منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 25 أغسطس - 2:38




سورة يوسف



قوله تعالى : {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ} أي معاذ الله. وروى الأصمعي عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمرو بن العلاء. "وقلن حاشا لله" بإثبات الألف وهو الأصل ، ومن حذفها جعل اللام في "لله" عوضا منها. وفيها أربع لغات ؛ يقال : حاشاك وحاشا لك وحاش لك وحشا لك. ويقال : حاشا زيد وحاشا زيدا ؛ قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : النصب أولى ؛ لأنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد ، والحرف لا يحذف منه ؛ وقد قال ، النابغة :
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
وقال بعضهم : حاش حرف ، وأحاشي فعل. ويدل على كون حاشا فعلا وقوع حرف الجر بعدها. وحكى أبو زيد عن أعرابي : اللهم اغفر لي ولمن يسمع ، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ ؛ فنصب بها. وقرأ الحسن "وقلن حاش لله" بإمكان الشين ، وعنه أيضا "حاش الإله". ابن مسعود وأبي : "حاش الله" بغير لام ، ومنه قول الشاعر :
حاشا أبي ثوبان إن به ... ضنا عن الملحاة والشتم
قال الزجاج : وأصل الكلمة من الحاشية ، والحشا بمعنى الناحية ، تقول : كنت في حشا فلان أي في ناحيته ؛ فقولك : حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه ، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين. وقال أبو علي : هو فاعل من المحاشاة ؛ أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قرف به ، أو من أن يكون بشرا ؛ فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جر عند سيبويه ، وعلى ما قال المبرد وأبو علي فعل.
قوله تعالى : {مَا هَذَا بَشَراً} قال الخليل وسيبويه : "ما" بمنزلة ليس ؛ تقول : ليس زيد قائما ، و"ما هذا بشرا" و {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجادلة : 2]. وقال الكوفيون : لما حذفت الباء
(9/181)



نصبت ؛ وشرج هذا - فيما قال أحمد بن يحيى ، - إنك إذا قلت : ما زيد بمنطلق ، فموضع الباء موضع نصب ، وهكذا سائر حروف الخفض ؛ فلما حذفت الباء نصبت لتدل على محلها ، قال : وهذا قول الفراء ، قال : ولم تعمل "ما" شيئا ؛ فألزمهم البصريون أن يقولوا : زيد القمر ؛ لأن المعنى كالقمر! فرد أحمد بن يحيى بأن قال : الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف ؛ لأن الكاف تكون اسما. قال النحاس : لا يصح إلا قول البصريين ؛ وهذا القول يتناقض ؛ لأن الفراء أجاز نصا ما بمنطلق زيد ، وأنشد :
أما والله أن لو كنت حرا ... وما بالحر أنت ولا العتيق
ومنع نصا النصب ؛ ولا نعلم بين النحويين اختلافا أنه جائز : ما فيك براغب زيد ، وما إليك بقاصد عمرو ، ثم يحذفون الباء ويرفعون. وحكى البصريون والكوفيون ما زيد منطلق بالرفع ، وحكى البصريون أنها لغة تميم ، وأنشدوا :
أتيما تجعلون إلي ندا ... وما تيم لذي حسب نديد
الند والنديد والنديدة المثل والنظير. وحكى الكسائي أنها لغة تهامة ونجد. وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين : قال أبو إسحاق : وهذا غلط ؛ كتاب الله عز وجل ولغة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى وأولى.
قلت : وفي مصحف حفصة رضي الله عنها {مَا هَذَا بَشَراً} ذكره الغزنوي. قال القشيري أبو نصر : وذكرت النسوة أن صورة يوسف أحسن ، من صورة البشر ، بل هو في صورة ملك ؛ وقال الله تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين : 4] والجمع بين الآيتين أن قولهن : {حَاشَ لِلَّهِ} تبرئة ليوسف عما رمته به امرأة العزيز. من المراودة ، أي بعد يوسف عن هذا ؛ وقولهن : "لله" أي لخوفه ، أي براءة لله من هذا ؛ أي قد نجا يوسف من ذلك ، فليس هذا من الصورة في شيء ؛ والمعنى : أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة ؛ فعلى هذا لا تناقض. وقيل : المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة ، لفرط جماله. وقوله : {لِلَّهِ} تأكيد لهذا المعنى ؛ فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظنا منهن أن صورة الملك أحسن ، وما بلغهن قوله
(9/182)



تعالى : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين : 4] فإنه من كتابنا. وقد ظن بعض ، الضعفة أن هذا القول لو كان ظنا باطلا منهن لوجب على الله أن يرد عليهن ، ويبين كذبهن ، وهذا باطل ؛ إذ لا وجوب على الله تعالى ، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الرد عليه ، وأيضا أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان ، وفي الحسن كأنه ملك ؛ أي لم ير مثله ، لأن الناس لا يرون الملائكة ؛ فهو بناء على ظن في أن صورة الملك أحسن ، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التهم.. {إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ} أي ما هذا إلا ملك ؛ وقال الشاعر :
فلست لإنسي ولكن لملاك ... تنزل من جو السماء يصوب
وروي عن الحسن : "ما هذا بشرى" بكسر الباء والشين ، أي ما هذا عبدا مشترى ، أي ما ينبغي لمثل هذا أن يباع ، فوضع المصدر موضع اسم المفعول ، كما قال : {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة : 96] أي مصيده ، وشبهه كثير. ويجوز أن يكون المعنى : ما هذا بثمن ، أي مثله لا يثمن ولا يقوم ؛ فيراد بالشراء على هذا الثمن المشترى به : كقولك : ما هذا بألف إذا نفيت قول القائل : هذا بألف. فالباء على هذا متعلقة بمحذوف هو الخبر ، كأنه قال : ما هذا مقدرا بشراء. وقراءة العامة أشبه ؛ لأن بعده {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيما لشأنه ، ولأن مثل "بشرى" يكتب في المصحف بالياء.
قوله تعالى : {قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} لما رأت افتتانهن بيوسف أظهرت عذر نفسها بقولها : "لمتنني فيه" أي بحبه ، و"ذلك" بمعنى "هذا" وهو اختيار الطبري. وقيل : الهاء للحب ، و"ذلك" عل بابه ، والمعنى : ذلكن الحب الذي لمتنني فيه ، أي حب هذا هو ذلك الحب. واللوم الوصف بالقبيح. ثم أقرت وقالت : {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أي امتنع.
(9/183)



وسميت العصمة عصمة لأنها تمنع من ارتكاب المعصية. وقيل : "استعصم" أي استعصى ، والمعنى واحد. {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ} عاودته المراودة بمحضر منهن ، وهتكت جلباب الحياء ، ووعدت بالسجن إن لم يفعل ، وإنما فعلت هذا حين لم تخش لوما ولا مقالا خلاف أول أمرها إذ كان ذلك بينه وبينها. {وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} أي الأذلاء. وخط المصحف "وليكونا" بالألف وتقرأ بنون مخففة للتأكيد ؛ ونون التأكيد تثقل وتخفف والوقف على قوله : "ليسجنن" بالنون لأنها مثقلة ، وعلى "ليكونا" بالألف لأنها مخففة ، وهي تشبه نون الإعراب في قولك : رأيت رجلا وزيدا وعمرا ، ومثله قوله : {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ} ونحوها الوقف عليها بالألف ، كقول الأعشى :
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
أي أراد فاعبدا ، فلما وقف عليه كان الوقف بالألف.
الآية : 33 {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ}
الآية : 34 {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
قوله تعالى : {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} أي دخول السجن ، فحذف المضاف ؛ قاله الزجاج والنحاس. "أحب إلي" أي أسهل علي وأهون من الوقوع في المعصية ؛ لا أن دخول السجن مما يحب على التحقيق. وحكي أن يوسف عليه السلام لما قال : "السجن أحب إلي" أوحى الله إليه "يا يوسف! أنت حبست نفسك حيث قلت السجن أحب إلي ، ولو قلت العافية أحب إلي لعوفيت". وحكى أبو حاتم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قرأ : "السَّجن" بفتح السين وحكى أن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق
(9/184)



وعبدالرحمن الأعرج ويعقوب ؛ وهو مصدر سجنه سجنا. {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} أي كيد النسوان. وقيل : كيد النسوة اللاتي رأينه ؟ فإنهن أمرنه بمطاوعة امرأة العزيز ، وقلن له : هي مظلومة وقد ظلمتها. وقيل : طلبت كل واحدة أن تخلو به للنصيحة في امرأة العزيز ؛ والقصد بذلك أن تعذله في حقها ، وتأمره بمساعدتها ، فلعله يجيب ؛ فصارت كل واحدة تخلو به على حدة فتقول له : يا يوسف! اقض لي حاجتي فأنا خير لك من سيدتك ؛ تدعوه كل واحدة لنفسها وتراوده ؛ فقال : يا رب كانت واحدة فصرن جماعة. وقيل : كيد امرأة العزيز فيما دعته إليه من الفاحشة ؛ وكنى عنها بخطاب الجمع إما لتعظيم شأنها في الخطاب ، وإما ليعدل عن التصريح إلى التعريض. والكيد الاحتيال والاجتهاد ؛ ولهذا سميت الحرب كيدا لاحتيال الناس فيها ؛ قال عمر بن لجأ :
تراءت كي تكيدك أم بشر ... وكيد بالتبرج ما تكيد
قوله تعالى : {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} جواب الشرط ، أي أمل إليهن ، من صبا يصبو - إذا مال واشتاق - صبوا وصبوة ؛ قال :
إلى هند صبا قلبي ... وهند مثلها يصبي
أي إن لم تلطف بي في اجتناب المعصية وقعت فيها. {وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} أي ممن يرتكب الإثم ويستحق الذم ، أو ممن يعمل عمل الجهال ؛ ودل هذا على أن أحدا لا يمتنع عن معصية الله إلا بعون الله ؛ ودل أيضا على قبح الجهل والذم لصاحبه.
قوله تعالى : {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ} لما قال. {وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ} تعرض للدعاء ، وكأنه قال : اللهم اصرف عني كيدهن ؛ فاستجاب له دعاءه ، ولطف به وعصمه عن الوقوع في الزنى. "كيدهن" قيل : لأنهن جمع قد راودنه عن نفسه. وقيل : يعني كيد النساء. وقيل : يعني كيد امرأة العزيز ، على ما ذكر في الآية قبل ؛ والعموم أولى.
(9/185)



الآية : 35 {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ}
فيه أربع مسائل : -
الأولى : - قوله تعالى : {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ} أي ظهر للعزيز وأهل مشورته "من بعد أن رأوا الآيات" أي علامات براءة يوسف - من قد القميص من دبر ؛ وشهادة الشاهد ، وحز الأيدي ، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف : أن يسجنوه كتمانا للقصة ألا تشيع في العامة ، وللحيلولة بينه وبينها. وقيل : هي البركات التي كانت تنفتح عليهم ما دام يوسف فيهم ؛ والأول أصح. قال مقاتل عن مجاهد عن ابن عباس في قوله : {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآياتِ} قال : القميص من الآيات ، وشهادة الشاهد من الآيات ، وقطع الأيدي من الآيات ، وإعظام النساء إياه من الآيات. وقيل : ألجأها الخجل من الناس ، والوجل من اليأس إلى أن رضيت بالحجاب مكان خوف الذهاب ، لتشتفي إذا منعت من نظره ، قال :
وما صبابة مشتاق على أمل ... من اللقاء كمشتاق بلا أمل
أو كادته رجاء أن يمل حبسه فيبذل نفسه.
الثانية : - قوله تعالى : {لَيَسْجُنُنَّهُ} "يُسْجُنُنه" في موضع الفاعل ؛ أي ظهر لهم أن يسجنوه ؛ هذا قول سيبويه. قال المبرد : وهذا غلط ؛ لا يكون الفاعل جملة ، ولكن الفاعل ما دل عليه "بدا" وهو مصدر ؛ أي بدا لهم بداء ؛ فحذف لأن الفعل يدل عليه ؛ كما قال الشاعر :
وحق لمن أبو موسى أبوه ... يوقفه الذي نصب الجبالا
أي وحق الحق ، فحذف. وقيل : المعنى ثم بدا لهم رأي لم يكونوا يعرفونه ؛ وحذف هذا لأن في الكلام دليلا عليه ، وحذف أيضا القول ؛ أي قالوا : ليسجننه ، واللام جواب ليمين مضمر ؛ قاله الفراء ، وهو فعل مذكر لا فعل مؤنث ؛ ولو كان فعلا مؤنثا لكان يسجنانه ؛
(9/186)



ويدل على هذا قوله "لهم" ولم يقل لهن ، فكأنه أخبر عن النسوة وأعوانهن فغلب المذكر ؛ قاله أبو علي. وقال السدي : كان سبب حبس يوسف أن امرأة العزيز شكت إليه أنه شهرها ونشر خبرها ؛ فالضمير على هذا في "لهم" للملك.
الثالثة : - قوله تعالى : {حَتَّى حِينٍ} أي إلى مدة غير معلومة ؛ قاله كثير من المفسرين. وقال ابن عباس : إلى انقطاع ما شاع في المدينة. وقال سعيد بن جبير : إلى ستة أشهر. وحكى الكيا أنه عنى ثلاثة عشر شهرا. عكرمة : تسع سنين. الكلبي : خمس سنين. مقاتل : سبع. وقد مضى في "البقرة" القول في الحين وما يرتبط به من الأحكام. وقال وهب : أقام في السجن اثنتي عشرة سنة. و"حتى" بمعنى إلى ؛ كقوله : {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر : 5]. وجعل الله الحبس تطهيرا ليوسف صلى الله عليه وسلم من همه بالمرأة. وكأن العزيز - وإن عرف براءة يوسف - أطاع المرأة في سجن يوسف. قال ابن عباس : عثر يوسف ثلاث عثرات : حين هم بها فسجن ، وحين قال للفتى : {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف : 42] فلبث في السجن بضع سنين ، وحين قال لإخوته : {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف : 70] فقالوا : {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} . [يوسف : 77].
الرابعة : - أكره يوسف عليه السلام على الفاحشة بالسجن ، وأقام خمسة أعوام ، وما رضي بذلك لعظيم منزلته وشريف قدره ؛ ولو أكره رجل بالسجن على الزنى ما جاز له إجماعا. فإن أكره بالضرب فقد اختلف فيه العلماء ، والصحيح أنه إذا كان فادحا فإنه يسقط عنه إثم الزنى وحده. وقد قال بعض علمائنا : إنه لا يسقط عنه الحد ، وهو ضعيف ؛ فإن الله تعالى لا يجمع على عبده العذابين ، ولا يصرفه بين بلاءين ؛ فإنه من أعظم الحرج في الدين. {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . [الحج : 78]. وسيأتي بيان هذا في "النحل" إن شاء الله. وصبر يوسف ، واستعاذ به من الكيد ، فاستجاب له على ما تقدم.
(9/187)



الآية : 36 {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
الآية : 37 {قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}
الآية : 38 {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}
قوله تعالى : {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} "فتيان" تثنية فتى ؛ وهو من ذوات الياء ، وقولهم : الفتو شاذ. قال وهب وغيره : حمل يوسف إلى السجن مقيدا على حمار ، وطيف به "هذا جزاء من يعصي سيدته" وهو يقول : هذا أيسر من مقطعات النيران ، وسرابيل القطران ، وشراب الحميم ، وأكل الزقوم. فلما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم ، واشتد بلاؤهم ؛ فجعل يقول لهم : اصبروا وابشروا تؤجروا ؛ فقالوا له : يا فتى ! ما أحسن حديثك! لقد بورك لنا في جوارك ، من أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب ، ابن ذبيح الله إسحاق ، ابن خليل الله إبراهيم. وقال ابن عباس : لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني ، وأنا أريد أن تسجنه ، فسجنه في السجن ؛ فكان يعزي فيه الحزين ، ويعود فيه المريض ، ويداوي فيه الجريح ، ويصلي الليل كله ، ويبكي حتى تبكي معه جدر البيوت وسقفها والأبواب ، وطهر به السجن ، واستأنس به أهل السجن ؛ فكان إذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن
(9/188)



مع يوسف ، وأحبه صاحب السجن فوسع عليه فيه ؛ ثم قال ، له : يا يوسف! لقد أحببتك. حبا لم أحب شيئا حبك ؛ فقال : أعوذ بالله من حبك ، قال : ولم ذلك ؟ فقال : أحبني أبي ففعل بي أخوتي ما فعلوه ، وأحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى ، فكان في حبسه حتى غضب الملك على خبازه وصاحب شرابه ، وذلك أن الملك عمر فيهم فملوه ، فدسوا إلى خبازه وصاحب شرابه أن يسماه جميعا ، فأجاب الخباز وأبى صاحب الشراب ، فانطلق صاحب الشراب فأخبر الملك بذلك ، فأمر الملك بحبسهما ، فاستأنسا بيوسف ، فذلك قوله : {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} وقد قيل : إن الخباز وضع السم في الطعام ، فلما حضر الطعام قال الساقي : أيها الملك! لا تأكل فإن الطعام مسموم. وقال الخباز : أيها الملك لا تشرب! فإن الشراب مسموم ؛ فقال الملك للساقي : اشرب! فشرب فلم يضره ، وقال للخباز : كل ؛ فأبى ، فجرب الطعام على حيوان فنفق مكانه ، فحبسهما سنة ، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف. واسم الساقي منجا ، والآخر مجلث ؛ ذكره الثعلبي عن كعب. وقال النقاش : اسم أحدهما شرهم ، والآخر سرهم ؛ الأول ، بالشين المعجمة. والآخر بالسين المهملة. وقال الطبري : الذي رأى أنه يعصر خمرا هو نبو ، قال السهيلي : وذكر اسم الآخر ولم أقيده.
وقال "فتيان" لأنهما كانا عبدين ، والعبد يسمى فتى ، صغيرا كان أو كبيرا ؛ ذكره الماوردي. وقال القشيري : ولعل الفتى كان اسما للعبد في عرفهم ؛ ولهذا قال : {تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف : 30]. ويحتمل أن يكون الفتى اسما للخادم وإن لم يكن مملوكا. ويمكن أن يكون حبسهما مع حبس يوسف أو بعده أو قبله ، غير أنهما دخلا معه البيت الذي كان فيه. {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} أي عنبا ؛ كان يوسف قال لأهل السجن. إني أعبر الأحلام ؛ فقال أحد الفتيين لصاحبه : تعال حتى نجرب هذا العبد العبراني ؛ فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا ؛ قاله ابن مسعود. وحكى الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال : إني أعبر الرؤيا ؛ فسألاه عن رؤياهما. قال ابن عباس ومجاهد : كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها ؛ ولذلك صدق تأويلها. وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : "أصدقكم رؤيا أصدقكم
(9/189)



حديثا" . وقيل : إنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجريبا ؛ وهذا قول ابن مسعود والسدي. وقيل : إن المصلوب منهما كان كاذبا ، والآخر صادقا ؛ قاله أبو مجلز. وروى الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : "من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما" . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة" . قال : حديث حسن. قال ابن عباس : لما رأيا رؤياهما أصبحا مكروبين ؛ فقال لهما يوسف : مالي أراكما مكروبين ؟ قالا : يا سيدنا! إنا رأينا ما كرهنا ؛ قال : فقصا علي ، فقصا عليه ؛ قالا : نبئنا بتأويل ما رأينا ؛ وهذا يدل على أنها كانت رؤيا منام. {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} فإحسانه ، أنه كان يعود المرضى ويداويهم ، ويعزي الحزاني ؛ قال الضحاك : كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به ، وإذا ضاق وسع له ، وإذا احتاج جمع له ، وسأل له. وقيل : {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} أي العالمين الذين أحسنوا العلم ، قال الفراء. وقال ابن إسحاق : {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} لنا إن فسرته ، كما يقول : افعل كذا وأنت محسن. قال : فما رأيتما ؟ قال الخباز : رأيت كأني اختبزت في ثلاثة تنانير ، وجعلته في ثلاث سلال ، فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منه. وقال الآخر : رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض ، فعصرتهن في ثلاث أوان ، ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى ، فذلك قوله : {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} أي عنبا ، بلغة عمان ، قال الضحاك. وقرأ ابن مسعود : "إني أراني أعصر عنبا". وقال الأصمعي : أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابيا ومعه عنب فقال له : ما معك ؟ قال : خمر. وقيل : معنى. {أَعْصِرُ خَمْراً} أي عنب خمر ، فحذف المضاف. ويقال : خمرة وخمر وخمور ، مثل تمرة وتمر وتمور. قال لهما يوسف : {قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ
(9/190)



تُرْزَقَانِهِ} يعني لا يجيئكما غدا طعام من منزلكما {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} لتعلما أني أعلم تأويل رؤياكما ، فقالا : افعل! فقال لهما : يجيئكما كذا وكذا ، فكان على ما قال ؛ وكان هذا من علم الغيب خُص به يوسف. وبين أن الله خصه بهذا العلم لأنه ترك ملة قوم لا يؤمنون بالله ، يعني دين الملك. ومعنى الكلام عندي : العلم بتأويل رؤياكما ، والعلم بما يأتيكما من طعامكما والعلم بدين الله ، فاسمعوا أولا ما يتعلق بالدين لتهتدوا ، ولهذا لم يعبر لهما حتى دعاهما إلى الإسلام ، فقال : {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ، مَا تَعْبُدُونَ} [يوسف : 39] الآية كلها ، على ما يأتي. وقيل : علم أن أحدهما مقتول فدعاهما إلى الإسلام ليسعدا به. وقيل : إن يوسف كره أن يعبر لهما ما سألاه لما علمه من المكروه على أحدهما فأعرض عن سؤالهما ، وأخذ في غيره فقال : {لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} في النوم {إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا} بتفسيره في اليقظة ، قاله السدي ، فقالا له : هذا من فعل العرافين والكهنة ، فقال لهما يوسف عليه السلام : ما أنا بكاهن ، وإنما ذلك مما علمنيه ربي ، إني لا أخبركما به تكهنا وتنجيما ، بل هو بوحي من الله عز وجل. وقال ابن جريج : كان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاما معروفا فأرسل به إليه ، فالمعنى : لا يأتيكما طعام ترزقانه في اليقظة ، فعلى هذا {تُرْزَقَانِهِ} أي يجري عليكما من جهة الملك أو غيره. ويحتمل يرزقكما الله. قال الحسن : كان يخبرهما بما غاب ، كعيسى عليه السلام. وقيل : إنما دعاهما بذلك إلى الإسلام ؛ وجعل المعجزة التي يستدلان بها إخبارهما بالغيوب.
قوله تعالى : {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} لأنهم أنبياء على الحق. {مَا كَانَ لَنَا} أي ما ينبغي لنا. {أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} "من" للتأكيد ، كقولك : ما جاءني من أحد. {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} إشارة إلى عصمته من الزنى. {وَعَلَى النَّاسِ } أي على المؤمنين الذين عصمهم الله من الشرك. وقيل : {ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا} إذ جعلنا أنبياء ، {وَعَلَى النَّاسِ} إذ جعلنا الرسل إليهم. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} على نعمة التوحيد والإيمان.
(9/191)



الآية : 39 {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}
الآية : 40 {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ إِلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}
قوله تعالى : {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} أي يا ساكني السجن ؛ وذكر الصحبة لطول مقامهما فيه ، كقولك : أصحاب الجنة ، وأصحاب النار. {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} أي في الصغر والكبر والتوسط ، أو متفرقون في العدد. {خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} وقيل : الخطاب لهما ولأهل السجن ، وكان بين أيديهم أصنام يعبدونها من دون الله تعالى ، فقال ذلك إلزاما للحجة ؛ أي آلهة شتى لا تضر ولا تنفع. "خير أم الله الواحد القهار" الذي قهر كل شيء. نظيره : {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل : 59]. وقيل : أشار بالتفرق إلى أنه لو تعدد الإله لتفرقوا في الإرادة ولعلا بعضهم على ، بعض ، وبين أنها إذا تفرقت لم تكن آلهة.
قوله تعالى : {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً} بين عجز الأصنام وضعفها فقال : {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ} أي من دون الله إلا ذوات أسماء لا معاني لها. {سَمَّيْتُمُوهَا} من تلقاء أنفسكم. وقيل : عنى بالأسماء المسميات ؛ أي ما تعبدون إلا أصناما ليس لها من الإلهية شيء إلا الاسم ؛ لأنها جمادات. وقال : {مَا تَعْبُدُونَ} وقد ابتدأ بخطاب الاثنين ؛ لأنه قصد جميع من هو على مثل حالهما من الشرك. {إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} فحذف ، المفعول الثاني للدلالة ؛ والمعنى : سميتموها آلهة من عند أنفسكم. {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ذلك في كتاب. قال سعيد بن جبير : {مِنْ سُلْطَانٍ} أي من حجة. {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ} الذي هو خالق الكل. {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} تعبدوه وحده ولا تشركوا معه غيره. {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} أي القويم. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}
(9/192)



الآية : 41 {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}
فيه مسألتان : -
الأولى : -قوله تعالى : {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} أي قال للساقي : إنك ترد على عملك الذي كنت عليه من سقي الملك بعد ثلاثة أيام ، وقال للآخر : وأما أنت فتدعى إلى ثلاثة أيام فتصلب فتأكل الطير من رأسك ، قال : والله ما رأيت شيئا ؛ قال : رأيت أو لم تر {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} . وحكى أهل اللغة أن سقى وأسقى لغتان بمعنى واحد ، كما قال الشاعر :
سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا والقبائل من هلال
قال النحاس : الذي عليه أكثر أهل اللغة أن معنى سقاه ناوله فشرب ، أو صب الماء في حلقه ومعنى أسقاه جعل له سقيا ؛ قال الله تعالى : {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتاً} [المرسلات : 27]
الثانية : - قال علماؤنا : إن قيل من كذب في رؤياه ففسرها العابر له أيلزمه حكمها ؟ قلنا : لا يلزمه ؛ وإنما كان ذلك في يوسف لأنه نبي ، وتعبير النبي حكم ، وقد قال : إنه يكون كذا وكذا فأوجد الله تعالى ما أخبر كما قال تحقيقا لنبوته ؛ فإن قيل : فقد روى عبدالرزاق عن معمر عن قتادة قال : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : إني رأيت كأني أعشبت ثم أجدبت ثم أعشبت ثم أجدبت ، فقال له عمر : أنت رجل تؤمن ثم تكفر ، ثم تؤمن ثم تكفر ، ثم تموت كافرا ؛ فقال الرجل : ما رأيت شيئا ؛ فقال له عمر : قد قضى لك ما قضى لصاحب يوسف ؛ قلنا : ليست لأحد بعد عمر ؛ لأن عمر كان محدثا ، وكان إذا ظن ظنا كان وإذا تكلم به وقع ، على ما ورد في أخباره ؛ وهي كثيرة ؛ منها : أنه دخل عليه رجل فقال له : أظنك كاهنا فكان كما ظن ؛ خرجه البخاري. ومنها : أنه سأل رجلا عن اسمه فقال له فيه أسماء النار كلها ، فقال له : أدرك أهلك فقد احترقوا ، فكان كما قال : خرجه الموطأ. وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة "الحجر" إن شاء الله تعالى.

(9/193)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: