منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأحد 19 يونيو - 16:11

تفسير سورة الأعراف



الآية : 54 {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
قوله تعالى : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} بين أنه المنفرد بقدرة الإيجاد ، فهو الذي يجب أن يعبد. وأصل {سِتَّةِ} سدسة ، فأرادوا إدغام الدال في السين فالتقيا عند مخرج التاء فغلبت عليهما. وإن شئت قلت : أبدل من إحدى السينين تاء وأدغم في الدال ؛ لأنك تقول في تصغيرها : سديسة ، وفي الجمع أسداس ، والجمع والتصغير يردان الأسماء إلى أصولها. ويقولون : جاء فلان سادسا وسادتا وساتا ؛ فمن قال :
سادتا أيدل من السين تاء. واليوم : من طلوع الشمس إلى غروبها. فإن لم يكن شمس فلا يوم ؛ قال القشيري. وقال : ومعنى {سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي من أيام الآخرة ، كل يوم ألف سنة ؛ لتفخيم خلق السماوات والأرض. وقيل : من أيام الدنيا. قال مجاهد وغيره : أولها الأحد وآخرها الجمعة. وذكر هذه المدة ولو أراد خلقها في لحظة لفعل ؛ إذ هو القادر على أن يقول لها كوني فتكون. ولكنه أراد أن يعلم العباد الرفق والتثبت في الأمور ، ولتظهر قدرته للملائكة شيئا بعد شيء. وهذا عند من يقول : خلق الملائكة قبل خلق السماوات والأرض. وحكمة أخرى - خلقها في ستة أيام لأن لكل شيء عنده أجلا. وبين بهذا ترك معاجلة العصاة بالعقاب ؛ لأن لكل شيء عنده أجلا. وهذا كقول : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ. فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [ق : 38 ، 39]. بعد أن قال : {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً} [ق : 36].
قوله تعالى : {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} هذه مسألة الاستواء ؛ وللعلماء فيها كلام وإجراء. وقد بينا أقوال العلماء فيها في الكتاب"الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته العلى" وذكرنا فيههناك أربعة عشر قولا. والأكثر من المتقدمين والمتأخرين أنه إذا وجب تنزيه الباري سبحانه عن الجهة والتحيز فمن ضرورة ذلك ولواحقه اللازمة عليه عند عامة العلماء المتقدمين وقادتهم من المتأخرين تنزيهه تبارك وتعالى عن الجهة ، فليس بجهة فوق عندهم ؛ لأنه يلزم من ذلك عندهم متى اختص بجهة أن يكون في مكان أو حيز ، ويلزم على المكان والحيز الحركة والسكون للمتحيز ، والتغير والحدوث. هذا قول المتكلمين. وقد كان السلف الأول رضي الله عنهم لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك ، بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله. ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة. وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته ، وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته. قال مالك رحمه الله : الاستواء معلوم - يعني في اللغة – والكيف
(7/219)



مجهول ، والسؤال عن هذا بدعة. وكذا قالت أم سلمة رضي الله عنها. وهذا القدر كاف ، ومن أراد زيادة عليه فليقف عليه في موضعه من كتب العلماء. والاستواء في كلام العرب هو العلو والاستقرار. قال الجوهري : واستوى من اعوجاج ، واستوى على ظهر دابته ؛ أي استقر. واستوى إلى السماء أي قصد. واستوى أي استولى وظهر. قال :
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
واستوى الرجل أي انتهى شبابه. واستوى الشيء إذا اعتدل. وحكى أبو عمر بن عبدالبر عن أبي عبيدة في قوله تعالى : {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه : 5] قال : علا. وقال الشاعر :
فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى
أي علا وارتفع.
قلت : فعلو الله تعالى وارتفاعه عبارة عن علو مجده وصفاته وملكوته. أي ليس فوقه فيما يجب له من معاني الجلال أحد ، ولا معه من يكون العلو مشتركا بينه وبينه ؛ لكنه العلي بالإطلاق سبحانه.
قوله تعالى : {عَلَى الْعَرْشِ} لفظ مشترك يطلق على أكثر من واحد. قال الجوهري وغيره : العرش سرير الملك. وفي التنزيل {نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} [النمل : 41] ، {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف : 100]. والعرش : سقف البيت. وعرش القدم : ما نتأ في ظهرها وفيه الأصابع. وعرش السماك : أربعة كواكب صغار أسفل من العواء ، يقال : إنها عجز الأسد. وعرش البئر : طيها بالخشب ، بعد أن يطوى أسفلها بالحجارة قدر قامة ؛ فذلك الخشب هو العرش ، والجمع عروش. والعرش اسم لمكة. والعرش الملك والسلطان. يقال : ثل عرش فلان إذا ذهب ملكه وسلطانه وعزه. قال زهير :
تداركتما عبسا وقد ثل عرشها ... وذبيان إذ ذلت بأقدامها النعل
(7/220)



وقد يؤول العرش في الآية بمعنى الملك ، أي ما استوى الملك إلا له جل وعز. وهو قول حسن وفيه نظر ، وقد بيناه في جملة الأقوال في كتابنا. والحمد لله.
قوله تعالى : {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} أي يجعله كالغشاء ، أي يذهب نور النهار ليتم قوام الحياة في الدنيا بمجيء الليل. فالليل للسكون ، والنهار للمعاش. وقرئ {يغشى} بالتشديد ؛ ومثله في "الرعد". وهي قراءة أبي بكر عن عاصم وحمزة والكسائي. وخفف الباقون. وهما لغتان أغشى وغشى. وقد أجمعوا على {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم : 54] مشددا. وأجمعوا على {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} [يس : 9] فالقراءتان متساويتان. وفي التشديد معنى التكرير والتكثير. والتغشية والإغشاء : إلباس الشيء الشيء. ولم يذكر في هذه الآية دخول النهار على الليل ، فاكتفى بأحدهما عن الآخر ، مثل {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل : 81]. {بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران : 26]. وقرأ حميد بن قيس {يغشي الليلَ النهارُ} ومعناه أن النهار يغشي الليل.
قوله تعالى : {يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} أي يطلبه دائما من غير فتور. و {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} في موضع نصب على الحال. والتقدير : استوى على العرش مغشيا الليل النهار. وكذا {يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} حال من الليل ؛ أي يغشي الليل النهار طالبا له. ويحتمل أن تكون الجملة مستأنفة ليست بحال. {حَثِيثاً} بدل من طالب المقدر أو نعت له ، أو نعت لمصدر محذوف ؛ أي يطلبه طلبا سريعا. والحث : الإعجال والسرعة. وولى حثيثا أي مسرعا. {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} قال الأخفش : هي معطوفة على السماوات ؛ أي وخلق الشمس. وروي عن عبدالله بن عامر بالرفع فيها كلها على الابتداء والخبر.
قوله تعالى {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}
فيه مسألتان : -
الأولى : صدق الله في خبره ، فله الخلق وله الأمر ، خلقهم وأمرهم بما أحب. وهذا الأمر يقتضي النهي. قال ابن عيينة : فرق بين الخلق والأمر ؛ فمن جمع بينهما فقد كفر.
(7/221)



فالخلق المخلوق ، والأمر كلامه الذي هو غير مخلوق وهو قوله : {كُنْ}. {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس : 82]. وفي تفرقته بين الخلق والأمر دليل بين على فساد قول من قال بخلق القرآن ؛ إذ لو كان كلامه الذي هو أمر مخلوقا لكان قد قال : ألا له الخلق والخلق. وذلك عي من الكلام ومستهجن ومستغث. والله يتعالى عن التكلم بما لا فائدة فيه. ويدل عليه قوله سبحانه. {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم : 25]. {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [الأعراف : 54]. فأخبر سبحانه أن المخلوقات قائمة بأمره ؛ فلو كان الأمر مخلوقا لافتقر إلى أمر آخر يقوم به ، وذلك الأمر إلى أمر آخر إلى ما لا نهاية له. وذلك محال. فثبت أن أمره الذي هو كلامه قديم أزلي غير مخلوق ؛ ليصح قيام المخلوقات به. ويدل عليه أيضا قوله تعالى : {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الحجر : 85]. وأخبر تعالى أنه خلقهما بالحق ، يعني القول وهو قوله للمكونات : {كُنْ}. فلو كان الحق مخلوقا لما صح أن يخلق به المخلوقات ؛ لأن الخلق لا يخلق بالمخلوق. يدل عليه {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ} [الصافات : 171]. {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء : 101]. {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة : 13]. وهذا كله إشارة إلى السبق في القول في القدم ، وذلك يوجب الأزل في الوجود. وهذه النكتة كافية في الرد عليهم. ولهم آيات احتجوا بها على مذهبهم ، مثل قوله تعالى : {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء : 2] الآية. ومثل قوله تعالى : {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب : 38]. و{مَفْعُولاً} [المزمل : 18] وما كان مثله. قال القاضي أبو بكر : معنى {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} أي من وعظ من النبي صلى الله عليه وسلم ووعد وتخويف {إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} ؛ لأن وعظ الرسل صلوات الله عليهم وسلامه وتحذيرهم ذكر. قال الله تعالى : {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية : 21]. ويقال : فلان في مجلس الذكر. ومعنى {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} و {مَفْعُولاً} أراد سبحانه
(7/222)



