منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالسبت 9 يوليو - 16:57


المجلد الثامن
تابع سورة الأنفال



الآيتان : 62 - 63 {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
قوله تعالى : {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ} أي بأن يظهروا لك السلم ، ويبطنوا الغدر والخيانة ، فاجنح فما عليك من نياتهم الفاسدة. {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} كافيك الله ، أي يتولى كفايتك وحياطتك. قال الشاعر :
إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا ... فحسبك والضحاك سيف مهند
أي كافيك وكافي الضحاك سيف.
قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} أي قواك بنصره. يريد يوم بدر. {وَبِالْمُؤْمِنِينَ} قال النعمان بن بشير : نزلت في الأنصار. {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} أي جمع بين قلوب الأوس والخزرج. وكان تألف القلوب مع العصبية الشديدة في العرب من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته ، لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل عنها حتى يستقيدها. وكانوا أشد خلق الله حمية ، فألف الله بالإيمان بينهم ، حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدين. وقيل : أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار. والمعنى متقارب.
الآية : 64 {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
ليس هذا تكريرا ، فإنه قال فيما سبق : {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} وهذه كفاية خاصة. وفي قوله : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} أراد التعميم ، أي حسبك الله في كل حال وقال ابن عباس : نزلت في إسلام عمر فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسلم معه ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ، فأسلم عمر وصاروا أربعين. والآية مكية ، كتبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في سورة مدنية ، ذكره القشيري.
(8/42)



قلت : ما ذكره من إسلام عمر رضي الله عنه عن ابن عباس ، فقد وقع في السيرة خلافه. عن عبدالله بن مسعود قال : ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه. وكان إسلام عمر بعه خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة. قال ابن إسحاق : وكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين ، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارا أو ولدوا بها ، ثلاثة وثمانين رجلا ، إن كان عمار بن ياسر منهم. وهو يشك فيه. وقال الكلبي : نزلت الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال.
قوله تعالى : {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قيل : المعنى حسبك الله ، وحسبك المهاجرون والأنصار. وقيل : المعنى كافيك الله ، وكافي من تبعك ، قال الشعبي وابن زيد. والأول عن الحسن. واختاره النحاس وغيره. فـ "مَن" على القول الأول في موضع رفع ، عطفا على اسم الله تعالى. على معنى : فإن حسبك الله وأتباعك من المؤمنين. وعلى الثاني على إضمار. ومثله قوله صلى الله عليه وسلم : "يكفينيه الله وأبناء قيلة" . وقيل : يجوز أن يكون المعنى {وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} حسبهم الله ، فيضمر الخبر. ويجوز أن يكون "مَن" في موضع نصب ، على معنى : يكفيك الله ويكفي من اتبعك.
(8/43)



الآيتان : 65 - 66 {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ، الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}
قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} أي حثهم وحضهم. يقال : حارض على الأمر وواظب وأكب بمعنى واحد. والحارض : الذي قد قارب الهلاك ، ومنه قوله عز وجل : {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} [يوسف : 85] أي تذوب غما ، فتقارب الهلاك فتكون من الهالكين .{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} لفظ خبر ، ضمنه وعد بشرط ، لأن معناه إن يصبر منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين. وعشرون وثلاثون وأربعون كل واحد منها اسم موضوع على صورة الجمع لهذا العدد. ويجري هذا الاسم مجرى فلسطين. فإن قال قائل : لم كسر أول عشرين وفتح أول ثلاثين وما بعده إلى الثمانين إلا ستين ؟ فالجواب عند سيبويه أن عشرين من عشرة بمنزلة اثنين من واحد ، فكسر أول عشرين كما كسر اثنان. والدليل على هذا قولهم : ستون وتسعون ، كما قيل : ستة وتسعة. وروى أبو داود عن ابن عباس قال : نزلت {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} فشق ذلك على المسلمين ، حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة ، ثم إنه جاء التخفيف فقال : {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} قرأ أبو توبة إلى قوله : {مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} . قال : فلما خفف الله تعالى عنهم من العدد نقص من الصبر بقدر ما خفف عنهم. وقال ابن العربي : قال قوم إن هذا كان يوم بدر ونسخ. وهذا خطأ من قائله. ولم ينقل قط أن المشركين صافوا المسلمين
(8/44)



عليها ، ولكن الباري جل وعز فرض ذلك عليهم أولا ، وعلق ذلك بأنكم تفقهون ما تقاتلون عليه ، وهو الثواب. وهم لا يعلمون ما يقاتلون عليه.
قلت : وحديث ابن عباس يدل على أن ذلك فرض. ثم لما شق ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت الواحد للاثنين ، فخفف عنهم وكتب عليهم ألا يفر مائة من مائتين ، فهو على هذا القول تخفيف لا نسخ. وهذا حسن. وقد ذكر القاضي ابن الطيب أن الحكم إذا نسخ بعضه أو بعض أوصافه ، أو غير عدده فجائز أن يقال إنه نسخ ، لأنه حينئذ ليس بالأول ، بل هو غيره. وذكر في ذلك خلافا.
الآية : 67 {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
فيه خمس مسائل : -
الأولى : قوله تعالى : {أَسْرَى} جمع أسير ، مثل قتيل وقتلى وجريح وجرحى. ويقال في جمع أسير أيضا : أسارى (بضم الهمزة) وأسارى (بفتحها) وليست بالعالية. وكانوا يشدون الأسير بالقد وهو الإسار ، فسمي كل أخيذ وإن لم يؤسر أسيرا. قال الأعشى :
وقيدني الشعر في بيته ... كما قيد الآسرات الحمارا
وقد مضى هذا في سورة "البقرة". وقال أبو عمر بن العلاء : الأسرى هم غير الموثقين عند ما يؤخذون ، والأسارى هم الموثقون ربطا. وحكى أبو حاتم أنه سمع هذا من العرب.
الثانية : هذه الآية نزلت يوم بدر ، عتابا من الله عز وجل لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم. والمعنى : ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم
(8/45)



أسرى قبل الإثخان. ولهم هذا الإخبار بقوله {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} . والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب ، ولا أراد قط عرض الدنيا ، وإنما فعله جمهور مباشري الحرب ، فالتوبيخ والعتاب إنما كان متوجها بسبب من أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ الفدية. هذا قول أكثر المفسرين ، وهو الذي لا يصح غيره. وجاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية حين لم ينه عنه حين رآه من العريش وإذ كره سعد بن معاذ وعمر بن الخطاب وعبدالله بن رواحة ، ولكنه عليه السلام شغله بغت الأمر ونزول النصر فترك النهي عن الاستبقاء ، ولذلك بكى هو وأبو بكر حين نزلت الآيات. والله أعلم. روى مسلم من حديث عمر بن الخطاب ، وقد تقدم أول في "آل عمران" وهذا تمامه. قال أبو زميل : قال ابن عباس فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : "ما ترون في هؤلاء الأسارى" ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله ، هم بنو العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية ، فتكون لنا قوة على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما ترى يا ابن الخطاب" ؟ قلت : لا والله يا رسول الله ، ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم ، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكني من فلان (نسيبا لعمر) فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت ، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة" (شجرة قريبة كانت من نبي الله صلى الله عليه وسلم) وأنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله تعالى : {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} [الأنفال : 69] فأحل الله الغنيمة لهم. وروى يزيد بن هارون
(8/46)



قال : أخبرنا يحيى قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن عبدالله قال : لما كان يوم بدر جيء بالأسارى وفيهم العباس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما ترون في هؤلاء الأسارى" فقال أبو بكر : يا رسول الله قومك وأهلك ، استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر : كذبوك وأخرجوك وقاتلوك ، قدمهم فأضرب أعناقهم. وقال عبدالله بن رواحة : انظر واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم. فقال العباس وهو يسمع : قطعت رحمك. قال : فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا. فقال أناس : يأخذ بقول أبي بكر رضي الله عنه. وقال أناس : يأخذ بقول عمر. وقال أناس : يأخذ بقول عبدالله بن رواحة. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن ويشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة" . مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم : 36] ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى إذ قال {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة : 118]. ومثلك يا عمر كمثل نوج عليه السلام إذ قال {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح : 26]. ومثلك يا عمر مثل موسى عليه السلام إذ قال {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس : 88] أنتم عالة فلا ينفلتن أحد إلا بفداء أو ضربة عنق" . فقال عبدالله : إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال : فما رأيتني أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم. فأنزل الله عز وجل : {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى آخر الآيتين. في رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن كاد ليصيبنا في خلاف ابن الخطاب عذاب ولو نزل عذاب ما أفلت إلا عمر" . وروى أبو داود عن عمر قال : لما كان يوم بدر وأخذ - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - الفداء ، أنزل الله عز وجل {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى قوله {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ - من الفداء - عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال : 68]. ثم أحل الغنائم. وذكر القشيري أن سعد بن معاذ قال : يا رسول الله ، إنه أول وقعة لنا مع المشركين
(8/47)



فكان الإثخان أحب إلي. والإثخان : كثرة القتل ، عن مجاهد وغيره. أي يبالغ في قتل المشركين. تقول العرب : أثخن فلان في هذا الأمر أي بالغ. وقال بعضهم : حتى يقهر ويقتل. وأنشد المفضل :
تصلي الضحى ما دهرها بتعبد ... وقد أثخنت فرعون في كفره كفرا
وقيل : {حَتَّى يُثْخِنَ} يتمكن. وقيل : الإثخان القوة والشدة. فأعلم الله سبحانه وتعالى أن قتل الأسرى الذين فودوا ببدر كان أولى من فدائهم. وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان هذا يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل ، فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله عز وجل بعد هذا في الأسارى : {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد : 4] على ما يأتي بيانه في سورة "القتال" إن شاء الله تعالى. وقد قيل : إنما عوتبوا لأن قضية بدر كانت عظيمة الموقع والتصريف في صناديد قريش وأشرافهم وساداتهم وأموالهم بالقتل والاسترقاق والتملك. وذلك كله عظيم الموقع فكان حقهم أن ينتظروا الوحي ولا يستعجلوا ، فلما استعجلوا ولم ينتظروا توجه عليهم ما توجه. والله أعلم.
الثالثة : أسند الطبري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس : "إن شئتم أخذتم فداء الأسارى ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم وإن شئتم قتلوا وسلمتم" . فقالوا : نأخذ الفداء ويستشهد منا سبعون. وذكر عبد بن حميد بسنده أن جبريل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير الناس هكذا. وقد مضى في "آل عمران" القول في هذا. وقال عبيدة السلماني : طلبوا الخيرتين كلتيهما ، فقتل منهم يوم أحد سبعون. وينشأ هنا إشكال وهي
الرابعة : وهو أن يقال : إذا كان التخيير فكيف وقع التوبيخ بقوله {لَمَسَّكُمْ} . فالجواب - أن التوبيخ وقع أولا لحرصهم على أخذ الفداء ، ثم وقع التخيير بعد ذلك. ومما يدل على ذلك أن المقداد قال حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط : أسيري يا رسول الله. وقال مصعب بن عمير الذي أسر أخاه : شد عليه يدك ، فإن له أما
(8/48)



موسرة. إلى غير ذلك من قصصهم وحرصهم على أخذ الفداء. فلما تحصل الأسارى وسيقوا إلى المدينة وأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القتل في النضر وعقبة وغيرهما وجعل يرتئي في سائرهم نزل التخيير من الله عز وجل ، فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه حينئذ. فمر عمر على أول رأيه في القتل ، ورأى أبو بكر المصلحة في قوه المسلمين بمال الفداء. ومال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر. وكلا الرأيين اجتهاد بعد تخيير. فلم ينزل بعد على هذا شيء من تعنيت. والله أعلم.
الخامسة : قال ابن وهب : قال مالك كان ببدر أسارى مشركون فأنزل الله {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} . وكانوا يومئذ مشركين وفادوا ورجعوا ، ولو كانوا مسلمين لأقاموا ولم يرجعوا. وكان عدة من قتل منهم أربعة وأربعين رجلا ، ومثلهم أسروا. وكان الشهداء قليلا. وقال أبو عمرو بن العلاء : إن القتلى كانوا سبعين ، والأسرى كذلك. وكذلك قال ابن عباس وابن المسيب وغيرهم. وهو الصحيح كما في صحيح مسلم ، فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين. وذكر البيهقي قالوا : فجيء بالأسارى وعليهم شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم تسعة وأربعون رجلا الذين أحصوا ، وهم سبعون في الأصل ، مجتمع عليه لا شك فيه. قال ابن العربي : إنما قال مالك "وكانوا مشركين" لأن المفسرين رووا أن العباس قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني مسلم. وفي رواية أن الأسارى قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : آمنا بك. وهذا كله ضعفه مالك ، واحتج على إبطاله بما ذكر من رجوعهم وزيادة عليه أنهم غزوه في أحد. قال أبو عمر بن عبدالبر : اختلفوا في وقت إسلام العباس ، فقيل : أسلم قبل يوم بدر ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : "من لقي العباس فلا يقتله فإنما أخرج كرها" . وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : "إن أناسا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري فلا يقتله ومن لقي العباس فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها" وذكر الحديث. وذكر أنه أسلم حين أسر يوم بدر. وذكر أنه أسلم عام خيبر ، وكان يكتب
(8/49)



لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأخبار المشركين ، وكان يحب أن يهاجر فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أمكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا" .
الآية : 68 {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
فيه مسألتان : -
الأولى : قوله تعالى : {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} في أنه لا يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون. واختلف الناس في كتاب الله السابق على أقوال ، أصحها ما سبق من إحلال الغنائم ، فإنها كانت محرمة على من قبلنا. فلما كان يوم بدر ، أسرع الناس إلى الغنائم فأنزل الله عز وجل {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} أي بتحليل الغنائم. وروى أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا سلام عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم فأصابوها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرؤوس غيركم". فكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا غنموا الغنيمة جمعوها ونزلت نار من السماء فأكلتها ، فأنزل الله تعالى : {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} إلى آخر الآيتين. وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، وقال مجاهد والحسن. وعنهما أيضا وسعيد بن جبير : الكتاب السابق هو مغفرة الله لأهل بدر ، ما تقدم أو تأخر من ذنوبهم. وقالت فرقة : الكتاب السابق هو عفو الله عنهم في هذا الذنب ، معينا. والعموم أصح ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر في أهل بدر : "وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" . خرجه مسلم. وقيل : الكتاب السابق هو ألا يعذبهم ومحمد عليه السلام فيهم. وقيل : الكتاب السابق هو ألا يعذب أحدا بذنب أتاه جاهلا حتى يتقدم إليه. وقالت فرقة : الكتاب السابق هو مما قضى الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر. وذهب الطبري إلى أن هذه المعاني كلها داخلة تحت اللفظ وأنه يعمها ، ونكب عن تخصيص معنى دون معنى.
(8/50)



الثانية : ابن العربي : وفي الآية دليل على أن العبد إذا اقتحم ما يعتقده حراما مما هو في علم الله حلال له لا عقوبة عليه ، كالصائم إذا قال : هذا يوم نوبي فأفطر الآن. أو تقول المرأة : هذا يوم حيضتي فأفطر ، ففعلا ذلك ، وكان النوب والحيض الموجبان للفطر ، ففي المشهور من المذهب فيه الكفارة ، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة : لا كفارة عليه ، وهي الرواية الأخرى. وجه الرواية الأولى أن طرو الإباحة لا يثبت عذرا في عقوبة التحريم عند الهتك ، كما لو وطئ امرأة ثم نكحها. وجه الرواية الثانية أن حرمة اليوم ساقطة عند الله عز وجل فصادف الهتك محلا لا حرمة له في علم الله ، فكان بمنزلة ما لو قصد وطء امرأة قد زفت إليه وهو يعتقدها أنها ليست بزوجته فإذا هي زوجته. وهذا أصح. والتعليل الأول لا يلزم ، لأن علم الله سبحانه وتعالى مع علمنا قد استوى في مسألة التحريم ، وفي مسألتنا اختلف فيها علمنا وعلم الله فكان المعول على علم الله. كما قال : {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .
الآية : 69 {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
يقتضي ظاهره أن تكون الغنيمة كلها للغانمين ، وأن يكونوا مشتركين فيها على السواء ، إلا أن قوله تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال : 41] بين وجوب إخراج الخمس منه وصرفه إلى الوجوه المذكورة. وقد تقدم القول في هذا مستوفى.
الآيتان : 70 - 71 {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
فيه ثلاث مسائل : -
(8/51)



الأولى : قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى} قيل : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقيل : له وحده. وقال ابن عباس رضي الله عنه : الأسرى في هذه الآية عباس وأصحابه. قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أمنا بما جئت به ، ونشهد أنك رسول الله ، لننصحن لك على قومك ، فنزلت هذه الآية. وقد تقدم بطلان هذا من قول مالك. وفي مصنف أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة. وعن ابن إسحاق : بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا. وقال العباس : يا رسول الله ، إني قد كنت مسلما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فالله يجزيك بذلك فأما ظاهر أمرك فكان علينا فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب وعقيل بن أبي طالب وحليفك عتبة بن عمرو أخا بني الحارث بن فهر" . وقال : ما ذاك عندي يا رسول الله. قال : "فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل فقلت لها إن أصبت في سفري هذا فهذا المال لبني الفضل وعبدالله وقثم" ؟ فقال : يا رسول الله ، إني لأعلم أنك رسول الله ، إن هذا لشيء ما علمه غيري وغير أم الفضل ، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا ذاك شيء أعطانا الله منك" . ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه ، وأنزل الله فيه : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى} الآية. قال ابن إسحاق : وكان أكثر الأسارى فداء العباس بن عبدالمطلب ، لأنه كان رجلا موسرا ، فافتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب. وفي البخاري : وقال موسى بن عقبة قال ابن شهاب : حدثني أنس بن مالك أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه. فقال : "لا والله لا تذرون درهما" . وذكر النقاش وغيره أن فداء كل واحد من الأسارى كان أربعين أوقية ، إلا العباس فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أضعفوا الفداء على العباس" وكلفه أن يفدي ابني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل
(8/52)



(8/53)



عائشة رضي الله عنها قالت : لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال ، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص. قالت : فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال : "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها" ؟ فقالوا : نعم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليه أو وعده أن يخلي سبيل زينب إليه. بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال : "كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها" . قال ابن إسحاق : وذلك بعد بدر بشهر. قال عبدالله بن أبي بكر : حدثت عن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت : لما قدم أبو العاص مكة قال لي : تجهزي ، فالحقي بأبيك. قالت : فخرجت أتجهز فلقيتني هند بنت عتبة فقالت : يا بنت محمد ، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك ؟ فقلت لها : ما أردت ذلك. فقالت ، أي بنت عم ، لا تفعلي ، إني امرأة موسرة وعندي سلع من حاجتك ، فإن أردت سلعة بعتكها ، أو قرضا من نفقة أقرضتك ، فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال. قالت : فوالله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل ، فخفتها فكتمتها وقلت : ما أريد ذلك. فلما فرغت زينب من جهازها ارتحلت وخرج بها حموها يقود بها نهارا كنانة بن الربيع. وتسامع بذلك أهل مكة ، وخرج في طلبها هبار بن الأسود ونافع بن عبدالقيس الفهري ، وكان أول من مبق إليها هبار فروعها بالرمح وهي في هودجها. وبرك كنانة ونثر نبله ، ثم أخذ قوسه وقال : والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما. وأقبل أبو سفيان في أشراف قريش فقال : يا هذا ، أمسك عنا نبلك حتى نكلمك ، فوقف عليه أبو سفيان وقال : إنك لم تصنع شيئا ، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس ، وقد عرفت مصيبتنا التي أصابتنا ببدر فتظن العرب وتتحدث أن هذا وهن منا وضعف خروجك إليه بابنته على رؤوس الناس من بين أظهرنا. أرجع بالمرأة فأقم بها أياما ، ثم سلها سلا رفيقا في الليل فألحقها بأبيها ، فلعمري ما لنا
(8/54)



بحبسها عن أبيها من حاجة ، وما لنا في ذلك الآن من ثورة فيما أصاب منا ، ففعل فلما مر به يومان أو ثلاثة سلها ، فانطلقت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا أنها قد كانت ألقت - للروعة التي أصابتها حين روعها هبار بن أم درهم - ما في بطنها.
الثالثة : قال ابن العربي : "لما أسر من أسر من المشركين تكلم قوم منهم بالإسلام ولم يمضوا فيه عزيمة ولا اعترفوا به اعترافا جازما. ويشبه أنهم أرادوا أن يقربوا من المسلمين ولا يبعدوا من المشركين. قال علماؤنا : إن تكلم الكافر بالإيمان في قلبه وبلسانه ولم يمض فيه عزيمة لم يكن مؤمنا. وإذا وجد مثل ذلك من المؤمن كان كافرا ، إلا ما كان من الوسوسة التي لا يقدر على دفعها فإن الله قد عفا عنها وأسقطها. وقد بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الحقيقة فقال : {إِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ} أي إن كان هذا القول منهم خيانة ومكرا {فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} بكفرهم ومكرهم بك وقتالهم لك. وإن كان هذا القول منهم خيرا ويعلمه الله فيقبل منهم ذلك ويعوضهم خيرا مما خرج عنهم ويغفر لهم ما تقدم من كفرهم وخيانتهم ومكرهم". وجمع خيانة خيائن ، وكان يجب أن يقال : خوائن لأنه من ذوات الواو ، إلا أنهم فرقوا بينه وبين جمع خائنة. ويقال : خائن وخوان وخونة وخانة.
الآية : 72 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
(8/55)



الآية : 73 {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}
الآية : 74 {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}
الآية : 75 {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
فيه سبع مسائل : -
الأولى : قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} ختم السورة بذكر الموالاة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به. وقد تقدم معنى الهجرة والجهاد لغة ومعنى. {وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} معطوف عليه. وهم الأنصار الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم ، وانضوى إليهم النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون. {أُولَئِكَ} رفع بالابتداء. {بَعْضُهُمْ} ابتداء ثان {أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} خبره ، والجميع خبر {إِنَّ}. قال ابن عباس : {أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} في الميراث ، فكانوا يتوارثون بالهجرة ، وكان لا يرث من آمن ولم يهاجر من هاجر فنسخ الله ذلك بقول : {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ} الآية. أخرجه أبو داود. وصار الميراث لذوي الأرحام من المؤمنين. ولا يتوارث أهل ملتين شيئا. ثم جاء قوله عليه السلام : "ألحقوا الفرائض بأهلها" على ما تقدم بيانه في آية المواريث. وقيل : ليس هنا نسخ ، وإنما معناه في النصرة والمعونة ، كما تقدم في "النساء". {وَالَّذِينَ آمَنُوا} ابتداء والخبر {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة {من وِلايتهم} بكسر الواو. وقيل هي لغة. وقيل : هي من وليت الشيء ، يقال : ولي بين الولاية. ووال بين الولاية. والفتح في هذا أبين وأحسن ، لأنه بمعنى النصرة والنسب. وقد تطلق الولاية والولاية بمعنى الإمارة.
(8/56)



الثانية : قوله تعالى : {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ} يريد إن دعوا هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال لاستنقاذهم فأعينوهم ، فذلك فرض عليكم فلا تخذلوهم. إلا أن يستنصروكم على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق فلا تنصروهم عليه ، ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدته. ابن العربي : إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين فإن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة ، حتى لا تبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك ، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد درهم. كذلك قال مالك وجميع العلماء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو وبأيديهم خزائن الأموال ، وفضول الأحوال والقدرة والعدد والقوة والجلد. الزجاج : ويجوز {فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} بالنصب على الإغراء.
الثالثة : قوله تعالى : {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} قطع الله الولاية بين الكفار والمؤمنين ، فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، والكفار بعضهم أولياء بعض ، يتناصرون بدينهم ويتعاملون باعتقادهم. قال علماؤنا في الكافرة يكون لها الأخ المسلم : لا يزوجها ، إذ لا ولاية بينهما ، ويزوجها أهل ملتها. فكما لا يزوج المسلمة إلا مسلم فكذلك الكافرة لا يزوجها إلا كافر قريب لها ، أو أسقف ، ولو من مسلم ، إلا أن تكون معتقة ، فإن عقد على غير المعتقة فسخ إن كان لمسلم ، ولا يعرض للنصراني. وقال أصبغ : لا يفسخ ، عقد المسلم أولى وأفضل.
الرابعة : قوله تعالى : {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} الضمير عائد على الموارثة والتزامها. المعنى : إلا تتركوهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون ، قاله ابن زيد. وقيل : هي عائدة على التناصر والمؤازرة والمعاونة واتصال الأيدي. ابن جريج وغيره : وهذا إن لم يفعل تقع الفتنة عنه عن قريب ، فهو أكد من الأول. وذكر الترمذي عن عبدالله بن مسلم بن هرمز عن محمد وسعد ابني عبيد عن أبي حاتم المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا جاءكم من ترضون
(8/57)



دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" . قالوا : يا رسول الله ، وإن كان فيه ؟ قال : "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات. قال : حديث غريب. وقيل : يعود على حفظ العهد والميثاق الذي تضمنه قوله : {إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} . وهذا وإن لم يفعل فهو الفتنة نفسها. وقيل : يعود على النصر للمسلمين في الدين. وهو معنى القول الثاني. قال ابن إسحاق : جعل الله المهاجرين والأنصار أهل ولايته في الدين دون من سواهم ، وجعل الكافرين بعضهم أولياء بعض. ثم قال : {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} وهو أن يتولى المؤمن الكافر دون المؤمنين. {تَكُنْ فِتْنَةٌ} أي محنة بالحرب ، وما أنجر معها من الغارات والجلاء والأسر. والفساد الكبير : ظهور الشرك. قال الكسائي : ويجوز النصب في قوله : {تَكُنْ فِتْنَةً} على معنى تكن فعلتكم فتنة وفسادا كبيرا.
قوله تعالى : {حَقّاً} مصدر ، أي حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة. وحقق الله إيمانهم بالبشارة في قوله : {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} أي ثواب عظيم في الجنة.
الخامسة : قوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا} يريد من بعد الحديبية وبيعة الرضوان. وذلك أن الهجرة من بعد ذلك كانت أقل رتبة من الهجرة الأولى. والهجرة الثانية هي التي وقع فيها الصالح ، ووضعت الحرب أوزارها نحو عامين ثم كان فتح مكة. ولهذا قال عليه السلام : "لا هجرة بعد الفتح". فبين أن من آمن وهاجر من بعد يلتحق بهم. ومعنى "منكم" أي مثلكم في النصر والموالاة.
السادسة : قوله تعالى : {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ} ابتداء. والواحد ذو ، والرحم مؤنثة ، والجمع أرحام. والمراد بها ههنا العصبات دون المولود بالرحم. ومما يبين أن المراد بالرحم العصبات قول العرب : وصلتك رحم. لا يريدون قرابة الأم. قالت قتيلة بنت الحارث - أخت النضر بن الحارث - كذا قال ابن هشام. قال السهيلي : الصحيح أنها بنت النضر لا أخته ، كذا وقع في كتاب الدلائل - ترثي أباها حين قتله النبي صلى الله عليه وسلم صبرا - بالصفراء :
(8/58)



يا راكبا إن الأثيل مظنة ... من صبح خامسة وأنت موفق
أبلغ بها ميتا بأن تحية ... ما إن تزال بها النجائب تخفق
مني إليك وعبرة مسفوحة ... جادت بواكفها وأخرى تخنق
هل يسمعني النضر إن ناديته ... أم كيف يسمع ميت لا ينطق
أمحمد يا خير ضنء كريمة ... في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيط المحنق
لو كنت قابل فدية لفديته ... بأعز ما يفدى به ما ينفق
فالنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان عتق يعتق
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحام هناك تشقق
صبرا يقاد إلى المنية متعبا ... رسف المقيد وهو عان موثق
السابعة : واختلف السلف ومن بعدهم في توريث ذوي الأرحام - وهو من لا سهم له في الكتاب - من قرابة الميت وليس بعصبة ، كأولاد البنات ، وأولاد الأخوات وبنات الأخ ، والعمة والخالة ، والعم أخ الأب للأم ، والجد أبي الأم ، والجدة أم الأم ، ومن أدلى بهم. فقال قوم : لا يرث من لا فرض له من ذوي الأرحام. وروي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عمر ، ورواية عن علي ، وهو قول أهل المدينة ، وروي عن مكحول والأوزاعي ، وبه قال الشافعي رضي الله عنه. وقال بتوريثهم : عمر بن الخطاب وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وعائشة وعلي في رواية عنه ، وهو قول الكوفيين وأحمد وإسحاق. واحتجوا بالآية ، وقالوا : وقد اجتمع في ذوي الأرحام سببان القرابة والإسلام ، فهم أولى ممن له سبب واحد وهو الإسلام. أجاب الأولون فقالوا : هذه آية مجملة جامعة ، والظاهر بكل رحم قرب أو بعد ، وآيات المواريث مفسرة والمفسر قاض على المجمل ومبين. قالوا : وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الولاء سببا ثابتا ، أقام
(8/59)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالسبت 9 يوليو - 16:59






المولى فيه مقام العصبة فقال : "الولاء لمن أعتق" . ونهى عن بيع الولاء وعن هبته. احتج الآخرون بما روى أبو داود والدارقطني عن المقدام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من ترك كلا فإلي - وربما قال فإلى الله وإلى رسوله - ومن ترك مالا فلورثته فأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه والخال وأرث من لا وارث له يعقل عنه. ويرثه" . وروى الدارقطني عن طاوس قال قالت عائشة رضي الله عنها : "الله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له". موقوف. وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "الخال وارث" وروي عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمة والخالة فقال : "لا أدري حتى يأتيني جبريل" ثم قال : "أين السائل عن ميراث العمة والخالة" ؟ قال : فأتى الرجل فقال : "سارني جبريل أنه لا شيء لهما" . قال الدارقطني : لم يسنده غير مسعدة عن محمد بن عمرو وهو ضعيف ، والصواب مرسل. وروي عن الشعبي قال قال زياد بن أبي سفيان لجليسه : هل تدري كيف قضى عمر في العمة والخالة ؟ قال لا. قال : إني لأعلم خلق الله كيف قضى فيهما عمر ، جعل الخالة بمنزلة الأم ، والعمة بمنزلة الأب.
(8/60)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: