جعل لكم حفدة وجعل لكم من أزواجكم بنين.
قلت : ما قال الأزهري من أن الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهر القرآن بل نصه ؛ ألا ترى أنه قال : "وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة" فجعل الحفدة والبنين منهن. وقال ابن العربي : الأظهر عندي في قوله "بنين وحفدة" أن البنين أولاد الرجل لصلبه والحفدة أولاد ولده ، وليس في قوة اللفظ أكثر من هذا ، ويكون تقدير الآية على هذا : وجعل لكم من أزواجكم بنين ومن البنين حفدة. وقال معناه الحسن.
الثالثة : - إذا فرعنا على قول مجاهد وابن عباس ومالك وعلماء اللغة في قولهم إن الحفدة الخدم والأعوان ، فقد خرجت خدمة الولد والزوجة من القرآن بأبدع بيان ؛ قاله ابن العربي.
(10/144)



روي البخاري وغيره عن سهل بن سعد أن أبا أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعرسه فكانت امرأته خادمهم... الحديث ، وفي الصحيح عن عائشة قالت : أنا فتلت قلائد بدن النبي صلى الله عليه وسلم بيدي. الحديث. ولهذا قال علماؤنا : عليها أن تفرش الفراش وتطبخ القدر وتقم الدار ، بحسب حالها وعادة مثلها ؛ قال الله تعالى : {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف : 189] فكأنه جمع لنا فيها السكن والاستمتاع وضربا من الخدمة بحسب جري العادة.
الرابعة : - ويخدم الرجل زوجته فيما خف من الخدمة ويعينها ، لما روته عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكون في مهنة أهله فإذا سمع الأذان خرج. وهذا قول مالك : ويعينها. وفي أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخصف النعل ويقم البيت ويخيط الثوب. وقالت عائشة وقد قيل لها : ما كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ؟ قالت : كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه.
الخامسة : - وينفق على خادمة واحدة ، وقيل على أكثر ؛ على قدر الثروة والمنزلة. وهذا أمر دائر على العرف الذي هو أصل من أصول الشريعة ، فإن نساء الأعراب وسكان البوادي يخدمن أزواجهن في استعذاب الماء وسياسة الدواب ، ونساء الحواضر يخدم المقل منهم زوجته فيما خف ويعينها ، وأما أهل الثروة فيخدمون أزواجهن ويترفهن معهم إذا كان لهم منصب ذلك ؛ فإن كان أمرا مشكلا شرطت عليه الزوجة ذلك ، فتشهد أنه قد عرف أنها ممن لا تخدم نفسها فالتزم إخدامها ، فينفذ ذلك وتنقطع الدعوى فيه.
قوله تعالى : {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} أي من الثمار والحبوب والحيوان. {أَفَبِالْبَاطِلِ} يعني الأصنام ؛ قال ابن عباس. {يُؤْمِنُونَ} قراءة الجمهور بالياء. وقرأ أبو عبدالرحمن بالتاء. {بِنِعْمَةِ اللَّهِ} أي بالإسلام. {هم يَكْفُرُونَ}
(10/145)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: