فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن الإثنين 2 مايو - 21:48 | |
| الثامنة عشرة : قوله تعالى : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ } معطوف على ما قبله ، و {أن} في محل رفع ، أي وحم عليكم الاستقسام. والأزلام قداح الميسر ، واحدها زلم وزلم ؛ قال : بات يقاسيها غلام كالزلم وقال آخر ، فجمع : فلئن جذيمة قتلت سرواتها ... فنساؤها يضربن بالأزلام وذكر محمد بن جرير : أن ابن وكيع حدثهم عن أبيه عن شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير أن الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها. قال محمد بن جرير : قال لنا سفيان بن وكيع : هي الشطرنج. فأما قول لبيد : تزل عن الثرى أزلامها فقالوا : أراد أظلاف البقرة الوحشية. والأزلام العرب ثلاثة أنواع : منها الثلاثة التي كان يتخذها كل إنسان لنفسه ، على أحدها أفعل ، وعلى الثاني لا تفعل ، والثالث مهمل لا شيء عليه ، فيجعلها في خريطة معه ، فإذا أراد فعل شيء أدخل يده - وهي متشابهة - فإذا خرج أحدها ائتمر وانتهى بحسب ما يخرج له ، وإن خرج القدح الذي لا شيء عليه أعاد الضرب ؛ وهذه هي التي ضرب بها سراقة بن مالك بن جعشم حين أتبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وقت الهجرة ؛ وإنما قيل لهذا الفعل : استقسام لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون ؛ كما يقال : الاستسقاء في الاستدعاء للسقي. ونظير هذا الذي حرمه الله تعالى قول المنجم : لا تخرج من أجل نجم كذا ، وأخرج من أجل نجم كذا. وقال جل وعز : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً } الآية . وسيأتي بيان هذا مستوفى إن شاء الله. والنوع الثاني : سبعة قداح كانت عند هبل في جوف الكعبة مكتوب عليها ما يدور بين الناس من النوازل ، كل قدح منها فيه كتاب ؛ قدح فيه العقل من أم الديات ، وفي آخر "منكم" وفي آخر "من غيركم" ، وفي آخر "ملصق" ، وفي سائرها أحكام المياه وغير ذلك ، (6/58) وهي التي ضرب بها عبدالمطلب على بنيه إذ كان نذر نحر أحدهم إذا كملوا عشرة ؛ الخبر المشهور ذكره ابن إسحاق. وهذه السبعة أيضا كانت عند كل كاهن من كهان العرب وحكامهم ؛ على نحو ما كانت في الكعبة عند هبل. والنوع الثالث : هو قداح المسير وهي عشرة ؛ سبعة منها فيها حظوظ ، وثلاثة أغفال ، وكانوا يضربون بها مقام لهوا ولعبا ، وكان عقلاؤهم يقصدون بها إطعام المساكين والمعدم في زمن الشتاء وكلب البرد وتعذر التحرف. وقال مجاهد : الأزلام هي كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها. وقال سفيان ووكيع : هي الشطرنج ؛ فالاستقسام بهذا كله هو طلب القسم والنصيب كما بينا ؛ وهو من أكل المال بالباطل ، وهو حرام ، وكل مقامرة بحمام أو بنرد أو شطرنج أو بغير ذلك من هذه الألعاب فهو استقسام بما هو في معنى الأزلام حرام كله ؛ وهو صرب من التكهن والتعرض لدعوى علم الغيب. قال ابن خويز منداد : ولهذا نهى أصحابنا عن الأمور التي يفعلها المنجمون على الطرقات من السهام التي معهم ، ورقاع الفأل في أشباه ذلك. وقال الكيا الطبري : وإنما نهى الله عنها فيما يتعلق بأمور الغيب ؛ فإنه لا تدري نفس ماذا يصيبها غدا ، فليس للأزلام في تعريف المغيبات أثر ؛ فاستنبط بعض الجاهلين من هذا الرد على الشافعي في الإقراع بين المماليك في العتق ، ولم يعلم هذا الجاهل أن الذي قاله الشافعي بني على الأخبار الصحيحة ، وليس مما يعترض عليه بالنهي عن الاستقسام بالأزلام ؛ فإن العتق حكم شرعي ، يجوز أن يجعل الشرع خروج القرعة علما على إثبات حكم العتق قطعا للخصومة ، أو لمصلحة يراها ، ولا يساوي ذلك قول القائل : إذا فعلت كذا أو قلت كذا فذلك يدلك في المستقبل على أمر من الأمور ، فلا يجوز أن يجعل خروج القداح علما على شيء يتجدد في المستقبل ، ويجوز أن يجعل خروج القرعة علما على العتق قطعا ؛ فظهر افتراق البابين. التاسعة عشرة : وليس من هذا الباب طلب الفأل ، وكان عليه الصلاة والسلام يعجبه أن يسمع يا راشد يا نجيح ؛ أخرجه الترمذي وقال : حديث صحيح غريب ؛ وإنما كان يعجبه الفأل لأنه (6/59) تنشرح له النفس وتستبشر بقضاء الحاجة وبلوغ الأمل ؛ فيحسن الظن بالله عز وجل ، وقد قال : "أنا عند ظن عبدي بي" وكان عليه السلام يكره الطيرة ؛ لأنها من أعمال أهل الشرك ؛ ولأنها تجلب ظن السوء بالله عز وجل. قال الخطابي : الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل إنما هو من طريق حسن الظن بالله ، والطيرة إنما هي من طريق الاتكال على شيء سواه. وقال الأصمعي : سألت ابن عون عن الفأل فقال : هو أن يكون مريضا فيسمع يا سالم ، أو يكون باغيا فيسمع يا واجد ؛ وهذا معنى حديث الترمذي ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "لا طيرة وخيرها الفأل" ، قيل : يا رسول الله وما الفأل ؟ قال : "الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم " . وسيأتي لمعنى الطيرة مزيد بيان إن شاء الله تعالى. روي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال : إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه ، ومن يتوق الشر يوقه ، وثلاثة لا ينالون الدرجات العلا ؛ من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر من طيرة الموفية العشرون : قوله تعالى : { ذَلِكُمْ فِسْقٌ } إشارة إلى الاستقسام بالأزلام. والفسق الخروج ، وقد تقدم. وقيل يرجع إلى جميع ما ذكر من الاستحلال لجميع هذه المحرمات ، وكل شيء منها فسق وخروج من الحلال إلى الحرام ، والانكفاف عن هذه المحرمات من الوفاء بالعقود ، إذ قال : { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } . الحادية والعشرون : قوله تعالى : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ } يعني أن ترجعوا إلى دينهم كفارا. قال الضحاك : نزلت هذه الآية حين فتح مكة ؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع ، ويقال : سنة ثمان ، ودخلها ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إلا من قال لا إله إلا الله فهو آمن ، ومن وضع السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن" . وفي { يَئِسَ } لغتان ، يئس ييأس يأسا ، وأيس يأيس (6/60) إياسا وإياسة ؛ قاله النضر بن شميل. { فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } أي لا تخافوهم وخافوني فإني أنا القادر على نصركم الثانية والعشرون : قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين كان بمكة لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها ، فلما قدم المدينة أنزل الله الحلال والحرام إلى أن حج ؛ فلما حج وكمل الدين نزلت هذه الآية : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } الآية ؛ على ما نبينه. روى الأئمة عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر فقال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا أنزلت معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا ؛ قال : وأي آية ؟ قال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً } فقال عمر : إني لأعلم اليوم الذي أنزلت فيه والمكان الذي أنزلت فيه ؛ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة في يوم جمعة. لفظ مسلم. وعند النسائي ليلة جمعة. وروي أنها لما نزلت في يوم الحج الأكبر وقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى عمر ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما يبكيك" ؟ فقال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "صدقت" وروى مجاهد أن هذه الآية نزلت يوم فتح مكة. قلت : القول الأول أصح ، أنها نزلت في يوم جمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة على ناقته العضباء ، فكاد عضد الناقة ينقد من ثقلها فبركت. و { الْيَوْمَ } قد يعبر بجزء منه عن جميعه ، وكذلك عن الشهر ببعضه ؛ تقول : فعلنا في شهر كذا وكذا وفي سنة كذا كذا ، ومعلوم أنك لم تستوعب الشهر ولا السنة ؛ وذلك مستعمل في لسان العرب والعجم. والدين عبارة عن الشرائع التي شرع وفتح لنا ؛ فإنها نزلت نجوما وآخر ما نزل منها هذه الآية ، ولم ينزل بعدها حكم ، قاله ابن عباس والسدي. وقال الجمهور : المراد معظم الفرائض والتحليل والتحريم ، قالوا : وقد نزل (6/61) بعد ذلك قرآن كثير ، ونزلت آية الربا ، ونزلت آية الكلالة إلى غير ذلك ، وإنما كمل معظم الدين وأم الحج ، إذا لم يطف معهم في هذه السنة مشرك ، ولا طاف بالبيت عريان ، ووقف الناس كلهم بعرفة. وقيل : { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } بأن أهلكت لكم عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول : قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك. الثالثة والعشرون : قوله تعالى : { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } أي بإكمال الشرائع والأحكام وإظهار دين الإسلام كما وعدتكم ، إذ قلت : { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } وهي دخول مكة. آمنين مطمئنين وغير ذلك مما انتظمته هذه الملة الحنيفية إلى دخول الجنة في رحمة الله تعالى الرابعة والعشرون : لعل قائلا يقول : قوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يدل على أن الدين كان غير كامل في وقت من الأوقات ، وذلك يوجب أن يكون جميع من مات من المهاجرين والأنصار والذين شهدوا بدرا والحديبية وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعتين جميعا ، وبذلوا أنفسهم لله مع عظيم ما حل بهم من أنواع المحن ماتوا على دين ناقص ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كان يدعو الناس إلى دين ناقص ، ومعلوم أن النقص عيب ، ودين الله تعالى قيم ، كما قال تعالى : { دِيناً قِيَماً } فالجواب أن يقال له : لم قلت إن كل نقص فهو عيب وما دليلك عليه ؟ ثم يقال له : أرأيت نقصان الشهر هل كون عيبا ، ونقصان صلاة المسافر أهو عيب لها ، ونقصان العمر الذي أراده الله بقوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } أهو عيب له ، ونقصان أيام الحيض عن المعهود ، ونقصان أيام الحمل ، ونقصان المال بسرقة أو حريق أو غرق إذا لم يفتقر صاحبه ، فما أنكرت أن نقصان أجزاء الدين في الشرع قبل أن تلحق به الأجزاء الباقية في علم الله تعالى هذه ليست بشين ولا عيب ، وما أنكرت أن معنى قول الله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يخرج على وجهين : أحدهما : أن يكون المراد بلغته أقصى الحد الذي كان له عندي فيما قضيته وقدرته ، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصا نقصان عيب ، لكنه يوصف بنقصان مقيد (6/62) فيقال له : إنه كان ناقصا عما كان عند الله تعالى أنه ملحقه به وضامه إليه ؛ كالرجل يبلغه الله مائة سنة فيقال : أكمل الله عمره ؛ ولا يجب عن ذلك أن يكون عمره حين كان ابن ستين كان ناقصا نقص قصور وخلل ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : "من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر" . ولكنه يجوز أن يوصف بنقصان مقيد فيقال : كان ناقصا عما كان عند الله تعالى أنه مبلغه إياه ومعمره إليه. وقد بلغ الله بالظهر والعصر والعشاء أربع ركعات ؛ فلو قيل عند ذلك أكملها لكان الكلام صحيحا ، ولا يجب عن ذلك أنها كانت حين كانت ركعتين ناقصة نقص قصور وخلل ؛ ولو قيل : كانت ناقصة عما عند الله أنه ضامه إليها وزائدة عليها لكان ذلك صحيحا فهكذا ، هذا في شرائع الإسلام وما كان شرع منها شيئا فشيئا إلى أن أنهى الله الدين منتهاه الذي كان له عنده. والله أعلم. والوجه الآخر : أنه أراد بقوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أنه وفقهم للحج الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدين غيره ، فحجوا ؛ فاستجمع لهم الدين أداء لأركانه وقياما بفرائضه ؛ فإنه يقول عليه السلام : "بني الإسلام على خمس" الحديث. وقد كانوا تشهدوا وصلوا وزكوا وصاموا وجاهدوا واعتمروا ولم يكونوا حجوا ؛ فلما حجوا ذلك اليوم مع النبي صلى الله عليه وسلم أنزل الله تعالى وهم بالموقف عشية عرفة { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } فإنما أراد أكمل وضعه لهم ؛ وفي ذلك دلالة على أن الطاعات كلها دين وإيمان وإسلام. الخامسة والعشرون : قوله تعالى : { وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً } أي أعلمتكم برضاي به لكم دينا ؛ فإنه تعالى لم يزل راضيا بالإسلام لنا دينا ؛ فلا يكون لاختصاص الرضا بذلك اليوم فائدة إن حملناه على ظاهره. و { دِيناً } نصب على التمييز ، وإن شئت على مفعول ثان. وقيل : المعنى ورضيت عنكم إذا أنقدتم لي بالدين الذي شرعته لكم. ويحتمل أن يريد { وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً } أي ورضيت إسلامكم الذي أنتم عليه اليوم دينا باقيا بكماله إلى آخر الآية لا أنسخ منه شيئا. والله أعلم. و { الإسْلامَ } في هذه الآية هو الذي في قوله تعالى : (6/63) { إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الأِسْلامُ } وهو الذي يفسر في سؤال جبريل للنبي عليهما الصلاة والسلام ، وهو الإيمان والأعمال والشعب السادسة والعشرون : قوله تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ } يعني من دعته ضرورة إلى أكل الميتة وسائر المحرمات في هذه الآية. والمخمصة الجوع وخلاء البطن من الطعام. والخمص ضمور البطن. ورجل خميص وخمصان وامرأة خميصة وخمصانة ؛ ومنه أخمص القدم ، ويستعمل كثيرا في الجوع والغرث ؛ قال الأعشى : تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا أي منطويات على الجوع قد أضمر بطونهن. وقال النابغة في خمص البطن من جهة ضمره : والبطن ذو عكن خميص لين ... والنحر تنفجه بثدي مقعد وفي الحديث : "خماص البطون خفاف الظهور" الخماص جمع الخميص البطن ، وهو الضامر. أخبر أنهم أعفاء عن أموال الناس ؛ ومنه الحديث : "إن الطير تغدو خماصا وتروح بطانا" والخميصة أيضا ثوب ؛ قال الأصمعي : الخمائص ثياب خز أو صوف معلمة ، وهي سوداء ، كانت من لباس الناس. وقد تقدم معنى الاضطرار وحكمه في البقرة. السابعة والعشرون : قوله تعالى : { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } أي غير مائل لحرام ، وهو بمعنى { غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ } وقد تقدم. والجنف الميل ، والإثم الحرام ؛ ومنه قول عمر رضي الله عنه : ما تجانفنا فيه لإثم ؛ أي ما ملنا ولا تعمدنا ونحن نعلمه : وكل مائل فهو متجانف وجنف. وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب والسلمي { مُتَجَنِِّفٍ } دون ألف ، وهو أبلغ في المعني ، لأن شد العين يقتضي مبالغة وتوغلا في المعنى وثبوتا لحكمه ؛ وتفاعل إنما هو محاكاة الشيء (6/64) والتقرب منه ؛ ألا ترك أنك إذا قلت : تمايل الغصن فإن ذلك يقتضي تأودا ومقاربة ميل ، وإذا قلت : تميل فقد ثبت حكم الميل ، وكذلك تصاون الرجل وتصون ، وتعاقل وتعقل ؛ فالمعنى غير متعمد لمعصية في مقصده ؛ قاله قتادة والشافعي. { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي فإن الله له غفور رحيم فحذف ، وأنشد سيبويه : قد أصبحت أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع أراد لم أصنعه فحذف. والله أعلم. 4- { يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } فيه ثماني عشرة مسألة : الأولى- قوله تعالى : { يَسْأَلونَكَ } الآية نزلت بسبب عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل وهو زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير ؛ قالا : يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة ، وإن الكلاب تأخذ البقر والحمر والظباء فمنه ما ندرك ذكاته ، ومنه ما تقتله فلا ندرك ذكاته ، وقد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا ؟ فنزلت الآية. الثانية- قوله تعالى : { مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } {مَا} في موضع رفع بالابتداء ، والخبر { أُحِلَّ لَهُمْ } و {ذَا} زائدة ، وإن شئت كانت بمعنى الذي ، ويكون الخبر { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } وهو الحلال ، وكل حرام فليس بطيب. وقيل : ما التذه آكله وشاربه ولم يكن عليه فيه ضرر في الدنيا ولا في الآخرة. وقيل : الطيبات الذبائح ، لأنها طابت بالتذكية الثالثة- قوله تعالى : { وَمَا عَلَّمْتُمْ } أي وصيد ما علمتم ؛ ففي الكلام إضمار لا بد منه ، ولولاه لكان المعنى يقتضي أن يكون الحل المسؤول عنه متناولا للمعلم من الجوارح المكلبين ، (6/65) وذلك ليس مذهبا لأحد ؛ فإن الذي يبيح لحم الكلب فلا يخصص الإباحة بالمعلم ؛ وسيأتي ما للعلماء في أكل الكلب في {الأنعام} إن شاء الله تعالى. وقد ذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن الآية تدل على أن الإباحة تتناول ما علمناه من الجوارح ، وهو ينتظم الكلب وسائر جوارح الطير ، وذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع ، فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها بسائر وجوه المنافع إلا ما خصه الدليل ، وهو الأكل من الجوارح أي الكواسب من الكلاب وسباع الطير ؛ وكان لعدي كلاب خمسة قد سماها بأسماء أعلام ، وكان أسماء أكلبه سلهب وغلاب والمختلس والمتناعس ، قال السهيلي : وخامس أشك ، قال فيه أخطب ، أو قال فيه وثاب. الرابعة- أجمعت الأمة على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم فينشلي إذا أشلي ويجيب إذ دعي ، وينزجر بعد ظفره بالصيد إذا زجر ، وأن يكون لا يأكل من صيده الذي صاده ، وأثر فيه بجرح أو تنييب ، وصاد به مسلم وذكر اسم الله عند إرساله أن صيده صحيح يؤكل بلا خلاف ؛ فإن انخرم شرط من هذه الشروط دخل الخلاف. فإن كان الذي يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبهه وكالبازي والصقر ونحوهما من الطير فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد التعليم فهو جارح كاسب. يقال : جرح فلان واجترح إذا اكتسب ؛ ومنه الجارحة لأنها يكتسب بها ، ومنه اجتراح السيئات. وقال الأعشى : ذا جبار منضجا ميسمه ... يذكر الجارح ما كان اجترح وفي التنزيل { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ } وقال : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ } . الخامسة- قوله تعالى : { مُكَلِّبِينَ } معنى { مُكَلِّبِينَ } أصحاب الكلاب وهو كالمؤدب صاحب التأديب. وقيل : معناه مضرين على الصيد كما تضرى الكلاب ؛ قال الرماني : وكلا (6/66) القولين محتمل. وليس في { مُكَلِّبِينَ } دليل على أنه إنما أبيح صيد الكلاب خاصة ؛ لأنه بمنزلة قوله : { مُؤْمِنِينَ } وإن كان قد تمسك به من قصر الإباحة على الكلاب خاصة. روي عن ابن عمر فيما حكى ابن المنذر عنه قال : وأما ما يصاد به من البزاة وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فذكه فهو لك حلال ، وإلا فلا تطعمه. قال ابن المنذر : وسئل أبو جعفر عن البازي يحل صيده قال : لا ؛ إلا أن تدرك ذكاته. وقال الضحاك والسدي : { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } هي الكلاب خاصة ؛ فإن كان الكلب أسود بهيما فكره صيده الحسن وقتادة والنخعي. وقال أحمد : ما أعرف أحدا يرخص فيه إذا كان بهيما ؛ وبه قال إسحاق بن راهويه ؛ فأما عوام أهل العلم بالمدينة والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم ، أما من منع صيد الكلب الأسود فلقوله صلى الله عليه وسلم : "الكلب الأسود شيطان" ، أخرجه مسلم. احتج الجمهور بعموم الآية ، واحتجوا أيضا في جواز صيد البازي بما ذكر من سبب النزول ، وبما خرجه الترمذي عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال : "ما أمسك عليك فكل" . في إسناده مجالد ولا يعرف إلا من جهته وهو ضعيف. وبالمعنى وهو أن كل ما يتأتى من الكلب يتأتى من الفهد مثلا فلا فارق إلا فيما لا مدخل له في التأثير ؛ وهذا هو القياس في معنى الأصل ، كقياس السيف على المدية والأمة على العبد ، وقد تقدم. السادسة- وإذا تقرر هذا فأعلم أنه لا بد للصائد أن يقصد عند الإرسال التذكية والإباحة ، وهذا لا يختلف فيه ؛ لقوله عليه السلام : "إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل" وهذا يقتضي النية والتسمية ؛ فلو قصد مع ذلك اللهو فكرهه مالك وأجازه ابن عبدالحكم ، وهو ظاهر قول الليث : ما رأيت حقا أشبه بباطل منه ، يعني الصيد ؛ فأما لو فعله بغير نية التذكية فهو حرام ؛ لأنه من باب الفساد وإتلاف حيوان لغير منفعة ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلة. وقد ذهب الجمهور من العلماء إلى أن التسمية لا بد منها بالقول عند الإرسال ؛ لقوله : "وذكرت اسم الله" فلو لم توجد على أي وجه كان لم يؤكل الصيد ؛ وهو مذهب أهل الظاهر وجماعة أهل الحديث. وذهبت جماعة (6/67) من أصحابنا وغيرهم إلى أنه يجوز أكل ما صاده المسلم وذبحه وإن ترك التسمية عمدا ؛ وحملوا الأمر بالتسمية على الندب. وذهب مالك في المشهور إلى الفرق بين ترك التسمية عمدا أو سهوا فقال : لا تؤكل مع العمد وتؤكل مع السهو ؛ وهو قول فقهاء الأمصار ، وأحد قولي الشافعي ، وستأتي هذه المسألة في {الأنعام} إن شاء الله تعالى. ثم لا بد أن يكون انبعاث الكلب بإرسال من يد الصائد بحيث يكون زمامه بيده. فيخلي عنه ويغريه عليه فينبعث ، أو يكون الجارح ساكنا مع رؤيته الصيد فلا يتحرك له إلا بالإغراء من الصائد ، فهذا بمنزلة ما زمامه بيده فأطلقه مغريا له على أحد القولين ؛ فأما لو انبعث الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال ولا إغراء فلا يجوز صيده ولا يحل أكله عند الجمهور ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي ؛ لأنه إنما صاد لنفسه من غير إرسال وأمسك عليها ، ولا صنع للصائد فيه ، فلا ينسب إرسال إليه ؛ لأنه لا يصدق عليه قوله عليه السلام : "إذا أرسلت كلبك المعلم" وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي : يؤكل صيده إذا كان أخرجه للصيد. السابعة- قرأ الجمهور { عَلَّمْتُمْ } بفتح العين واللام. وابن عباس ومحمد بن الحنفية بضم العين وكسر اللام ، أي من أمر الجوارح والصيد بها. والجوارح الكواسب ، وسميت أعضاء الإنسان جوارح لأنها تكسب وتتصرف. وقيل : سميت جوارح لأنها تجرح وتسيل الدم ، فهو مأخوذ من الجراح ، وهذا ضعيف ، وأهل اللغة على خلافه ، وحكاه ابن المنذر عن قوم. و{ مُكَلِّبِينَ } قراءة الجمهور بفتح الكاف وشد اللام ، والمكلب معلم الكلاب ومضريها. ويقال لمن يعلم غير الكلب : مكلب ؛ لأنه يرد ذلك الحيوان كالكلب ؛ حكاه بعضهم. ويقال للصائد : مكلب فعلى هذا معناه صائدين. وقيل : المكلب صاحب الكلاب ، يقال : كلب فهو مكلب وكلاب. وقرأ الحسن { مُكْلِبِِينَ } بسكون الكاف وتخفيف اللام ، ومعناه أصحاب كلاب ، يقال : أمشى الرجل كثرت ماشيته ، وأكلب كثرت كلابه ، وأنشد الأصمعي : وكل فتى وإن أمشى فأثرى ... ستخلجه عن الدنيا منون (6/68) الثامنة- قوله تعالى : { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ } أنث الضمير مراعاة للفظ الجوارح ؛ إذ هو جمع جارحة. ولا خلاف بين العلماء في شرطين في التعليم وهما : أن يأتمر إذا أمر وينزجر إذا زجر ؛ لا خلاف في هذين الشرطين في الكلاب وما في معناها من سباع الوحوش. واختلف فيما يصاد به من الطير ؛ فالمشهور أن ذلك مشترط فيها عند الجمهور. وذكر ابن حبيب أنه لا يشترط فيها أن تنزجر إذا زجرت ؛ فإنه لا يتأتى ذلك فيها غالبا ، فيكفي أنها إذا أمرت أطاعت. وقال ربيعة : ما أجاب منها إذا دعي فهو المعلم الضاري ؛ لأن أكثر الحيوان بطبعه ينشلي. وقد شرط الشافعي وجمهور من العلماء في التعليم أن يمسك على صاحبه ، ولم يشترطه مالك في المشهور عنه. وقال الشافعي : المعلم هو الذي إذا أشلاه صاحبه انشلى ؛ وإذا دعاه إلى الرجوع رجع إليه ، ويمسك الصيد على صاحبه ولا يأكل منه ؛ فإذا فعل هذا مرارا وقال أهل العرف : صار معلما فهو المعلم. وعن الشافعي أيضا والكوفيين : إذا أشلي فانشلى وإذا أخذ حبس وفعل ذلك مرة بعد مرة أكل صيده في الثالثة. ومن العلماء من قال : يفعل ذلك ثلاث مرات ويؤكل صيده في الرابعة. ومنهم من قال : إذا فعل ذلك مرة فهو معلم ويؤكل صيده في الثانية. التاسعة- قوله تعالى : { فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ } أي حبسن لكم. واختلف العلماء في تأويله ؛ فقال ابن عباس وأبو هريرة والنخعي وقتادة وابن جبير وعطاء بن أبي رباح وعكرمة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والنعمان وأصحابه : المعنى ولم يأكل ؛ فإن أكل لم يؤكل ما بقي ، لأنه أمسك على نفسه ولم يمسك على ربه. والفهد عند أبي حنيفة وأصحابه كالكلب ولم يشترطوا ذلك في الطيور بل يؤكل ما أكلت منه. وقال سعد بن أبي وقاص وعبدالله بن عمر وسلمان الفارسي وأبو هريرة أيضا : المعنى وإن أكل ؛ فإذا أكل الجارح كلبا كان أو فهدا أو طيرا أكل ما بقي من الصيد وإن لم يبق إلا بضعة ؛ وهذا قول مالك وجميع أصحابه ، وهو القول الثاني للشافعي ، وهو القياس. وفي الباب حديثان بمعنى ما ذكرنا أحدهما : حديث عدي في الكلب المعلم "وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه" أخرجه مسلم. الثاني : (6/69) حديث أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب : "إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل وإن أكل منه وكل ما ردت عليك يدك" أخرجه أبو داود ، وروي عن عدي ولا يصح ؛ والصحيح عنه حديث مسلم ؛ ولما تعارضت الروايتان رام بعض أصحابنا وغيرهم الجمع بينهما فحملوا حديث النهي على التنزيه والورع ، وحديث الإباحة على الجواز ، وقالوا : إن عديا كان موسعا عليه فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بالكف ورعا ، وأبا ثعلبة كان محتاجا فأفتاه بالجواز ؛ والله أعلم. وقد دل على صحة هذا التأويل قول عليه الصلاة والسلام في حديث عدي : "فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" هذا تأويل علمائنا. وقال أبو عمر في كتاب "الاستذكار" : وقد عارض حديث عدي هذا حديث أبي ثعلبة ، والظاهر أن حديث أبي ثعلبة ناسخ له ؛ فقوله : وإن أكل يا رسول الله ؟ قال : "وإن أكل" قلت : هذا فيه نظر ؛ لأن التاريخ مجهول ؛ والجمع بين الحديثين أولى ما لم يعلم التاريخ ؛ والله أعلم. وأما أصحاب الشافعي فقالوا : إن كان الأكل عن فرط جوع من الكلب أكل وإلا لم يؤكل ؛ فإن ذلك من سوء تعليمه. وقد روي عن قوم من السلف التفرقة بين ما أكل منه الكلب والفهد فمنعوه ، وبين ما أكل منه البازي فأجازوه ، قال النخعي والثوري وأصحاب الرأي وحماد بن أبي سليمان ، وحكي عن ابن عباس وقالوا : الكلب والفهد يمكن ضربه وزجره ، والطير لا يمكن ذلك فيه ، وحد تعليمه أن يدعى فيجيب ، وأن يشلى فينشلي ؛ لا يمكن فيه أكثر من ذلك ، والضرب يؤذيه. العاشرة- والجمهور من العلماء على أن الجارح إذا شرب من دم الصيد أن الصيد يؤكل ؛ قال عطاء : ليس شرب الدم بأكل ؛ وكره أكل ذلك الصيد الشعبي وسفيان الثوري ، ولا خلاف بينهم أن سبب إباحة الصيد الذي هو عقر الجارح له لا بد أن يكون متحققا غير مشكوك فيه ، ومع الشك لا يجوز الأكل ، وهي : الحادية عشرة- فإن وجد الصائد مع كلبه كلبا آخر فهو محمول على أنه غير مرسل من صائد آخر ، وأنه إنما انبعث في طلب الصيد بطبعه ونفسه ، ولا يختلف في هذا ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : (6/70) "وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل - في رواية - فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره" . فأما لو أرسله صائد آخر فاشترك الكلبان فيه فإنه للصائدين يكونان شريكين فيه. فلو أنفذ أحد الكلبين مقاتله ثم جاء الآخر فهو للذي أنفذ مقاتله ، وكذلك لا يؤكل ما رمي بسهم فتردى من جبل أو غرق في ماء ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لعدي : "وإن رميت بسهمك فأذكر اسم الله فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك" وهذا نص الثانية عشرة- لو مات الصيد في أفواه الكلاب من غير بضع لم يؤكل ؛ لأنه مات خنقا فأشبه أن يذبح بسكين كالة فيموت في الذبح قبل أن يفرى حلقه. ولو أمكنه أخذه من الجوارح وذبحه فلم يفعل حتى مات لم يؤكل ، وكان مقصرا في الذكاة ؛ لأنه قد صار مقدورا على ذبحه ، وذكاة المقدور عليه تخالف ذكاة غير المقدور عليه. ولو أخذه ثم مات قبل أن يخرج السكين ، أو تناولها وهي معه جاز أكله ؛ ولو لم تكن السكين معه فتشاغل بطلبها لم تؤكل. وقال الشافعي : فيما نالته الجوارح ولم تدمه قولان أحدهما : إلا يؤكل حتى يجرح ؛ لقوله تعالى : { مِنَ الْجَوَارِحِ } وهو قول ابن القاسم ؛ والآخر : أنه حر وهو قول أشهب ، قال أشهب : إن مات من صدمة الكلب أكل. الثالثة عشرة- قوله : "فإن غاب عنك يوما فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل" ونحوه في حديث أبي ثعلبة الذي خرجه أبو داود ، غير أنه زاد "فكله بعد ثلاث ما لم ينتن" يعارضه قوله عليه السلام : "كل ما أصميت ودع ما أنميت" فالإصماء ما قتل مسرعا وأنت تراه ، والإنماء أن ترمي الصيد فيغيب ، عنك فيموت وأنت لا تراه ؛ يقال : قد أنميت الرمية فنمت تنمي إذا غابت ثم ماتت قال امرؤ القيس : فهو لا تنمي رميته ... ماله لا عد من نفرة وقد اختلف العلماء في أكل الصيد الغائب على ثلاثة أقوال : يؤكل ، وسواء قتله السهم أو الكلب. الثاني : لا يؤكل شيء من ذلك إذا غاب ؛ لقوله : "كل ما أصميت ودع ما أنميت" (6/71) | |
|