عقابه وانتقامه من الكافرين ونصره للمؤمنين وما حكم به وقدره من أفعاله. ومن ذلك قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا} [هود : 40] وقال عز وجل : {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود : 97] يعني به شأنه وأفعال وطرائقه. قال الشاعر :
لها أمرها حتى إذا ما تبوأت ... بأخفافها مرعى تبوأ مضجعا
الثانية : وإذا تقرر هذا فاعلم أن الأمر ليس من الإرادة في شيء. والمعتزلة تقول : الأمر نفس الإرادة. وليس بصحيح ، بل يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد. ألا ترى أنه أمر إبراهيم بذبح ولده ولم يرده منه ، وأمر نبيه أن يصلي مع أمته خمسين صلاة ، ولم يرد منه إلا خمس صلوات. وقد أراد شهادة حمزة حيث يقول : {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران : 140]. وقد نهى الكفار عن قتله ولم يأمرهم به. وهذا صحيح نفيس في بابه ، فتأمله.
قوله تعالى : {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} {تَبَارَكَ} تفاعل ، من البركة وهي الكثرة والاتساع. يقال : بورك الشيء وبورك فيه ؛ قال ابن عرفة. وقال الأزهري : "تبارك" تعالى وتعاظم وارتفع. وقيل : إن باسمه يتبرك ويتيمن. وقد مضى في الفاتحة معنى {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة ، 1].
الآية : 55 {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
فيه ثلاث مسائل : -
الأولى : قوله تعالى : {ادْعُوا رَبَّكُمْ} هذا أمر بالدعاء وتعبد به. ثم قرن جل وعز بالأمر صفات تحسن معه ، وهي الخشوع والاستكانة والتضرع. ومعنى {خُفْيَةً} أي سرا في النفس ليبعد عن الرياء ؛ وبذلك أثنى على نبيه زكريا عليه السلام إذ قال مخبرا عنه : {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} [مريم : 3]. ونحوه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي". والشريعة مقررة أن السر فيما لم يعترض من أعمال البر أعظم أجرا من الجهر.
(7/223)



وقد تقدم هذا المعنى في"البقرة". قال الحسن بن أبي الحسن : لقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض عمل يقدرون على أن يكون سرا فيكون جهرا أبدا. ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء فلا يسمع لهم صوت ، إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم. وذلك أن الله تعالى يقول : {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} . وذكر عبدا صالحا رضي فعله فقال : {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} . [مريم : 3]. وقد استدل أصحاب أبي حنيفة بهذا على أن إخفاء "آمين" أولى من الجهر بها ؛ لأنه دعاء. وقد مضى القول فيه في "الفاتحة". وروى مسلم عن أبي موسى قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر - وفي رواية في غزاة - فجعل الناس يجهرون بالتكبير - وفي رواية فجعل رجل كلما علا ثنية قال : لا إله إلا الله - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لستم تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم" . الحديث.
الثانية : واختلف العلماء في رفع اليدين في الدعاء ؛ فكرهه طائفة منهم جبير بن مطعم وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير. ورأى شريح رجلا رافعا يديه فقال : من تتناول بهما ، لا أم لك! وقال مسروق لقوم رفعوا أيديهم : قطعها الله. واختاروا إذا دعا الله في حاجة أن يشير بأصبعه السبابة. ويقولون : ذلك الإخلاص. وكان قتادة يشير بأصبعه ولا يرفع يديه. وكره رفع الأيدي عطاء وطاوس ومجاهد وغيرهم. وروى جواز الرفع عن جماعة من الصحابة والتابعين ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ذكره البخاري. قال أبو موسى الأشعري : دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه ورأيت بياض إبطيه. ومثله عن أنس. وقال ابن عمر : رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" . وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم
(7/224)



إلى المشركين ، وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وسبعة عشر رجلا ، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة مادا يديه ، فجعل يهتف بربه ؛ وذكر الحديث. وروى الترمذي عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه. قال : هذا حديث صحيح غريب. وروى ابن ماجة عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده أن يرفع يديه إليه فيردهما ص فرا أو قال خائبتين". احتج الأولون بما رواه مسلم عن عمارة بن رويبة ورأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه فقال : قبح الله هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ؛ وأشار بأصبعه المسبحة. وبما روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أن أنس بن مالك حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا عند الاستسقاء فإنه كان يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه. والأول أصح طرقا وأثبت من حديث سعيد بن أبي عروبة ؛ فإن سعيدا كان قد تغير عقله في آخر عمره. وقد خالفه شعبة في روايته عن قتادة عن أنس بن مالك فقال فيه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه. وقد قيل : إنه إذا نزلت بالمسلمين نازلة أن الرفع عند ذلك جميل حسن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ويوم بدر.
قلت : والدعاء حسن كيفما تيسر ، وهو المطلوب من الإنسان لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى الله عز وجل ، والتذلل له والخضوع. فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن ، وإن شاء فلا ؛ فقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حسبما ورد في الأحاديث. وقد قال تعالى : {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف : 55]. ولم يرد صفة من رفع دين وغيرها. وقال : {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً} [آل عمران : 191] فمدحهم ولم يشترط حالة غير ما ذكر. وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الجمعة وهو غير مستقبل القبلة.
(7/225)



الثالثة : قوله تعالى : {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يريد في الدعاء وإن كان اللفظ عاما إلى هذا هي الإشارة. والمعتدي هو المجاوز للحد ومرتكب الحظر. وقد يتفاضل بحسب ما اعتدى فيه. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "سيكون قوم يعتدون في الدعاء" . أخرجه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة. حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا سعيد الجريري عن أبي نعامة أن عبدالله بن مغفل سمع ابنه يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها. فقال : أي بني ، سل الله الجنة وعذبه من النار ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "سيكون قوم يعتدون في الدعاء" . والاعتداء في الدعاء على وجوه : منها الجهر الكثير والصياح ؛ كما تقدم. ومنها أن يدعو الإنسان في أن تكون له منزلة نبي ، أو يدعو في محال ؛ ونحو هذا من الشطط. ومنها أن يدعو طالبا معصية وغير ذلك. ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة ؛ فيتخير ألفاظا مفقرة وكلمات مسجعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معول عليها ، فيجعلها شعاره ويترك ما دعا به رسوله عليه السلام. وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء ، كما تقدم بيانه في "البقرة".
الآية : 56 {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}
قوله تعالى : {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} في مسألة واحدة- أنه سبحانه نهى عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر. فهو على العموم على الصحيح من الأقوال. وقال الضحاك : معناه لا تعوروا الماء المعين ، ولا تقطعوا الشجر المثمر ضرارا. وقد ورد : قطع الدنانير من الفساد في الأرض. وقد قيل : تجارة الحكام من الفساد في الأرض. وقال القشيري : المراد ولا تشركوا ؛ فهو نهي عن الشرك وسفك الدماء والهرج في الأرض ، وأمر بلزوم الشرائع بعد إصلاحها ، بعد أن أصلحها الله ببعثه الرسل ، وتقرير
(7/226)



الشرائع ووضوح ملة محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن عطية : وقائل هذه المقالة قصد إلى أكبر فساد بعد أعظم صلاح فخصه بالذكر.
قلت : وأما ما ذكره الضحاك فليس على عمومه ، وإنما ذلك إذا كان فيه ضرر على المؤمن ، وأما ما يعود ضرره على المشركين فذلك جائز ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عور ماء قليب بدر وقطع شجر الكافرين. وسيأتي الكلام في قطع الدنانير في "هود" إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : {وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً} أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف وتأميل لله عز وجل ، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته ، وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان ، قال الله تعالى : {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر : 49 ، 50]. فرجى وخوف. فيدعو الإنسان خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه ؛ قال الله تعالى : {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء : 90]. وسيأتي القول فيه. والخوف : الانزعاج لما لا يؤمن من المضار. والطمع : توقع المحبوب ؛ قال القشيري. وقال بعض أهل العلم : ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة ، فإذا جاء الموت غلب الرجاء. قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله" . صحيح أخرجه مسلم.
قوله تعالى : {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} ولم يقل قريبة. ففيه سبعة أوجه : أولها أن الرحمة والرحم واحد ، وهي بمعنى العفو والغفران ؛ قاله الزجاج واختاره النحاس. وقال النضر بن شميل : الرحمة مصدر ، وحق المصدر التذكير ؛ كقوله : {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ} [البقرة : 275]. وهذا قريب من قول الزجاج ؛ لأن الموعظة بمعنى الوعظ. وقيل : أراد بالرحمة الإحسان ؛
(7/227)



ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره ؛ ذكره الجوهري. وقيل : أراد بالرحمة هنا المطر ؛ قاله الأخفش. قال : ويجوز أن يذكر كما يذكر بعض المؤنث. وأنشد :
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
وقال أبو عبيدة : ذكر {قَرِيبٌ} على تذكير المكان ، أي مكانا قريبا. قال علي بن سليمان : وهذا خطأ ، ولو كان كما قال لكان {قَرِيبٌ} منصوبا في القرآن ؛ كما تقول : إن زيدا قريبا منك. وقيل : ذكر على النسب ؛ كأنه قال : إن رحمة الله ذات قرب ؛ كما تقول : امرأة طالق وحائض. وقال الفراء : إذا كان القريب في معنى المسافة يذكر مؤنث ، إن كان في معنى النسب يؤنث بلا اختلاف بينهم. تقول : هذه المرأة قريبتي ، أي ذات قرابتي ؛ ذكره الجوهري. وذكره غيره عن الفراء : يقال في النسب قريبة فلان ، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث ؛ يقال : دارك منا قريب ، وفلانة منا قريب ؛ قال الله تعالى : {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب : 63]. وقال من احتج له : كذا كلام العرب ؛ كما قال امرؤ القيس :
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم ... قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا
قال الزجاج : وهذا خطأ ؛ لأن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما.
الآية : 57 {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} عطف على قوله : {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} [الرعد : 3]. ذكر شيئا آخر من نعمه ، ودل على وحدانيته وثبوت إلاهيته.وقد مضى الكلام
(7/228)



في الريح في "البقرة". ورياح جمع كثرة وأرواح جمع قلة. وأصل ريح روح. وقد خطئ من قال في جمع القلة أرياح. {بُشْراً} فيه سبع قراءات : قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو {نُشُراًْ} بضم النون والشين جمع ناشر على معنى النسب ، أي ذات نشر ؛ فهو مثل شاهد وشهد. ويجوز أن يكون جمع نشور كرسول ورسل. يقال : ريح النشور إذا أتت من ههنا وهاهنا. والنشور بمعنى المنشور ؛ كالركوب بمعنى المركوب. أي وهو الذي يرسل الرياح منشرة. وقرأ الحسن وقتادة {نُشْراً} بضم النون وإسكان الشين مخففا من نشر ؛ كما يقال : كتب ورسل. وقرأ الأعمش وحمزة {نَشْراً} بفتح النون وإسكان الشين على المصدر ، أعمل فيه معنى ما قبله ؛ كأنه قال : وهو الذي ينشر الرياح نشرا. نشرت الشيء فانتشر ، فكأنها كانت مطوية فنشرت عند الهبوب. ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال من الرياح ؛ كأنه قال يرسل الرياح منشرة ، أي محيية ؛ من أنشر الله الميت فنشر ، كما تقول أتانا ركضا ، أي راكضا. وقد قيل : إن نشرا "بالفتح" من النشر الذي هو خلاف الطي على ما ذكرنا. كأن الريح في سكونها كالمطوية ثم ترسل من طيها ذلك فتصير كالمنفتحة. وقد فسره أبو عبيد بمعنى متفرقة في وجوهها ، على معنى ينشرها ههنا وهاهنا. وقرأ عاصم : {بُشْراً} بالباء وإسكان الشين والتنوين جمع بشير ، أي الرياح تبشر بالمطر. وشاهده قوله : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} . وأصل الشين الضم ، لكن سكنت تخفيفا كرسل ورسل. وروي عنه {بَشْراً} بفتح الباء. قال النحاس : ويقرأ {بُشُراً} و"بشر مصدر بشره يبشره بمعنى بشره" فهذه خمس قراءات. وقرأ محمد اليماني {بُشْرَىْ} على وزن حبلى. وقراءة سابعة {بُشُرَى} بضم الباء والشين.
قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً} السحاب يذكر ويؤنث. وكذا كل جمع بينه وبين واحدته هاء. ويجوز نعته بواحد فتقول : سحاب ثقيل وثقيلة. والمعنى : حملت الريح سحابا ثقالا بالماء ، أي أثقلت بحمله. يقال : أقل فلان الشيء أي حمله. {سُقْنَاهُ}
(7/229)



أي السحاب. {لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} أي ليس فيه نبات. يقال : سقته لبلد كذا وإلى بلد كذا. وقيل : لأجل بلد ميت ؛ فاللام لام أجل. والبلد كل موضع من الأرض عامر أو غير عامر خال أو مسكون. والبلدة والبلد واحد البلاد والبلدان. والبلد الأثر وجمعه أبلاد. قال الشاعر :
من بعد ما شمل البلى أبلادها
والبلد : أدحي النعام. يقال : هو أذل من بيضة البلد ، أي من بيضة النعام التي يتركها. والبلدة الأرض ؛ يقال : هذه بلدتنا كما يقال بحرتنا. والبلدة من منازل القمر ، وهي ستة أنجم من القوس تنزلها الشمس في أقصر يوم في السنة. والبلدة الصدر ؛ يقال : فلان واسع البلدة أي واسع قال الشاعر :
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة ... قليل بها الأصوات إلا بغامها
يقول : بركت الناقة فألقت صدرها على الأرض. والبلدة "بفتح الباء وضمها" : نقاوة ما بين الحاجبين ؛ فهما من الألفاظ المشتركة. {فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ} أي بالبلد. وقيل : أنزلنا بالسحاب الماء ؛ لأن السحاب آلة لإنزال الماء. ويحتمل أن يكون المعنى فأنزلنا منه الماء ؛ كقول : {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان : 6] أي منها. {فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} الكاف في موضع نصب. أي مثل ذلك الإخراج نحيي الموتى. وخرج البيهقي وغيره عن أبي رزين العقيلي قال : قلت يا رسول الله ، كيف يعيد الله الخلق ، وما آية ذلك في خلقه ؟ قال : "أما مررت بوادي قومك جدبا ثم مررت به يهتز خضرا" قال : نعم ، قال : "فتلك آية الله في خلقه" . وقيل : وجه التشبيه أن إحياءهم من قبورهم يكون بمطر يبعثه الله على قبورهم ، فتنشق عنهم القبور ، ثم تعود إليهم الأرواح. وفي صحيح
(7/230)



مسلم من حديث عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم "ثم يرسل الله - أو قال ينزل الله - مطرا كأنه الطل فتنبت منه أجساد الناس ثم يقال يا أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤولون" . وذكر الحديث. وقد ذكرناه بكماله في كتاب "التذكرة" والحمد لله. فدل على البعث والنشور ؛ وإلى الله ترجع الأمور.
الآية : 58 {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ}
قوله تعالى : {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً} أي التربة الطيبة. والخبيث الذي في تربته حجارة أو شوك ؛ عن الحسن. وقيل : معناه التشبيه ، شبه تعالى السريع الفهم بالبلد الطيب ، والبليد بالذي خبث ؛ عن النحاس. وقيل : هذا مثل للقلوب ؛ فقلب يقبل الوعظ والذكرى ، وقلب فاسق ينبو عن ذلك ؛ قال الحسن أيضا. وقال قتادة : مثل للمؤمن يعمل محتسبا متطوعا ، والمنافق غير محتسب ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظما سمينا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء" . {نَكِداً} نصب على الحال ، وهو العسر الممتنع من إعطاء الخير. وهذا تمثيل. قال مجاهد : يعني أن في بني آدم الطيب والخبيث. وقرأ طلحة {إلاَّ نَكْداً} حذف الكسرة لثقلها. وقرأ ابن القعقاع "نكدا" بفتح الكاف ، فهو مصدر بمعنى ذا نكد. كما قال :
فإنما هي إقبال وإدبار
وقيل : {نَكِداً} بنصب الكاف وخفضها بمعنى ؛ كالدنف والدنف ، لغتان. {كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ} أي كما صرفنا من الآيات ، وهي الحجج والدلالات ، في إبطال الشرك ؛ كذلك نصرف الآيات في كل ما يحتاج إليه الناس. {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} وخص الشاكرين لأنهم المنتفعون بذلك
(7/231)



الآية : 59 {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}
قوله تعالى : {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} لما بين أنه الخالق القادر على الكمال ذكر أقاصيص الأمم وما فيها من تحذير الكفار. واللام في {لَقَدْ} للتأكيد المنبه على القسم. والفاء دالة على أن الثاني بعد الأول. {يَا قَوْمِ} نداء مضاف. ويجوز {يا قومي} على الأصل. ونوح أول الرسل إلى الأرض بعد آدم عليهما السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات. قال النحاس : وانصرف لأنه على ثلاثة أحرف. وقد يجوز أن يشتق من ناح ينوح ؛ وقد تقدم. قال ابن العربي : ومن قال إن إدريس كان قبله من المؤرخين فقد وهم. والدليل على صحة وهمه الحديث الصحيح في الإسراء حين لقي النبي صلى الله عليه وسلم آدم وإدريس فقال له آدم : "مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح". وقال له إدريس : "مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح". فلو كان إدريس أبا لنوح لقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح. فلما قال له والأخ الصالح دل ذلك على أنه يجتمع معه في نوح ، صلوات الله عليهم أجمعين. ولا كلام لمنصف بعد هذا. قال القاضي عياض : وجاء جواب الآباء ههنا كنوح وإبراهيم وآدم "مرحبا بالابن الصالح". وقال عن إدريس "بالأخ الصالح" كما ذكر عن موسى وعيسى ويوسف وهارون ويحيى ممن ليس بأب باتفاق للنبي صلى الله عليه وسلم. وقال المازري : قد ذكر المؤرخون أن إدريس جد نوح عليهما السلام. فإن قام الدليل على أن إدريس بعث أيضا لم يصح قول النسابين أنه قبل نوح ؛ لما أخبر عليه السلام من قول آدم أن نوحا أول رسول بعث ، لان لم يقم دليل جاز ما قالوا : وصح أن يحمل أن إدريس كان نبيا غير مرسل. قال القاضي عياض : قد يجمع بين هذا بأن يقال : اختص بعث نوح لأهل الأرض - كما قال في الحديث - كافة كنبينا عليه السلام. ويكون إدريس لقومه كموسى وهود وصالح ولوط وغيرهم. وقد استدل
(7/232)



بعضهم على هذا بقوله تعالى : {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ} [الصافات : 123 ، 124]. وقد قيل : إن إلياس هو إدريس. وقد قرئ {سلام على إدْرَاسِين}. قال القاضي عياض : وقد رأيت أبا الحسن بن بطال ذهب إلى أن آدم ليس برسول ؛ ليسلم من هذا الاعتراض. وحديث أبي ذر الطويل يدل على أن آدم وإدريس رسولان. قال ابن عطية : ومجمع ذلك بأن تكون بعثة نوح مشهورة لإصلاح الناس وحملهم بالعذاب والإهلاك على الإيمان ؛ فالمراد أنه أول نبي بعث على هذه الصفة. والله أعلم.
وروي عن ابن عباس أن نوحا عليه السلام بعث وهو ابن أربعين سنة. قال الكلبي : بعد آدم بثمانمائة سنة. وقال ابن عباس : وبقي في قومه يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما ؛ كما أخبر التنزيل. ثم عاش بعد الطوفان ستين سنة. حتى كثر الناس وفشوا. وقال وهب : بعث نوح وهو ابن خمسين سنة. وقال عون بن شداد : بعث نوح وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة. وفي كثير من كتب الحديث : الترمذي وغيره أن جميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام. وذكر النقاش عن سليمان بن أرقم عن الزهري : أن العرب وفارس والروم وأهل الشام وأهل اليمن من ولد سام بن نوح. والسند والهند والزنج والحبشة والزط والنوبة ، وكل جلد أسود من ولد حام بن نوح. والترك وبربر ووراء الصين ويأجوج ومأجوج والصقالبة كلهم من ولد يافث بن نوح. والخلق كلهم ذرية نوح.
قوله تعالى : {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} برفع {غَيْرُهُ} قراءة نافع وأبي عمرو وعاصم وحمزة. أي ما لكم إله غيره. نعت على الموضع. وقيل : {غير} بمعنى إلا ؛ أي ما لكم من إله إلا الله. قال أبو عمرو : ما أعرف الجر ولا النصب. وقرأ الكسائي بالخفض على الموضع. ويجوز النصب على الاستثناء ، وليس بكثير ؛ غير أن الكسائي والفراء أجازا نصب {غير} في كل موضع يحسن فيه {إلاّ} تم الكلام أو لم يتم. فأجازا : ما جاءني غيرك. قال الفراء : هي لغة بعض بني أسد وقضاعة. وأنشد :
(7/233)



لم يمنع الشرب منها غير أن هتفت ... حمامة في سحوق ذات أو قال
قال الكسائي : ولا يجوز جاءني غيرك ، في الإيجاب ؛ لأن إلا لا تقع ههنا. قال النحاس : لا يجوز عند البصريين نصب {غير} إذا لم يتم الكلام. وذلك عندهم من أقبح اللحن.
الآيات : 60 - 62 {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}
{الْمَلَأُ} أشراف القوم ورؤساهم. وقد تقدم بيانه في "البقرة". والضلال والضلالة : العدول عن طريق الحق ، والذهاب عنه. أي إنا لنراك في دعائنا إلى إله واحد في ضلال عن الحق. {أُبَلِّغُكُمْ} بالتشديد من التبليغ ، وبالتخفيف من الإبلاغ. وقيل : هما بمعنى واحد لغتان ؛ مثل كرمه وأكرمه. {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} النصح : إخلاص النية من شوائب الفساد في المعاملة ، بخلاف الغش. يقال : نصحته ونصحت له نصيحة ونصاحة ونصحا. وهو باللام أفصح. قال الله تعالى : {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} والاسم النصيحة. والنصيح الناصح ، وقوم نصحاء. ورجل ناصح الجيب أي نقي القلب. قال الأصمعي : الناصح الخالص من العسل وغيره. مثل الناصع. وكل شيء خلص فقد نصح. وانتصح فلان أقبل على النصيحة. يقال : انتصحني إنني لك ناصح. والناصح الخياط. والنصاح السلك يخاط به. والنصاحات أيضا الجلود. قال الأعشى :
فترى الشرب نشاوى كلهم ... مثل ما مدت نصاحات الربح
الربح لغة في الربع ، وهو الفصيل. والربح أيضا طائر. وسيأتي لهذا زيادة معنى في "براءة" إن شاء الله تعالى.
(7/234)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سميه قطبي سالم محمد
دويمابي برتبة نقيب
دويمابي برتبة نقيب
سميه قطبي سالم محمد


عدد الرسائل : 508

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأحد 19 يونيو - 19:05

شكرا استاذنا فوزى لك التحية
قوله تعالى : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} بين أنه المنفرد بقدرة الإيجاد ، فهو الذي يجب أن يعبد. وأصل {سِتَّةِ} سدسة ، فأرادوا إدغام الدال في السين فالتقيا عند مخرج التاء فغلبت عليهما. وإن شئت قلت : أبدل من إحدى السينين تاء وأدغم في الدال ؛ لأنك تقول في تصغيرها : سديسة ، وفي الجمع أسداس ، والجمع والتصغير يردان الأسماء إلى أصولها. ويقولون : جاء فلان سادسا وسادتا وساتا ؛ (طبعا اول مرة اعرف ان اصل الكلمة)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأحد 19 يونيو - 22:33

لك التحية أختي الكريمة..

نجد في لهجتنا الدارجة كثيراً من الكلمات هي من صميم بطون اللغة العربية مثل جملة (الزول الساتّي) أي الشخص السادس.. وبهذا أرجو أن يكون تعليقك بادرة لموضوع عن المفردات العربية في اللهجة السودانية.. راجياً من ذوي الاختصاص.. والأخوة الكرام المساهمة والإدلاء بدولهم...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبوآيه
دويمابي برتبة مقدم
دويمابي برتبة مقدم
أبوآيه


عدد الرسائل : 1150

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالسبت 25 يونيو - 15:24

لك ألف تحيه وتقديرموضوعك رائع حقاً
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالسبت 25 يونيو - 16:47

شكراً وجزاك الله خيراً أبو آية...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: