ا نتشرت بكثرة تلك الأطعمة العضوية التي لا تُستخدم في إنتاجها الطرق الحديثة في الزراعة أو تربية المواشي، حيث إن بعضاً من شركات سلسلة أسواق السوبر ماركت، في أنحاء شتى من العالم، تتبنى توفير تلك المنتجات مباشرة من المزارعين والرعاة إلى المستهلكين، تحت مسمى المنتجات الغذائية العضوية. وتَعدُ تلك المتاجر بتوفيرها بأسعار مقاربة لأسعار المنتجات الغذائية التقليدية، أي التي تُستخدم الطرق الحديثة في الزراعة وتربية الماشية لإنتاجها.
ويأتي هذا الانتشار بعد الدعايات الإعلامية حول هذه المنتجات العضوية خاصة من ناحية إغراء المستهلكين بفوائدها الصحية وقدرتها على معالجة الأمراض، إضافة إلى حماية البيئة، بالمقارنة مع المنتجات الغذائية التقليدية الشائعة في العالم أجمع.
فهل نحن أمام تقليعة جديدة أخذت تغزو العالم بقوة، أم أن تفضيل المنتجات العضوية هو بناء على أسس علمية أثبتت الفوائد الصحية والطبية المنسوبة إليها، نتيجة لدراسات طبية مقارنة؟ أم أن مجرد تفكير البعض حول أسباب تمادي طوفان موجات الأمراض وتفشيها دون هوادة خلال العقود الماضية، قادهم بلا أدلة علمية طبية إلى أن السبب يكمن في الطرق الحديثة لإنتاج الأغذية، ما جعل الحل المباشر هو في اللجوء إلى تناول الأطعمة المنتجة بالطرق الزراعية أو الرعوية القديمة؟
والأهم، من هذا كله، هو هل كل ما يُكتب اليوم عليه بأنه عضوي، هو صحيح كذلك؟ وإن كان صحيحاً اليوم، فهل سيكون صحيحاً غداً، مع دخول الشركات الكبرى في المضمار ووعودها بأن يكون ثمن المنتجات تلك رخيصاً؟
هناك ثلاثة أسباب وراء اهتمام الأوساط العلمية والزراعية والقانونية وحماية المستهلك وغيرها، بالمنتجات الغذائية العضوية:
السبب الأول هو النموالسنوي المضطرد لإنتاج وتوزيع واستهلاك المنتجات الغذائية العضوية، فالإحصاءات الحديثة في مجال الإنتاج الزراعي تقول إن إقبال المستهلكين على شراء المنتجات العضوية، لدواعي صحية بالدرجة الأولى، فرض حصول نمو في استهلاكها.
السبب الثاني هو أن الطلب الأكبر لهذه المستحضرات الطبيعية كان من قبل المستهلكين الذين عانوا من أنواع الحساسية للمستحضرات الصناعية، لكن شريحة المستهلكين اليوم تشملهم وتشمل غيرهم ممن لم يعانوا من المستحضرات الصناعية. وما لفت الانتباه حقيقة هو نمو سوق نوعية أخرى من مستحضرات التجميل الطبيعية، وهي المستحضرات الطبيعية العضوية. ما يفتح الباب على مصراعيه لتطور سوق نوع جديد من المنتجات العضوية غير الغذائية.
السبب الثالث هو إعلان إحدى كبريات شركات سلسلة المتاجر العامة في الولايات المتحدة، وهي متاجر وول مارت، بأنها تعتزم مضاعفة حجم مبيعاتها من المنتجات العضوية، ومحاولتها وعد المستهلكين بتقلص الفارق بين سعر المنتجات التقليدية والمنتجات العضوية.
ولكن لا توجد حتى اليوم دراسات طبية متخصصة وكافية في مقارنة الآثار الصحية والطبية لتناول المنتجات الغذائية العضوية بالمقارنة مع المنتجات الغذائية التقليدية. ولذا فإن العديد من المصادر الطبية لم تستطع الجزم بتفضيل المنتجات العضوية على غيرها ابتغاء رفع مستوى صحة الإنسان.
وفق تعريف وزارة الزراعة الأميركية، الصادر في 21 أكتوبر عام 2002، فإن المنتجات الغذائية العضوية هي منتجات المزارعين الذين يحرصون على استخدام موارد متجددة ويُحافظون على التربة والمياه للإبقاء على نوعية عالية من سلامة البيئة للأجيال القادمة. أي أن سلسلة العمليات الإنتاجية لها لا تُستخدم فيها طرق الإنتاج التقليدي.
بمعنى أن تحفيز نمو النباتات لا يكون بالأسمدة المصنوعة بطريقة كيميائية، بل باستخدام أسمدة طبيعية كروث البقر أو مخلفات المواشي الأخرى. وللقضاء على الحشرات الضارة بالمحاصيل لا تُستخدم المبيدات الحشرية الكيميائية الصناعية، بل تُستخدم مواد طبيعية أو الطيور أو الأساليب القديمة لمنع تزاوج الحشرات وتكاثرها. لكن عند ظهور وباء في المحاصيل لا يُمكن السيطرة عليه، فإن بالإمكان استخدام مبيدات حشرية مأخوذة من مواد طبيعية أو أقرتها السلطات الحكومية.
ولا تُستخدم التقنيات الحديثة في الحفظ والتغليف كالمواد الحافظة وغيرها من أساليب الكيمياء الحيوية أو التعقيم باستخدام المواد المشعة أو غيرها. ولا تُستخدم فيها تطبيقات التعديل الجيني بالهندسة الوراثية. هذا كله مع التأكيد على أن تربة المزرعة يجب أن لا تكون قد تعرضت خلال السنوات الثلاث الماضية لأي من تلك المواد الممنوعة، أي الأسمدة العضوية والمبيدات الحشرية والفضلات البشرية وغيرها. بمعنى أنه لا يستطيع المزارع تحويل مزرعة تقليدية إلى مزرعة عضوية بين ليلة وضحاها.
ومنتجات اللحوم والدواجن ومشتقات الألبان والبيض العضوية لا ُتستخدم في إنتاجها مضادات حيوية أو هرمونات النمو أو أعلاف تقليدية، بمعنى أنه منذ الثلث الأخير للحمل بالعجول أو غيرها، وبدءًا من اليوم الثاني لتفقيس البيض بالنسبة للدواجن، يجب أن تتلقى الحيوانات والدواجن تغذيتها بأعلاف عضوية المصدر 100%. ويجب أن تُترك الحيوانات لترعى في المراعي الخارجية، أي خارج أماكن مبيتها. ولزيادة نمو حجمها ووقايتها من الأمراض يُمكن إعطاؤها فيتامينات أو معادن، وحتى لقاحات الأمراض التي قد تصيب الحيوانات. مع الحرص على توفير أماكن مبيت ذات مواصفات خاصة من ناحية الشكل والتصميم والتهوية والتنظيف وسعة المكان لحركتها وغير ذلك. وثمة فارق بين المنتجات العضوية وبين كل مما يقُال عنه منتجات طبيعية، أو التي يُكتب عليها بأنها من مزارع مكشوفة وغير محمية، أو الخالية من الهرمونات، أو مُغذاة بسماد طبيعي أو غير ذلك. والمنتجات العضوية يُمكن أن تتوفر طازجة. كما ويُمكن أن تتوفر محفوظة ومعالجة، أي دون مواد حافظة أو حفظ بالأشعة، كمعلبات المربيات أو الخضار المجمدة أو أطباق الطعام الجاهزة للطهي.
ثبت ان الأطعمة الطبيعية غير المعالجة كمصدر للعناصر الغذائية ان نسبة العناصر الغذائية في الأطعمة العضوية تفوق بمراحل نسبتها في الأطعمة التي تعرضت للمواد الكيميائية