منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 22 سبتمبر - 14:50


المجلد العاشر
...

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة النحل
سورة النحل وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وتسمى سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من نعمه على عباده. وقيل : هي مكية غير قوله تعالى : {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل : 126] الآية ؛ نزلت بالمدينة في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد. وغير قوله تعالى : {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ} [النحل : 127]. وغير قوله : {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا} [النحل : 110] الآية. وأما قوله : {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النحل : 41] فمكي ، في شأن هجرة الحبشة. وقال ابن عباس : هي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة بعد قتل حمزة ، وهي قوله : {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً} إلى قوله : {بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل : 95].
الآية : 1 {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
قوله تعالى : {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} قيل : "أتى" بمعنى يأتي ؛ فهو كقولك : إن أكرمتني أكرمتك. وقد تقدم أن أخبار الله تعالى في الماضي والمستقبل سواء ؛ لأنه آت لا محالة ، كقوله : {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} [الأعراف : 44]. و"أمر الله" عقابه لمن أقام على الشرك وتكذيب رسوله. قال الحسن وابن جريج والضحاك : إنه ما جاء به القرآن من فرائضه وأحكامه. وفيه بعد ؛ لأنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة استعجل فرائض الله من قبل أن تفرض عليهم ، وأما مستعجلو العذاب والعقاب فذلك منقول عن كثير من كفار قريش
(10/65)



وغيرهم ، حتى قال النضر بن الحارث : {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} الآية ، فاستعجل العذاب.
قلت : قد يستدل الضحاك بقول عمر رضي الله عنه : وافقت ربي في ثلاث : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أسارى بدر ؛ خرجه مسلم والبخاري. وقال الزجاج : هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم ، وهو كقوله : {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود : 40]. وقيل : هو يوم القيامة أو ما يدل على قربها من أشراطها. قال ابن عباس : لما نزلت {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر : 1] قال الكفار : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت ، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون ، فأمسكوا وانتظروا فلم يروا شيئا ، فقالوا : ما نرى شيئا فنزلت : {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء : 1] الآية. فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة ، فامتدت الأيام فقالوا : ما نرى شيئا فنزلت {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون وخافوا ؛ فنزلت {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} فاطمأنوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "بعثت أنا والساعة كهاتين" وأشار بأصبعيه : السبابة والتي تليها. يقول : "إن كادت لتسبقني فسبقتها" . وقال ابن عباس : كان بعث النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة ، وأن جبريل لما مر بأهل السماوات مبعوثا إلى محمد صلى الله عليه وسلم قالوا الله أكبر ، قد قامت الساعة.
قوله تعالى : {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزيها له عما يصفونه به من أنه لا يقدر على قيام الساعة ، وذلك أنهم يقولون : لا يقدر أحد على بعث الأموات ، فوصفوه بالعجز الذي لا يوصف به إلا المخلوق ، وذلك شرك. وقيل : {عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي عن إشراكهم. وقيل : "ما" بمعنى الذي أي ارتفع عن الذين أشركوا به.
(10/66)



الآية : 2 {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ}
قرأ المفضل عن عاصم "تَنَزَّل الملائكةُ" والأصل تتنزل ، فالفعل مسند إلى الملائكة. وقرأ الكسائي عن أبي بكر عن عاصم باختلاف عنه والأعمش "تُنَزَّل الملائكةُ" غير مسمى الفاعل. وقرأ الجعفي عن أبي بكر عن عاصم "تُنَزِّل الملائكةَ" بالنون مسمى الفاعل ، الباقون "يُنَزِّل" بالياء مسمى الفاعل ، والضمير فيه لاسم الله عز وجل. وروي عن قتادة "تنزل الملائكة" بالنون والتخفيف. وقرأ الأعمش "تنزل" بفتح التاء وكسر الزاي ، من النزول. "الملائكة" رفعا مثل {تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ} [القدر : 4] {بِالرُّوحِ} أي بالوحي وهو النبوة ؛ قاله ابن عباس. نظيره {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر : 15]. الربيع بن أنس : بكلام الله وهو القرآن. وقيل : هو بيان الحق الذي يجب اتباعه. وقيل أرواح الخلق ؛ قاله قتادة ، لا ينزل ملك إلا ومعه روح. وكذا روي عن ابن عباس أن الروح خلق من خلق الله عز وجل كصور ابن آدم ، لا ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد منهم. وقيل بالرحمة ؛ قاله الحسن وقتادة. وقيل بالهداية ؛ لأنها تحيا بها القلوب كما تحيا بالأرواح الأبدان ، وهو معنى قول الزجاج. قال الزجاج : الروح ما كان فيه من أمر الله حياة بالإرشاد إلى أمره. وقال أبو عبيدة : الروح هنا جبريل. والباء في قوله : "بالروح" بمعنى مع ، كقولك : خرج بثيابه ، أي مع ثيابه. {مِنْ أَمْرِهِ} أي بأمره. {عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} أي على الذين اختارهم الله للنبوة. وهذا رد لقولهم : {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف : 31]. {أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ} تحذير من عبادة الأوثان ، ولذلك جاء الإنذار ؛ لأن أصله التحذير مما يخاف منه. ودل على ذلك قوله : "فاتقون". و"أن" في موضع نصب بنزع الخافض ، أي بأن أنذروا أهل الكفر بأنه لا إله إلا الله ، "فأن" في محل نصب بسقوط الخافض أو بوقوع الإنذار عليه.
(10/67)



الآية : 3 {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
قوله تعالى : {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} أي للزوال والفناء. وقيل : "بالحق" أي للدلالة على قدرته ، وأن له أن يتعبد العباد بالطاعة وأن يحيى بعد الموت. {تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي من هذه الأصنام التي لا تقدر على خلق شيء.
الآية : 4 {خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ}
قوله تعالى : {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} لما ذكر الدليل على توحيده ذكر بعده الإنسان ومناكدته وتعدي طوره. و"الإنسان" اسم للجنس. وروي أن المراد به أبي بن خلف الجمحي ، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم فقال : أترى يحيي الله هذا بعد ما قد رم. وفي هذا أيضا نزل {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس : 77] أي خلق الإنسان من ماء يخرج من بين الصلب والترائب ، فنقله أطوارا إلى أن ولد ونشأ بحيث يخاصم في الأمور. فمعنى الكلام التعجب من الإنسان {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس : 78] وقوله : {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} أي مخاصم ، كالنسيب بمعنى المناسب. أي يخاصم الله عز وجل في قدرته. و {مُبِينٌ} أي ظاهر الخصومة. وقيل : يبين عن نفسه الخصومة بالباطل. والمبين : هو المفصح عما في ضميره بمنطقه.
الآية : 5 {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}
فيه ثلاث مسائل
الأولى : قوله تعالى : {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} لما ذكر الإنسان ذكر ما من به عليه. والأنعام : الإبل والبقر والغنم. وأكثر ما يقال : نعم وأنعام للإبل ، ويقال للمجموع ولا يقال للغنم مفردة. قال حسان :
(10/68)



عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء
ديار من بني الحسحاس قفر ... تعفيها الروامس والسماء
وكانت لا يزال بها أنيس ... خلال مروجها نعم وشاء
فالنعم هنا الإبل خاصة. وقال الجوهري : والنعم واحد الأنعام وهي المال الراعية ، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل. قال الفراء : هو ذكر لا يؤنث ، يقولون : هذا نعم وارد ، ويجمع على نعمان مثل حمل وحملان. والأنعام تذكر وتؤنث ؛ قال الله تعالى : {مِمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل : 66]. وفي موضع {مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون : 21]. وانتصب الأنعام عطفا على الإنسان ، أو بفعل مقتدر ، وهو أوجه.
الثانية : قوله تعالى : {دِفْءٌ} الدفء : السخانة ، وهو ما استدفئ به من أصوافها وأوبارها وأشعارها ، ملابس ولحف وقطف. وروي عن ابن عباس : دفؤها نسلها ؛ والله أعلم قال الجوهري في الصحاح : الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها ؛ قال الله تعالى : {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} . وفي الحديث "لنا من دفئهم ما سلموا بالميثاق". والدفء أيضا السخونة ، تقول منه : دفئ الرجل دفاءة مثل كره كراهة. وكذلك دفئ دفأ مثل ظمئ ظمأ. والاسم الدفء بالكسر وهو الشيء الذي يدفئك ، والجمع الأدفاء. تقول : ما عليه دفء ؛ لأنه اسم. ولا تقول : ما عليك دفاءة ؛ لأنه مصدر. وتقول : اقعد في دفء هذا الحائط أي ركنه. ورجل دفئ على فعل إذا لبس ما يدفئه. وكذلك رجل دفآن وامرأة دفأى. وقد أدفأه الثوب وتدفأ هو بالثوب واستدفأ به ، وأدفأ به وهو افتعل ؛ أي ما لبس ما يدفئه. ودفؤت ليلتنا ، ويوم دفيء على فعيل وليلة دفيئة ، وكذلك الثوب والبيت. والمدفئة الإبل الكثيرة ؛ لأن بعضها يدفئ بعضا بأنفاسها ، وقد يشدد. والمدفأة الإبل الكثيرة الأوبار والشحوم ؛ عن الأصمعي. وأنشد الشماخ :
وكيف يضيع صاحب مدفآت ...
على أثباجهن من الصقيع
(10/69)



قوله تعالى : {وَمَنَافِعُ} قال ابن عباس : المنافع نسل كل دابة. مجاهد : الركوب والحمل والألبان واللحوم والسمن. {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أفرد منفعة الأكل بالذكر لأنها معظم المنافع. وقيل : المعنى ومن لحومها تأكلون عند الذبح.
الثالثة : دلت هذه الآية على لباس الصوف ، وقد لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله كموسى وغيره. وفي حديث المغيرة : فغسل وجهه وعليه جبة من صوف شامية ضيقة الكمين... الحديث ، خرجه مسلم وغيره. قال ابن العربي : وهو شعار المتقين ولباس الصالحين وشارة الصحابة والتابعين ، واختيار الزهاد والعارفين ، وهو يلبس لينا وخشنا وجيدا ومقاربا ورديئا ، وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية ؛ لأنه لباسهم في الغالب ، فالياء للنسب والهاء للتأنيث. وقد انشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس طهره الله :
تشاجر الناس في الصوفي واختلفوا ... فيه وظنوه مشتقا من الصوف
ولست أنحل هذا الاسم غير فتى ... صافى فصوفي حتى سمي الصوفي
الآية : 6 {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ}
الجمال ما يتجمل به ويتزين. والجمال : الحسن. وقد جمُل الرجل - بالضم - جمالا فهو جميل ، والمرأة جميلة ، وجملاء أيضا ؛ عن الكسائي. وأنشد :
فهي جملاء كبدر طالع ... بذَّت الخلق جميعا بالجمال
وقول أبي ذؤيب :
جمالك أيها القلب القريح
يريد : الزم تجملك وحياءك ولا تجزع جزعا قبيحا. قال علماؤنا : فالجمال يكون في الصورة وتركيب الخلقة ، ويكون في الأخلاق الباطنة ، ويكون في الأفعال. فأما جمال الخلقة فهو
(10/70)



أمر يدركه البصر ويلقيه إلى القلب متلائما ، فتتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ولا نسبته لأحد من البشر. وأما جمال الأخلاق فكونها على الصفات المحمودة من العلم والحكمة والعدل والعفة ، وكظم الغيظ وإرادة الخير لكل أحد. وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم. وجمال الأنعام والدواب من جمال الخلقة ، وهو مرئي بالأبصار موافق للبصائر. ومن جمالها كثرتها وقول الناس إذا رأوها هذه نعم فلان ؛ قاله السدي. ولأنها إذا راحت توفر حسنها وعظم شأنها وتعلقت القلوب بها ؛ لأنها إذ ذاك أعظم ما تكون أسمنة وضروعا ؛ قاله قتادة. ولهذا المعنى قدم الرواح على السراح لتكامل درها وسرور النفس بها إذ ذاك. والله أعلم. وروى أشهب عن مالك قال : يقول الله عز وجل {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} وذلك في المواشي حين تروح إلى المرعى وتسرح عليه. والرواح رجوعها بالعشي من المرعى ، والسراح بالغداة ؛ تقول : سرحت الإبل أسرحها سرحا وسروحا إذا غدوت بها إلى المرعى فخليتها ، وسرحت هي. المتعدي واللازم واحد.
الآية : 7 {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}
فيه ثلاث مسائل : -
الأولى : - قوله تعالى : {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} الأثقال أثقال الناس من متاع وطعام وغيره ، وهو ما يثقل الإنسان حمله. وقيل : المراد أبدانهم ؛ يدل على ذلك قوله تعالى : {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة : 2]. والبلد مكة ، في قول عكرمة. وقيل : هو محمول على العموم في كل بلد مسلكه على الظهر. وشق الأنفس : مشقتها وغاية جهدها. وقراءة العامة بكسر الشين. قال الجوهري : والشق المشقة ؛ ومنه قوله تعالى : {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ}
(10/71)



وهذا قد يفتح ، حكاه أبو عبيدة. قال المهدوي : وكسر الشين وفتحها في "شق" متقاربان ، وهما بمعنى المشقة ، وهو من الشق في العصا ونحوها ؛ لأنه ينال منها كالمشقة من الإنسان. وقال الثعلبي : وقرأ أبو جعفر "إلا بشق الأنفس" وهما لغتان ، مثل رق ورق وجص وجص ورطل ورطل. وينشد قول الشاعر بكسر الشين وفتحها :
وذي إبل يسعى ويحسبها له ... أخي نصب من شقها ودؤوب
ويجوز أن يكون بمعمى المصدر ، من شققت عليه شقا. والشق أيضا بالكسر النصف ، يقال : أخذت شق الشاة وشقة الشاة. وقد يكون المراد من الآية هذا المعنى ؛ أي لم تكونوا بالغيه إلا بنقص من القوة وذهاب شق منها ، أي لم تكونوا تبلغوه إلا بنصف قوى أنفسكم وذهاب النصف الآخر. والشق أيضا الناحية من الجبل. وفي حديث أم زرع : وجدني في أهل غنيمة بشق. قال أبو عبيد : هو اسم موضع. والشق أيضا : الشقيق ، يقال : هو أخي وشق نفسي. وشق اسم كاهن من كهان العرب. والشق أيضا : الجانب ؛ ومنه قول امرئ القيس :
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له ... بشق وتحتي شقها لم يحول
فهو مشترك.
الثانية : -منَّ الله سبحانه بالأنعام عموما ، وخص الإبل هنا بالذكر في حمل الأثقال على سائر الأنعام ؛ فإن الغنم للسرح والذبح ، والبقر للحرث ، والإبل للحمل. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني إنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله تعجبا وفزعا أبقرة تتكلم" ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وإني أومن به وأبو بكر وعمر" . فدل هذا الحديث على أن البقر لا يحمل عليها ولا تركب ، وإنما هي للحرث وللأكل والنسل والرسل.
(10/72)



الثالثة : - في هذه الآية دليل على جواز السفر بالدواب وحمل الأثقال عليها. ولكن على قدر ما تحتمله من غير إسراف في الحمل مع الرفق في السير. وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق بها والإراحة لها ومراعاة التفقد لعلفها وسقيها. وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها" رواه مالك في الموطأ عن أبي عبيد عن خالد بن معدان. وروى معاوية بن قرة قال : كان لأبي الدرداء جمل يقال له دمون ، فكان يقول : يا دمون ، لا تخاصمني عند ربك. فالدواب عجم لا تقدر أن تحتال لنفسها ما تحتاج إليه ، ولا تقدر أن تفصح بحوائجها ، فمن ارتفق بمرافقها ثم ضيعها من حوائجها فقد ضيع الشكر وتعرض للخصومة بين يدي الله تعالى. وروى مطر بن محمد قال : حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن خالد قال حدثنا المسيب بن آدم قال. رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب جمالا وقال : تحمل على بعيرك ما لا يطيق ؟
الآية : 8 {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ}
فيه ثمان مسائل : -
الأولى : - قوله تعالى : {وَالْخَيْلَ} بالنصب معطوف ، أي وخلق الخيل. وقرأ ابن أبي عبلة {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} بالرفع فيها كلها. وسميت الخيل خيلا لاختيالها في المشية. وواحد الخيل خائل ، كضائن واحد ضين. وقيل لا واحد له. ولما أفرد سبحانه الخيل والبغال والحمير بالذكر
(10/73)



دل على أنها لم تدخل تحت لفظ الأنعام وقيل دخلت ولكن أفردها بالذكر لما يتعلق بها من الركوب ؛ فإنه يكثر في الخيل والبغال والحمير.
الثانية : -قال العلماء : ملكنا الله تعالى الأنعام والدواب وذللها لنا ، وأباح لنا تسخيرها والانتفاع بها رحمة منه تعالى لنا ، وما ملكه الإنسان وجاز له تسخيره من الحيوان فكراؤه له جائز بإجماع أهل العلم ، لا اختلاف بينهم في ذلك. وحكم كراء الرواحل والدواب مذكور في كتب الفقه.
الثالثة : -لا خلاف بين العلماء في اكتراء الدواب والرواحل عليها والسفر بها ؛ لقوله تعالى : {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} [النحل : 7] الآية. وأجازوا أن يكري الرجل الدابة والراحلة إلى مدينة بعينها وإن لم يسم أين ينزل منها ، وكم من منهل ينزل فيه ، وكيف صفة سيره ، وكم ينزل في طريقة ، واجتزوا بالمتعارف بين الناس في ذلك. قال علماؤنا : والكراء يجري مجرى البيوع فيما يحل منه ويحرم. قال ابن القاسم فيمن اكترى دابة إلى موضع كذا بثوب مروي ولم يصف رقعته وذرعه : لم يجز ؛ لأن مالكا لم يجيز هذا في البيع ، ولا يجيز في ثمن الكراء إلا ما يجوز في ثمن البيع.
قلت : ولا يختلف في هذا إن شاء الله ؛ لأن ذلك إجارة. قال ابن المنذر : وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن من اكترى دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة قمح فحمل عليها ما اشترط فتلفت أن لا شيء عليه. وهكذا إن حمل عليها عشرة أقفزة شعير. واختلفوا فيمن اكترى دابة ليحمل عليها عشرة أقفزة فحمل عليها أحد عشر قفيزا ، فكان الشافعي وأبو ثور يقولان : هو ضامن لقيمة الدابة وعليه الكراء. وقال ابن أبي ليلى : عليه قيمتها ولا أجر عليه. وفيه قول ثالث - وهو أن عليه الكراء وعليه جزء من أجر وجزء من قيمة الدابة بقدر ما زاد من الحمل ؛ وهذا قول النعمان ويعقوب ومحمد. وقال ابن القاسم صاحب مالك : لا ضمان عليه في قول مالك إذا كان القفيز الزائد لا يفدح الدابة ، ويعلم أن مثله
(10/74)



لا تعطب فيه الدابة ، ولرب الدابة أجر القفيز الزائد مع الكراء الأول ؛ لأن عطبها ليس من أجل الزيادة. وذلك بخلاف مجاوزة المسافة ؛ لأن مجاوزة المسافة تَعَد كله فيضمن إذا هلكت في قليله وكثيره. والزيادة على الحمل المشترط اجتمع فيه إذنٌ وتعد ، فإذا كانت الزيادة لا تعطب في مثلها علم أن هلاكها مما أذن له فيه.
الرابعة : - واختلف أهل العلم في الرجل يكتري الدابة بأجر معلوم إلى موضع مسمى ، فيتعدى فيجتاز ذلك المكان ثم يرجع إلى المكان المأذون له في المصير إليه. فقالت طائفة : إذا جاوز ذلك المكان ضمن وليس عليه في التعدي كراء ؛ هكذا قال الثوري. وقال أبو حنيفة : الأجر له فيما سمى ، ولا أجر له فيما لم يسم ؛ لأنه خالف فهو ضامن ، وبه قال يعقوب. وقال الشافعي : عليه الكراء الذي سمى ، وكراء المثل فيما جاوز ذلك ، ولو عطبت لزمه قيمتها. ونحوه قال الفقهاء السبعة ، مشيخة أهل المدينة قالوا : إذا بلغ المسافة ثم زاد فعليه كراء الزيادة إن سلمت وإن هلكت ضمن. وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور : عليه الكراء والضمان. قال ابن المنذر : وبه نقول. وقال ابن القاسم : إذا بلغ المكتري الغاية التي اكترى إليها ثم زاد ميلا ونحوه أو أميالا أو زيادة كثيرة فعطبت الدابة ، فلربها كراؤه الأول والخيار في أخذه كراء الزائد بالغا ما بلغ ، أو قيمة الدابة يوم التعدي. ابن المواز : وقد روى أنه ضامن ولو زاد خطوة. وقال ابن القاسم عن مالك في زيادة الميل ونحوه : وأما ما يعدل الناس إليه في المرحلة فلا يضمن. وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون وأصبغ : إذا كانت الزيادة يسيرة أو جاز الأمد الذي تكاراها إليه بيسير ، ثم رجع بها سالمة إلى موضع تكاراها إليه فماتت ، أو ماتت في الطريق إلى الموضع الذي تكاراها إليه ، فليس له إلا كراء الزيادة ، كرده لما تسلف من الوديعة. ولو زاد كثيرا مما فيه مقام الأيام الكثيرة التي يتغير في مثلها سوقها فهو ضامن ، كما لو ماتت في مجاوزة الأمد أو المسافة ؛ لأنه إذا كانت زيادة يسيرة مما يعلم أن ذلك مما لم يعن على قتلها فهلاكها بعد ردها إلى الموضع المأذون له فيه كهلاك ما تسلف من الوديعة بعد رده لا محالة. وإن كانت الزيادة كثيرة فتلك الزيادة قد أعانت على قتلها.
(10/75)



الخامسة : - قال ابن القاسم وابن وهب قال مالك قال الله تعالى : {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} فجعلها للركوب والزينة ولم يجعلها للأكل ؛ ونحوه عن أشهب. ولهذا قال أصحابنا : لا يجوز أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ؛ لأن الله تعالى لما نص على الركوب والزينة دل على ما عداه بخلافه. وقال في "الأنعام" {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} مع ما امتن الله منها من الدفء والمنافع ، فأباح لنا أكلها بالذكاة المشروعة فيها. وبهذه الآية احتج ابن عباس والحكم بن عيينة ، قال الحكم : لحوم الخيل حرام في كتاب الله ، وقرأ هذه الآية والتي قبلها وقال : هذه للأكل وهذه للركوب. وسئل ابن عباس عن لحوم الخيل فكرهها ، وتلا هذه الآية وقال : هذه للركوب ، وقرأ الآية التي قبلها {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ} ثم قال : هذه للأكل. وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما والأوزاعي ومجاهد وأبو عبيد وغيرهم ، واحتجوا بما أخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ، وكل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير. لفظ الدارقطني. وعند النسائي أيضا عن خالد بن الوليد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "لا يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ". وقال الجمهور من الفقهاء والمحدثين : هي مباحة. وروي عن أبي حنيفة. وشذت طائفة فقالت بالتحريم ؛ منهم الحكم كما ذكرنا ، وروي عن أبي حنيفة. حكى الثلاث روايات عنه الروياني في بحر المذهب على مذهب الشافعي.
قلت : الصحيح الذي يدل عليه النظر والخبر جواز أكل لحوم الخيل ، وأن الآية والحديث لا حجة فيهما لازمة. أما الآية فلا دليل فيها على تحريم الخيل. إذ لو دلت عليه لدلت على تحريم لحوم الحمر ، والسورة مكية ، وأي حاجة كانت إلى تجديد تحريم لحوم الحمر عام خيبر وقد ثبت في الأخبار تحليل الخيل على ما يأتي. وأيضا لما ذكر تعالى الأنعام ذكر الأغلب من منافعها وأهم ما فيها ، وهو حمل الأثقال والأكل ، ولم يذكر الركوب ولا الحرث بها ولا غير ذلك مصرحا به ، وقد تركب ويحرث بها ؛ قال الله تعالى : {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا
(10/76)



مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [غافر : 79]. وقال في الخيل : {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} فذكر أيضا أغلب منافعها والمقصود منها ، ولم يذكر حمل الأثقال عليها ، وقد تحمل كما هو مشاهد فلذلك لم يذكر الأكل. وقد بينه عليه السلام الذي جعل إليه بيان ما أنزل عليه ما يأتي ، ولا يلزم من كونها خلقت للركوب والزينة ألا تؤكل ، فهذه البقرة قد أنطقها خالقها الذي أنطق كل شيء فقالت : إنما خلقت للحرث. فيلزم من علل أن الخيل لا تؤكل لأنها خلقت للركوب وألا تؤكل البقر لأنها خلقت للحرث. وقد أجمع المسلمون على جواز أكلها ، فكذلك الخيل بالسنة الثابتة فيها. روى مسلم من حديث جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل. وقال النسائي عن جابر : أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر. وفي رواية عن جابر قال : كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قيل : الرواية عن جابر بأنهم أكلوها في خيبر حكاية حال وقضية في عين ، فيحتمل أن يكونوا ذبحوا لضرورة ، ولا يحتج بقضايا الأحوال. قلنا : الرواية عن جابر وإخباره بأنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيل ذلك الاحتمال ، ولئن سلمناه فمعنا حديث أسماء قالت : نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة فأكلناه ؛ رواه مسلم. وكل تأويل من غير ترجيح في مقابلة النص فإنما هو دعوى ، لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه. وقد روى الدارقطني زيادة حسنة ترفع كل تأويل في حديث أسماء ، قالت أسماء : كان لنا فرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أرادت أن تموت فذبحناها فأكلناها. فذبحها إنما كان لخوف الموت عليها لا لغير ذلك من الأحوال. وبالله التوفيق. فإن قيل : حيوان من ذوات الحوافر فلا يؤكل كالحمار ؟ قلنا : هذا قياس الشبه وقد اختلف أرباب الأصول في القول به ، ولئن سلمناه فهو منتقض بالخنزير ؛ فإنه ذو ظلف وقد باين ذوات الأظلاف ، وعلى أن القياس إذا كان في مقابلة النص فهو فاسد الوضع لا التفات إليه. قال الطبري : وفي إجماعهم على جواز ركوب ما ذكر للأكل دليل على جواز أكل ما ذكر للركوب.
(10/77)



السادسة : - وأما البغال فإنها تلحق بالحمير ، إن قلنا إن الخيل لا تؤكل ؛ فإنها تكون متولدة من عينين لا يؤكلان. وإن قلنا إن الخيل تؤكل ، فإنها عين متولدة من مأكول وغير مأكول فغلب التحريم على ما يلزم في الأصول. وكذلك ذبح المولود بين كافرين أحدهما من أهل الذكاة والآخر ليس من أهلها ، لا تكون ذكاة ولا تحل به الذبيحة. وقد علل تحريم أكل الحمار بأنه أبدى جوهره الخبيث حيث نزا على ذكر وتلوط ؛ فسمي رجسا.
السابعة : - في الآية دليل على أن الخيل لا زكاة فيها ؛ لأن الله سبحانه من علينا بما أباحنا منها وكرمنا به من منافعها ، فغير جائز أن يلزم فيها كلفة إلا بدليل. وقد روى مالك عن عبدالله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عراك بن مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة" . وروى أبو داود عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق" . وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي والليث وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة : إن كانت إناثا كلها أو ذكورا وإناثا ، ففي كل فرس دينار إذا كانت سائمة ، وإن شاء قومها فأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم. واحتج بأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "في الخيل السائمة في كل فرس دينار" وبقوله صلى الله عليه وسلم : "الخيل ثلاثة ..." الحديث. وفيه : " ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها" . والجواب عن الأول أنه حديث لم يروه إلا غورك السعدي عن جعفر عن محمد عن أبيه عن جابر. قال الدارقطني : تفرد به غورك عن جعفر وهو ضعيف جدا ، ومن دونه ضعفاء. وأما الحديث فالحق المذكور فيه هو الخروج عليها إذا وقع النفير وتعين بها لقتال العدو إذا تعين ذلك عليه ، ويحمل المنقطعين عليها إذا احتاجوا لذلك ، وهذا واجب عليه إذا تعين ذلك ، كما يتعين عليه أن يطعمهم عند الضرورة ، فهذه حقوق الله في رقابها. فإن قيل : هذا هو
(10/78)



الحق الذي في ظهورها وبقي الحق الذي في رقابها ؛ قيل : قد روي "لا ينسى حق الله فيها" ولا فرق بين قوله : "حق الله فيها" أو "في رقابها وظهورها" فإن المعنى يرجع إلى شيء واحد ؛ لأن الحق يتعلق بجملتها. وقد قال جماعة من العلماء : إن الحق هنا حسن ملكها وتعهد شبعها والإحسان إليها وركوبها غير مشقوق عليها ؛ كما جاء في الحديث "لا تتخذوا ظهورها كراسي". وإنما خص رقابها بالذكر لأن الرقاب والأعناق تَسْتعّار كثيرا في مواضع الحقوق اللازمة والفروض الواجبة ؛ ومنه قوله تعالى : {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء : 92] وكثر عندهم استعمال ذلك واستعارته حتى جعلوه في الرباع والأموال ؛ ألا ترى قول كثير :
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال
وأيضا فإن الحيوان الذي تجب فيه الزكاة له نصاب من جنسه ، ولما خرجت الخيل عن ذلك علمنا سقوط الزكاة فيها. وأيضا فإيجابه الزكاة في إناثها منفردة دون الذكور تناقض منه. وليس في الحديث فصل بينهما. ونقيس الإناث على الذكور في نفي الصدقة بأنه حيوان مقتنى لنسله لا لدره ، ولا تجب الزكاة في ذكوره فلم تجب في إناثه كالبغال والحمير. وقد روي عنه أنه لا زكاة في إناثها وإن انفردت كذكورها منفردة ، وهذا الذي عليه الجمهور. قال ابن عبدالبر : الخبر في صدقة الخيل عن عمر صحيح من حديث الزهري وغيره. وقد روي من حديث مالك ، ورواه عنه جويرية عن الزهري أن السائب بن يزيد قال : لقد رأيت أبي يقوم الخيل ثم يدفع صدقتها إلى عمر. وهذا حجة لأبي حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان ، لا أعلم أحدا من فقهاء الأمصار أوجب الزكاة في الخيل غيرهما. تفرد به جويرية عن مالك وهو ثقة.
الثامنة : -قوله تعالى : {وَزِينَةً} منصوب بإضمار فعل ، المعنى : وجعلها زينة. وقيل : هو مفعول من أجله. والزينة : ما يتزين به ، وهذا الجمال والتزيين وإن كان من متاع الدنيا فقد أذن الله سبحانه لعباده فيه ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الإبل عز
(10/79)



لأهلها والغنم بركة والخيل في نواصيها الخير". خرجه البرقاني وابن ماجة في السنن. وإنما جمع النبي صلى الله عليه وسلم العز في الإبل ؛ لأن فيها اللباس والأكل واللبن والحمل والغزو وإن نقصها الكر والفر وجعل البركة في الغنم لما فيها من اللباس والطعام والشراب وكثرة الأولاد ؛ فإنها تلد في العام ثلاث مرات إلى ما يتبعها من السكينة ، وتحمل صاحبها عليه من خفض الجناح ولين الجانب ؛ بخلاف الفدادين أهل الوبر. وقرن النبي صلى الله عليه وسلم الخير بنواصي الخيل بقية الدهر لما فيها من الغنيمة المستفادة للكسب والمعاش ، وما يوصل إليه من قهر الأعداء وغلب الكفار وإعلاء كلمة الله تعالى.
قوله تعالى : {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} قال الجمهور : من الخلق. وقيل : من أنواع الحشرات والهوام في أسافل الأرض والبر والبحر مما لم يره البشر ولم يسمعوا به. وقيل : {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} مما أعد الله في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها ، مما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على قلب بشر. وقال قتادة والسدي : هو خلق السوس في الثياب والدود في الفواكه. ابن عباس : عين تحت العرش ؛ حكاه الماوردي. الثعلبي : وقال ابن عباس عن يمين العرش نهر من النور مثل السماوات السبع والأرضين السبع والبحار السبع سبعين مرة ، يدخله جبريل كل سحر فيغتسل فيزداد نورا إلى نوره وجمالا إلى جماله وعِظما إلى عظمه ، ثم ينتفض فيخرج الله من كل ريشة سبعين ألف قطرة ، ويخرج من كل قطرة سبعة آلاف ملك ، يدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك إلى البيت المعمور ، وفي الكعبة سبعون ألفا لا يعدون إليه إلى يوم القيامة. وقول خامس : وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "أنها أرض بيضاء ، مسيرة الشمس ثلاثين يوما مشحونة خلقا لا يعلمون أن الله تعالى يعصى في الأرض ، قالوا : يا رسول الله ، من ولد آدم ؟ قال : "لا يعلمون أن الله خلق آدم". قالوا : يا رسول الله ، فأين إبليس منهم ؟ قال : "لا يعلمون أن الله خلق إبليس" - ثم تلا {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} ذكره الماوردي.
(10/80)



قلت : ومن هذا المعنى ما ذكر البيهقي عن الشعبي قال : إن لله عبادا من وراء الأندلس كما بيننا وبين الأندلس ، ما يرون أن الله عصاه مخلوق ، رضراضهم الدر والياقوت وجبالهم الذهب والفضة ، لا يحرثون ولا يزرعون ولا يعملون عملا ، لهم شجر على أبوابهم لها ثمر هي طعامهم وشجر لها أوراق عراض هي لباسهم ؛ ذكره في بدء الخلق من "كتاب الأسماء والصفات". وخرج من حديث موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" .
الآية : 9 {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}
قوله تعالى : {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} أي على الله بيان قصد السبيل ، فحذف المضاف وهو البيان. والسبيل : السلام ، أي على الله بيانه بالرسل والحجج والبراهين. وقصد السبيل : استعانة الطريق ؛ يقال : طريق قاصد أي يؤدي إلى المطلوب. {وَمِنْهَا جَائِرٌ} أي ومن السبيل جائر ؛ أي عادل عن الحق فلا يهتدى به ؛ ومنه قول امرئ القيس :
ومن الطريقة جائر وهدى ... قصد السبيل ومنه ذو دخل
وقال طرفة :
عدولية أو من سفين ابن يامن ... يجور بها الملاح طورا ويهتدي
العدولية سفينة منسوبة إلى عَدَوْلَي قرية بالبحرين. والعدولي : الملاح ؛ قاله في الصحاح. وفي التنزيل {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام : 153]. وقيل : المعنى ومنهم جائر عن سبيل الحق ، أي عادل عنه فلا يهتدى إليه. وفيهم قولان : أحدهما : أنهم أهل الأهواء المختلفة ؛ قاله ابن عباس. الثاني : ملل الكفر من اليهودية والمجوسية
(10/81)



والنصرانية. وفي مصحف عبدالله "ومنكم جائر" وكذا قرأ علي "ومنكم" بالكاف. وقيل : المعنى وعنها جائر ؛ أي عن السبيل. فـ "من" بمعنى عن. وقال ابن عباس : أي من أراد الله أن يهديه سهل له طريق الإيمان ، ومن أراد أن يضله ثقل عليه الإيمان وفروعه. وقيل : معنى "قصد السبيل" مسيركم ورجوعكم. والسبيل واحدة بمعنى الجمع ، ولذلك أنث الكناية فقال : "ومنها" والسبيل مؤنثة في لغة أهل الحجاز.
قوله تعالى : {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} بين أن المشيئة لله تعالى ، وهو يصحح ما ذهب إليه ابن عباس في تأويل الآية ، ويرد على القدرية ومن وافقها كما تقدم.
الآية : 10 {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ}
الشراب ما يشرب ، والشجر معروف. أي ينبت من الأمطار أشجارا وعروشا ونباتا. و{تُسِيمُونَ} ترعون إبلكم ؛ يقال : سامت السائمة تسوم سوما أي رعت ، فهي سائمة. والسوام والسائم بمعنى ، وهو المال الراعي. وجمع السائم والسائمة سوائم. وأسمتها أنا أي أخرجتها إلى الرعي ، فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة. قال :
أولى لك ابن مسيمة الأجمال
وأصل السوم الإبعاد في المرعى. وقال الزجاج : أخذ من السومة وهي العلامة ؛ أي أنها تؤثر في الأرض علامات برعيها ، أو لأنها تعلم للإرسال في المرعى.
قلت : والخيل المسومة تكون المرعية. وتكون المعلمة. وقوله : {مُسَوَّمَينَ} [ آل عمران : 125] قال الأخفش تكون معلمين وتكون مرسلين ؛ من قولك : سوم فيها الخيل أي أرسلها ، ومنه السائمة ، وإنما جاء بالياء والنون لأن الخيل سومت وعليها ركبانها.
(10/82)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سمية قطبى سالم محمد
دويمابي برتبة ملازم
دويمابي برتبة ملازم
سمية قطبى سالم محمد


عدد الرسائل : 262

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 22 سبتمبر - 17:16

شكرا استاذ فوزى .........لك التحية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 26 سبتمبر - 1:22


جزاك الله خيراً أختي الكريمة د. سمية

وبارك الله لنا ولكم في القرآن الكريم.. ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم..

لك الشكر والتحية...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: